دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 شوال 1440هـ/27-06-2019م, 05:11 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الخامس: مجلس مذاكرة القسم التاسع عشر من تفسير سورة البقرة

مجلس مذاكرة القسم التاسع عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (258-274)


اكتب رسالة بأسلوب التقرير العلمي في تفسير واحدة من الآيات التالية:

1: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
2: قوله تعالى: {
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
3: قوله تعالى: {
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}.




تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.


تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 شوال 1440هـ/28-06-2019م, 10:41 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

رسالة بأسلوب التقرير العلمي في تفسير قوله تعالى :{ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه وسلم:
اللهم علمنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علما .

هذه رسالة مختصرة ذكرنا فيها بعض أهم المسائل التي احتوتها الآية , مع التقصير في الإحاطة بجميع جوانب كل مسألة , لعل الله أن ينفعنا بها وينفع بها , إنه ولي ذلك والقادر عليه.


بداية نقول : جاءت هذه الآية الكريمة في سياق آيات متتالية عن الإنفاق :
فرغب الله -سبحانه بداية في الإنفاق , وذكر فضله وأجره فقال :{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ....} الآية.
ثم بين سبحانه- بأن ليس كل من أنفق يُتقبل منه , فذكر شرط قبول هذه العبادة العظيمة الجليلة , وذكر في مقابل ذلك ما يبطلها , بل وضرب لهم مثلا في ضياع أجر من أنفق ولم يلتزم بالشروط , فقال :{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ...}الآيات.

وبعد هذه الآيات من الترغيب والترهيب : جاءت هذه الاية لتبين المقصود , وتزيد في مسألة الترغيب والترهيب وبيان المنفق منه بعد أن بينت الايات السابقة المنفق عليه , ولتبين بعض شروط قبول النفقة .

وقد احتوت الآية على العديد من المسائل المتنوعة , سنحاول -بعون الله- بيان ما تيسر لنا منها :

المسألة الأولى:
ذكر المفسرن في سبب نزول هذه الآية عدة أقوال :
القول الأول : إن نـزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر، يظن أن ذلك جائز.
فنزلت الآية.
أخرجه ابن أبي حاتم والطبري عن طريق عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء .
ورواه الترمذي ثم قال : وهذا حديث حسن غريب .


القول الثاني : جاء عن علي رضي الله عنه , قال : نـزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه، فيعزل الجيد ناحية , فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء، فقال عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".
أخرجه الطبري عن طريق ابن سيرين، عن عبيدة السلماني أنه سأل عليا عن الآية.

ويلحق بهذا القول ما ذكره الضحاك أن النبي -صلى الله عليه وسلم - لما أمر بزكاة الفطر ، فجاء رجل بتمر رديء ، فنزلت هذه الآية , وقيل كان الرجل من المنافقين , فيجيء بأردإ طعام له من تمر وغيره، فكره الله ذلك فنزلت الآية .
رواه الطبري . عن يحيى بن أبي طالب عن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك.

وعلى هذا يكون القول الأول بشأن صدقة التطوع والقول الثاني بشأن الزكاة المفروضة , وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله .

ولا مانع أن تكون الآية قد نزلت في جميع هذا لعموم ألفاظها .

المسألة الثانية :
صُدرت الآية بقوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا} أي : صدقوا بالله ورسوله وآيات كتابه.
وهذا نداء للمؤمنين باسم الآيمان , وقد يتسائل البعض عن فائدة ذلك مع كون الأمر بالعبادات لا يطلب إلا من المؤمن؟!
فنقول : إن تصدير الآيات باسم الإيمان ذكر له العلماء فوائد جليلة , لها عظيم الوقع على قلب المؤمن الذي يقرأ القرآن باستمرار وليس بهاجر له , ومن هذه الفوائد نذكر :

أولا: تصدير النداء بالإيمان دليل على الاهتمام به , فهذا مما يوجب استرعاء انتباه المنادى لينتبه لفحوى الخطاب الإلهي , وإغرائه للسماع والامتثال , كما جاء عن ابن مسعود-رضي الله عنه- قوله :(إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك: فإنه خير تأمر به؛ أو شر ينهى عنه). أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه , عن نعيم بن حماد , عن عبدالله بن المبارك , عن مسعر , عن معن وأبو عون أو أحدهما , عن ابن مسعود.
وهذا مما يفترض به أن يزيد المسلم حرصا على اتباع ما جاء في الآية.
ثانيا : النداء بوصف الإيمان دليل على أن تنفيذ هذا الحكم من مقتضيات الإيمان ، وعلى أن إهمال العمل به من أسباب نقص الإيمان أو ذهابه بالكلية بحسب المأمور به , ولا شيء أهم من الإيمان لنحرص عليه.
ثالثا : عند سماع المؤمن هذا النداء يستثار الإيمان فيهم، وهذا مما يدفعهم إلى مطابقة الفعل للقول؛ فلا بد للمؤمن أن يطابق فعله قوله , وإلا وقع في الذم الذي جاء في قوله تعالى :{ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف\3

المسألة الثالثة:
قوله تعالى :{انفقوا} : الخطاب هنا لجميع الأمة مما يصلح له الخطاب , وقوله {انفقوا} أمر من الله تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق , وقد جاء عن ابن عباس قوله: أنفقوا يقول: تصدقوا.
وروي عن مقاتل نحو ذلك.
رواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس.

والأصل في الأمر أنه للوجوب , وقد اختلف العلماء هنا في المراد منه , هل هو للوجوب أم للاستحباب , ذلك أن الأمر في النصوص الشرعية يجوز أن يكون للوجوب أو يكون للندب , لذلك انقسمت أقوالهم في المراد بالإنفاق هنا على قسمين:
- القسم الأول : إن المراد هنا الصدقة المفروضة من الزكاة , وهو قول علي بن أبي طالب وعبيدة السلماني وابن سيرين , كما جاء فيما ذكرناه من آثار في سبب النزول , والشاهد قول علي رضي الله عنه :(نـزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة).
القسم الثاني : قال أصحابه هي في صدقة التطوع , وهو ظاهر قول البراء , والحسن وقتادة , ويشهد له ما جاء عن البراء -رضي الله عنه- في سبب النزول الذ ذكرناه بداية , فتعليقهم للتمر في المسجد ليأكل منه الفقراء دليل على كونه من صدقة التطوع , لأن الزكاة المفروضة مختصة بأصناف معينة لا يجوز تجاوزهم بجعلها مشاعا للجميع.

والراجح -والله أعلم- أن لا تعارض بين الأقوال , فألفاظ الآية عامة , وقد ذكر فيها النوعين : التطوع والمفروض , كما سنبين ذلك في موضعه إن شاء الله.

المسألة الرابعة :
قوله تعالى :{مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} :
(من) هنا للتبعيض،فيكون المعنى: أنفقوا بعض طيبات ما كسبتم , أو هي لبيان الجنس , فتعم القليل والكثير , فتشمل ما لو أنق الإنسان كل ماله.

وقد جاء في لسان العرب في معنى (الطيب) : الطَّيِّبُ خلاف الخَبيث قال ابن بري الأَمر كما ذكر إِلا أَنه قد تتسع معانيه...
وأيضا قال ابن سيده : (طَابَ الشيءُ طِيباً وطَاباً لذَّ وزكَا وطابَ الشيءُ أَيضاً يَطِيبُ طِيباً وطِيَبَةً وتَطْياباً...).

وبين المفسرون المراد بالطيبات في أقوال عدة ساقوها في تفاسيرهم , ونحن نسوقها هنا :
القول الأول : المراد بها من أجود وأنفس أموالكم وأطيبه , وهو قول ابن عباس والزهري , حيث قال ابن عباس في قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} : من أطيب أموالكم وأنفسه، وروي عن الزهري مثل ذلك.
رواه ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وهذا القول مرتبط بما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ، عن ابن عباس , حيث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل الله على نبيه: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} .
ففيه نهي عن تعمد التصدق بالرديئ والرخيص , والأمر بالتصدق بضده من الجيد النفيس الطيب.

القول الثاني : التجارة , وهو قول مجاهد حيث جاء عنه في قوله تعالى : {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} أي: التجارة الحلال.
رواه ابن ابي حاتم والطبري من طرق عن ابن ابي نجيح , ومن طرق عن شعبة عن مجاهد.

وقد يدخل في هذا القول قول من قال بأن المراد بها المغزل , واستدل اصحاب هذا القول بما جاء عن محمد بن خالد الضبي , حيث قال: مر إبراهيم النخعي على امرأة من مراد يقال لها: أم بكر المرادية ، فقالت سمعت عليا يقول: من طيبات ما كسبتم يعني: المغزل.
رواه ابن ابي حاتم عن علي بن الحسين ، عن محمد بن عباد الكوفي ، عن سعيد بن خثيم.

وهذا -إن صح- يكون من التفسير بالمثال , فلا يتعارض مع الآية فلا يستغرب , فالمغزل وسيلة للكسب فيدخل ضمن التجارة , وقد يكون المراد ما يكون من الأرباح بسبب العمل به , أو قد يكون المراد التصدق بما يغزل فيه , وكلاهما صحيح وتصح الزكاة به.

القول الثالث: المراد بالطيبات : الذهب والفضة , وهو قول علي-رضي الله عنه- وقاله السدي ولفظه:( من هذا الذهب والفضة).
أخرج أثر علي الطبري حيث رواه عن عصام بن روّاد بن الجراح، عن أبيه، عن أبي بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة أنه سأل علي...
وأثر السدي أخرجه الطبري كذلك من طريق اسباط عنه.

القول الرابع : أن المراد بالطيب الحلال , وهو قول ابن عباس ومجاهد , حيث قال ابن عباس : (من أطيب أموالكم وأنفَسِه) , وقال مجاهد :(التجارة الحلال) .
رواه الطبري من طريق معاوية عن علي عن ابن عباس .
وأثر مجاهد أخرجه الطبري من طريق شعبة عن الحكم عنه.


الراجح :
لا يوجد تعارض بين الأقوال , وهذا كما قال شيخ الإسلام في مقدمة تفسره , أن غالب اختلاف السلف في التفسير هو من نوع اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد , ويطلق الطيب على المال المكتسب بوجه حلال لا يخالطه ظلم ولا غش , وقد قال عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم في صحيحه :(إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا...) الحديث.
وقال الطبري :(يعني بذلك جل ثناؤه: زكوا من طيّب ما كسبتم بتصرُّفكم إما بتجارة، وإما بصناعة من الذهب والفضة).

وعلى هذا تُحمل اقوال السلف :
فالأمر بالإنفاق من الجيد المحبوب جاءت به النصوص , منه قوله تعالى :{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} آل عمران\92 , والمحبوب لدى الإنسان هو الجيد النفيس .
كذلك جاء الأمر بالإنفاق من الحلال , لأن الله لا يقبل غيره , فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد :(لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا حَرَامًا فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ...)الحديث.
أما من فسر الطيبات بالتجارة , فلكونها وسيلة لكسب المال الحلال الذي يتصدق به , وقد قرن الله تعالى ذكر الضاربين في الأرض للتجارة بالمجاهدين في سبيل الله في قوله : {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } المزمل\20.
ولأن التجارة من الأموال التي تجب فيها الزكاة , وكذلك من فسرها بالفضة والذهب , لكونها النقدين , ومما يتصدق به وتجب فيها الزكاة , كما جاء في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }التوبة\34
فلا تعارض ولله الحمد , وإن أمكن حمل الآية على المعاني التي وردت في تفسيرها دون تعارض : فهذا هو المتحتم لا غيره.


والكسب ما يناله المرء بسعيه كالتجارة والغنيمة والصيد.

والكَسبَ في النصوص الشرعية يعني عند أهل السنة العمل والفعل، وقد قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت} , وهو من الألفاظ التي وقع فيه الخلاف بين القدرية النفاة , والجبرية , وبين قول السلف أهل الحديث والأثر , والصواب ما قاله أهل السنة فهو الموافق للنصوص الشرعية , والأعجب في الأقوال قول الأشاعرة الذين حاولوا التوفيق بين قول المعتزلة (القدرية النفاة) وبين قول أهل السنة والجماعة فجاؤوا بالعجب , بل حتى هم عجزوا عن بيان معنى ما ادعوه في معنى الكسب , حتى قال الشاعر :
مما يُقال ولا حقيقة تحتهُ معقولة تدنو إلى الأفهامِ
الكسبُ عند الأشعري والحَالُ عندَ البهشمي و طفرة النظَّامِ

المسألة الخامسة:
قوله تعالى :{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}: وهنا الكلام يتعلق بما أخرج الله-سبحانه- للناس من خيرات الأرض , وهذا يعم كل ما خرج منها وانتفع به الناس , هذا من حيث الأصل , أما إن كان الكلام عن الزكاة المفروضة : فيخصص منه الأصناف التي تجب فيها الزكاة , أما إن كان الكلام عن صدقة التطوع : فيمكن حمل الآية على العموم , فالصدقة تجوز في كل شيء حتى الماء كما جاء في الحديث عند الإمام أحمد , عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.

وتنوعت أقوال المفسرين في بيان المراد من قوله تعالى :{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}, وجميعها تدور حول ما يخرج من الأرض من الزروع والثمار والنبات والتمر والحب والزبيب، وعد بعض المفسرين المعادن {مما أخرجنا لكم من الأرض} , وقد جاء عن عبيدة قوله: سألت عليا عن قول الله عز وجل: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة.
رواه الطبري في تفسيره عن عصام بن رواد، عن أبيه ، عن أبي بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين.

وهنا قد يفهم من الآية بأن جميع النبات الخارج من الأرض تجب فيه الزكاة , كما احتج بعض أصحاب أبي حنيفة بالآية على وجوب الزكاة في جميع الخارج من الأرض : قليله وكثيره وفي سائر الأصناف، لكن هذا بعيد, والحقيقة غير ذلك , فالآية من العام المخصوص بما ورد من نصوص أخرى , وكما ذكرنا سابقا بأن صدقة التطوع تجوز في الجميع , أما مسألة الوجوب ففيها تفصيل:

أولا :
في الأصناف التي تجب فيها الزكاة مما يخرج من الأرض:
تجب الزكاة في الحبوب والثمار بإجماع العلماء , وقد نقل الإجماع ابن قدامة "المغني"حيث قال: ( أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ . قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ , وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ).
فتجب الزكاة في الحبوب والثمار فيما يكال ويدخر من الأصناف التي ذكر بعضها ابن قدامة , ومثل الفستق واللوز والبندق ، سواء كان قوتا أم لا , ودليله حديث ابن عمر السابق , فالحديث عام في كل ما يخرج من الأرض سواء كان قوتاً أم لم يكن قوتا .

فشروط ما تجب فيه الزكاة:
أن يكون مدخرا.
أن يكون مكيلا.
أن يبلغ النصاب.
أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه.

أما الخضروات والفواكه فلا تجب فيها الزكاة مطلقًا؛ لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس في الخضروات صَدَقة"؛ رواه الدارقطني بإسناده عن علي رضي الله عنه، وعن عائشة رضي الله عنها مثله.
أورده الهيثمي في مَجمع الزوائد وعبدالرزاق في مصنفه وابن عَدِي في الضعفاء ، وابن الجوزي في العِلَل المتناهية .

ثانيا:
في مقدار النصاب الذي تجب فيه الزكاة:
جاء عند مسلم قوله عليه الصلاة والسلام:( لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) , فلا تجب الزكاة في الخارج من الأرض من النبات إلا إذا بلغ نصابا، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل.

ثالثا:
في مقدار الزكاة الواجبة :
فيختلف قدر الزكاة الواجب إخراجها من الزروع والثمار باختلاف طريقة السقي :
- فإن كان يسقى بلا كلفة ولا مؤونة، كما لو سقي بماء المطر، أو العيون، ففيه العشر.
- وإن كان يسقى بكلفة ومؤونة، كما لو احتاج آلة ترفع المياه ففيه نصف العشر.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ).

وقد يسأل هنا سائل عن مقدار الزكاة فيما يخرج من أرض تسقى أحيانا بالمطر ، وأحيانا أخرى بالآلة؟
فنقول : قال العلماء إن الواجب فيها ثلاثة أرباع العشر ، لكونه الوسط بين العشر الذي يخرج مما سقي بلا مؤونة ، ونصف العشر الذي يخرج فيما سقي بالآلة والكلفة .
وهذا إذا كانت الأرض تسقى بالمطر وتسقى بالآلة أيضا ، على السواء .
أما إن لم يكن الأمر منضبطا ، وغلب أحدهما على الآخر ، أو تعسر حسابه : فالمعتبر في ذلك ما كان أكثر نفعا للزرع .

رابعا:
متى تخرج زكاة الزروع:
قال تعالى :{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الأتعام\141.
فوقت الوجوب يكون عند نضج المحصول الزراعي ، وبدو صلاحه , ومن علامات ذلك : بأن يشتد الحَب، ويحمر الثمر؛ ففي هذه الحال تثبت الزكاة في الذمة.

خامسا:
ماذا عن غير النبات من الخارج من الأرض :
أوجب الشرع الزكاة في الركاز , وهو هو ما وجد مدفونا في الأرض من مال الجاهلية ، وأهل الجاهلية هم من كانوا موجودين قبل البعثة على أي دين كانوا.
والواجب فيه الخمس عند استخراجه , وعده بعض العلماء زكاة وعند آخرين هو فيئا ، والباقي يكون لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرضٍ يملكها ، أو من خرِبة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره .
ودليله الحديث المتفق عليه من قول النبي عليه الصلاة والسلام:(العَجْمَاءُ جُبَار ، وفي الرِّكازِ الخُمْس ) .
كذلك الإجماع الذي نقله ابن المنذر وغيره.

هذه بعض المباحث المختصرة فيما يختص بزكاة الخارج من الأرض , اقتصرنا فيها على بيان الراجح منها مع دليله خشية الإطالة .

المسألة السادسة :
قوله تعالى :{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}:
وقد ذكرنا سابقا ما جاء في أسباب نزول هذه الآية بشكل عام مما يغني عن إعادته هنا .
جاء في قراءة عبد الله: ( ولا تؤموا) من " أممت "، (ولا تيمموا) هنا من " يممت "، والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ , يقال: " تأممت فلانا "، و " تيممته "، و " أممته "، بمعنى: قصدته وتعمدته.
وفسر السلف قوله (ولا تيمموا) ب (لا تعمدوا) : جاء هذا عن البراء بن عازب , وقتادة , والسدي.

{الخبيث}: هو الشديد سوءا في صنفه ؛ لذلك يطلق على الحرام وعلى المستقذر . مثل ما جاء في قوله تعالى : {ويحرم عليهم الخبائث}.
وقد اختلف المفسرون في المراد بالخبيث هنا :
فأصحاب القول الأول قالوا إن المراد به الرديء من الأموال , قال قتادة في الآية :(تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه).رواه الطبري بإسناده عن معمر عن قتادة.
وقال الحسن : (كان الرجل يتصدق برذالة ماله، فنـزلت...). رواه الطبري بإسناده عن يزيد بن إبراهيم عنه.
وخصص البعض المال بالحشف والرديئ من التمر مثل الجعرور والحبيق , وهو قول علي والبراء ومجاهد وعطاء والحسن , قال البراء :( كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ تمرهم وأردإ طعامهم، فنـزلت...). رواه الطبري بإسناده عن السدي، عن أبي مالك، عنه.
قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن (الخبيث): قال: هو الجعرور، ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة.
رواه الطبري بإسناده عن عبد الجليل بن حميد اليحصبي، عن ابن شهاب عنه.

القول الثاني:
قال أصحابه أن المراد بالخبيث هو الحرام , قال ابن زيد :(الخبيث: الحرام، لا تتيممه تنفق منه، فإن الله عز وجل لا يقبله).
رواه الطبري عن يونس، عن ابن وهب، عن ابن زيد عن أبيه.

الراجح :
مع أن الله -سبحانه- لا يقبل الصدقة من حرام , وهي من الخبيث بلا شك , إلا إن القول الأول هو الراجح لدلالة سياق الآية عليه وهو قوله تعالى:{وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} والمال الحرام لا يشترط فيه أن يكون رديئا , بل قد يكون من أنفس الأموال وأجودها لذلك طابت النفس بأخذه والتمتع به مع كونه من الكبائر التي تمنع حتى من قبول الدعاء.
وهذا ما رجحعه الطبري حيث قال :{ وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لصحة إسناده واتفاق أهل التأويل في ذلك
دون الذي قاله ابن زيد ) .


وجملة {منه تنفقون} حال , وتقديم الجار والمجرور للدلالة على الاختصاص ، فيكون المراد هو النهي عن تعمد إنفاق الخبيث على وجه الدوام ، فيخصه بالإنفاق دون الجيد.
أما الإنفاق من الجيد ومن الرديء فلم ينه عنه , خاصة في الزكاة الواجبة ؛ لأنها تجب فيما يتوفر عند الشخص من الأنواع سواء كانت جيدة أو رديئة.
وقد جاء في الحديث الذي رواه مالك أن النبي -عليه الصلاة والسلام-أرسل عاملا على صدقات خيبر فأتاه بتمر جنيب فقال له : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا ، ولكني أبيع الصاعين من الجمع بصاع من جنيب . فقال له : بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا . فدل على أن الصدقة تؤخذ من كل نصاب من نوعه.

ومع أن التطوع بالجيد والنفيس هو الأولى لأن التقرب إلى الله يفترض أن يكون بالأنفس , لكن ما دون الجيد ربما كان أكثر نفعا للفقراء لكثرته، وأحسن موقعا من المسكين .
وقد قال عبيدة في الآية: (إنما هذا في الواجب، ولا بأس أن يتطوع الرجل بالتمرة، والدرهم الزائف خير من التمرة).
رواه الطبري في تفسيره بسنده عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة ....

وقوله تعالى:{وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ }:
أي: إلا وقت إغماضكم أو إلا بإغماضكم فيه.
والإغماض إطباق الجفن لما يعرض من النوم، قال الراغب : الغمض : النوم العارض؛ تقول: ما ذقتُ غُمْضًا ولا غِماضًا، وغَمَّضَ عينَه وأَغْمَضها: وضع إحدى جَفْنَتَيْه على الأخرى، ثم يُستعار للتغافل والتساهل.

واختلف في المراد بمعنى الآية على عدة أقوال :
القول الأول : أي أنكم لن تقبلوا بأخذ الرديء من غرمائكم فيما وجب لكم عليهم إلا بتغافل منكم لهم في الواجب لكم عليهم.
وهو قول علي والبراء وابن عباس ومجاهد والسدي والربيع .
قال البراء : ( لو كان لرجل على رجل، فأعطاه ذلك لم يأخذه، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه).
رواه الطبري عن السدي عن ابي مالك عنه.

القول الثاني: أي إنكم لن تأخذوا هذا الرديء إذا اشتريتموه من أهله إلا بتغافل منهم لكم في ثمنه.
قاله الحسن وقتادة , قال الحسن : ( لو وجدتموه في السوق يباع، ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه).
رواه الطبري عن ابن وكيع، عن أبيه، عن عمران بن حدير، عنه.

القول الثالث: أي أنكم لن تقبلوا أخذ هذا الردئء لو أهدي لكمإلا وأنتم له كارهون، على استحياء منكم ممن أهداه لكم.
قاله البراء بن عازب , حيث قال:( لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة).
رواه الطبري بسنده إلى السدي، عن عدي بن ثابت، عنه.

القول الرابع : أي أنكم لن تأخذوا هذا الرديء من حقكم إلا أن تقولوا : أغمض لك من حقي.
قاله ابن معقل . ذكره الطبري .

القول الخامس : أي أنكم لستم بآخذي الحرام إلا أن تتغافلوا على ما فيه من الإثم بأخذه مع علمه بأنه حرام باطل.
قاله ابن زيد ابن زيد . ذكره الطبري في تفسيره.
وهذا القول بعيد عن سياق الآية كما ذكرنا في قول من قال بأن المراد بالخبيث في الآية الحرام.

الراجح:
ضرب الله لنا في هذه الآية مثلا لمن تصدق بالرديء السيئ الذي لا يقبله هو لنفسه فيما اعتاد عليه , ولا يكون قبوله له إلا بتغافل وتساهل وقع منه لسبب من الأسباب ,
فلا حاجة لدعوى المجاز والكناية فالمعنى أنكم لا تأخذونه في حقوقكم وديونكم في حال من الأحوال , إلاّ أن تتسامحوا بأخذه وهو الإغماض الذي ذكر في الآية.
والأقوال جاءت بأمثلة على هذا المعنى , وتبقى الآية عى عمومها فلم تخصص حالة دون أخرى .

وقد ذكر الطبري كلاما في معنى هذه الاية , ننقل بعضا منه :(فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال: زكوا من جيد أموالكم الجيد، ولا تيمموا الخبيث الرديء، تعطونه أهل سهمان الصدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم، ولستم بآخذي الرديء لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم، إلا عن إغماض منكم وهضم لهم وكراهة منكم لأخذه.
يقول: ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حق، ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم).

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-في الحديث المتفق عليه قوله:(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
فمن أراد أن يتصدق فليحسن الاختيار , فإنها تقع في يد الرحمن , وليختر ما لا تعافه نفسه ولا يقبله إلا على مضض.


المسألة السابعة :
قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}:
قوله:{الغني}: أي : الواسع العطاء ، الكريم الجواد .
قال الزجاج : لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى.
قوله :{الحميد}: أي: المحمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله.

وفي ختام الآية بهذين الاسمين الكريمين تذكير للناس بكمال غنى الله سبحانه عن جميع خلقه , ومن باب أولى غناه عن صدقاتهم , فلم يأمرهم بها لحاجة , بل أمرهم بها رحمة منه بهم : ليزكيهم ويطهرهم , ويربي قلوبهم على فعل الخيرات وعمل الصالحات التي توصلهم إلى الجنة , وليحصل بها استغناء الفقير عن السؤال , وقوة الضعيف , وهذا مما يزيد في تماسك الأمة وثباتها ونصرتها.
وهو سبحانه المحمود لكمال تشريعه وعظم حكمته التي لا تحيط بها العقول , وهو الذي يشكر للمنفق , ويتقبل نفقته الطيبة , ويثيب عليها , ويضاعف له الأجر أضعافا مضاعفة , مع غناه التام عن المنفق ونفقته.
وذكر (الحميد) بعد (الغني) للتنبيه على إن غناه سبحانه غنى يحمد عليه , وليس كغنى المخلوق الذي قد يدفعه للبطر والأشر ولا ينتفع به أحد.
فلله الحمد من قبل ومن بعد على كمال صفاته وجميل إنعامه.

هذا والله أعلم
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:

- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ).
- معاني القرآن، إبراهيم بن السَرِيّ الزجاج (ت: 311هـ).
- تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ).
- أحكام القرآن، أحمد بن علي الجصاص (ت: 370هـ).
- أحكام القرآن، عماد الدين (الكيا الهراسي) (ت: 504هـ).
- معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ).
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت: 546هـ).
- زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت: 597هـ).
- التفسير الكبير، محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت: 606هـ).
- الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 671هـ).
- التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ت: 741هـ).
- تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (ت: 774هـ).
- روح المعاني، محمود بن عبد الله الألوسي (ت: 1270هـ).
- فتح البيان في مقاصد القرآن، محمد صديق حسن القنوجي (ت: 1307هـ).
- تيسير الكريم الرحمن، عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ).
- تفسير القرآن الكريم، محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ذو الحجة 1440هـ/21-08-2019م, 03:44 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم التاسع عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (258-274)


فداء حسين أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأشكر لك التوسّع في مصادر الرسالة، ونشير إلى أن المصادر المطلوبة للرسالة هي التفاسير الثلاثة المقرّرة فقط، فشكر الله جهدك وأثابك ونفعك به.
- بالنسبة لأسلوب الكتابة بوجه عامّ فقد أحسنتِ فيه -بارك الله فيك- إلا أننا ننبّه دوما في كتابة الرسالة إلى عدم الفصل بين المسائل، بل يُجتهد في الربط بين كل مسألة والتي تليها، وليس أن يسردها الطالب في شكل عناوين منفصلة، فالواجب أن ينهي الطالب مسألته ثم يقدّم للتي تليها بمقدّمة مناسبة تربطها بما سبقها، وقد سبق التنبيه على ذلك عند دراسة مقرّر الرسائل التفسيرية.
- ذكرتِ في القول الثاني في تفسير الطيب أنه التجارة، ولا يصلح، لأن مجاهدا قصد بالتجارة الكسب وليس الطيب، أما الطيب فعنى به الحلال، فانتبهي للفرق بين المسألتين، وكذا ظهر في قولك بأنه المغزل وأنه الذهب والفضة، وإنما كل ذلك عني به الكسب وهو كما ذكر ابن عطية ما كان للإنسان فيه سعاية فيدخل فيه جميع ما ذكر، أما الطيّب فهو وصف للكسب، ففسّر تارة بالجيد وتارة بالحلال، وذكر ابن عطية قولا ثالثا وهو أن الآية "لم تقصد التنبيه لا على الحلال ولا الجيّد، وإنما هي حضّ على الإنفاق فقط، وأن ذكر الطيب تبيينا لصفة حسنة في المكسوب عاما وتعديدا للنعمة".
- بقيت مسألة إعراب قوله تعالى {منه تنفقون}، فالمختار عند أهل الوقف والابتداء أن الآية متّصلة حتى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه فيه}، وأن الضمير في {منه} عائد على {ما كسبتم}، ولعلك قصدتِ أن جملة {تنفقون} هي الحال.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الوقف على قوله: {ولا تيمّموا الخبيث} والبدء بقوله: {منه تنفقون}، وهذا الوقف والابتداء ضعّفه بعض أهل العلم وقالوا بأن المعنى يردّه.


رزقك الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الخامس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir