دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 9 ذو الحجة 1429هـ/7-12-2008م, 07:27 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

وقَولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ).( 57)
وقولُه سبحانه وتعالى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيْها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ).( 58)وقولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:(ذَلِكَ بأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رَضْوَانَهُ)،وقَوْلُهُ تَعَالَى:(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ).(59)
وقَوْلُهُ: ( وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ اِنْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ)( 60) وقَوْلُهُ: (كبـُرَ مقتًا عندَ اللهِ أنْ تقولُوا ما لا تفعلُونَ )

(57) قولـُه: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لمـَّا ذَكر أعمالَهم الصـَّالحةَ ذَكر أنَّه أَثَابَهُمْ عليها رِضَاهُ الَّذي هو أعظمُ وأَجَلُّ من كلِّ نعيمٍ، قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ).
أفادتْ هذه الآيةُ إثباتَ صفةِ الرِّضا للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كما يليقُ بجلالِه،
ولا يقالُ: الرِّضا إرادةُ الإحسان,ِ والغضبُ إرادةُ الانتقامِ، كما تَزْعمُهُ المبتدِعةُ، فإنَّ هذا نفيٌ للصِّفةِ وصَرْفٌ للقرآنِ عن ظاهرِه وحقيقتِه بغيرِ مُوجبٍ، وهذا لا يجوزُ.
وفي هذِه الآيةِ دليلٌ على إثباتِ أفعالِ اللهِ الاختياريَّةِ وأدلَّةُ ذلك من الكتابِ والسُّنـَّةِ لا تُحْصرُ، وفيها دليلٌ على إثباتِ فعلِ العبدِ وأنَّ له فعلاً اختياريًّا.
وفيها دليلٌ على أنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، وفيها فضلُ الرِّضا عن اللهِ، والرِّضا لغةً: ضدُّ السَّخطِ والكراهةِ، وقال بعضُهُم: هو سُكونُ القلبِ تحتَ مَجَاري الأحْكَامِ، قال في ((فَتْحِ المَجِيِدِ)): هو أن يُسْلِمَ العبدُ أمرَه إلى اللهِ ويُحْسِنَ الظَّنَّ به ويَرْضى عنه في ثوابِه.
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ: الرِّضا ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الرِّضا باللهِ، والرِّضا عن اللهِ، والرِّضا بقضاءِ اللهِ، فالرِّضا باللهِ فرضٌ، والرِّضا عنه وإنْ كان من أَجَلِّ الأمورِ وأَشْرَفِهَا فلم يُطَالَبْ به العُمومُ لِعَجْزِهِم عنه ومَشقـَّتِه عليهم، وأوجَبَهُ بعضُهم، وأمَّا الرِّضا بِكلِّ مقضيٍّ فلا يجبُ، بل المقضيُّ ينقسمُ إلى ما يجبُ الرِّضا به، وهو المَقْضِيُّ الدِّينيُّ، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم) الآيةَ، ومَقضيٌّ كَوْنيٌّ قَدَرِيٌّ، فإنْ كان فَقرًا أو مَرضًا ونحوَ ذلك اسْتُحِبَّ الرِّضا به ولم يجبْ، وَأوجبَه بعضُهم، وإنْ كان كُفرًا أو معصيةً حُرِّمَ الرِّضا به مخالفةً لربِّه، فإنَّه -سُبْحَانَهُ- لا يَرضى بذلك ولا يُحبُّهُ، قال تعالى: (وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) الآيةَ، وأمَّا القضاءُ الَّذي هو صفةُ اللهِ وفعلُه فالرِّضا به واجبٌ. انتهى بتصرُّفٍ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ في ((تَائِيَّتِهِ)):
فَنَرْضَى مِنَ الْوَجْهِ الَّذي هُوَ فِعْلُهُ وَنَسْخَطُ مِنْ وَجْهِ اكْتِسَابٍ بِحِيلَتِي
وقال السَّفارينيُّ في ((الدُّرَّةِ المُضِيئَةِ)):
وَلَيْسَ واجِبًا عَلَى الْعَبْدِ الرِّضا بِكُلِّ مَقْضِيٍّ وَلَكِنْ بِالْقَضَاءِ

(58) قولُه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنًا): احْتَرَزَ بذلك عن قتلِ الكافرِ (مُتَعَمِّدًا) العَمْدُ لغةً: القَصْدُ. وشرعًا: أن يَقصدَ مَن يعلمُه آدميًّا مَعْصُوما فيقتُلَه بما يغلبُ على الظَّنِّ موتُه به، واحْتَرَزَ بقولِه متعمِّدًا عن قتلِ الخطأِ.
وقولُه: (فَجَزاؤُهُ): أي عِقابُه. قولُه: (جَهَنَّمُ): عَلمٌ على طَبَقَةٍ من طبقاتِ النَّارِ.
قولُه: (خَالِدًا فِيْها): أي مُقيمًا، والخلودُ: هو المُكْثُ الطَّويلُ، قولُه: (وَلَعَنَهُ) أي طردَهُ عن رحمتِه، فاللعنُ هو الطَّردُ والإبعادُ عن رحمةِ اللهِ.
قولُه: (وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا): أي هَيَّأَ له ذلكَ لعظيمِ ذنبِه.
في هذه الآيةِ الوعيدُ الشَّديدُ لمنْ تَعاطى هذا الذَّنبَ العظيمَ،
ويُروى عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: قَاتِلُ المُؤْمِنِ مُتَعَمِّدًا لا تُقْبَلُ له توبةٌ، ويقولُ: هذه الآيةُ من آخرِ ما نزلَ ولم يَنْسَخْها شيءٌ، وممَّن ذهبَ إلى قولِه: زيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو هريرةَ، وأبو سلمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، وعبيدُ بنُ عميرٍ، والحسنُ، وقتادةُ، والضَّحَّاكُ، نقله ابنُ أبي حاتمٍ، والَّذي عليه الجمهورُ سلفًا وخَلفًا: أنَّ القاتلَ له توبةٌ فيما بينه وبينَ اللهِ، فإنْ تابَ وأنابَ وعمِلَ صالِحًا بَدَّلَ اللهُ سيئاتِه حسناتٍ وعَوَّضَ المَقْتُولَ عن ظَلاَمَتِهِ، قال تعالى: (قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) الآيةَ، وهذا عامٌّ في جميعِ الذَّنوبِ، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) الآيةَ، وهذه الآيةُ عامَّةٌ في جميعِ الذُّنوبِ، عدا الشِّركِ باللهِ، إلى غيرِ ذلك من الأدلَّةِ، وما يُرْوى عن ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه فهو مبالغةٌ وتشديدٌ في الزَّجْرِ عن القتلِ، وقال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى: ((والتَّحقيقُ في المسألةِ أنَّ القتلَ تتعلَّقُ به ثلاثةُ حقوقٍ: حقُّ اللهِ، وحقُّ المقتولِ، وحقُّ الوليِّ، فإذا سَلَّمَ القاتلُ نفسَهُ طوعًا واختيارًا نَدَمًا على ما فعلَهُ وخوفًا من اللهِ وتوبةً نصوحًا سَقَطَ حقُّ اللهِ بالتَّوبةِ، وحقُّ الأولياءِ بِالاسْتِيفَاءِ أو الصُّلحِ أو العفوِ، وبَقِي حقُّ المقتولِ يُعوِّضُه اللهُ عنه يومَ القيامةِ عن عبدِه التَّائبِ المُحسنِ، ويُصلحُ بينَه وبينَه، فلا يضيعُ حقُّ هذا ولا يَبْطلُ حقُّ هذا، انتهى. وبتقديرِ دخولِ القاتلِ النَّارَ فليس بِمُخلَّدٍ فيها أبدًا، بل الخلودُ هو المكثُ الطَّويلُ، وقد تواترتِ الأحاديثُ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: أَنَّهُ ((يَخرجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ))،
فدخولُ النَّارِ على قِسمين: دخولٌ مطلقٌ، ومطلَقُ دُخولٍ.
فالأوَّلُ: هو دخولُ المُشركين والكفرةِ فهؤلاء يدخلونَها ولا يَخرجونَ منها أبدًا.
والثَّاني: وهو دخولُ المُوحِّدين الَّذين عليهم ذنوبٌ ومعاصٍ، فهؤلاء يُعذَّبون فيها بقدرِ سيَّئاتِهم ثمَّ يَخْرُجون منها إنْ لم يَحْصلْ سببٌ للخروجِ مِنها قبلَ ذلك، من شفاعةٍ، أو غيِرِها من الأسبابِ،
فالنَّاسُ ينقسِمونَ بحسبِ ما تقدَّمَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّلِ: المُشركون والكفَّارُ، كُفْرٌ يُخْرِج عن المِلَّةِ الإسلاميَّةِ، فهؤلاء يَدخلونَ النَّارَ ويُخَلَّدون فيها دائِمًا، ولا يَخْرجون منها أبدًا.
النَّوعِ الثَّاني: مَن ماتَ على التَّوحيدِ وليسَ عليه ذنوبٌ فهذا يدخلُ الجنَّةَ من أوَّلِ وهلةٍ.
الثَّالثِ: مَن ماتَ مُوَحِّدًا وعليه ذنوبٌ ومعاصٍ، فهذا تحتَ مشيئةِ اللهِ، إِنْ شاءَ اللهُ عَفَا عنه وأَدْخَله الجنَّةَ من أوَّلِ وهلةٍ، وإن شاءَ عذَّبَه بقدرِ ذنوبِه ثمَّ أدخلَه الجنَّةَ، هذا ما عليه أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو الَّذي تواترتْ به الأدلَّةُ من الكتابِ والسُّنـَّةِ، عكسُ ما عليه المرجئةُ والخوارجُ والمعتزلةُ.
قال السَّفَارِينيُّ في ((الدُرَّةِ المُضِيئةِ)):
وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنَ الْخَطَا فَأَمْرُهُ مفَوَّضٌ لِذِي الْعَطَا
فَإِنْ يَشَأْ يَعْفُو وَإِنْ شَاءَ انْتَقَمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى وَأجْزَلَ النِّعَمَ
وفي هذه الآيةِ دليلٌ على إثباتِ الغضبِ، وأنَّه -سُبْحَانَهُ- يغضبُ ويَرْضى كما يليقُ بجلالِه وعظمتِه.

(59) قولُه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهُ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ): أي ذلك الضربُ والقبضُ لأرواحهِمْ بهذه الشِّدَّةِ بسببِ اتَّبَاعِهم ما يُسخِطُ اللهَ مِن الكفرِ وعداوةِ الرَّسولِ، وبسببِ كراهتِهم رضوانَه؛ أي ما يُرضيهِ مِن الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ.
فهذه الآيةُ أفادَتْ إثباتَ صفةِ السَّخَطِ والرِّضا، وأنَّه -سُبْحَانَهُ وتعالى- يَسْخَط ويَرْضى حقيقةً، كما يليقُ بجلالِه وعظمَتِه، فيجبُ إثباتُ ذلك الوجهِ اللاَّئِقِ بجلالِهِ وعظمَتِه، هذا قولُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ، وكلًُّ ما وَرَدَ في الكتابِ والسُّنَّةِ يجبُ إثباتُهُ على الوجهِ اللاَئِقِ بجلاَلِه وعظَمَتِه، والبابُ كلُّه واحدٌ.
وفي هذه الآيةِ إثباتُ العِلَلِ والأسبابِ، وأنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ سببٌ للسَّعادةِ، والأعمالَ السَّيِّئةَ سببٌ للشَّقَاوةِ، وفيها الرَّدُّ على مَن زعَمَ: أنَّه لا ارتباطَ بينَ العملِ والجزاءِ. انتهى.
وفيها –أيضًا- ذمُّ مَن أحبَّ ما كرهَهُ اللهُ أو كَرِهَ ما أحبَّهُ، فالواجبُ على كلِّ مؤمنٍ: أنْ يُحبَّ ما أحبَّهُ اللهُ محبَّةً تُوجِبُ الإتيانَ بما وجَبَ عليه منه، فإنْ زادَت المحبَّةُ حتى أتى بما نُدِبَ إليه منه كان ذلكَ فضلاً، وَأَنْ يكرَهَ ما كَرِهَهُ اللهُ كَرَاهةً تُوجبُ له الكفَّ عمَّا حرَّم اللهُ عليه منه، فإنْ زادَت الكراهةُ حتى أوجبَت الكفَّ عمَّا كَرِهَهُ تنْزيهًا كان ذلكَ فضلاً، وقدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحين عنه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه قالَ: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). فلا يكونُ العبْدُ مؤمنًا حتى يُقَدِّمَ محبَّةَ الرَّسولِ على محبَّةِ جميعِ الخَلْقِ، ومحبَّةُ الرَّسول تابِعَةٌ لمحبَّةِ مُرْسِلِهِ،
والمحبَّةُ الصَّحيحةُ تقتضي المتابعةَ والموافقةَ في حُبِّ المحبوباتِ وبُغْضِ المكروهاتِ، قالَ تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) الآيةَ، انتهى مِن كلامِ ابنِ رجبٍ.
قولُه: (آسَفُونَا): أيْ أَغْضبونَا، وأَسِفَ لها معنيانِ: تأتِي بمعنى غَضِبَ كهذه الآيةِ، وتأتي بمعنى حَزِنَ كقولِه -سُبْحَانَهُ- عن يعقوبَ أنَّه قالَ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) الآيةَ.
وقولُه: (انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ): أيْ عاقبَهُمْ -سُبْحَانَهُ- بالغَرَقِ وغيرِه مِن العقوباتِ، والانتقامُ: هو أنْ يبلغَ في العقوبَةِ حدَّها، ومِن أسمائِه -سُبْحَانَهُ- المنتقِمُ، كما جاءَ في حديثِ أبي هُريرةَ الَّذي رواه التِّرْمِذِيُّ في جامِعه، في عددِ الأسماءِ الحُسنى، ومعنَاهُ المُبَالِغُ في العقوبَةِ لِمَن يشاءُ، وقالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رحمه اللهُ-: المُنتَقِمُ ليسَ مِن أسماءِ اللهِ الْحُسْنَى الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وإنَّما جاءَ في القرآنِ مقيَّدًا كقولِه -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)، وقولِهِ: (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) والحديثُ الَّذي في عدَدِ الأسماءِ الحُسنى يُذْكَرُ فيها المنتقِمُ ليسَ هوَ عندَ أهْلِ المعرفةِ بالحديثِ مِن كلامِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بلْ هذا ذكَرهُ الوليدُ بنُ مسلمٍ عن بعضِ شيوخِهِ، ولهذا لم يوردْهُ أحدٌ مِن أهْلِ الكُتُبِ المشهورَةِ إلاَّ التِّرمذيُّ. انتهى.

(60) قولـُه: (كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثـَهُمْ): أي أَبغَضَ خروجَهم معكم إلى الغزوِ.
قولُه: (فَثَبَّطَهُمْ): أي كسَّلَهم، والتَّـثبيطُ: ردُّ الإنسانِ عن الشَّيءِ الَّذي يفعلُه، أي أنَّه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كسَّلهم عن الخروجِ للغزوِ قضاءً وقدرًا، وإن كانَ قدْ أمرَهم بالغزوِ وأقدرَهُم عليه، ولكنْ ما أرادَ إعانَتَهُم؛ بلْ خذلَهُم وثبَّطهم لحِكمةٍ يعلمُها سُبْحَانَهُ وتعالى: (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ).
قوله: (كَبُرَ): أي عَظُمَ.
قَولُهُ: (مَقْتًا): منصوبٌ على التَّمييزِ، والمقتُ أشدُّ البُغضِ.
وفي الآيةِ الحثُّ على الوفاءِ بالعهدِ، والنَّهيُ الأكيدُ عن الخُلْفِ في الوعدِ وغيرِهِ، وبها استدلَّ بعضُ العُلماءِ على أنَّهُ يجبُ الوفاءُ بالوعدِ مطلقًا، سواءً ثبَتَ عليه عزمٌ للموعودِ أم لا، واحتجَّوا بما ثبتَ في الصَّحيحين: أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ: ((آيةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا أُؤْتُمِنَ خَانَ)) وفيها دليلٌ على إثباتِ صفةِ البُغضِ للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كَمَا يليقُ بجلالِه وعظمتِه، وفيه دليلٌ على أنَّ بُغضَه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- يتفاوتُ، فبَعضُه أشدُّ مِن بعضٍ، كما في الحديثِ: ((إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ مِثلـَهُ، ولنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثلـَهُ)).
وفيه دليلٌ على أنَّ الشَّخصَ قد يكونُ عدوًّا للهِ ثمَّ يصيرُ ولِيًّا، ويكونُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- يُبغضُه ثمَّ يُحبُّه، وهذا مذهبُ الفقهاءِ والعامَّةِ، وهو قولُ المعتزلةِ والكراميَّةِ والحنفيَّةِ قاطبةً، والمالكيَّةِ والشَّافعيَّةِ والحنابلةِ، وعلى هذا يدلَُّ القرآنُ، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، وقال: (وَإِنْ تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ)، وقَولُهُ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) وغيرُها مِن الآياتِ والأحاديثِ. انتهى ملخَّصًا مِن كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيْميةَ رحمهُ اللهُ تعالى.
فهذه الآياتُ المتقدِّمةُ دليلٌ على صفةِ الغضبِ والرِّضا، والولايةِ والحُبِّ والبغضِ والسَّخطِ والكراهةِ ونحوِ ذلك، وهذا مذهبُ السَّلفِ الصَّالحِ وسائرِ الأئمَّةِ يُثبتونَ جميعَ ما في الكتابِ والسُّنَّةِ على المَعنى اللاَّئِقِ به، كما يقولونَ ذلك في السَّمْعِ والبصرِ والعلمِ والكلامِ وسائرِ الصِّفاتِ، وقد تقدَّمَ ذلك.

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بصفات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir