دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعمال المصدر

إِعْمَالُ الْمَصْدَرِ

بفِعْلِهِ المصدَرَ أَلْحِقْ في العمَلْ = مُضافًا أوْ مُجَرَّدًا أوْ مَعَ أَلْ
إنْ كانَ فِعْلٌ مَعَ أنْ أوْ ما يَحُلّ = مَحَلَّهُ ولاسمِ مَصدرٍ عَمَلْ
وبعدَ جَرِّهِ الذي أُضيفَ لَهْ = كَمِّلْ بنَصبٍ أوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ
وجُرَّ ما يَتْبَعُ ما جُرَّ ومَنْ = رَاعَى في الاتْبِاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


إِعمالُ الْمَصْدَرِ

بفِعْلِهِ المصدَرَ أَلْحِقْ في العمَلْ = مُضافاً أو مُجَرَّداً أو معَ أَلْ ([1])


إنْ كانَ فِعْلٌ معَ أنْ أو ما يَحُلْ = مَحَلَّهُ ولاسمِ مَصدرٍ عَمَلْ ([2])

يَعمَلُ الْمَصْدَرُ عمَلَ الفعْلِ في مَوْضِعَيْنِ:
أحَدُها: أنْ يَكونَ نَائِباً مَنابَ الفعْلِ، نحوُ: "ضَرْباً زَيْداً"، فـ "زَيْداً" مَنصوبٌ بـ "ضَرْباً"؛ لنِيابَتِه مَنابَ "اضْرِبْ"، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ مَرفوعٌ به، كما في "اضْرِبْ"، وقد تَقَدَّمَ ذلك في بابِ الْمَصْدَرِ([3]).
والْمَوْضِعُ الثانِي: أنْ يَكونَ الْمَصْدَرُ مُقَدَّراً بـ "أنْ" والفعْلِ، أو بـ "مَا" والفعْلِ، وهو الْمُرادُ بهذا الفصْلِ فيُقَدَّرُ بـ "أنْ" إذا أُريدَ الْمُضِيُّ أو الاستقبالُ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن ضَرْبِكَ زَيداً أمْسِ أو غَداً"، والتقديرُ: مِن أنْ ضَرَبْتَ زَيداً أمْسِ أو مِن أنْ تَضْرِبَ زَيداً غَداً. ويُقَدَّرُ بـ "ما" إذا أُريدَ به الحالُ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن ضَرْبِكَ زَيداً الآنَ"، التقديرُ: مما تَضْرِبُ زَيداً الآنَ.
وهذا الْمَصدَرُ الْمُقَدَّرُ يَعمَلُ في ثَلاثةِ أحوالٍ مُضافاً، نحوُ: "عجِبْتُ مِن ضَربِكَ زَيداً"، ومُجَرَّداً عن الإضافَةِ وألْ، وهو الْمُنَوَّنُ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن ضَرْبٍ زَيداً"، ومُحَلًّى بالألِفِ واللامِ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن الضرْبِ زيداً"، وإعمالُ المضافِ أكثَرُ مِن إعمالِ الْمُنَوَّنِ، وإعمالُ الْمُنَوَّنِ أكثَرُ مِن إِعمالِ الْمُحَلَّى بـ "ألْ"؛ ولهذا بَدَأَ المصنِّفُ بذكْرِ المضافِ ثم المجرَّدِ ثم الْمُحَلَّى.
ومِن إعمالِ الْمُنَوَّنِ قولُه تعالَى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً}، فـ "يَتيماً" مَنصوبٌ بـ "إِطعامٌ". وقولُ الشاعِرِ:

246- بِضَرْبٍ بالسُّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ = أَزَلْنَا هامَهُنَّ عَنِ الْمَقِيلِ ([4])

فـ "رُؤوسَ" مَنصوبٌ بـ "ضَرْبٍ".
ومِن إعمالِه وهو مُحَلًّى بـ "أَلْ" قولُه:

247- ضَعيفُ النِّكايَةِ أَعداءَهُ = يَخالُ الفِرارَ يُرَاخِي الأَجَلْ ([5])

وقولُه:

248- فإنَّكَ والتَّأْبِينَ عُروةَ بعْدَما = دَعاكَ وأَيْدِينَا إليهِ شَوَارِعُ ([6])

وقولُه:

249- لقَدْ عَلِمَتْ أُولَى الْمُغِيرَةِ أَنَّنِي = كَرَرْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضرْبِ مِسْمَعَا([7])

فـ "أَعداءَهُ" مَنصوبٌ بـ النِّكايَةِ، و"عُروةَ" مَنصوبٌ بـ "التَّأْبِينَ"، و"مُسْمِعاً" مَنصوبٌ بـ "الضرْبِ".
وأشارَ بقولِهِ: و"لاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ" إلى أنَّ اسمَ الْمَصدَرِ قد يَعمَلُ عَمَلَ الفعْلِ، والمرادُ باسْمِ الْمَصدَرِ ما ساوَى الْمَصْدَرَ في الدَّلالةِ([8]) على مَعناهُ، وخالَفَه بخُلُوِّه لفْظاً وتَقديراً مِن بعضِ ما في فِعْلِه دُونَ تَعويضٍ؛ كعَطَاءٍ، فإنَّه مُساوٍ لإعطاءٍ مَعْنًى ومُخَالِفٌ له بِخُلُوِّهِ مِن الْهَمزَةِ الْمَوجودَةِ في فِعْلِه، وهو خَالٍ منها لَفْظاً وتَقديراً، ولم يُعَوَّضْ عنها شيءٌ.
واحتَرَزَ بذلك مِمَّا خَلاَ مِن بعضِ ما في فِعْلِه لفْظاً ولم يَخْلُ مِنه تَقديراً؛ فإنه لا يَكونُ اسمَ مَصدَرٍ، بل يَكونُ مَصدراً، وذلكَ نحوُ: "قِتَالٍ"؛ فإنه مَصدَرُ "قاتَلَ"، وقد خَلاَ مِن الألِفِ التي قَبْلَ التاءِ في الفِعْلِ، ولكنْ خَلاَ مِنها لفْظاً، ولم يَخْلُ مِنها تَقديراً؛ ولذلك نُطِقَ بها في بَعضِ المواضِعِ، نحوُ: "قاتَلَ قِيتَالاً، وضَارَبَ ضِيرَاباً"، لكنِ انقَلَبَتِ الألِفُ ياءً لكسْرِ ما قَبْلَها.
واحتَرَزَ بقولِه: "دُونَ تَعويضٍ" مِمَّا خَلاَ مِن بعْضِ ما في فعْلِه لفْظاً وتَقديراً، ولكنْ عُوِّضَ عنه شيءٌ؛ فإنَّه لا يكونُ اسمَ مَصدَرٍ، بل هو مَصدَرٌ، وذلك نحوُ: "عِدَةٍ"؛ فإنه مَصدَرُ "وَعَدَ"، وقد خَلاَ مِن الواوِ التي في فِعْلِه لفْظاً وتَقديراً، ولكنْ عُوِّضَ عنها التاءَ.
وزَعَمَ ابنُ المصنِّفِ أنَّ عَطاءً مَصدَرٌ، وأنَّ هَمزتَه حُذِفَتْ تَخفيفاً، وهو خِلاَفُ ما صَرَّحَ به غيرُه مِن النَّحْوِيِّينَ.
ومِن إعمالِ اسمِ الْمَصْدَرِ قولُه:

250- أَكُفْراً بعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي = وبعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا([9])

فـ "الْمِائَةَ" مَنصوبٌ بـ "عَطَائِكَ"، ومِنه حديثُ الْمُوَطَّأِ: ((مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ))، فـ "امْرَأَتَهُ" مَنصوبٌ بـ "قُبْلَةِ". وقَولُهُ:

251- إذَا صَحَّ عَوْنُ الخالِقِ الْمَرْءَ لم يَجِدْ = عَسيراً مِن الآمالِ إلاَّ مُيَسَّرَا([10])

وقولُه:

252- بعِشْرَتِكَ الكِرامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ = فلا تُرَيَنْ لغَيرِهِمُ أَلُوفَا ([11])

وإعمالُ اسمِ الْمَصْدَرِ قَليلٌ، ومَنِ ادَّعَى الإجماعَ على جَوازِ إعمالِه فقَدْ وَهِمَ؛ فإنَّ الْخِلافَ في ذلك مَشهورٌ([12])، وقالَ الصَّيْمَرِيُّ: إعمالُه شاذٌّ. وأَنْشَدَ: أَكُفْراً. البيتَ* وقالَ ضِياءُ الدِّينِ بنُ العلجِ في البَسيطِ: ولا يَبْعُدُ أنَّ ما قَامَ مَقامَ الْمَصدَرِ يَعمَلُ عمَلَه، ونُقِلَ عن بعضِهم أنَّه قد أَجازَ ذلك قِيَاساً.
وبعدَ جَرِّهِ الذي أُضيفَ لَهْ = كَمِّلْ بنَصبٍ أو برَفْعٍ عَمَلَهْ ([13])
يُضافُ الْمَصْدَرُ إلى الفاعِلِ فيَجُرُّه ثم يَنْصِبُ المفعولَ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن شُرْبِ زَيدٍ العَسَلَ"، وإلى المفعولِ، ثم يَرفَعُ الفاعِلَ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن شُرْبِ العسَلِ زَيدٌ"، ومنه قولُه:

253- تَنْفِي يَدَاهَا الْحَصَى في كُلِّ هاجِرَةٍ = نفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ([14])

وليسَ هذا الثاني مَخصوصاً بالضَّرورةِ، خِلافاً لبَعضِهم، وجَعَلَ منه قولَه تعالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. فأَعْرَبَ "مَن" فاعِلاً بِحِجُّ، ورُدَّ بأنه يَصيرُ المعنَى: وللهِ على جَميعِ الناسِ أنْ يَحُجَّ البَيتَ الْمُستطيعُ. وليسَ كذلكَ فـ "مَن" بَدَلٌ مِن "الناسِ"، والتقديرُ: وللهِ على الناسِ مُستَطِيعِهم حَجُّ البيتِ. وقِيلَ: "مَن" مُبتدَأٌ والخبَرُ مَحذوفٌ، والتَّقديرُ: مَنِ استطاعَ مِنهم فَعَلَيْهِ ذلك. ويُضافُ الْمَصدَرُ أَيضاً إلى الظرْفِ، ثم يَرفَعُ الفاعِلَ ويَنصِبُ الْمَفعولَ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِن ضرْبِ اليومِ زيدٌ عَمْراً".
وجُرَّ ما يَتْبَعُ ما جُرَّ ومَنْ = رَاعَى في الاِتْباعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ ([15])
إذا أُضيفَ الْمَصْدَرُ إلى الفاعِلِ ففَاعِلُه يَكونُ مَجروراً لفْظاً، مَرفوعاً مَحَلاًّ، فيَجوزُ في تَابِعِه مِن الصِّفَةِ والعطْفِ وغيرِهما مُراعاةُ اللفْظِ، فيُجَرُّ، ومُراعاةُ الْمَحَلِّ فيُرفَعُ، فتَقولُ: "عجِبْتُ مِن شُرْبِ زَيدٍ الظريفِ والظَّريفُ". ومِن إِتباعِه على الْمَحَلِّ قَولُه:

254- حَتَّى تَهَجَّرَ في الرَّوَاحِ وَهَاجَها = طَلَبَ الْمُعَقِّبِ حَقَّهُ الْمَظلومُ([16])

فرَفَعَ "المظلومُ"؛ لكَونِه نَعْتاً لـ "المُعَقِّبِ" على الْمَحَلِّ.
وإذا أُضيفَ إلى الْمَفعولِ, فهو مَجرورٌ لَفْظاً, مَنصوبٌ مَحَلاًّ؛ فيَجوزُ أَيضاً في تَابِعِه مُراعاةُ اللفْظِ والْمَحَلِّ. ومِن مُراعاةِ الْمَحَلِّ قولُه:

255- قد كُنتُ دَايَنْتُ بِهَا حَسَّانَا = مَخافَةَ الإِفلاسِ واللَّيَّانَا([17])

فـ "اللَّيَّانَا" مَعطوفٌ على مَحَلِّ "الإِفلاسِ".


([1]) (بفِعْلِهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بـ (أَلْحِقِ) الآتي، وفعْلِ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (الْمَصدَرَ) مَفعولٌ به تَقَدَّمَ على عامِلِه، وهو أَلْحِقْ، (أَلْحِقْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (في العَمَلْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَلْحِقْ أَيضاً، (مُضافاً) حالٌ مِن الْمَصدَرِ، (أو مُجَرَّداً أو معَ ألْ) مَعطوفانِ على الحالِ الذي هو قولُه: (مُضافاً).

([2]) (إنْ) شَرطيَّةٌ، (كانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، فعْلُ الشرْطِ، (فعْلٌ) اسمُ كانَ، (معَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعْتٌ لفِعْلٌ، ومعَ مُضافٌ و(أنْ) قصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (أو) عاطِفَةٌ، (ما) معطوفٌ على أنْ، (يَحُلْ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً، تَقديرُه هو، يَعودُ إلى فِعْلٌ الذي هو اسمُ كانَ، والجُملَةُ في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ كانَ، (مَحَلَّهُ) مَحَلَّ: مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ الْمَكانِيَّةِ، ومَحَلَّ مُضافٌ والهاءُ العائدُ إلى الْمَصدَرِ مُضافٌ إليه، (ولاسمِ) الواوُ للاستئنافِ، لاسمِ: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقدَّمٌ، واسمِ مُضافٌ و(مَصْدَرٍ) مضافٌ إليه، (عَمَلْ) مُبتدَأٌ مُؤخَّرٌ.

([3]) يُريدُ بابَ المفعولِ الْمُطْلَقِ.

([4]) 246 - البيتُ للمَرَّارِ – بفتْحِ الميمِ وتَشديدِ الراءِ – بنِ مُنْقِذٍ، التَّميميِّ، وهو مِن شَواهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 677)، وشواهِدِ سِيبَوَيْهِ (1/ 60، 97)
اللُّغَةُ: (هامٌ) جَمْعُ هامَةٍ، وهي الرأسُ كلُّها، (الْمَقيلِ) أصلُه مَوْضِعُ النوْمِ في القائِلَةِ، فنُقِلَ في هذا الْمَوْضِعِ إلى مَوضِعِ الرأْسِ؛ لأنَّ الرأسَ يَستَقِرُّ في النَّوْمِ حينَ القائِلَةِ.
المعنَى: يَصِفُ قوْمَه بالقُوَّةِ والْجَلاَدَةِ، فيَقولُ: أزَلْنَا هامَ هَؤُلاءِ عن مَواضِعِ استقرارِها، فضَرَبْنَا بالسيوفِ رُؤُوسَهم.
الإعرابُ: (بضَرْبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أَزَلْنَا) الآتِي، (بالسُّيوفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بضَرْبٍ أو بمحذوفٍ صِفَةٌ له، (رُؤوسَ) مَفعولٌ به لِضَرْبٍ، ورُؤوسَ مُضافٌ و(قَومٍ) مُضافٌ إليه، (أَزَلْنَا) فعْلٌ وفاعِلٌ، (هامَهُنَّ) هامَ: مَفعولٌ به لأَزالَ، وهامَ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (عن الْمَقيلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَزَلْنَا.
الشاهِدُ فيه قولُه: (بضَرْبٍ.... رُؤوسَ)؛ حيثُ نصَبَ بضَرْبٍ – وهو مَصدَرٌ مُنوَّنٌ – مَفعولاً به، كما يَنْصِبُه بالفعْلِ، وهذا الْمَفعولُ به هو قولُه: (رُؤُوسَ قَوْمٍ).

([5]) 247 - هذا البيتُ مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ، (1 / 99) التي لم يَعْرِفوا لها قَائلاً، وهو مِن شَواهِدِ الأَشمونِيِّ أَيضاً، (رَقْم 678).
اللُّغَةُ: (النِّكَايَةِ) بكسْرِ النونِ – مَصدَرُ نَكَيْتُ في العدوِّ، إذا أَثَّرْتُ فيه، (يَخالُ) يَظُنُّ، (الفِرارَ) – بكسْرِ الفاءِ – النُّكولَ والتوَلِّيَ والْهَرَبَ، (يُرَاخِي) يُؤَجِّلُ.
المعنى: يَهْجُو رَجُلاً، ويَقولُ: إنَّه ضَعيفٌ عن أنْ يُؤَثِّرَ في عَدُوِّهِ، وجَبانٌ عن الثَّباتِ في مَواطِنِ القِتالِ، ولكنَّه يَلجأُ إلى الْهَرَبِ، ويَظُنُّه مُؤَخِّراً لأَجَلِهِ.
الإعرابُ: (ضَعيفُ) خبَرٌ لِمُبتدَأٍ مَحذوفٍ، والتَّقديرُ: هو ضَعيفٌ، وضَعيفُ مُضافٌ و(النِّكايَةِ) مُضافٌ إليه، (أَعداءَه) أَعداءَ: مَفعولٌ به للنِّكايَةِ، وأَعداءَ مُضافٌ وضَميرُ الغائِبِ مُضافٌ إليه، (يَخالُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، (الفِرارَ) مَفعولٌ أوَّلُ ليَخَالُ، (يُراخِي) فعْلٌ مُضارِعٌ، والضميرُ الْمُسْتَتِرُ فيه الذي يَعودُ إلى الفِرارِ فاعِلٌ، (الأجَلْ) مَفعولٌ به ليُراخِي، والجُملَةُ في مَحَلِّ نصْبٍ مَفعولٌ ثانٍ ليَخالُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (النِّكايةِ أَعداءَهُ)؛ حيثُ نَصَبَ بالْمَصدَرِ الْمُحَلَّى بألْ، وهو قولُه: (النِّكايةِ) مَفعولاً، وهو قولُه: (أَعداءَه)، كما تَنْصِبُه بالفعْلِ.
وهذا الذي ذَهَبَ إليه المصنِّفُ والشارِحُ هو ما رآه إمامَا النَّحْوِيِّينَ سِيبَوَيْهِ والخليلُ بنُ أحْمَدَ.
وذَهَبَ أبو العَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ إلى أنَّ نصْبَ المفعولِ به بعْدَ الْمَصدَرِ المحلَّى بألْ ليسَ بالمصدَرِ السابِقِ، وإنما هو بِمَصدَرٍ مُنَكَّرٍ يُقَدَّرُ في الكلامِ، فتَقديرُ الكلامِ عندَه: (ضَعيفُ النِّكايةِ نِكايةً أَعداءَه)، وفي هذا مِن التَّكَلُّفِ ما ليس يَخْفَى عَليكَ.
وذَهَبَ أبو سَعيدٍ السِّيرَافِيُّ إلى أنَّ (أَعداءَه) ونحوَه مَنصوبٌ بنَزْعِ الخافِضِ، وتَقديرُ الكلامِ: (ضعيفُ النِّكايةِ في أَعدائِه) وفيه أنَّ النصْبَ بنَزْعِ الخافِضِ سَمَاعِيٌّ، فلا يُخَرَّجُ عليه كلامٌ إلا إذا لم يَكُنْ للكلامِ مَحْمَلٌ سِواهُ.

([6]) 248 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لا يُعرَفُ قائِلُها، وبعدَه:

لَكَالرَّجُلِ الحادِي وقد تَلَعَ الضُّحَى = وطَيْرُ الْمَنَايا فوْقَهُنَّ أوَاقِعُ

اللُّغَةُ: (التَّأْبِينَ) مَصدَرُ أَبَّنَ الْمَيِّتَ، إذا أَثْنَى عليه وذكَرَ مَحَاسِنَه، و(أَلْ) فيه عِوَضٌ مِن الْمُضافِ إليه، وأَصْلُه: فإنَّكَ وتَأبِينَكَ، (عُرْوَةَ) اسمُ رجُلٍ، (شَوَارِعُ) جمْعُ شَارِعَةٍ، وهي الْمُمتَدَّةُ الْمُرتَفِعَةُ، (الحادِي) سائِقُ الإِبِلِ، (تَلَعَ الضُّحَى) كِنايةٌ عن ارتفاعِ الشمْسِ، (أَوَاقِعُ) جَمْعُ واقِعَةٍ، وأَصْلُه: وَوَاقِعُ، فقَلَبَ الواوَ الأُولَى هَمزةً؛ لاستثقالِ وَاوَيْنِ في أوَّلِ الكَلِمَةِ، ونَظيرُ ذلك قولُهم: (أَوَاقِي) في، (وَوَاقِي) جمْعِ وَاقِيَةٍ، ومِن ذلك قَولُ الْمُهَلْهَلِ، وهو عَدِيُّ بنُ رَبيعةَ أَخِي كُليبٍ:

ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقَالَتْ: = يا عَدِيَّا لقَدْ وقَتْكَ الأَوَاقِي

المعنى: يُنَدِّدُ برَجُلٍ استَنْجَدَ به صَديقٌ فلم يُنْجِدْه، فلمَّا ماتَ أَقبَلَ عليه يَرْثِيهِ، ويَقولُ: إنَّ حَالَتَكَ هذه في بُكائِكَ عُرْوَةَ والثَّناءِ عليه – بعْدَ استغاثَتِه بكَ ودُعائِه إيَّاكَ إلى الأخْذِ بناصِرِه في حالِ امتدادِ سُيوفِنَا إليه – تُشْبِهُ حالَ رجُلٍ يَحْدُو بإِبِلِه ويُهَيِّجُها للسَّيْرِ وقْتَ ارتفاعِ الشمْسِ، والحالُ أنَّ طُيورَ الْمَنايَا مُنْقَضَّةٌ عليها وواقِعَةٌ فوقَها.
الإعرابُ: (فَإِنَّكَ) إنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، والكافُ اسْمُه، (والتأبينَ) يَجوزُ أنْ يكونَ مَعطوفاً على اسمِ إنَّ، فالواوُ عاطِفَةٌ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مفعولاً معَه، فالواوُ واوُ الْمَعِيَّةِ، (عُروةَ) مَفعولٌ به للتأبينَ، (بعدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بالتَّأْبِينَ، (ما) مَصدَرِيَّةٌ، (دَعاكَ) دَعَا: فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى عُروةَ، والكافُ مَفعولٌ به لِدَعَا، و(ما) الْمَصدريَّةُ معَ مَدخُولِها في تَأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بإضافةِ بعدَ إليه، والتقديرُ: بعْدَ دُعائِه إيَّاكَ، (وأَيْدِينَا) الواوُ واوُ الحالِ، أَيْدِي: مُبتدَأٌ، وأَيْدِي مُضافٌ، ونا: مُضافٌ إليه، (إليه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بشوارعُ، (شَوارِعُ) خبَرُ المبتدَأِ، وجُملةُ المُبتَدَأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ، وخبَرُ (إنَّ) في البيتِ الذي أنْشَدْنَاهُ أوَّلَ الكلامِ على هذا البيتِ، وهو مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (كالرَّجُلِ).
الشاهِدُ فيه: قولُه: (والتَّأبينَ عُروةَ)؛ حيثُ نَصَبَ بالمصدَرِ الْمُحَلَّى بألْ، وهو قولُه: (التَّأبينَ) مَفعولاً به، وهو قولُه: (عُرورةَ)، وفيه خِلافُ العُلماءِ الذينَ ذَكَرْناهُم، وذَكَرْنا أقوالَهم في شرْحِ الشاهِدِ السابِقِ.

([7]) 249 - هذا البيتُ لِمَالِكِ بنِ زُغْبَةَ – بضَمِّ الزايِ وسُكونِ الغَيْنِ – أحَدِ بَنِي باهِلَةَ، وقد أَنْشَدَه سِيبَوَيْهِ، (1/99)، والأَشْمُونِيُّ في بابِ التنازُعِ، (رَقْم 409) وفي بابِ إعمالِ الْمَصْدَرِ.
اللُّغَةُ: (أُولَى الْمُغيرَةِ) أرادَ به أَوَّلَ الْمُغيرَةِ، والْمُغيرَةِ: صِفَةٌ لموصوفٍ مَحذوفٍ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ مُرادُه الخيْلَ الْمُغيرَةَ، وأنْ يَكونَ إنما قصَدَ الجماعةَ الْمُغِيرَةَ، وهو على كلِّ حالٍ اسمُ فاعِلٍ مِن أَغارَ على القوْمِ إِغارةً؛ أيْ: كَرَّ عليهم، ويُرْوَى: (لَقِيتُ) في مَكانِ: (كَرَرْتُ)، (أَنْكُلْ) مُضارِعٌ مِن النُّكولِ، وهو الرُّجوعُ عن قِتالِ العَدُوِّ جُبْناً.
المعنَى: يَصِفُ نفْسَه بالشَّجاعَةِ، ويَقولُ: قد عَلِمَتِ الجماعةُ التي هي أوَّلُ الْمُغِيرِينَ، وفي طَلِيعَتِهم، أنَّني جَرِيءُ القلْبِ شُجاعٌ، وأَنَّنِي صَرَفْتُهم عن وَجْهِهم هازِماً لهم، ولَحِقْتُ بهم، فلم أَنْكُلْ عن ضرْبِ مِسْمَعٍ رَئيسِهم وسَيِّدِهم، وخَصَّ أوَّلَ الْمُحارِبِينَ لِيُشيرَ إلى أنَّه كانَ في مُقَدِّمِ الصفوفِ الأُولَى.
الإعرابُ: (لقَد) اللامُ واقِعَةٌ في جَوابِ قَسَمٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: واللهِ لقَدْ... إلخْ، قدْ: حرْفُ تَحقيقٍ، (علِمَتْ) عَلِمَ: فعْلٌ مَاضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (أُولَى) فاعِلُ عَلِمَتْ، وأُولَى مُضافٌ و(الْمُغيرَةِ) مُضافٌ إليه، (أَنَّنِي) أنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، والنونُ بعدَها للوِقايَةِ، وياءُ المتكَلِّمِ اسمُ أَنَّ، (كَرَرْتُ) فعْلٌ وفاعِلٌ، والجُملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ أنَّ، وجُملةُ أنَّ واسْمِه وخَبَرِه سَدَّتْ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ عَلِمَ، (فلَمْ) نافيةٌ جازِمَةٌ، (أَنْكُلْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلَمْ، (عن الضرْبِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَنْكُلْ، (مِسْمَعَا) مَفعولٌ به للضرْبِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (الضرْبِ مِسْمَعَا)؛ حيثُ أعْمَلَ المصدَرَ الْمُحَلَّى بألْ، وهو قولُه: (الضرْبِ)، عَمَلَ الفعْلِ، فنصَبَ به المفعولَ به، وهو قولُه: (مِسْمَعَا).

([8]) اعلَمْ أوَّلاً أنَّ العُلماءَ يَختَلِفُونَ فيما يَدُلُّ عليه اسمُ المصْدَرِ، فقالَ قَومٌ: هو دالٌّ على الحدَثِ الذي يَدُلُّ عليه المصدَرُ. وعلى هذا يَكونُ مَعنى المصدَرِ واسمِ الْمَصدَرِ وَاحِداً، وقالَ قَوْمٌ: اسمُ المصدَرِ يَدُلُّ على لفْظِ المصدَرِ الذي يَدُلُّ على الحدَثِ، فيَكونُ اسمُ الْمَصدَرِ دَالاًّ على الحدَثِ بوَاسِطَةِ دَلالتِه على لفْظِ المصدَرِ. وعلى هذا يكونُ معنَى المصدَرِ ومَعنى اسمِ المصدَرِ مُختَلِفَيْنِ.
واعلَمْ ثانياً أنَّ المصدَرَ لا بُدَّ أنْ يَشتَمِلَ على حروفِ فعْلِه الأَصليَّةِ والزائدةِ جَميعاً: إمَّا بتَساوٍ، مِثْلُ: تَغافَلَ تَغافُلاً، وتَصَدَّقَ تَصَدُّقاً، وإمَّا بزِيادةٍ، مثْلُ أَكْرَمَ إِكراماً، وزَلْزَلَ زَلْزَلَةً، وأنَّه لا يَنقُصُ فيه مِن حُروفِ فِعْلِه شيءٌ، إلاَّ أنْ يُحْذَفَ لعِلَّةٍ تَصريفِيَّةٍ، ثُمَّ تَارَةً يُعَوِّضُ عن ذلك المحذوفِ حرْفٌ، فيَكونُ المحذوفُ كالمذكورِ، نحوُ: أَقامَ إقامَةً، ووَعَدَ عِدَةً، وتارَةً يُحْذَفُ لفْظاً، لا لعِلَّةٍ تَصريفيَّةٍ، ولكنَّه مَنْوِيٌّ مَعنويٌّ، نحوُ: قاتَلَ قِتالاً، ونازَلْتُه نِزَالاً، والأصْلُ فيهما: قِيتَالاً ونِيزالاً، وقد أَوْضَحَ لكَ الشارِحُ ذلك.
فإنْ نقَصَ الدالُّ على الحدَثِ عن حُروفِ فِعْلِه، ولم يُعَوَّضْ عن ذلك الناقِصِ، ولم يَكُنِ الناقِصُ مَنويًّا، كانَ اسمَ مَصدَرٍ، نحوُ: أَعْطَى عَطاءً، وتَوضَّأَ وُضوءاً، وتَكَلَّمَ كَلاماً، وأَجابَ إِجابةً، وأَطاعَ طَاعةً، وسلَّمَ سَلاَماً، وتَطَهَّرَ طُهُوراً.
وإنْ كانَ المرادُ به اسمَ الذاتِ، مِثْلُ الكُحْلِ والدُّهْنِ، فليسَ بِمَصْدَرٍ ولا باسمِ مَصدَرٍ، حتى لو اشتَمَلَ على حروفِ الفعْلِ، وقد اتَّضَحَ لكَ مِن هذا البيانِ اسمُ المصدَرِ اتِّضاحاً لا لَبْسَ فيه.

([9]) 250 - البيتُ للقُطَامِيِّ، واسْمُه عُميرُ بنُ شُيَيْمٍ، وهو ابنُ أُختِ الأَخْطَلِ، مِن كَلِمَةٍ له يَمدَحُ فيها زُفَرَ بنَ الحارِثِ الكِلابِيَّ، وهو مِن شَواهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 684).
اللُّغَةُ: (أَكُفْراً) جُحوداً للنِّعمَةِ، ونُكراناً للجَميلِ، (رَدِّ) مَنْعِ، (الرِّتَاعُ) جَمْعُ راتِعَةٍ، وهي مِن الإبِلِ التي تُتْرَكُ كي تَرْعَى كيفَ شاءَتْ؛ لِكَرامَتِها على أَصحابِها.
المعنَى: أنَا لا أَجْحَدُ نِعْمَتَكَ، ولا أُنْكِرُ صَنِيعَكَ مَعِي، ولا يُمْكِنُ أنْ أَصْنَعَ ذلك بعْدَ إذ مَنَعْتَ عَنِّي الموتَ، وأَعْطَيْتَنِي مِائةً مِن خِيارِ الإِبِلِ.
الإعرابُ: (أَكُفْراً) الهمزةُ للاستفهامِ الإنكاريِّ، كُفْراً: مَفعولٌ مطلَقٌ لفعْلٍ مَحذوفٍ؛ أي: أَأَكْفُرُ كُفْراً، (بعْدَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لكُفْراً، و(بعْدَ) مُضافٌ و(رَدِّ) مُضافٌ إليه، ورَدِّ مُضافٌ و(الموتِ) مُضافٌ إليه مِن إضافَةِ الْمَصدَرِ لِمَفعولِه، وقد حُذِفَ فاعِلُه، وأَصْلُه: رَدِّكَ الْمَوتِ، (عَنِّي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ برَدِّ، (وبعْدَ) مَعطوفٌ على الظرْفِ السابِقِ، وبعْدَ مُضافٌ وعَطاءِ مِن (عَطَائِكَ) اسمُ مصْدَرٍ مُضافٌ إليه، وعَطاءِ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه، مِن إضافَةِ اسمِ المصدَرِ إلى فاعِلِه، (الْمِائَةَ) مَفعولٌ به لاسمِ المصدَرِ الذي هو عَطاءِ، (الرِّتَاعَا) صفةٌ للمِائةَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (عَطائِكَ الْمِائةَ)؛ حيثُ أَعْمَلَ اسمَ المصدَرِ، وهو قَولُه: (عَطاءِ) عمَلَ الفعْلِ، فنصَبَ به المفعولَ به، وهو قولُه: (الْمِائَةَ) بعدَ أنْ أَضافَ اسمَ المصدَرِ لفاعِلِه.

([10]) 251 - البيتُ مِن الشَّواهِدِ التي لا يُعلَمُ قائِلُها، وقد أَنشَدَه الأَصمَعِيُّ ولم يَعْزُهُ لقائِلٍ مُعَيَّنٍ.
اللُّغَةُ: (عَوْنُ) اسمٌ بمعنى الإِعانَةِ، والفعْلُ المستَعْمَلُ هو أَعانَ، تَقولُ: أَعانَ فُلانٌ فُلاناً يُعِينُه، تُريدُ نَصَرَه وأَخَذَ بيَدِه فيما يَعتَزِمُ عمَلَه.
الإعرابُ: (إذا) ظرْفٌ للزَّمانِ المستقْبَلِ تَضَمَّنَ معنى الشرْطِ، (صَحَّ) فعْلٌ ماضٍ، (عَوْنُ) فاعِلُ صَحَّ، وعوْنُ مُضافٌ و(الخالِقِ) مُضافٌ إليه، مِن إضافَةِ اسمِ الْمَصدَرِ إلى فاعِلِه، (الْمَرْءَ) مَفعولٌ به لاسمِ المصدَرِ مَنصوبٌ بالفتحَةِ الظاهِرَةِ، والجُملَةُ مِن (صَحَّ) وفاعِلِه في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ (إذا) إليها، (لم) نافِيَةٌ جازِمَةٌ، (يَجِدْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلمْ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الْمَرْءَ، (عَسيراً) مَفعولٌ أوَّلُ ليَجِدْ، (مِن الآمالِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعَسيرٍ أو بمحذوفٍ صِفَةٌ له، (إلاَّ) أَداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ، (مُيَسَّرَا) مَفعولٌ ثانٍ ليَجِدْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (عَوْنُ الخالِقِ الْمَرْءَ)؛ حيثُ أَعْمَلَ اسمَ المصدَرِ – وهو قولُه: (عَوْنُ) – عمَلَ الفعْلِ، فنَصَبَ به المفعولَ – وهو قولُه: (الْمَرْءَ) – بعْدَ إضافَتِه لفَاعِلِه؛ كما بَيَّنَّاهُ في إعرابِ البَيْتِ.

([11]) 252 - البيتُ مِن الشواهِدِ التي لا يُعلَمُ قائِلُها، وهو مِن شَواهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 685)
اللُّغَةُ: (بعِشْرَتِكَ) العِشرَةُ – بكسْرِ العَيْنِ – اسمُ مَصدَرٍ بِمَعنى الْمُعاشَرَةِ، (أَلُوفَا) بفتْحِ الْهَمزَةِ وضَمِّ اللامِ – أي: مُحِبًّا، ويُرْوَى:
فلاَ تَرَيَنْ لغَيْرِهِمُ الْوَفَاءَ

ببِناءَ تَرَى للمَعلومِ، والمرادُ نَهْيُه عن أنْ يَنْطَوِيَ قَلْبُه على الوَفاءِ لغَيْرِ كِرامِ الناسِ.
الإعرابُ: (بعِشْرَتِكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقَولِه: (تُعَدُّ) الآتي، وعِشرةِ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه مِن إضافَةِ اسمِ المصدَرِ إلى فاعِلِه، (الكِرامَ) مَفعولٌ به لعِشرَةِ، (تُعَدُّ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، وهو المفعولُ الأوَّلُ لتُعَدَّ، (مِنهم) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتُعَدُّ، وهو المفعولُ الثانِي، (فَلاَ) الفاءُ فاءُ الفَصيحَةِ، لا: ناهِيَةٌ، (تُرَيَنْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ للمَجهولِ، مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصالِه بنُونِ التوكيدِ الْخَفيفَةِ في مَحَلِّ جزْمٍ بلا، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، وهو المفعولُ الأوَّلُ، (لغَيْرِهم) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أَلُوفَا) الآتي، وغيرِ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (أَلُوفَا) مَفعولٌ ثانٍ لتُرَى.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (بعِشرَتِكَ الكِرامَ)؛ فإنه قد أَعْمَلَ اسمَ المصدَرِ، وهو قولُه: (عِشرَةِ) عمَلَ الفعْلِ، فنصَبَ به المفعولَ به، وهو قولُه، (الكِرامَ)، بعْدَ إضافَتِه إلى فاعِلِه.

([12]) اسمُ المصدَرِ إمَّا أنْ يَكونَ عَلَماً، مِثلُ يَسارٍ وبَرَّةٍ وفِجَارٍ، وإمَّا أنْ يَكونَ مَبدوءاً بميمٍ زائدةٍ؛ كالْمَحْمَدَةِ والْمَتْرَبَةِ، وإمَّا ألاَّ يَكونَ وَاحِداً مِنهما، فالأوَّلُ لا يَعْمَلُ إِجماعاً، والثاني يَعمَلُ إِجماعاً، والثالثُ هو مَحَلُّ الخِلافِ.

([13])، (وبعدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِه: (كَمِّلِ) الآتِي، وبعدَ مضافٌ وجَرِّ مِن (جَرِّهِ) مُضافٌ إليه، وجَرِّ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه مِن إضافَةِ الْمَصدَرِ لفَاعِلِه، (الذي) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به للمَصدَرِ الذي هو جَرِّ، (أُضيفَ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الذي، (لهْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأُضيفَ، والجُملَةُ مِن الفعْلِ ونائبِ الفاعِلِ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (كَمِّلْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (بنَصْبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بكَمِّلْ، (أو) عاطِفَةٌ، (برَفْعٍ) مَعطوفٌ على (بنَصْبٍ)، (عمَلَهْ) عمَلَ مَفعولٌ به لكَمِّلْ، وعمَلَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه.

([14]) 253 - البيتُ للفَرَزْدَقِ يَصِفُ ناقةً، وهو مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ، (1 / 10) ومِن شَواهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 689) وابنِ هِشامٍ في قَطْرِ النَّدَى، (رَقْم 124)، وفي أوْضَحِ الْمَسالِكِ (رَقْم 567).
اللُّغَةُ: (تَنْفِي) تَدفَعُ، وبَابُه رَمَى، (الْحَصَى) جَمْعُ حَصَاةٍ، (هاجِرَةٍ) هي نصْفُ النهارِ عندَ اشتدادِ الْحَرِّ، (انظُرْ شرْحَ الشاهِدِ الآتِي 254)، (الدَّرَاهِيمِ) جمْعُ دِرْهَمٍ، وزِيدَتْ فيه الياءُ كما حُذِفَتْ مِن جَمْعِ مِفتاحٍ في قولِه تعالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}. وقِيلَ: لا حذْفَ ولا زِيادةَ، بل مَفاتِحُ جَمْعُ مَفْتَحٍ، ودَرَاهِيمُ جَمْعُ دِرْهَامٍ، (تَنقادُ) مَصدَرُ نَقَدَ، وتَاؤُه مَفتوحةٌ، وهو مِثلُ تَذْكَارٍ وتَقتالٍ وتَبْيَاعٍ بمعنَى الذِّكْرِ والقتْلِ والبَيْعِ، (الصَّيَارِيفِ) جَمْعُ صَيْرَفِيٍّ.
المعنى: إنَّ هذه الناقَةَ تَدْفَعُ يَدُها الْحَصَى عن الأرْضِ في وَقْتِ الظَّهيرَةِ واشتدادِ الْحَرِّ كمَا يَدفَعُ الصَّيْرَفِيُّ الناقِدُ الدراهِمَ، وكَنَّى بذلك عن سُرعَةِ سَيْرِها وصَلابَتِها وصَبْرِها على السَّيْرِ، وخَصَّ وقْتَ الظَّهيرةِ؛ لأنه الوقْتُ الذي تَعْيَا فيه الإِبِلُ ويَأخُذُها الكَلالُ والتَّعَبُ، فإذا كانَتْ فيه جَلْدَةٌ فهي في غَيْرِه أكثَرُ جَلاَدَةً وأَشَدُّ اصْطِبَاراً.
الإعرابُ: (تَنْفِي) فعْلٌ مُضارِعٌ، (يَدَاهَا) يَدَا: فاعِلُ تَنْفِي مَرفوعٌ بالألِفِ؛ لأنه مُثَنًّى، ويَدَا مُضافٌ وها مضافٌ إليه، (الْحَصَى) مَفعولٌ به لتَنْفِي، (في كُلِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَنْفِي، وكلِّ مُضافٌ و(هَاجِرَةٍ) مُضافٌ إليه، (نَفْيَ) مَفعولٌ مُطلَقٌ عامِلُه تَنْفِي، ونَفْيَ مُضافٌ و(الدَّرَاهِيمِ) مُضافٌ إليه، مِن إِضافَةِ المصدَرِ إلى مَفعولِه، (تَنْقَادُ) فاعِلُ المصدَرِ الذي هو نَفْيَ، وتَنقادُ مُضافٌ و(الصَّيارِيفِ) مُضافٌ إليه، مِن إضافَةِ الْمَصدَرِ لفَاعِلِه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ)؛ حيثُ أَضافَ الْمَصدَرَ – وهو قولُه: (نَفْيَ) – إلى مَفعولِه – وهو قولُه: (الدَّرَاهِيمِ) – ثم أَتَى بفاعِلِه مَرفوعاً، وهو قولُه: (تَنقادُ).

([15]) (جُرَّ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به لِجُرَّ، (يَتْبَعُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ جَوَازاً تَقديرُه هو فاعِلٌ، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به ليَتْبَعُ، (جُرَّ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى ما، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (ومَن) اسمُ شرْطٍ مُبتدَأٌ، (رَاعَى) فعْلٌ ماضٍ فعْلُ الشرْطِ، (في الاتْباعِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَاعَى، (الْمَحَلَّ) مَفعولٌ به لرَاعَى، (فحَسَن) الفاءُ لربْطِ الجوابِ بالشرْطِ، حسَنْ: خبَرٌ لِمُبتدَأٍ مَحذوفٍ تَقديرُه: فهو حسَنٌ, والجُملَةُ مِن الْمُبتدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جزْمٍ جَوابُ الشرْطِ، وجُملتَا الشرْطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرٌ عن اسمِ الشرْطِ الواقِعِ مُبتدَأً، وقيلَ: جُملةُ الشرْطِ فقَطْ. وقِيلَ: جُملةُ الجوابِ فقَطْ. وهو خِلافٌ مَعروفٌ بينَ النُّحاةِ.

([16]) 254 - البيتُ للَبِيدِ بنِ رَبيعةَ العامِرِيِّ، يَصِفُ حِماراً وَحْشِيًّا وأَتانَه، شَبَّهَ به نَاقَتَه.
اللُّغَةُ: (تَهَجَّرَ) سارَ في وقْتِ الْهَاجِرَةِ، وقد سبَقَ قَريباً (في شرْحِ الشاهِدِ 253) أنَّها نِصْفُ النَّهارِ عندَ اشتدادِ الْحَرِّ، (الرَّواحِ) هو الوقْتُ مِن زَوالِ الشمْسِ إلى الليلِ، ويُقابِلُه الغُدُوُّ، (هاجَهَا) أَزْعَجَها، (الْمُعَقِّبِ) الذي يَطْلُبُ حَقَّه مرَّةً بعْدَ أُخْرَى، (الْمَظلومُ) الذي مَطَلَه الْمَدِينُ بدَيْنٍ عَلَيْهِ له.
المعنَى: يَقولُ: إنَّ هذا المِسْحَلَ – وهو حِمارُ وَحْشٍ – قد عَجَّلَ رَوَاحَه إلى الماءِ وقْتَ اشتدادِ الهاجِرَةِ، وأَزعَجَ الأَتَانَ، وطَلَبَها إلى الماءِ مِثْلَ طلَبِ الغَرِيمِ الذي مَطَلَه مَدينٌ بدَيْنٍ له، فهو يُلِحُّ في طَلَبِه المرَّةَ بعْدَ الأُخْرَى.
الإعرابُ: (تَهَجَّرَ) فعْلٌ ماضٍ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ جَوَازاً يَعودُ إلى مِسْحَلٍ هو فاعِلُه، (في الرَّوَاحِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَهَجَّرَ، (وهَاجَها) الواوُ عاطِفَةٌ، هاجَ: فعْلٌ ماضٍ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ يَعودُ إلى الْحِمارِ الوَحْشِيِّ الذي عَبَّرَ عنه بالْمِسْحَلِ في بيتٍ سابِقٍ – فاعِلٌ، وها: مَفعولٌ به، وهي عائِدَةٌ إلى الأَتَانِ، (طَلَبَ) مصْدَرٌ تَشبِيهيٌّ مَفعولٌ مُطْلَقٌ عامِلُه (هاجَهَا)؛ أيْ: هاجَها لكَيْ تَطْلُبَ الماءَ حَثيثاً مِثْلَ طلَبِ الْمُعَقِّبِ... إلخْ، وطلَبَ مُضافٌ و(المعَقِّبُ) مُضافٌ إليه، مِن إضافَةِ الْمَصدَرِ إلى فاعِلِه، (حقَّهُ) حقَّ: مَفعولٌ به للمَصدَرِ الذي هو طَلَبَ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ مفعولاً للمُعَقِّبِ؛ لأنه اسمُ فاعِلٍ ومَعناه الطالِبُ، (الْمَظلومُ) نعْتٌ للمُعَقِّبِ باعتبارِ الْمَحَلِّ؛ لأنه – وإنْ كانَ مَجرورَ اللفْظِ – مرفوعُ الْمَحَلِّ؛ لأنه فاعِلٌ.
الشاهِدُ عليه: قولُه: (طَلَبَ الْمُعَقِّبِ...... المظلومُ)؛ حيثُ أَضافَ المصدَرَ، وهو (طَلَبَ) إلى فاعِلِه – وهو المعَقِّبِ – ثم أَتْبَعَ الفاعِلَ بالنعْتِ، وهو (الْمَظلومُ)، وجاءَ بهذا التابِعِ مَرفوعاً؛ نَظَراً لِمَحَلِّ الْمَتبوعِ.

([17]) 255 - البيتُ لزيادةَ العَنْبَرِيِّ، ونَسَبُوهُ في كتابِ سيبَوَيْهِ، (1 / 97) إلى رُؤبَةَ بنِ العَجَّاجِ، اللُّغَةُ: (دَايَنْتُ بها) أَخَذْتُها بَدَلاً عن دَيْنٍ لي عندَه، والضميرُ الْمَجرورُ مَحَلاًّ بالباءِ في بها يَعودُ إلى أَمَةٍ، (اللَّيَّانَ) – بفتْحِ اللامِ وتَشديدِ الياءِ الْمُثَنَّاةِ – الْمَطْلُ واللَّيُّ والتَّسويفُ في قَضاءِ الدَّيْنِ.
المعنى: يَقولُ: قد كُنتُ أخَذْتُ هذه الأَمَةَ مِن حَسَّانَ بدَلاً عن دَيْنٍ لي عِندَهُ؛ لِمَخَافَتِي أنْ يُفلِسَ أو يَمْطُلَنِي فلاَ يُؤَدِّيَنِي حَقِّي.
الإعرابُ: (قدْ) حرْفُ تَحقيقٍ، (كنْتُ) كانَ: فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ ضميرُ المتكلِّمِ اسْمُه، (دَايَنْتُ) فعْلٌ وفاعِلٌ، والجُملَةُ في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ كانَ، (بها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بدَايَنَ، (حَسَّانَا) مَفعولٌ به لِدَايَنَ، (مَخَافَةَ) مَفعولٌ لأَجْلِه، ومَخافَةَ مُضافٌ و(الإفلاسِ) مُضافٌ إليه، مِن إِضافَةِ الْمَصدَرِ إلى مَفعولِه، وقد حُذِفَ فاعِلُه، (واللَّيَّانَا) معطوفٌ على مَحَلِّ الإفلاسِ – وهو النَّصْبُ – لكَوْنِ الإفلاسِ مَفعولاً به للمَصدَرِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (واللَّيَّانَا)؛ حيثُ عَطَفَه بالنصْبِ على (الإفلاسِ) الذي أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إليه؛ نَظَراً إلى مَحَلِّهِ.

  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هَذَا بَابُ إِعْمَالِ المَصْدَرِ واسْمِهِ

الاسْمُ الدَّالُّ([1]) علَى مُجَرَّدِ الحَدَثِ إِنْ كَانَ عَلَماً، كـ (فَجَارِ) و(حَمَادِ) للفَجْرَةِ والمَحْمِدَةِ، أو مَبْدُوءاً بمِيمٍ زَائِدَةٍ لغَيْرِ المُفَاعَلَةِ، كـ (مَضْرَبٍ) و(مَقْتَلٍ)، أو مُتَجَاوِزاً فِعْلُهُ الثَّلاثَةَ وهو بزِنَةِ اسْمِ حَدَثِ الثُّلاثِيِّ، كـ (غُسْلٍ) و(وُضُوءٍ) في قَوْلِكَ: (اغْتَسَلَ غُسْلاً) و(تَوَضَّأَ وُضُوءاً) فإنَّهُمَا بزِنَةِ القُرْبِ والدُّخُولِ في (قَرُبَ قُرْباً) و(دَخَلَ دُخُولاً)؛ فهو اسْمُ مَصْدَرٍ، وإِلاَّ فالمَصْدَرُ([2]).
ويَعْمَلُ المَصْدَرُ عَمَلَ فِعْلِهِ إِنْ كَانَ يَحِلُّ مَحِلَّهُ فِعْلٌ([3]) ، إمَّا معَ (أنْ)، كـ (عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ زَيْداً أَمْسِ) و(يُعْجِبُنِي ضَرْبُكَ زَيْداً غَداً)؛ أي: أنْ ضَرَبْتَهُ وأَنْ تَضْرِبَهُ، وإمَّا معَ (ما) كـ (يُعْجِبُنِي ضَرْبُكَ زَيْداً الآنَ)؛ أي: مَا تَضْرِبُهُ، ولا يَجُوزُ فِي نَحْوِ: (ضَرَبْتُ ضَرْباً زَيْداً) (كَوْنُ (زَيْداً) مَنْصُوباً بالمَصْدَرِ لانتِفَاءِ هذَا الشَّرْطِ([4]).
وعَمَلُ المَصْدَرِ مُضَافاً أَكْثَرُ، نَحْوُ: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}([5]) ، ومُنَوَّناً أَقْيَسُ، نَحْوُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً}([6]) ، وبِأَلْ قَلِيلٌ([7]) ضَعِيفٌ، كقَوْلِهِ:
365- ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ([8])
واسْمُ المَصْدَرِ إِنْ كانَ عَلَماً لمْ يَعْمَلِ([9]) اتِّفَاقاً، وإنْ كانَ مِيمِيًّا فكالمَصْدَرِ([10]) اتِّفَاقاً، كقَوْلِهِ:
366- أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلاً([11])
وإنْ كانَ غَيْرَهُمَا لمْ يَعْمَلْ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، ويَعْمَلْ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ والبَغْدَادِيِّينَ، وعلَيْهِ قَوْلُهُ:
367- وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِائَةَ الرِّتَاعَا([12])
ويَكْثُرُ أَنْ يُضَافَ المَصْدَرُ إلَى فَاعِلِهِ، ثُمَّ يَأْتِي مَفْعُولُه، نَحْوُ: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}([13]) ، ويَقِلُّ عَكْسُهُ، كقَوْلِهِ:
368- قَرْعُ القَوَاقِيزِ أَفْوَاهُ الأَبَارِيقِ([14])
وقيلَ: يَخْتَصُّ بالشِّعْرِ، ورُدَّ بالحَدِيثِ ((وَحَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))؛ أي: وأَنْ يَحُجَّ البَيْتَ المُسْتَطِيعُ، وأمَّا إِضَافَتُهُ إلَى الفَاعِلِ ثُمَّ لا يُذْكَرُ المَفْعُولُ وبالعَكْسِ فكَثِيرٌ، نَحْوُ: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}([15]) ، ونَحْوُ: {لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ}([16]) ولو ذُكِرَ لقيلَ: دُعَائِي إِيَّاكَ، ومِنْ دُعَائِهِ الخَيْرَ([17]).
وتَابِعُ المَجْرُورِ يُجَرُّ علَى اللَّفْظِ، أو يُحْمَلُ علَى المَحَلِّ([18]) ؛ فيُرْفَعُ كقَوْلِهِ:
369- طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ([19])
أو يُنْصَبُ كقَوْلِهِ:
370- مَخَافَةَ الإِفْلاسِ وَاللِّيَّانَا([20])


([1]) خُلاصَةُ مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هُنَا أنَّ الاسْمَ الدَّالَّ علَى مُجَرَّدِ الحَدَثِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ؛ ثَلاثَةٌ مِنْهَا تُسَمَّى اسْمَ مَصْدَرٍ، ووَاحِدٌ يُسَمَّى مَصْدَراً، أمَّا الثَّلاثَةُ التي تُسَمَّى اسْمَ مَصْدَرٍ:
فأَوَّلُهَا: مَا كانَ عَلَماً كفَجَارٍ وحَمَادٍ وبَرَّةٍ وسُبْحَانَ.
وثَانِيهَا: مَا كَانَ مَبْدُوءاً بمِيمٍ زَائِدَةٍ لغَيْرِ المُفَاعَلَةِ كمَضْرَبٍ ومَقْتَلٍ – أمَّا المَبْدُوءُ بالمِيمِ الدَّالَّةِ علَى المُفَاعَلَةِ فهو مَصْدَرٌ، نَحْوُ: المُضَارَبَة والمُقَاتَلَة والمُشَارَكَة؛ فإنَّهَا مَصَادِرٌ قِيَاسِيَّةٌ لضَارَبَ وقَاتَلَ وشَارَكَ.
وثَالِثُهَا: مَا كَانَ بِزِنَةِ اسْمِ حَدَثِ الثُّلاثِيِّ معَ أنَّ فِعْلَهُ زَائِدٌ علَى الثَّلاثَةِ، مِثْلُ: كَلاَم وسَلام، وفِعْلُهُمَا كَلَّمَ وسَلَّمَ بتَشْدِيدِ العَيْنِ فِيهِمَا، ومِثْلُ: عَطَاء وجَوَاب، وفِعْلُهُمَا أَعْطَى وأَجَابَ, وهذا أَشْهَرُهَا.
وفي هذَا الكَلامِ نَظَرٌ مِن وَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ جَعَلَ اسْمَ المَصْدَرِ يَدُلُّ علَى مُجَرَّدِ الحَدَثِ. وأَكْثَرُ النُّحَاةِ يُقَرِّرُونَ أنَّ الدَّالَّ علَى الحَدَثِ هو المَصْدَرُ، وأمَّا اسْمُ المَصْدَرِ فإنَّهُ يَدُلُّ علَى لَفْظِ المَصْدَرِ، فالكَلامُ يَدُلُّ علَى التَّكْلِيمِ وهو يَدُلُّ علَى الحَدَثِ، ويُمْكِنُ أنْ يُجَابَ عَنْ هَذا بأَحَدِ جَوَابَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ اسْمَ المَصْدَرِ يَدُلُّ علَى الحَدَثِ بِوَاسِطَةِ دَلالَتِهِ علَى لَفْظِ المَصْدَرِ، فالمُرَادُ مِن قَوْلِهِ: (الاسْمُ الدَّالُّ علَى مُجَرَّدِ الحَدَثِ) مَا هُو أَعَمُّ مِنْ أنْ يَدُلَّ بِنَفْسِهِ أو بِوَاسِطَةٍ. والثَّانِي: أنَّ المَسْأَلَةَ خِلافِيَّةٌ، ومِن النُّحَاةِ مَن يَرَى اسْمَ المَصْدَرِ دَالاًّ علَى الحَدَثِ بدُونِ وَاسِطَةٍ كمَا نُقَرِّرُهُ لكَ بَعْدُ، وقدْ جَرَى المُؤَلِّفُ هُنَا علَى هذَا.
الثَّانِي: أنَّهُ جَعَلَ الاسْمَ المَبْدُوءَ بمِيمٍ زَائِدَةٍ لغَيْرِ المُفَاعَلَةِ اسْمَ مَصْدَرٍ، معَ أنَّ النُّحَاةَ يَجْعَلُونَهُ مَصْدَراً، ويُسَمُّونَهُ المَصْدَرَ المِيمِيَّ، والمُؤَلِّفُ هنا تَابِعٌ لابْنِ النَّاظِمِ.

([2]) اختَلَفَ العُلَمَاءُ في مَدْلُولِ كُلٍّ مِن المَصْدَرِ واسْمِ المَصْدَرِ؛ فقالَ قَوْمٌ: مَدْلُولُ المَصْدَرِ نَفْسُ الحَدَثِ الوَاقِعِ مِنَ الفَاعِلِ. ومَدْلُولُ اسْمِ المَصْدَرِ هو لَفْظُ المَصْدَرِ، فالغُسْلُ يَدُلُّ على لَفْظِ الاغْتِسَالِ الدَّالِّ علَى الفِعْلِ الحَاصِلِ مِن المُغْتَسِلِ، والوُضُوءُ يَدُلُّ علَى لَفْظِ التَوَضُّؤِ الدَّالِّ علَى الفِعْلِ الحَاصِلِ مِن المُتَوَضِّئِ.
وقالَ قَوْمٌ: كُلٌّ مِن المَصْدَرِ واسْمِ المَصْدَرِ يَدُلُّ علَى الحَدَثِ الذي هو الفِعْلُ الحَاصِلُ مِن الفَاعِلِ. وعِبَارَةُ المُؤَلِّفِ تَجْرِي علَى هذَا القَوْلِ، إلاَّ أنْ تَتَكَلَّفَ التَّأْوِيلَ الذي ذَكَرْنَاهُ لكَ قَرِيباً.

([3]) هَهُنَا ثَلاثَةُ أُمُورٍ أرَى الحَاجَةَ مَاسَّةً إلى إِيضَاحِهَا لكَ لكَيْ تَفْهَمَ كَلامَ المُؤَلِّفِ علَى وَجْهِهِ فَهْماً صَحِيحاً.
الأَمْرُ الأوَّلُ: أنَّكَ حِينَ تَسْتَعْمِلُ المَصْدَرَ في كَلامِكَ إمَّا أن تُرِيدَ بهِ ثُبُوتَ مَا يَدُلُّ علَيْهِ مِن الحَدَثِ، وإمَّا أن تُرِيدَ بهِ حُدُوثَ مَا يَدُلُّ علَيْهِ مِن الحَدَثِ في أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ المَاضِي والحَالِ والمُسْتَقْبَلِ:
فإنْ أَرَدْتَ بالمَصْدَرِ الدَّلالَةَ علَى ثُبُوتِ مَا يَدُلُّ علَيْهِ مِن الحَدَثِ فإنَّهُ حِينئِذٍ لا يَصْلُحُ لأنْ يَحِلَّ مَحِلَّهُ فِعْلٌ لا معَ (ما) ولا معَ (أنْ)؛ لأنَّ طَبِيعَةَ الفِعْلِ دَالَّةٌ علَى الحُدُوثِ وأنتَ لمْ تُرِدْهُ، وإنْ أَرَدْتَ بالمَصْدَرِ الدَّلالَةَ علَى حُدُوثِ مَا يَدُلُّ علَيْهِ مِن الحَدَثِ فِي الزَّمَنِ الحَاضِرِ كانَ علَيْكَ أنْ تُقَدِّرَهُ بمَا المَصْدَرِيَّةِ وتُقَدِّرَ معَهَا الفِعْلَ المُضَارِعَ، أمَّا تَقْدِيرُهُ بمَا المَصْدَرِيَّةَ حِينَئِذٍ؛ فلأنَّ (أن) المَصْدَرِيَّةَ لا تَصْلُحُ لهذَا المَوْضِعِ؛ لأنَّهَا معَ الفِعْلِ المَاضِي تُبْقِيهِ علَى حَالِهِ وهو الدَّلالَةُ علَى حُدُوثِ الحَدَثِ فِي الزَّمَنِ المَاضِي، ومعَ الفِعْلِ المُضَارِعِ تُخَلِّصُهُ للدَّلالَةِ علَى الاسْتِقْبَالِ، فلمَّا لمْ يُمْكِنْكَ أنْ تُقَدِّرَ المَصْدَرَ بأن فِي هذهِ الحَالَةِ لَزِمَكَ أن تُقَدِّرَهُ بمَا؛ لأنَّهَا صَالِحَةٌ للاسْتِعْمَالِ في الأَحْوَالِ كُلِّهَا.
وإنْ أَرَدْتَ بالمَصْدَرِ الدَّلالَةَ علَى حُدُوثِ الحَدَثِ في الزَّمَنِ المَاضِي أو في الزَّمَنِ المُسْتَقْبَلِ فإنَّهُ يَلْزَمُكَ أنْ تُقَدِّرَهُ بأن المَصْدَرِيَّةِ، وتُقَدِّرَ معَ (أنْ) حينَ تُرِيدُ الزَّمَنَ المَاضِيَ الفِعْلَ المَاضِيَ؛ لأنَّهُ هو الذِي يَدُلُّ علَى هذَا الزَّمَنِ، وتُقَدِّرَ معَهَا حِينَ تُرِيدُ الزَّمَنَ المُسْتَقْبَلَ الفِعْلَ المُضَارِعَ؛ لأنَّهُ هو الصَّالِحُ للدَّلالَةِ علَى هذَا الزَّمَنِ.
فإنْ قُلْتَ: وإذَا كَانَت (ما) المَصْدَرِيَّةُ صَالِحَةً للدَّلالَةِ علَى الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ كمَا تَقُولُ؛ فلمَاذَا لا أُقَدِّرُهَا دَائِماً، وأَلْزَمْتَنِي أن أُقَدِّرَ فِي بَعْضِ الأحْوَالِ (ما) وفِي بَعْضِهَا الآخَرِ (أَنْ)؟.
قُلْتُ: الأَصْلُ فِي الحُرُوفِ المَصْدَرِيَّةِ هُو (أَنْ)، ومِنْ أجْلِ ذلكَ يُسَمُّونَهَا أُمَّ البَابِ، فهُم يُقَدِّرُونَهَا لهذا السَّبَبِ، ولم يَعْدِلُوا عَنْ تَقْدِيرِهَا إلاَّ فِي الحَالِ التي يَكُونُ تَقْدِيرُهَا غَيْر مُمْكِنٍ، وهي حَالَةُ مَا إِذَا أُرِيدَ بالمَصْدَرِ الدَّلالَةُ علَى الحُدُوثِ في الزَّمَنِ الحَاضِرِ، وشَيْءٌ آخَرُ وهو: أنَّكَ إذَا الْتَزَمْتَ تَقْدِيرَ المَصْدَرِ بـ (مَا) الْتَبَسَ علَى مَنْ يَسْمَعُكَ الأَمْرُ في بَعْضِ الصُّوَرِ، وهي الصُّورَةُ التي تُقَدِّرُ فِيهَا المَصْدَرَ بمَا والفِعْلِ المُضَارِعِ، فإنَّ السَّامِعَ الذي يَعْلَمُ صَلاحِيَّةَ المُضَارِعِ للحَالِ وللاسْتِقْبَالِ لا يَدْرِي أيَّهُمَا أَرَدْتَ حِينَئِذٍ، لَكِنَّهُم لمَّا أَلْزَمُوكَ أنْ تُقَدِّرَ (ما) حِينَ تُرِيدُ الحَالَ، وأنْ تُقَدِّرَ (أن) حِينَ تُرِيدُ الاسْتِقْبَالَ كانَ الأَمْرُ جَلِيًّا لا الْتِبَاسَ فِيهِ.
الأمْرُ الثَّانِي: أنَّ اشْتِرَاطَ هذَا الشَّرْطِ الذي هو صَلاحِيَّةُ المَصْدَرِ لأنْ يَحِلَّ مَحِلَّهُ الفِعْلُ معَ (أنْ) أو معَ (ما) إنَّمَا هو شَرْطٌ فِي عَمَلِهِ فِي غَيْرِ الظَّرْفِ أو الجَارِّ والمَجْرُورِ، أمَّا عَمَلُهُ فِيهِمَا فلا يُشْتَرَطُ فيهِ شَيْءٌ؛ لأنَّهُمَا يَكْتَفِيَانِ برَائِحَةِ الفِعْلِ.
الأمْرُ الثَّالِثُ: اتَّفَقَ النُّحَاةُ علَى أنَّ المَصْدَرَ المُؤَكِّدَ لفِعْلِهِ نَحْوَ قَوْلِكَ: (ضَرَبْتُ ضَرْباً) لا يَعْمَلُ، فلا يَحِلُّ مَحِلَّهُ فِعْلٌ لا معَ (ما) ولا معَ (أنْ)، فإذَا قُلْتَ: (ضَرَبْتُ ضَرْباً زَيْداً) فإنَّ زَيْداً مَفْعُولٌ بِهِ للفِعْلِ الذي هو ضَرَبْتُ، لا للمَصْدَرِ، وقدِ اخْتَلَفُوا في المَصْدَرِ النَّائِبِ عَنْ فِعْلِهِ، فذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ فِي (التَّسْهِيلِ) إلَى أنَّهُ يَعْمَلُ، وذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ في (القَطْرِ) إلَى أنَّهُ لا يَعْمَلُ، فإذَا قُلْتَ: (ضَرْباً زَيْداً) فإنَّ زَيْداً مَنْصُوبٌ بالمَصْدَرِ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ، ومَنْصُوبٌ بالفِعْلِ المُقَدَّرِ عِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ، وفي هذَا القَدْرِ مِنَ البَيَانِ والإيضَاحِ كِفَايَةٌ ومُقْنِعٌ.

([4]) السِّرُّ فِي عَمَلِ المَصْدَرِ هو شِبْهُهُ للفِعْلِ، ووَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا دَلالَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا علَى الحَدَثِ الذي يَقْتَضِي فَاعِلاً دَائِماً، ويَقْتَضِي مَفْعُولاً بهِ إنْ كَانَ وَاقِعاً، ولهذَا العَمَلِ شُرُوطٌ تَتَحَقَّقُ بهَا هذهِ المُشَابَهَةُ، وبَعْضُ هذهِ الشُّرُوطِ وُجُودِيٌّ، وبَعْضُهَا الآخَرُ عَدَمِيٌّ؛ فأمَّا الشَّرْطُ الوُجُودِيُّ فهو أن يَحِلَّ مَحِلَّ المَصْدَرِ الفِعْلُ معَ (أن) أو معَ (ما)، وقدْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ هذَا الشَّرْطَ وبَيَّنَّا لكَ فِي مَقَالِنَا السَّابِقِ متَى تُقَدِّرُهُ حَالاًّ مَحِلَّ الفِعْلِ معَ (أن)، ومَتَى تُقَدِّرُهُ حَالاًّ مَحِلَّ الفِعْلِ معَ (ما)، كمَا بَيَّنَّا لكَ السِّرَّ في ذلكَ. =
وأمَّا الشُّرُوطُ العَدَمِيَّةُ فلَمْ يَتَعَرَّضِ المُؤَلِّفُ لذِكْرِهَا هُنَا، وقَدْ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِ هذا الكِتَابِ، وهِيَ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ:
الأوَّلُ: ألاَّ يَكُونَ المَصْدَرُ مُصَغَّراً؛ فلا يَجُوزُ لكَ أنْ تَقُولَ: يُعْجِبُنِي ضُرَيْبُكَ زَيْداً، علَى أنْ يَكُونَ (زَيْداً) مَنْصُوباً بالمَصْدَرِ المُصَغَّرِ؛ وذلك لأنَّ التَّصْغِيرَ مِن خَصَائِصِ الأَسْمَاءِ، فتَصْغِيرُ المَصْدَرِ يُبْعِدُهُ مِن مُشَابَهَةِ الفِعْلِ.
الثَّانِي: ألاَّ يَكُونَ مُضْمَراً، فلو قُلْتَ: (ضَرْبُكَ زَيْداً حَسَنٌ وهو عَمْراً قَبِيحٌ) لم يُجزْ لَكَ أنْ تَجْعَلَ عَمْراً مَنْصُوباً بهو، وإنْ كانَ هذَا الضَّمِيرُ عَائِداً علَى الضَّرْبِ، وخَالَفَ في هذَا الشَّرْطِ الكُوفِيُّونَ، فزَعَمُوا أنَّ ضَمِيرَ المَصْدَرِ كالمَصْدَرِ، واسْتَدَلُّوا بوُرُودِ ذلكَ فِي قَوْلِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
وَمَا الحَرْبُ إلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ = وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
زَعَمُوا أنَّ (عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بالضَّمِيرِ، ورَدَّ البَصْرِيُّونَ هذَا الاسْتِدْلالَ بإِنْكَارِ أنْ يَكُونَ عَنْهَا مُتَعَلِّقاً بالضَّمِيرِ، وادَّعَوْا أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أو مُتَعَلِّقٌ بالمُرَجَّمِ في آخِرِ البَيْتِ وتَقَدَّمَ عَلَيْهِ ضَرُورَةً، أو مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ يَدُلُّ علَيْهِ (المُرَجَّمِ)؛ أي: ومَا هُو مُرَجَّمٌ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: ألاَّ يَكُونَ مَحْدُوداً؛ أي: مُقْتَرِناً بالتَّاءِ التي تَدُلُّ علَى الوِحْدَةِ؛ فلا يَجُوزُ أن تَقُولَ: (غَضِبْتُ مِن ضَرْبَتِكَ زَيْداً)، وأمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يُحَابِي بِهِ الجِلْدُ الَّذِي هُوَ حَازِمٌ = بِضَرْبَةِ كَفَّيْهِ المَلاَ نَفْسَ رَاكِبِ
حيثُ أَضَافَ (ضَرْبَةٍ) إلى كَفَّيْهِ علَى أنَّهُ فَاعِلُهُ، ثُمَّ نَصَبَ المَلا بضَرْبَةٍ علَى أنَّهُ مَفْعُولُهُ فهَذَا شَاذٌّ؛ لأنَّهُ بَيْتٌ لا يُعْرَفُ قَائِلُهُ ولم يُعْرَفْ لهُ نَظِيرٌ.
فإنْ كَانَتِ التَّاءُ مِمَّا وُضِعَ المَصْدَرُ عَلَيْهَا لم تَمْنَعْ عَمَلَهُ، نَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّصْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ = عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالمَوَارِدِ
فَقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (عِقَابَكَ) برَهْبَةٍ؛ لأنَّ التَّاءَ فِي رَهْبَةٍ قَدْ بُنِيَ علَيْهَا المَصْدَرُ كرَحْمَةٍ ورَغْبَةٍ، ولَيْسَت مِمَّا زِيدَ علَى المَصْدَرِ للدَّلالَةِ علَى الوِحْدَةِ، والمَصْدَرُ المَوْضُوعُ بالتَّاءِ كالمُجَرَّدِ مِنْهَا، ولهذَا يُدَلُّ علَى الوِحْدَةِ مِنْهُ بالوَصْفِ فيُقَالُ: رَهْبَةٌ وَاحِدَةٌ، ورَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ، ورَغْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وهَلُمَّ جَرًّا.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: ألاَّ يَكُونَ مَوْصُوفاً قَبْلَ العَمَلِ، فأمَّا قَوْلُ الحُطَيْئَةِ:
أَزْمَعْتُ يَأْساً مُبِيناً مِنْ نَوَالِكُمُ = وَلاَ يُرَى طَارِداً للحُرِّ كَاليَاسِ
فإنَّ ظَاهِرَهُ أنَّ قَوْلَهُ: (مِنْ نَوَالِكُمُ) مُتَعَلِّقٌ بيَأْسٍ الذي هو مَصْدَرُ يَئِسَ يَيْأَسُ – مِن بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ – معَ أنَّ هذَا المَصْدَرَ مَوْصُوفٌ بقَوْلِهِ: (مُبِيناً)، وقَدْ وَقَعَ هذَا الوَصْفُ قَبْلَ المَعْمُولِ، فإنَّ هذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ لازِمٍ؛ لجَوَازِ أنْ يَكُونَ الجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقاً بفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ علَيْهِ هذَا المَصْدَرُ.
فإنْ كَانَ النَّعْتُ وَاقِعاً فِي الكَلامِ بَعْدَ المَعْمُولِ فلا غُبَارَ علَيْهِ، ومِنْ ذلكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ وَجْدِي بِكَ الشَّدِيدَ أَرَانِي = عَاذِراً فِيكَ مَنْ عَهِدْتُ عَذُولاَ
ويَلْحَقُ بالنَّعْتِ بَقِيَّةُ التَّوَابِعِ كالتَّوْكِيدِ والعَطْفِ، فلا يَعْمَلُ المَصْدَرُ إذَا أُتْبِعَ بتَابِعٍ أيِّ تَابِعٍ قَبْلَ العَمَلِ.
الشَّرْطُ الخَامِسُ: ألاَّ يُفْصَلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَعْمُولِهِ، فنَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} لا يَجُوزُ لكَ أنْ تَجْعَلَ {يَوْمَ تُبْلَى} مُتَعَلِّقاً برَجْعِهِ لكَوْنِهِ قدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بخَبَرِ إِنَّ، كما لا يَجُوزُ أنْ تَجْعَلَ هذَا الظَّرْفَ مُتَعَلِّقاً بقَادِرٍ؛ وذلك لأنَّ المَعْنَى علَيْهِ أنَّ قُدْرَتَهُ علَى رَجْعِهِ خَاصَّةٌ بهذَا اليَوْمِ، وهو مَعْنًى غَيْرُ صَحِيحٍ، وإنَّمَا يَتَعَلَّقُ هذَا الظَّرْفُ بمَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بجِوَارِ الظَّرْفِ مُتَقَدِّماً علَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: إنَّهُ علَى رَجْعِهِ لقَادِرٌ رَجْعَهُ يَوْمَ تُبْلَى، والسِّرُّ فِي اشْتِرَاطِ هذَا الشَّرْطِ أنَّ عَمَلَ المَصْدَرِ بالحَمْلِ علَى الفِعْلِ فهو فَرْعٌ فِي العَمَلِ، والفَرْعُ يَقْصُرُ عَنِ العَمَلِ معَ الفَصْلِ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَعْمُولِ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: ألاَّ يَتَقَدَّمَ علَى مَعْمُولِهِ، فلَيْسَ لكَ أنْ تَقُولَ: (أَعْجَبَنِي زَيْداً ضَرْبُكَ) وذلكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أنَّهُ فَرْعٌ.
الشَّرْطُ السَّابِعُ: ألاَّ يَكُونَ مَحْذُوفاً، ومَعْنَى هذَا أنَّكَ إذا احْتَجْتَ إلى تَقْدِيرِ عَامِلٍ لم يَجُزْ لكَ أنْ تُقَدِّرَهُ مَصْدَراً، ولهذَا أَنْكَرَ المُحَقِّقُونَ علَى مَنْ زَعَمَ أنَّ البَاءَ فِي البَسْمَلَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ابْتِدَائِي.
الشَّرْطُ الثَّامِنُ: ألاَّ يَكُونَ مَجْمُوعاً، وخَالَفَ في هذَا الشَّرْطُ ابْنُ عُصْفُورٍ، وابْنُ مَالِكٍ، واحْتَجَّا بقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَدْ جَرَّبُوهُ فَمَا زَادَتْ تَجَارِبُهُمْ = أَبَا قُدَامَةَ إِلاَّ المَجْدَ وَالفَنَعَا
فإنَّ قَوْلَهُ: (تَجَارِبُهُمْ) جَمْعُ تَجْرِبَةٍ، وهي مَصْدَرُ جَرَّبَ – بالتَّضْعِيفِ وَقَدْ نَصَبَ بِهِ قَوْلَهُ: (أَبَا).

([5]) سُورَةُ (البَقَرَةُ)، الآيَةُ: 251.

([6]) سُورَةُ (البَلَدُ)، الآيَةُ: 14.

([7]) قَدْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ أنَّ المَصْدَرَ علَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ: مُضَافٍ، ومُجَرَّدٍ مِنْ أَلْ ومِنَ الإِضَافَةِ، ومَقْرُونٍ بأَلْ.
فأمَّا المُضَافُ فذَكَرَ أنَّ إِعْمَالَهُ عَمَلَ الفِعْلِ أَكْثَرُ مِن إِعْمَالِ النَّوْعَيْنِ الآخَرَيْنِ، والمُرَادُ أنَّ إِعْمَالَهُ في هذهِ الحَالَةِ أَكْثَرُ وُرُوداً في كَلامِ مَنْ يُحْتَجُّ بِكَلامِهِ، ولا خِلافَ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ فِي جَوَازِ إِعْمَالِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ المَصْدَرِ، ورُبَّمَا أَشْعَرَ كَلامُ بَعْضِ المُؤَلِّفِينَ بأنَّ فِيهِ خِلافاً، وهو غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ إِنَّ المُؤَلِّفَ ذَكَرَ فِيمَا يَلِي بأنَّهُ قَدْ يُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ، وقَدْ يُضَافُ إلَى مَفْعُولِهِ، ولمْ يَذْكُرْ أنَّهُ قَدْ يُضَافُ إلى الظَّرْفِ.
فإنْ أُضِيفَ إلَى الفَاعِلِ فقَدْ يُذْكَرُ المَفْعُولُ بَعْدَهُ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ونَحْوُ قَوْلِ رُؤْبَةَ بْنِ العَجَّاجِ:
وَرَأْيُ عَيْنَيَّ الفَتَى أَبَاكَا = يُعْطِي الجَزِيلَ، فَعَلَيْكَ ذَاكَا
وقَدْ يُحْذَفُ المَفْعُولُ لكَوْنِهِ فَضْلَةً، ومِن ذلكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ=}.
وإِنْ أُضِيفَ إلَى المَفْعُولِ فقَدْ يُذْكَرُ الفَاعِلُ بَعْدَ ذلكَ كقَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ = نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ
ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الآخَرِ:
أَفْنَى تِلاَدِي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ = قَرْعُ القَوَاقِيزِ أَفْوَاهُ الأَبَارِيقِ
ومِنَ النُّحَاةِ مَنْ يَجْعَلُ إِضَافَةَ المَصْدَرِ إلَى المَفْعُولِ ثُمَّ ذِكْرَ الفَاعِلِ خَاصَّةً بضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وهو رَأْيٌ ضَعِيفٌ، لوُرُودِهِ فِي قَوْلِهِ علَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((وَحَجِّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) ويَحْتَمِلُ ذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.
وقَدْ يُضَافُ إلَى مَفْعُولِهِ ويُحْذَفُ فَاعِلُهُ, ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ}. وحَذْفُ فَاعِلِ المَصْدَرِ جَائِزٌ لا غُبَارَ علَيْهِ، وهو مِمَّا يُفَارِقُ فيهِ المَصْدَرُ الفِعْلَ.
وقَدْ تَبَيَّنَ لكَ أنَّ هذهِ الصُّوَرَ الأرْبَعَةَ جَائِزَةٌ فِي حَالِ السَّعَةِ: ثَلاثَةٌ مِنْهَا باتِّفَاقٍ، ووَاحِدَةٌ علَى الرَّاجِحِ.
وإنْ أُضِيفَ إلَى الظَّرْفِ أُتِيَ بَعْدَ ذلكَ بمَعْمُولِهِ، نَحْوُ قَوْلِكَ: (ضَايَقَنِي قِتَالُ يَوْمِ الجُمْعَةِ زَيْداً عَمْراً) وقدْ يُفْصَلُ بَيْنَ المَصْدَرِ ومَعْمُولِهِ بالجَارِّ والمَجْرُورِ المُتَعَلِّقِ بهِ، ومِن هذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بِضَرْبٍ بِالسُّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ = أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ المَقِيلِ
وأمَّا المَصْدَرُ المُنَوَّنُ فذَكَرَ المُؤَلِّفُ أنَّ عَمَلَهُ أَقْيَسُ؛ وذلكَ لأنَّهُ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ شَبَهاً بالفِعْلِ مِنَ المُضَافِ والمَقْرُونِ بأَلْ، بسَبَبِ أنَّ الفِعْلَ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ، وأنَّ الإضَافَةَ والاقْتِرَانَ بأَلْ مِنْ خَصَائِصِ الأَسْمَاءِ، وممَّا نُنَبِّهُكَ إلَيْهِ أنَّ تَجْوِيزَ إِعْمَالِ المَصْدَرِ المُنَكَّرِ عَمَلَ الفِعْلِ هو مَذْهَبُ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ وأَكْثَرِ النُّحَاةِ، ودَلِيلُهُم على ذلكَ وُرُودُهُ فِي أَفْصَحِ كَلامٍ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً}. وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلَى أنَّهُ لا يَجُوزُ إِعْمَالُ المَصْدَرِ المُنَكَّرِ، وعلَى ذلكَ يَقُولُونَ: إنْ وَرَدَ بَعْدَ المَصْدَرِ المُنَكَّرِ اسْمٌ مَرْفُوعٌ أَو اسْمٌ مَنْصُوبٌ فلَيْسَ العَامِلُ هو المَصْدَرَ، ولَكِنَّ العَامِلَ فِعْلٌ يَدُلُّ علَى المَصْدَرِ، وهو تَكَلُّفٌ.
ومِمَّا وَرَدَ فِي إِعْمَالِ المَصْدَرِ المُنَكَّرِ عَمَلَ الفِعْلِ قَوْلُ الشَّاعِرِ، وهو البَيْتُ الذِي أَنْشَدْنَاهُ قَرِيباً عِنْدَ الكَلامِ علَى إِعْمَالِ المَصْدَرِ المَوْضُوعِ علَى الاقْتِرَانِ بالتَّاءِ، وهو قَوْلُهُ:
فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّصْرِ فِيكَ وَرَهْبَةٌ = عِقَابَكَ قَدْ صَارُوا لَنَا كَالمَوَارِدِ
فقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (عِقَابَكَ) بقَوْلِهِ: (رَهْبَةٌ) وهو مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ مُنَكَّرٌ، ومِثْلُهُ قَوْلُ الآخَرِ:
أَخَذْتُ بِسَجْلِهِمْ فَنَفَحْتُ فِيهِ = = مُحَافَظَةً لَهُنَّ إِخَا الذِّمَامِ
فقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (إِخَا الذِّمَامِ) بقَوْلِهِ: (مُحَافَظَةً) وهو مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ مُنَكَّرٌ.
وأمَّا المَصْدَرُ المَقْرُونُ بأَلْ فقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي جَوَازِ إِعْمَالِهِ، ولَهُم في ذَلكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الأوَّلُ: إِنَّهُ يَجُوزُ إِعْمَالُهُ مُطْلَقاً، وإِنْ كَانَتْ (أَلْ) تُبْعِدُ شَبَهَهُ مِنَ الفِعْلِ لكَوْنِ (ألْ) مِن خَصَائِصِ الأسْمَاءِ، واعْتِمَادُ هؤُلاءِ في الاسْتِدْلالِ علَى جَوَازِ إِعْمَالِ هذَا النَّوْعِ مِنَ المَصْدَرِ هو وُرُودُهُ فِي كَلامِ العَرَبِ كمَا فِي البَيْتِ رَقْمِ 365 الذي أَنْشَدَهُ المُؤَلِّفُ، وكما في قَوْلِ الآخَرِ وهو المَرَازُ الأَسَدِيُّ:
لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغِيرَةِ أَنَّنِي = كَرَرْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا
فَقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (مِسْمَعَا) بقَوْلِهِ: (الضَّرْبِ) وهو مَصْدَرٌ مَقْرُونٌ بأَلْ، ومِثْلُهُ قَوْلُ الآخَرِ:
فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَمَا = دَعَاكَ وَأَيْدِينَا إِلَيْهِ شَوَارِعُ
لَكَالرَّجُلِ الحَادِي وَقَدْ تَلَعَ الضُّحَى = وَطَيْرُ المَنَايَا فَوْقَهُنَّ أَوَاقِعُ
فقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (عُرْوَةَ) بقَوْلِهِ: (التَّأْبِينَ) وهو مَصْدَرٌ مَقْرُونٌ بألْ، والقَوْلُ بجَوَازِ إِعْمَالِ المَصْدَرِ المَقْرُونِ بأل مُطْلَقاً يَنْسُبُهُ العُلَمَاءُ إلَى سِيبَوَيْهِ.
القَوْلُ الثَّانِي: لا يَجُوزُ إِعْمَالُ المَصْدَرِ المَقْرُونِ بأل مُطْلَقاً، وهذَا قَوْلُ البَغْدَادِيِّينَ مِنَ النُّحَاةِ وجَمَاعَةٍ مِنَ البَصْرِيِّينَ. ووِجْهَةُ نَظَرِهِم أنَّ المَصْدَرَ إنَّمَا عَمِلَ لشَبَهِهِ بالفِعْلِ، وأل المُقْتَرِنَةُ بهِ تُبْعِدُ شَبَهَهُ بالفِعْلِ لكَوْنِهَا مِن خَصَائِصِ الأَسْمَاءِ، والقَائِلُونَ بجَوَازِ إِعْمَالِهِ يَرْجِعُونَ إلَى وُرُودِ عَمَلِهِ فِي كَلامِ العَرَبِ، ويَجْعَلُونَ هذهِ العِلَّةَ مُقْتَضِيَةً لضَعْفِ عَمَلِهِ حِينَئِذٍ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّهُ يَجُوزُ إِعْمَالُهُ معَ قُبْحِ هذَا العَمَلِ. وهو قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ، وهو القَوْلُ الثَّانِي إلاَّ أنَّهُ وَضَعَ فِيهِ كَلِمَةَ القُبْحِ فِي مَكَانِ كَلِمَةِ الضَّعْفِ.
القَوْلُ الرَّابِعُ: إنَّهُ يَجُوزُ إِعْمَالُهُ إذَا كَانَت أل فيهِ مُعَاقِبَةً للتَّنْوِينِ كمَا فِي الشَّوَاهِدِ التِي سُقْنَاهَا، وهذا رَأْيُ ابْنِ طَلْحَةَ، ووَافَقَهُ علَيْهِ أَبُو حَيَّانَ، ويُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذا رَأْيَ سِيبَوَيْهِ؛ لأنَّهُ يَقُولُ: (وتَقُولُ: عَجِبْتُ مِنَ الضَّرْبِ زَيْداً، كمَا قُلْتَ: عَجِبْتُ مِنَ الضَّارِبِ زَيْداً، فتَكُونُ الألِفُ واللاَّمُ بمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ) اهـ.

([8]) 365-هذا الشَّاهِدُ مِن أَبْيَاتِ سِيبَوَيْهِ (1/99) التي لم يَعْرِفُوا لها قَائِلاً مُعَيَّناً، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ المُتَقَارِبِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*يَخَالُ الفِرَارَ يُرَاخِي الأَجَلْ*
اللُّغَةُ: (النِّكَايَةِ) مَصْدَرُ نَكَيْتُ العَدُوَّ؛ أي: أثرْتُ فيهِ ونِلْتُ مِنْهُ. (يَخَالُ) يَظُنُّ. (يُرَاخِي) يُؤَخِّرُ.
الإعْرَابُ: (ضَعِيفُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: هو ضَعِيفُ، وضَعِيفُ: مُضَافٌ و(النِّكَايَةِ) مُضَافٌ إلَيْهِ. (أَعْدَاءَهُ) أَعْدَاءَ: مَفْعُولٌ بهِ للنِّكَايَةِ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وأَعْدَاءَ مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ مُضَافٌ إلَيْهِ مَبْنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ. (يَخَالُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌٍ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو. (الفِرَارَ) مَفْعُولٌ أََوَّلُ ليَخَالُ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (يُرَاخِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى الفِرَارِ. (الأَجَلْ) مَفْعُولٌ بهِ ليُرَاخِي مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وسُكِّنَ لأجْلِ الوَقْفِ، وجُمْلَةُ يُرَاخِي وفَاعِلِهِ ومَفْعُولِهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ ثَانٍ ليَخَالُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ) حيثُ أَعْمَلَ المَصْدَرَ المُقْتَرِنَ بأل، وهو قَوْلُهُ: (النِّكَايَةِ) فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ وهو قَوْلُهُ: (أَعْدَاءَهُ)، ونَظِيرُهُ قَوْلُ الآخَرِ:
لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغِيرَةِ أَنَّنِي = كَرَرْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا
ودَعْوَى أنَّ نَاصِبَ المَفْعُولِ في هذه الحَالَةِ هو المَصْدَرُ المُقْتَرِنُ بأل قَوْلُ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وذَهَبَ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ إلى أنَّ نَاصِبَ المَفْعُولِ حِينَئِذٍ هو مَصْدَرٌ آخَرُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ علَيْهِ المَصْدَرُ المَذْكُورُ، وهذا المَصْدَرُ المَحْذُوفُ مُنَكَّرٌ، فالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ: ضَعِيفُ النِّكَايَةِ نِكَايَةَ أَعْدَاءَهُ، وذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ إلَى أنَّ أَعْدَاءَهُ ونَحْوَهُ مَنْصُوبٌ علَى نَزْعِ الخَافِضِ، والأصْلُ عِنْدَهُ: ضَعِيفُ النِّكَايَةِ فِي أَعْدَائِهِ، ثُمَّ حُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ فانْتَصَبَ الاسْمُ.

([9]) إنَّمَا لَمْ يَعْمَلِ اسْمُ المَصْدَرِ إذا كانَ عَلَماً؛ لأنَّ الأعْلامَ كمُحَمَّدٍ وسَعِيدٍ – عَلَمَيْنِ علَى مُعَيَّنَيْنِ – لا تَعْمَلُ فِي فَاعِلٍ أو مَفْعُولٍ؛ إذْ لا دَلالَةَ لهَا علَى الأَحْدَاثِ التي تَقْتَضِي هذَا النَّوْعَ مِنَ المَعْمُولاتِ.

([10]) إنَّمَا عَمِلَ المَصْدَرُ المَبْدُوءُ بالمِيمِ الزَّائِدَةِ لغَيْرِ الدَّلالَةِ علَى المُفَاعَلَةِ؛ لأنَّهُ مَصْدَرٌ في الحَقِيقَةِ عِنْدَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ على ما ذَكَرْنَاهُ آنِفاً، وظَاهِرُ قَوْلِ المُؤَلِّفِ: (فكَالمَصْدَرِ اتِّفَاقاً) أنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُضَافاً وقدْ يَكُونُ مَقْرُوناً بأل وقد يَكُونُ مُجَرَّداً، لَكِنَّ الأَثْبَاتِ مِنَ العُلَمَاءِ لَمْ يَحْفَظُوا لهُ شَاهِداً إلا في حَالَةِ الإضَافَةِ كالبَيْتِ رَقْمِ 366، كذا قيلَ، وأنتَ تَجِدُ في الشَّاهِدِ رَقْمِ 367 ومَا ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ مِن الشَّوَاهِدِ اسْمَ المَصْدَرِ غَيْرَ المَبْدُوءِ بالمِيمِ مُضَافاً لفَاعِلِهِ.

([11]) 366- نَسَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ المُؤَلِّفُ في (المُغْنِي) تَبَعاً للحَرِيرِيِّ فِي (دُرَّةِ الغَوَّاصِ) هذَا الشَّاهِدَ إلَى العَرْجِيِّ، ونَسَبَهُ آخَرُونَ إلَى الحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيِّ، وهذا هو الصَّوَابُ. وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنَا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ الكَامِلِ، وعَجُزُه قَوْلُهُ:
*أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ*
وبَعْدَ هذَا البَيْتِ قَوْلُهُ:
أَقْصَيْتِهِ وَأَرَادَ سِلْمَكُمُ = فَلْيَهْنِهِ إِذْ جَاءَكِ السِّلْمُ
اللُّغَةُ: (ظَلُومُ) وَصْفٌ مِنَ الظُّلْمِ لَقَّبَ بِهِ حَبِيبَتَهُ، ويُرْوَى (أَظُلَيْمُ) علَى أنَّهُ تَصْغِيرُ اسْمِهَا تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ للتَّمْلِيحِ، والهَمْزَةُ السَّابِقَةُ علَيْهِ هَمْزَةُ النِّدَاءِ. و(مُصَابَكُمْ) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بمَعْنَى الإصَابَةِ، وزَعَمَ اليَزِيدِيُّ أنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ، وكانَ يُوجِبُ – بِنَاءً على هذا – رَفْعَ (رَجُلٍ) وستَعْرِفُ ذلكَ بوُضُوحٍ في بَيَانِ الاسْتِشْهَادِ بالبَيْتِ.
الإعرَابُ: (أَظَلُومُ) الهَمْزَةُ حَرْفٌ لنِدَاءِ القَرِيبِ أو ما هو بمَنْزِلَتِهِ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعْرَابِ، ظَلُومُ: مُنَادًى مَبْنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (إِنَّ) حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ يَنْصِبُ الاسْمَ ويَرْفَعُ الخَبَرَ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعْرَابِ. (مُصَابَكُمْ) مُصَابَ: اسْمُ إِنَّ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ مُضَافٌ إِلَيْهِ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، وهو مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ المِيمِيِّ إلى فَاعِلِهِ. (رَجُلاً) مَفْعُولٌ بهِ للمَصْدَرِ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (أَهْدَى) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ المُقَدَّرِ على الألِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى رَجُلٍ. (السَّلامَ) مَفْعُولٌ بهِ لأَهْدَى مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، والجُمْلَةُ مِن الفِعْلِ المَاضِي الذي هو أَهْدَى وفَاعِلِهِ المُسْتَتِرِ فيهِ ومَفْعُولِهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةٌ لرَجُلٍ. (تَحِيَّةً) مَفْعُولٌ لأَجْلِهِ عَامِلُهُ أَهْدَى مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (ظُلْمُ) خَبَرُ إِنَّ مَرْفُوعٌ بِهَا وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (مُصَابَكُمْ رَجُلاً) حَيثُ أَعْمَلَ الاسْمَ الدَّالَّ علَى المَصْدَرِ عَمَلَ المَصْدَرِ لكَوْنِهِ مِيمِيًّا، وهو قَوْلُهُ: (مُصَابَ) بضَمِّ المِيمِ – فإنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ للفِعْلِ أَصَابَ، وقَدْ أَضَافَهُ إلَى فَاعِلِهِ وهو كَافُ المُخَاطَبِ، ثُمَّ نَصَبَ بهِ مَفْعُولَهُ، وهو قَوْلُهُ: (رَجُلاً) وكأَنَّهُ قدْ قالَ: إِنَّ إِصَابَتَكُمْ رَجُلاً، وخَبَرُ إِنَّ هو قَوْلُهُ: (ظُلْمُ) في آخِرِ البَيْتِ.
وكانَ اليَزِيدِيُّ يَزْعُمُ أنَّ (مُصَابَكُمْ) اسْمُ مَفْعُولٍ بهِ مِن الإصَابَةِ وهو اسْمُ إِنَّ، وخَبَرُهَا هو قَوْلُهُ: (رَجُلاً) وأنَّ قَوْلَهُ: (ظُلْمُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وكأنَّهُ قدْ قالَ: إنَّ الذي أَصَبْتُمُوهُ رَجُلٌ مَوْصُوفٌ بأنَّهُ أهْدَى التَّحِيَّةَ وذلكَ ظُلْمٌ مِنْكُم، وهو تَكَلُّفٌ غَيْرُ مَرْضِيِّ المَبْنَى ولا المَعْنَى، وللبَيْتِ قِصَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الأدَبِ.
ومِثْلُ البَيْتِ رَقْمِ 366 قَوْلُ كُلْثُِومٍ العِتَابِيِّ:
أَسَرَّكِ أَنِّي نِلْتُ مَا نَالَ جَعْفَرٌ = مِنَ العَيْشِ أَوْ مَا نَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ
وَأَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَغَصَّنِي = مُغَصَّهُمَا بِالمُرْهَفَاتِ البَوَارِدِ
فإنَّ قَوْلَهُ: (مُغَصَّهُمَا) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ فِعْلُهُ أَغَصَّ، وقدْ أُضِيفَ إلى مَفْعُولِهِ.
ومِثْلُ قَوْلِ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ (سِيبَوَيْهِ 1/119و169):
أَلَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القَوَافِي = فَلاَ عِيًّا بِهِنَّ وَلاَ اجْتِلاَبَا
فإنَّ (مُسَرَّحِ) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بمَعْنَى التَّسْرِيحِ، وقَدْ أضَافَهُ لفَاعِلِهِ وهو اليَاءُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ بمَفْعُولِهِ وهو القَوَافِي وسَكَّنَ اليَاءَ للضَّرُورَةِ.

([12]) 367-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ القَطَّامِيِّ، واسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ شُيَيْمٍ – بزِنَةِ التَّصْغِيرِ فِيهِمَا – مِن كَلِمَةٍ يَمْدَحُ فيهَا زُفَرَ بْنَ الحَارِثِ الكِلابِيَّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الوَافِرِ، وصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
*أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي؟*
اللُّغَةُ: (أَكُفْراً) الكُفْرُ – بضَمِّ الكَافِ –جَحْدُ النِّعْمَةِ التي أُسْدِيَت إلَيْكَ وإِنْكَارُهَا علَى مُسْدِيهَا، إمَّا بالقَوْلِ وإمَّا بالعَمَلِ علَى غَيْرِ مَا يُوجِبُهُ الشُّكْرُ، وكَانَ القَطَّامِيُّ قدْ أُسِرَ في حَرْبٍ فأَطْلَقَهُ زُفَرُ بْنُ الحَارِثِ ووَهَبَ لهُ مِائَةً مِن الإِبِلِ؛ ففي ذلك يَقُولُ القَصِيدَةَ التي مِنْهَا بَيْتُ الشَّاهِدِ. (الرِّتَاعَا) بكَسْرِ الرَّاءِ بزِنَةِ الكِتَابِ – وهي التي تَسْتَامُ وتَرْتَعُ وتَرْعَى مِن غَيْرِ أنْ يَرُدَّهَا أَحَدٌ. وذلك مِمَّا يُورِثُهَا سِمَناً، ويُرْوَى (الرِّبَاعَا) بالبَاءِ المُوَحَّدَةِ، وهي التي تُنْتِجُ زَمَنَ الرَّبِيعِ.
المَعْنَى: يَقُولُ: أَأَجْزِيكَ جَحْداً لنِعْمَتِكَ ونُكْرَاناً لجَمِيلِكَ وأنت الذي مَنَنْتَ عليَّ بالحَيَاةِ ووَهَبْتَنِي العُمُرَ بَعْدَ مَا كادَ يَنْقَضِي، ولم تَكْتَفِ بذلك وإنَّمَا زِدْتَ تَفَضُّلاً وأَرْبَيْتَ في المِنَّةِ عليَّ، وذلكَ غَايَةُ ما يُرْجَى مِنَ الكَرِيمِ؟!
الإعْرَابُ: (أَكُفْراً) الهَمْزَةُ للاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ، كُفْراً: مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: أَأَكْفُرُ كُفْراً. (بَعْدَ) ظَرْفُ زَمَانٍ مَنْصُوبٌ بالفِعْلِ المَحْذُوفِ الذي عَمِلَ في المَصْدَرِ، وبَعْدَ: مُضَافٌ و(رَدِّ) مُضَافٌ إلَيْهِ، ورَدِّ مُضَافٌ و(المَوْتِ) مُضَافٌ إليهِ مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ. (عَنِّي) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: رَدِّ. (وَبَعْدَ) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، بَعْدَ: ظَرْفُ زَمَانٍ مَعْطُوفٌ بِالوَاوِ على ظَرْفِ الزَّمَانِ السَّابِقِ، وبَعْدَ: مُضَافٌ وعَطَاءِ مِن (عَطَائِكَ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وعَطَاءِ: مُضَافٌ وضَمِيرُ المُخَاطَبِ مُضَافٌ إليه مِن إِضَافَةِ اسْمِ المَصْدَرِ إلى فَاعِلِهِ، مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وله مَحِلٌّ آخَرُ وهو الرَّفْعُ على الفَاعِلِيَّةِ. (المِائَةَ) مَفْعُولٌ بهِ لعَطَاءِ، مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ. (الرِّتَاعَا) نَعْتٌ للمِائَةِ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، والألِفُ للإطْلاقِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (عَطَائِكَ المِائَةَ) حَيْثُ أَعْمَلَ اسْمَ المَصْدَرِ، وهو قَوْلُهُ: (عَطَاءِ) إِعْمَالَ المَصْدَرِ، فأَضَافَهُ إلى فَاعِلِهِ وهو كَافُ المُخَاطَبِ، ثُمَّ نَصَبَ بهِ المَفْعُولَ وهو قَوْلُهُ: (المِائَةَ).
ونَظِيرُ هذا الشَّاهِدِ قَوْلُ الآخَرِ:
قَالُوا: كَلامُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ = يَشْفِيكَ؟ قُلْتُ: صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كَانَا
فإنَّ قَوْلَهُ: (كَلامُ) اسْمُ مَصْدَرٍ فِعْلُهُ كَلَّمَ – بتَضْعِيفِ اللاَّمِ – والمَصْدَرُ هو التَّكْلِيمُ، وقدْ أَعْمَلَ هذا الشَّاعِرُ اسْمَ المَصْدَرِ عَمَلَ المَصْدَرِ، فأَضَافَهُ إلى فَاعِلِهِ وهو كَافُ المُخَاطَبِ، ثُمَّ نَصَبَ بهِ المَفْعُولَ وهو قَوْلُهُ (هِنْداً).
ومِن شَوَاهِدِ ذلكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بِعِشْرَتِكَ الكِرَامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ = فَلاَ تَرَيَنْ لِغَيْرِهِمُ الوَفَاءَ
فإنَّ قَوْلَهُ: عِشْرَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ فِعْلُهُ عَاشَرَهُ يُعَاشِرُهُ، ومَصْدَرُهُ المُعَاشَرَةُ، وقَدْ أَعْمَلَ اسْمَ المَصْدَرِ هذا عَمَلَ المَصْدَرِ، فأَضَافَهُ إلى فَاعِلِهِ وهو ضَمِيرُ المُخَاطَبِ، ثُمَّ نَصَبَ بهِ مَفْعُولَهُ وهو قَوْلُهُ: (الكِرَامَ).
وعُمْدَةُ الاسْتِشْهَادِ لهذهِ المَسْأَلَةِ قَوْلُهُ علَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ الوُضُوءُ)).

([13]) سُورَةُ (البَقَرَةُ)، الآيَةُ: 251. وسُورَةُ (الحَجُّ)، الآيَةُ: 40.
ومِثْلُ الآيَةِ الكَرِيمَةِ قَوْلُ الرَّاعِي:
بَلَى سَاءَلْتُهَا فَأَبَتْ جَوَاباً = وَكَيْفَ سُؤَالُكَ الدُّثُرَ القِفَارَا
فإنَّ (سُؤَالُ) مَصْدَرُ سَأَلَ، وقَدْ أضَافَهُ إلى فَاعِلِهِ وهو ضَمِيرُ المُخَاطَبِ، ثُمَّ أتَى بمَفْعُولِهِ، وهو قَوْلُهُ: (الدُّثُرَ). ومِثْلُهُ قَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:
وَأُقْسِمُ إِنَّ حُبَّكَ أُمَّ عَمْرٍو = لَدَاءٌ عِنْدَ مُنْقَطَعِ السُّعَالِ
فإنَّ قَوْلَهُ: (حُبَّ) مَصْدَرُ (حَبَّ) وهو فِعْلٌ مُهْمَلٌ أو نَادِرٌ، وقَدْ أضَافَ المَصْدَرَ لفَاعِلِهِ وهو الكَافُ، ثُمَّ أَتَى بمَفْعُولِهِ وهو (أُمَّ عَمْرٍو).
وقَدْ أضَافَ المَصْدَرَ لفَاعِلِه ثُمَّ أتَى بمَفْعُولِهِ قَطَرِيُّ بْنُ الفُجَاءَةِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ في بَيْتَيْنِ، وهُمَا قَوْلُهُ:
أَبَتْ لِي هِمَّتِي وَأَبَى بَلائِي = وَأَخْذِي الحَمْدَ بِالثَّمَنِ الزَّهِيدِ
وَإِقْحَامِي علَى المَكْرُوهِ نَفْسِي = وَضَرْبِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ
ومِثْلُهُ قَوْلُ عَبْدِ يَغُوثَ:
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ المَلامَةَ نَفْعُهَا = قَلِيلٌ، وَمَا لَوْمِي أَخِي مِنْ شَمَالِيَا
ومِنْ ذلكَ قَوْلُ الصُّمَّةِ القُشَيْرِيِّ:
كَأَنَّ فُؤَادِي مِنْ تَذَكُّرِي الحِمَى = وَأَهْلِ الحِمَى يَهْفُو بِهِ رِيشُ طَائِرِ
ومِن ذلكَ قَوْلُ مُتَمَّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
وَلَسْتُ أُبَالِي بَعْدَ فَقْدِي مَالِكاً = أَمَوْتِي نَاءٌ أَمْ هُوَ الآنَ وَاقِعُ

([14]) 368-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ الأُقَيْشِرِ الأَسَدِيِّ، واسْمُهُ المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن البَسِيطِ، وصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
*أَفْنَى تِلادِي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ*
اللُّغَةُ: (تِلادِي) التِّلادُ مِنَ المَالِ كَالتَّالِدِ والتَّلِيدِ، وهو المَالُ القَدِيمُ. (نَشَبٍ) النَّشَبُ – بالشِّينِ مُعْجَمَةً – مَا لا يَسْتَطِيعُ الإنْسَانُ حَمْلَهُ مِن أَمْوَالِهِ كالدُّورِ والضِّيَاعِ ونَحْوِهَا. (قَرْعُ القَوَاقِيزِ) القَرْعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ: (قَرَعْتُ الشَّيْءَ أَقْرَعُهُ قَرْعاً) – مِن بَابِ فَتَحَ يَفْتَحُ – إذَا ضَرَبْتَهُ، ولا يُسْتَعْمَلُ إلاَّ فِي ضَرْبِ شَيْءٍ يَابِسٍ صَلْبٍ بآخَرَ مِثْلِهِ، والقَوَاقِيزِ: جَمْعُ قَاقُوزَةٍ – بقَافَيْنِ وزَايٍ – وهي القَدَحُ الذي يُشْرَبُ فيهِ الخَمْرُ، ويُرْوَى القَوَارِيرِ – بقَافٍ ورَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ – جَمْعُ قَارُورَةٍ وهي الزُّجَاجَةُ. (أَفْوَاهُ الأبَارِيقِ) الأبَارِيقِ: جَمْعُ إِبْرِيقٍ، وهو مَا كَانَ لهُ عُرْوَةٌ، فإنْ لَمْ يَكُنْ عُرْوَةٌ فهو كُوزٌ.
الإعْرَابُ: (أَفْنَى) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ المُقَدَّرِ على الألِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ. (تِلادِي) تِلادِ: مَفْعُولٌ بهِ لأَفْنَى مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ يَاءِ المُتَكَلِّمِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المُنَاسَبَةِ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (ومَا) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، مَا: اسْمٌ مَوْصُولٌ مَعْطُوفٌ علَى تِلادِي مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (جَمَّعْتُ) فِعْلٌ مَاضٍ وفَاعِلُهُ، والجُمْلَةُ لا مَحَلَّ لهَا صِلَةُ (ما) المَوْصُولَةِ، والعَائِدُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ بجَمَّعَ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: والذي جَمَّعْتُهُ. (مِنْ نَشَبٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حَالٌ مِن (ما) المَوصُولَةِ. (قَرْعُ) فَاعِلُ أَفْنَى مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وقَرْعُ مُضَافٌ و(القَوَاقِيزِ) مُضَافٌ إليْهِ مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، ومَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (أَفْوَاهُ) فَاعِلٌ للمَصْدَرِ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وأَفْوَاهُ: مُضَافٌ و(الأبَارِيقِ) مُضَافٌ إليهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (قَرْعُ القَوَاقِيزِ أَفْوَاهُ) حَيْثُ أَضَافَ المَصْدَرَ، وهو قَوْلُهُ: (قَرْعُ) إلَى مَفْعُولِهِ، وهو قَوْلُهُ: (القَوَاقِيزِ) ثُمَّ أَتَى بفَاعِلِهِ وهو قَوْلُهُ: (أَفْوَاهُ) بَعْدَ ذلكَ.
ونَظِيرُ هذا البَيْتِ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ يَصِفُ نَاقَةً بالسُّرْعَةِ والقُوَّةِ:
تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ = نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ
والظَّاهِرُ أنَّ مِن هذا النَّوْعِ قَوْلُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَقَّاصٍ الحَارِثِيِّ:
وَكُنْتُ إِذَا مَا الخَيْلُ شَمَّسَهَا القَنَا = لَبِيقاً بِتَصْرِيفِ القَنَاةِ بَنَانِيَا
فإنَّ (تَصْرِيفِ) مَصْدَرُ صَرَّفَ بالتَّضْعِيفِ، وقَدْ أضَافَهُ لمَفْعُولِهِ وهو القَنَاةُ، ثُمَّ أَتَى بالفَاعِلِ وهو بَنَانِي.

([15]) سُورَةُ (إِبْرَاهِيمُ)، الآيَةُ: 40.

([16]) سُورَةُ (فُصِّلَتْ)، الآيَةُ: 49.

[17] ومِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ لمَفْعُولِهِ ولَمْ يُذْكَرِ الفَاعِلُ قَوْلُ سُرَاقَةَ البَاهِلِيِّ:
كَفَرْتُ بِدِينِكُمْ وَجَعَلْتُ نَذْراً = عَلَيَّ قِتَالَكُمْ حَتَّى المَمَاتِ
ولو صَرَّحَ بالفَاعِلِ لقالَ: قِتَالِي إِيَّاكُم. ومِثْلُهُ قَوْلُ أَخِي شُرَحْبِيلِ بْنِ الحَارِثِ يَرْثِيهِ:
أَحْسَنَتْ وَائِلُ – وَمِنْ عَادَتِهَا الإِحْسَانُ = بِالحِنْوِ يَوْمَ ضَرْبِ الرِّقَابِ
ولو صَرَّحَ بالفَاعِلِ لقَالَ: يَوْمَ ضَرْبِهِمُ الرِّقَابَ، أو قالَ: يَوْمَ ضَرْبِ الفَوَارِسِ الرِّقَابَ.

([18]) هذا الذي ذَهَبَ إليهِ المُؤَلِّفُ تَبَعاً لابْنِ مَالِكٍ – مِن جَوَازِ الإِتْبَاعِ علَى المَحَلِّ – هو ما ذَهَبَ إليهِ الكُوفِيُّونَ وبَعْضُ البَصْرِيِّينَ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وجُمْهُورُ البَصْرِيِّينَ إلى أنَّهُ لا يَجُوزُ الإِتْبَاعُ علَى المَحَلِّ، وزَعَمَ هَؤُلاءِ أنَّ مَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ الإِتْبَاعُ علَى المَحَلِّ، كالبَيْتِ رَقْمِ 369 والبَيْتِ رَقْمِ 370، فهو مُؤَوَّلٌ بتَقْدِيرِ رَافِعٍ للمَرْفُوعِ ونَاصِبٍ للمَنْصُوبِ. وكَثْرَةُ الشَّوَاهِدِ الوَارِدَةِ مِمَّا يَدُلُّ علَى صِحَّةِ الإِتْبَاعِ علَى المَحَلِّ تَمْنَعُ مِنَ الأَخْذِ بهذَا الرَّأْيِ؛ لأنَّ التَّأْوِيلَ خِلافُ الظَّاهِرِ.

([19]) 369-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ لُبَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ، يَصِفُ حِمَاراً وَحْشِيًّا وأُتُنَهُ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الكَامِلِ، وصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
*حَتَّى تَهَجَّرَ فِي الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا*
اللُّغَةُ: (تَهَجَّرَ) سَارَ في الهَاجِرَةِ، وهي نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الحَرِّ. (الرَّوَاحِ) الوَقْتُ مِن زَوَالِ الشَّمْسِ إلى اللَّيْلِ. (وَهَاجَهَا) أَزْعَجَهَا، و(طَلَبَ المُعَقِّبِ) مَصْدَرٌ تَشْبِيهِيٌّ مَنْصُوبٌ على أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وأَصْلُ الكَلامِ: وهَاجَهَا طَالِباً إِيَّاهَا طَلَباً مِثْلَ طَلَبِ المُعَقِّبِ – إلخ، والمُعَقِّبِ: الذي يَطْلُبُ حَقَّهُ المَرَّةَ بَعْدَ المَرَّةِ.
الإعراب: (حتى) حرف غاية وجر مَبْنِيٌّ على السكون لا محل له من الإعْرَابُ (تَهَجَّرَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعْرَابِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى حِمَارِ الوَحْشِ. (فِي الرَّوَاحِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَهَجَّرَ. (وَهَاجَهَا) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ، هاجَ: فِعْلٌ مَاضٍ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى حِمَارِ الوَحْشِ، وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلَى الأُتُنِ مَفْعُولٌ بهِ لهَاجَ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (طَلَبَ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَنْصُوبٌ بمَا دَلَّ الكَلامُ علَيْهِ، وكأنَّهُ قالَ: وَلازَمَهُ مُلازَمَةً كمُلازَمَةِ المُعَقِّبِ إلخ، وهو مُضَافٌ و(المُعَقِّبِ) مُضَافٌ إليْهِ مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى فَاعِلِه مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (حَقَّهُ) حَقَّ: مَفْعُولٌ به للمَصْدَرِ الذي هو طَلَبَ، مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وحَقَّ: مُضَافٌ، وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى المُعَقِّبِ مُضَافٌ إليهِ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ. (المَظْلُومُ) بالرَّفْعِ: نَعْتٌ للمُعَقِّبِ باعْتِبَارِ مَحِلِّهِ الذي هو رَفَعٌ على أنَّهُ فَاعِلٌ بالمَصْدَرِ، ونَعْتُ المَرْفُوعِ مَرْفُوعٌ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (المَظْلُومُ) وهو نَعْتٌ لقَوْلِهِ: المُعَقِّبِ الذي هو مَجْرُورٌ لَفْظاً بإِضَافَةِ المَصْدَرِ الذي هو قَوْلُهُ: (طَلَبَ) إليْهِ، لكنَّهُ لمَّا كانَ فَاعِلاً لهذا المَصْدَرِ كانَ مَرْفُوعاً في المَعْنَى والمَحِلِّ، فأَتْبَعَهُ إيَّاهُ نَظَراً إلى مَحِلِّهِ.
ومِثْلُ هذَا البَيْتِ قَوْلُ المُتَنَخِّلِ الهُذَلِيِّ مِن قَصِيدَةٍ يَرْثِي فيهَا ابْنَهُ أُثَيْلَةَ:
السَّالِكُ الثُّغْرَةَِ اليَقْظَانَِ سَالِكُهَا = مَشْيَ الهَلُوكِ عَلَيْهَا الخَيْعَلُ الفُضُلُ
فالمَصْدَرُ ههنا – وهو قَوْلُهُ: (مَشْيَ) – مُضَافٌ إلى فَاعِلِهِ، وهو قَوْلُهُ: (الهَلُوكِ) وقَدْ نَعَتَ فَاعِلَ المَصْدَرِ بقَوْلِهِ: (الفُضُلُ)، ورَفَعَهُ تَبَعاً لمَوْضِعِهِ، والفُضُلُ: هي التي تَخْلَعُ ثِيَابَهَا كُلَّهَا إلا قَمِيصاً وَاحِداً.

([20]) 370- نَسَبُوا هذا الشَّاهِدَ في كِتَابِه= سِيبَوَيْهِ (ج1 ص 98) إِلَى رُؤْبَةَ بْنِ العَجَّاجِ، وقِيلَ: لَيْسَت هذهِ النِّسْبَةُ بصَحِيحَةٍ، وإنَّمَا هو لزِيَادَةَ العَنْبَرِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ بَيْتٌ مِنَ الرَّجَزِ المَشْطُورِ، وقَبْلَهُ قَوْلُهُ:
*قَدْ كُنْتُ دَايَنْتُ بِهَا حَسَّانَا*
اللُّغَةُ: (دَايَنْتُ بهَا) أَخَذْتُهَا بَدَلاً مِن دَيْنٍ لِي عِنْدَهُ. (اللِّيَّانَ) بتَشْدِيدِ اليَاءِ واللاَّمِ مَفْتُوحَةً – المَطْلُ، وتَقُولُ: لَوَيْتُ فُلاناً بدَيْنِهِ أَلْوِيهِ – على مِثَالِ رَمَيْتُهُ أَرْمِيهِ – لِيًّا ولِيَّاناً، وذلك إذا مَطَلْتَهُ وسَوَّفْتَ في قَضَائِهِ.
الإعْرَابُ: (قَدْ) حَرْفُ تَحْقِيقٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ. (كُنْتُ) كَانَ: فِعْلٌ مَاضٍ نَاسِخٌ يَرْفَعُ الاسْمَ ويَنْصِبُ الخَبَرَ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسْمُهُ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفْعٍ. (دَايَنْتُ) فِعْلٌ مَاضٍ وفَاعِلُهُ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ خَبَرُ كَانَ. (بها) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بدَايَنَ. (حَسَّانَا) مَفْعُولٌ بهِ لدَايَنَ. (مَخَافَةَ) مَفْعُولٌ لأَجْلِهِ عَامِلُهُ دَايَنَ أَيْضاً، وهو مُضَافٌ وقَوْلُهُ: (الإِفْلاسِ) مُضَافٌ إلَيْهِ، مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (واللِّيَّانَا) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، اللِّيَّانَا: مَعْطُوفٌ على الإفْلاسِ باعْتِبَارِ مَحِلِّهِ الذي هو نَصْبٌ؛ لكَوْنِهِ مَفْعُولاً للمَصْدَرِ الذي هو مَخَافَةَ، والمَعْطُوفُ على المَنْصُوبِ مَنْصُوبٌ، وعَلامَةُ نَصْبِهِ الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (وَاللِّيَّانَا) فإنَّهُ مَنْصُوبٌ، وهو مَعْطُوفٌ على (الإفْلاسِ) الذي هو مَجْرُورُ اللَّفْظِ بإضَافَةِ المَصْدَرِ الذي هو قَوْلُهُ: (مَخَافَةَ) إليه، لَكِنَّهُ لمَّا كانَ مَفْعُولاً بهِ لذلك المَصْدَرِ كانَ في المَعْنَى والمَحَلِّ مَنْصُوباً، فلمَّا أَرَادَ العَطْفَ علَيْهِ لاحَظَ ذلكَ المَحَلَّ فنَصَبَ المَعْطُوفَ مُرَاعَاةً لهُ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


إعمالُ المصدرِ


424 - بِفِعْلِهِ المَصْدَرُ أُلْحِقَ فِي العَمَلْ = مُضَافًا أَوْ مُجَرَّدًا أَوْ مَعَ أَلْ
425 - إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ "أَنْ" أَوْ "مَا" يَحُلُّ = مَحَلَّهُ وِلاَسْمِ مَصْدَرِ عَمَلْ
(بِفِعْلِهِ المَصْدَرُ أُلْحِقَ فِي العَمَلْ) تعدِّيًا ولزومًا، فإنْ كانَ فِعْلُه المشتقُّ منه لازمًا فهو لازمٌ، وَإِنْ كانَ متعدِّيًا فهو متعدٍّ إلى ما يتعدَّى إليه: بنفسِه أو بحرفِ جرٍّ.

تنبيهٌ: يخالِفُ المصدرُ فعْلَه في أمرينِ: الأَوَّلِ: أنَّ في رفْعِه النائبَ عن الفاعلِ خِلافًا، ومذهبُ البصريِّينَ جوازُه وإليه ذهبَ في (التسهيل).
الثاني: أنَّ فاعلَ المصدرِ يجوزُ حذْفُه بخلافِ فاعلِ الفعلِ وإذا حُذِفَ لا يتحمَّلُ ضميرَه خلافًا لبعضِهم.
واعلمْ أنه لا فرقَ في إعمالِ المصدرِ عمَلَ فِعْلِه بينَ كونِه (مُضَافًا أَوْ مُجَرَّدًا أَوْ مَعَ أَلْ) لكنْ إعمالُ الأَوَّلِ أكثرُ،نحوُ: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} والثاني أقيسُ، نحوُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِيْ مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} وقولُه [من الوافر]:
678 - بِضَرْبٍ بِالسيوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ = أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عِنِ المَقِيلِ
وإعمال الثالث قليل كقوله [من المتقارب]:
679 - ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ = يَخَالُ الفِرَارَ يُرَاخِي الأَجَلْ
وقوله [من الطويل]:
لَقَدْ عَلِمَتْ أُولِى المُغِيرَةِ أَنَّنِي = كَرَرْتُ فَلْم أَنْكُلْ عِنِ الضَّرْبِ مَسْمَعَا
وقولُه [من الطويل]:
680 - فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَ مَا = دَعَاكَ وَأَيْدِينَا إِلَيْه شَوَارِعُ
وقد أشارَ إلى ذلكَ في النظمِ بالترتيبِ:
تنبيهٌ: لا خلافَ في إعمالِ المضافِ، وفي كلامِ بعضِهم ما يشعِرُ بالخلافِ.
والثاني أجازَه البصريونَ، ومنعَه الكوفيونَ، فإنْ وقَعَ بعدَه مرفوعٌ أو منصوبٌ فهو عندَهم بفعلٍ مضمرٍ.
وأما الثالثُ فأجازَه سيبويهِ ومَنْ وَافَقَهُ، ومنعَه الكوفيونَ وبعضُ البصريِّينَ.
(إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ "أَنْ" أَوْ "مَا" يَحُلُّ * مَحَلَّهُ) أي: المصدرُ إنما يعمَلُ في موضعينِ:
الأَوَّلُ: أنْ يكونَ بدلاً مِنَ اللفظِ بفعلِه نحو: "ضَرْبًا زيدًا" وقولُه:
فَنَدْلاً زُرَيْقَ المَالَ نَدْلَ الثَّعَالِبِ
وقولُه [من البسيط]:
681 - يَا قَابِلَ التَّوْبِ غُفْرَانًا مَآثِمَ قَدْ = أَسْلَفْتُهَا أَنَا مِنْهَا خَائِفٌ وَجِلُ
فـ "زيدًا" و"المالَ" و"مآثمَ": نُصِبَ بالمصدرِ لا بالفعلِ المحذوفِ على الأصحِّ، والثاني: أنْ يصِحَّ تقديرُه بالفعلِ مع الحرفِ المصدرِيِّ: بأنْ يكونَ مقدَّرًا بـ "أنْ "والفعلَ أو بـ "مَا "والفعلَ، وهو المرادُ هنا فيُقَدَّرُ – بـ "أنْ "إِذَا أُرِيدَ المُضِيُّ أو الاستقبالُ، نحوُ: "عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ زيدًا – أمسِ أو غدًا" والتقديرُ: مِنْ أَنْ ضَرَبْتَ زَيْدًا أمسِ أو مِنْ أَنْ تَضْرِبَهُ غَدًا، ويقدَّرُ بِـ "مَا" إذا أُرِيدَ الحالُ نحو: "عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِكَ زيدًا الآنَ". أي: ممَّا تَضْرِبُه.
تنبيهاتٌ:
الأَوَّلُ: ذكَر في (التسهيلِ) معَ هذينِ الحرفينِ "أنْ" المخفَّفَةَ ، نحوُ: "عَلِمْتُ ضَرْبَكَ زيدًا" فالتقدير: عَلِمْتُ أنْ قد ضَرَبْتَ زيدًا فـ "أنْ" مخفَّفةٌ ؛ لأنَّها واقعةٌ بعدَ عِلْمٍ، والموضِعُ غيرُ صالحٍ للمصدريَّةِ.
الثاني: ظاهرُ قولِه "إِنْ كانَ" أنَّ ذلك شرطٌ لازمٌ، وقد جعَلَه في (التسهيلِ) غالبًا وقالَ في شرحِه: وليسَ تقديرُه بأحدِ الثلاثةِ شرطًا في عملِه، ولكنَّ الغالبَ أنْ يكونَ كذلِك، ومِنْ وقوعِه غيرَ مقدَّرٍ بأحدِها قولُ العربِ: "سَمْعُ أُذْنِي أَخَاكَ يقولُ ذلك".
الثالثُ: لِإعمالِ المصدرِ شروطٌ ذكَرَها في غيرِ هذا الكتابِ.
أحدُها: أنْ يكونَ مُظْهَرًا، فلو أُضْمِرَ لم يعملْ خلافًا للكوفيينَّ، وأجازَ ابنُ جِنِّي في الخصائصِ والرُّمَّانِيُّ إعمالَه في المجرورِ، وقياسُه في الظَّرْفِ.
ثانيها: أنْ يكونَ مُكَبَّرًا فلو صُغِّرَ لم يعمَلْ.
ثالثها: أنْ يكونَ غيرَ محدودٍ فلو حُدَّ بالتاءِ لم يعمَلْ، وأما قولُه [من الطويل]:
682 - يُحَايِي بِهِ الجِلْدُ الذي هُوَ حَازِمٌ = بِضَرْبَةِ كَفَّيْهِ المَلاَ نَفْسَ رَاكِبِ
فشاذٌّ.
رابعُها: أنْ يكونَ غيرَ منعوتٍ قبلَ تمامِ عملِه، فلا يجوزُ: "أَعْجَبَنِي ضَرْبُكَ المُبْرِّحَ زيدًا"، لأن معمولَ المصدرِ بمنزلةِ الصِّلَةِ مِنَ الموصولِ، فلا يُفصلُ بينهما فإن وردَ ما يُوهِمُ ذلك قدِّر فِعلٌ بعد النعتِ يتعلَّقُ به المعمولُ المتأخِّرُ فلو نُعِتَ بعد تمامِه لم يُمْنَعُ والأَوْلَى أن يقالَ "غيرُ متبوعٍ " بدلَ "غيرِ منعوتٍ " لأنَّ حُكْمَ سائرِ التوابعِ حكمُ النعتِ في ذلك.َ
خامسُها: أنْ يكونَ مفردًا وأما قولُه [من البسيط]:
683 - قَدْ جَرَّبُوه فَمَا زَادَتْ تَجَارِبُهُمْ = أَبَا قُدَامَةَ إِلَّا المَجْدَ وَالفَنَعَا
فشاذ.
وليسَ مِنَ الشروطِ كونُه بمعنَى الحالِ أو الاستقبالِ ؛ لأنَّهُ يعمَلُ لا لشبهِه بالفعلِ، بلْ لأنَّه أصلُ الفعلِ بخلافِ اسمِ الفاعلِ ؛ فإنه يعمَلُ لشبهِهِ بالمضارعِ، فاشترطَ كونَه حالاً أو مستقبلاً ؛ لأنَّهما مدلولاَ المضارعِ.
(وَلِاسْمِ مصدرٍ عَمَلْ) واسمُ المصدرِ هو: ما ساوَى المصدرُ في الدَّلالةِ على معناه وخالَفَه بخلُّوِه – لفظًا وتقديرًا دونَ عِوَضٍ – مِنْ بعضِ ما في فعلِه، كذا عرَّفَه في (التسهيلِ).
فخرجَ نحو: "قِتَال" فإنَّه خَلا مِنْ أَلِفِ "قَاتَلَ" لفظًا لا تقديرًا، ولذلك نَطَقَ بِهَا في بعضِ المواضعِ، نحوُ: قَاتَلَ قِيتَالًا وضاربَ ضَيْرَابًا لكنَّها انقلَبَتْ ياءً لِانكسارِ ما قبلَها ونحوُ: "عِدَةٍ" فإنَّه خَلاَ مِنْ واوٍ، وَعَدَ لفظًا وتقديرًا ولكنْ عُوِّضَ منَها التاءُ، فهما مصدرانِ لا اسمَا مصدرٍ، بخلافِ الوُضُوءِ، والكلامُ مِنْ قولِك تَوَضَّأَ وُضُوءًا وتكلَّم كلامًا، فإنهما اسمَا مصدرٍ لا مصدرانِ لخلُّوِهما لفظًا وتقديرًا مِنْ بعضِ ما في فعلِهما، وحقُّ المصدرِ أن ْيتضمَّنَ حروفَ فِعْلِه بمساواةٍ، نحوُ: "تَوَضَّأَ تَوَضُؤًا" وبزيادةٍ، نحوُ: "أَعْلَمَ إِعْلَامًا".
ثم اعلَمْ أنَّ اسمَ المصدرِ على ثلاثةِ أنواعٍ: عَلَمٍ، نحوُ: "يَسَارِ" و"فَجَارِ" و"بَرَّة" وهذا لا يعمَلُ اتِّفَاقًا. وذي ميمٍ مزيدةٍ لغيرِ مَفَاعَلَةٍ، كالِمضْرِب، والمَحْمَدَةِ، وهذا كالمصدرِ اتِّفَاقًا ومنه قولُه [من الكامل]:
684 - أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا = أَهْدَى السلامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
والاحْتِرَازُ بغيرِ مُفَاعَلَةٍ مِنْ نحوِ: "مُضَارَبَةٍ" مِنْ قولِك "ضَارَبَ مُضَارَبَةً" فإنها مصدرٌ وغيرُ هذينِ – وهو مرادُ الناظمِ – فيه خلافٌ فمنعَه البصريونَ، وأجازَه الكوفيونَ والبغداديونَ ومنه قولُه [من الوافر]:
685 - أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي = وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِائَةَ الرِّتَاعَا
وقوله [من الوافر]:
686 - بِعِشْرَتِكَ الكِرَامِ تُعَدُّ مِنْهُمْ = فَلَا تَرَيَنَ لِغَيْرِهِمُ الوفَاءَ
وقوله [من البسيط]:
687 - قَالُوا كَلاَمَكَ هِنْدًا وَهِيَ مُصْغِيَةٌ = يُشْفِيكَ قُلْتُ: صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كَانَا
وقوله [من الطويل]:
688 - لأَنَّ ثَوَابَ اللَّهِ كلَّ مُوَحِّدٍ = جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ فِيهَا يُخَلَّدُ
وقولُ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنَها: " مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ الوُضُوءَ".
تنبيهٌ: إعمالُ اسمِ المصدرِ قليلٌ، وقالَ الصَّيْمَرِيُّ: إعمالُه شاذٌّ، وقد أشارَ الناظمُ إلى قِلَّتِهِ بتنكيرِ "عَمَلْ".
426 - وَبَعْدَ جَرِّهِ الذِي أُضِيفَ لَهُ = كَمِّلْ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَه
اعْلَمْ أنَّ للمصدرِ المضافِ خمسةُ أحوالٍ:
الأَوَّلُ: أنْ يُضَافَ إلى فاعلِه ثم يأتِي مفعولُه، نحوُ: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}
الثاني: عكسُه، نحوُ: "أَعْجَبَنِي شُرْبُ العسلِ زيدٌ".
ومنه قولُه [من البسيط]:
689 - أَفْنَى تِلَادِي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ = قَرْعُ القَوَاقِيزِ أفْوَاهُ الأَبَارِيقِ
وقولُه [من البسيط]:
690 - تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ = نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ
وليسَ مخصوصًا بالضرورةِ خِلافًا لبعضِهِم ففِي الحديثِ: ((وَحَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) أي: وأنْ يَحُجَّ البيتَ المستطيعُ، لكنَّه قليلٌ.
الثالثُ: أنْ يضافَ إلى الفاعلِ ثمَّ لا يُذْكَرُ المفعولُ، نحوُ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ } {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَائِي}.
الرابعُ: عكسُه، نحوُ: {لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ}.
الخامسُ: أنْ يضافَ إلى الظَّرْفِ فيرفعُ وينصِبُ كالمُنَوَّنِ، نحوُ: "أعجبني انتظارُ يومَ الجمعةِ زيدًا عمرًا".
تنبيهٌ: قولُه: "كَمِّلْ بِنَصْبِ.. إِلَى آخِرِه" يعني :إِنْ أَرَدْتَ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ أنَّه غيرُ لازمٍ.
427 - وَجَرُّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ، وَمَنْ = رَاعَى فِي الإِتْبَاعِ المَحَلَّ فَحَسَنْ.
(وَجَرُّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ ) مراعاةً للفظِه، وهو الأحسنُ (وَمَنْ * رَاعَى فِي الإِتْبَاعِ المَحَلَّ فَحَسَنْ)، فالمضافُ إليه المصدرُ إِنْ كانَ فَاعِلاً فمَحَلُّه رفْعٌ، وإِنْ كَانَ مفعولاً فمَحَلُّه نصيبٌ إِنْ قُدِّرَ بـ "أَنْ" وفعلِ الفاعلِ، ورَفْعُ إِنْ قُدِّر بـ "أَنْ" وفعلِ المفعولِ فتقولُ: "عجبتُ مِنْ ضربِ زيدٍ الظريفِ" بالجرِّ، وَإِنْ شئْتُ قلْتُ "الظريفُ" بالرفعِ ومنه قولُه [من الطويل]:
691 - حتى تَهَجَّرَ فِي الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا = طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ
فرَفَعَ "المَظْلُومَ" على الإتباعِ لِمَحِلِّ المُعَقِّبِ
وقولُه [من البسيط]:
692 - السَّالِكُ الثُّغْرَةِ اليَقْظَانِ سَالِكُهَا = مَشْيَ الهَلُوكِ عَلَيْهَا الخَيْعَلُ الفُضُلَ
الفُضُلُ: اللابسةُ ثوبَ الخُلْوَةِ، وهو نعتٌ لـ "الهلوكِ" على الموضعِ ؛ لأنها فاعلُ "المشيِ" وتقولُ: "عجِبْتُ مِنْ أكلِ الخبزِ واللَّحْمِ واللَّحْمَ"، فالجرُّ على اللفظِ والنصبُ على المَحَلِّ كقولِه [من الرجز]:
693 - قَدْ كُنْتُ دَايَنْتُ بِهَا حِسَانَا = مَخَافَةَ الْإِفْلاَسِ وَاللَّيَّانَا
يُحْسِنُ بَيْعَ الأَصْلِ والقِيَانَا
ولو قلْتَ: "واللَّحْمُ": بالرفعِ جازَ على معنى، مِنْ أَنَّ أُكِلَ الخبزُ واللَّحْمُ.
تنبيه ٌ: ظاهرُ كلامِه جوازُ الإتباعِ على المَحَلِّ في جميعِ التوابعِ، وهو مَذْهَبُ الكوفيِّينَ وطائفةٍ مِنَ البصريِّينَ وذهبَ سيبويهِ ومَنْ وافقَه مِنْ أهلِ البصرةِ إلى أنَّه لا يجوزُ الإتباعُ على المَحَلِّ، وفَصَّلَ أبو عمرٍو، فأجازَ في العطفِ والبدلِ، ومنعَ في التوكيدِ والنعتِ، والظاهرُ الجوازُ: لورودِ السمَاعِ والتأويلِ خلافَ الظاهرِ.
خاتمةٌ: قد تقدَّمَتِ الإشارةُ إلى أن المصدرَّ المقدَّرَ بالحرفِ المصدريِّ، والفِعْلُ معَ معمولِه كالموصولِ معَ صِلَتِهِ فلا يتقدَّمُ ما يتعلَّقُ به عليه، كما لا يتقدَّمُ شيءٌ مِنَ الصِّلَةِ على الموصولِ، ولا يُفْصَلُ بينَهما بأجنبيٍّ كما لا يُفصَلُ بينَ الموصولِ وَصِلَتِهِ، وأنه إِنْ ورَدَ مَا يُوهِمُ ذلك أُوِّلَ، فمِمَّا يُوهِمُ التقدُّمَ قولُه [من الهزج]:
694 - وَبَعْضُ الحِلْمِ عِنْدَ الجَهْـ = = ـلِ لِلذِّلَّةِ إِذْعَانُ
فليسَتِ اللامُ مِنْ قولِه "للذِّلَّةِ" متعلِّقَةٌ بـ "إِذْعَانُ" المذكورُ بلْ بمحذوفٍ قبلَها يدلُّ عليه المذكورُ، والتقديرُ: وبعضُ الحِلْمِ عندَ الجهلِ إِذْعَانٌ للذِّلَّةِ إِذْعَانٌ، وهذا التقديرُ نظيرُ مَا في نحوِ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} وممَّا يُوهِمُ الفصلَ بِأَجْنَبِيٍّ قولُه تعالى {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فليسَ "يَوْمَ" منصوبًا بـ "رَجْعِهِ" كمَا زعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وإلا لزَمَ الفصلُ بأجنبيٍّ بينَ مصدرٍ ومعمولِه، والإخبارُ عنْ موصولٍ قبلَ تمامِ صِلَتِهِ والوجهُ الجيِّدُ أنْ يُقَدَّرَ لـ "يومَ" ناصبٌ والتقديرُ: يُرْجِعُهُ يومَ تبلَى السرائرُ، ومنه أيضًا قولُه [من البسيط]:
695 - المَنُّ لِلذَّمِّ دَاعٍ بِالعَطَاءِ فَلاَ = تَمْنُنْ فَتَلْفَى بِلَا حَمْدٍ وَلَا مَالِ
فليسَتِ الباءُ الجارَّةُ للعطاءِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالمَنِّ ؛ ليكونَ التقديرُ: المَنُّ بالعطاءِ داعٍ للذَّمِّ – وَإِنْ كَانَ المعنى عليه – لفسادِ الإعرابِ ؛ لأنه يستلزمُ المَحْذُورَيْنِ المَذْكُورَيْنِ فالمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الباءِ بمحذوفٍ، وَكَأَنَّهُ قيلَ: المَنُّ للذَّمِّ داعِ المَنِّ بالعطاءِ فالمَنُّ الثاني بدلٌ مِنَ المَنِّ الأَوَّلِ فحَذَفَ وأبقَى ما يتعلَّقُ به دليلاً عليه.
أما المصدرُ الآتي بدلاً مِنَ اللفْظِ بفعلِه فالأصحُّ أنه مساوٍ لاسمِ الفاعلِ في تحمُّلِ الضميرِ وجوازِ تقديمِ المنصوبِ به، والمجرورُ بحرفٍ يتعلَّقُ به عليه ؛ لأنه ليس بمنزلةِ موصولٍ ولا معمولِه بمنزلةِ صِلَتِه، واللَّهُ أعلمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


إعْمَالُ الْمَصْدَرِ

أقسامُ الْمَصْدَرِ العامِلِ ومَواضِعُهُ
424- بِفِعْلهِ الْمَصْدَرَ ألْحِقْ فِي الْعَمَلْ = مُضَافاً أوْ مُجَرَّداً أوْ مَعَ أَلْ
425- إنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أنْ أوْ مَا يَحِلّ = مَحَلَّهُ وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ
في اللغةِ العربيَّةِ أسماءٌ تَعْمَلُ عَمَلَ أفعالِها بشروطٍ، وقدْ ذَكَرَ منها ابنُ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ المصدرَ، واسمَ المصدرِ، واسمَ الفاعلِ، وصِيَغَ المبالَغَةِ، واسمَ المفعولِ. وهذهِ ذَكَرَها مُتوالِيَةً، ثمَّ ذَكَرَ الصفةَ الْمُشَبَّهَةَ، ثمَّ اسمَ التفضيلِ، وبعدَ أبوابٍ مُتعَدِّدَةٍ ذكَرَ اسمَ الفِعْلِ.
وهذا البَابُ مَعْقُودٌ لإعمالِ المصدَرِ واسمِ المصدَرِ، وقدْ قَدَّمَ ابنُ مالِكٍ إعمالَ المصدَرِ على أَبْنِيَةِ المصادِرِ؛ لأنَّ الإعمالَ أمْرٌ نَحْوِيٌّ شديدُ الصِّلَةِ بالأبوابِ السابقةِ، والأَبْنِيَةُ بَحْثٌ صَرْفِيٌّ، والأَوْلَى تقديمُ أَبْنِيَةِ المصادِرِ على الإعمالِ؛ لأنَّ الحُكْمَ على الشيءِ فَرْعٌ عنْ تَصَوُّرِهِ، فلا بُدَّ مِنْ تقديمِ الأبْنِيَةِ؛ لِيَكُونَ الحكْمُ على شيءٍ مفهومٍ معلومٍ.
تعريفُ المصدَرِ
والمصدَرُ هوَ: الاسمُ الدالُّ على الحدَثِ المجرَّدِ المُشْتَمِلِ على حروفِ فِعْلِهِ أوْ أَكثرَ منها؛ نحوُ: بَذْلُ المَالِ في الخيرِ نفْعٌ لصاحبِهِ، فـ(بَذْلُ) مصدَرُ: بذَلَ، يَبْذُلُ، بَذْلاً، وهوَ يَدُلُّ على حُدوثِ البَذْلِ مِنْ غيرِ زَمَنٍ، وقد اشتَمَلَ على جميعِ حُروفِ الفعْلِ (بَذَلَ).
وفي نَحْوِ: إكرامُ الضيفِ مِنْ آدابِ الإسلامِ، اشتَمَلَ المصدَرُ على حُرُوفِ فِعْلِهِ (أكْرَمَ)، وزيادةِ الألِفِ قبلَ آخِرِهِ.
الفرْقُ بينَ المصدَرِ واسمِ المصدَرِ
واسمُ المصدَرِ يَختلِفُ عن المصدَرِ وإنْ كانا يَتَّفِقَانِ في الدَّلالةِ على الحدَثِ، لكنَّ المصدَرَ لا تَنْقُصُ حروفُهُ عنْ حروفِ فِعْلِهِ، واسمُ المصدَرِ تَنْقُصُ حروفُهُ عنْ حروفِ فِعْلِهِ لَفْظاً وتَقديراً دونَ تَعويضٍ؛ نحوُ: عَطَاءٍ؛ فإنَّهُ مُسَاوٍ للمَصدَرِ إِعطاءً في الدَّلالةِ على المعنى، لكنَّهُ خالَفَهُ بخُلُوِّهِ مِن الهمزةِ الموجودةِ في فِعْلِهِ: أَعْطَى.
وقولُنا: لَفْظاً وتَقديراً، شَرْطٌ في اسْمِ المصدَرِ؛ لإخراجِ ما خَلا مِنْ بَعْضِ ما في فِعْلِهِ لفظاً، ولم يَخْلُ منها تقديراً، فهوَ مَصدرٌ؛ نحوُ: قِتالٍ، مَصْدَرُ قاتَلَ، وقدْ خَلا مِن الألِفِ التي قبلَ التاءِ في الفعْلِ، لكنْ خَلا منها لَفْظاً ولم يَخْلُ منها تَقديراً، ولذلكَ نُطِقَ بها في بعضِ المواضِعِ؛ نحوُ: قَاتَلَ قِيتَالاً، لَكِن انقَلَبَت الألِفُ ياءً؛ لكسْرِ ما قَبْلَها، وأمَّا حَذْفُها فهوَ للتخفيفِ وكثرةِ الاستعمالِ.
وقَوْلُنا: دُونَ تعويضٍ، احترازٌ ممَّا فيهِ تَعويضٌ، فهوَ مَصْدَرٌ؛ نحوُ: عِدَةٍ؛ فإنَّهُ مَصدرُ: وَعَدَ، وقدْ خَلا مِن الواوِ التي في فِعْلِهِ لَفْظاً وتقديراً، لكنْ عُوِّضَ عنها التاءُ.
والمصدَرُ يَعملُ عَمَلَ فِعْلِهِ الذي اشْتُقَّ منهُ، فيَرفَعُ الفاعلَ، ويَنْصِبُ المفعولَ بهِ بواسِطَةٍ وبغيرِها.

فيَعملُ عَمَلَ فِعْلِهِ في مَوْضِعَيْنِ:
مواضِعُ عمَلِ المصدَرِ
الأوَّلُ: أنْ يُحذَفَ الفعْلُ ويَنوبَ عنهُ المصدَرُ في تَأديَةِ معناهُ وفي التَّعَدِّي واللُّزُومِ، مِثلُ: إِكْرَاماً المسكينَ، فـ(إكراماً) مَصدَرٌ نائبٌ عنْ فِعْلِهِ (أَكْرِمْ)، وقدْ عَمِلَ عَمَلَهُ، ففيهِ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أَنْتَ، وهوَ فاعِلُهُ، والْمِسكينُ: مَفعولٌ بهِ منصوبٌ للمصدَرِ، وقدْ مَضَى بيانُ ذلكَ في بابِ المفعولِ المطلَقِ.
الثاني: إذا صَحَّ أنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ (أنْ) والفعلُ، أوْ (ما) والفعلُ؛ نحوُ: يَسُرُّنِي أدَاؤُكَ الواجبَ، فـ(أداءُ) فاعلُ (يَسُرُّ)، وهوَ مَصدَرٌ عَمِلَ عَمَلَ فعْلِهِ، وقدْ أُضيفَ إلى فاعِلِهِ، وهوَ (الكافُ)، ونَصَبَ المفعولَ بهِ، وهوَ كلمةُ (الواجبَ)، ويُمْكِنُ أنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ (أنْ) والفعلُ، أوْ (ما) والفعلُ، فَنَقُولُ: يَسُرُّنِي أنْ تُؤَدِّيَ الواجِبَ، إنْ أَرَدْتَ الزمانَ الماضِيَ أو المستقبَلَ، أوْ يَسُرُّنِي ما تُؤَدِّي الواجبَ، إنْ أُريدَ الحالُ.
أقسامُ المصدَرِ العامِلِ
وهذا المصدَرُ العامِلُ يَنقسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ:
الأوَّلُ: المصدَرُ المضافُ، وإعمالُهُ أكثرُ مِنْ إعمالِ القِسمينِ الآخَرَيْنِ، وتَقَدَّمَ مِثالُهُ.
الثاني: المصدَرُ الْمُنَوَّنُ، وإعمالُهُ أقْرَبُ إلى القِياسِ مِنْ إعمالِ المضافِ؛ لأنَّهُ يُشْبِهُ الفعْلَ في التنكيرِ، وهوَ يَلِي المضافَ في الكثرةِ؛ نحوُ: واجبٌ عَلَيْنَا تَشجيعٌ كُلَّ مُجْتَهِدٍ، تقديرُهُ: واجبٌ علينا أنْ نُشَجِّعَ كلَّ مُجْتَهِدٍ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً}، فـ ( إِطْعَامٌ ): معطوفٌ على ما قَبْلَهُ، وهوَ ( فَكُّ رَقَبَةٍ )، وهوَ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ نَصَبَ المفعولَ بهِ، وهوَ قولُهُ: ( يَتِيماً )، والتقديرُ: أوْ أَنْ يُطْعِمَ يَتِيماً.
الثالثُ: المعرَّفُ بـ(أَلْ)، وإعمالُهُ شاذٌّ؛ لبُعْدِهِ عنْ مُشابَهَةِ الفعْلِ باقترانِهِ بـ(أَلْ)، لَكِنَّهُ قِيَاسِيٌّ، وهوَ أقَلُّ مِنْ سَابِقَيْهِ استعمالاً وبلاغةً؛ نحوُ: الْمُجِدُّ سَرِيعُ الإنجازِ أَعْمَالَهُ، بنَصْبِ (أَعْمَالَهُ) على أنَّهُ مفعولٌ للمصدَرِ الْمُحَلَّى بـ(أَلْ). ومنهُ قولُ الشاعِرِ:
ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أعْدَاءَهُ = يَخالُ الفِرارَ يُرَاخِي الأَجَلْ
فالمصدَرُ الْمُحَلَّى بـ(أَلْ)، وهوَ قولُهُ: (النِّكايَةِ)، نَصَبَ المفعولَ بهِ، وهوَ قولُهُ: (أَعْدَاءَهُ)، كما يَنْصِبُهُ الفِعْلُ.
وكما يَعملُ المصدَرُ فإنَّ اسمَ المصدَرِ يَعملُ أيضاً بالشرْطِ المذكورِ، وهوَ أنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ (أنْ والفعلُ) أوْ (ما والفعلُ)، وإعمالُهُ مَعَ قِياسيَّتِهِ قليلٌ، ومنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
إذا صَحَّ عَوْنُ الخالِقِ الْمَرْءَ لم يَجِدْ = عَسيراً مِن الآمالِ إلاَّ مُيَسَّرَا
وهذا معنى قولِهِ: (بِفِعْلِهِ المصْدَرَ أَلْحِقْ في العمَلْ.. إلخ)؛ أيْ: أَلْحِق المصدَرَ بفعلِهِ في العملِ، سواءٌ كانَ مُضافاً أوْ مُجَرَّداً، وهوَ المنوَّنُ، أوْ مُقْتَرِناً بـ(أَلْ). ثمَّ بَيَّنَ أنَّ شَرْطَ عَمَلِهِ أنْ يُمْكِنَ إحلالُ الفعْلِ معَ (أَنْ) أوْ (مَا) الْمَصْدَرِيَّتَيْنِ مَحَلَّهُ. ثمَّ ذَكَرَ أنَّ اسمَ المصدَرِ يَعملُ أيضاً إذا أُضيفَ الْمَصْدَرُ إلى فاعِلِهِ أوْ مفعولِهِ وأُتْبِعَا بتابِعٍ.

426- وَبَعْدَ جَرِّهِ الَّذِي أُضِيفَ لَهْ = كَمِّلْ بِنَصْبٍ أوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ
427- وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ = رَاعَى فِي الاِتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ
تَقَدَّمَ أنَّ الْمَصْدَرَ العامِلَ يأتِي مُضافاً، وهوَ ضَربانِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ مُضافاً إلى فاعلِهِ، فيُؤْتَى بعدَهُ بالمفعولِ بهِ منصوباً إنْ وُجِدَ، فيكونُ الفاعلُ مَجروراً في اللفظِ مَرفوعاً في الْمَحَلِّ؛ نحوُ: يَسُرُّنِي شُكْرُكَ الْمُنْعِمَ، فـ(شُكُرُ): فاعلُ (يَسُرُّ)، وهوَ مضافٌ، والكافُ: مضافٌ إليهِ مِنْ إضافةِ المصدَرِ إلى فاعلِهِ، ولفظُ (الْمُنْعِمَ): مفعولٌ بهِ للمصدَرِ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}، فـ ( دَفْعُ ): مُبتدأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ، وهوَ مُضَافٌ إلى فاعلِهِ، وَ(النَّاسَ): مفعولٌ بهِ للمصدَرِ.
فإذا جَاءَ تابعٌ للفاعلِ مِنْ نَعْتٍ أوْ عَطْفٍ أوْ غيرِهما جازَ فيهِ الجرُّ مُرَاعَاةً للفْظِ الفاعلِ المتبوعِ؛ لأنَّهُ مجرورٌ، وجازَ فيهِ الرفْعُ مُراعاةً لِمَحَلِّهِ؛ نَحْوُ: عَجِبْتُ مِنْ إكرامِ خالدٍ وعمرٍو أبَاهُما، برفْعِ (عَمْرٌٍو) وجَرِّهِ. ومِن الإِتْبَاعِ على الْمَحَلِّ قولُهُ:
حتَّى تَهَجَّرَ في الرَّواحِ وَهَاجَهَا = طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ
فأضافَ المصدَرَ (طَلَبَ) إلى فاعلِهِ، وهوَ (الْمُعَقِّبِ)، ثمَّ أتى بالنعْتِ، وهوَ (المظلومُ)، مرفوعاً نظراً للمَحَلِّ.
الضرُبُ الثاني: أنْ يكونَ المصدَرُ مُضافاً إلى مفعولِهِ، فيُؤْتَى بعدَهُ بالفاعِلِ مَرفوعاً إنْ وُجِدَ، فيكونُ المفعولُ مَجروراً في اللفْظِ مَنصوباً في الْمَحَلِّ؛ نحوُ: مِنْ سُوءِ التربيَةِ عِصيانُ الآباءِ بَنُوهُم، فـ(عِصيانُ): مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وهوَ مُضَافٌ إلى مفعولِهِ (الآباءِ)، و(بَنُوهُم): فاعلُ المصدَرِ.
ومنهُ قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ:... وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))، فـ(حَجِّ): مَصدَرٌ مُضَافٌ لمفعولِهِ (البيتِ)، وَ(مَن استطاعَ): فاعِلُ المصدَرِ.
فإذا جاءَ تَابِعٌ للمفعولِ بهِ، مِنْ نعْتٍ أوْ عَطْفٍ أوْ غيرِهما، جازَ فيهِ الجَرُّ مُراعاةً لِلَفْظِ المفعولِ بهِ المتبوعِ؛ لأنَّهُ مجرورٌ، وجازَ فيهِ النَّصْبُ مُراعاةً لِمَحَلِّهِ؛ نحوُ: عَجِبْتُ مِنْ أَكْلِ الطعامِ الحارَِّ زَيدٌ، بنَصْبِ كلمةِ (الحارَِّ) وجَرِّها. ومِنْ مُراعاةِ الْمَحَلِّ قولُهُ:
قدْ كُنْتُ دَايَنْتُ بِهَا حَسَّاناً = مَخَافَةَ الإفلاسِ واللَّيَّانَا
فأضافَ المصدرَ (مَخافةَ) إلى مفعولِهِ، وهوَ (الإفلاسِ)، ثمَّ أتى بعَطْفِ النَّسَقِ، وهوَ (اللَّيَّانَا)، منصوباً نظراً للمَحَلِّ.
وهذا معنى قولِهِ: (وجُرَّ ما يَتْبَعُ ما جُرَّ... إلخ)؛ أيْ: إذا جاءَ تابِعٌ للمضافِ إليهِ المجرورِ فاجْرُرْ هذا التابعَ مُراعياً لفْظَ المجرورِ، سَوَاءٌ كانَ مَرفوعاً مَحَلاًّ؛ لأنَّهُ فاعلٌ، أوْ منصوباً مَحَلاًّ؛ لأنَّهُ مفعولٌ بهِ. ثمَّ بَيَّنَ أنَّ الجرَّ لِمُراعاةِ اللفْظِ ليسَ لازماً، فمَنْ يُراعِي المحلَّ المرفوعَ أو المنصوبَ فعَمَلُهُ حسَنٌ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المصدر, إعمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir