دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإتقان في علوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1430هـ/14-05-2009م, 12:52 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي النوع السادس والخمسون: في الإيجاز والإطناب

النوع السادس والخمسون
في الإيجاز والإطناب
اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب
قال صاحب الكشاف كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ
يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحى الملاحظ خيفة الرقباء
واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط
وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد
وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب
واحترز ب واف عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشو

والتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول
فإن قلت عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك
قلت لهما ولأمر ثالث وهو أن المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وفي الإيضاح بقوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السيء لأن المكر لا يكون إلا سيئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ أي بأحد وبالقصر في الإستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام
تنبيه
الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي
وقال بعضهم الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء
والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره
فصل
في نوعي الإيجاز
الإيجاز قسمان إيجاز قصر وإيجاز حذف


إيجاز القصر
فالأول هو الوجيز بلفظه قال الشيخ بهاء الدين الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر
وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ
وقال آخر هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة
وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال أوتيت جوامع الكلم
وقال الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام
أحدها إيجاز القصر وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله إنه من سليمان إلى قوله واتوني مسلمين جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة
وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه
قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز
الثاني إيجاز التقدير وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى
الثالث الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودبة
والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله أن تعبد الله كأنك تراه أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر . . إلى ما لا يحصى
وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر
وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية
قلت ولهذا قال ابن مسعود ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه
وروى أيضا عن ابن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين بعثت بجوامع الكلم قال بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك
ومن ذلك قوله تعالى خذ العفو . . الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة
ومن بديع الإيجاز قوله تعالى قل هو الله أحد . . إلى آخرها فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحو أربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد
وقوله أخرج منها ماءها ومرعاها دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء

وقوله لا يصدعون عنها ولا ينزفون جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب
وقوله وقيل يا أرض ابلعي ماءك . . الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام
وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف
وفي العجائب للكرماني أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال
وقوله تعالى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم . . الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت فالنداء يا والكناية أي والتنبيه ها والتسمية النمل والأمر ادخلوا والقصص مساكنكم والتحذير لا يحطمنكم والتخصيص سليمان والتعميم جنوده والإشارة وهم والعذر لا يشعرون فأدت خمس حقوق حق الله وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان
وقوله يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . . الآية جمع فيها أصول الكلام النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر
وقال بعضهم جمع الله الحكمة في شطر آية وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
وقوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه . . الآية قال ابن العربي هي من أعظم أي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان
وقوله فاصدع بما تؤمر قال ابن أبي الأصبع المعنى صرح بجميع ما أوحي إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة
وقد حكي أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام
وقوله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه
وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم القتل أنفى للقتل بعشرين وجها أو أكثر
وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك
الأول أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله القصاص حياة أقل حروفا فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر
الثاني أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه

الثالث أن تنكير حياة يفيد تعظيما فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ولا كذلك المثل فإن اللام فيه للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء
الرابع أن الآية فيه مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلما وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبدا
الخامس أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة
السادس أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف قصاصا مع القتل الأول وظلما مع القتل الثاني والتقدير القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه
السابع أن في الآية طباقا لأن القصاص مشعر بضد الحياة بخلاف المثل
الثامن أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه
التاسع أن في المثل توالي أسباب كثيرة حفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكرة فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات
نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا يتبين إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة
العاشر أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه

الحادي عشر سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون
الثاني عشر اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق
الثالث عشر في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء
الرابع عشر سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل
الخامس عشر أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل
السادس عشر الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه
السابع عشر أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة وقوله في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة
الثامن عشر أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه
التاسع عشر أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك
العشرون أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل

في أول الآية ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لنخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم
تنبيهات
الأول
ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أو التزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق
الثاني
ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه قال وهو نوعان أحدهما ما يفهم من البنية كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم والثاني من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى والتبرك باسمه
الثالث
ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا أو بإنما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل
وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوضعه
وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل
وباب علمت أنك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف
ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء
ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره
ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط فإن كم مالك يغني عن قولك أهو عشرون أم ثلاثون وهكذا إلى ما لا يتناهى
ومنها الألفاظ اللازمة للعموم كأحد
ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا
ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهو أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني كفواتح السور ذكره ابن أبي الإصبع
إيجاز الحذف
القسم الثاني من قسمي الإيجاز الحذف وفيه فوائد
ذكر أسبابه
منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره
ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعا في قوله تعالى ناقة الله وسقياها فناقة الله تحذير بتقدير ذروا و سقياها إغراء بتقدير الزموا
ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام
قال حازم في منهاج البلغاء إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفي بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك

وكذا قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة
ومنها التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو يوسف أعرض ونون لم يك والجمع السالم ومنه قراءة والمقيمي الصلاة وياء والليل إذا يسر
وسأل المؤرج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى وما كانت أمك بغيا الأصل بغية فلما حول عن فاعل نقص منه حرف
ومنها كونه لا يصلح إلا له نحو عالم الغيب والشهادة فعال لما يريد
ومنها شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء قال الزمخشري وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر
ومنها صيانته عن ذكره تشريفا كقوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات . . الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب أي هو رب الله ربكم الله رب المشرق لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى رب أرني أنظر إليك أي ذاتك
ومنها صيانة اللسان عنه تحقيرا له نحو صم بكم أي هم أو المنافقون

ومنها قصد العموم نحو وإياك نستعين أي على العبادة وعلى أمورنا كلها
والله يدعو إلى دار السلام أي كل واحد
ومنها رعاية الفاصلة نحو ما ودعك ربك وما قلى أي وما قلاك
ومنها قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو ولو شاء لهداكم أي ولو شاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع ولو شاء تعلقت نفسه بم شاء ابنهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها
وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب نحو ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما نحو لمن شاء منكم أن يستقيم لو أردنا أن نتخذ لهوا وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في الأقصى القريب قالوا وإذا حذف بعد لو فهو المذكور في جوابها أبدا وأورد في عروس الأفراح قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى معين على ذلك
فائدة
قال الشيخ عبد القاهر ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره وسمى ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام
قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا
قال ابن هشام جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوى كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له
ومنه ربي الذي يحيي ويميت قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كلوا واشربوا ولا تسرفوا وإذا رأيت ثم إذ المعنى ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة
وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف وإذا حصلت منك رؤية
ومنه ولما ورد ماء مدين . . الآية ألا ترى أنه عليه الصلاة و السلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا وكذلك المقصود من لا نسقى السقي لا المسقي
ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم و تذودان غنمهما و لا نسقي غنما
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو لا تأكلوا الربا ولا تقربوا الزنا وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف
وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أهذا الذي بعث الله رسولا وكلا وعد الله الحسنى
وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قد يتوهم أن معناه نادوا فلا حذف أو سموا فالحذف واقع


ذكر شروطه
هي ثمانية
أحدها وجود دليل إما حالي نحو قالوا سلاما أي سلمنا سلاما أو مقالي نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا قال سلام قوم منكرون أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون
ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف
ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخره نحو حرمت عليكم الميتة فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام وإنما هو والحل يضافان إلى الأفعال فعلم بالعقل حذف شيء
وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع وهو قوله
إنما حرم أكلها لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكي من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة
وتارة يدل العقل أيضا على التعيين نحو وجاء ربك أي أمره بمعنى عذابه لأن الحق دل على استحالة مجيء البارئ لأنه من سمات الحادث وعلى أن الجائي أمره
أوفوا بالعقود وأوفوا بعهد الله أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما
وتارة يدل على التعيين العادة نحو فذلكن الذي لمتنني فيه دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ثم يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله قد شغفها حبا وفي مراودتها لقوله تراود فتاها والعادة دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها
وتارة يدل عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي أمره بدليل أو يأتي أمر ربك وجنة عرضها السموات أي كعرض بدليل التصريح به في ىية الحديد الآية 22
رسول من الله أي من عند الله بدليل ولما جاءهم رسول من عند الله
ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي مكان قتال والمراد مكانا صالحا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال فلذلك قدره مجاهد مكان قتال
ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي ألا يخرج من المدينة
ومنها الشروع في الفعل نحو بسم الله فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت أقرأ أو الأكل قدرت آكل وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلافا لقول النحاة أنه يقدر ابتدأت أو ابتدائي كائن بسم الله
ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها وفي حديث باسمك ربي وضعت جنبي
ومنها الصناعة النحوية كقولهم في لا أقسم التقدير لأنا أقسم لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي تالله تفتأ التقدير لا تفتأ لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللام والنون كقوله وتالله لأكيدن
وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في لا إله إلا الله إن الخبر محذوف أي موجود وقد أنكره الإمام فخر الدين وقال هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر
ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة
ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما
تنبيه
قال ابن هشام إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تالله تفتأ
أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط ألا يكون في حذفها ضرر معنوي أو صناعي
قال ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف ورد قول الفراء في أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين إن التقدير بلى ليحسبنا قادرين لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مأمورا به
قال والصواب فيها قول سيبوية إن قادرين حال أي بل نجمعها قادرين لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن بلى لإيجاب المنفى وهو فيها فعل الجمع
الشرط الثاني ألا يكون المحذوف كالجزء ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها
قال ابن هشام وأما قول ابن عطية في بئس مثل القوم إن التقدير بئس المثل مثل القوم فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترا فسهل
الثالث ألا يكون مؤكدا لأن الحذف مناف للتأكيد إذ الحذف مبني على الإختصار والتأكيد مبنى على الطول ومن ثم رد الفارسي على الزجاج في قوله في إن هذان لساحران إن التقدير إن هذان لهما ساحران فقال الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت
الرابع ألا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل
الخامس ألا يكون عاملا ضعيفا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل
السادس ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك إن حرف النداء ليس عوضا من أدعو لإجازة العرب حذفه ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما وإقام الصلاة فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها
السابع ألا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة وكل وعد الله الحسنى
فائدة
اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا إن الأصل لا تجزى فيه فحذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا قال ابن جني وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد
1 - قاعدة
الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من وجهين الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه
وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة وإذا منع منه مانع نحو وأما ثمود فهديناهم إذ لا يلي أما فعل
2 - قاعدة
ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في واللائي لم يحضن إن التقدير فعدتهن ثلاثة أشهر والأولى أن يقدر كذلك
قال الشيخ عز الدين ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون في ذلك في الملفوظ به نحو جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس قدر أبو علي جعل الله نصب الكعبة وقدر غيره حرمة الكعبة وهو أولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة
قال ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات
قال ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن نحو وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث لك أن تقدر في أمر الحرث و في تضمين الحرث وهو أولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع
3 - قاعدة
إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف
فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه
فالأول كقراءة يسبح له فيها بفتح الباء كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله بفتح الحاء فإن التقدير يسبحه رجال و يوحيه الله ولا يقدران مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل
والثاني نحو ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فتقدير خلقهم الله أولى من الله خلقهم لمجيء خلقهن العزيز العليم
4 - قاعدة
إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو أتحاجوني نون الوقاية لا نون الرفع وفي نارا تلظى التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي والله ورسوله أحق أن يرضوه أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو الحج أشهر أن المحذوف مضاف للثاني أي حج أشهر لا الأول أي أشهر الحج
وقد يجب كونه من الأول نحو إن الله وملائكته يصلون على النبي في قراءة من رفع ملائكته لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه من الثاني نحو أن الله بريء من المشركين ورسوله أي بريء أيضا لتقدم الخبر على الثاني
فصل في أنواع الحذف
الحذف على أنواع
أحدها ما يسمى بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم
وادعى بعضهم أن الباء في وامسحوا برءوسكم أول كلمة بعض ثم حذف الباقي
ومنه قراءة بعضهم ونادوا يا مال بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال ما أغنى أهل النار عن الترخيم وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم عجزوا عن إتمام الكلمة
ويدخل في هذا النوع حذف همزة أنا في قوله لكنا هو الله وربي إذ الأصل لكن أنا حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون
ومثله ما قرئ ويمسك السماء أن تقع علرض بما أنزليك فمن تعجل في يومين فلثم عليه إنها لحدى الكبر
النوع الثاني ما يسمى بالاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة
ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وخصص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وفي قوله وجعل لكم من الجبال أكنانا وفي قوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دفء
ومن أمثلة هذا النوع بيدك الخير أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم أو لأنه أكثر وجودا في العالم أو لأن إضافة الشر إلى الله ليس من بابا الآداب كما قال والشر ليس إليك
ومنها وله ما سكن في الليل والنهار أي وما تحرك وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون
ومنها الذين يؤمنون بالغيب أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس
ومنها ورب المشارق أي والمغارب
ومنها هدى للمتقين أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده قوله هدى للناس

ومنها إن امرؤ هلك ليس له ولد أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها
النوع الثالث ما يسمى بالاحتباك وهو من ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا لاسم بل سماه الحذف المقابلي
وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي قال الأندلسي في شرح البديعية من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق . . الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه
وقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول غير بيضاء ومن الثاني وأخرجها
وقال الزركشي هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون التقدير إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون
وقوله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم التقدير ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم

وقوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن
وقوله خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا أي عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا صالح
قلت ومن لطيفه قوله فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت
وفي الغرائب للكرماني في الآية الأولى التقدير مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر
وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام
انتهى
ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق
وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق
النوع الرابع ما يسمى بالاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق وهو أقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أو فعل أو حرف أو أكثر
أمثله حذف الاسم
حذف المضاف هو كثير في القرآن جدا حتى قال ابن جني في القرآن منه زهاء ألف موضع
وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز على ترتيب السور والآيات ومنه الحج أشهر أي حج أشهر أو أشهر الحج
ولكن البر من آمن أي ذا البر أو بر من
حرمت عليكم أمهاتكم أي نكاح أمهاتكم
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي ضعف عذاب
وفي الرقاب أي وفي تحرير الرقاب

حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو رب اغفر لي
وفي الغايات نحو لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل الغلب ومن بعده
وفي كل وأي وبعض
وجاء في غيرهن كقراءة فلا خوف عليهم بضم بلا تنوين أي فلا خوف شيء عليهم
حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو وما أدراك ما هيه نار أي هي نار
وبعد فاء الجواب من عمل صالحا فلنفسه أي فعمله لنفسه ومن أساء فعليها أي فإساءته عليها وبعد القول نحو وقالوا أساطير الأولين قالوا أضغاث أحلام
وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو التائبون العابدون ونحو صم بكم عمي
ووقع في غير ذلك نحو لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي هذا
سورة أنزلناها أي هذه
ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر نحو أكلها دائم وظلها أي دائم
ويحتمل الأمرين فصبر جميل أي أجمل أو فأمري صبر
فتحرير رقبة أي عليه أو فالواجب
حذف الموصوف وعندهم قاصرات الطرف أي حور قاصرات
أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات
أيها المؤمنون أي القوم المؤمنون

حذف الصفة نحو يأخذ كل سفينة أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك و أن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة
الآن جئت بالحق أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك
فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي نافعا
حذف المعطوف عليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فضرب فانفلق
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان
أحدهما أن يكون تعليلا معلله محذوف كقوله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فالمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك
والثاني أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي
حذف المعطوف مع العاطف لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن أنفق بعده
بيدك الخير أي والشر
حذف المبدل منه خرج عليه ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء
حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي دعائه الخير
وجوزه الكسائي مطلقا لدليل وخرج عليه إذا بلغت التراقي أي الروح حتى توارت بالحجاب أي الشمس
حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة
ويرد في غيرهما نحو إن الذين اتخذوا العجل
أي إلها
كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم
حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام أي قائلين

حذف المنادى ألا يا اسجدوا أي يا هؤلاء
يا ليت أي يا قوم
حذف العائد يقع في أربعة أبواب
الصلة نحو أهذا الذي بعث الله رسولا أي بعثه
والصفة نحو واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي فيه
والخبر نحو وكل وعد الله الحسنى أي وعده
والحال
حذف مخصوص نعم إنا وجدناه صابرا نعم العبد أي أيوب
فقدرنا فنعم القادرون أي نحن
ولنعم دار المتقين أي الجنة
حذف الموصول نحو آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ما في قوله آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
أمثلة حذف الفعل
يطرد إذا كان مفسرا نحو وإن أحد من المشركين استجارك إذا السماء انشقت
قل لو أنتم تملكون
ويكثر في جواب الاستفهام نحو وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أي أنزل
وأكثر منه حذف القول نحو وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا أي يقولان ربنا
ويأتي في غير ذلك نحو انتهوا خيرا لكم أي وأتوا والذين تبوءوا الدار والإيمان أي وألفوا الإيمان أو اعتقدوا اسكن أنت وزوجك الجنة

أي وليسكن زوجك وامرأته حمالة الحطب أي أذم
والمقيمين الصلاة أي أمدح ولكن رسول الله أي كان
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم أي يوفوا أعمالهم
أمثلة حذف الحرف
قال ابن جني في المحتسب أخبرنا أبو علي قال قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به
حذف همزة الاستفهام
قرأ ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم وخرج عليه هذا ربي في المواضع الثلاثة
وتلك نعمة تمنها أي أو تلك
حذف الموصوف الحرفي
قال ابن مالك لا يجوز إلا في أن نحو ومن آياته يريكم البرق
وحذف الجار يطرد مع أن وأن نحو يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم أطمع أن يغفر لي أيعدكم أنكم أي بأنكم
وجاء مع غيرهما نحو قدرناه منازل أي قدرنا له ويبغونها عوجا أي لها يخوف أولياءه أي يخوفكم بأوليائه
واختار موسى قومه أي من قومه
ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح
حذف العاطف خرج عليه الفارسي ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا أي وقلت وجوه يومئذ ناعمة أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة

حذف فاء الجواب وخرج عليه الأخفش إن ترك خيرا الوصية للوالدين
حذف حرف النداء كثير ها أنتم أولاء يوسف أعرض قال رب إني وهن العظم مني فاطر السموات والأرض
وفي العجائب للكرماني كثر حذف يا في القرآن من الرب تنزيها وتعظيما لأن في النداء طرفا من الأمر
حذف قد في الماضي إذا وقع حالا نحو أو جاءوكم حصرت صدورهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
حذف لا النافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو تالله تفتأ
وورد في غيره نحو وعلى الذين يطيقونه فدية أي لا يطيقونه
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد
حذف لام التوطئة وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
حذف لام الأمر خرج عليه قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا أي ليقيموا
حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو قد أفلح من زكاها
حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة ألم نشرح بالنصب
حذف التنوين خرج عليه قل هو الله أحد الله الصمد ولا الليل سابق النهار بالنصب

حذف نون الجمع خرج عليه قراءة وما هم بضاري به من أحد
حذف حركة الإعراب والبناء وخرج عليه قراءة فتوبوا إلى بارئكم و يأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة
وكذا أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فأواري سوءة أخي ما بقي من الربا
أمثلة حذف أكثر من كلمة
حذف مضافين فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب
فقبضت قبضة من أثر الرسول أي من أثر حافر فرس الرسول تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي كدوران عين الذي
وتجعلون رزقكم أي بدل شكر رزقكم
حذف ثلاثة متضايفات
فكان قاب قوسين أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذف ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها
حذف مفعولي باب ظن أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي تزعمونهم شركائي
حذف الجار مع المجرور خلطوا عملا صالحا أي بسيء وآخر سيئا أي بصالح
حذف العاطف مع المعطوف تقدم
حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو فاتبعوني يحببكم الله أي إن اتبعتموني
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أي إن قلت لهم يقيموا
وجعل منه الزمخشري فلن يخلف الله عهده أي إن اتخذتم عند الله عهدا
فلن يخلف الله
وجعل منه أبو حيان فلم تقتلون أنبياء الله من قبل أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون
حذف جواب الشرط فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أي فافعل
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون أي أعرضوا بدليل ما بعده
أئن ذكرتم أي تطيرتم
ولو جئنا بمثله مددا أي لنفذ
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم أي لرأيت أمرا فظيعا
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم أي لعذبكم
لولا أن ربطنا على قلبها أي لأبدت به
ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم أي لسلطكم على أهل مكة
حذف جملة القسم لأعذبنه عذابا شديدا أي والله حذف جوابه
والنازعات غرقا . . الآيات أي لتبعثن
ص والقرآن ذي الذكر أي إنه لمعجز ق والقرآن المجيد أي ما الأمر كما زعموا
حذف جملة مسببة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل
حذف جمل كثيرة نحو فأرسلون يوسف أيها الصديق أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف
خاتمة
تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه على توليهم وإنما التقدير فإن تولوا فلا لوم علي أو فلا عذر لكم لأني أبلغتكم
وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فلا تحزن واصبر
وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين أي يصيبهم مثل ما أصابهم .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السادس, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir