[علم البديع ما به قد عرفا = وجوه تحسين الكلام إن وفى
مطابقًا وقصده جلى = فمنه لفظي ومعنوي]
علم البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام أي تتصور معانيها، وتعلم أعدادها وتفاصيلها بحسب الطاقة بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال ورعاية وضوح دلالته: أي خلوه عن التعقيد المعنوي إذ لا تعتبر وتعد محسنة للكلام إلا بعد رعايتها وإلا كان كتعليق الدر على الخنازير. قال أبو جعفر الأندلسي وهو أخص الفنون الثلاثة لتركبه من الفنين وزيادة قال وهما بالنسبة إليه كالحياة والنطق بالنسبة للإنسان فلا يوجد البديع بدونهما كما لا يوجد الإنسان بدون الحياة والنطق والمعاني بالنسبة إلى البيان كالحياة بالنسبة إلى النطق فتوجد المعاني بدونه كما يوجد الحيوان بلا نطق ولا عكس كما لا عكس وقولي وقصده مصدر بمعنى المفعول أي المقصود منه جلي أي واضح. ثم أنواعه تنقسم إلى قسمين: إلى ما يتعلق بتحسين الألفاظ وإلى ما يتعلق بتحسين المعاني. قال الشيخ سعد الدين أي بحسب الأصالة وإن كان بعضها لا يخلو عن تحسين ما للفظ. وفي شرح الفوائد الغياثية المعنوي ما تعلق بالبلاغة واللفظي ما تعلق بالفصاحة، وقسمها جماعة إلى ثلاثة فزادوا ما يتعلق بتحسينهما معًا كالمطابقة والمقابلة والأمر قريب.
تنبيهان: الأول قال أبو جعفر الأندلسي أنواع البديع في الكلام كالملح في الطعام وكالخال في
[شرح عقود الجمان: 104]
الوجنات إذا كثر قبح وخرج عن باب الاستحسان فكذلك البديع إذا كثر وتكلف مجته الطباع وإنما يحسن إذا وقع في الكلام سهلاً مستعذبًا عاريًا عن التكلف فإذا أفرط في الزيادة خاطبته الطباع:
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم = والعذب يهجر للإفراط في الحصر
انتهى.
قلت: لم أر ذلك للمتقدمين إلا في مثل الجناس والسجع ونحوهما أما مثل التورية والاستخدام واللف والنشر ونحوها فحاشا وكلا، وقد عدّ الصفي الحلي وأتباعه من أنواع البديع الإبداع بالباء الموحدة وفسروه بأن تكثر أنواع البديع في البيت نعم التكلف مذموم كيف كان.
التنبيه الثاني: البديع في اللغة: الغريب. وأول من اخترعه وسماه بهذا الاسم عبد الله بن المعتز وجمع منها سبعة عشر نوعًا وقال في أول كتابه: وما جمع قبلي فنون البديع أحد ولا سبقني إليه مؤلف وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين، وعاصره قدامة الكاتب فجمع منها عشرين نوعًا تواردا فيها على سبعة فكان ما زاده ثلاثة عشر نوعا فتكامل لهما ثلاثون ثم تبعهما الناس، فجمع أبو هلال العسكري سبعة وثلاثين، ثم جمع ابن رشيق مثلها، وتلاهما شرف الدين التيفاشي فبلغ بها السبعين، ثم تكلم فيها ابن أبي الأصبع فأبدع وذكر أنه وقف على أربعين كتابا في هذا العلم وأخذ منها سبعين نوعا واستخرج عشرين، ثم صنف ابن منقذ كتاب التفريع في البديع جمع فيه خمسة وتسعين نوعا ثم جاء صفي الدين الحلي فجمع فيها مائة وأربعين نوعًا في قصيدة نبوية ثم زاد من زاد، ثم رأيت بديعة فيها أكثر من مائتي نوع. وأما السكاكي فذكر منها تسعة وعشرين ثم قال ولك أن تستخرج من هذا القبيل ما شئت وتلقيت كلا من ذلك ما أحببت، وذكر صاحب التلخيص من البديع المعنوي ثلاثين نوعًا ومن اللفظي سبعة وذكر في أثنائها أمورًا ملحقة بها تصلح أن تعد أنواعا أخر، وقد زدت عليه الجم الغفير كما سيأتي مبينًا إن شاء الله تعالى وقد التزمت أن آتي في كل نوع بمثال فأكثر من الحديث النبوي تمر بنا وتشريفًا وتمينًا به.