بناءُ الضميرِ والموقِعُ الإعرابيِّ للضميرِ المُتَّصِلِ
57- وكلُّ مُضْمَرٍ لهُ الْبِنَا يَجِبْ = ولفظُ ما جُرَّ كلفظِ ما نُصِبْ
58- للرفْعِ والنصْبِ وجَرٍّ نا صَلَحْ = كاعرِفْ بِنَا فإننا نِلْنَا الْمِنَحْ
59- وألِفٌ والواوُ والنونُ لِمَا = غابَ وغيرِه كقامَا واعْلَمَا
تَقَدَّمَ في بابِ المعرَبِ والْمَبْنِيِّ أنَّ ألفاظَ الضمائرِ كلَّها مَبْنِيَّةٌ، وإذا ثَبَتَ أنها مَبنيَّةٌ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ لها مَحَلٌّ مِن الإعرابِ.
فالضميرُ المُتَّصِلُ يَنقسِمُ بحَسَبِ مَواقِعِه مِن الإعرابِ ثلاثةَ أقسامٍ:
الأوَّلُ: ما يكونُ في مَحَلِّ رفعٍ فقطْ، وهو خمسةُ ضَمائرَ: التاءُ الْمُتَحَرِّكَةُ للمُتَكَلِّمِ والمُخاطَبِ والمُخاطَبةِ؛ كقولِه تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}، وألِفُ الاثنينِ؛ كقولِه تعالى: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}، وواوُ الجماعةِ؛ كقولِه تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}، وياءُ المُخاطَبةِ؛ كقولِه تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}، ونونُ الإناثِ؛ كقولِه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ}.
الثاني: ما هو مُشْتَرِكٌ بينَ مَحَلِّ النصْبِ والْجَرِّ فقطْ، وهو ثلاثةٌ: ياءُ المُتَكَلِّمِ؛ كقولِه تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً}، وكافُ المُخاطَبِ؛ كقولِه تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}، وهاءُ الغائبِ؛ كقولِه تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}.
الثالثُ: ما هو مُشترِكٌ بينَ مَحَلِّ النصْبِ والرفْعِ والجَرِّ، وهو (نا)؛ كقولِهِ تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}.
وإلى بعضِ هذه الأنواعِ أَشَارَ بقولِه: (وكُلُّ مُضْمَرٍ.. إلخ)؛ أي: الْمُضْمَرَاتُ كُلُّها مَبنيَّةٌ، لا فَرْقَ في ذلك بينَ ما يكونُ مَحَلُّهُ الْجَرَّ أو مَحَلُّه النَّصْبَ، ثم ذَكَرَ أنَّ الضميرَ (نا) صَلَحَ للأمورِ الثلاثةِ، فيكونُ في مَحَلِّ جَرٍّ، مثلُ: اعْرِفْ بنا؛ (أي: اعتَرِفْ بقَدْرِنا)، وفي مَحَلِّ نصْبٍ، نحوُ: إننا، وفي مَحَلِّ رفعٍ، مثلُ: نِلْنَا.
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ ألِفَ الاثنيْنِ وواوَ الجماعةِ ونونَ الإناثِ، وهي مِن ضَمائِرِ الرفْعِ المُتَّصِلَةِ تكونُ للغائِبِ وغيرِه، وهو المُخاطَبُ فقطْ، فالغائِبُ نحوُ (قامَا)، والمُخاطَبُ نحوُ (اعْلَمَا).
هذا ومِمَّا يُسْتَعْمَلُ في الرفْعِ والنصْبِ والجَرِّ (هم)، فالرفْعُ نحوُ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}، والنصْبُ: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}، والجَرُّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي}، وكذلك (الياءُ)، فالرفْعُ نحوُ: {فَكُلِي وَاشْرَبِي}، والنصْبُ نحوُ: {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً}، والجَرُّ نحوُ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}.
لكنَّهما لا يُشْبِها (نا) مِن كلِّ وَجْهٍ؛ لأَنَّ (نا) تأتي للأوْجُهِ الثلاثةِ، وهي ضميرٌ مُتَّصِلٌ للمُتَكَلِّمِ بخِلافِ الياءِ؛ فإنها وإنْ كانَتْ تأتِي للأَوْجُهِ الثلاثةِ، وهي ضميرٌ مُتَّصِلٌ، إلاَّ أنها في حالةِ الرفْعِ للمُخاطَبَةِ، وفي حالَتَي النصْبِ والجَرِّ للمُتَكَلِّمِ، وكذلك (هم)، فهي في حالةِ الرفْعِ ضميرٌ منْفَصِلٌ، وفي حالَتَيِ النَّصْبِ والجَرِّ ضميرٌ مُتَّصِلٌ.