رسالة مقاصدية في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقولوا ما لا تَفعَلونَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيانٌ مَرصوصٌ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ .
أما بعد:
فإن الله تعالى عاتب بعض المؤمنين ووبخهم حين تمنوا معرفة أحبّ الأعمال وأفضلها لله تعالى ليقوموا بعملها فينالون بذلك مرضاته ومحبته، فلما عرفوها قصّروا عنها، فخالف قولهم فعلهم فعاتبهم الله تعالى، كما ورد عن ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحبّ الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لا شكّ فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به؛ فلما نزل الجهاد، كره ذلك أُناس من المؤمنين، وشقّ عليهم أمره، فقال الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾.
وإن من مقاصد الآيات الجليلة:
- تصديق الأقوال النابعة من القلب والإيمان بالأفعال الصحيحة، وأن يكون مقال المرء منطبقًا على فعاله، فلا يأمر الناس بشيء ويأتي بنقيضه، بل يبدأ به هو ثم يأمر غيره.
- ومن مقاصدها: الأمر بإيفاء الوعود التي يقطعها المرء على نفسه ولغيره فإن وعد بشيء وفى به، فمن صفات المنافقين وعلامتهم التي يميزون بها هي إخلاف الوعود ونقض العهود، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ : (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر ).
- في الآية مقصد خفي وهو: تعريض بالمنافقين الذين يظهرون الإيمان بألسنتهم وأشكالهم ويبطنون الكفر في دواخلهم ووجدانهم، ويقولون للمؤمنين: نحن منكم ومعكم ثم يخذلونهم بأفعالهم.
- ومنها: محبة الله عزوجل لمن يوافق قوله فعله، وتصديق قلبه بإقرار لسانه وعمل جوارحه، فقد امتدح تعالى الذين يقاتلون في سبيله صفوفًا مرصوصة.
- ومنها: محبة الله تعالى لوحدة الصفوف الإسلامية واجتماع القلوب على بعضها كما وصفه تعالى في مظهر المسلمين في المعارك يصطفون متساوين متحدين فيما بينهم فهذا توجيه لهم باتحاد صفوفهم وقلوبهم.
- ومنها: تربية القلوب المؤمنة على العمل بما يحبه الله تعالى وترك والابتعاد عن ما يحبه، فهو في بادئ الآيات وبخهم على ما لا ينبغي وقوعه منهم تعليمًا لهم بالمذموم ليجتنبوه أو تحذيرًا لمن وقع به أن يمتنع عنه، ثم بيّن لهم ما يحبه تعالى ليفعلوه ويداوموا عليه.
- ومنها: ترك تزكية النفس وألا يقول المر فعلت وفعلت وفعلت وهو لم يفعل.
والحمدلله رب العالمين..