دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #3  
قديم 29 محرم 1441هـ/28-09-2019م, 02:16 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قَالَ: الظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ. وَفِي قِرَاءَتِكُمْ: {بِضَنِينٍ} وَالضَّنِينُ: الْبَخِيلُ.
وعزاه السيوطي لعبد بن حميد ولم أقف عليه.
محمد بن بشار وعبد الرحمن بن مهدي وسفيان وزر: ثقات.
أما عَاصِم بن بهدلة: وهو عاصم بن أبي النجود الكوفي، القارئ، فصدوق، له أوهام، وكان حفظه سيئا، وحديثه -خاصة- عن زر وأبي وائل، مضطرب، كان يحدث بالحديث تارة عن زر، وتارة عن أبي وائل، كما قال حنبل بن إسحاق: (ثنا) مسدد، (ثنا) أبو زيد الواسطي، عن حماد بن سلمة، قال: كان عاصم يحدثنا بالحديث الغداة عن زر، وبالعشي عن أبي وائل، وقال العجلي: عاصم ثقة في الحديث، لكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل، ووثقه يحيى بن معين.
فيمكن القول بأنه حسن الإسناد.
التوجيه:
اختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) على قراءتين:
فقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة {بِضَنِينٍ} بالضاد ونسبها الفراء لزيد بن ثابت، والضنين: الشَّحيحُ البخيل، فِعْلُهُ: ضَنَّ يَضِنُّ ضَنَّاً وضِنَّةٌ ومَضَنّة، فهو ضانٌّ ضَنينٌ، وكُلُّهُ الإمساكُ والبُخْلُ، قال ابنُ هرمة: إنَّ سَلْمى واللهُ يكْلَؤُها ... ضَنَّتْ بِشَيءٍ ما كانَ يَرْزَؤها
فيكون المعنى: أن النبي ليس بخيل عليهم بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنزل إليه من كتابه، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل بلَّغه ونشره وبذله لكل من أراده.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي {بِظَنِينٍ} بالظاء، الظنين: المتهم، فعيل بمعنى مفعول، يقال: ظننت الرجل اتهمته، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين، فيكون المعنى: أن النبي ليس بمتهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء، وليس يظنّ بما أوتي.
وقد رجح ابن جرير قراءة الضاد لموافقتها لرسم المصحف، فقال: "وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه".
ومن رجح قراءة الظاء حجتهم في ذلك أن المعنى يقتضي هذه القراءة لمناسبتها للمقام، ومنهم ما يلي:
اختار أبو عبيد هذه القراءة لأن الكفار لم يُبخّلوه، وإنما اتهموه، فنفي التهمة أولى من نفي البخل، فقال "والظنين أولى؛ لأن الظنين هو المتهم، والضنين: البخيل، ولم ينسب أحد رسول اللَّه إلى البخل حتى ينفي عنه البخل بهذه الآية، وقد كانوا يتهمونه على الغيب، وهو القرآن، فكانوا يقولون: علمه بشر، وليس من عند اللَّه، ويقولون - أيضا -: إن هذا إلا إفك افتراه؛ فبرأه اللَّه تعالى مما قالوا بقوله: (وما هو على الغيب بظنين)"، ونقل عنه هذا المعنى ابن عطية، والمعنى الآخر الذي ذكره: "قوله: "على الغيب" ولو كان المراد بالبخل لقال: بالغيب، لأنه يقال: فلان ضنين بكذا، وقلّ ما يقال: على كذا".
وقال أبو علي الفارسي: "معنى (بظنين) أي: بمتهم، وهو من ظننت بمعنى اتهمت، ولا يجوز أن تكون هي المتعدية إلى مفعولين، ألا ترى أنه لو كان منه لوجب أن يلزمه مفعول منصوب؟ لأن المفعول الأول كان يقوم مقام الفاعل إذا تعدى الفعل إلى المفعول الأول، فلا بد من ذكر الآخر، وفي أن لم يذكر الآخر دلالة على أنه ظننت التي معناها: اتهمت ".
وقال الألوسي: "ورجحت هذه القراءة عليه - أي القراءة بالظاء- بأنها أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له صلى الله تعالى عليه وسلم، ونفي التهمة أولى من نفي البخل وبأن التهمة تتعدى بعلى دون البخل فإنه لا يتعدى بها إلا باعتبار تضمينه معنى الحرص ونحوه".

الراجح:
أن كلا القراءتين متواترتين عن النبي، ومعناهما صحيح، فنأخذ بكليهما وتحمل كل واحدة على معناها ولا نرجح قراءة على أخرى، ولا يدخل ذلك في باب الاختلاف في التفسير، لأنهما آيتان اثنان وليست واحدة كما قال الدكتور مساعد الطيار، وعمل بذلك أكثر المفسرين، ورجحه الطاهر بن عاشور بقوله: " يريد بهذا الكلام أن ما رسم في المصحف ليس مخالفة من كتاب المصاحف للقراءات المتواترة أي أنهم يراعون اختلاف القراءات المتواترة فيكتبون بعض نسخ المصاحف على اعتبار اختلاف القراءات وهو الغالب. وههنا اشتبه الرسم فجاءت الظاء دقيقة الرأس، ولا أرى للاعتذار لأنه لما كانت القراءتان متواترتين عن النبي اعتمد كتاب المصاحف على إحداهما، وهي التي قرأ بها جمهور الصحابة وخاصة عثمان ابن عفان وأوكلوا القراءة الأخرى إلى حفظ القارئين".

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
تخريج الأثر:
رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم –مع اختلاف يسير في الألفاظ- كلهم من طريق داود قال: سألت أبا العالية، قال، قلت: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم"؟ قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم.
وإسناد ابن جرير -دون المتن- قال عنه الألباني صحيح لغيره، وحكم عليه بعض المحققين بأنه صحيح على شرط مسلم، كما أنه أخرج لداود بن أبي هند: أحمد في "مسنده" والنسائي في "سننه" وابن خزيمة في "صحيحه" وابن حبان في "صحيحه".
توجيه القول:
أن معنى الآية على هذا القول: "إن الذين كفروا": من أهل الكتاب بمحمد، "بعد إيمانهم": بأنبيائهم وإيمانهم به قبل مبعثه وإيمانهم بصفاته، وإقرارِهِمْ أنها في التَّوراة، "ثم ازدادوا كفرًا": يعني: بما أصَابوا من الذنوب في كفرهم ومُقامهم على ضلالتهم، "لن تقبل توبتهم": من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله، وَلَو كَانُوا على الْهدى قبلت تَوْبَتهمْ وَلَكنهُمْ على ضَلَالَة، لأنهم تَابُوا من الذُّنُوب وَلم يتوبوا من الأَصْل.
وقال أبو عبيد: جعل أبو العالية إصابة الذنوب زيادة في الكفر، كما أن أعمال البر زيادةٌ في الإيمان.
ويشهد لهذا القول من أهل اللغة أبو حيان بقوله: "وَازْدَادُوا افْتَعَلُوا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَانْتِصَابُ: كُفْرًا، عَلَى التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْفَاعِلِ، الْمَعْنَى: ثُمَّ ازْدَادَ كَفْرُهُمْ".
وقال أبو علي: ما ازدادوه من الكفر إنما هو بقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] فهذا زيادة في الكفر. ويدل على أنَّ المستهزئ باستهزائه كافر، فيزداد به كفرًا إلى كفره.
وهذا القول هو ترجيح ابن جرير، لمناسبتها للسياق وموافقته لظاهر القرآن، كما قال رحمه الله: "وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب، لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها، إذ كانت في سياق واحد"، وقال أيضا: "وتأويل القرآن على ما كان موجودًا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص - أولى من غيره، وإن أمكن توجيهه إلى غيره".
كما أنه وجه معنى (لن تقبل توبتهم) أي مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم. فالذي لا يَقبل منه التوبة: هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، أي لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله. فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ، لأن الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) [سورة الشورى: 25].

الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: عنى الله عز وجل بقوله: "إنّ الذين كفروا": ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، "بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا": بكفرهم بمحمد، "لن تقبل توبتهم": عند حُضور الموت وحَشرجته بنفسه، وهو قول قتادة والحسن، رواه ابن أبي حاتم، ورده ابن جرير لأن التوبة المقبولة لا تكون إلا في حال الحياة، فهي غير كائنة غير حضور الأجل حتى تحمل الآية عليها، لكن ابن عطية أشار إلى أن المعنى هنا لا توبة لهم فتقبل، فنفى القبول والمراد نفي التوبة، فقد يكون ذلك في قوم بأعيانهم، حتم الله عليهم بالكفر، أي ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر، كما أبو حيان أيضا.
وروى ابن أبي حاتم قولا آخر لقتادة معناه: "آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت" -يعني بالإنجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم-، "وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت" -وكفرهم به تركهم اياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام-.
القول الثالث: معنى ذلك: إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم "ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، حتى هلكوا وهم عليه مقيمون، "لن تقبل توبتهم"، لن تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم، لكفرهم الآخِر وموتهم، وهو قول عكرمة، ورده ابن جرير بأنه: "قول لا معنى له. لأن الله عز وجل لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر، ثم كُفْر بعد إيمان، بل إنما وصفهم بكفر بعد إيمان. فلم يتقدم ذلك الإيمانَ كفرٌ كان للإيمان لهم توبة منه".
القول الرابع: معنى قوله: "ثم ازدادوا كفرًا"، ماتوا كفارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى "لن تقبل توبتهم"، لن تقبل توبتهم عند موتهم، وهو قول ابن عباس والسدي ومجاهد، وهو مقارب للقول الثالث، وموافق للقول الثاني في معنى عدم قبول التوبة عند الموت، وأشار النحاس في معاني القرآن لاحتماله بقوله: "وهذا القول ليس يبعد في اللغة لأنهم إذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد".
القول الخامس: أنهم قوم ارتدوا ثم عزموا على إظهار التوبة على طريق التورية، فأطلع الله نبيهَّ وعلى سريرتهم، قيل أنه قول الكلبي، ونسبه البزار لابن عباس، وقَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْبَزَّار، ولذلك فهو قول ضعيف الإسناد، وقد ذكره ابن عطية احتمالا بقوله: "وتحتملُ الآية عنْدي أنْ تكونَ إشارةً إلى قومٍ بأعيانهم من المرتدِّين، وهم الذين أشار إلَيْهم بقوله سبحانه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً [آل عمران: 86]، فأخبر عنهم أنَّه لا تكونُ منهم توبَةٌ، فيتصوَّر قبولها فكأنه أخبر عن هؤلاء المعيَّنين أنهم يموتون كُفَّاراً".
الراجح:
أن الأصل حمل اللفظ على العموم، فالآية بعمومها تشمل كل من كفر بعد إيمان، فقد يدخل فيها أهل الكتاب والمرتدون كما أشار ابن عطية وأبو حيان، وأما المعنى من عدم قبول التوبة كما في القول الثاني والرابع: فهو معنى صحيح لتقييد الشرع بعدم قبولها عند حضور الموت كما في قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لم يُغَرْغِرْ".
لكن يقوي ترجيح القول الأول أن السياق والكلام موصول قبله في أهل الكتاب، كما اختار ابن جرير.

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
تخريج الأثر:
رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر كلهم من طريق سفيان الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قَالَ: «الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ».
إسناده صحيح، مداره على أبو بكير التيمي، واسمه "مرزوق" مَوْلَى الشَّعْبِيِّ. روى عن سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وروى عنه ليث بن أبي سليم، وإسرائيل، وسفيان الثوري، وشريك وعمر بن محمد، ذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب الثقات، وَقَال: أصله من الكوفة وسكن الري. وَقَال ابن طهمان عَنْ يحيى بْن مَعِين: مرزوق أبو بكر مؤذن التيم ثقة، وَقَال يعقوب بْن سفيان: حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، قال: حَدَّثَنَا سفيان عن مرزوق ولا بأس به، وَقَال ابن حجر في "التقريب": ثقة.
توجيه القول:
هو تفسير بالمثال، فالرفيق في السفر هو جارك إلى جانبك، وله حقان: حق الإسلام وحق الصحبة، ولهذا كان هذا القول اختيار الفراء والزجاج وابن قتيبة.
الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: انها امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه، وهو قول عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم.
القول الثالث: هو الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك، وهو قول ابن زيد وعكرمة وابن جريج، ورواية أخرى عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
الراجح:
أن الآية تشمل جميع الأقوال، كما نقل عن مقاتل بن سليمان أنه الرفيق فِي السّفر والحضر، فالمسلم مطالب بالإحسان إلى هؤلاء والرفق بهم سواء كان في السفر أو الحضر، وهو اختيار ابن جرير كما قال: "والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى: "الصاحب بالجنب"، الصاحب إلى الجنب، كما يقال: "فلان بجَنب فلان، وإلى جنبه"، وهو من قولهم: "جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا"، إذا كان لجنبه. ومن ذلك: "جَنَب الخيل"، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض. وقد يدخل في هذا: الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه. وقد أوصى الله تعالى بجميعهم، لوجوب حق الصاحب على المصحوب، ... فإذ كان "الصاحب بالجنب"، محتملا معناه ما ذكرناه: من أن يكون داخلا فيه كل من جَنَب رجلا بصحبةٍ في سفر، أو نكاح، أو انقطاع إليه واتصال به -ولم يكن الله جل ثناؤه خصّ بعضَهم مما احتمله ظاهر التنزيل- فالصواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه".
وقال ابن رجب الحنبلي: "فسرهُ طائفة منهم ابنُ عباسٍ بالرَّفيقِ في السفر، ولم يريدُوا إخراجَ الصاحبِ الملازِمِ في الحضرِ، إنما أرادُوا أن صحبةَ السفرِ تكفِي، فالصحبةُ الدائمةُ في الحضرِ أوْلى، ولهذا قالَ سعيدُ بنُ جبيرٍ: هو الرفيقُ الصالحُ، وقالَ زيدُ بنُ أسلمَ: هو جليسُك في الحضرِ، ورفيقُك في السفرِ، وقالَ ابنُ زيدٍ: هو الرَّجلُ يعتريكَ ويُلِمُّ بك لتنفعه، وفي "المسندِ" والترمذيِّ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، عن النبيِّ- صلى الله عليه وسلم - قال: "خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ خيرُهم لصاحبِهِ، وخيرُ الجيرانِ عند اللهِ خيرُهُم لجارِهِ". صححه الألباني وقواه شعيب الأرناؤوط.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: "وقد تتناول الآية الجميع بالعموم".

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج الأثر:
رواه ابن جرير من طريق القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس! قال مجاهد: فقلت يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
إسناده ضعيف.
القاسم بن الحسن: قال الذهبي في المغني: تكلم فِيه، وقال الذهبي في ديوان الضعفاء: متهم.
والحسين بن داود: هو الملقب بِسُنَيد، مختلف فيه، قال الذهبي صَدُوق صالح الحديث، وقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد لم يكن بِذَاك، وضعفه ابن أبي حاتم، وقد يسلم في روايته عن حجاج بن محمد.
وحجاج بن محمد المصيصي: ثقة، لكنه اختلط في آخر عمره.
وابن جريج: ثقة وإن كان يدلس كما في التقريب، مع الانقطاع بينه ومجاهد، كما قال ابن معين وغيره: لم يسمع من مجاهد، وَقَال أَبُو الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جُرَيْج" قال" فاحذره، وإذا قال: سمعت" أو "سألت" جاء بشيءٍ ليس في النفس منه شيء.
وعبد الله بن كثير: قال البخاري: عَبد اللَّهِ بْن كثير المكي القرشي، سمع مجاهدا سمع منه ابن جُرَيْج، وَقَال ابْن أَبي مريم عن ابْن مَعِين: عَبد اللَّهِ بن كثير الداري القارئ، ثقة، وَقَال الذهبي في "الميزان": "لا يعرف إلا من رواية ابن جُرَيْج عنه، وما رأيت أحدًا وثقه ففيه جهالة". ووثقه النسائي وابن المديني، وَقَال ابن حجر في "التقريب": صدوق.
توجيه القول:
أنه قول محتمل مع ضعف سنده، لكون الصلوات المكتوبة من أعظم العبادات، كما أن فيها أعظم الدعاء وهو سؤال الله الهداية.
الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: هي الصلاة، ولكن القوم لم يسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طردَ هؤلاء الضعفاء عن مجلسه، ولا تأخيرهم عن مجلسه، وإنما سألوه تأخيرهم عن الصفّ الأول، حتى يكونوا وراءهم في الصف، وهو رواية عن ابن عباس، رواه ابن جرير، وأخرج ابن أبي حاتم أنها نزلت في ستة من ضعفاء الصحابة.
وحكم ابن كثير على رواية ابن جرير بأنها حديث غريب، ورد هذا القول لأن الآية مكية والراوية التي فيها ذكر الأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر، وهو أيضا قول ابن تيمية في منهاج السنة أن الآية مكية والقصة في أهل الصفة وذلك إنما كان بالمدينة.
القول الثالث: أن معنى" دعائهم"، ذكرُهم الله تعالى ذكره، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن إبراهيم.
القول الرابع: تعلمهم القرآن وقراءته، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي جعفر.
القول الخامس: عنى بدعائهم ربّهم، عبادتهم إياه، رواه ابن جرير عن الضحاك، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وهو داخل في القول الأول.
الراجح:
أن الآية -والله أعلم- أعم من الصلاة فيدخل فيها كل الأقوال، وهو الظاهر، لأنهم يدعون الله ويعبدونه بأنواع العبادات من صلاة وغيرها، ولذلك جمع ابن أبي حاتم بين القول الثالث والرابع والخامس في وجه واحد لكون معانيهم متقاربة، وهذا واضح في قول ابن كثير: "أَيْ لَا تُبْعِدْ هَؤُلَاءِ الْمُتَّصِفِينَ بهذه الصفات عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كَقَوْلِهِ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"، وهو اختيار ابن جرير بقوله: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرُد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، و"الدعاء لله"، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلامًا = وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له. وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى "العبادة"، "دعاء"، فقال تعالى ذكره: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء. ولا قول أولى بذلك بالصحة، من وصف القوم بما وصفهم الله به: من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي، فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء"، ثم قال: "... ولا تطردهم ولا تُقْصِهم، فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرّب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناؤه، فإن الذين نهيتُك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألونه عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوّعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشي، يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنوّ من رضاه".

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
تخريج الأثر:
رواه ابن جرير وابن وهب والواحدي كلهم من طريق فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما “سوء الحساب"؟ قلت: لا! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء، وعزاه السيوطي لأبي الشيخ ولم أقف عليه.
كما رواه سعيد بن منصور -مع اختلاف الألفاظ- مرة موقوفا على فرقد، ومرة مبهما عن إبراهيم.
إسناده ضعيف، مداره على فرقد بن يعقوب السبخي، هو أبو يعقوب البصري، صدوق عابد، لكنه كان ضعيفا منكر الحديث، كثير الخطأ لأنه لم يكن صاحب حديث، وليس بثقة، كما في التقريب وتهذيب الكمال وميزان الاعتدال.
قال البخاري في الضعفاء الصغير: فرقد السبخي أَبُو يَعْقُوب عَن سعيد بن جُبَير فِي حَدِيثه مَنَاكِير، وقال النسائي في الضعفاء والمتروكون: فرقد السبخي ضَعِيف.
وروى العقيلي في الضعفاء عن سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ذُكِرَ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ عِنْدَ أَيُّوبَ فَقَالَ: فَرْقَدٌ لَمْ يَكُنْ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ، وعن حَمَّادٌ: وَسَأَلْتُ أَيُّوبَ عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وروى ابن أبي حاتم عن أبي طالب قال سألت أحمد بن حنبل عن فرقد السبخي فقال رجل صالح ليس هو بقوى الحديث لم يكن صاحب حديث.

توجيه القول:
هو قول وجيه لموافقته للسياق، لأن ما بعده {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، كما وجهه الزجاج بقوله: "لأن كفرهم أحبط أعمالهم".
كما أن (سوء الحساب) أي الحساب السيء: من إضافة الصفة للموصوف، فهذا يحتمل لمعنى القول أنه لا يغفر لهم شيئا من ذنوبهم.
الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: المناقشة في الأعمال، وهو قول أبي الجوزاء، ويدل عليه ما روي في حديث عائشة رَضِي الله عَنْهَا: من نوقش الحساب عذب، وفي هذا دليل على التوبيخ والتقريع عند الحساب.
القول الثالث: ألا يتجاوز لهم عن شيء، وهو قول ابن زيد، ونسب للحسن، ويدخل فيه قول القرطبي: ألا تُقبل لهم حسنة، ولا يُتجاوز لهم عن سيئة، وهو مقارب للقول الأول.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir