دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 06:35 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حكم تارك الصلاة

ومَن جَحَدَ وُجوبَها كَفَرَ، وكذا تَارِكُها تَهَاوُنًا ودَعاهُ إمامٌ أو نائبُه فأَصَرَّ وضاقَ وقتُ الثانيةِ عنها ولا يُقْتَلُ حتى يُسْتَتَابَ ثلاثًا فيهما.

  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 04:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 04:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ومَن جَحَدَ وُجُوبَهَا, كَفَرَ) إذا كانَ مِمَّن لا يَجْهَلُه, وإنْ فَعَلَهَا؛ لأنَّهُ مُكَذِّبٌ للَّهِ ورَسُولِه وإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وإنِ ادَّعَى الجَهْلَ؛ كحَدِيثِ الإِسْلامِ, عُرِّفَ وُجُوبَهَا, ولم يُحْكَمْ بكُفْرِه؛ لأنَّهُ مَعْذُورٌ، فإن أَصَرَّ, كفَرَ، (وكذا تَارِكُهَا تَهَاوُناً) أو كَسَلاً, لا جُحُوداً, (ودَعَاهُ إِمَامٌ أو نَائِبُه) لفِعْلِهَا, (فأَصَرَّ وضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ عَنْهَا)؛ أي: عن الثَّانِيَةِ؛ لحديثِ: ((أَوَّلُ ما تَفْقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الأَمَانَةُ، وآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلاةُ)).
قالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُه لم يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، فإِنْ لمْ يُدْعَ لفِعْلِهَا, لم يُحْكَمْ بكُفْرِه؛ لاحتِمَالِ أنَّهُ تَرَكَهَا لعُذْرٍ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهَا لمِثْلِه.
(ولا يُقْتَلُ حتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثاً فِيهِمَا)؛ أي: فيما إذا جَحَدَ وُجُوبَهَا, وفِيمَا إذا تَرَكَهَا تهاوناً, فإنْ تَابَا وإلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُمَا. والجُمُعَةُ كغَيْرِهَا، وكذا رُكْنٌ أو شَرْطٌ، ويَنْبَغِي الإشَاعَةُ عَن تَارِكِهَا بتَرْكِهَا حتَّى يُصَلِّيَ، ولا يَنْبَغِي السَّلامُ علَيْهِ ولا إِجَابَةُ دَعْوَتِه، قالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ويَصِيرُ مُسْلِماً بالصَّلاةِ, ولا يَكْفُرُ بتَرْكِ غَيْرِهَا مِن زَكَاةٍ وصَوْمٍ وحَجٍّ تَهَاوُناً وبُخْلاً.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 01:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ومن جحد وجوبها كفر) إذا كان ممن لا يجهله، وإن فعلها([1]) لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة([2]) وإن ادعى الجهل كحديث عهد بالإسلام([3]) عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور([4]).
فإن أصر كفر([5]) (وكذا تاركها تهاونا) أو كسلا([6]) لا جحودا([7]) (ودعاه إمام أو نائبه) لفعلها (فأصر([8]) وضاق وقت الثانية عنها) أي عن الثانية([9]) لحديث «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة»([10]).
قال أحمد: كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء([11]) فإن لم يدع لفعلها لم يحكم بكفره([12]) لاحتمال أنه تركها لعذر يعتقد سقوطها لمثله([13]).
(ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا([14]) فيهما) أي فيما إذا جحد وجوبها، وفيما إذا تركها تهاونا([15]).
فإن تابا وإلا ضربت عنقهما([16]) والجمعة كغيرها([17]) وكذا ترك ركن أو شرط([18]) وينبغي الإشاعة عن تاركها بتركها حتى يصلي([19]).
ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته، قال الشيخ تقي الدين([20]) ويصير مسلما بالصلاة([21]) ولا يكفر بترك غيرها من زكاة وصوم وحج تهاونا وبخلا([22]).



([1]) أي ومن جحد وجوب صلاة من الخمس، صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين حكاه الموفق وغيره، ويجب قتله ردة، إذا كان ممن لا يجهله، كمن نشأ بين المسلمين في الأمصار، لظهور وجوب الصلاة، وإن فعلها لم ينفعه مع جحود الوجوب، وقال شيخ الإسلام، فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن المقر بوجوب الصلاة ودعي إليها ثلاثا فامتنع مع تهديده بالقتل فقتل هل يموت كافرا أو فاسقا؟ على قولين؟ وهذا الفرض باطل ممتنع، ولا يقوله أحد قط، وقال في الإنصاف، العقل يشهد بما قاله ويقطع به، وهو عين الصواب الذي لا شك فيه، وأنه لا يقتل إلا كافرا اهـ والجحد الإنكار ضد الإقرار، ولا يكون الجحود إلا مع علم، والفرق بين الجحد والإنكار أن الجحد أخص، لأنه إنكار الشيء الظاهر،والإنكار لشيء خفي،ويجوز أن يقال: الجحد إنكار الشيء مع العلم به.
([2]) قال في المبدع وغيره: ويكون مرتدا بغير خلاف نعلمه.
([3]) أي قريب علمه وحاله به، أو من نشأ ببادية بعيدة عن المسلمين، بحيث أنه يمكن أن يخفى عليه وجوبها والجهل خلاف العلم، والجهل جهلان جهل بسيط وجهل مركب، فالبسيط هو عدم العلم عما من شأنه العلم، والمركب هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.
([4]) فإن قال: أنسيتها قيل له: صل الآن، وإن قال: أعجز لعذر كمرض أو عجز عن أركانها، أعلم أنه لايسقطها، ويصلي على حسب حاله.
([5]) بإجماع المسلمين كأن يقول: تعمدت تركها ولا أريد فعلها.
([6]) أي تثاقلا من غير استحقار، فإن كان فهو التهاون ويكفر فإن ترك الصلاة كسلا من غير جحود لها كفر مستقل، وهو الصواب الذي تدل عليه السنة، وهو قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين، وقال أيوب السختياني، ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه، وحكى إسحاق إجماع أهل العلم عليه.
([7]) فإن من جحد فرضا مجمعا عليه كفر ولو فعله وتقدم.
([8]) يعني على الترك كفر، وأصر على الشيء أقام عليه وداوم.
([9]) بأن يدعى إلى الظهر مثلا فيأبى حتى يتضايق وقت العصر عنها فيقتل كفرا، وفاقا لمالك والشافعي.
([10]) رواه الطبراني عن شداد بن أوس، ولحديث جابر «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة»، رواه مسلم وحديث بريدة «من تركها فقد كفر»، صححه الترمذي، وقال عبد الله بن شقيق، لم يكونوا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة وقال إسحاق صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وقال ابن القيم: تارك الصلاة قد شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة اهـ وعن أحمد: إذا أبى حتى تضايق وقت الأولى، اختاره صاحب المحرر وغيره، واستظهره في الفروع، وهو مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء، وظاهر إطلاق النصوص، بل الأدلة طافحة بذلك، والتقييد بالزيادة لا دليل عليه.
([11]) وقال: كل شيء ذهب آخره فقد ذهب جميعه، فتمسكوا رحمكم الله بآخر دينكم، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه، وليعلم المتهاون في صلاته أنه أذهب دينه فعظموا الصلاة وتمسكوا بها، واتقوا الله فيها خاصة، وفي أعمالكم عامة.
([12]) وقضاها فيما بعد، أو كان في نفسه قضاها، قال الزركشي: لا نزاع في عدم تكفيره وقتله.
([13]) أي العذر كمرض ونحوه، واللام بمعنى عن، ويهدد فيقال له: إن صليت وإلا قتلناك فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله، لقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}وقوله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى» إلى قوله: «ويقيموا الصلاة» متفق عليه، قال الشيخ: وإذا تركها عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه.
([14]) أي حتى تطلب منه التوبة ثلاثة أيام بلياليها، كمرتد نصا، ويضيق عليه، ويدعى كل وقت إليها، وتوبته أن يصلي، بخلاف جاحدها فتوبته بإقراره بما جحده.
([15]) لكن التارك جحودا لا بد فيه من الإقرار بالوجوب، فإن أجاب إلى فعل الصلاة ترك وأمر بها فإن قال: أصلي في منزلي وصدق وكل إلى أمانته، ولم يجبر على فعلها بمشهد من الناس صرح به في الأحكام السلطانية وقال ابن رجب ظاهر كلام أحمد وغيره من الأئمة الذين يرون كفر تارك الصلاةأن من تركها كفر بخروج الوقت عليه، ولم يعتبروا أن يستتاب، ولا أن يدعى إليها، وعليه يدل كلام المتقدمين من أصحابنا، لقوله:« بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» وقوله: «فمن تركها فقد كفر».
([16]) أي فإن تابا بفعلها زمن الاستتابة خلي سبيلهما وإن لم يتوبا ضربت أعناقهما بالسيف، لكفرهما وكونه بالسيف لقوله: «وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، رواه مسلم، ومتى رجع إلى الإسلام قضي ما تركه مدة الاستتابة ولعله مرادهم
([17]) بل آكد، للأخبار الواردة فيها.
([18]) أي وكترك الصلاة ترك ركن أو شرط مجمع عليه، لا مختلف فيه يعتقد وجوبه وهو ظاهر كلامهم، واختاره الشيخ: ولا يقتل بترك فائتة، ولا كفارة ونذر للاختلاف في وجوبها وقال الوزير في قول حذيفة وقد رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا يغلظ له لفظ الإنكار، وفيه إشارة إلى تكفير تارك الصلاة، وإلى تغليظ الأمر في الصلاة، حتى أن من أساء في صلاته ولا يتم ركوعها ولا سجودها، فإن حكمه حكم تاركها اهـ، وحيث كفر فإنه يقتل ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرق، ولا يسبى له أهل ولا مال ولا ولد.
([19]) أي ينبغي الإذاعة والإشهار والإظهار بذلك عنه زجرا له ولغيره.
([20]) رحمه الله تعالى في مواضع وذلك فيما إذا كان هجره أنفع له، كما هو معلوم من قواعده، وقال: يعفى عن النائم والناسي إن كان محافظا على الصلاة حال اليقظة والذكر وأما من لم يكن محافظا عوقب على الترك مطلقا.
([21]) قال الشيخ الأصوب أنه يصير مسلما بالصلاة من غير إعادة الشهادتين وعن أحمد: توبته أن يصلي، وصوبه الشيخ، لأن كفره بالامتناع كإبليس، والمحافظة عليها أقرب إلى الرحمة ممن لا يصليها ولو فعل ما فعل.
([22]) وفاقا، وتقدم قول عبد الله بن شقيق، لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.


  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:16 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

ومَنْ جَحَدَ وُجُوبَها كَفَرَ،...........
قوله: «وَمَنْ جَحَدَ وجُوبها كَفَرَ» ، أي: وجوبَ الصَّلاة المُجمع على وجوبها وهي: الصلوات الخمس والجُمُعة فهو كافر؛ لأنَّه مكذِّبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين القطعيِّ، وحتى لو جَحَدَ وجوبها وصلَّى، وكذا لو جَحَدَ وجوبَ بعضها، وكذا لو جَحَدَ وجوبَ ركعة واحدة، فإنَّه يكفر.
وكذا لو جَحَدَ وجوبَ رُكْنٍ واحد فقط، كفر إذا كان مُجمَعاً عليه. واستثنى العلماءُ من ذلك: ما إذا كان حديثَ عهدٍ بكفر وجَحَدَ وجوبها، فإنَّه لا يكفر، لكن يُبيَّنُ له الحق، فإذا عُرض له الحقُّ على وجهٍ بَيِّنٍ ثُمَّ جَحَدَ كفر. وهذه المسألة التي استثناها العلماء تُبَيِّنُ أنَّه لا فرق بين الأمور القطعيَّة في الدِّين وبين الأمور الظنِّيَّة في أنَّ الإنسان يُعْذَر بالجهل فيها، وهذه المسألة ـ أعني العذر بالجهل ـ مهمَّةٌ تحتاج إلى تثبُّتٍ حتى لا نُكفِّر من لم يَدُلَّ الدَّليل على كفره.

وَكَذَ تَارِكُهَا تَهَاوُناً وَدَعَاهُ إِمامٌ أو نَائِبُهُ فَأَصَرَّ وَضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ عَنْهَا،.........
قوله: «وكذا تاركُها تهاوناً، ودَعَاهُ إمامٌ أو نائبُه فأَصرَّ وضَاقَ وَقْتُ الثَّانية عنها» ، فَصَلَ هذه المسألة عن الأولى بقوله: «وكذا»، لأنَّ هذه لها شروط، فإذا تركها تهاوناً وكسلاً مع إقراره بفرضيتها، فإنَّه كافرٌ كفراً أكبرَ مخرجاً عن المِلَّة ولكن بشرطين:
الأول: ذكره بقوله: «ودَعَاهُ إمامٌ أو نائبُه»، أي: إلى فعلها. والمراد بالإمام هنا: مَنْ له السُّلطة العُليا في البلد.
والثاني: ذكره بقوله: «وضاقَ وقتُ الثَّانية عنها» فإنَّه يكفرُ. وعليه؛ فإذا ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها، فإنَّه لا يكفر، وظاهره أنَّه سواءٌ كانت تُجمع إلى الثانية أو لا تُجمع، وعلى هذا؛ فمذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه أنَّه لا يمكن أن يُحْكَمَ بكفر أحد تركَ الصَّلاةَ إذا لم يَدْعُهُ الإمامُ؛ لأننا لم نتحقَّق أنه تركها كسلاً؛ إذ قد يكون معذوراً، بما يعتقده عذراً وليس بعذرٍ، لكن إذا دعاه الإمام وأصرَّ علمنا أنه ليس معذوراً.
وأما اشتراطُ ضِيْقِ وقت الثانية؛ فلأنَّه قد يظنُّ جوازَ الجمع من غير عذرٍ. فلاحتمال هذا الظَّنِّ لا نحكم بكفره.
ولكن القول الصَّحيح ـ بلا شكٍّ ـ ما ذهب إليه بعض الأصحاب من أنه لا تُشترط دعوةُ الإمام؛ لظاهر الأدلَّة، وعدم الدَّليل على اشتراطها.
وأيضاً: هل نقول في المسائل التي يُكفَّر بها: إنَّه لا يُكفَّر إلاَّ إذا دعاه الإمام؟ لأنَّ احتمالَ العُذر فيها كاحتمال العُذر في تارك الصَّلاة تهاوناً وكسلاً، فإما أن نقول بذلك في الجميع؛ أو نترك هذا الشرط في الجميع؛ لعدم الدَّليل على الفرق.
وقال بعض العلماء: يكفرُ بترك فريضةٍ واحدة، ومنهم من قال: بفريضتين ، ومنهم من قال: بترك فريضتين إن كانت الثَّانية تُجمع إلى الأولى . وعليه؛ فإذا ترك الفجر فإنَّه يكفر بخروج وقتها، وإن ترك الظُّهر، فإنَّه يكفر بخروج وقت صلاة العصر.
والذي يظهر من الأدلَّة: أنَّه لا يكفر إلا بترك الصَّلاة دائماً؛ بمعنى أنَّه وطَّنَ نفسَه على ترك الصَّلاة؛ فلا يُصلِّي ظُهراً، ولا عَصراً، ولا مَغرباً، ولا عِشاء، ولا فَجراً، فهذا هو الذي يكفر.
فإن كان يُصلِّي فرضاً أو فرضين فإنَّه لا يكفر؛ لأنَّ هذا لا يَصْدُقُ عليه أنه ترك الصَّلاة؛ وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرَّجُلِ وبين الشِّركِ والكفرِ تَرْكُ الصَّلاة»، ولم يقل: «تَرَكَ صلاةً». وأما ما رُوي عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «مَنْ تَركَ صلاةً مكتوبةً متعمِّداً فقد بَرئت منه الذِّمَّةُ»، ففي صحَّته نظر. ولأنَّ الأصلَ بقاءُ الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين؛ لأنَّ ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين، فأصل هذا الرَّجُل المُعَيَّن أنَّه مسلمٌ؛ فلا نخرجه من الإسلام المتيقَّن إلا بدليل يخرجه إلى الكفر بيقين.
وقال بعض العلماء: لا يكفر تاركها كسلا.
وقول الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً هو القول الرَّاجح، والأدلة تدلُّ عليه من كتاب الله وسُنَّةِ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأقوال السَّلف، والنَّظر الصحيح.
أمَّا الكتاب: فقوله تعالى في المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] ، فاشترط الله لثبوت الأُخُوَّة في الدِّين ثلاثةَ شروط:
الأولُ: التوبة من الشِّرك، والثَّاني: إقامة الصَّلاة، والثالث: إيتاء الزَّكاة.
فالآية تدلُّ على أنَّه لا يكون أخاً لنا في الدِّين إذا لم يُصَلِّ ولم يُزكِّ، وإن تاب من الشِّرك. والأُخُوَّة في الدِّين لا تنتفي بالمعاصي وإن عَظُمَتْ، كما في آية القصاص حيث قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ} [البقرة: 178] ، فجعلَ المقتولَ أخاً للقاتل عمداً، وكما في اقتتال الطَّائفتين من المؤمنين حيثُ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] ، فلم تنتفِ الأُخوة الإيمانية مع الاقتتال؛ وهو من كبائر الذُّنوب.
أمَّا مانعُ الزَّكاة فمن العلماء من التزم بذلك وقال بأنَّه كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يمنع هذا القول ما ثبت في «صحيح مسلم» فيمن آتاه الله مالاً من الذَّهب والفضَّة ولم يُؤدِّ زكاتَه «أنه يرى سبيله إما إلى الجَنَّة وإما إلى النَّار» ، وهذا يَدلُّ على أنه ليس بكافر؛ إذ لو كان كذلك لم يجد سبيلاً إلى الجنَّة.
وأما السُّنَّة: فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرَّجُل وبين الشِّرك والكفر تركُ الصَّلاة»، وقال: «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر». والبَيْنيَّةُ تقتضي التَّمييز بين الشيئين، فهذا في حَدٍّ، وهذا في حَدٍّ.
وقوله في الحديث: «الكفر»، أتَى بأل الدالة على الحقيقة، وأنَّ هذا كفرٌ حقيقي وليس كفراً دون كُفر، وقد نَبَّه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم»، فلم يقل صلّى الله عليه وسلّم: «كفر»، كما قال: «اثْنَتَان في النَّاس هُمَا بهم كُفْرٌ: الطَّعن في النَّسب، والنِّياحة على الميِّت»، وإنما قال: «بين الرَّجُل والشِّرك والكفر»، يريد بذلك الكفر المطلق وهو المُخْرج عن المِلَّة.
وأما أقوال الصَّحابة: فإنها كثيرة، رُويت عن سِتَّة عشر صحابياً، منهم عمر بن الخطاب. ونقل عبد الله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عموماً القول بتكفير تارك الصلاة، فقال: «كان أصحابُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لا يَرَونَ شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»، ولهذا حَكى الإجماعَ إِسحاقُ بن راهويه الإمام المشهور فقال: ما زال الناس من عهد الصحابة يقولون: إن تاركَ الصَّلاة كافر.
وأما النَّظَر: فإنه يُقال: إنَّ كلَّ إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذَرَّة من إيمان لا يمكن أن يُدَاوِمَ على ترك الصَّلاة، وهو يعلَم عِظَمَ شأنها، وأنَّها فُرضت في أعلى مكان وصل إليه البشر، وكان فرضها خمسين صلاة لكنها خُفِّفَت، ولا بُدَّ فيها من طهارة بدون خلاف، ولا بُدَّ للإنسان أن يتَّخذ فيها زينة، فكيف يشهد أنْ لا إله إلا الله، ويُحافظ على ترك الصَّلاة؟ إنَّ شهادةً كهذه تستلزم أن يعبده في أعظم العبادات، فلا بُدَّ من تصديق القول بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعله، بل هو كاذب عندنا، ولماذا نكفِّره في النّصوص التي جاءت بتكفيره مع أنه يقول: لا إله إلا الله، ولا نكفره بترك الصَّلاة مع أنَّ النصوصَ صريحةٌ في كفره؟ ما هذا إلا تناقض.
ولا يمكن أنْ نحمل نصوصَ التَّكفير على مَنْ تركها جاحداً، فإن الإنسانَ لو صَلّى الصّلاة كاملة؛ وهو جاحدٌ لوجوبها فإنَّه كافر، ولهذا لما قيل للإمام أحمد في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا...} [النساء: 93] الآية: إنَّ هذا فيمن استحلَّ قتل المسلم؛ قال: سبحان الله! من استحلَّ قتل المسلم فهو في النَّار، سواء قتله أم لم يقتله.
وهذا مثله، وأنت إذا حملتَ الحديثَ على هذا فقد حَرَّفته من وجهين:
أولاً: حملتَ دلالته على غير ظاهره؛ لأن الحديث معلَّق بالتَّرك لا بالجحود.
ثانياً: أبطلتَ دلالته فيما دَلَّ عليه، وهو التَّرك؛ حيث حملته على الجحود.
وهذا من باب الاعتقاد ثم الاستدلال، والذي يحكم بالكفر والإسلام هو اللَّهُ عزّ وجل.
بقي أن يُقال: هناك أحاديث تُعارض الأحاديثَ الدَّالة على الكفر؟ فنقول: أولاً يجب أن نعرف ما معنى المعارضة قبل أن نقول بها، ولهذا نقول: حَقِّقْ قبل أن تُنَمِّقَ، هل جاء حديث أو آية تقول: مَنْ ترك الصَّلاة فليس بكافر أو نحوه؟ لو جاءت على مثل هذا الوجه قلنا: هذه معارضة، ولكن ذلك لم يكن، فالنُّصوص التي عارضوا بها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة، مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] ، فإن قوله: {مَا دُونَ ذَلِكَ} يدخل فيه تَرْكُ الصَّلاة؛ فيكون داخلاً تحت المشيئة، وما كان كذلك لم يكن كفراً.
فيجاب: بأن معنى قوله: {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما هو أقلُّ من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أنَّ من كذَّبَ بما أخبر الله به ورسولُه فهو كافر كفراً لا يُغفر، وليس ذَنْبُه من الشِّرك. ولو سلَّمنا أن معنى: {مَا دُونَ ذَلِكَ} ما سوى ذلك؛ لكان هذا من باب العام المخصوص بالنُّصوص الدَّالَّة على الكفر بما سوى الشِّرك، والكفر المُخرج عن المِلَّة من الذنب الذي لا يُغفر، وإن لم يكن شركاً.
ومن هذا القسم: ما يكون مشتبهاً لاحتمال دلالته، فيجب حمله على الاحتمال الموافق للنصوص المحكمة، كحديث عُبادة بن الصَّامت: «خمسُ صلوات؛ افترضهُنَّ اللَّهُ تعالى، مَنْ أحسن وضوءَهُنَّ، وصَلاَّهُنَّ لوقتهنَّ؛ وأتمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ، كان له على الله عهدٌ أن يغفرَ له، ومَنْ لم يفعلْ؛ فليس له على الله عهدٌ، إن شاء غَفرَ له، وإن شاء عَذَّبه» ، فإنه يحتَمِلُ أن يكون المراد به: من لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ على هذا الوصف، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بهنَّ كلِّهنَّ؛ بل كان يُصلّي بعضاً ويترك بعضاً.
ويحتمل أن يكون: لم يأتِ بواحدةٍ منهنّ، بل كان يَتركهُنَّ كلَّهنَّ.
وإذا كان الحديث محتملاً لهذه المعاني كان من المتشابه، فيُحمل على الاحتمال الموافق للنُّصوص المحكمة.
القسم الثاني: عامٌ مخصوص بالأحاديث الدَّالة على كفر تارك الصلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ بن جبل: «ما من عبدٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً عبده ورسوله؛ إلا حَرَّمه اللَّهُ على النَّار».وهذا أحدُ ألفاظه، وورد نحوه من حديث أبي هريرةوعُبادة بن الصامتوعِتْبَان بن مالكرضي الله عنهم.
القسم الثالث: عامٌ مقيَّد بما لا يمكن معه ترك الصَّلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ: «ما من أحدٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً رسول الله ـ صِدْقاً من قلبه ـ إلا حَرَّمه الله على النَّار» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عِتْبَان بن مالك: «فإن الله حَرَّم على النَّار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وَجْهَ الله» ، رواه البخاري.
فتقييدُ الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصَّلاة، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويُخْلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصَّلاة ولا بُدّ، فإن الصَّلاة عَمُود الإسلام، وهي الصِّلة بين العبد وربِّه، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجه الله، فلا بُدَّ أن يفعل ما يوصله إلى ذلك، ويتجنَّبَ ما يحول بينه وبينه.
وكذلك من شهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً رسول الله صِدْقاً من قلبه؛ فلا بُدَّ أن يحمله ذلك الصِّدق على أداء الصَّلاة مخلصاً بها لله تعالى متَّبعاً فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن ذلك من مستلزمات تلك الشَّهادة الصَّادقة.
القسم الرابع: ما ورد مقيَّداً بحال يُعذر فيها بترك الصلاة، كالحديث الذي رواه ابنُ ماجه عن حُذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوب» الحديث، وفيه: «وتبقى طوائفُ من النَّاس: الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمةِ: لا إله إلا الله، فنحن نقولُها». فقال له صِلَة: ما تُغْني عنهم: لا إله إلا الله؛ وهم لا يَدْرون ما صلاة؛ ولا صيام؛ ولا نُسُكٌ؛ ولا صَدَقَةٌ. فأعرض عنه حُذيفة، ثم ردَّها عليه ثلاثاً. كُلُّ ذلك يُعْرِضُ عنه حُذيفة، ثم أقبل عليه في الثَّالثة، فقال: يا صِلَةُ، تُنْجِيهم من النَّار. ثلاثاً . فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمةُ من النَّار كانوا معذورين بترك شَرائعِ الإسلام؛ لأنهم لا يَدْرون عنها، فما قَامُوا به هو غايةُ ما يقدرون عليه، وحالهم تُشبه حالَ مَنْ ماتوا قبل فرض الشَّرائع، أو قبل أن يتمكَّنُوا من فعلها، كمن مات عُقيب شهادته قبل أن يتمكَّنَ من فعل الشَّرائع، أو أسلم في دار الكفر قبل أن يتمكَّنَ من العلم بالشرائع.
القسم الخامس: أحاديث ضعيفة لا تقاوم أدلَّة كفر تارك الصَّلاة.
والحاصل: أن ما استدلَّ به مَنْ لا يرى كُفْر تارك الصَّلاة لا يقاوم ما استدلَّ به من يرى كفره؛ لأنَّ ما استدلَّ به أولئك: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون مقيَّداً بوصفٍ لا يتأتَّى معه ترك الصَّلاة، أو مقيَّداً بحال يُعذر فيها بترك الصَّلاة، أو عاماً مخصوصاً بأدلَّة تكفيره أو ضعيفاً لا يقاوم الأدلَّة الدَّالة على كفره.
فإذا تَبيَّن كفره بالدَّليل القائمِ السالمِ عن المُعارض المقاوم؛ وجَبَ أن تترتَّبَ أحكام الكُفْر والرِّدَّة عليه؛ ضرورة أن الحكم يدور مع عِلَّته وجوداً وعدماً.
والقولُ بعدم تكفير تارك الصَّلاة يُؤدي إلى تركها والتَّهاونِ بها؛ لأنَّك لو قلت للنَّاس على ما فيهم من ضعف الإيمان: إنَّ ترك الصَّلاة ليس بكُفْر، تركوها. والذي لا يُصلِّي لا يغتسل من الجنابة، ولا يستنجي إذا بال، فيُصبح الإنسان على هذا بهيمة، ليس همُّه إلا أكلٌ وشربٌ وجِمَاعٌ فقط، والدليل على كفره قائم؛ وهو سالم عن المُعارض القائم المقاوم تماماً ولله الحمد.
ولنا في ذلك رسالة مستقلَّة؛ أوسع من هذا البحث؛ فليُراجعها من أحبَّ؛ لأهميَّةِ الموضوع.

وَلاَ يُقْتَلُ حتى يُستتاب ثَلاَثاً فِيهِما.
قوله: «وَلاَ يُقْتَلُ حتى يُستتاب ثَلاثاً فِيهِما» ، أي: لا يقتل من جَحَد وجوب الصَّلاة أو تركها تهاوناً وكسلاً «حتى يُستتاب»، أي: يستتيبه الإمام أو نائبه ثلاثة أيام، فيقول له: تُبْ إلى الله وصَلِّ وإلا قتلناك.
وهذه المسألة، فيها خلافٌ بين أهل العلم، وعن الإمام أحمد روايتان، هل يُستتابُ كلُّ مرتد أم لا؟ والمذهب: أن المرتدين قسمان
قسم لا تقبل توبتهم، فهؤلاء لا يُستتابون لعدم الفائدة وهم: من سَبَّ الله، أو رسوله، أو تكرَّرت رِدَّتُه، فإن هذا يُقتل حتى لو تاب. والصَّحيح: أنَّه تُقبل توبتهم؛ لعموم الأدلة الدَّالة على قَبُول الله تعالى التَّوبة من كلِّ ذنب؛ بل في خُصوص المستهزئين بالله وآياته ورسوله كما قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *} [الزمر] ، وقال في المستهزئين: {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة: 66] . لكن من سَبَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قُتِلَ وجوباً وإِنْ تابَ؛ لأنه حَقُّ آدميٍّ فلا بُدَّ من الثَّأر له صلّى الله عليه وسلّم.
والقسم الثاني من المرتدين تُقبل توبتهم، وفي استتابتهم روايتان
الرِّواية الأولى: لا يُستتابون بل يقتلون؛ لأن النصوص الواردة عامَّة، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ بدّلَ دينه فاقتلوه» ، ولم يقل: «فاستتيبوه».
والرِّواية الثانية: أنهم يُستتابون ثلاثة أيَّام، واستدلُّوا بأثرٍ عن عمر رضي الله عنه أنه ذُكر له رجلٌ ارتدَّ فقُتِلَ، فقال لهم: «فهلاّ حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كلَّ يومٍ رغيفاً، واستتبتُموه لَعَلَّه يتوب ويُراجع أمر الله، اللهم إنِّي لم أحضرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذ بلغني».
وهناك قول ثالث: أنَّ هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم، وهذا لا يُنافي ما قاله عمر، ولا يُخالف الأدلَّة، وهذا القول هو الصَّحيح.


  #6  
قديم 15 رجب 1432هـ/16-06-2011م, 09:01 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

قال المؤلف رحمه الله : ( من جحد بها كفر )
من جحد بالصلاة كفر وإن فعلها – إجماعاً – فمن جحد وجوبها وقال : هي ليست بواجبة وإنما هي نفل أو نحو ذلك فهو كافر ، لأنه منكر لما ثبت بالتواتر من دين الله تعالى مما ثبت في الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة ، وأن الصلاة فريضة على عباد الله فمن أنكر ذلك وجحده فهو كافر لإنكاره ما أثبته الله ورسوله مما علم ضرورة من الدين .
إلا إذا كان يمكن أن يخفى عليه مثل ذلك كأن يكون حديث عهد بإسلام أو ناشئاً ببادية بعيدة عن الإسلام فإنه لا يكفر حتى يعرف .
إذن : جاحد فريضة الصلاة كافر بالإجماع فمن أنكر وجوب الصلاة فقد كفر وإن صلى .
قال : ( وكذا تاركها تهاوناً )
فمن ترك الصلاة كسلاً تهاوناً فهو كافر أيضاً - وهذا هو مذهب الحنابلة – خلافاً لمذهب المالكية والأحناف والشافعية فإنهم قالوا : إن تارك الصلاة غير الجاحد لوجوبها لا يكفر وإن تركها مطلقاً .
واستدل الحنابلة – وهو مذهب جمهور السلف ، وممن ذهب إليه إسحاق وابن المبارك - :
1- بقول الله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين }فدل ذلك على أنهم إن لم يفعلوا ذلك فليسوا بإخوان لنا في الدين ، والأخوة الدينية لا تنفى إلا مع الكفر بدليل أن الله تعالى أثبتها مع قتل النفس قال تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف }
فإن قيل فلم لا تكفرون تارك الزكاة ؟
فالجواب :
أ- عن الإمام أحمد رواية أخرى بتكفير تارك الزكاة .
ب- والمشهور في المذهب : أنه لا يكفر – وهذا هو الراجح – فعلى هذا ما الجواب ؟
الجواب أن يقال : إن أدلة أخرى دلت على استثناء غير المؤدي للزكاة من نفي الأخوة ، من قوله صلى الله عليه وسلم : (( ثم يرى مقعده إن شاء في الجنة وإن شاء في النار )) فهذا يدل على أن تارك الزكاة لا يكفر .
إذن : هذه الآية تدل – سوى تارك الزكاة فإن الدليل الشرعي قد دل على استثنائه وسوى ذلك - فإنه يكفر ، { فإن تابوا } من الكفر والشرك { وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } .
2- واستدلوا بما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة فاصلاً بين الإيمان والكفر ، وذكر الكفر معرفاً بأل الاستغراقية التي تفيد أن هذا مستغرق في الكفر ، فدل على أنه هو الكفر الأكبر .
وهذا هو الأصل في إطلاق لفظة الكفر وأنها الكفر الأكبر إلا أن يأتي دليل يدل على أن المراد بها الكفر الأصغر .
3- واستدل كــذلك بنحوه : بما ثبت عند أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) .
4- واستدلوا : بإجماع الصحابة ، فقد ثبت في سنن الترمذي بإسناد جيد عن عبد الله بن شقيق قال : ( ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة )
قالوا : والصحابة أعلم من أن لا يروا أن هناك شيئاً من الأعمال تركه كفر أصغر ، فإن الشريعة قد دلت على أن هناك من الأعمال ما هو شرك أصغر فرواه لنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالحلف بغير الله وكيسير الرياء ، وكالنياحة ، وكالفخر بالأحساب والطعن في الأنساب ونحو ذلك ، فإنها من الأعمال التي فعلها كفر أصغر ، وهنا قال الراوي " ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة " فلما كانوا يرون أن هناك شيئاً من الأعمال تركه كفر أصغر دل على أن مراده بالكفر هنا ، الكفر الأكبر .
لذا ذكر ابن حزم أن الصحابة قد أجمعوا على كفر تارك الصلاة .
-وظاهر كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة كما قال ابن رجب : " ظاهر كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة الذين يرون كفر تارك الصلاة أنه يكفر بخروج وقتها " .
-واختار شيخ الإسلام أنه لا يكفر إلا إذا كان تاركاً مطلقاً للصلاة ، أما إذا كان يصلي تارة ويدع تارة كما يقع لكثير من المسلمين فإنه لا يكفر بذلك ، واختار هذا الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب . وسيأتي الدليل الدال على ذلك .
-وأما الأحناف والشافعية والمالكية فاستدلوا :
1- بما ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك وليسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية ، ويبقى أناس فيهم الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آبائنا يقولون " لا إله إلا الله " فنحن نقولها )) قال صلة بن زفر - وهو الراوي عن حذيفة – " وهل تغنيهم هذه الكلمة وهم لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا صدقة ولا نسك ؟ فأعرض عنه حذيفة فسأله ثلاثاً وهو يعرض عنه ثم قال : تنجيهم من النار – ثلاثاً - " .
قالوا : فهذا يدل على أنهم ليسوا بكفار إذ لو كانوا كفاراً لما قال حذيفة : " تنجيهم من النار " وهذا الاستدلال ضعيف من جهتين :
*- الأولى : أن هؤلاء لهم حكم خاص ، فإنهم لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا صدقة ولا نسك لارتفاع الشرائع فقد سري بكتاب الله ولم يبق من شريعة الله في الأرض إلا " شهادة أن لا إله إلا الله " فهم جهال بترك الصلاة ونحوها ، وهم معذورون بذلك لذا قال : " تنجيهم من النار " .
وقد تقدم أن الجاحد لوجوبها والتارك لها إذا كان يمكن أن يجهلها فإنه لا يكفر ، وهؤلاء قد عاشوا حياة قد ظهر فيها الجهل إلى الغاية ، حيث لم يبق في الأرض كتاب ولا سنة فهم أولى بهذا الحكم من غيرهم .
*- الثاني : أن هذا قول حذيفة .
فلو سُلِّم أن مراده أن هؤلاء ينجيهم من النار قول لا إله إلا الله مع تركهم للصلاة وهم عالمون بذلك كما يريد المستدل بهذا الحديث فإن هذه غايته أنه قول حذيفة ، وقوله لا تعارض به الأدلة الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو مخالف بقول غيره من الصحابة كما تقدم من قول عبد الله بن شقيق . هذا لو سُلم بأنه على هذا النحو قول حذيفة ولا نسلم بذلك بل هو قوله حيث كانوا جهالاً معذورين بالجهل ، وإلا فإنا لا نجزم بأن قوله حيث كذلك فيما لو كانوا عالمين وتركوا ذلك تهاوناً وكسلاً .
2- واستدلوا : بما ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – فيمن يخرج من النار إلى أن قال - : (( فيخرج منها قوم لم يعملوا خيراً قط )) وهذا من المتشابه الذي لا يترك به المحكم ، ومما تقدم من الأدلة تدل على كفر تارك الصلاة وهذا من المتشابه ؛ ذلك لأن هذا الحديث عام في هذه الأمة وغيرها ممن يدخل النار من هذه الأمة وغيرها ، ولا تمنع أن تكون الصلاة مفروضة على طائفة من الأمم التي بعث إليها بعض أنبياء الله ، ولا يمنع أن تكون قد فرضت ولكن لم يحكم بكفر تاركها كما في هذه الأمة ، فإن قوله :((ثم يخرج منها قوم لم يعملوا خيراً قط )) لا نسلم أنه في هذه الأمة التي فرضت عليها الصلاة وحكم بكون تاركها كافراً ، فإنه من المحتمل – والحديث عام - أن يكون هذا في أمة من الأمم التي لم تفرض عليها الصلاة أو فرضت عليها الصلاة ولم يحكم بكون تاركها كافراً .
ثم لو قلنا بدخول هذه الأمة بهذا العموم فإنه لا مانع أيضاً أن يكون هؤلاء معذورون بشيء من الأعذار لأنها قضية عين فيحتمل أن يكون لهم عذر ما كجهل ونحوه ويكونون قد عوقبوا بدخولهم في النار بأسباب أخرى ، بمعاصي أو نحوها قد فعلوها عالمين بحكمها فعوقبوا عليها فأما الصلاة فكانوا جاهلين بها فلم يعاقبهم الله بالخلود في نار جهنم .
إذن : هذا من المتشابه والواجب العمل بالمحكم وإرجاع المتشابه إليه .
3- واستدلوا بما ثبت عند الخمسة إلا الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ))
قالوا : فهنا قال : (( ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء عذبه ))قالوا : فدل هذا على أنه داخل تحت المشيئة ولا يدخل تحت المشيئة إلا المسلم .
والجواب على ذلك : أن قوله : " فمن لم يفعل " راجع إلى ما تقدم أي : من لم يفعل الصلوات الخمس على النحو المتقدم بأن يصليهن لوقتهن وقد أتم ركوعهن وخشوعهن وأحسن وضوءهن ، فمن لم يفعل ذلك بأن أخل بشيء مما تقدم كأن يكون يصلي تارة ويدع تارة أو يؤخر الصلاة عن وقتها أو لا يتم خشوعها أو ركوعها أو نحو ذلك فإنه تحت مشيئة الله تعالى ، أما من تركها فإنه لا يدخل في هذا العموم وقد استثنـته الأدلة التي تقدم ذكرها القاضية بكفر تارك الصلاة.
والقول الراجح : هو ما ذهب إليه الحنابلة وجمهور السلف إلا أنه يقيد بما ذكره شيخ الإسلام، وأن من تركها تارة وتارة فإنه لا يكفر بذلك للحديث الآخر الذي تقدم الاستدلال به للقائلين بعدم كفر تارك الصلاة .
فإن من لم يحافظ على الصلوات محافظة تامة بحيث يحافظ عليهن خمساً فهو يصلي تارة وتارة فهو داخل تحت الوعيد إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له ، والعلم عند الله تعالى .

قال : ( وكذا تاركها تهاوناً ودعاه إمام أو نائبه فأصر وضاق وقت الثانية عنها )
إذن : ذكر شرطين في تكفيره :
الشرط الأول : أن يدعوه الإمام أو نائبه .
الشرط الثاني : أن يضيق وقت الثانية عنها .
أما الشرط الأول فقالوا : لا يكفر إلا إذا دعاه الإمام أو نائبه لأنه قد يظن أن له عذراً بترك الصلاة وليس ذلك بعذر فلا يكفر حتى يدعوه الإمام أو نائبه ، وإنما خص ذلك بالإمام أو نائبه لأن الأحكام الشرعية أو الحدود إنما مرجعها إلى الأئمة ونوابهم دون غيرهم من آحاد الناس .
ولكن هذا القول ضعيف ، لذا قال ابن رجب في تتمة كلامه المتقدم قال : " وظاهر كلام أحمد وغيره من الأئمة الذين يرون كفر تارك الصلاة أنه يكفر بخروج وقتها ولم يعتبروا دعاءه ولا الاستتابة " وهذا هو الواضح والحق .
فإن هذا ما دام أنه قد فعل ما دلت الأدلة الشرعية على تكفيره به ، فإن اشتراط دعاء الإمام أو نائبه في تكفيره لا دليل عليه بل يكفر متى ترك الصلاة وإن لم يدعه إمام ولا نائبه .
أما قضية القتل فسيأتي الكلام عليها .
وكذلك الشرط الثاني : وهو قولهم " وضاق وقت الثانية عنها " يعني مثلاً : ترك صلاة الظهر حتى خرج وقتها ، لا يكفر بذلك حتى يضيق وقت الثانية ، فإذا ضاق وقت العصر فما بقي لوقت المغرب إلا ما يكون ضيقاً على العصر فإنه – حينئذ – يكفر بذلك .
قالوا : لأنا لا نجزم بأنه عازم على ترك الصلاة إلا بهذا .
ولكن هذا ضعيف ، وتقدم ما قاله ابن رجب عن الإمام أحمد وغيره وأن ظاهر كلامهم أن المعتبر هو خروج الوقت الصلاة ، وهذا هو اختيار المجد واستظهره في الفروع ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – وهذا الترجيح لشيخ الإسلام إنما هو في القتل وأما التكفير فقد تقدم اختياره من أنه لا يكفر ، ولكن هذا بناء على القول بالقتل وسيأتي دليله - .
إذن : أصح قولي المذهب – وهو رواية عن الإمام أحمد – أنه : إذا خرج وقت الصلاة عنها فإنه يكفر .
فهذان الشرطان الصحيح أنهما ليس بمعتبرين بل متى خرج وقت الأولى ولم يصل فإنه يكفر ولو لم يضق الوقت – هذا على القول بخلاف ما ذكره شيخ الإسلام .
قال : ( ولا يقتل )
القتل عقوبة لتارك الصلاة في الدنيا ، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نهيت عن قتل المصلين )) ، ولما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا : أفلا نقاتلهم يا رسول الله قال : لا ما صلوا ))وهو مذهب أكثر الفقهاء وأنه يقتل .
ويشترط ما تقدم من الشرطين السابقين : وهما أن يدعوه الإمام وألا يقتل حتى يضيق وقت الثانية عنها .
ولكن هذا أيضاً - أي في كونه يضيق وقت الثانية – ليس كافياً لأنه متى ضاق وقت الثانية حكم – حينئذ – بكفره فإذا حكم بالكفر فإن هذا مرتد ، والمرتد يقتل كفراً ، ولكن بشرط أن يستتاب ثلاثاً لذا قال :
( ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فيهما )
أي في جحود الصلاة أو في تركها تهاوناً وكسلاً ؛ وذلك لأنه مرتد فمتى دعاه الإمام أو نائبه وضاق وقت الثانية فلم يصل فهو مرتد ، والمرتد يُقتل ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً كما هو مذهبالجمهور .
والصحيح أن الاستتابة ليست بواجبة كما هي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وأحد القولين للإمام الشافعي ومذهب طائفة من التابعين كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ولم يذكر استتابة .
وثبت في الصحيحين أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسى الأشعري وعنده رجل موثقاً فقال : ما هذا ؟ قال : كان يهودياً فأسلم ثم راجع دينه دين السوء ، فقال : ( لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله فقال : اجلس ، فقال : " لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله قال ذلك ثلاثاً ثم أمر به فقتل )
فهذا الفعل من معاذ والإقرار من أبي موسى شرح لهذا الحديث النبوي ، وأن من بدل دينه ، وتارك الصلاة مبدل لدينه لا يستتاب ثلاثاً بل يقتل .
ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في الاستتابة .
وكذلك لا يصح الأثر المروي عن عمر بن الخطاب ، وقد رواه مالك في موطئه بإسناد ضعيف فيه انقطاع وجهالة .
فالراجح : عدم اشتراط الاستتابة لكنها مستحبة من غير أن يشترط بيوم ولا يومين ولا ثلاثة وإنما بقدر المصلحة .
كما أن النظر يدل على أنها ليست بواجبة ، لأن الكافر الأصلي المحارب المهدر دمه لا يستتاب وجوباً بل يقتل من غير استتابة ولا دعاية " أي دعوة إلى الإسلام " فيجوز أن يُغار على الكفار بحيث يقع المسلمون عليهم على غرة منهم فإن هذا جائز وقد دلت عليه الأدلة الشرعية ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم استتابتهم ولا إنذارهم – وإنما لا يجوز قتل من لم يبلغه الشريعة حتى يدعى إليها – وهذا المرتد قد علم حكم الله ودعي إليه وكفر وثبتت ردته – فحينئذ – لا يجب أن يستتاب ، لكن الاستتابة مستحبة .
إذن الراجح : عدم وجوب الاستتابة بل متى ثبت كفره وذلك يثبت بترك الصلاة مطلقاً على الراجح ، وعلى القول المرجح من قولي المذهب يكفر بترك صلاة حتى يخرج وقتها مصراً على ذلك فإنه يكفر ويقتل من غير أن يستتاب أي ما دام أنه قد بين له دين الله وشرع الله وعرف الحق من الباطل فإنه لا يجب أن يتربص به فترة ليستتاب بل متى ثبت كفره فإنه يجوز قتله من غير استتابة .
* واعلم أن شيخ الإسلام اختار – وهو القول الحق – أن من ترك الصلاة فإنه لا يقضيها بل ولا يصح منه بل يجتهد بقدر استطاعته بالتطوع .
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله يقول يوم القيامة : (( انظروا هل لعبدي من تطوع )) فيمن اختلت بعض فرائضه .
فلا يؤمر بقضاء الصلاة وقد فوتها بغير عذر ؛ لأن الأدلة الشرعية لم تدل على ذلك بل أمرت الشريعة بأداء الصلاة في وقتها ، وأمرت بالقضاء لمن كان معذوراً بنوم أو نحوه فلم يدخل بذلك من تركها بلا عذر وتكون مردودة عليه لو فعلها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )).
فعلى ذلك : من تعمد تأخير صلاة الفجر عن وقتها فإنها لا تصح منه ولا تقبل منه ولا يؤمر بأن يصليها إذا استيقظ ما دام أنه قد تركهامتعمداً فلم يسع أو يجتهد بقدر استطاعته للقيام لها بل تعمد النوم عنها فلا يقبل منه بل عليه أن يجتهد بالاستغفار وبالتطوع ليسد الخلل الواقع في فريضته .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تارك, حكم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir