دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:06 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

((مثلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَنْزِلُ رَبُّنا إِلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيْلَةٍ حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَن يَدْعوني فَأَسْتَجيبَ لَهُ؟ مَن يَسْأَلُني فَأُعطِيَهُ، مَن يستَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَهُ؟ )). متَّفَقٌ عليه.(113)

(113) قَولُهُ: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا)): الحديثَ، هذا الحديثُ رواه البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما مِن حديثِ أبي هريرةَ.
هذا ممَّا تواترتْ فيه الأدلَّةُ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فرواه نحوٌ مِن ثمانيةٍ وعشرينَ نَفْسًا مِن الصَّحابةِ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فينـزلُ -سُبْحَانَهُ- نزولاً يليقُ بجلالِه وعظمتِه، لا نعطِّلُهُ ولا نشبِّهُهُ بنُزولِ خلقِه، ليسَ كمثلِه شيءٌ، فيجبُ الإيمانُ بذلك إيمانًا خاليًا مِن التَّعطيلِ والتَّمثيلِ.
قَولُهُ: ((فَأَسْتَجِيبَ لَهُ)): بالنَّصبِ على جوابِ الاستفهامِ، وقيلَ: بالرَّفع ِعلى الاستئنافِ، وكذا مَا بعدَه، أفادَ هذا الحديثُ فوائدَ:
الأولى: فيه إثباتُ نزولِ الرَّبِّ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا كلَّ ليلةٍ كما يليقُ بجلالِه وعظمَتِه، فنُثبِتُ النُّزولَ للهِ حقيقةً، وأمَّا كُنْهُ نزولِه وكيفيَّتِه فلا يعلمُها إلا هو -سُبْحَانَهُ- كما قال مالكٌ: الاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ، وكذلِكَ يُقالُ في النُّزولِ والإتيانِ والمجيءِ وغيرِ ذلكَ مِن صفاتِه الفعليَّةِ والذاتيَّةِ.
ثانيًا: فيه إثباتُ العلوِّ للهِ سُبْحَانَهُ، فإنَّ النُّزولَ والتَّنـزيلَ والإنزالَ هو مجيءُ الشَّيءِ والإتيانِ بهِ مِن علوٍّ إلى أسْفَلَ، هذا هو المفهومُ مِن لُغةِ العَرَبِ، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).
ثالثًا: فيه الرَّدُ على الجهميَّةِ والمعتزلَةِ المُنكرينَ لنُزولِه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- زعمًا منهم أنَّ هذا مِن مجازِ الحذفِ، والتَّقديرِ ينزلُ أمرُه أو رحمتُه، وهذا باطلٌ مِن وجوهٍ عديدةٍ:
(الأوَّلِ): أنَّ الأصْلَ عدمُ الحذفِ.
(الثاني): أنَّه قال مَن يدعوني فأستجيبَ له، فهلْ أمْرُه أو رحمتُه تقولُ مَن يَدعوني، هذا ممَّا لا يُعْقَلُ أنْ يكونَ القائِلُ له غيرَ اللهِ، فلم يكنْ إلاَّ نزولَه -سُبْحَانَهُ- بذاتِه، هذا هو صريحُ الأدلَّةِ والمعقولِ.
(الثَّالثِ): أنه حدَّدَ لنُزولِه ثُلثَ اللَّيلِ الآخِرَ، ولوْ كانَ أمرَه أو رحمَتَه لم يحدِّدْ ذلكَ بثلثِ الليلِ، فإنَّ أمْرَه ورحمتَه ينـزلانِ في كلِّ وقتٍ.
(الرَّابعِ): فيه إثباتُ أفعالِ اللهِ الاختياريَّةِ.
(الخامِسِ): فيه إثباتُ القولِ للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالى-.
(السَّادسِ): فيه إثباتُ أنَّ كلامَه -سُبْحَانَهُ- بحرفٍ وصوتٍ، إذْ لا يُعْقَلُ النِّدَاءُ إلا مَا كان حرفًا وصوتًا.
قال الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ رحمه اللهُ: ومِن البِدَعِ الَّتي أنْكرَها أحمدُ في القرآنِ قولُ مَن قال: إنَّ اللهَ تكلَّم بغيرِ صوتٍ، وأنكرَ هذا القولَ وبدَّعَ قائلَه، وقدْ قيلَ: إنَّ الحارِثَ المحاسبيَّ إنَّما هَجَرَهُ أحمدُ لأجلِ ذلكَ. انتهى.
(السَّابعِ): فيه إثباتُ أنَّ صِفَةَ الكلامِ صفةٌ فعليةٌ، كما أنَّها مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ أيضًا.
(الثَّامِنِ): فيه الرَّدُّ على الجهميَّةِ وأضرابِهِمْ القائلينَ: بأنَّه -سُبْحَانَهُ- في كلِّ مكانٍ بذاتِه، فَلَوْ كانَ في كلِّ مكانٍ لم يقلْ ينـزلُ ربُّنَا.
(التَّاسِعِ): أن صفةَ النُّزولِ مِنْ الصِّفاتِ الفعليَّةِ، ودليلُه النَّقلُ كما تقدَّمَ.
(العاشرِ): فيهِ الرَّدُّ على مَن زعمَ أنَّ الَّذي ينزلُ مَلَكٌ مِن الملائكةِ، فإنَّ المَلَكَ لاَ يقولُ: مَن يسألُني فأعطيَه، فإنَّ هؤلاءِ الجهميَّةَ المعطِّلةَ الَّذين ينفونَ نزولَه -سُبْحَانَهُ- وينفونَ كلامَه يقولونَ زعمًا منهم إن هذا مجازٌ، والتَّقديرُ في قَولِهِ: فيقولُ أي فيأمُرُ مَلَكًا يقولُ ذلك عنه، كما يُقالُ: نادى السُّلطانُ، أي أنه أَمَر مُناديًا، ويقولونَ فيما ثبَتَ أنه قالَ ويقولُ وتكلَّم ويُكَلِّمُ ممَّا لا حصْرَ له، كلُّ هذا مجازٌ، وقَولُهُم باطلٌ مِن وجوهٍ، منها: أنَّ المنادِيَ عنه غيرُه، كمنادِي السُّلطانِ يقولُ: أمَرَ السُّلطانُ بكذا، لا يقولُ إني آمُركم بكذا وأنهاكُم عَنْ كذا، واللهُ -سُبْحَانَهُ- يقولُ في تكليمه موسى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَا) والحديثُ فيقولُ: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ)) وإذا كانَ القائِلُ مَلَكًا قالَ -كَمَا في الصَّحِيحين-: ((إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى فِي السَّمَاءِ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ وَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأرْضِ)). فقالَ في ندائِه عن اللهِ إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، وفي نداءِ الرَّبِّ يقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ لهُ ؟
(فإنْ قيلَ): فقد رُوِيَ أنَّه يأمرُ مناديًا فينادِي، قيلَ هذا ليسَ في الصَّحيحِ، فإنْ صحَّ أمكنَ الجمعُ بين الخبرينِ بأنْ يُناديَ هو ويأمرَ مناديًا ينادي، أمَّا أنْ يُعارضَ بهذا النَّقلِ الصَّحيحِ المستفيضِ الَّذي اتَّفق أهلُ العلمِ على صحَّتِه وتلقِّيهِ بالقبولِ مع أنَّه صريحٌ بأنَّ اللهَ هو الَّذي يقولُ:((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟)) فلا يجوزُ. انتهى. مِن كلامِ شيخِ الإسلامِ تقيِّ الدِّينِ بتصرُّفٍ.
(الحاديَ عشرَ): فيه دليلٌ على امتدادِ هذا الوقتِ أيْ وقتِ النُّزولِ الإلهيِّ إلى إضاءَةِ الفجرِ.
(الثَّانيَ عشرَ): فيه الحثُّ على الدُّعاءِ والاستغفارِ في جميعِ الوقتِ المذكورِ.
(الثَّالثَ عشرَ): فيه دليلٌ على فضْلِ الدُّعاءِ.
(الرَّابعَ عشرَ): فيه دليلٌ على نفعِ الدُّعاءِ، والرَّدِّ على جهلةِ المتصوِّفةِ القائلين بأنَّ الدُّعاءَ لا ينفعُ، وهو قولٌ مردودٌ بأدلَّةِ الكتابِ والسُّنَّةِ مع أدلَّةِ العقلِ، فإنَّ المُشركين كانوا يعرفونَ نفْعَ الدُّعاءِ، قال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآيةَ. فضلاً عن غيرِهِمْ.
(الخامسَ عشرَ): فيه أنَّ الدُّعاءَ مِن أفضلِ الطَّاعاتِ، فلا يجوزُ صرفُه لغيرِ اللهِ، ومَن دعا غيرَ اللهِ فهو مشركٌ كافرٌ.
(السَّادسَ عشرَ): الدُّعاءُ لغةً: السُّؤالُ والطَّلبُ. سواءً كانَ بلسانِ الحالِ أو بلسانِ المقالِ، فالدُّعاءُ ينقسمُ إلى قسمينِ: دعاءِ عبادةٍ ودعاءِ مسألةٍ. فالأوَّلُ: هو سائرُ الطَّاعاتِ مِن تسبيحٍ وتكبيرٍِ وتهليلٍ وغيرِ ذلك؛ لأنَّ عامِلَ ذلك هو سائلٌ في المعنى، والثاني: هو دعاءُ المسألَةِ، وهو طلبُ ما ينفعُ الدَّاعي مِن جلبِ نفعٍ أو دفعِ ضرٍّ.
(السَّابعَ عشرَ): إنَّ الدعاءَ والاستغفارَ وغيرَهما مِن أنواعِ العباداتِ يختلفُ فضلُها بحسبِ الزَّمانِ والمكانِ.
(الثَّامنَ عشرَ): إنَّ ثلثَ اللَّيلِ الآخِرَ مظنَّةُ الإجابَةِ وإنَّ آخِرَ اللَّيلِ أفضلُ للدُّعاءِ والاستغفارِ، ويشهدُ لَهُ قَولُهُ تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ)، وقال: (كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) وفيه أنَّ الدُّعاءَ في ذلكَ الوقتِ مجابٌ، وتخلُّفَ الإجابةِ عن بعضِ الدَّاعينَ قد يكونُ بسببِ إخلالٍ ببعضِ شروطِ الدُّعاءِ.
(التَّاسعَ عشرَ): فيهِ تفضيلُ صلاةِ الوترِ آخرَ اللَّيلِ، لكنَّ ذلكَ في حقِّ مَنْ طمعَ أنْْ يقومَ آخِرَ اللَّيلِ، وفيه تفضيلُ صلاةِ آخِرِ اللَّيلِ.
(العشرونَ): فيه تلطُّفه -سُبْحَانَهُ- بعبادِه ورحمتُه بهم وكونُه -سُبْحَانَهُ- يأمرهُمْ بدعائِه واستغفارِه.
قَولُهُ: (الحديثَ): أي اقرأإِ الحديثَ على النَّصبِ، والمصنِّفُ رحمهُ اللهُ ذكرَ الشَّاهدَ مِن هذا الحديثِ، ففيه إشارةٌ إلى أنَّهُ لا يَرى بأسًا باختصارِ الحديثِ، وقد صرَّحَ علماءُ الفقهِ بجوازِه بشروطٍ ذكرَها علماءُ الفنِّ في كُتبِهمْ.
قَولُهُ: (متَّفقٌ عليه): أي رواه البخاريُّ ومسلمٌ، وهذا مِن حديثِ أبي هريرةَ وأنسٍ رضي اللهُ عنهما، وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)). انتهى.
قالَ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ: الفرحُ لذَّةٌ تقعُ في القلبِ بإدراكِ المحبوبِ ونيلِ المُشْتَهى، فيتولَّدُ مِن إدراكِه حالةٌ تُسمَّى الفرحَ والسرورَ، قال: والفرحُ صفةُ كمالٍ، ولهذا يوصفُ -سُبْحَانَهُ- بأعلى أنواعِه وأكمَلِهَا، كَفَرَحِه -سُبْحَانَهُ- بتوبةِ عبدِه، إلى أن قالَ: والفرحُ بالشَّيءِ فوقَ الرِّضَا به، فإنَّ الرِّضا طمأنينةٌ وسكونٌ وانشراحٌ، والفرحُ لذَّةٌ وبهجةٌ وسرورٌ، فكلُّ فرحٍ راضٍ، وليسَ كلُّ راضٍ فرحًا، انتهى. (مدارجُ).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بما

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir