دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجنائز

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 06:10 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي صفة الصلاة على الميت

( فصلٌ ) السُّنَّةُ أن يقومَ الإمامُ عندَ صَدْرِه وعندَ وَسَطِها ، ويُكَبِّرُ أربعًا يَقرأُ في الأُولى بعدَ التَّعَوُّذِ الفاتحةَ، ويُصَلِّي على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في الثانيةِ كالتَّشَهُّدِ، ويَدعُو في الثالثةِ فيقولُ : " اللهمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا ومَيِّتِنَا وشاهِدِنا وغائِبِنا وصَغيرنِا وكَبيرنِا وذَكَرِنا وأُنْثَانَا، إنك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا ومَثوانَا وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللَّهُمَّ مَن أَحْيَيْتَه منا فَأَحْيِهِ على الإسلامِ والسُّنَّةِ، ومَن تَوَفَّيْتَه مِنَّا فَتَوَفَّهُ عليهما، اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وارْحَمْهُ وعافِهِ واعْفُ عنه وأَكْرِمْ نُزُلَه وأَوْسِعْ مُدْخَلَه، واغْسِلْهُ بالماءِ والثلجِ والْبَرَدِ، ونَقِّهِ من الذنوبِ والخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دارًا خيرًا من دارِه وزَوجًا خيرًا من زَوْجِه وأَدْخِلْه الجنَّةَ وأَعِذْهُ من عَذابِ القبرِ وعذابِ النارِ وأَفْسِحْ له في قَبْرِه ونَوِّرْ له فيه، وإن كان صغيرًا قالَ : " اللهمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْه، وفَرَطًا وأَجْرًا وشَفيعًا مُجَابًا، اللهمَّ ثَقِّلْ به مَوازِينَهما، وأَعْظِمْ به أُجورَهما، وأَلْحِقْهُ بصالِحِ سَلَفِ المؤمنينَ، واجْعَلْهُ في كَفالةِ إبراهيمَ، وَقِهِ برَحمَتِكَ عذابَ الجحيمِ، ويَقِفُ بعدَ الرابعةِ قليلًا ويُسَلِّمُ واحدةً عن يمينِه ويَرفَعُ يَديْهِ مع كلِّ تكبيرةٍ، وواجبُها قِيامٌ وتَكبيراتٌ أربعٌ والفاتحةُ والصلاةُ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ودعوةٌ للمَيِّتِ والسلامُ، ومَن فاتَه شيءٌ من التكبيرِ قَضاهُ على صِفتِه، ومَن فاتَتْهُ الصلاةُ عليه صَلَّى على القبرِ. وعلى غائبٍ بالنِّيَّةِ إلى شَهْرٍ. ولا يُصَلِّي الإمامُ على الغالِّ ولا على قاتلِ نفسِه، ولا بأسَ بالصلاةِ عليه في المسجدِ.


  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 09:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 09:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فَصْلٌ في الصَّلاةِ على المَيِّتِ
تَسْقُطُ بمُكَلَّفٍ, وتُسَنُّ جَمَاعَةً, وأن لا تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَن ثَلاثَةٍ. (والسُّنَّةُ أن يَقُومَ الإمامُ عندَ صَدْرِه)؛ أي: صَدْرِ ذَكَرٍ, (وعندَ وَسَطِهَا)؛ أي: وَسَطِ أُنْثَى, والخُنْثَى بينَ ذلك.
والأَوْلَى بها وَصِيُّهُ العَدْلُ، فسَيِّدٌ برَقِيقِه، فالسُّلْطَانُ، فنَائِبُه الأميرُ، فالحَاكِمُ، فالأَوْلَى بغُسْلِ رَجُلٍ، فزَوْجٌ بعدَ ذَوِي الأَرْحَامِ، ومَن قَدَّمَهُ وَلِيٌّ بمَنْزِلَتِه, لا مَن قَدَّمَهُ وَصِيٌّ.
وإذا اجتَمَعَتْ جَنَائِزُ, قُدِّمَ إلى الإمَامِ أَفْضَلُهُم, وتَقَدَّمَ، فأَسَنُّ، فأَسْبَقُ، ويُقْرَعُ معَ التَّسَاوِي، وجَمْعُهُم بصَلاةٍ أَفْضَلُ، ويُجْعَلُ وَسَطُ أُنْثَى حِذَاءَ صَدْرِ ذَكَرٍ، وخُنْثَى بَيْنَهُما. (ويُكَبِّرُ أَرْبَعاً)؛ لتَكْبِيرِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ على النَّجَاشِيِّ أَرْبَعاً، مُتَّفَقٌ عليه.
(يَقْرَأُ في الأُولَى)؛ أي: بعدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى وهي تَكْبِيرَةُ الإحرامِ (بعدَ التَّعَوُّذِ) والبَسْمَلَةِ- (الفَاتِحَةَ) سِرًّا, ولو لَيْلاً؛ لِمَا رَوَى ابنُ مَاجَهْ, عَن أُمِّ شَرِيكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ عَلَى الجِنَازَةِ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ, ولا نَسْتَفْتِحُ ولا نَقْرَأُ سُورَةً مَعَهَا.
(ويُصَلَّى على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ) في؛ أي: بعدَ التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ كـ) الصَّلاةِ في (التَشَهُّدِ) الأخيرِ؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ, عَن أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ, أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ أنَّ السُّنَّةَ في الصَّلاةِ على الجِنَازَةِ أنْ يُكَبِّرَ الإمامُ, ثُمَّ يَقْرَأُ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى سِرًّا في نَفْسِه, ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ, ويُخْلِصُ الدُّعَاءَ للمَيِّتِ, ثُمَّ يُسَلِّمُ، (ويَدْعُو في الثَّالِثَةِ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ, (فيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لحَيِّنَا ومَيِّتِنَا, وشَاهِدِنَا وغَائِبِنَا, وصَغِيرِنَا وكَبِيرِنَا, وذَكَرِنَا وأُنْثَانَا, إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنا ومَثْوَانَا, وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, اللَّهُمَّ مَن أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ علَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ, ومَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا). رواهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لكنْ زادَ فيهِ المُوَفَّقُ: (وأَنْتَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ولَفْظَةُ السُّنَّةِ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ, وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ, وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ -بضَمِّ الزَّايِ, وقد تُسَكَّنُ: وهو القِرَى- وأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ -بفَتْحِ الميمِ: مَكَانُ الدُّخُولِ, وبضَمِّهَا: الإِدْخَالُ- واغْسِلْهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ, ونَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ, وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِه, وزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِه, وأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ, وأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وعَذَابِ النَّارِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَن عَوْفِ بنِ مَالِكٍ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ يقولُ ذلكَ على جِنَازَةٍ حَتَّى تَمَنَّى أنْ يَكُونَ ذلكَ المَيِّتَ، وفيهِ: ((وأَبْدِلْهُ أَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ, وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ)). وزادَ المُوَفَّقُ لَفْظَ: ((مِنَ الذُّنُوبِ)).
(وأَفْسِحْ لَهُ في قَبْرِه, ونَوِّرْ لَهُ فيهِ)؛ لأنَّه لائقٌ بالمَحَلِّ، وإن كانَ المَيِّتُ أُنْثَى, أَنَّثَ الضَّمِيرَ، وإن كانَ خُنْثَى قالَ: هذا المَيِّتُ. ونَحْوَه, ولا بأسَ بالإشارةِ بالأُصْبَعِ حَالَ الدُّعَاءِ للمَيِّتِ.
(وإن كانَ) المَيِّتُ (صَغِيراً)؛ ذكراً أو أُنْثَى, أو بلَغَ مَجْنُوناً واستَمَرَّ, (قالَ) بعدُ: وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا, (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْراً لوَالِدَيْهِ وفَرَطاً)؛ أي: سَابِقاً مُهَيَّئاً لمصَالِحِ وَالِدَيْهِ في الآخِرَةِ, سَوَاءٌ ماتَ في حياةِ أَبَوَيْهِ أو بَعْدَهُمَا، (وأَجْراً وشَفِيعاً مُجَاباً, اللَّهُمَّ ثَقِّلْ به مَوَازِينَهُمَا, وعَظِّمْ به أُجُورَهُمَا, وأَلْحِقْهُ بصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ, واجْعَلْهُ في كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ, وقِهِ برَحْمَتِكَ عَذَابَ الجَحِيمِ). ولا يَسْتَغْفِرُ له؛ لأنَّه شَافِعٌ غَيْرُ مَشْفُوعٍ فيه, ولا جَرَى عليهِ قَلَمٌ، وإذا لم يُعْرَفْ إِسْلامُ وَالِدَيْهِ, دَعَا لمَوَالِيهِ.
(ويَقِفُ بعدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلاً), ولا يَدْعُو ولا يَتَشَهَّدُ ولا يُسَبِّحُ, (ويُسَلِّمُ) تَسْلِيمَةً (وَاحِدَةً عَن يَمِينِه), رَوَى الجُوزْجَانِيُّ, عَن عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ, أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ, سَلَّمَ على الجِنَازَةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. ويَجوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وثَانِيَةً.
وسُنَّ وقُوفُه حتَّى تُرْفَعَ, (ويَرْفَعُ يَدَيْهِ) نَدْباً (معَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ في صَلاةِ العِيدَيْنِ.
(ووَاجِبُهَا)؛ أي: الوَاجِبُ في صلاةِ الجِنَازَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ (القِيَامُ) في فَرْضِهَا, (وتَكْبِيرَاتٌ) أَرْبَعُ, (والفَاتِحَةُ), ويتَحَمَّلُهَا الإمامُ عَن المَأْمُومِ, (والصَّلاةُ على النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ, ودَعْوَةٌ للمَيِّتِ, والسَّلامُ).
ويُشْتَرَطُ لها النِّيَّةُ, فيَنْوِي الصَّلاةَ على المَيِّتِ, ولا يَضُرُّ جَهْلُه بالذَّكَرِ وغَيْرِه، فإن جَهِلَهُ نَوَى على مَن يُصَلِّي عليهِ الإمامُ، وإن نَوَى أَحَدَ المَوْتَى اعتُبِرَ تَعْيِينُه، وإنْ نَوَى على هذا الرَّجُلِ فبَانَ امْرَأَةً أو بالعَكْسِ, أَجْزَأَ؛ لقُوَّةِ التَّعْيِينِ، قالَهُ أبو المَعَالِي.
وإِسْلامُ المَيِّتِ، وطَهَارَتُه مِن الحَدَثِ والنَّجَسِ معَ القُدْرَةِ, وإلاَّ صلَّى عليه، والاستِقْبَالُ، والسُّتْرَةُ؛ كمَكْتُوبَةٍ، وحُضورُ المَيِّتِ بينَ يَدَيْهِ، فلا تَصِحُّ على جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ ولا مِن وَرَاءِ جِدَارٍ.
(ومَن فَاتَهُ شَيْءٌ مِن التَّكْبِيرَةِ قَضَاهُ) نَدْباً (على صِفَتِه)؛ لأنَّ القَضَاءَ يَحْكِي الأَدَاءَ كسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، والمَقْضِيُّ أَوَّلُ صَلاتِه يَأْتِي فيهِ بحَسَبِ ذلكَ، وإن خَشِيَ رَفْعَها, تَابَعَ التَّكْبِيرَ, رُفِعَتْ أم لا، وإن سَلَّمَ معَ الإمامِ ولم يَقْضِه صَحَّتْ؛ لقَوْلِه عليهِ السَّلامُ لعَائِشَةَ:((مَا فَاتَكِ, لا قَضَاءَ عَلَيْكِ)).
(ومَن فَاتَتْهُ الصَّلاةُ عليهِ)؛ أي: على المَيِّتِ (صَلَّى على القبرِ) إلى شهرٍ مِن دَفْنِه؛ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبَّاسٍ: (أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ صَلَّى عَلَى القَبْرِ).
وعَن سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ,(أنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، والنَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ غَائِبٌ, فلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لذلكَ شَهْرٌ)) رواهُ التِّرْمِذِيُّ ورُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ هَذَا. وتَحْرُمُ بَعْدَهُ, ما لم تَكُنْ زِيَادَةً يَسِيرَةً. (و) يُصَلَّى (على غَائِبٍ) عَن البَلَدِ ولو دونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ, فتَجُوزُ صلاةُ الإمامِ والآحادِ عليهِ (بالنِّيَّةِ إلى شَهْرٍ)؛ لصلاتِه عليهِ السَّلامُ على النَّجَاشِيِّ, كما في المُتَّفَقِ عليه عَن جَابِرٍ. وكذا غَرِيقٌ وأَسِيرٌ ونَحْوُهُما، وإن وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ لم يُصَلَّ عليهِ؛ فكَكُلُّه إلا الشَّعَرَ والظُّفُرَ والسِّنَّ، فيُغَسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُصَلَّى عليه، ثُمَّ إن وُجِدَ البَاقِي فكذلك, ويُدْفَنُ بجَنْبِه، ولا يُصَلَّى على مَأْكُولٍ ببَطْنِ آكِلٍ, ولا مُستَحِيلٍ بإِحْرَاقٍ ونَحْوِه, ولا على بَعْضِ حَيٍّ مُدَّةَ حَيَاتِه. (ولا) يُسَنُّ أن (يُصَلِّيَ الإمامُ) الأعظَمُ ولا إمامُ كُلِّ قَرْيَةٍ- وهو وَالِيها في القَضَاءِ- على الغَالِّ، وهو مَن كَتَمَ شَيْئاً مِمَّا غَنِمَهُ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بنُ خَالِدٍ قالَ: (تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِن جُهَيْنَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ, فذُكِرَ ذلكَ لرَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ فقالَ: ((صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ)). فتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ القَوْمِ, فلَمَّا رَأَى مَا بِهِم قالَ: ((إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). ففَتَّشْنَا مَتَاعَهُ, فوَجَدْنَا فيهِ خَرَزاً مِن خَرَزِ اليَهُودِ, ما يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ). رواه الخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ واحتَجَّ به أَحْمَدُ.
(ولا على قَاتِلِ نَفْسِه) عَمْداً؛ لِمَا رَوَى جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ, أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ جَاؤُوهُ برَجُلٍ قَد قَتَلَ نَفْسَهُ بمَشَاقِصَ, فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وغَيْرُه.
والمَشَاقِصُ جَمْعُ مِشْقَصٍ كمِنْبَرٍ: نَصْلٌ عَرِيضٌ, أو سَهْمٌ فيه ذلك، أو نَصْلٌ طَوِيلٌ, أو سَهْمٌ فيه ذلك, يُرْمَى به الوَحْشُ.
(ولا بأسَ بالصَّلاةِ عليه)؛ أي: على المَيِّتِ (في المَسْجِدِ) إن أُمِنَ تَلْوِيثُه؛ لقَوْلِ عَائِشَةَ: صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ على سَهْلِ بنِ بَيْضَاءَ في المَسْجِدِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
و(صُلِّيَ على أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ فيه) رواهُ سَعِيدٌ. وللمُصَلِّي قِيرَاطٌ, وهو أَمْرٌ مَعْلُومٌ عندَ اللَّهِ تعالَى، وله بتَمَامِ دَفْنِهَا آخَرُ, بشَرْطِ أن لا يُفَارِقَهَا مِن الصَّلاةِ حَتَّى تُدْفَنَ.


  #4  
قديم 27 ذو القعدة 1429هـ/25-11-2008م, 10:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل


في الصلاة على الميت([1])


تسقط بمكلف([2])
وتسن جماعة([3]) وأن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة([4]) و(السنة أن يقوم الإمام عند صدره) أي صدر ذكر([5]).
(وعند وسطها) أي وسط أُنثى([6]) والخنثى بين ذلك([7]) والأَولى بها وصيه العدل([8]) فَسيَّد بِرَقِيِقِهِ([9]).
فالسلطان، فنائبه الأمير، فالحاكم([10]) فالأَولى بغسل رجل([11]).
فزوج بعد ذوي الأرحام([12]) ومن قدمه ولي بمنزلته، لا من قدمه وصي([13]) وإذا اجتمعت جنائز: قدم إلى الإمام أفضلهم، وتقدم([14]).
فأَسن فأَسبق([15]) ويقرع مع التساوي([16]) وجمعهم بصلاة أفضل([17]) ويجعل وسط أُنثى حذاءَ صدر رجل، وخنثى بينهما([18]) (ويكبر أربعًا) لتكبير النبي r على النجاشي أربعًا، متفق عليه([19]).
(يقرأُ في الأُولى) أَي بعد التكبيرة الأُولى، وهي تكبيرة الإحرام و(بعد العوذ) والبسملة (الفاتحة) سرًا ولو ليلاً([20]) لما روى ابن ماجه عن أم شريك الأنصارية قالت: أَمرنا رسول الله r أن نقرأَ على الجنازة بفاتحة الكتاب، ولا نستفتح، ولا نقرأ سورة معها([21]) (ويصلي على النبي r في) أي بعد التكبيرة (الثانية) كالصلاة في (التشهد) الأَخير([22]).
لما روى الشافعي عن أبي أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي r، أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، سرًا في نفسه، ثم يصلي على النبي r، ويخلص الدعاءَ للميت، ثم يسلم([23]) (ويدعو في الثالثة) لما تقدم([24]).
(فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا([25]) وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا([26]) إنك تعلم منقلبنا ومثوانا([27]) وأنت على كل شيءٍ قدير([28]) اللهم من أَحييته منا فأَحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منَّا فتوفه عليهما) ([29]).
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، من حديث أبي هريرة ([30]) لكن زاد فيه الموفق: وأنت على كل شيءٍ قدير. ولفظة: السنة([31]) (اللهم اغفر له، وارحمه وعافه واعف عنه([32]) وأكرم نزله) بضم الزاي وقد تسكن، وهو القرى([33]) (وأَوسع مدخله) بفتح الميم مكان الدخول، وبضمها الإِدخال([34]) (واغسله بالماء والثلج والبرد([35]) ونقه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأَبيض من الدنس([36])
وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه([37]) وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار) ([38]) رواه مسلم عن عوف بن مالك، أنه سمع النبي r يقول ذلك على جنازة، حتى تمنى أن يكون ذلك الميت([39]) وفيه ((وأبدله أهلاً خيرًا من أهله، وأدخله الجنة)) ([40]) وزاد الموفق لفظ: من الذنوب([41]) (وافسح له في قبره، ونور له فيه) لأَنه لائق بالمحل([42]).
وإن كان الميت أُنثى أَنث الضمير([43]) وإن كان خنثى قال: هذا الميت ونحوه([44]) ولا بأْس بالإشارة بالإصبع حال الدعاء للميت (وإن كان) الميت (صغيرًا) ذكرًا أو أنثى، أو بلغ مجنونًا واستمر([45]) (قال) بعد: ومن توفيته منا فتوفه عليهما([46]) (اللهم اجعله ذخرًا لوالديه([47]).
وفرطًا) أي سابقًا مهيئًا لمصالح والديه في الآخرة، سواءً مات في حياة والديه أو بعدهما([48]) (وأجرًا وشفيعًا مجابًا([49]) اللهم ثقل به موازينهما([50]) وأعظم به أجورهما([51]) وأَلحقه بصالح سلف المؤمنين([52]) واجعله في كفالة إبراهيم([53]).
وقه برحمتك عذاب الجحيم)([54]) ولا يستغفر له، لأَنه شافع غير مشفوع فيه، ولا جرى عليه قلم([55]) .
وإذا لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه([56]) (ويقف بعد الرابعة قليلاً) ([57]) ولا يدعو، ولا يتشهد، ولا يسبح([58]).
(ويسلم) تسلمية (واحدة عن يمينه)([59]) روى الجوزجاني عن عطاء بن السائب أن النبي r سلم على الجنازة، تسليمة واحدة([60]).
ويجوز تلقاء وجهه، وثانية([61]) وسن وقوفه حتى ترفع([62]) (ويرفع يديه) ندبًا (مع كل تكبيرة) لما تقدم في صلاة العيدين([63]) (وواجبها) أي الواجب في صلاة الجنازة مما تقدم([64]).
(قيام) في فرضها([65]) (وتكبيرات) أربع([66]).
(والفاتحة) ويتحملها الإمام عن المأْموم([67]) (والصلاة على النبي r([68]) ودعوة للميت، والسلام) ([69]).
ويشترط لها النية([70]) فينوي الصلاة على الميت([71]) ولا يضر جهله بالذكر وغيره([72]) فإن جهله نوى: على من يصلي عليه الإمام([73]) وإن نوى أَحد الموتى اعتبر تعيينه([74]) وإن نوى: على هذا الرجل، فبان امرأَة أَو بالعكس أَجزأَ، لقوة التعيين، قاله أبو المعالي([75]).
وإسلام الميت([76]) وطهارته من الحدث والجنس مع القدرة([77]).
وإلا صلي عليه([78]) والاستقبال والسترة كمكتوبة([79]) وحضور الميت بين يديه([80]) فلا تصح على جنازة محمولة، ولا من وراء جدار([81]) (ومن فاته شيءٌ من التكبير قضاه) ندبًا (على صفته) ([82]) لأَن القضاءَ يحكي الأَداءَ، كسائر الصلوات([83]).
والمقضي أول صلاته، يأْتي فيه بحسب ذلك([84]) وإن خشي رفعها تابع التكبير، رفعت أَم لا([85]) وإن سلم مع الإمام، ولم يقضه صحت، لقوله r لعائشة «ما فاتك لا قضاء عليك» ([86]) (ومن فاتته الصلاة عليه) أي على الميت (صلى على القبر) ([87]).
إلى شهر من دفنه([88]) لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس أن النبي r صلى على قـبر([89]). وعن سعيد بن المسيب، أن أُم سعد ماتت، والنبي r غائب، فلما قـدم صلى عليها وقـد مضى لذلك شهر.
رواه الترمذي، ورواته ثقات، قال أحمد: أكثر ما سمعت هذا([90]) وتحرم بعده، ما لم تكن زيادة يسيرة([91]) (و) يصلي (على غائب) عن البلد، ولو دون مسافة قصر([92]).
فتجوز صلاة الإمام والآحاد عليه (بالنية إلى شهر) ([93]) لصلاته عليه السلام على النجاشي كما في المتفق عليه عن جابر([94]) وكذا غريق وأَسير ونحوهما([95]).
وإن وجد بعض ميت لم يصل عليه فككله([96]) إلا الشعر والظفر والسن([97]) فيغسل ويكفن ويصلى عليه([98]) ثم إن وجد الباقي فكذلك، ويدفن بجنبه([99]) ولا يصلى على مأْكول ببطن آكل([100]) ولا مستحيل بإحراق ونحوه([101]) ولا على بعض حي مدة حياته([102]).
(ولا) يسن أن (يصلي الإمام) الأَعظم، ولا إمام كل قرية، وهو واليها في القضاء (على الغال) وهو من كتم شيئًا مما غنمه([103]). لما روى زيد بن خالد قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر، فذكر ذلك لرسول الله r فقال ((صلوا على صاحبكم)) فتغيرت وجوه القوم، فلما رأَى ما بهم قال ((إن صاحبكم غل في سبيل الله)) ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزًا من خرز اليهود، ما يساوي درهمين، رواه الخمسة إلا الترمذي، واحتج به أحمد([104]) (ولا على قاتل نفسه) عمدًا، لما روى جابر بن سمرة، أن النبي r جاؤه برجل قد قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه، رواه مسلم وغيره([105]).
والمشاقص جمع مشقص كمنبر، نصل عريض أو سهم فيه ذلك، أو نصل طويل، أو سهم فيه ذلك، يرمى به الوحش([106]).
(ولا بأْس بالصلاة عليه) أي على الميت (في المسجد) إن أَمن تلويثه([107]) لقول عائشة صلى رسول الله r على سهيل بين بيضاء في المسجد؛ رواه مسلم([108]) وصلي على أبي بكر وعمر فيه، رواه سعيد([109]).
وللمصلي قيراط، وهو أمر معلوم عند الله تعالى([110]) وله بتمام دفنها آخر، بشرط أن لا يفارقها من الصلاة حتى تدفن([111]).


([1]) وهي فرض كفاية إجماعًا، غير شهيد معركة، وقيل: ومقتول ظلمًا وتقدم، لمفهوم قوله تعالى{ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} قال الشيخ: دليل الخطاب أن المؤمن يصلى عليه، ولأمره صلى الله عليه وسلم بها، وفعله المستفيض في غير ما حديث كقوله((صلوا على صاحبكم)) وقوله ((صلوا على أطفالكم)) ((صلوا على من قال لا إله إلا الله)) وتواتر فعلها منه صلوات الله وسلامه عليه، وأجمع المسلمون عليها، ويكفر منكرها، وتقدم أنه إن لم يعلم به إلا واحد، وأمكنه تعينت عليه، وهي من أكبر القربات، وفي فعلها الأجر الجزيل، كما في الصحاح وغيرها، وقال الفاكهي: الصلاة على الميت من خصائص هذه الأمة، وأتبعت التكفين لمناسبتها له، وكونها تفعل بعده.
([2]) أي تسقط الصلاة على الميت بصلاة مكلف عليه، ذكر، ولو أنثى، أو عبد، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، وقول للشافعي، وقدم في المحرر: أو مميز، لأنها فرض تعلق به، فسقط بالواحد، وقيل تسقط بثلاثة وفاقًا، لما جاء أنه صلى صلى الله عليه وسلم على عمير بن أبي طلحة في منزلهم، وأبو طلحة وراءه، وأم سليم وراء أبي طلحة.
قال شيخ الإسلام: وفروض الكفايات إذا قام بها رجل سقط عن الباقين، ثم إذا فعل الكل ذلك كان فرضًا، ذكره ابن عقيل محل وفاق، ولا تسقط بالصلاة عليه بعد الدفن، بل تقديمها واجب، فيأثمون بدفنه قبلها.
([3]) أي تسن الصلاة على الميت جماعة، بإجماع المسلمين، لفعله صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه رضوان الله عليهم، واستمرار عمل المسلمين عليه، وتسن تسوية الصفوف، كما في الصحيحين، في صلاته على النجاشي فصف بهم، وقال أحمد: يسوون صفوفهم، فإنها صلاة، وعن أبي المليح أنه صلى على جنازة، فالتفت فقال: استووا، ولتحسن شفاعتكم. وتجوز فرادى كنساء، عند مالك والشافعي، والمذهب يصلين عليه جماعة، وتقف إمامتهن وسطهن، وفاقًا لأبي حنيفة.
([4]) لحديث مالك بن هبيرة: كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس، فقد أوجب)) رواه الترمذي والحاكم وصححه، وفي رواية ((ما من ميت يموت، فيصلي عليه ثلاثة صفوف، إلا غفر له)) حسنه الترمذي.
وروى ابن بطة عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة، وهو سابع سبعة، فأمرهم أن يصفوا ثلاثة صفوف خلفه، فصف ثلاثة واثنين وواحدًا خلف الصف، فصلى على الميت ثم انصرف، وصرح القسطلاني وغيره أن الثلاثة في الفضيلة سواء، وأنه إنما لم يجعل الأول أفضل محافظة على مقصود الشارع من الثلاثة الصفوف، وكلما كثر الجمع كان أفضل، لما في صحيح مسلم ((ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين، يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه)) وفي حديث ابن عباس «أربعون».
([5]) وفاقًا لأبي حنيفة، وعنه: عند رأس الرجل، وفاقًا للشافعي وجماهير العلماء، ولم يذكر ابن المنذر وغيره عن أحمد غيرها، وهي عبارة المقنع.
قال الشارح: وهو قريب من الأول، فإن الواقف عند أحدهما واقف عند الآخر.

([6]) لما رواه الترمذي، وإسناده ثقات، عن أنس أنه صلى على رجل، فقام عند رأسه، ثم صلى على امرأة، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ قال: «احفظوا» وأخرج الجماعة من حديث سمرة، أنه صلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام وسطها، وهذا مذهب جمهور العلماء الشافعي وغيره، وما سوى ذلك لا مستند له.
وكذا روي عن ابن مسعود وغيره، وصححه الوزير وغيره، ومنفرد كإمام، والحكمة في ذلك والله أعلم أن القلب في الصدر، ووسط المرأة محل حملها، وقيل لسترها، وظاهر إطلاقهم أن الصبي والصبية كذلك، وهو ظاهر الوجيز وغيره.
([7]) أي بين الصدر والوسط، لاستواء الاحتمالين فيه، والسنة وضع رأسه مما يلي يمين الإمام، كما هو المعروف.
([8]) أي والأولى بإمامة الصلاة المفروضة على الميت وصي الميت العدل، لإجماع الصحابة، فإنهم ما زالوا يوصون بذلك، ويقدمون الوصي، فأوصى أبو بكر أن يصلي عليه عمر، وعمر صهيبًا، وأم سلمة سعيد بن زيد، وأبو بكرة أبا برزة، وابن مسعود الزبير، وغيرهم ممن لا يحصون سلفًا وخلفًا، وجاء أمير الكوفة عمرو بن حريث ليصلي على أبي سريحة، فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فقدم زيدًا، وهذه قضايا اشتهرت، من غير إنكار ولا مخالف، فكانت إجماعًا، وهو قياس مذهب مالك، وكالمال، بل الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحًا، وأقرب إجابة.
([9]) أي أولى بالإمامة في الصلاة عليه، بعد وصيه وفاقًا، لأنه مالكه.
([10]) أي فالسلطان بعد وصي الميت وسيده أولى بالإمامة في الصلاة عليه، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يصلون على الموتى، ولم ينقل عنهم استئذان العصبة، وفي الصحيح عن الحسن: أدركت الناس وأحقهم بالصلاة على جنائزهم من رضوه لفرائضهم. وقال علي وابن مسعود: الإمام أحق من صلى على الجنازة، ولو تقدم غير الأولى صح.
وقال الوزير: الوالي أحق من الولي، عند مالك وأبي حنيفة، والقديم من قولي الشافعي، وقال في الفروع: ليس تقديم الخليفة والسلطان على سبيل الوجوب. وفي الإنصاف: فبعد الوصي والحاكم أبوه، ثم جده، ثم أقرب العصبة، على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب. اهـ. ثم نائب السلطان، يعني الأمير على بلد الميت، لأنه في معناه، وقال أبو هريرة: شهدت حسينًا حين مات الحسن، وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة، وهو يقول: لولا السنة ما قدمتك. ومقتضاه أنه سنة، ,خلفه يومئذ ثمانون من الصحابة، قال الموفق: ولم ينكر، فكان إجماعًا. وكالجمع والأعياد، ثم الحاكم أي القاضي، وقدم الأمير هنا على القاضي، عكس ما في النكاح، لأنه هنا منظور فيه للقوة والبأس، ولقوله «لا يؤمنَّ الأمير في سلطانه» وهو أقوى بسلطنته من الحاكم.
([11]) أي فالأولى بالإمامة في الصلاة على الميت، بعد من تقدم، الأولى بغسل رجل، على ما تقدم في الغسل، وإن كان الميت أنثى، فيقدم أب فأبوه وإن علا، لأنه يشارك الابن في العصوبية، وزاد عليه بالحنو والشفقة، وبها يحصل مقصود الدعاء الذي هو مقصود صلاة الجنازة، ثم ابن، ثم ابنه وإن نزل، وفي حديث أسيد «ومن برهما الصلاة عليهما» ونقل أبو الطيب الإجماع على تقديمه على الأخ، ثم أخ لأبوين، ثم لأب، وهكذا على ترتيب الميراث، ومع التساوي يقدم الأولى بالإمامة، وقيل الأسن، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، لأن دعاءه أقرب إجابة، لأنهم أفجع بالميت من غيرهم، وهو أكبر المقصود، فكانوا في التقديم أحق، فإن استووا في الصفات أقرع.
([12]) لأن له مزية على باقي الأجانب، فقدم لأجلها.
([13]) أي ومن قدمه ولي من أولياء الميت صار بمنزلته، في إمامة الصلاة على الميت، مع أهليته، كولاية النكاح، لا من قدمه وصي في الصلاة على الميت، فإن ذلك لما أمله الميت في الوصي من الخير، فإن لم يصل الوصي فإلى من بعده، وهذا إذا لم يجعل الموصي له ذلك، فإن جعله صح، وإن تقدم أجنبي بغير إذن ولي أو وصي صح، لأنه ليس فيه كبير افتيات تشح بها الأنفس عادة، فإن صلى الولي خلفه صار إذنًا، وإلا فله أن يعيد الصلاة عليه، لأنها حقه.
([14]) يعني في باب صلاة الجماعة، من أنه يليه الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء وفاقًا، وهو قول عثمان وعلي وجمهور الصحابة والتابعين، وكذا في المسير، وإذا دفنوا في قبر واحد، وروى البيهقي عن ابن عمر، أنه صلى على تسع جنائز، رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة، وأخرج أبو داود والنسائي وغيرهما، بسند صحيح، قال عمار: شهدت جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرت ذلك عليه، وفي القوم ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو قتادة، وأبو هريرة، فقالوا: هذه السنة. وفي رواية البيهقي: ونحوٌ من ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر المصلي
سعيد بن العاص، ولم يذكر ابن المنذر وغيره عنهم خلاف ذلك، وكان عليه الصلاة والسلام يقدم في القبر من كان أكثر قرآنًا، فيقدم حر مكلف الأفضل فالأفضل، فَعبْدٌ كذلك،، فصبي كذلك، ثم خنثى، ثم امرأة كذلك، قال الموفق: ولا نعلم خلافًا في تقديم الخنثى على المرأة.
([15]) أي فإن استووا في الفضل قدم أسن، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ((كبر كبر)) فإن تساووا في السن فسابق لسبقه.
([16]) في الكل، فقدم إلى الإمام من تخرج له القرعة كالإمامة.
([17]) أي من إفراد كل ميت بصلاة، وهو مذهب مالك، ولأنه أسرع، وأبلغ في توفر الجمع، وقيل عكسه، وفاقًا للشافعي، قال في الفروع: ويتوجه احتمال بالتسوية، وفاقًا لأبي حنيفة. اهـ. وإذا اجتمع موتى قدم من الأولياء للصلاة عليهم أولادهم بالإمامة، فإن تساووا أقرع، ولولي كل ميت أن ينفرد بصلاته على ميته.
([18]) إذا اجتمعوا، ليقف الإمام أو المنفرد من كل واحد من الموتى موقفه. ويسوى بين رؤوس كل نوع، وتكون عن يمين الإمام ندبًا، فلو كانت عن يساره أجزأت، صرح به المالكية، ووسط بفتح السين، وكل ما كان مصمتًا،وما كان يبين بعضه من بعض كوسط الصف فبالسكون.
([19]) من غير وجه، وفي الصحيح عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة أربعًا،وفيهما عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر، بعدما دفن، وكبر أربعًا, ويأتي.
([20]) وفاقًا في غير التعوذ، للأمر به، وعنه: لا يتعوذ وفاقًا، وأما البسملة فأجمعوا على الإتيان بها، وتقدم أنها آية من القرآن، قبل كل سورة سوى براءة، وأما الاستفتاح فأكثر العلماء أنه لا يستفتح، خلافًا لأبي حنيفة، لأن مبناها على التخفيف، كما أنه لا يقرأ السورة بعد الفاتحة، ولأنه لم يرد الاستفتاح فيها، فتركا لطولهما، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أنه لا يستحب قراءة سورة معها.
([21]) ولما رواه النسائي وغيره، عن أبي أمامة قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثًا، والتسليم عند الآخرة. وإسناده على شرطهما، وأبو أمامة هذا صحابي، ونحوه عن الضحاك، وللبخاري عن ابن عباس أنه صلى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة. وقال مجاهد: سألت ثمانية عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة على الجنازة، فكلهم قال: يقرأ. وكالصلوات، ولأنه فعل السلف، واستمر العمل عليه.
([22]) لنقل الخلف عن السلف من طرق متعددة، وعمل المسلمين عليه.
([23]) وأخرجه الحاكم وابن الجارود وغيرهما، قال الحافظ: ورجاله مخرج لهم في الصحيحين، ولفظ الحاكم: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه من السنة. وزاد الأثرم وغيره: والسنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل الإمام، وذكر أبو أمامة عن جماعة من الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في الصلاة على الجنازة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما سألوه: كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك، وقال أبو هريرة: إذا وضعت، يعني الجنازةـ كبرت وحمدت الله، وصليت على نبيه صلى الله عليه وسلم رواه مالك.
([24]) أي من قوله: ويخلص الدعاء للميت. وقال عليه الصلاة والسلام ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)) رواه أبو داود، وصححه ابن حبان، ويدعو بأحسن ما يحضره من الدعاء. قال الموفق: والأولى أن يدعو لنفسه ولوالديه، وللميت، وللمسلمين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا توقيت فيه، ونص عليه أحمد، وقال: ادع بأحسن ما يحضرك. وأخرج عن أبي الزبير: سألت جابرًا عما يدعى به للميت، فقال: ما أتاح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر ولا عمر. ومعنى: أتاح؛ قدر، والأمر المطلق بإخلاص الدعاء للميت يقضي بأن يخلص للمسيء كالمحسن، فإن ملابس المعاصي أحوج إلى دعاء
إخوانه المسلمين، ولذلك قدموه بين أيديهم، قيل: إن كان محسنًا فزده إحسانًا، وإن كان مسيئًا فأنت أولى بالعفو عنه خلاف وإخلاص الدعاء له، وفي صحيح مسلم عن عائشة «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين، يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه».
([25]) الغائب ضد الشاهد، والشاهد الحاضر.
([26]) المقصود الشمول والاستيعاب، كأنه قيل: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات. وذكر الصغير لعله لرفع الدرجات.
([27]) يجوز أن يكونا مصدرين، أي انقلابنا وثوانا، وأن يراد بهما المنزل. أي: إنك تعلم مرجعنا ومنصرفنا، ومأوانا ومنزلنا الذي نعود إليه.
([28]) قادر على المغفرة لنا معشر المسلمين، والعفو والرحمة أو النقمة، فلك القدرة العامة الشاملة لكل شيء فما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن.
([29]) أي على الإسلام والسنة، وفي رواية: فتوفه على الإيمان. والإسلام هو العبادات كلها، والإيمان شرط فيها، ووجودها في حال الحياة ممكن، بخلاف حالة الموت، فإن وجودها متعذر، فلهذا اكتفى بالموت على الإيمان خاصة، وطلب الحياة على الإسلام، الذي الإيمان جزء منه، ويفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة إذا اقترنا، وإذا افترقا فسر كل منهما بالآخر، والسنة في اللغة السيرة والطريقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرع الاجتماع عليها، جمعها سنن، كغرفة وغرف.
([30]) وأصله في صحيح مسلم، وفي آخره ((اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)) قال ابن القيم وغيره: روي من طرق تدل على أن له أصلاً.
([31]) أي زاد الموفق رحمه الله في المقنع لفظ: وأنت على كل شيء قدير؛ ولفظة: السنة. لكونه لائقًا بالمحل، ونبه عليه ليعلم أنه ليس في متن الحديث.
([32]) الضمير عائد إلى الميت، فلا يحول الضمير.
([33]) يهيأ للضيف أول ما يقدم، وفي رواية: وقه فتنة القبر، وعذاب القبر.
([34]) وليس هذا موضعه، فالفتح أولى، ليكون المعنى: وأوسع مكان الدخول.
([35]) بالتحريك، يعني المطر المنعقد، وجمع بينها مبالغة في التطهير، وليس المراد بالغسل هنا على ظاهره. وإنما هو استعارة بديعة، للطهارة العظيمة من الذنوب.
([36]) أي نقه من الذنوب بأنواع المغفرة، كما أن هذه الأشياء أنواع المطهرات من الدنس.
([37]) والزوج، بغير هاء، يقال للذكر والأنثى، وقد يقال للمرأة زوجة بالهاء. والمراد بالإبدال الفعلي أو التقديري، أي خيرًا من زوج لو تزوج، إذ منهم من ليس له دار بالدنيا.
([38]) وهذا من أجمع الأدعية، وقال ابن عبد البر: عذاب القبر، غير فتنته بدلائل من السنة الثابتة.
([39]) ولفظه: قال: فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الميت، بهذا الدعاء الجامع الشامل، إذ من أدخل الجنة، ونجي من عذاب القبر، وعذاب النار فقد تمَّ فوزه.
([40]) أي بعد قوله: «وأبدله دارًا خيرًا من داره» قال: «وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة ...» الخ.
([41]) أي فليست في صحيح مسلم، ورواه البيهقي وغيره بدونها، والذنب هو الإثم، والخطيئة الذنب.
([42]) «افسح» بفتح السين أي وسع، زاد الخرقي وغيره: اللهم إنه عبدك، وابن أمتك، نزل بك، وأنت خير منزول به. وقال ابن القيم: وحفظ من دعاء
النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر، ومن عذاب النار، فأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم)) ومنه: ((اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت رزقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وتعلم سرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها)) ورواه أبو داود وغيره.
وأصل الشفع الزيادة، فكأنهم طلبوا أن يزاد بدعائهم من رحمة الله، إلى ماله بتوحيده وعمله.
([43]) فيقول: اللهم اغفر لها، وارحمها؛ والأولى أن لا يحول، لعوده على الميت.
([44]) كهذه الجنازة، لأنه يصلح لهما، وينبغي عوده على الميت اتباعًا، لإطلاق النص.
([45]) يعني على جنونه، حتى مات.
([46]) وكذا إن أكمل الحديث، فقال: ((اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله)) لفعل السلف والخلف، ولمناسبته للحال، استحب أن يقول مكان الاستغفار للميت هذا الدعاء الآتي.
([47]) شبه تقدمه لهما بشيء نفيس يكون أمامهما مدخرًا، إلى وقت حاجتهما له.
([48]) وأصل الفرط والفارط فيمن يتقدم الجماعة الواردة إلى الماء، ليهيء لهم أسبابهم في المنزل، أي فاجعله سابقًا أمام والديه، مهيئًا لمصالحهما، بمدخر نفيس في الآخرة، إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما.
قال القاضي: وهو في هذا الدعاء الشافع يشفع لوالديه، وللمؤمنين المصلين عليه، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره ((أما تحب أنك لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك)).
([49]) أي أجرًا لوالديه، وشفيعًا لهما، مجاب الشفاعة، وللبيهقي عن أبي هريرة مرفوعًا «اللهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وذخرًا» وفي لفظ «وأجرًا» وزاد بعضهم «وعظة واعتبارا».
([50]) أي بثواب الصبر على فقده أو الرضى به.
([51]) وسيأتي ذكر ما في الصبر عليه من الأجر الجزيل.
([52]) أي آبائهم المتقدمين، ومن فضل الله وكرمه أنه يلحق بالذين آمنوا وعملوا الصالحات ذريتهم.
([53]) إشارة إلى ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره عن خالد بن معدان «إن في الجنة لشجرة يقال لها طوبى، كلها ضروع، من مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى، وحاضنهم إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام».
([54]) لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا، «والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» وفي رواية «بالعافية والرحمة» رواهما أحمد، ولفظ الترمذي وغيره «والطفل» الخ وأي دعاء دعا به مما ذكر ونحوه أجزأ، والجحيم اسم من أسماء النار، قال الخليل: هي النار الشديدة.
([55]) فالدعاء لوالديه أولى من الدعاء له، وما ذكر من الدعاء لائق بالمحل، مناسب لما هو فيه، فشرع فيه الاستغفار للبالغ.
([56]) أي موالي الصغير والمجنون، حيث كان له موال يعلم إسلامهم لقيامهما مقام والديه في المصاب به، فيقول: ذخرًا لمواليه الخ، قال شيخ الإسلام: ومن كان من أمة أصلها كفار، لم يجز أن يستغفر لأبويه، إلا أن يكونا قد أسلما للآية. اهـ. وأما ولد الزنا فيدعى لأمه فقط، لثبوت نسبه منها، بخلاف أبيه، وإن كان كل منهما زانيًا، وكذا المنفي بلعان.
([57]) لحديث زيد بن أرقم: كان يكبر أربعًا، ثم يقف ما شاء الله، فكنت أحسب أن هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف رواه الجوزجاني، ولما يأتي من حديث ابن أبي أوفى وغيره.
([58]) وفاقًا في الأخيرتين، لما تقدم من أن مبناها على التخفيف، وأما الدعاء فعنه: يدعو بعد الرابعة كالثالثة، اختاره المجد وغيره، وفاقًا لجمهور العلماء،
ولأن ابن أبي أوفى فعله، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وفعله، رواه أحمد وابن ماجه، والبيهقي، والحاكم وصححه، وقال أحمد: هو أصلح ما روي، ولا أعلم شيئًا يخالفه، ولأنه قيام في جنازة، أشبه الذي قبله، وقال في المحرر: بل يجوز في الرابعة، ولم يذكر خلافًا، فقول{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}وصح أن أنسًا كان لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا الدعاء، واختار أبو بكر، وفاقًا للشافعية وغيرهم: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله. ولأنه لائق بالمحل.
([59]) وفاقًا لمالك، يجهر بها الإمام كالمكتوبة.
([60]) ولقوله «وتحليلها التسليم» وقيل لأحمد: أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الجنازة تسليمتين؟ قال: لا؛ ولكن عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة خفيفة. وذكره البيهقي عن عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم: وهو المعروف عن ابن أبي أوفى. اهـ. وتقدم، ولأنه أشبه بالحال، وأكثر ما روي في التسليم، وقول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين، ولأن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف، وقال ابن المبارك: من سلم على جنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل، واختار القاضي أن المستحب تسليمتان، وواحدة تجزئ، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، قال الموفق: وقول القاضي مخالف لقول إمامه وأصحابه، ولإجماع الصحابة والتابعين. والجوزجاني هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق، ثقة مات سنة 259هـ وعطاء بن السائب أبو محمد الثقفي الكوفي، صدوق مات سنة 136هـ.
([61]) أي ويجوز أن يسلم من صلاة الجنازة تلقاء وجهه، من غير التفات، ويجوز أن يسلم تسليمة ثانية عن يساره، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، لما ذكر الحاكم وغيره عن ابن أبي أوفى: ثم سلم عن يمينه، وعن شماله، فلما انصرف قال: إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. قال في المبدع: ويتابع الإمام في الثانية كالقنوت، وظاهر كلام ابن الجوزي يُسِرُّ بها وفاقًا، ويجزئ وإن لم يقل: ورحمة الله؛ لما روى الخلال عن علي، وفيه وقال: السلام عليكم، لكن ذكر الرحمة أليق بالحال، فكان أولى.
([62]) أي ويسن وقوف المصلي على الجنازة مكانه، إمامًا كان أو مأمومًا، حتى ترفع الجنازة من بين أيديهم، قال مجاهد: رأيت ابن عمر لا يبرح من مصلاه، حتى يراها على أيدي الرجال. وقال الأوزاعي: لا تنفَضُّ الصفوف حتى ترفع الجنازة، وهو قول عامة العلماء.
([63]) وقال الشافعي: ترفع للأثر، والقياس على السنة في الصلاة، ورواه هو والبيهقي وغيرهما عن ابن عمر وأنس، وسعيد عن ابن عباس، والأثرم عن عمر وزيد بن ثابت، ولأنه لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود، فسن فيها الرفع، كالصلاة، وحكى الشارح أن الرفع في التكبيرة الأولى إجماع، وصفة الرفع وانتهاؤه كما سبق، وروى الترمذي وغيره، بسند فيه ضعف: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أول التكبير، ويضع اليمنى على اليسرى.
([64]) يعني من المطلوب في صفتها ستة أشياء، و«صلاة الجنازة» من إضافة الشيء إلى سببه.
([65]) أي قيام قادر، إن كانت الصلاة على الميت فرضًا وفاقًا، حكاه الوزير وغيره، كسائر الصلوات المفروضة، لعموم «صل قائمًا» فلا تصح من قاعد، ولا راكب راحلة بلا عذر، وعلم منه أنها لو تكررت لم يجب القيام على من صلى على جنازة، بعد أن صلى عليها غيره، لسقوط الفرضية بالأولى.
([66]) أجماعًا، لما في الصحيحين وغيرهما من غير وجه، عن ابن عباس وأبي هريرة، وجابر وأنس وغيرهم، أنه صلى الله عليه وسلم كبر أربعًا، وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات، وقال: لا يجوز النقص عن الأربع، وقال النخعي: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي مسعود، فأجمعوا على أربع، وذكر ابن عبد البر وغيره أنه قد أجمع الفقهاء، وأهل الفتوى بالأمصار على أربع، على ما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما سوى ذلك عندهم شذوذ.
وقال النووي: قد كان لبعض الصحابة وغيرهم خلاف في أن التكبير المشروع خمس، أم أربع، أم غير ذلك، ثم انقرض ذلك الخلاف، وأجمعت الأمة الآن على أنه أربع تكبيرات، بلا زيادة ولا نقص. اهـ. فإن ترك غير مسبوق تكبيرة عمدًا بطلت، وسهوا يكبرها ما لم يطل الفصل، فإن طال، أو وجد مناف، من كلام أو نحوه استأنف، لفعل أنس، لما كبر ثلاثًا قيل له؛ فكبر الرابعة، رواه البخاري وغيره، ورواه حرب وغيره من طريق آخر، أنه رجع فكبر أربعًا، ولعل الأولى مع عدم المنافي، وفي الرواية الثانية أنه تكلم، وعوده إلى ذلك دليل إجماعهم على أنه لا بد من أربع، والأولى أن لا يزيد على أربع، لأن المداومة تدل على الفضيلة.
وقال النووي أيضًا: صحت الأحاديث بأربع تكبيرات وخمس، وهو من الاختلاف المباح، وليس إخلالاً بصورة الصلاة، فلا تبطل به، وقال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يكبر أربع تكبيرات، وصح أنه كبر خمسًا، وكان
الصحابة بعده يكبرون أربعًا وخمسًا، وستًا وسبعًا، وقال سعيد بن منصور: هذه آثار صحيحة، فلا موجب للمنع منها، وقال في الشرح: ولا يجوز الزيادة على سبع تكبيرات، لا يختلف المذهب فيه، وقال غيره: لا خلاف في أنه لا يتابع في الزائد عليها، قال أحمد: هو أكثر ما جاء فيه اهـ. ولا تستحب إجماعًا. وحكى الوزير عن أبي حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن أحمد: لا يتابع ما زاد على أربع، قال أبو المعالي: وهو المذهب، لأنه زاد على القدر المشروع. وذكر ابن حامد وجهًا: تبطل بمجاوزة أربع عمدًا، وقال الشافعي؛ واحتج بحديث النجاشي، قال أحمد: والحجة له. ولا يجوز للمأموم أن يسلم قبل إمامه، نص عليه أحمد وغيره.
([67]) أي وتجب قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد، على الأصح، وفاقًا للشافعي، لقوله ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وغير ذلك مما تقدم، وعنه: لا تجب، قال شيخ الإسلام: لا تجب قراءة الفاتحة، بل هي سنة، وفاقًا لمالك والشافعي، ويتحمل قراءة الفاتحة الإمام عن المأموم كالفريضة.
([68]) لقوله «لا صلاة لمن لم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم» ونحوه، ولا يتعين لفظ صلاة مخصوص، لأن المقصود مطلق الصلاة.
([69]) أي والخامس دعوة للميت أي دعاء له، وفاقًا، لأنه هو المقصود، فلا يجوز الإخلال به، وقد نقل فيه ما لم ينقل في القراءة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أوكد، وقال النووي: الدعاء واجب في الثالثة بلا خلاف، وليس لتخصيصه بها دليل واضح اهـ. وإنما قدم الثناء على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهما سنة الدعاء، والسادس السلام إجماعًا، والمراد واحدة، كما هو قول الجمهور، فـ«أَلْ» للعهد، لأنه عليه الصلاة والسلام يسلم في صلاة الجنائز، وقال ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
([70]) أي للصلاة على الميت، وتقدم حديث ((إنما الأعمال بالنيات)) وأنها القصد، وأن التلفظ بها بدعة، وعبارة الإقناع والمنتهى: ويشترط لها ما يشترط لمكتوبة، إلا الوقت، وحكاه غير واحد اتفاقًا، مع حضور الميت وإسلامه وتطهيره.
([71]) ذكرًا كان أو أنثى، أو على هؤلاء الموتى، وإن كانوا جماعة فمعرفة عددهم أولى.
([72]) أي غير الذكر، وهو الأنثى أو الخنثى، قال في الرعاية: ولا يشترط معرفة عين الميت في الصلاة، لعدم توقف المقصود على ذلك، فينوي الصلاة على الجنازة الحاضرة، أو على هذه الجنازة، ونحو ذلك.
وقال في الإقناع: والأولى معرفة ذكوريته وأنوثيته، واسمه وتسميته في دعائه له، ولا يعتبر ذلك.
([73]) واجزأت، وعليه العمل، ولم يرو أن كل مصل يسأل عمن يصلي عليه.
([74]) لتزول الجهالة، وإذا عينه لم تصح على غيره، لأن قوة التعيين تصير ما سوى المعين غير مراد، ولا مقصود، ولفظ أبي المعالي: فإن نوى الصلاة على معين من موتى، كأن يريد زيدًا فبان غيره لم تصح، قال في الفروع: وهو معنى كلام غيره.
([75]) وعكسه إن نوى على هذه المرأة، فبان رجلاً أجزأ، لعدم اختلاف المقصود باختلاف ذلك.
([76]) لأن الصلاة شفاعة له ودعاء، والكافر ليس أهلاً لذلك، قال تعالى { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}.
وقال أحمد: الرافضة والجهمية لا يصلى عليهم. وقال: أهل البدع إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على من به دون ذلك، فالأولى أن تترك الصلاة عليهم.
وقال شيخ الإسلام: من كان مظهرًا للإسلام، فإنه يجرى عليه أحكام الإسلام الظاهرة، من تغسيله والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ونحو ذلك، لكن من علم من النفاق والزندقة، فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه، وإن كان مظهرًا للإسلام، وذكر الآية، وقوله{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية.
ثم قال: وأما من كان مظهرًا للفسق، مع ما فيه من الإيمان، كأهل الكبائر، فلا بد أن يصلي عليهم بعض المسلمين، ومن امتنع زجرًا لأمثاله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كان حسنًا، وإن صلى يرجو رحمة الله، ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان حسنًا، وإن امتنع في الظاهر، ودعا في الباطن، كان أولى، وكل من لم يعلم منه النفاق، وهو مسلم، يجوز الاستغفار له، والصلاة عليه، ويؤمر به، كما قال تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وإن اختلط المسلمون بالمشركين، ولم يتميزوا غسل الجميع، وصلي عليهم، سواء كان عدد المسلمين أقل أو أكثر، وهذا مذهب مالك والشافعي، قياسًا على ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على المجلس الذي فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.
([77]) وفاقًا، لأن العجز عن الطهارة، لا يسقط فرض الصلاة كالحي، وكباقي الشروط.
([78]) أي وإن عجز عن طهارته من الحدث أو النجس يمم وصلي عليه.
([79]) أي كما يشترط للمكتوبة، من الاستقبال إلى جهة القبلة، وستر العورة، فيشترط في صلاة الجنازة استقبال القبلة، وستر أحد عاتقيه على المذهب، بخلاف النفل فلا يشترط له ذلك.
([80]) أي يدي المصلي، والمراد قبل الدفن، وصرح به جماعة في المسبوق وفاقًا، ولأنه لا صلاة بدون الميت، وقال عثمان: لو كبر على جنازة، ثم جيء بأخرى، كبر ثانية ونواهما، فإن جيء بثالثة كبر الثالثة، ونوى الجنائز الثلاث، فإن جيء برابعة كبر الرابعة ونوى الكل، فيصير مكبرًا على الأولى أربعًا، وعلى الثانية ثلاثًا، وعلى الثالثة اثنتين، وعلى الرابعة واحدة فيأتي بثلاث تكبيرات أخر، فيتم سبعًا يقرأ في خامسة ما ذكر في المتن.
([81]) قبل الدفن، نص عليه وفاقًا، ولا من وراء خشب، كالتابوت المغطى بخشب، فلا تصح على الميت وهو فيه، بخلاف السترة من غير ذلك، فإنها لا تمنع الصحة، وكذا يشترط تكفينه، فلا تصح قبل أن يغسل، أو ييمم لعدم، ويكفن، وسن دنوه منها، وقال المجد وغيره: قربها من الإمام مقصود، لأنه يسن الدنو منها.
([82]) أي أتى بالتكبير نسقًا، ويقضي الثلاث استحبابًا.
([83]) فيتابع إمامه فيما أدركه فيه، ولا ينتظر تكبيرة الإمام المستقبلة، بل يدخل معه في الحال، كالفريضة، ولقوله «فما أدركتم فصلوا» وهذا مذهب الشافعي، ورواية عن مالك، وقول جمهور العلماء، وحكي إجماعًا، والمحاكاة المضاهاة أي المشابهة.
([84]) فإذا سلم إمامه كبر وقرأ الفاتحة، ثم راعى باقي التكبيرات ترتيب نفسه، لا ما يقوله إمامه، وفاقًا للشافعي، وعنه يقضيه على صفته، على ما تقدم في أحكام المسبوق، ومتى أدرك الإمام في الأولى، فكبر وشرع في القراءة، ثم كبر الإمام قبل أن يتمها، قطع القراءة وتابعه.
([85]) أي والي بين التكبير، من غير ذكر ولا دعاء، رفعت الجنازة أو لم ترفع من بين يديه، قدمه في الفروع، وحكاه نصًا.
واختاره أكثر الأصحاب وفاقًا، لما روى نافع عن ابن عمر أنه قال: لا يقضي، فإن كبر متتابعًا فلا بأس. قال الموفق: ولم يعرف له مخالف من الصحابة، فكان إجماعًا.
([86]) وعنه: يقضيه بعد سلام إمامه، لا يأتي به ثم يتابع الإمام، في أصح الروايتين وفاقًا، واختاره أبو بكر، والآجري والحلواني وابن عقيل وشيخنا وغيرهم، ويستحب للمسبوق أن يدخل ولو بين التكبيرتين إجماعًا.
([87]) أي استحب له الصلاة على القبر بلا نزاع، وقال أحمد: من يشك في الصلاة على القبر؟ ويكون الميت بينه وبين القبلة، وفي الإقناع: استحب له إذا وضعت أن يصلي عليها، قبل الدفن أو بعده، ولو جماعة على القبر.
([88]) وتجوز قريبًا منه، لدلالة الخبر عليه.
([89]) ولفظ حديث أبي هريرة: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال ((أفلا آذنتموني؟ دلوني على قبرها)) فدلوه فصلى عليها. ولفظ حديث ابن عباس: أنه انتهى إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعًا، وجاء في الصلاة على القبر أحاديث كثيرة.
قال ابن رشد: ثابتة باتفاق من أصحاب الحديث. اهـ.
فأما من لم يصل عليه، ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة والإجماع باق؛ قال أحمد: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة أوجه أو ثمانية، أنه صلى على قبر بعدما دفن.
ومن صُلَّي عليه فقد قال بمشروعية الصلاة عليه الجمهور، ومن اعتذر عن هذه السنة المشهورة فلعلها لم تبلغه من طريق يثق به، وفي الفصول: لا يصلى عليه مرتين كالعين، وقيل يصلى، اختاره في الفنون، وشيخ الإسلام، وجمهور السلف، لأنه دعاء، ويجوز جماعة وفرادى.
قال أحمد: لا بأس به، قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وفي المحرر: يصلي تبعًا، وإلا فلا، إجماعًا وقال: تستحب إعادتها تبعًا مع الغير، ولا تستحب ابتداء. اهـ.
وكما لو صُلَّي عليه بلا إذن ولي حاضر، أو ولي بعده حاضر، فإنها تعاد تبعًا وفاقًا، وقال شيخ الإسلام: لا تعاد الصلاة عليها إلا لسبب، مثل أن يعيد غيره فيعيد معهم، أو يكون أحق بالإمامة من الطائفة الثانية، فيصلي بهم.
([90]) يعني إلى شهر، فحد الصلاة على القبر بشهر، إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعده، والحديث رواه البيهقي، وروى نحوه عن ابن عباس، وقال الحافظ: إسناده مرسل صحيح، وحده الشافعي بما إذا لم يبل الميت، ومنع منه مالك وأبو حنيفة، إلا للولي إذا كان غائبًا، وقال ابن القيم: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على القبر بعد ليلة، ومرة بعد ثلاث، ومرة بعد شهر، ولم يوقت في ذلك وقتًا انتهى، وقال ابن عقيل: يجوز مطلقًا، لقيام الدليل على الجواز، وما وقع من الشهر فاتفاق، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد، بعد ثمان سنين، رواه البخاري وغيره، وفي السنن وغيرها أنه صلى على قبر بعد شهرين.
([91]) كيوم أو يومين، وقالوا: إن شك في نقصان المدة صلى حتى يعلم فراغها، ويؤخذ من كلامهم الشك في التوقيت من الشارع، وتقدم في الصحيح أنه صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين، ولم يثبت توقيت يجب المصير إليه، وأما الصلاة عليه مطلقًا فباطل، فإن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى عليه الآن إجماعًا.
([92]) قال الحافظ: وبذلك قال الشافعي وأحمد، وجمهور السلف، وقال ابن جزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، قال الشافعي: الصلاة على الميت دعاء له، فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر، وقيل: إن لم يكن صلي عليه، وإلا فلا. اختاره الشيخ، وقال: ولا يُصلَّى كل يوم على غائب، لأنه لم ينقل. وقال ابن القيم: مات خلق عظيم وهم غيب، فلم يصل عليهم، وإنما صلى على النجاشي، وفعله سنة، وتركه سنة، وصوب أنه إن مات ببلد لم يصل عليه صلي عليه، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، وإلا فلا. اهـ.
ولا يصلى على غائب في أحد جانبي البلد، ولو كان كبيرًا، ولو لمشقة مطر أو مرض، قال الشيخ: والقائلون بالجواز قيدوه بالكبير، وفي الإنصاف: هو مراد من أطلق، قال الشيخ: وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة، لأنه إذًا من أهل الصلاة في البلد، فلا يعد غائبًا عنها، قال: ولا بد من انفصاله عن البلد، بما يعد الذهاب إليه نوع سفر.
([93]) قال في الفروع: ولم يوقت في ذلك وقتًا، وصحح في تصحيحها الجواز، وتقدم جوازه إلى سنة أو ما لم يبل.
([94]) ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي، فكبر عليه أربعًا. وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((توفي اليوم رجل صالح من الحبشة، فهلموا فصلوا عليه)) فصففنا خلفه فصلى عليه، ونحن صفوف، ونحوه للجماعة عن أبي هريرة: نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات. والنجاشي هو ملك الحبشة، وكان اسمه «أصحمة» ومعناه بالعربية عطية، ويسمى كل من ملك الحبشة النجاشي، كما يسمى كل خليفة للمسلمين أمير المؤمنين، ومن ملك الروم قيصر، والفرس كسرى، والترك خاقان، والقبط فرعون، ومصر العزيز.
([95]) فيصلى عليه، والمذهب إلى شهر، ويسقط شرط الحضور للحاجة، والغسل للتعذر، وإن حضر استحب أن يصلى عليه ثانيًا، جزم به ابن تميم وغيره.
([96]) أي كل الميت لو وجد، يغسل ويكفن، ويصلى عليه.
([97]) فلا لأنه في حكم المنفصل حال الحياة، بل ولا حياة فيها.
([98]) وجوبًا، إن لم يكن صلي عليه، لأن أبا أيوب صلى على رجل إنسان، رواه أحمد، وصلى عمر على عظام بالشام، وأبو عبيدة على رؤوس، رواهما عبد الله بن الإمام أحمد والبيهقي.
وقال الشافعي: ألقى طائر يدًا بمكة، من وقعة الجمل، عرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلى عليها أهل مكة، وهذا مذهب مالك والشافعي، وجماهير أهل العلم، وقال الموفق: هو إجماع الصحابة، ولأنه بعض من ميت، فثبت له حكم الجملة، فإن كان بعضًا من ميت صلي عليه فندباً، وإن كان الباقي أكثر فوجوبًا، وقيل: يصلى عليه مطلقًا، وأما تغسيله وتكفينه، ودفنه فيجب وفاقًا.
([99]) أي ثم إن وجد الباقي بعد غسل بعض الميت وتكفينه ودفنه، يغسل ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن بجنب القبر، أو في جانبه، ولا ينبش ليضاف إليه.
([100]) أي من سبع أو غيره، ولو مع مشاهدة الآكل، لفقد شرطها من الغسل والتكفين.
([101]) كما لو وقع في ملاحة، أو حلة صابون، لأنه لم يبق منه ما يصلى عليه.
([102]) كيد وساق قطعت في سرقة، أو لآكلة، لأن الصلاة على الميت دعاء له وشفاعة، وهذا عضو لا حكم له في الثواب والعقاب.
([103]) ليأخذه لنفسه ويختص به، وفي اللغة الخائن، قال القاضي عياض: لكنه صار في عرف الشرع لخيانة المغانم خاصة، يقال: غل وأغل.
([104]) ورجال إسناده رجال الصحيح، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه زجرًا لأمثاله عن الغلول، كما امتنع من الصلاة على المديون، وأمرهم بالصلاة عليه، وفي الحديث جواز الصلاة على العصاة، وتقدم أنهم أحق بالشفاعة، وأحوج إليها، وتحريم الغلول محتم، وإن كان حقيرًا، وقد ورد في الوعيد عليه أحاديث كثيرة، وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، لإخباره بذلك، وانكشاف الأمر.
([105]) فرواه أصحاب السنن والمساند وغيرهم. واختار المجد وغيره أنه لا يصلى على كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة, وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه وعلى الغال، وهو الإمام الأعظم، عليه أفضل الصلاة والسلام، يدل على ذلك، وما ثبت في حقه ثبت في حق غيره، ما لم يقم دليل على اختصاصه، والأصل عدم الخصوصية وأمره بالصلاة عليهما، يدل على وجوبها عليهما، فيصلى عليهما، وعلى سائر العصاة، كسارق وشارب خمر، ومقتول قصاصًا أو حدًا أو نحوه، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية، وعلى الأسلمي.
وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء، إلى أنه يصلي على الفاسق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك الصلاة على الغال وقاتل نفسه زجرًا للناس، وصلت عليهما الصحابة، ويدل عليه قوله ((صلوا على من قال لا إله إلا الله)) وقوله ((أما أنا فلا أصلي عليه)).
وقال النووي وغيره: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم، ومحدود ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا، ونحوهم، وقال أحمد: من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، نصلي عليه، وندفنه، قال شيخ الإسلام: وإن كان منافقًا، كمن علم نفاقه، لم يصل عليه، اهـ. ولو صلى الإمام الأعظم عليهما فلا بأس، كبقية الناس، وعنه: يصلي على كل، اختاره ابن عقيل وغيره، وذكره في الفروع وفاقًا، وإن تركهما أئمة الدين زجرًا فهو أولى، وإن صلى يرجو رحمة الله، ولم يكن في الامتناع مصلحة راجحة فحسن، وإن امتنع في الظاهر، ودعا له في الباطن فحسن أيضًا وتقدم.
([106]) كما في القاموس، وفي النهاية: نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض، فإذا كان عريضًا فهو المعبلة.
([107]) وإن لم يؤمن تلويث المسجد حرم، خشية تنجيسه، وهذا مذهب الشافعي وابن المنذر، وغيرهم من الفقهاء، وبعض أصحاب مالك، وقال ابن القيم وغيره: لم يكن من هديه الراتب الصلاة على الجنائز في المسجد، وإنما كان يصلي خارجه، وربما صلى عليها فيه، ولكن لم يكن من سنته وعادته، وكلاهما جائز، والأفضل خارجه.
([108]) بألفاظ منها: لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد، سهيل وأخيه. وفي رواية: أمرت أن تمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد، فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس! ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد، وفي رواية: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وبنوا بيضاء ثلاثة، سهل وسهيل وصفوان، وأمهم البيضاء، وصف لها، واسمها دعد، وأبوهم وهب بن ربيعة الفهري القرشي.
([109]) الأول عن عروة، والثاني عن ابن عمر، ورواه مالك أيضًا، وأخرجهما ابن أبي شيبة بلفظ: أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبًا صلى على عمر في المسجد، قال الخطابي: ثبت ذلك، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا ذلك، وذكره ابن المنذر عن أبي بكر وعمر وغيرهما، وعن سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، وهو مذهب الجمهور، وكرهه أبو حنيفة ومالك، واحتجوا بما روي ((من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له)) قال أحمد وغيره: ضعيف، لا يحتج به، وفي النسخ المشهورة المحققة من سنن أبي داود ((فلا شيء عليه)) فلا حجة فيه، ولا ينبغي أن يكره شيء مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([110]) ففي الصحيحين وغيرهما من غير وجه ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل: وما القراطان؟ قال ((مثل الجبلين العظيمين)) وللبخاري، ((من شيع)) ولمسلم ((من خرج معها ثم تبعها حتى تدفن)) وذكر ابن القيم أنه لم يزل حريصًا على معرفة المراد بالقيراط، حتى رأى لابن عقيل أنه نصف سدس درهم مثلاً، أو نصف عشير دينار، وأنه لا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر، لأن ذلك يدخل فيه ثواب الأعمال الصالحة، كالصلاة والحج، وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ إليه، وأنه لم يبق إلا أن يرجع إلى الأجر المعهود، وهو العائد إلى الميت، ويتعلق به صبر على المصيبة فيه، وتجهيزه، وغسله ودفنه، وغير ذلك، فكان للمصلي من ذلك الأجر قيراط، نصف دانق، سدس درهم، وإن تبعه كان له قيراطان، فيكون نسبة القيراط إلى الأجر الكامل، وهو بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه، وكلما كان أعظم، كان القيراط منه بحسبه. اهـ. ولا سيما بحسب المشقة والإخلاص.
ولما كان المتعارف به حقيرًا، نبه الشارع على عظم القيراط الحاصل لمن فعل ذلك، وأخبر أنه مثل الجبل العظيم، وفي رواية ((مثل أحد)) وفي رواية في القيراطين ((أصغرهما مثل أحد))، فبين أن زنة الثواب المترتب على ذلك العمل مثل الجبلين العظيمين، وكثيرًا ما يمثل الشارع أمور الآخرة بأمور الدنيا للتقريب إلى الأفهام، وإلا فذرة من ذرات الآخرة خير من الدنيا بأسرها وأمثالها معها، وخص الصلاة عليه والدفن بالذكر لكونهما المقصود، بخلاف باقي أحوال الميت، فإنها وسائل.
([111]) لقوله صلى الله عليه وسلم ((حتى تدفن)) وظاهره أن من شرط حصول القيراط الثاني شهود الصلاة، ولأحمد «حتى توضع في اللحد» بدل تدفن.



  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 12:58 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ وَسَطِهَا
قوله: «السنّة أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها» ، لم يفصح المؤلف في هذا الفصل عن حكم الصلاة على الميت؛ لأنه ذكرها في أول الفصل في قوله: «غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، فرض كفاية» .
وعلى هذا فنقول: الصلاة على الميت فرض كفاية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالصلاة على الميت فقال في قصة الرجل الذي عليه الدين: «صلوا على صاحبكم».
وقال في الذي قتل نفسه بمشاقص: «صلوا على صاحبكم»، وقال: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله».
ويشير إلى هذا قوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] .
فإن هذا يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان من هديه أن يصلي على الأموات.
فالصلاة على الميت فرض كفاية، وتسقط بمكلف، أي: لو صلّى عليه مكلف واحد ذكر، أو أنثى، فإن الفرض يسقط.
وقد يقال: كيف لا يوجد إلا رجل واحد أو امرأة واحدة؟
الجواب: هذا ممكن، مثل: أن يموت شخص في مكان مجهول، ولا يعلم عنه فيصلي عليه واحد من الناس فيكفي.
ومثل ذلك ما يسأل عنه بعض أهل البادية، يقولون: إنا كنا ندفن الأموات الصغار بدون صلاة؟.
فنقول لهم: يصلي واحد منكم على هؤلاء الذين دفنوا ويكفي، حتى لو صلت امرأة واحدة على أحد من الناس كفى؛ لأن فرض الكفاية يسقط بواحد.
واشترطنا أن يكون مكلفاً؛ لأن الصلاة على الجنازة فرض، والفرض لا يقوم به إلا المكلف.
وأمَّا كيفية الصلاة على الميت فبينها المؤلف -رحمه الله- بقوله: «السنّة أن يقوم الإمام عند صدره، وعند وسطها» .
فيستحبُّ على هذا أن يقوم الإمام عند صدر الرجل، وعند وسط المرأة.
والصحيح أنه يقف عند رأس الرجل، لا عند صدره؛ لأن السنّة ثبتت بذلك.
وعند وسطها، أي وسط المرأة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((قام على امرأة ماتت في نفاسها عند وسطها)).
والحكمة في ذلك: أن وسطها محل العجيزة والفرج، فكان الإمام عنده ليحول بين المأمومين وبين النظر إليها، هذه من الحكمة، والله أعلم.
والوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة مستحب، فلو وقف عند الرجلين أجزأ، ولكن لو لم يكن الميت بين يدي الإمام لم يجزئ.
وقوله: «أن يقوم الإمام عند صدره» ، يفهم منه أن هذه الصلاة كغيرها من الصلوات يكون الإمام هو المتقدم والمأمومون خلفه، وقد جرت عادة كثير من الناس اليوم أن يقوم مع الإمام الذين قربوا الجنازة إلى الإِمام، فيقومون عن يمينه غالباً دون يساره، وأحياناً عن يمينه وعن يساره، وكل هذا خلاف السنة.
بل السنّة أن يتقدم الإمام، وأما الذين قدموا الجنازة إلى الإمام، فإن كان لهم محل في الصف الأول صفوا في الصف الأول، وإن لم يكن لهم محل صفوا بين الإمام وبين الصف الأول من أجل أن يتميز الإمام بمكانه، ويكون أمام المأمومين، ثم إن قدر أن المكان ضيق لم يتسع لوقوف الإمام وصف خلفه فإنهم يصفون عن يمينه وعن شماله وليس عن اليمين فقط؛ لأن صف المأمومين كلهم عن يمين الإمام خلاف السنّة أيضاً.
ودليل ذلك: أن السنّة أولاً إذا كانوا ثلاثة وقاموا جماعة فإن الإمام يكون بين الاثنين دلّ ذلك على أنه متى كان الصف مع الإمام فإنهم يكونون عن يمينه وعن يساره.
فإذا قال قائل: السنّة إذا كانوا ثلاثة أن يتقدم الإمام؟
قلنا: نعم، هذا هو الذي آل إليه الحكم أخيراً، والحكم الأول وهو الصف مع الإمام عن يمينه وشماله نسخ، لكن الذي نسخ من الحكم الأول هو كون الإمام بينهما، أما إذا كانوا لا بد أن يصفوا معه، فإن السنّة باقية، أي: أن يكونوا عن يمينه وعن شماله.
تنبيه: لا يشترط أن يكون رأس الميت عن يمين الإمام، فيجوز أن يكون عن يسار الإمام ويمينه. خلافاً لما يعتقد بعض العامة من أنه لا بد أن يكون عن يمينه.
وَيُكَبِّرُ أَرْبَعاً يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ التَّعَوُّذِ الفَاتِحَةَ،...........
قوله: «ويكبّر أربعاً» التكبيرات عند الفقهاء هنا كلها أركان؛ لأنها بمنزلة الركعات، فكل تكبيرة عن ركعة.
والتكبيرات في الصلوات الأخرى، منها ما هو ركن، ومنها ما هو واجب، ومنها ما هو سنّة.
فالركن ـ في غير صلاة الجنازة ـ هي: تكبيرة الإحرام.
والسنّة هو: تكبيرة المسبوق إذا جاء والإمام راكع، فيكبّر تكبيرة الإحرام واقفاً، ثم يركع، والأفضل أن يكبّر للركوع وإن لم يكبر فلا حرج.
والواجب: ما عدا ذلك، هذا هو الراجح.
وذهب بعض العلماء: إلى أن التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام سنّة، وأن الرجل لو تعمد تركها لم تبطل صلاته، لكن ما ذكرناه هو ما مشى عليه أصحاب الإمام أحمد رحمه الله.
قوله: «يقرأ في الأولى بعد التعوّذ الفاتحة» ، أي: في التكبيرة الأولى بعد التعوّذ، أي: بعد قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقرأ الفاتحة.
ودليل التعوذ عموم قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل] .
وعُلم من كلامه أنه لا استفتاح فيها.
وعلل العلماء القائلون بهذا: بأن هذه الصلاة مبنية على التخفيف، ولهذا ليس فيها ركوع ولا سجود، ولا قراءة مطولة زائدة على الفاتحة، بل ولا قراءة زائدة مطلقاً على قول بعض العلماء، ولا تشهّد، وليس فيها إلا تسليم واحد.
وقال بعض أهل العلم: بل يستفتح؛ لأنها صلاة، فيستفتح لها كما يستفتح لسائر الصلوات.
وقوله: «بعد التعوذ الفاتحة» ، أفادنا ـ رحمه الله ـ: أن الفاتحة لا بد منها، وهو كذلك.
والفاتحة في صلاة الجنازة ركن؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، وصلاة الجنازة صلاة؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} فسماها الله صلاة، ولأن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قرأ الفاتحة على جنازة، وقال: ((لتعلموا أنها سنة)).

وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي الثَّانِيَةِ كالتَّشَهُّدِ، وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَشَاهِدنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرنا وَكَبِيرنَا، وَذَكَرنَا وأُنْثَانَا......
قوله: «ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم في الثانية كالتشهّد» ، أي: يصلي في التكبيرة الثانية «كالتشهّد» أي: كما يصلي عليه في التشهّد. والصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم في التشهّد هي: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وإن اقتصر على قوله: «اللهم صلّ على محمد» كفى كما يكفي ذلك في التشهّد.
قوله: «ويدعو في الثالثة» أي: في التكبيرة الثالثة يدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء دعا جاز، إلا أنه يخلص الدعاء للميت، أي: يخصه بالدعاء.
والدعاء للميت: عام، وخاص، وقد ذكرهما المؤلف ـ رحمه الله ـ، فبدأ بالدعاء العام أوّلاً.
قوله: «فيقول: اللهم اغفر» ، أي: يا الله اغفر، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه، وليست ستر الذنب فقط، بل ستر وتجاوز، وهي مأخوذة من المغفر الذي يغطى به الرأس عند القتال؛ لأنه يتضمن ستراً ووقاية.
قوله: «لحينا وميتنا» ، أي: لحينا نحن المسلمين، وميتنا كذلك نحن المسلمين، وهذا عام؛ لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يعم فيشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، والشاهد والغائب.
وإنما قلت هذا لتعتبر هذا فيما يأتي.
قوله: «وشاهدنا وغائبنا» ، هذا أيضاً عموم داخل في العموم الأول، والعموم الأول داخل فيه أيضاً أي: يشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، والحي والميت.
قوله: «وصغيرنا وكبيرنا» كسابقه، فهو عام.
قوله: «وذكرنا وأُنثانا» كسابقه، فهو عام.
إذا قال قائل: لماذا التطويل والتفصيل؟
قلنا: لأن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط.
والسنّة في الدعاء أن تبسط وتطول لستة أسباب:
الأول: أن إطالة الدعاء تدل على محبة الداعي؛ لأن الإِنسان إذا أحب شيئاً أحب طول مناجاته، فأنت متصل بالله في الدعاء، فتطويلك الدعاء وبسطك له دليل على محبتك لمناجاة الله ـ عز وجل ـ.
الثاني: أن التطويل يظهر فيه من التفصيل ما يدل على شدة افتقار الإنسان إلى ربه في كل حال.
الثالث: أن ذلك أحضر للقلب.
الرابع: زيادة الأجر والتعبد لله تعالى؛ فالدعاء عبادة يؤجر عليها الإنسان.
الخامس: أن هذا من باب الإلحاح في الدعاء والله يحب الملحِّين في الدعاء.
السادس: أن بالتطويل في الدعاء قد يذكر شيئاً قد نسيه من الدعاء.
واعتبر هذا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، وأوله وآخره))، ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني))، ((اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي))، فهذا فيه تفصيل وعمومات، لكن فائدته ما أشرت إليه من قبل.
ولو قيل: إن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف؛ ولهذا لا يقرأ فيها دعاء الاستفتاح، فكيف نبسط في الدعاء ونطول؟
فالجواب: أن الدعاء هو مضمون الصلاة، فينبغي البسط فيه، أما دعاء الاستفتاح فإنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يستفتح في صلاة الجنازة.

إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..........
قوله: «إنك تعلم منقلبنا ومثوانا» ، هذه الجملة تعليل لما سبق، أي: دعوناك بهذا الدعاء، لأننا نعلم أنك تعلم منقلبنا، أي: ما ننقلب إليه، ومثوانا، أي: ما نصير إليه؛ لأن المثوى والمصير معناهما واحد.
قوله: «وأنت على كل شيء قدير» تتمة للدعاء، ولكنها من زيادات بعض الفقهاء؛ لأنها لم ترد في الحديث الوارد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ومعناها: أن الله قادر على كل شيء، قادر على أن يوجد المعدوم، وأن يعدم الموجود، وأن يغير الحال من حسن إلى أحسن أو من حسن إلى أردى، وهذه جملة عامة لا يستثنى منها شيء.
وقول صاحب تفسير الجلالين في قوله تعالى في سورة المائدة: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة] .
قال: «خصّ العقل ذاته فليس عليها بقادر»، فهذا القول منكر، وذلك؛ لأن قوله: «خص العقل ذاته» نقول: أين العقل الذي خصّ ذاته بأنَّهُ ليس قادراً عليها، أليس الله يفعل ما يريد؟!
والفاعل لما يريد يفعل بنفسه؛ فهو قادر على أن يفعل ما شاء وأن يدع ما شاء.
نعم الشيء الذي لا يليق بجلاله لا يمكن أن يكون متعلق القدرة؛ لأن أصل القدرة لا تتعلق به.
كما لو قال قائل: هل يقدر الله على أن يخلق مثله؟
نقول: هذا مستحيل؛ لأن المثلية ممتنعة، فلو لم يكن من انتفاء المماثلة إلا أن الثاني مخلوق والأول خالق.
والأول: واجب الوجود.
والثاني: ممكن الوجود.
ويذكر أن جنود الشيطان جاءوا إليه فقالوا له: يا سيدنا نراك تفرح بموت الواحد من العلماء، ولا تفرح بموت آلاف العباد، فهذا العابد الذي يعبد الله ليلاً ونهاراً يسبّح ويهلل ويصوم ويتصدق لا تفرح بموت الألف منهم فرحك بالواحد من العلماء.
قال: نعم أنا أدلكم على هذا، فذهب إلى عابد فقال له: يا أيها الشيخ هل يقدر الله أن يجعل السموات في جوف بيضة؟
قال العابد: لا. وهذه غلطة كبيرة.
ثم ذهب إلى العالم وقال له: هل يقدر الله أن يجعل السموات في بيضة؟.
قال العالم: نعم، قال: كيف؟ قال: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، فإذا قال للسموات: كوني في جوف بيضة كانت، فقال: انظروا الفرق بين هذا وهذا.
فالمهم أنه يجب أن نطلق فنقول: إن الله على كل شيء قدير.
فإن قال قائل: عبارة ترد كثيراً عند الناس (إنه على ما يشاء قدير) هل هذا جائز؟.
قلنا: لا يجوز إلا مقيداً؛ لأنك إذا قلت: «إنه على ما يشاء قدير» أوهم أن ما لا يشاء لا يقدر عليه، وهو قادر على الذي يشاء والذي لا يشاء.
لكن إذا قُيِّدَتِ المشيئة بشيء معين صح، كقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29] ، أي: إذا يشاء جمعهم فهو قادر عليه.
وكذلك في قصة الرجل الذي أدخله الله الجنة آخر ما كان فقال الله له: [إني على ما أشاء قادر]؛ لأنه يتعلق بفعل معين.

اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِما، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ،..........
قوله: «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنّة، ومن توفيته منّا فتوفه عليهما» ، هذه الصيغة لم ترد، والوارد: «اللهم من أحييته منّا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان».
فالوارد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى أن من أحياه الله يحييه على الإسلام والانقياد التام، ومن أماته فليتوفه على الإيمان.
والحكمة من ذلك: أن الاستسلام الظاهر حين الوفاة قد لا يتمكن الإنسان منه؛ لأنه منهك وفي آخر قواه، فكان الدعاء له بالإيمان في هذه الحال أبلغ؛ ولأن الإيمان هو اليقين، ووفاة الإنسان على اليقين أبلغ.
وأما الإسلام فإنه استسلام ظاهر بالعمل، ويكون من المؤمن حقاً، ومن ضعيف الإيمان، ومن المنافق أيضاً.
مسألة: الدعاء الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمحافظة عليه من الدعاء غير الوارد، وإن كان الأمر واسعاً.

قوله: «اللهم اغفر له وارحمه» ، هذا الدعاء الخاص، وبدأ بالدعاء العام؛ لأنه أشمل، أما الخاص فهو خاص بالميت.
وقد وردت السنّة بكل من الدعاء العام والخاص، وقد قال العلماء: يجمع بينهما، لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((أخلصوا له الدعاء))فلا بد من تخصيصه بدعاء، وإن كان الدعاء العام يشمله.
والمغفرة: محو آثار الذنوب وسترها، والإنسان محتاج إلى ستر ذنوبه حياً وميتاً.
«وارحمه» أي: بحصول المطلوب.
ولهذا يجمع بين المغفرة والرحمة كثيراً؛ لأن بالمغفرة النجاة من المرهوب، وبالرحمة حصول المطلوب.

وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِع مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ،......
قوله: «وعافه واعف عنه» ، أي: عافه مما قد يصيبه من السوء كعذاب القبر مثلاً.
«واعف عنه» أي: تجاوز عنه ما فرط فيه من الواجب في حال حياته.
فالعفو: التسامح والتجاوز عن مخالفة الأوامر.
والمعافاة: السلامة من آثام المحرم.
والمغفرة: محو آثار الذنوب بالمخالفة.
قوله: «وأكرم نزله» ، «نُزُلَهُ» : بالضم، ويقال: نُزْله بالسكون، وهو القِرى، أي: الإكرام الذي يقدم للضيف، والإنسان الراحل هو في الحقيقة قادم على دار جديدة، فتسأل الله أن يكرم نزله أي ضيافته.
قوله: «وأوسع مدخله» ، يقال: مَدخل، ومُدخل، بالفتح وبالضم، فبالفتح: اسم مكان، أي: مكان الدخول، وبالضم: الإدخال، وعلى هذا فالفتح أحسن، أي: أوسع مكان دخوله، والمراد به القبر، أي: أن الله يوسعه له؛ لأن القبر إما أن يضيق على الميت حتى تختلف أضلاعه ـ والعياذ بالله ـ وإما أن يوسع له مد البصر، فأنت تسأل الله أن يوسع مدخله.
قوله: «واغسله بالماء والثلج والبرد» ، الغسل بالماء: أي: استعمال الماء فيما تلوث، وما حصل فيه أذى؛ من أجل إزالة التلويث والأذى.
والمراد بالغسل هنا: غسل آثار الذنوب، وليس المراد أن يغسل شيئاً حسياً؛ لأن الغسل الحسي قد تم بالنسبة للميت قبل أن يكفن.
ولهذا قال: «بالماء، والثلج، والبرد» .
أورد بعض العلماء على هذا إشكالاً فقال: إن الغسل بالماء الساخن أنقى، فلماذا قال: «بالماء، والثلج، والبرد» ؟.
والجواب عن ذلك: أن المراد غسله من آثار الذنوب، وآثار الذنوب نار محرقة، فيكون المضاد لها الماء والبرودة.
وقوله: «الثلج والبرد» الفرق بينهما: أن الثلج ما يتساقط من غير سحاب، فيتساقط من الجو مثل الرذاذ ويتجمد.
والبرد: يتساقط من السحاب ويسمى عند بعض أهل اللغة: حب الغمام؛ لأنه ينزل مثل الحب.

وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيراً مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ،...........
قوله: «ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» ، والوارد في الحديث، «ونقه من الخطايا».
والخطايا: جمع خطيئة، وهي: ما خالف فيها الصواب، سواء كان فعلاً للمحظور أو تركاً للمأمور.
وقوله: «من الذنوب» ، لو صح الحديث بلفظ: «الذنوب والخطايا» كما أورده المؤلف. لقلنا: الذنوب: الصغائر، والخطايا: الكبائر.
ولكن الحديث ورد بلفظ «الخطايا» فقط.
وبناء عليه نقول: «الخطايا» هنا تشمل: الصغائر، والكبائر.
وقوله: «كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» ، هذا التشبيه لقوة التنقية، أي: نقه نقاء كاملاً، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وخص الأبيض؛ لأن ظهور الدنس على الأبيض أبين من ظهوره على غيره.
قوله: «وأبدله داراً خيراً من داره» الدار الأولى دار الدنيا، والثانية دار البرزخ، وهناك دار ثالثة وهي دار الآخرة.
قوله: «وأبدله داراً خيراً من داره» يشمل الدارين؛ دار البرزخ، ودار الآخرة.
قوله: «وزوجاً خيراً من زوجه» ، أي: سواء كان المصلى عليه رجلاً أم امرأة.
وهناك إشكال؛ لأنه إن كان المصلى عليه رجلاً، وقلنا: «أبدله زوجاً خيراً من زوجه» ، فهذا يقتضي أن الحور خير من نساء الدنيا، وإن كان امرأة فإننا نسأل الله أن يفرق بينها وبين زوجها، ويبدلها خيراً منه. فهذان إشكالان؟
أما الجواب..
- عن الأول: «أبدله زوجاً خيراً من زوجه» ، فليس فيه دلالة صريحة على أن الحور خير من نساء الدنيا؛ لأنه قد يكون المراد خيراً من زوجه في الأخلاق، لا في الخيرية عند الله ـ عز وجل ـ.
- وبهذا الجواب يتضح الجواب عن الإشكال الثاني، فنقول: إن خيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين، بل خيرية في الوصف، وهذا يتضمن أن يجمع الله بينهما في الجنة؛ لأن أهل الجنة ينزع الله ما في صدورهم من غل، ويبقون على أصفى ما يكون، والتبديل كما يكون بالعين يكون بالصفة، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48] .
فالأرض هي الأرض بعينها، لكنها اختلفت، وكذلك السموات.
فإن قيل: إذا كان الميت لم يتزوج فكيف تقول: «وزوجاً خيراً من زوجه» ؟.
فنقول: المراد زوجاً خيراً من زوجه لو تزوج.
وفي الحديث: زيادة «وأهلاً خيراً من أهله»، لكن حذفها المؤلف ـ رحمه الله ـ.

وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ،..........
قوله: «وأدخله الجنة» هي: دار المتقين، كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *} [آل عمران] .
قوله: «وأعذه من عذاب القبر» لأن القبر فيه عذاب، ولكن الله تعالى قد يقي الإنسان عذابه إذا ألح على الله بالدعاء كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ((تعوذوا بالله من عذاب القبر)).
ولهذا أمر أن يتعوذ الإنسان في كل صلاة إذا تشهد التشهد الأخير، من عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.
قوله: «وعذاب النار» معروف.
فإن قال قائل: أليس إدخال الجنة يغني عن سؤال أن يعيذه الله من عذاب القبر، وعذاب النار؟
الجواب: لا، فإن الإنسان قد يدخل الجنة بعد أن يعذب في القبر، وبعد أن يعذب بالنار، فأنت تسأل الله أن تدخل الجنة نقياً من عذاب سابق، لا في القبر ولا في النار.
وقوله: «اللهم اغفر له» الضمير للمفرد المذكر، فإذا كان الميت أنثى، فهل نقول: اللهم اغفر له، أو نقول: اللهم اغفر لها بالتأنيث؟
الجواب: بالتأنيث؛ لأن ضمير الأنثى يكون مؤنثاً، فنقول: اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها، واعف عنها..... إلى آخر الدعاء.
فإن قيل: الحديث ورد بالتذكير فكيف نؤنث الضمير إذا كان الميت أنثى؟
فالجواب: أن هذا الحديث ورد في الدعاء لميت ذكر، ولو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إذا صليتم على الميت فقولوا: اللهم اغفر له... إلخ)) لتوجه عدم التأنيث، فنأخذ بالنص ونؤوله على ما يناسب الحال.
وإن كان المقدم اثنين تقول: اللهم اغفر لهما...
وإن كانوا جماعة تقول: اللهم اغفر لهم.
وإن كن جماعة إناث تقول: اللهم اغفر لهن.
وإن كانوا من الذكور والإناث، فيغلب جانب الذكورية، فتقول: اللهم اغفر لهم، فالضمير يكون على حسب من يدعى له.
ونظير هذا من بعض الوجوه حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في دعاء الغمّ: «اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك....».
والمرأة تقول: «اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك....».
وإن كان الإنسان لا يدري هل المقدم ذكر أو أنثى، فهل يؤنِّث الضمير أو يذكِّرُه؟.
الجواب: يجوز هذا وهذا، باعتبار القصد، فإن قلت: اللهم اغفر له، أي: لهذا الشخص، أو للميت، وإن قلت: اللهم اغفر لها، أي: لهذه الجنازة.

وافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». وَإِنْ كَانَ صَغِيراً قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعلْهُ ذُخْراً لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطاً، وأَجْراً، وَشَفِيعاً مُجَاباً،..........
قوله: «وافسح له في قبره» أي: وسع له؛ لأن الفسحة السعة، وهذا التوسيع ليس توسيعاً محسوساً بحيث يكون قبره متسعاً يملأ المقبرة، لكنه فَسْحٌ غير محسوس إحساساً دنيوياً؛ لأنه من أحوال الآخرة.
وكما ترون في المنام أن الإنسان يرى أنه في مكان فسيح، وفي نخيل، وأشياء تبهج نفسه، وهو لا يزال في فراشه، فعذاب القبر يشبه من بعض الوجوه ما يراه النائم، وإن كان أشد منه في كونه حقيقة.
وإنما قلنا ذلك؛ لئلا يورد علينا مورد بأن الناس في قبورهم لا تتسع القبور أكثر مما هي عليه في الواقع؟
فنقول له: هذا أمر غيبي، وليس أمراً حسياً معروفاً.
قوله: «ونور له فيه» ، أي: اجعل له فيه نوراً.
قال في الروض: «ولا بأس بالإشارة بالأصبع حال الدعاء للميت» ، وهذا فيه نظر!!
قوله: «وإن كان صغيراً قال....» ، هذا فيه بيان صيغة الدعاء للصغير إذا صلي عليه.
ولكن هل ثبت هذا الدعاء بهذه الصيغة للصغير؟
الجواب: لا، لم يثبت بهذه الصيغة للصغير، ولكن ورد أنه يصلى عليه، ويدعى له، ويدعى لوالديه.
ولكن العلماء -رحمهم الله- استحسنوا هذا الدعاء.
قوله: «اللهم اجعله ذخراً لوالديه» الذخر: بمعنى المذخور، أي: أنها مصدر، بمعنى اسم المفعول، أي: مذخوراً لوالديه يرجعان إليه عند الحاجة.
قوله: «وفرطاً» الفرط: السابق السالف، وهنا إشكال كيف نقول: إنه فرط لوالديه إذا كانا قد ماتا قبله؟
فيقال: إنه فرط لوالديه في الآخرة يتقدمهما؛ ليكون لهما أجرهُ.
قوله: «وأجراً» أي: اجعله لهما أجراً، وهذا ظاهر فيما إذا كانا حيَّين؛ لأنهما سوف يصابان به؛ فإذا أصيبا به فصبرا على هذه المصيبة صار أجراً لهما. أما إذا كانا ميتين، فلا يظهر هذا، لكن لعل الفقهاء ذكروا هذا بناء على الأغلب.
قوله: «شفيعاً» الشفيع: بمعنى الشافع، كالسميع بمعنى السامع.
والشفيع: هو الذي يتوسط لغيره بجلب منفعة، أو دفع مضرة. وسُمي شفيعاً؛ لأنه يجعل المشفوع له اثنين بعد أن كان وتراً، فصار بضم صوته إلى صوت المشفوع له شفيعاً له.
قوله: «مجاباً» لأن الشفيع قد يجاب، وقد لا يجاب، فسأل الله أن يكون شفيعاً مجاباً.

اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا،..........
قوله: «اللهم ثقل به موازينهما» أي: موازين الأعمال، وذلك في كونه أجراً لهما؛ لأنه كلما كان أجراً ثقلت به الموازين.
والموازين: جمع ميزان، وهو: ما توزن به أعمال العباد يوم القيامة.
واختلف العلماء هل هو ميزان حقيقي أو كناية عن إقامة العدل؟
فذهبت المعتزلة إلى أنه كناية عن إقامة العدل، وأنه ليس هناك ميزان حسي.
والصواب أنه ميزان حسي لحديث صاحب البطاقة «أن ذنوبه تُجعل في كفة، ولا إله إلا الله في كفة»، وهو ظاهر قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان))، فهو ميزان له كفتان، ولكن هاتين الكفتين لا نعلم كيفيتهما؛ لأن ذلك من أمور الغيب التي لم نعلم عنها.
وهل الذي يوزن العمل، أو العامل، أو صحائف العمل؟
على أقوال ثلاثة للعلماء:
القول الأول: أن الذي يوزن العمل.
القول الثاني: أن الذي يوزن العامل.
القول الثالث: أن الذي يوزن صحائف الأعمال.
وذلك لاختلاف النصوص في ذلك.
فحجة من قال: إن الذي يوزن العمل ما يلي:
1- قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة] .
2- قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان)) .
وحجة من قال إن الذي يوزن صاحب العمل ما يلي:
1- قوله تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 105] .
2- حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: لما قام فهبت الريح فضحك الناس منه؛ لأنه ـ رضي الله عنه ـ دقيق الساقين، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إن ساقيه في الميزان أعظم من أُحد)).
وحجة من قال: إن الذي يوزن صحائف الأعمال: حديث صاحب البطاقة «الذي يؤتى له بسجلات عظيمة كلها ذنوب، حتى إذا رأى أنه قد هلك، قيل له: إن لك عندنا حسنة واحدة فيؤتى ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توضع البطاقة في كفة، وبقية الأعمال في كفة، فترجح بهنَّ وتميل».
فيجاب: إن حقيقة هذا وزن الأعمال؛ لأن الصحائف إنما تثقل وتخف بما فيها من العمل.
وقد يقال: إن الأكثر وزن الأعمال، وقد توزن صحائف الأعمال.
ولكن الراجح والذي عليه الجمهور أن الذي يوزن العمل.

وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ».
قوله: «وأعظم به أجورهما» ، أي: اجعل أجورهما عظيمة، وهنا إشكال نحوي حيث قال: «أجورهما» مع أن المضاف إليه مثنى أي لم يقل: عظم به أجريهما؟
والجواب على هذا: أن الأفصح في اللغة العربية إذا أضيف إلى المثنى أن يؤتى بالجمع، ثم الإِفراد، ثم التثنية، إلا أن يكون هناك حاجة؛ لأن يؤتى بالتثنية، أو الإفراد، أو الجمع، قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، مع أنه ليس لهما إلا قلبان، كما قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ، ولم يقل فقد صغى قلباكما، ولم يقل: فقد صغى قلبكما؛ لأن الأفصح الجمع.
قوله: «وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم» ، أي: بصغار المؤمنين الذين سلفوا، وذلك أن الصغار من الولدان يكونون في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد رآهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ حينما عُرج به ـ عند إبراهيم وسأل عنهم، فقيل له: هؤلاء ولدان المؤمنين؛ ولهذا قال: «واجعله في كفالة إبراهيم» .
قوله: «وقه برحمتك عذاب الجحيم» ، «قه» من الوقاية، أي: اجعله سالماً من عذاب الجحيم.
«برحمتك» من باب التوسل بصفة الله ـ عز وجل ـ.
لكن كيف يقول: «قه برحمتك عذاب الجحيم» ، وهو صغير لم يبلغ، فليس عليه عذاب؟
قال بعض العلماء: ما من إنسان إلا ويلج النار، ومن ذلك الصغار؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا *} [مريم] ، فيكون هذا دعاء لهذا الصبي أن يقيه الله عذاب الجحيم إذا عرض عليها يوم القيامة.

وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلاً، وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ .....
قوله: «ويقف بعد الرابعة قليلاً» أي: يقف قليلاً؛ ليتميز التكبير من السلام، أو من أجل أن يتراد إليه نفسه.
وقوله: «يقف قليلاً» ظاهره أنه لا يدعو، وهو أحد الأقوال في المسألة.
واختار بعض الأصحاب ـ رحمهم الله ـ أنه يدعو بقوله: «اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله» .
وقال بعضهم يدعو بقوله: «ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» ؛ لأن هذا الدعاء تختم به الأدعية، ولهذا جعله النبي صلّى الله عليه وسلّم في نهاية كل شوط من الطواف، حيث يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
والقول بأنه يدعو بما تيسر أولى من السكوت؛ لأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبداً إلا لسبب كالاستماع لقراءة الإمام، ونحو ذلك.
قوله: «ويسلم واحدة عن يمينه» وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس، لكن عن اليمين أفضل.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يسن الزيادة على تسليمة واحدة وهو المذهب.
والصحيح: أنه لا بأس أن يسلم مرة ثانية؛ لورود ذلك في بعض الأحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والذين قالوا: إنه يسلم واحدة استدلوا:
1- بأثر في صحته نظر.
2- بالمعنى: أن هذه الصلاة مبنية على التخفيف، والتسليمة الواحدة أخف.
لكن لو سلم مرتين، فلا حرج، ولا ينكر عليه.
وكذلك إذا سلم الإمام تسليمة واحدة فللمأموم أن يسلم تسليمتين لأنه لا يتحقق به المخالفة.
قوله: «ويرفع يديه مع كل تكبيرة» ، «ويرفع» الضمير يعود على المصلي، أي : يرفع يديه مع كل تكبيرة على صفة ما يرفعهما في صلاة الفريضة، أي: يرفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، أو حذو فروع أذنيه.
وقوله: «مع كل تكبيرة» ، هذا هو القول الصحيح والدليل على ذلك ما يلي:
1- ورود السنة بذلك، بسند جيد، كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، وأعله الدارقطني بعمر بن شيبة، لكن قال الشيخ عبد العزيز: إن عمر ثقة، والزيادة من الثقة عند علماء الحديث مقبولة، إذا لم تكن منافية وهنا لا تنافي؛ لأن المسكوت عنه ليس كالمنطوق، ولا منافاة إلا إذا تعارض منطوقان، أما إذا كان أحدهما ناطقاً والثاني ساكتاً فلا معارضة؛ لأن عدم النقل ليس نقلاً للعدم.
2- أنه صح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- موقوفاً، وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يثبت بالاجتهاد.
ولو قيل: لعل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قاس ذلك على غيرها من الصلوات؟
فالجواب: أن الصلوات الأخرى ليس فيها رفع في كل تكبيرة، كما ثبت ذلك من حديث ابن عمر نفسه.
3- أن المعنى يقتضيه؛ لأنه إذا حرك يديه اجتمع في الانتقال من التكبيرة الأولى قول وفعل، كسائر الصلوات، فإن الصلوات يكون مع القول فعل إما ركوع، أو سجود، أو قيام، أو قعود، فكان من المناسب أن يكون مع القول فعل، ولا فعل هنا يناسب إلا رفع اليدين؛ لأن الركوع والسجود متعذران فيبقى رفع اليدين.
وحينئذٍ يكون رفع اليدين في كل تكبيرة مؤيداً بالأثر، والنظر.
وقوله: «مع كل تكبيرة»، سبق في كتاب الصلاة أنه: إن شاء ابتدأ رفع اليدين مع ابتداء التكبير، وإن شاء إذا كبر رفع، وإن شاء رفع ثم كبر.

وَوَاجِبُهَا: قِيَامٌ، وَتَكْبِيرَاتٌ أَرْبَعٌ،...........
قوله: «وواجبها: قيام» أي: ما يجب فيها، وليس المراد الواجب الاصطلاحي الذي هو قسيم الركن أو الشرط، بل المراد بالواجب هنا: ما يجب فيها فلا ينافي ذلك أن يكون ركناً، كما نقول: قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة.
فقوله: «وواجبها» ليس قسيم أركانها؛ لأن هذا الذي ذكره المؤلف أركانها.
وقوله: «قيام» ، أي: واجب إذا كانت فريضة، وعلى هذا فإذا أعيدت صلاة الجنازة مرة ثانية كان القيام في المرة الثانية سنة، وليس بواجب؛ لأن الصلاة المعادة ليست فريضة.
قوله: «وتكبيرات أربع» أي: أركان؛ لأن كل تكبيرة منها كالركعة.
وقوله: «أربعٌ» أي: لا تقل عن أربع، وله الزيادة إلى خمس، وإلى ست، وإلى سبع، وإلى ثمان، وإلى تسع كل هذا ورد. لكن الثابت في صحيح مسلم إلى خمس، ففيه أن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- «صلى على جنازة فكبر عليها خمساً، وأخبر أن ذلك من فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم»، ولهذا ينبغي للأئمة أحياناً أن يكبروا على الجنازة خمس مرات إحياءً للسنة، وسيقول بعض الناس: إن إمامنا نسي فزاد خامسة، لكن إذا فعلها مرة بعد مرة، وبين للناس أن هذا من السنة فذلك حسن.
مسألة: إذا كبرنا خمساً، فماذا نقول بعد الرابعة والخامسة؟
الجواب: لا أعلم في هذا سنة، لكنني إذا أردت أن أكبر خمساً جعلت بعد الثالثة الدعاء العام، وبعد الرابعة الدعاء الخاص بالميت، وما بعد الخامسة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة] ، ولهذا قد يعرف النبيه أنني أريد أن أكبر خمساً، إذا صار الدعاء بعد الثالثة قصيراً.

وَالْفَاتِحَةُ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَدَعْوَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَالسَّلاَمُ. .....
قوله: «والفاتحة» ، قراءة الفاتحة ركن؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
وقرأ ابن عباس -رضي الله عنهما- الفاتحة، وجهر بها، وقال: «ليعلموا أنها سنة»، أي: أنها مشروعة، وليس المعنى إن شئت فاقرأها وإن شئت فلا تقرأها.
ولا وجه لمن قال بعدم وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؛ مع عموم الحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ، وهذه صلاة بدلالة الكتاب والسنة.
وإذا انتهى المأموم من قراءة الفاتحة قبل تكبير الإمام للثانية فإنه يقرأ سورة أخرى؛ لأن ذلك قد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قوله: «والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» ، أي: من واجبات الصلاة على الميت، وهو ركن على المشهور من المذهب، وهو مبني على القول بركنية الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلوات.
أما إذا قلنا: بأنها ليست ركناً في الصلوات فهي هنا ليست بركن، لكن الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام لها شأن؛ لأن الفاتحة ثناء على الله، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة عليه، والثالثة دعاء فينبغي للداعي أن يقدم بين يديه الثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولم يبين هنا كيفيته، ولكنه بين فيما سبق أنها كالتشهد، ويكفي أن يقول: اللهم صلِّ على محمد.
قوله: «ودعوة للميت» ، هذا من الأركان أيضاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء))؛ ولأن هذا هو لبُّ هذه الصلاة، فأصل الصلاة على الميت إنما كانت للدعاء له.
قوله: «والسلام» أي: ركن، لكنه يكفي فيه تسليمة واحدة، كما سبق ذكره.
ودليله: قول عائشة -رضي الله عنها-: «كان يختم الصلاة بالتسليم»، وهذا وإن لم يكن ظاهراً في عموم صلاة الجنازة، لكن يصح أن يكون متمسكاً؛ ولأنها عبادة افتتحت بالتكبير، فتختتم بالتسليم كالصلاة المفروضة.
والترتيب بين أركان صلاة الجنازة واجب فيبدأ بالفاتحة، ثم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم الدعاء؛ فلا يقدم بعضها على بعض. وكذلك تكميل التكبيرات الأربع؛ فإن سلم من ثنتين ساهياً أكمل مع القرب، وأعاد مع البعد.

وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ.
قوله: «ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته» ، أي على صفة ما فاته؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((ما فاتكم فأتموا))
ويستفاد من قول المؤلف: «شيء من التكبير» ، أن التكبيرة بمنزلة الركعة.
مسألة: إذا دخل مع الإمام في التكبيرة الثالثة هل يقرأ الفاتحة، أو يدعو للميت؛ لأن هذا مكان الدعاء؟
الجواب: الظاهر لي: أنه يدعو للميت، حتى على القول بأن أول ما يدركه المسبوق أول صلاته، فينبغي في صلاة الجنازة أن يتابع الإمام فيما هو فيه؛ لأننا لو قلنا لهذا الذي أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة: اقرأ الفاتحة، ثم كبر الإمام للرابعة، وقلنا: صلِّ على النبي ثم حملت الجنازة فاته الدعاء له.
وقول المؤلف: «ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته» ، ظاهره: الوجوب.
وظاهره أيضاً: أنه يقضيه، سواء أخشي حمل الجنازة أم لم يخش.
ووجه ذلك: أنه إذا قدر أن الجنازة رفعت قبل أن يتم، فإنه يدعو لها ولو في غيبتها للضرورة.
ولكن قيده الأصحاب -رحمهم الله- فقالوا: «ما لم يخش رفعها» ، أي: إذا خشي الرفـع تـابـع وسلَّم.
والغالب في جنائزنا أنها ترفع ولا يتأخرون فيها حتى يقضي الناس، وعلى هذا فيتابع التكبير ويسلِّم.
ومع هذا قالوا: «وله أن يسلم مع الإمام» ؛ لأن الفرض سقط بصلاة الإمام، فما بعد صلاة الإمام يعتبر نافلة، والنافلة يجوز قطعها.
وقيل: بل يقضيها على صفتها، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))، فيلزم من هذا أن يتمه على صفته.
إذاً أحوال المسبوق في صلاة الجنازة ثلاث حالات:
الأولى: أن يمكنه قضاء ما فات قبل أن تحمل الجنازة فهنا يقضي، ولا إشكال فيه؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما فاتكم فأتموا)).
الثانية: أن يخشى من رفعها فيتابع التكبير، وإن لم يدع إلا دعاء قليلاً للميت.
الثالثة: أن يسلم مع الإمام، ويسقط عنه ما بقي من التكبير.
وعلته: أن الفرض سقط بصلاة الإمام، فكان ما بقي مخيراً فيه.
ومع هذا فليس هناك نص صحيح صريح في الموضوع؛ أعني سَلاَمَهُ مَعَ الإمام، أو متابعته التكبير بدون دعاء، لكنَّهُ اجتهاد من أهل العلم رحمهم الله.

وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى القَبْرِ وَعَلَى غَائِبٍ بِالنِّيَّةِ إِلَى شَهْرٍ ...........
قوله: «ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر» ، أي: يصلي على القبر إن كانت دفنت، وإلا صلى عليها ولا ينتظر؛ لأن الصلاة على القبر إنما تكون للضرورة إذا لم يمكن حضور الميت بين يديه.
ودليل ذلك: قصة المرأة التي كانت تقمُّ المسجد، أي ترفع قمامته وتنظفه، فماتت ليلاً، ولم يؤذن النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك تحقيراً لشأنها؛ ولئلا يشق على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما سأل عنها أخبروه أنها ماتت فقال: ((هلاَّ كنتم آذنتموني)) أي: أخبرتموني؛ فقال: ((دلوني على قبرها)) فخرج بنفسه عليه الصلاة والسلام وصلى على قبرها.
وفي هذا من عناية الرسول عليه الصلاة والسلام بأهل الخير ما هو ظاهر، إذ ليس لها عمل إلا أنها تقم المسجد، مع أنها امرأة سوداء.
وفيه عناية الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمساجد، كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب».
وفيه تواضع النبي صلّى الله عليه وسلّم للخروج إلى قبرها ليصلي عليه، وإلا فبإمكانه أن يدعو لها في مكانه.
وفيه تعظيم شأن هذه المرأة السوداء، والشكر لها على عملها.
مسائل:
الأولى: يصلى على القبر صلاة الجنازة المعروفة، إن كان رجلاً وقف عند رأسه، وإن كانت أنثى وقف عند وسط القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة.
الثانية: لو سقط شخص في بئر ولم نستطع إخراجه، فيصلى عليه فيها ثم تطم البئر، ويسقط تغسيله، وتكفينه لعدم القدرة على ذلك.
الثالثة: إذا اجتمعت عدة قبور لم يصل عليها؛ فإن كانت كلها بين يديه فيصلى عليها جميعاً صلاة واحدة. وإلا فيصلى على كل قبر.
قوله: «وعلى غائب بالنية» ، لأن الغائب ليس بين يديه حتى ينوي الصلاة على شيء مشاهد، ولكن يصلي بالنية.
وقوله: «غائب» أي: غائب عن البلد، ولو دون المسافة، أما من في البلد فلا يشرع أن يصلي عليه صلاة الغائب، بل المشروع أن يخرج إلى قبره ليصلي عليه.
ولهذا يخطئ بعض الجهال الذين يصلون على الميت في أطراف البلد وهو ميت في بلده، فإن هذا خلاف السنة، فالسنة أن تخرج إلى القبر وتصلي عليه.
قوله: «إلى شهر» ، أي: يصلى على الغائب، وعلى القبر إلى نهاية شهر.
والدليل على ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((صلى على قبر إلى شهر)).
ولكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام صلى على قبر له شهر لا يدل على التحديد؛ لأن هذا فعل وقع اتفاقاً ليس مقصوداً، وما فعل اتفاقاً فليس بدليل اتفاقاً؛ لأنه لم يقصد.
وخلاف الأصحاب في هذه المسألة لا يقدح في هذه القاعدة؛ لأنهم يخالفون في كونه وقع اتفاقاً، ويقولون: بل وقع قصداً.
والصحيح: أنه يُصلى على الغائب، ولو بعد شهر، ونصلي على القبر أيضاً ولو بعد الشهر.
إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلاً للصلاة.
مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوماً عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
ومن ثم لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما علمنا أن أحداً من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو.
وقوله: «وعلى غائب» أطلق فيشمل كل غائب؛ رجلاً كان أو امرأة، شريفاً أو وضيعاً، قريباً أو بعيداً، فتصلي على كل غائب.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال ثلاثة:
القول الأول: أنه يصلى على كل غائب، ولو صلى عليه آلاف الناس.
وبناء على هذا القول اتخذ بعض العلماء عملاً لا يشك أحد في أنه بدعة، فقال: إذا أردت أن تنام فصلِّ صلاة الجنازة على كل من مات في اليوم والليلة من المسلمين تؤجر أجراً كثيراً، فقد يكون مات في هذه الليلة آلاف فيكون لك أجر آلاف الصلوات.
ولكن هذا القول لا شك أنه بدعة؛ لأن أعلم الناس بالشرع، وأرحم الناس بالخلق، وأحب الناس أن ينفع الناس الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، ولا فعله خلفاؤه الراشدون، ولا علم عن أحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
القول الثاني: أنه يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين، أي: منفعة، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك، فيصلى عليه شكراً له ورداً لجميله، وتشجيعاً لغيره أن يفعل مثل فعله.
وهذا قول وسط اختاره كثير من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.
القول الثالث: لا يصلى على الغائب إلا على من لم يصلَّ عليه. حتى وإن كان كبيراً في علمه، أو ماله، أو جاهه، أو غير ذلك، فإنه لا يصلى عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
واستدل لذلك: بأن الصلاة على الجنازة عبادة، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة، ولم يحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه صلى على غائب إلا على النجاشي؛ لأنه مات بين أمة مشركة، ليسوا من أهل الصلاة، وإن كان أحد منهم آمن، فلا يعرف عن كيفية الصلاة شيئاً. فأخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة وقال: ((إنه مات عبد لله صالح)) ، وفي بعض الروايات: ((إن أخاً لكم قد مات ثم أمرهم أن يخرجوا إلى المصلى))، فالاستدلال بصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم على النجاشي لا يصح؛ لأنه لا يصح الاستدلال بالأخص على الأعم، لكن يستدل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يشمل جميع أفراده، فقضية النجاشي قضية خاصة، وليست لفظاً عاماً.
قوله: (أمرهم أن يخرجوا إلى المصلى) : إما مصلى الجنائز؛ لأنه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان للجنائز مصلى خاص، وإما مصلى العيد، والحديث محتمل للقولين، وبكل من القولين قال بعض العلماء.
فمن قال: إن المراد مصلى العيد قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك إظهاراً لشرف هذا الرجل، ورداً لجميله؛ لأنه آوى الصحابة الذين هاجروا إليه، وكونه يصلى عليه في مصلى العيد أظهر.
وقال بعض العلماء: المراد مصلى الجنائز؛ لأن «أل» للعهد، وهذه صلاة جنازة، فتحمل على المعهود في صلاة الجنازة، وهو مصلى الجنائز.
المهم: أنه لم يحفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صلى على جنازة غائبة غير النجاشي، ولا عن الصحابة، مع أنه لا شك أنه يموت العظماء وذوو الغناء في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي عهد الخلفاء الراشدين.
وهذا القول أقرب إلى الصواب.
وقوله: «إلى شهر» ، أي: وبعد الشهر لا يصلى عليه إن صلي عليه، فإن كان لم يصلَّ عليه صلينا عليه، ولو بعد سنين.
وهذه مسألة تقع كثيراً في البادية في زمن الجهل، فقد يموت عندهم الرجل ويدفنونه بدون تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة. ثم يأتون الآن يسألون عن هذا، فالواجب أن يصلى عليه كما سبق.

وَلاَ يُصَلِّي الإِمَامُ عَلَى الغَالِّ وَلاَ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ،..............
قوله: «ولا يصلي الإمام على الغال» ، إذا أطلق الفقهاء الإمام فالمراد به: الإمام الأعظم، أي: رئيس الدولة فلا يصلي على الغال.
والغال: هو من كتم شيئاً مما غنمه في الجهاد.
مثاله: أن يغنم مع المجاهدين شيئاً، ويكتمه يريد أن يختص به لنفسه، فهذا قد فعل إثماً عظيماً ـ والعياذ بالله ـ وأتى كبيرة من كبائر الذنوب. قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] . فسوف يأتي بما غله حاملاً إياه على رقبته يوم القيامة، خزياً وعاراً وفضيحة.
ولما كانت المسألة كبيرة ومتعلقة بعموم المسلمين، امتنع النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي على الغال، نكالاً لمن يأتي بعده. ولا تسقط الصلاة عن بقية المسلمين، فيجب عليهم أن يصلوا عليه.
ودليل ذلك: ما روى زيد بن خالد ـ رضي الله عنه ـ قال: «توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم، قال: إن صاحبكم غلَّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين».
قوله: «ولا على قاتل نفسه» ، أي: لا يصلي الإمام على قاتل نفسه نكالاً لمن بقي بعده؛ لأن قاتل نفسه ـ والعياذ بالله ـ أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسوف يعذب في جهنم بما قتل به نفسه. فإن قتلها بخنجر ففي يده خنجر في نار جهنم يطعن به نفسه. وإن قتلها بسُم ففي فمه سم يتحسَّاه في النار، وإن قتلها بالتردي من أعلى جبل، أو جدار، أو ما أشبه ذلك فكذلك يعذب به في نار جهنم، كما جاء ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وكثير من الناس غير المسلمين إذا ضاقت به الدنيا قتل نفسه والعياذ بالله ـ فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ عجل العقوبة لنفسه ـ والعياذ بالله ـ؛ لأنه يعذب من حين أن يموت.
ودليل ذلك: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتي برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه».
ولكن هل يصلي عليه بقية الناس؟
الجواب: نعم، يصلي عليه بقية الناس؛ لأنه مسلم لا يكفر، وإن كان يخلد في النار إلى أن يشاء الله.
ولو قال قائل: أفلا ينبغي أن يعدى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قاضيها أو مفتيها، أي من يحصل بامتناعه النكال، هل يتعدى الحكم إليهم؟
فالجواب: نعم يتعدى الحكم إليهم، فكل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يسن له أن لا يصلي على الغال، ولا على قاتل نفسه.
مسألة: هل يلحق بالغال، وقاتل النفس من هو مثلهم، أو أشد منهم أذية للمسلمين، كقطاع الطرق مثلاً؟
الجواب: المشهور من المذهب: لا يلحق.
والقول الثاني: أن من كان مثلهم، أو أشد منهم، فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ لأن الشرع إذا جاء في العقوبة على جرم من المعاصي، فإنه يلحق به ما يماثله، أو ما هو أشد منه.
فإذا كان الذي غلَّ هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق، ويقتلهم ويأخذ أموالهم، ويروعهم، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟
الجواب: بلى، ولهذا فالصحيح: أن ما ساوى هاتين المعصيتين، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه، فإنه لا يصلي عليه.
مسألة: ما الجواب عن قوله صلّى الله عليه وسلّم فيمن قتل نفسه: ((خالداً مخلداً فيها أبداً)).
الجواب: هذا الحديث نظير الآية من بعض الوجوه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء] ، وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة منها:
أن هذا فيمن كان مستحلاً للقتل، وعرض هذا الجواب على الإمام أحمد فضحك وقال: سبحان الله، إذا استحل القتل فهو كافر سواء قتل أو لم يقتل.
ومنهم من قال: إنه على شرط، أي هذا جزاؤه إن جازاه الله.
ومنهم من قال: إن هذا سبب، والسبب قد وجد فيه مانع وهو الإيمان.
ومنهم من قال: إن هذا على ظاهره أن من فعل هذا فإنه يختم له بسوء الخاتمة فإن تاب تاب الله عليه، ويؤيده قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً))، وهذا والذي قبله أحسن الأجوبة.
مسألة: إذا وجد بعض ميت فهل يغسل ويكفن ويصلى عليه؟
الجواب: إن كان الموجود جملة الميت؛ بأن وجدنا رجُلاً بلا أعضاء فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وإن كان الموجود عضواً من الأعضاء؛ فإن كان قد صلي على جملة الميت فلا يصلى عليه، وإن كان لم يُصلَّ عليه فإنه يصلى على هذا الجزء الموجود.

وَلاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ.
قوله: «ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد» ، أي: لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، وإنما قال: «لا بأس» رداً لقول من يقول: تكره الصلاة على الأموات في المساجد؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة، وقراءة القرآن والذكر، لا لأن تحمل إليها الجنائز؛ ليصلى عليها فيها والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جعل للجنائز مصلى خاصاً بها، ولأنه ربما يحصل من الميت تلويث المسجد فيخرج منه خارج، أو يكون فيه رائحة كريهة، أو ما أشبه ذلك.
والصحيح: أنه لا بأس بذلك.
والدليل عليه: حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى على سهل بن بيضاء في المسجد»، والرسول صلّى الله عليه وسلّم وإن كان له مصلى للجنائز، لكنه أحياناً يصلي على الجنائز في المسجد.
فإذا قال قائل: على القول بالكراهة فأين يصلى على الجنائز؟
الجواب: يعدُّ مصلى خاص للجنائز، كما هو متبع في كثير من البلاد الإسلامية، وينبغي أن يكون قريباً من المقبرة؛ لأنه أسهل على المشيعين؛ فالناس إذا اجتمعوا مثلاً في مسجد في داخل البلد صار في ذلك مضايقة؛ فسينفرون مع الجنازة جميعاً، وقد تكون المقبرة بعيدة، لكن إذا كان مصلى الجنائز قريباً من المقبرة صار الناس يأتون أرسالاً من بيوتهم إلى هذا المصلى، ثم يصلون عليها، ثم يخرجون إلى المقبرة بلا مشقة.
وعندنا في نجد لا يخصصون مصلى للجنائز، بل الجنائز يؤتى بها إلى المساجد، وإذا كان لا بأس به فإننا لا ننهى عنه، ولا نقول: إنه يخشى من الميت على المسجد، إلا إذا كان هناك قضية خاصة بأن يكون الميت مات بحادث، والدم لا زال ينزف منه، فهذا نمنع أن يصلى عليه في المسجد؛ لأنه يلوثه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصلاة, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir