دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > مناهل العرفان

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1430هـ/17-10-2009م, 09:14 AM
الياسمين الياسمين غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 30
افتراضي المبحث الأول: في معنى علوم القرآن

مدخل
...
المبحث الأول: في معنى علوم القرآن
يقتضينا منهج البحث التحليلي لهذا المركب الإضافي أن نتحدث عن طرفيه وعن الإضافة بينهما ثم عن المراد بهذا المركب بعد نقله وتسمية هذا الفن المدون به.
1- أما العلوم: فجمع علم والعلم في اللغة مصدر يرادف الفهم والمعرفة ويرادف الجزم أيضا في رأي. ثم تداولت هذا اللفظ اصطلاحات مختلفة:
فالحكماء : يريدون به صورة الشيء الحاصلة في العقل أو حصول الصورة في العقل أو تعلق النفس بالشيء على جهة انكشافه. والتحقيق عندهم هو الإطلاق الأول.
والمتكلمون : يعرفون العلم: بأنه صفة يتجلى بها الأمر لمن قامت به وهو مراد من قال منهم: إنه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض ولو كان هذا التمييز بوساطة الحواس كما هو رأي الأشعري.
ويطلق العلم في لسان الشرع العام: على معرفة الله تعالى وآياته وأفعاله في عباده وخلقه. قال الإمام الغزالي في الإحياء: قد كان العلم يطلق على العلم بالله تعالى وآياته وبأفعاله في عباده وخلقه فتصرفوا فيه بالتخصيص حتى اشتهر في المناظرة مع الخصوم

في المسائل الفقهية وغيرها. ولكن ما ورد في فضل العلم والعلماء أكثره في المعنى الأول أهـ وهو يفيد أن العلم الشرعي الخاص يطلق على أخص من هذا الذي ذكره الغزالي في لسان الشرع العام ولكن بحسب ما يقتضيه المقام. بل لقد نص الغزالي نفسه في الإحياء أيضا على أن الناس اختلفوا في العلم الذي هو فريضة على كل مسلم وقال: إنهم تفرقوا فيه إلى عشرين فرقة. ثم ذهبت إلى أن المراد به علم المعاملة الشامل لما يصلح الظاهر من عبادات وعادات إسلامية ولما يصلح الباطن من عقائد الإسلام وأخلاقه.
والماديون : يزعمون أن العلم ليس إلا خصوص اليقينيات التي تستند إلى الحس وحده. وسنناقش مذهبهم في مبحث نزول القرآن.
ولسنا بسبيل بيان تلك الاصطلاحات الآنفة الذكر فلها علومها وكتبها ومباحثها إنما هو عرض عام يعرف منه كيف أن لفظا واحدا هو العلم أنهكته الاصطلاحات المتعددة وتداولته النقول المتنوعة فلا تقعن في لبس إذا ورد عليك في صورة شبه متعارضة.
العلم في عرف التدوين العام:
والذي يعنينا كثيرا هو العلم في اصطلاح آخر هو اصطلاح علماء التدوين لأننا بصدد الكلام في علوم القرآن كفن مدون.
قالوا: يطلق العلم على المسائل المضبوطة بجهة واحدة. والغالب أن تكون تلك المسائل نظرية كلية وقد تكون ضرورية وقد تكون جزئية. أقول: وقد تكون شخصية أيضا كمسائل علم الحديث رواية فإنها في الواقع قضايا شخصية موضوعها ذات النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال السعد في المقاصد وعبد الحكيم على المطول: ما يفيد أن العلم المدون قد يطلق على طائفة من التصورات أي المفردات التي يتصورها العقل مضبوطة بجهة واحدة.
وأقول: يمكن أن نستخلص من ذلك كله أن العلم في عرف التدوين العام يقال على المعلومات المنضبطة بجهة واحدة سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية وسواء

أكانت تلك المعلومات تصورات كعلم البديع أم تصديقات. وسواء أكانت تلك التصديقات قضايا كلية وهو الغالب أم جزئية أم شخصية كعلم الحديث رواية.
هذا كله إطلاق واحد من إطلاقات ثلاثة لعلماء التدوين. والإطلاق الثاني عندهم: هو الإدراك أي إدراك تلك المعارف السالفة. والإطلاق الثالث: هو على ما يسمونه ملكة الاستحصال أي التي تستحصل بها تلك المعارف. أو ملكة الاستحضار أي التي تستحضر بها المعارف بعد حصولها. وأول هذه الإطلاقات هو أولاها بالقبول لأنه المتبادر من نحو قولهم تعلمت علما من العلوم وموضوع العلم كذا والتبادر كما يقولون أمارة الحقيقة. ذلك ما أردنا بسطه في الكلام على لفظ علوم من قولنا: علوم القرآن.
2- أما لفظ القرآن: فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} - ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من باب إطلاق المصدر على مفعوله. ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق وإليه ذهب اللحياني وجماعة. أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع أو أنه مشتق من القرائن. أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء أو أنه مرتجل أي موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل غير مهموز ولا مجرد من أل فكل أولئك لا يظهر له وجه وجيه ولا يخلو توجيه بعضه من كلفة ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة.
وعلى الرأي المختار فلفظ قرآن مهموز وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف.
ويقال للقرآن: فرقان أيضا وأصله مصدر كذلك ثم سمي به النظم الكريم تسمية للمفعول أو الفاعل بالمصدر باعتبار أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو مفروق

بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ثم إن هذين الاسمين هما أشهر أسماء النظم الكريم. بل جعلهما بعض المفسرين مرجع جميع أسمائه كما ترجع صفات الله على كثرتها إلى معنى الجلال والجمال. ويلي هذين الاسمين في الشهرة هذه الأسماء الثلاثة الكتاب والذكر والتنزيل. وقد تجاوز صاحب البرهان حدود التسمية فبلغ بعدتها خمسة وخمسين وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفا وتسعين كما ذكره صاحب التبيان. واعتمد هذا وذاك على إطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم وما ورد على أنه وصف ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الأسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الواقعة كما عدا من الأسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين. أما لفظ كريم ومبارك فلا شك أنهما وصفان كما ترى. والخطب في ذلك سهل يسير بيد أنه مسهب طويل حتى لقد أفرده بعضهم بالتأليف. وفيما ذكرناه كفاية {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} .

القرآن في الاصطلاح
...
القرآن في الاصطلاح
معلوم أن القرآن كلام الله وأن كلام الله غير كلام البشر ما في ذلك ريب ومعلوم أيضا أن الإنسان له كلام قد يراد به المعنى المصدري أي التكلم وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر أي المتكلم به. وكل من هذين المعنيين لفظي ونفسي. فالكلام البشري اللفظي بالمعنى المصدري: هو تحريك الإنسان للسانه وما يساعده في إخراج الحروف من المخارج. والكلام اللفظي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات

المنطوقة التي هي كيفية في الصوت الحسي وكلا هذين ظاهر لا يحتاج إلى توضيح. أما الكلام النفسي بالمعنى المصدري فهو تحضير الإنسان في نفسه بقوته المتكلمة الباطنة للكلمات التي لم تبرز إلى الجوارح فيتكلم بكلمات متخيلة يرتبها في الذهن بحيث إذا تلفظ بها بصوت حسي كانت طبق كلماته اللفظية. والكلام النفسي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات النفسية والألفاظ الذهنية المترتبة ترتبا ذهنيا منطبقا عليه الترتب الخارجي.
ومن الكلام البشري النفسي بنوعيه قوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قال أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً} . ومنه الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال" إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري" فقال عليه السلام: "لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن" فأنت ترى أن النبي سمى ذلك الشيء الذي تحدثت به النفس كلاما مع أنه كلمات ذهنية لم ينطق بها الرجل مخافة أن يحبط بها أجره. وهذا الإطلاق من الرسول يحمل على الحقيقة لأنها الأصل ولا صارف عنها.
كذلكم القرآن كلام الله ولله المثل الأعلى قد يطلق ويراد به الكلام النفسي وقد يطلق ويراد به الكلام اللفظي والذين يطلقونه إطلاق الكلام النفسي هم المتكلمون فحسب لأنهم المتحدثون عن صفات الله تعالى النفسية من ناحية والمقررون لحقيقة أن القرآن كلام الله غير مخلوق من ناحية أخرى. أما الذين يطلقونه إطلاق الكلام اللفظي فالأصوليون والفقهاء وعلماء العربية وإن شاركهم فيه المتكلمون أيضا بإطلاق ثالث عندهم كما يتبين لك بعد. وإنما عني الأصوليون والفقهاء بإطلاق القرآن على الكلام اللفظي لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام وهو لا يكون إلا بالألفاظ. وكذلك علماء العربية يعنيهم أمر الإعجاز فلا جرم كانت وجهتهم الألفاظ.

والمتكلمون يعنون أيضا بتقرير وجوب الإيمان بكتب الله المنزلة ومنها القرآن وبإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعجزة القرآن. وبدهي أن ذلك كله مناطه الألفاظ فلا بدع أن ساهموا في هذا الإطلاق الثالث.

القرآن عند المتكلمين
...
القرآن عند المتكلمين
ثم إن المتكلمين حين يطلقونه على الكلام النفسي يلاحظون أمرين:
أحدهما : أن القرآن علم أي كلام ممتاز عن كل ما عداه من الكلام الإلهي.
ثانيهما : أنه كلام الله وكلام الله قديم غير مخلوق فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث.
وقد علمت أن الكلام النفسي البشري يطلق بإطلاقين أحدهما: على المعنى المصدري وثانيهما على المعنى الحاصل بالمصدر. فكذلك كلام الله النفسي. يطلق بإطلاقين أحدهما على نظير المعنى المصدري للبشر
وثانيهما على نظير المعنى الحاصل بالمصدر للبشر.وإنما قلنا على نظير لما هو مقرر من وجوب تنزه الكلام الإلهي النفسي عن الخلق وأشباه الخلق. فعرفوه بالمعنى الأول الشبيه بالمعنى المصدري البشري. وقالوا: إنه الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الحكمية. من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
وهذه الكلمات أزلية مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهي مترتبة غير متعاقبة. كالصورة تنطبع في المرآة مترتبة غير متعاقبة. وقالوا: في تعريفهم هذا: إنها حكمية لأنها ليست ألفاظا حقيقية مصورة بصورة الحروف والأصوات. وقالوا: إنها أزلية ليثبتوا لها معنى القدم. وقالوا: إنها مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية لينفوا عنها أنها مخلوقة. وكذلك قالوا: إنها غير متعاقبة لأن التعاقب يستلزم الزمان والزمان حادث. وأثبتوا لها الترتب ضرورة أن القرآن حقيقة مترتبة بل ممتازة بكمال ترتبها وانسجامها.

إذا عرفت هذا الإطلاق الأول عند المتكلمين سهل عليك أن تعرف إطلاقهم الثاني للقرآن الكريم: وهو أنه تلك الكلمات الحكمية الأزلية المترتبة في غير تعاقب المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهو تعريف للقرآن كلام الله بما يشبه المعنى الحاصل بالمصدر لكلام البشر النفسي. ذانك إطلاقان اختص بهما المتكلمون كما رأيت.
وهناك إطلاق ثالث للقرآن يقول به المتكلمون أيضا لكن يشاركهم فيه الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية.
ذلك أنه هو:
اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس الممتاز بخصائصه التي سنذكرها بعد قليل.
فهو مظاهر وصور لتلك الكلمات الحكمية الأزلية التي أشرنا إليها آنفا.
ويطلق القرآن إطلاقا رابعا على النقوش المرقومة بين دفتي المصحف باعتبار أن النقوش دالة على الصفة القديمة والكلمات الغيبية واللفظ المنزل. وهذا إطلاق شرعي عام. ولنضرب لك مثلا يوضح ذلك المقام الذي ضلت فيه الأفهام وزلت فيه الأقدام.
رجل شاعر كشرف الدين البوصيري رحمه الله لا ريب أنه كان يحمل في نفسه قوة شاعرة يستطيع أن يصوغ بها ما شاء من غرر القصائد وعندما اتجهت شاعريته فعلا أن يمتدح أفضل الخليقة صلوات الله سلامه عليه بقصيدته المعروفة بالهمزية لا شك أنه عالج النظم في نفسه واستحضر المعاني والألفاظ والأوزان حتى تمثل له ذلك القصيد في نفسه وتأثرت نفسه به على وجه إذا تكلم به بصوت حسي كان عين نظمه المقفى الموزون. ثم لا شك أنه نطق بقصيده بعد ثم كتبه بعد أن أنشده فهذا الاسم الشهير بالهمزية في مدح خير البرية يمكن أن نقرب

به الإطلاقات الأربعة التي أطلقنا بها القرآن الكريم: يصح أن نطلق الهمزية على القوة الشاعرة لذلك الرجل باعتبار اتجاهها إلى هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يأخذ صورة اللفظ والنقش. ويصح أن نطلقها على هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يظهر بمظهر الألفاظ والنقوش كذلك. ويصح أن نطلقها على هذا النظم بعد أن تمثل أصواتا ملفوظة وحروفا موزونة. ويصح أن نطلقها على هذا النظم متمثلا في صورته المرسومة ونقوشه المكتوبة.

القرآن عند الأصوليين والفقهاء وعلماء العربية
...
القرآن عند الأصوليين والفقهاء وعلماء العربية
أظنني قد أطلت عليك ولكن المقام دقيق وخطير فلا تضق ذرعا بهذا التطويل والتمثيل ثم استمع لما وعدتك إياه من بيان معنى القرآن على أنه اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
هذا الإطلاق كما علمت ينسب إلى علماء الأصول والفقه واللغة العربية. ويوافقهم عليه المتكلمون أيضا
غير أن هؤلاء الذين أطلقوه على اللفظ المنزل الخ اختلفوا في تعريفه: فمنهم من أطال في التعريف وأطنب بذكر جميع خصائص القرآن الممتازة. ومنهم من اختصر فيه وأوجز. ومنهم من اقتصد وتوسط. فالذين أطنبوا عرفوه بأنه الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته وأنت ترى أن هذا التعريف جمع بين الإعجاز والتنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم والكتابة في المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة. وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم. وإن كان قد امتاز بكثير سواها. ولا يخفى عليك أن هذا التعريف كان يكفي فيه ذكر بعض تلك الأوصاف ويكون جامعا مانعا غير أن مقام التعريف مقام إيضاح وبيان فيناسبه الإطناب لغرض زيادة ذلك والبيان. لذلك استباحوا لأنفسهم أن يزيدوا فيه ويسهبوا.
والذين اختصروا وأوجزوا في التعريف: منهم من اقتصر على ذكر وصف

واحد هو الإعجاز. ووجهة نظرهم في هذا الاقتصار أن الإعجاز هو الوصف الذاتي للقرآن. وأنه الآية الكبرى على صدق النبي صلى الله عليه وسلم والشاهد العدل على أن القرآن كلام الله.
ومنهم من اقتصر على وصفين: هما الإنزال والإعجاز وحجتهم أن ما عدا هذين الوصفين ليس من الصفات اللازمة للقرآن. بدليل أن القرآن قد تحقق فعلا بهما دون سواهما على عهد النبوة.
ومنهم من اقتصر على وصفي النقل في المصاحف والتواتر لأنهما يكفيان في تحصيل الغرض وهو بيان القرآن وتمييزه عن جميع ما عداه.
والذين توسطوا: منهم من عرض لإنزال الألفاظ وللكتابة في المصاحف وللنقل بالتواتر فحسب موجها رأيه بأن المقصود هو تعريف القرآن لمن لم يدركه زمن النبوة وأن ما ذكره من الأوصاف هو من اللوازم البينة لأولئك الذين لم يدركوها بخلاف الإعجاز فإنه غير بين بالنسبة لهم وليس وصفا لازما لما كان أقل من سورة من القرآن.
ومن أولئك الذين توسطوا من عرض للإنزال والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة فقط مستندا إلى أن ذلك هو الذي يناسب غرض الأصوليين. وعرفوه بأنه: اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته فاللفظ جنس في التعريف يشمل المفرد والمركب. ولا شك أن الاستدلال على الأحكام كما يكون بالمركبات يكون بالمفردات كالعام والخاص والمطلق والمقيد. وخرج بالمنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم ينزل أصلا مثل كلامنا ومثل الحديث النبوي وما نزل على غير النبي صلى الله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل. وخرج بالمنقول تواترا جميع ما سوى القرآن من منسوخ التلاوة والقراءات غير المتواترة سواء أكانت مشهورة نحو قراءة ابن مسعود متتابعات عقيب قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أم كانت آحادية كقراءة ابن مسعود أيضا لفظ متتابعات عقيب قوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإن شيئا

من ذلك لا يسمى قرآنا ولا يأخذ حكمه. وخرجت الأحاديث القدسية إذا تواترت بقولهم المتعبد بتلاوته.

هل القرآن علم شخص؟
...
هل القرآن علم شخص؟
أسلفنا أن القرآن يطلق على الصفة القديمة ويطلق على الكلمات الحكمية الأزلية وهذان الإطلاقان لا تعدد فيهما ألبتة لا حقيقة ولا اعتبارا. بل هما منزهان عنه لأن التعدد من أمارات الحدوث. كيف وهما قديمان؟
وإذا فلفظ القرآن علم شخص بهذين الإطلاقين لا محالة. أما إذا أريد بالقرآن اللفظ المنزل فهنا يكون الخلاف
فالرأي السائد أنه علم شخص مدلوله تلك الآيات المنزلة الممتازة بخصائصها العليا من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذه الألفاظ المعينة لا يقدح في تشخصها اختلاف المتلفظين ولا تعدد القارئين كما لا يقدح في تشخص محمود مثلا أن يكون في مكة أو في المدينة ولا أن يتقلب في أطوار مختلفة من طفولة إلى شيخوخة ومن صحة إلى مرض ومن حياة إلى موت ونحو ذلك. وبعضهم يجعله علم جنس نظرا إلى تعدد هذه الألفاظ المنزلة بتعدد قارئيها وكاتبيها. وهذا مردود من وجهين:
أحدهما : أن علم الجنس ضرورة نحوية اقتضتها أحكام لفظية كامتناع إضافته ودخول أل عليه. ولا ضرورة هنا لفظية.
ثانيهما : أن علم الجنس نكرة في المعنى. وأفراده منتشرة متعددة حقيقة لا اعتبارا. والتعدد الملحوظ هنا اعتباري لا حقيقي. للقطع بأن ما يقرؤه أو يكتبه كل منا فهو القرآن عينه لا فرد من أفراده.

هل يصاغ للأعلام تعاريف
...
هل يصاغ للأعلام تعاريف
بقي علينا أن نتساءل: إذا كان القرآن علما فكيف ساغ أن يصاغ له تعريف بل تعاريف على نحو ما سبق مع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات والعلم جزئي مركب من الماهية ومشخصاتها. والمشخصات لا يمكن معرفتها إلا بالاطلاع عليها بالحواس كالإشارة مثلا أو بالتعبير عنها باسم علم؟
ولنا على ذلك أجوبة ثلاثة:
أولها : أنا نمنع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لم لا يجوز أن تعرف الجزئيات بأمور كلية لا يتحقق مجموعها في الخارج إلا في هذا الشخص بخصوصه. وهذا الجواب قريب مما ذكره صاحب التلويح إذ قال: الحق أن الشخص يمكن أن يحد بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين بحسب العقل. فإن ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير ا هـ.
ثانيها : أنا نسلم أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لكن ما ذكروه ليس بتعريف حقيقي إنما هو ضابط مميز وليس بمعرف.
ثالثها : أن هذا تعريف على رأي الأصوليين الذين لا يشترطون في التعاريف أجناسا ولا فصولا. بل الحد عندهم هو الجامع المانع مطلقا. وعليه فيصح أن يحد الشخص عند الأصوليين دون المناطقة.

إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه
...
إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه
لا شك أن القرآن يطلق على الكل وعلى أبعاضه. فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله إنه قرأ قرآنا. وكذلك يقال لمن قرأ ولو آية منه: إنه قرأ قرآنا. لكنهم اختلفوا: فقيل: إن لفظ قرآن حقيقة في كل منهما وإذا يكون مشتركا لفظيا. وقيل: هو موضوع للقدر المشترك بينهما وإذا يكون مشتركا معنويا ويكون مدلوله حينئذ كليا.

وقد يقال: إن إطلاقه على الكل حقيقة وعلى البعض مجاز. والتحقيق أنه مشترك لفظي بدليل التبادر عند إطلاق اللفظ على الكل وعلى البعض كليهما والتبادر أمارة الحقيقة. والقول بعلمية الشخص فيه كما حققنا آنفا يمنع أنه مشترك معنوي فتعين أن يكون مشتركا لفظيا. وهو ما يفهم من كلام الفقهاء إذ قالوا مثلا: يحرم قراءة القرآن على الجنب فإنهم يقصدون حرمة قراءته كله أو بعضه على السواء.

معنى علوم القرآن بالمعنى الإضافي
...
3- معنى علوم القرآن بالمعنى الإضافي
الآن وقد انتهينا من الكلام على المتضايفين في لفظ علوم القرآن ننتقل بك إلى أن الإضافة بينهما تشير إلى طوائف المعارف المتصلة بالقرآن سواء أكانت تصورات أم تصديقات على ما عرفت وجه اختياره في مدلول لفظ العلم في عرف التدوين العام.
وإنما جمعت هذه العلوم ولم تفرد لأنه لم يقصد إلى علم واحد يتصل بالقرآن. إنما أريد شمول كل علم يخدم القرآن أو يستند إليه. وينتظم ذلك علم التفسير وعلم القراءات وعلم الرسم العثماني وعلم إعجاز القرآن وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم إعراب القرآن وعلم غريب القرآن وعلوم الدين واللغة إلى غير ذلك. وتلك أشتات من العلوم توسع السيوطي فيها حتى اعتبر منها علم الهيئة والهندسة والطب ونحوها.
ثم نقل عن أبي بكر بن العربي في قانونه التأويل أنه قال: علوم القرآن خمسون وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة. إذ أن لكل كلمة ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا. هذا في المفردات فحسب. أما إذا اعتبرت التراكيب وما بينها من روابط كان ما لا يحصى مما لا يعمله إلا الله تعالى ا هـ بتصرف قليل.
وأحب أن تعرف أن هذا الكلام من السيوطي وابن العربي محمول على ضرب

كبير من التأويل والتوسع بأن يراد من العلوم كل ما يدل عليه القرآن من المعارف سواء أكانت علوما مدونة أم غير مدونة وسواء أكانت تلك الدلالة تصريحية أم تلميحية عن قرب أم عن بعد. فأما أن تراد العلوم المدونة صراحة فدون ذلك خرط القتاد وصعود السماء.

القرآن كتاب هداية وإعجاز
...
القرآن كتاب هداية وإعجاز
وتحقيق القول في هذا الموضوع: أن القرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز من أجل هذين المطمحين نزل وفيهما تحدث وعليهما دل. فكل علم يتصل بالقرآن من ناحية قرأنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم القرآن. وهذا ظاهر في العلوم الدينية والعربية.
أما العلوم الكونية وأما المعارف والصنائع وما جد أو يجد في العالم من فنون ومعارف كعلم الهندسة والحساب وعلم الهيئة والفلك وعلم الاقتصاد والاجتماع وعلم الطبيعة والكيمياء وعلم الحيوان والنبات فإن شيئا من ذلك لا يجمل عده من علوم القرآن لأن القرآن لم ينزل ليدلل على نظرية من نظريات الهندسة مثلا ولا ليقرر قانونا من قوانينها. وكذلك علم الهندسة لم يوضع ليخدم القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره
وهكذا القول في سائر العلوم الكونية والصنائع العالمية. وإن كان القرآن قد دعا المسلمين إلى تعلمها وحذقها والتمهر فيها خصوصا عند الحاجة إليها. وإنما قلنا: إنه لا يجمل اعتبار علوم الكون وصنائعه من علوم القرآن مع أن القرآن يدعو إلى تعلمها لأن هناك فرقا كبيرا بين الشيء يحث القرآن على تعلمه في عموماته أو خصوصاته وبين العلم يدل القرآن على مسائله أو يرشد إلى أحكامه أو يكون ذلك العلم خادما للقرآن بمسائله أو أحكامه أو مفرداته. فالأول ظاهر أنه لا يعتبر من علوم القرآن بخلاف الثاني. وهو ما نريد أن نرشدك إليه وأن تحرص أنت بدورك عليه.

القرآن يحض على الانتفاع بالكون
...
القرآن يحض على الانتفاع بالكون
أجل: إن القرآن حض على معرفة علوم الكون وصنائع العالم وحث على الانتفاع بكل ما يقع تحت نظرنا في الوجود. قال سبحانه وتعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقال جلت حكمته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . فلا يليق بالمسلمين وهم المخاطبون بهذا أن يفروا من وجه هذه المنافع العامة ولا أن يزهدوا في علوم الكون ولا أن يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سمواته وأرضه ولهذا نص علماؤنا على أن تعلم تلك العلوم الكونية وحذق هذه الصناعات الفنية فرض من فروض الكفايات ما داموا في حاجة إليها لمصلحة الفرد أو المجموع. وذلك لأن البقاء في هذه الحياة للأصلح والحياة في هذا الوجود للسلام المسلح والأسلحة في كل عصر عامة وفي هذا العصر خاصة إنما تقوم على التمهر في العلوم وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون. والويل فينا للضعيف والحظ كل الحظ للقوي والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان".

إعجاز علمي للقرآن
...
إعجاز علمي للقرآن
وأحب ألا أنتهي من هذا الموضوع حتى أنبهك إلى شيء آخر جدير بالنظر والتقدير: وهو أن القرآن الكريم في طريقة عرضه للهداية والإعجاز على الخلق قد حاكم الناس إلى عقولهم وفتح عيونهم إلى الكون وما في الكون من سماء وأرض,

وبر وبحر وحيوان ونبات وخصائص وظواهر ونواميس وسنن. وكان القرآن في طريقة عرضه هذه موفقا كل التوفيق بل كان معجزا أبهر الإعجاز لأن حديثه عن تلك الكونيات كان حديث العليم بأسرارها الخبير بدقائقها المحيط بعلومها ومعارفها على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي نشأ في أمة أمية جاهلة لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها. بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال. فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم قال سبحانه مقررا لهذا الإعجاز العلمي: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ولعل من الحكمة أن نسوق لك نموذجين من القرآن على سبيل التمثيل أولهما في سورة النور إذ يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} قل لي بربك ألا يملكك العجب حين تقرأ هذا النص الكريم الذي يتفق وأحدث النظريات العلمية في الظواهر الطبيعية من سحاب ومطر وبرق؟.
النموذج الثاني يقول الله تعالى في سورة القيامة مبينا ومقررا كمال اقتداره على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} . أرجو أن تقف قليلا عند تخصيصه البنان بالتسوية في هذا المقام. ثم تستمع بعد ذلك إلى هذا العلم الوليد علم تحقيق الشخصية في عصرنا الأخير وهو يقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان هو تسوية البنان حتى إنه لا يمكن أن تجد بنانا لأحد يشبه بنان آخر بحال من الأحوال. وقد انتهوا من هذا القرار إلى أن حكموا البنان في كثير من القضايا والحوادث

{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ولا أريد أن أطيل عليك في هذا فمعجزات القرآن العلمية لها ميدان آخر. إنما هي نظرة خاطفة نوضح بها المراد بعلوم القرآن ونوجه بها كلام السيوطي في الإتقان ونعتذر فيها عن ابن العربي في التأويل.
والله وحده هو المحيط بأسرار كتابه. ولا يزال الكون وما يحدث في الكون من علوم وفنون وشؤون لا يزال كل أولئك يشرح القرآن ويفسره ويميط اللثام عن نواح كثيرة من أسراره وإعجازه مصداقا لقوله جل ذكره: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .

معنى علوم القرآن كفن مدون وموضوعه وفائدته
...
4- معنى علوم القرآن كفن مدون وموضوعه وفائدته
أما بعد فقد تبين لك فيما سبق أن لفظ علوم القرآن يراد بمعناه الإضافي ما يشمل العلوم الدينية والعربية ونفيدك هنا أن هذا اللفظ نقل من ذلك المعنى الإضافي ثم جعل علما على الفن المدون وأصبح مدلوله بعد النقل وهو علم غير مدلوله قبل النقل وهو مركب إضافي ضرورة أن هذا الفن ليس هو مجموعة العلوم الدينية والعربية بل هو غيرها وإن كان مستمدا منها ومأخوذا عنها ويمكن أن نعرفه بأنه مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ودفع الشبه عنه ونحو ذلك.
وموضوعه القرآن الكريم من أية ناحية من النواحي المذكورة في التعريف. بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي فإن موضوعه هو مجموع موضوعات تلك العلوم المنضوية تحت لوائه. وموضوع كل واحد منها هو القرآن الكريم من ناحية واحدة من تلك النواحي. فعلم القراءات مثلا موضوعه القرآن الكريم من ناحية لفظه وأدائه وعلم التفسير موضوعه القرآن الكريم من ناحية شرحه ومعناه وهلم جرا.
وفائدة هذا العلم: ترجع إلى الثقافة العالية العامة في القرآن الكريم وإلى التسلح بالمعارف القيمة فيه استعدادا لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز ثم إلى سهولة
خوض غمار تفسير القرآن الكريم به كمفتاح للمفسرين فمثله من هذا الناحية كمثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس علم الحديث.
وقد صرح السيوطي بذلك في خطبة كتابه الإتقان إذ قال: ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث ا هـ.
ثم رأيت صاحب كتاب التبيان في علوم القرآن يشير إلى ذلك المعنى إذ وضع على طرة كتابه الكلمة الآتية:
وهذا هو المقدمة الصغرى من مقدمتي التفسير.
هذا وإنما سمي هذا العلم القرآن بالجمع دون الإفراد. للإشارة إلى أنه خلاصة علوم متنوعة باعتبار أن مباحثه المدونة تتصل اتصالا وثيقا كما علمت بالعلوم الدينية والعلوم العربية حتى إنك لتجد كل مبحث منها خليقا أن يسلك في عداد مسائل علم من تلك العلوم.
فنسبته إليها كنسبة الفرع إلى أصوله أو الدليل إلى مدلوله. وما أشبهه بباقة منسقة من الورود والياسمين إزاء بستان حافل بالوان الزهور والرياحين. والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المبحث, الأول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir