(176)
نفحة من أخوة صدق 3/3
(... وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَاهَ جَاهَانِ:
- جَاهٌ يُجْرِيهِ اللهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ أَوْلِيَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، الْخَامِلِ ذِكْرُهُمْ، الْخَافِيَةِ شُخُوصُهُمْ، وَلَقَدْ جَاءَ نَعْتُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْأَخْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا شُهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ» فَهَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
- وِجَاهٌ يُجْرِيهِ اللهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ أَعْدَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ وَمِقَةٌ يَقْذِفُهَا اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ لَهُمْ، فَيُعَظِّمُهُمُ النَّاسُ بِتَعْظِيمِ أُولَئِكَ لَهُمْ، وَيَرْغَبُ النَّاسُ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ لِرَغْبَةِ أُولَئِكَ فِيهِ إِلَيْهِمْ، {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
وَمَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْظُرُ لِمَنْ عَاشَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، مَقْتُورًا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، مَعْزُولَةً عَنْهُ الْبَلَايَا، مَصْرُوفَةً عَنْهُ الْفِتَنُ فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ، وَظُهُورِ جَلَدِهِ، وَكَمَالِ شَهْوَتِهِ، فَعَنَّى بِذَلِكَ دَهْرَهُ حَتَّى إِذَا كَبُرَ سِنُّهُ، وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَانْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ وَلَذَّتُهُ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا شَرَّ فُتُوحٍ، فَلَزِمَتْهُ تَبِعَتُهَا، وَعَلِقَتْهُ فِتْنَتُهَا، وَأَغْشَتْ عَيْنَيْهِ زَهْرَتُهَا، وَصَفَتْ لِغَيْرِهِ مَنْفَعَتُهَا فَسُبْحَانَ اللهِ، مَا أَبْيَنَ هَذَا الْغَبْنَ، وَأَخْسَرَ هَذَا الْأَمْرَ فَهَلَّا إِذْ عُرِضَتْ لَكَ فِتْنَتُهَا ذَكَرْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ إِلَى سَعْدٍ حِينَ خَافَ عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي وَقَعْتَ فِيهِ عِنْدَمَا فَتْحَ اللهُ عَلَى سَعْدٍ: أَمَّا بَعْدُ فَأَعْرِضْ عَنْ زَهْرَةِ مَا أَنْتَ فِيهِ حَتَّى تَلْقَى الْمَاضِينَ الَّذِينَ دُفِنُوا فِي أَسْمَالِهِمْ، لَاصِقَةً بُطُونُهُمْ بِظُهُورِهِمْ، لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ، لَمْ تَفْتِنْهُمُ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُفْتَنُوا بِهَا، رَغِبُوا فَطَلَبُوا فَمَا لَبِثُوا أَنْ لَحِقُوا، فَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا تَبْلُغُ مِنْ مِثْلِكَ هَذَا فِي كِبَرِ سِنِّكَ وَرُسُوخِ عِلْمِكَ وَحُضُورِ أَجَلِكَ، فَمَنْ يَلُومُ الْحَدَثَ فِي سِنِّهِ، وَالْجَاهِلَ فِي عِلْمِهِ، الْمَأْفُونَ فِي رَأْيِهِ، الْمَدْخُولَ فِي عَقْلِهِ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَلَى مَنِ الْمُعَوِّلُ وَعِنْدَ مَنِ الْمُسْتَعْتَبُ، نَحْتَسِبُ عِنْدَ اللهِ مُصِيبَتَنَا، وَنَشْكُو إِلَيْهِ بَثَّنَا، وَمَا نَرَى مِنْكَ، وَنَحْمَدُ اللهَ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) [حلية الأولياء: 2/247]