دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأيمان والنذور

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:04 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)). ولمسلم: ((فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)). وفي رواية: قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكرا ولا آثرا. يعني حاكيا عن غيري أنه حلف بها .
الشيخ: هذا الحديث يتعلق بالحلف , الحلف هو القسم بالله ، أو بأسماء الله ، أو بصفات الله على أمر من الأمور لتأكيده وتقويته .

...أو بأسماء الله ، أو بصفات الله على أمر من الأمور لتأكيده وتقويته . والإنسان إذا أراد أن يؤكد قولا من الأقوال فإنه يقنع الحاضرين والسامعين بهذا الحلف , فيقول: والله إن الأمر كذا , وبالله إنه لكذا ، أو أحلف بالله لقد قال فلان كذا أو ما أشبه ذلك .

كان أهل الجاهلية يحلفون بما يعظمونه ، وكانت آلهتهم في نظرهم أنها عظيمة ، فلذلك كانوا يقولون في حلفهم:واللات والعزى, اللات المعبد الذي في الطائف ، والعزى المعبد الذي في نخلة بين مكة والطائف , وكلاهما معظم عندهم , فورد النهي عن ذلك , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) . وذلك لأن الحلف تعظيم للمحلوف به , الذي تحلف به يكون قدره في قلبك عظيما , فتعظمه بهذه اليمين . والتعظيم لا يصلح إلا لله تعالى , لا يجوز لأحد أن يعظم مخلوقا كتعظيم الله , فلا جرم جاء الأمر بالحلفِ بالله وحده , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالله فليصدق ، ومن حُلف له بالله فليرض , ومن لم يرض فليس من الله)) . أمر الذي يحلف بالله أن يحلف وهو صادق، ونهاه أن يحلف بغير الله , أيا كان ذلك المحلوف به .

كان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم , وبقي ذلك عند بعض من أسلم , حتى أن عمر رضي الله عنه , وهو من أذكى الناس وأفطنهم , حلف مرة بعدما أسلم بأبيه , فقال: بأبي إن الأمر كذا وكذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم , من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) . ولما سمعه عمر رضي الله عنه امتثل ذلك , فتوقف عن هذا منذ أن نهاه؛ وذلك لأن الصحابة وقافون عند حدود الله , متى أمرهم الله بأمر توقفوا عنده ، ومتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر امتثلوه ولم يتجاوزوه , فلذلك يقول عمر: والله ما حلفتُ بأبي بعد ذلك , لا ذاكرا ولا آثرا . يعني لا ذاكرا له مبتدئا له من نفسي ، ولا آثرا يعني ناقلا للكلام عن غيري , حتى النقل , ما يقول: إن فلان قال: بأيى إن الأمر كذا ؛ من شدة امتثاله وتمسكه بما سمعه من الحديث المرفوع تمسكا زائدا ،لم ينقل عن أحد قوله: بأبي إن الأمر كذا ؛ وما ذاك إلا أنه علم أنه صلى الله عليه وسلم ما نهى عنه إلا وهو حرام لا يجوز .

وقد ورد أيضا ما يدل على أنه من الشرك , فقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)). ونكمل بعد الأذان إن شاء الله .
ذكر في هذا الحديث أن الحلف بغير الله كفر أو شرك:((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) . ولكن إذا قيل: إنه كفر فهو كفر دون الكفر بالله , إنما هو كفر جزئي , بمعنى أنه جحْد لما أمرنا به من الحلف بالله تعالى ، وإذا قيل: إنه شرك , فإنه من الشرك الأصغر الذي هو دون الأكبر ، ولا يخرج من الملة ، ولكن مادام أن اسمه شرك فإنه لا يغفر إلا بالتوبة , داخل في الآية الكريمة: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} , فالذي يموتُ وهو مصر على نوع من الشرك كالحلف بغير الله يعتبر من الذين لا يغفر شركهم ، بل لا بد من عقوبتهم على قدر شركهم بما يقدره الله تعالى .
وعلى كل حال فإنه مادام أنه ذنب , ومادام أنه وصل إلى تسميته شركا في هذا الحديث , فإنه يدل على كبره وكونه أكبر من الكبائر ؛ لأن كبائر الذنوب كالزنا والربا ونحوها تحت المشيئة , إن شاء الله تعالى عفا عنها وغفرها لصاحبها, وإن شاء عذبه بقدرها ، وأما الشرك ولو كان صغيرا فلابد من عذاب صاحبه , عذابه في الآخرة بقدر شركه ، أو بقدر ذنبه , فهذا دليل على عظمته .

والإنسان عليه أن يكون حذرا , عليه أن يكون تعظيمه لله , فإنه إذا حلف بغير الله فقد عظَّم ذلك الغير , دل على أن له منزلة في قلبه لذلك المحلوف به , منزلة عظيمة يقدره بها ويرفع مقامه ، فقد رفعه عن قدره ، وقد جعله مستحقًّا لنوع من التعظيم الذي هو خالص حق الله تعالى .
يدخل في ذلك الأشخاص والبقع والصفات ونحوها , فإذن كل ذلك من الحلف بغير الله , قد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا} قال: الأنداد هو الشرك , أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة السوداء على صخرة سوادء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان ، وحياتي . جعل هذا من الحلف بغير الله من الشرك , يقول: وحياتك يا فلان ، أو بحياتك يا فلان ، أو وحياتى ، أو بحياتي , فإن هذا حلف بغير الله , أثبت ابن عباس أنه من الشرك الذي هو خفي ، بمعنى أن الناس لا يفطنون له ولا ينتبهون له , كلمات يقولون: تجري على الألسن ، ويتساهل بها , وهي في الحقيقة من الشرك ، ولكنها من الشرك الخفي .

فيتنبه لها إذا قال: وحياتك يا فلان ، أو وحياتك يا فلانة ، أو وحياتي , أو قال مثلا: وشرفي , أو ونسبي , أو نحو ذلك , حلف بشرفه , شرفه ما هو ؟! ما يستحق أن يعظم بهذا التعظيم ، وكذلك لو قال: ونسبي أو منصبي ، أو ومفخري ، أو ومفخر فلان , أو ما أشبه ذلك , كل هذا من الشرك ، وهكذا إذا أقسم بالترب , كأن يقول: بتربة فلان , أو ما أشبه ذلك ، أو أقسم بالحرمة , كأن يقول: بحرمة فلان , بحرمة صاحب هذا القبر , بحرمة الولي ، أو بالقبر الفلاني ، أو بالشهيد , أو بالولي الفلاني ، أو ما أشبه ذلك .
لا شك أن هذا يعتبر تعظيما لذلك المخلوق به , والذي يحلف به يعتبر كأنه رفعه عن مقامه , فكان بذلك مشركا. هذا في حق المخلوق . فيتجنب الإنسان الحلف بالمخلوق ، ولا يحلف إلا بالخالق سبحانه وتعالى .
وإذا قلت: إن الله تعالى أقسم بكثير من المخلوقات . نقول: الله تعالى يقسم من خلقه بما يشاء , كما في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} , ولكن المسلم الذي يلتزم ويوحد الله يجعل إقسامه بالله , فلا يقسم إلا بربه ؛ لأن القسم كما قلنا تعظيم , والتعظيم أصبح من حق الله تعالى على عباده , حق على العباد أن يكون تعظيمهم لربهم .

ومع الأسف نسمع كثيرا لايقنعون بالحلف بالله , حتى يحلف لهم بغير الله , في كثير من البلاد التي تنتحل الإسلام وتدعي أنهم يعظمون الله ويعظمون القرآن ، ويؤمنون بالبعث . يحكى لنا عن بعضهم أنه كان له دين عند شخص , فأحضر عند القاضي , وحلف عشرة أيمان أنه ليس له حق عندي , فقال خصمه: قل له يحلف بتربة الولي فلان ، فألزمه القاضي بأن يحلف بتربته , فامتنع أن يحلف ، واعترف بالحق , وقال: إذا حملتموني على أن أحلف بتربة السيد فلان فإنني لا أحلف وأفدي يميني ، بل أقول: إن الحق عندي إذا أكرهتموني , فصارت تربة ذلك السيد الذي يعبدونه ويعظمونه ، ويسمونه وليا وسيدا , أعظم في قلبه من الخالق سبحانه وتعالى , حلف بالله عدة أيمان وهو كاذب , ولم يتجرأ أن يحلف بتربة السيد .
فهذا لا شك أنه قد يصل إلى الشرك الأكبر ؛ لأنه عظم ذلك السيد وصار في قلبه له وقع , مع أنه مخلوق , ولو مثلا حلف به وهو صادق لأشركَ, وقال: إنه شرك ..أوصدق عليه أنه مشرك .

فالحاصل أن المسلم عليه أن يكون تعظيمة لربه سبحانه , فلا يعظم أي مخلوق بنوع من أنواع التعظيم , لا الحلف ولا غيره ، ومتى عرف المسلم أن الله تعالى هو المستحق للتعظيم والتوقيرفإنه يعرف أنه هو المستحق لجميع العبادات كلها , فحينئذ هو المستحق لأن يدعى وحده ، ولا يدعى غيره , هو المستحق لأن يرجى ، وأن يخاف وأن يعتمد عليه ، وأن يتوكل عليه ، وأن يستعان به ، وأن يستغاث به , وهكذا جميع أنواع العبادات التي هي خالص حق الله تعالى , فيصرفها لله ويترك التعلق على مخلوق سوى الله .
معلوم أن الحلف تأكيد للمحلوف به ، ولكن قد ذكرنا أنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الحلف وهو شاك في الأمر ولا وهو كاذب . وإذا حلف وهو كاذب على أمر من الأمور سيما إذا كان يستحل بحلفه مالا يأخذه بغير حق فإن ذلك حرام عليه ؛ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع مال امرىء مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) . قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال: ((وإن كان قضيبا من أراك)) . قضيبا من أراك: يعني عود السواك الذي يستاك به . لو اقتطع باليمين سواكا فإنه يعتبر قد اقتطع يمينا بغير حق ، يعني مالا بيمين هو فيها كاذب , جمع بين الكذب ، وجمع بين أخذ ما لا يستحقه من المال ولو كان يسيرا ، فاستحق أن يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان .

كذلك نقول: إن على المسلم أيضا أن يحترم أسماء الله تعالى , فلا يكثر الحلف ؛ مخافة أن يقع في كذب وهو غير متعمد ، ثم يلام على ذلك . وقد كثر حلف الناس على البيع والشراء ، وهو بلا شك يوقعهم في كثير من الفجور أو نحو ذلك , وقد قال الله تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين} حلاف: صيغة مبالغة أي: كثير الحلف , فإن الذي يكون كثير الحلف لابد أن يقع في شيء من الكذب , جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب العذاب ..الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم جعل منهم رجلا حلف على سلعة بعد العصر , لقد أعطي بها كذا وكذا وهو كاذب , خص بعد العصر ؛ وذلك لأنه وقت شريف ، يعني من أفضل الأزمنة . وخص الحلف مع أنه حلف بالله , ولكنه حلف على كذب, صدقه الذي حُلف له , وزاد في ثمن تلك السلعة لما أنه حلف .
فهذا أخذ ما لا يستحقه ، وحلف بالله وهو كاذب ، وامتهن حرمة الزمان الذي هو وقت شريف وهو بعد العصر , فكان ذلك سببا لعقوبته بهذه العقوبة .

بذلك نتواصى بأن نحفظ أيماننا , يقول الله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} أي لا تكثروا الحلف فتقعون في الحنث .وكذلك لا نكثر الحلف بالله , يقول الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي لا تكثروا من الحلف الذي هو مظنة الكذب أو نحو ذلك . وبكل حال الكلام على الأيمان وما يتعلق بها قد يطول بنا ، ولكنه معروف والحمد لله .

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النهي, عن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir