دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة صحيح مسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 جمادى الآخرة 1435هـ/23-04-2014م, 09:27 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب مقدمة صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

تقريب مقدمة صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله
...
الحمد لله الذي شرّف العلم وأهله، وآتى كلَّ ذي فضل فضله، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وأقامهم على معالم دينه أدلاء، فبيّن بهم السبيل، وأقام بهم الحجة، وجعلهم أئمة يهدون بأمره، ويحفظون دينه، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، ويبيّنون سَنن العلم لطالبيه، ومنهاج الأئمة فيه؛ فمن سلك سبيلهم، وامتثل طريقتهم، وأحبّهم لله، كان من جملتهم، وحشر في زمرتهم.
والصلاة والسلام على الإمام الأعظم، والنبيّ الأكرم، الذي شَرُفَ أهل الحديث بالرواية عنه، والتفقّه في حديثه وسننه وأيامه، والاهتداء بهديه؛ فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فهذا تقريب لما تضمنته مقدمة صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، حرصت فيه على تقصي ما ذكره فيها، واختصار العبارة مع الوفاء بالمعنى، رجاء أن أنتفع بمذاكرته، وينتفع به من يطالعه من طلبة العلم، والله الموفّق والمسؤول أن يتقبله ويبارك فيه.
...
سبب تأليف الإمام مسلم لصحيحه:
1: إجابة سؤال من طلب منه جمع الأخبار المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنن الدين وأحكامه، وما كان منها في الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب بلا تكرار ليتفهّمها ويستنبط منها.
2: ما رآه من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدّثا فينشرون الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة بين العامة الذين لا يعرفون عيبوها، وقد يتخذونها ديناً.


فوائد تقديم ضبط الصحيح:
- ضبط الصحيح القليل أولى من معالجة الكثير الذي لا يميز صحيحه من سقيمه.
- جمع المكررات إنما يصلح للخاصّة الذين رُزقوا التيقظ والمعرفة بأسباب التكرار وعلل الأحاديث.
- من عجز عن معرفة القليل الصحيح فلا معنى لاستكثاره مما لا يميّزه.


أسباب تكرار الحديث:
ذكر الإمام مسلم أنه لا يكرر حديثاً إلا لحاجة، وهي:
- إما أن يكون في رواية معنى زائد فيكرر لأن المعنى الزائد يقوم مقام حديث تام.
- وإما أن يتعسّر فصل الحديث وتقطيعه فإعادته بهيئته تاما أسلم.


أقسام الأحاديث:
القسم الأول: ما سلم متنه وإسناده من العلل القادحة، وكان رواته من أهل الاستقامة في الحديث والإتقان.
- من هؤلاء: منصور بن المعتمر وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد.
القسم الثاني: من هم دون أهل القسم الأول في الحفظ والإتقان لكن يشملهم اسم الستر والصدق وتعاطي العلم.
- من هذا الضرب: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم.
- إنما يذكر الإمام مسلم أحاديث هذا الضرب تبعاً لمعنى يحتاج إليه.
القسم الثالث: المتهمّون بالكذب، وأصحاب الغلط الفاحش، ومنكرو الحديث.
- من المتهّمين بالوضع: أبو جعفر المدائني، وعمرو بن خالد، وعبد القدوس الشامي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغياث بن إبراهيم، وسليمان بن عمرو النخعي.
- من منكري الحديث: عبد الله بن محرر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح بن المنهال، وعباد بن كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعمر بن صهبان.

علامة منكر الحديث:
- علامة المنكَر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها.
- من كان هذا هو الغالب على حديثه كان مهجور الحديث غير مقبوله عند أهل الحديث.


شرط قبول تفرّد الراوي:
- أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم؛ فإذا تفرّد بعد ذلك بشيء ليس عند أصحابه قُبلت زيادته.
- أما من يعمد لمثل الزهري وهشام بن عروة على كثرة الرواة عنهما واتفاقهم في أكثر رواياتهم ثم ينفرد عنهم بعدد من الأحاديث لا يعرفونها وهو لم يشاركهم في الصحيح مما عندهم فلا يُقبل حديثه.


التنبيه على علل الأحاديث:
- ذكر الإمام مسلم أنه بيّن في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة مذهب أهل الحديث فيها.
- من أئمة أهل الحديث: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي.

من العدل تنزيل الناس منازلهم:
- قال الله تعالى:
{وفوق كل ذي علم عليم}
- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)
- لا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته.

وجوب التثبت في الرواية:
1: بأن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه.
2: وأن يتقي روايات أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.


أدلة وجوب التثبّت في الرواية:
1: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}
2: قول الله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء}
3: قول الله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}

- دلت هذه الآيات على أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة.
- الرواية تفارق معنى الشهادة من بعض الوجوه، ويجتمعان في أعظم معانيهما.

تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1: الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
... - قال أبو عبد الله الحاكم: (هذا وعيد للمحدِّث إذا حدَّث بما يَعلم أنه كذبٌ وإن لم يكن هو الكاذب).
2: شعبة وحبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
3: منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش أنه سمع علياً رضي الله عنه يخطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار)).
4: إسماعيل ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك أنه قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من تعمد علي كذباً فليتبوأ مقعده من النار)).
5: أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
6: سعيد بن عبيد، حدثنا علي بن ربيعة قال: أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة، قال: فقال المغيرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن كذباً علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

نهي المرء أن يحدّث بكلّ ما سمع:
1: خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)).
2: سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
(بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع).
3: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ).
4: قال عبد الله بن وهب: قال لي مالك: (اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمع).
5: قال محمد بن المثنى: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: (لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع).
6: قال إياس بن معاوية لسفيان بن حسين الواسطي: (إياك والشناعة في الحديث؛ فإنه قلما حملها أحد إلا ذل في نفسه وكذب في حديثه).
7: الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله ابن عتبة، أن عبد الله بن مسعود قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).

الاحتياط في تحمل الرواية والنهي عن الرواية عن الضعفاء:
1: أبو هانئ، عن مسلم بن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم)).
2: ابن وهب، حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول: أخبرني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)).
3: المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله [بن مسعود]:
( إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث).
4: عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:
(إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا).
5: هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس قال:
(إنا كنا نحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه).
6: عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس قال:
(إنما كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات).
7: رباح، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟!!

- فقال ابن عباس: ( إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف).
8: نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني، فقال ولد ناصح: أنا أختار له الأمور اختياراً وأخفي عنه، قال: فدعا بقضاء علي، فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول:
(والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضلّ).
9: سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس قال:
أُتِيَ ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر؛ وأشار سفيان بن عيينة بذراعه.
10: الأعمش، عن أبي إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي:
(قاتلهم الله أيَّ علم أفسدوا!).
11: قال أبو بكر بن عياش: سمعت المغيرة يقول:
لم يكن يصدق على علي رضي الله عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود).

الإسناد من الدين:

1: هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم).
2: عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين قال:
(لم يكونوا يسألون عن الإسناد؛ فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).
3: قال عبدان بن عثمان: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).
4: قال العباس بن أبي رزمة: سمعت عبد الله [بن المبارك] يقول:
( بيننا وبين القوم القوائم) يعني الإسناد.
5: قال إبراهيم بن عيسى الطالقاني: قلت لعبد الله بن المبارك:
(يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك)؛ قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش. فقال: ثقة عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف).

الأخذ عن أهل الحديث العارفين به
1: الأوزاعي، عن سليمان بن موسى قال: لقيت طاوساً فقلت: حدثني فلان كيت وكيت؛ قال: (إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه).
2: سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى قال: قلت لطاووس: إن فلاناً حدثني بكذا وكذا؛ قال: (إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه).
3: الأصمعي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: (أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله).
4: سفيان بن عيينة، عن مسعر قال: سمعت سعد بن إبراهيم يقول: (لا يحدِّثْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات).
5: قال أبو عقيل يحيى بن المتوكّل الضّرير -صاحب بُهيَّة- : كنت جالساً عند القاسم بن عبيدالله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد، إنه قبيح على مثلك عظيم أن تُسأل عن شئ من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج أو علم ولا مخرج.
فقال له القاسم: وعمّ ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى، ابن أبي بكر وعمر. قال: يقول له القاسم:
(أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة).
قال: فسكت فما أجابه.
6: قال سفيان بن عيينة: أخبروني عن أبي عُقَيل -صاحب بُهيَّةَ- أن أبناءً لعبد الله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم، فقال له يحيى بن سعيد: والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى - يعني عمر وابن عمر - تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم.
فقال:
(أعظم من ذلك والله - عند الله وعند من عقل عن الله - أن أقول بغير علم، أو أخبر عن غير ثقة).
قال: وشهدهما أبو عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك.
* قال النووي: (القاسم هذا هو ابن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فهو ابنهما، وأم القاسم هي أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه؛ فأبو بكر جده الأعلى لأمه وعمر جدّه الأعلى لأبيه، وابن عمر جده الحقيقى لأبيه، رضى الله عنهم أجمعين).
* إشكال: كيف روى مسلم عن أبي عُقيل وهو مضعّف؟ وكيف استشهد برواية المجهولين في خبر ابن عيينة؟
* الجواب: قال النووي: (ذكره متابعة واستشهاداً، والمتابعة والاستشهاد يذكرون فيهما من لا يحتجّ به على انفراده؛ لأنَّ الاعتماد على ما قبلهما لا عليهما).
7: قال عفان بن مسلم: حدثنا همام قال: قدم علينا أبو داود الأعمى؛ فجعل يقول: حدثنا البراء قال، وحدثنا زيد بن أرقم، فذكرنا ذلك لقتادة، فقال:
(كذب ما سمع منهم؛ إنما كان ذلك سائلاً يتكفف الناس زمن طاعون الجارف).
8: قال يزيد بن هارون: أخبرنا همام قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدرياً. فقال قتادة:
(هذا كان سائلاً قبل الجارف لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة، ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة إلا عن سعد بن مالك).

جرح الرواة بما فيهم من النصيحة في الدين لا من الغيبة المحرّمة:

1: قال يحيى بن سعيد القطّان: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكاً وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتاً في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه؟ قالوا:
(أخبر عنه أنه ليس بثبت).
2: قال علي بن شقيق: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: (دعوا حديث عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف).
3: قال: أبو إسحاق الطالقاني: سمعت ابن المبارك يقول:
(لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه).
4: قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: (إن عبّاد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدّث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس لا تأخذوا عنه؟).
قال سفيان: بلى.

قال عبد الله: (فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عبّاد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه).
5: قال عبد الله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة فقال:
(هذا عبّاد بن كثير فاحذروه).
6: قال الفضل بن سهل: سألت معلَّى الرازي عن محمد بن سعيد الذي روى عنه عبّاد، فأخبرني عن عيسى بن يونس قال: (كنت على بابه وسفيان عنده، فلما خرج سألته عنه، فأخبرني أنه كذاب).
7: قال عبد الرزاق: قال معمر: (ما رأيت أيوب اغتاب أحداً قط إلا عبد الكريم -يعني أبا أمية-، فإنه ذكره فقال: رحمه الله كان غير ثقة؛ لقد سألني عن حديث لعكرمة ثم قال: سمعت عكرمة).
8: قال حماد بن زيد: ذكر أيوب رجلاً يوماً فقال: (لم يكن بمستقيم اللسان). وذكر آخر فقال: (هو يزيد في الرقم).
9: قال حماد بن زيد: ذُكر فرقد عند أيوب، فقال:
(إن فرقداً ليس صاحب حديث).
10: قال معاذ بن معاذٍ العنبري: كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط، فكتب إلي: (لا تكتب عنه شيئاً، ومزّقْ كتابي).
... - قال النووي: (
أبو شيبة: هو إبراهيم بن عثمان وكان قاضي واسطٍ وهو ضعيفٌ متّفقٌ على ضعفه).
11: قال النضر بن شميل: سُئل ابن عون عن حديث لِشَهْر [بن حوشَب] وهو قائم على أُسْكُفَّة الباب، فقال: (إن شَهْراً نزكوه، إن شهراً نزكوه).
قال مسلم رحمه الله: (يقول: أخذته ألسنة الناس، تكلموا فيه). [1]
12: قال شبابة بن سوّار: قال شعبة: (وقد لقيت شهراً فلم أعتد به).
13: قال عفّان بن مسلم الصفّار: حدثت حماد بن سلمة عن صالح المري بحديث عن ثابت، فقال: (كذب)، وحدثت هماماً عن صالح المري بحديث، فقال: (كذب).
14: قال عفان بن مسلم: كنا عند إسماعيل بن علية، فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت. قال: فقال الرجل: اغتبته. قال إسماعيل:
(ما اغتابه ولكنه حكم أنه ليس بثبت).
15: قال أبو داود الطيالسي: قال لي شعبة: إيت جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة؛ فإنه يكذب؛ قال أبو داود: قلت لشعبة: وكيف ذاك؟
فقال: حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلاً.
قال: قلت له: بأي شئ؟
قال: قلت للحكم: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد؟ فقال: لم يصل عليهم. فقال الحسن بن عمارة: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ودفنهم.
قلت للحكم: ما تقول في أولاد الزنا؟
قال: يصلى عليهم.
قلت: من حديث من يروى؟ قال: يروى عن الحسن البصري؛ فقال الحسن بن عمارة: حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار، عن علي.
16: قال مسلم: سمعت عبيدالله بن عمر القواريري يقول: سمعت حماد بن زيد يقول لرجل بعد ما جلس مهدي بن هلال بأيام: ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم؟ قال: نعم يا أبا إسماعيل.
17: قال بشر بن عمر: سألت مالك بن أنس عن محمد بن عبد الرحمن الذي يروي عن سعيد بن المسيب؟ فقال:
(ليس بثقة). وسألته عن صالح مولى التوأمة؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن أبي الحويرث؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن حرام بن عثمان؟ فقال: (ليس بثقة). وسألت مالكاً عن هؤلاء الخمسة؟ فقال: (ليسوا بثقة في حديثهم). وسألته عن رجل آخر نسيت اسمه؟ فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: (لو كان ثقة لرأيته في كتبي).
18: قال يحيى بن معين: حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد وكان متهماً.
19: قال عبد الرحمن بن بشر العبدي: سمعت يحيى بن سعيد القطان ذكر عنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، فضعفه جداً. فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب بن عطاء؟ قال: نعم. ثم قال:
(ما كنت أرى أن أحداً يروي عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير).
20: قال بشر بن الحكم:
(سمعت يحيى بن سعيد القطان ضعف حكيم بن جبير، وعبد الأعلى، وضعف يحيى بن موسى بن دينار قال: حديثه ريح، وضعف موسى بن دهقان، وعيسى بن أبي عيسى المدني).
قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك:
(إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة؛ لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل، ومحمد بن سالم).

سبب كلام الأئمّة النقّاد في الرواة وجرحهم
21: قال مسلم: (وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا).
- قال مسلم: وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر؛ إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب؛ فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته، كان آثماً بفعله ذلك غاشاً لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع.

جريان الكذب والغلط على ألسنة بعض الصالحين

1: قال محمد بن أبي عتاب: حدثني عفان، عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبيه قال: (لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث).
... - قال ابن أبي عتاب: فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان فسألته عنه، فقال عن أبيه:
(لم تر أهل الخير في شئ أكذب منهم في الحديث).
... - قال مسلم:
(يقول يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب).
2: قال حماد بن زيد: قال أيوب: (إن لي جاراً - ثم ذكر من فضله -، ولو شهد عندي على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة).

أصناف المجروحين:

ذكر الإمام مسلم في مقدمته أنواعاً من المجروحين؛ وهم على درجات:
- فمنهم من جمع البدعة في الدين والكذب في الحديث كالحارث الأعور وجابر بن يزيد الجعفي وعمرو بن عبيد المعتزلي.
- ومنهم المعروفون
بوضع الأحاديث كعبد القدوس الشامي، وأبان بن أبي عياش، والمغيرة بن سعيد البجلي، وأبي جعفر عبد الله بن مسور المدني، وزياد بن ميمون الثقفي.
- ومنهم المتّهمون بالكذب كهشام بن زياد الأموي، وغالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، ويحيى بن أبي أنيسة الغنوي، والمعلّى بن عرفان الأسدي، وروح بن غطيف الثقفي.
- ومنهم أهل الأهواء ك
الحارث بن حصيرة الأزدي، وشقيق الضبي الخارجي كانا من رؤوس الضلالة والدعاة إليها وإن لم يكونا متّهمين بالكذب.
- ومنهم كثيرو الوهم والغلط كسليمان بن الحجاج الطائفي.
- ومنهم المدلّسون كبقية بن الوليد الكلاعي وإن كان صدوقاً في نفسه جليل القدر لكنّه يروي عن الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم، ويسقط ذكر الضعفاء أو يكنّيهم بما لا يُعرفون به؛ فوجب فحص حديثه فيؤخذ ما استقامت روايته، ويردّ ما استبان التدليس فيه.


تفصيل أحوال بعض المجروحين
الحارث الأعور
1: جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة [بن مقسم الضبّي]، عن الشعبي قال:
(حدثني الحارث الأعور الهمداني وكان كذاباً).
2: مفضل بن مهلهل، عن مغيرة قال: سمعت الشعبي يقول:
(حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكاذبين).
3: مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم [النخعي] قال: قال علقمة:
(قرأت القرآن في سنتين)؛ فقال الحارث: (القرآن هين، الوحي أشد).
4: الأعمش، عن إبراهيم، أن الحارث قال:
(تعلمت القرآن في ثلاث سنين، والوحي في سنتين). أو قال: (الوحي في ثلاث سنين، والقرآن في سنتين).
5: زائدة، عن منصور والمغيرة، عن إبراهيم أن الحارث اتُّـهِم.
6: جرير بن عبد الحميد، عن حمزة الزيات قال: سمع مرة الهمداني من الحارث شيئاً، فقال له: اقعد بالباب؛ قال: فدخل مرة، وأخذ سيفه. قال: وأحس الحارث بالشر فذهب.


جابر بن يزيد الجُعفيّ
1: قال أبو غسان محمد بن عمرو الرازي: سمعت جريراً يقول:
(لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه؛ كان يؤمن بالرجعة).
2: قال يحيى بن آدم، حدثنا مسعر قال:
(حدثنا جابر بن يزيد قبل أن يُحْدِثَ ما أحدث).
3: قال الحميدي: حدثنا سفيان قال:
(كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يُظْهِرَ ما أظهر؛ فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس).
فقيل له: وما أظهر؟ قال:
(الإيمان بالرجعة).
4: قال الجراح بن مليح: سمعت جابراً يقول:
(عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها).
5: قال أحمد بن يونس: سمعت زهيراً يقول: قال جابر أو سمعت جابراً يقول:
(إن عندي لخمسين ألف حديث ما حدثت منها بشيء).
قال: ثم حدث يوماً بحديث، فقال:
(هذا من الخمسين ألفاً).
6: قال أبو الوليد: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: سمعت جابراً الجعفي يقول:
(عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم).
7: قال الحميدي: حدثنا سفيان قال: سمعت رجلاً سأل جابراً عن قوله عز وجل:
{فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الأرض لي وهو خير الحاكمين}. فقال جابر: (لم يجيء تأويل هذه). قال سفيان: (وكذب).
فقال لسفيان: (وما أراد بهذا؟)
فقال:
(إن الرافضة تقول إن علياً في السحاب، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء -يريد علياً أنه ينادي اخرجوا مع فلان-). يقول جابر: (فهذا تأويل هذه الآية وكذب كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم).
8: قال الحميدي: حدثنا سفيان قال:
(سمعت جابراً يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث، ما أستحل أن أذكر منها شيئاً وأن لي كذا وكذا).

عمرو بن عبيد المعتزلي
1: أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن يونس بن عبيد قال:
(كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث).
2: قال عمرو بن علي: سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلت لعوف بن أبي جميلة: إن عمرو بن عبيد حدثنا، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من حمل علينا السلاح فليس منا)). قال: (كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث).
3: قال حماد بن زيد: كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه، ففقده أيوب، فقالوا: يا أبا بكر، إنه قد لزم عمرو بن عبيد.
قال حماد: فبينا أنا يوماً مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق، فاستقبله الرجل فسلم عليه أيوب وسأله، ثم قال له أيوب:
بلغني أنك لزمت ذاك الرجل.
قال حماد: سماه يعني عمرواً.
قال: نعم يا أبا بكر، إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب:
(إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب).
4: قال حماد بن زيد: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن؛ قال: لا يجلد السكران من النبيذ. فقال:
(كذب؛ أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ).
5: قال سلام بن أبي مطيع: بلغ أيوب أني آتي عمرواً، فأقبل علي يوماً فقال:
(أرأيت رجلاً لا تأمنه على دينه، كيف تأمنه على الحديث؟).
6: قال الحميدي: حدثنا سفيان قال: سمعت أبا موسى يقول:
(حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث).

عبد القدوس بن حبيب الكلاعي الشامي
- حدثنا حسن الحلواني قال: سمعت شبابة قال: كان عبد القدوس يحدثنا فيقول: سويد بن عقلة قال شبابة، وسمعت عبد القدوس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الرَّوح عرضاً.
قال: فقيل له: أي شيء هذا؟
قال: يعني تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح.

- قال عبد الرزاق: (ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له كذاب).

المغيرة بن سعيد البجلي
- حماد بن زيد، عن ابن عون قال: قال لنا إبراهيم:
(إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم؛ فإنهما كذابان).
... - أما المغيرة بن سعيد فقال عنه النسائي: (
كوفيٌّ دجّالٌ أحرق بالنّار زمن النّخعيّ، ادّعى النّبوّة)، وقال عنه الخطيب البغدادي: (كان غالياً في الرفض، وله طائفة تنسب إليه يقال لها (المغيرية) صلبه خالد بن عبد الله لأجل مقالته).
... - قال أبو بكر بن عياش:(رأيت خالدا القسري حين أُتي بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحدا منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه فقال: والله ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، ثم أمر بطن من قصب فأضرموه، وقال: اعتنقه، فأبى، فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه.
قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه).
... - قال الذهبي: (كان رافضيا خبيثا كذابا ساحرا، ادعى النبوة، وفضّل علياً على الأنبياء، وكان مجسّما).
... - وأمّا أبو عبد الرحيم فقد اختلف فيه؛ قال ابن حجر: (قال أبو حاتم: قال مسدد: زعم عليّ أن أبا عبد الرحيم سلم بن عبد الرحمن النخعي، له عندهم حديث واحد في كراهة الشكال من الخيل.
قلت: ما زلت أستبعد قول علي هذا لأنَّ سلماً يصغر عن أن يقول فيه إبراهيم هذا القول ويقرنه بالمغيرة بن سعيد إلى أن وجدت أبا بشر الدولابي جزم في الكنى بأن مراد إبراهيم النخعي بأبي عبدالرحيم شقيق الضبي، وهو من كبار الخوارج وكان يقص على الناس)ا.هـ.


أبان بن أبي عياش
- قال عفان بن مسلم: سمعت أبا عوانة قال:
(ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه علي).
- قال سويد بن سعيد: حدثنا علي بن مسهر قال:
(سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث)، قال علي: (فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فعرض عليه ما سمع من أبان، فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً؛ خمسة أو ستة).

غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري
- قال يزيد بن هارون: أخبرني الخليفة بن موسى قال:
(دخلت على غالب بن عبيد الله فجعل يملي عليَّ: حدثني مكحول، حدثني مكحول، فأخذه البول فقام؛ فنظرت في الكراسة فإذا فيها؛ حدثني أبان عن أنس، وأبان عن فلان؛ فتركته وقمت).
... - قال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث منكر الحديث.

أبو جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي المدني
- قال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن رقبة أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق، وليست من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

زياد بن ميمون الثقفي
1: قال الحسن الحلواني: سمعت يزيد بن هارون -وذكر زياد بن ميمون- فقال:
(حلفت ألا أروي عنه شيئاً، ولا عن خالد بن محدوج).
وقال: (لقيت زياد بن ميمون، فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني، ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق، ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن، وكان ينسبهما إلى الكذب).
قال الحلواني:
(سمعت عبد الصمد، وذكرت عنده زياد بن ميمون فنسبه إلى الكذب).
2: قال محمود بن غيلان: قلت لأبي داود الطيالسي: قد أكثرت عن عباد بن منصور، فمالك لم تسمع منه حديث العطارة الذي روى لنا النضر بن شميل؟
قال لي: اسكت، فأنا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي فسألناه، فقلنا له: هذه الأحاديث التي ترويها عن أنس؟ فقال: أرأيتما رجلاً يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه؟ قال: قلنا: نعم. قال:
(ما سمعت من أنس من ذا قليلاً ولا كثيراً، إن كان لا يعلم الناس فأنتما ألا تعلمان أني لم ألق أنساً؟).
قال أبو داود: فبلغنا بعد أنه يروي، فأتيناه أنا وعبد الرحمن فقال: أتوب، ثم كان بعد يحدث فتركناه.

المعلّى بن عُرفان الأسدي
- قال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: سمعت أبا نعيم - وذكر المعلَّى بن عُرْفان - فقال: قال حدثنا أبو وائل، قال خرج علينا ابن مسعود بصفين، فقال أبو نعيم: أتراه بعث بعد الموت؟.
... - المعلى بن عرفان هو ابن أخي شقيق ابن سلمة قال عنه البخاري: (منكر الحديث)، وقال يحيى بن معين: (ليس بشيء، وكان عرافاً في طريق مكة)

يحيى بن أبي أنيسة الغنوي الجزري
1: قال الفضل بن سهل: حدثنا وليد بن صالح قال: قال عبيد الله بن عمرو: قال زيد -يعني ابن أبي أنيسة-:
(لا تأخذوا عن أخي).
2: قال عبد السلام الوابصي: حدثني عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيدالله بن عمرو قال:
(كان يحيى بن أبي أنيسة كذاباً).

هشام بن زياد الأموي
- قال الحسن بن علي الحلواني: رأيت في كتاب عفان حديثَ هشامٍ أبي المقداد، حديثَ عمر بن عبد العزيز، قال هشام [بن زياد الأموي]: حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب)

قال: قلت لعفان: إنهم يقولون: هشام سمعه عن محمد بن كعب. فقال: (إنما ابتلي من قِبَل هذا الحديث؛ كان يقول: حدثني يحيى عن محمد، ثم ادعى بعد أنه سمع عن محمد).

سليمان بن الحجّاج الطائفي
- قال عبد الله بن عثمان بن جبلة: قلت لعبد الله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبد الله بن عمرو يوم الفطر يوم الجوائز؟

قال: (سليمان بن الحجاج انظر ما وضعتَ في يدك منه).
... - قال العقيلي: ( الغالب على حديثه الوهم ).

روح بن غطيف الثقفي
- قال سفيان بن عبد الملك: قال عبد الله [ابن المبارك]:
(رأيت روح بن غطيف -صاحب الدم قدر الدرهم- وجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه كره حديثه).
...- روى عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم)
...- قال البخاري: (هذا الحديث باطل وروح هذا منكر الحديث)
... - قال ابن عدي: (وروح بن غطيف رأيته قليل الرواية، ولا يُعرف إلا بحديث "تعاد الصلاة من قدر الدرهم" وضعف مجراه، ومقدار ما يرويه من الحديث ليس بمحفوظ).


الحارث بن حُصيرة الأزدي
- قال أبو غسان محمد بن عمرو الرازي: سألت جرير بن عبد الحميد فقلت: الحارث بن حصيرة لقيته؟ قال:
( نعم، شيخ طويل السكوت، يصر على أمر عظيم).
... - قال أبو الحجاج المزّي: (قال إبراهيم بن محمد بن عرعرة عن أبي أحمد الزبيري: كان الحارث بن حصيرة وعثمان أبو اليقظان يؤمنان بالرجعة).
... - قال ابن حجر: (قال ابن معين: خشبي ثقة، ينسبونه إلى خشبة زيد بن علي التي صلب عليها، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: لولا أن الثوري روى عنه لترك حديثه، وقال ابن عدي: عامة روايات الكوفيين عنه في فضائل أهل البيت، وإذا روى عنه البصريون فرواياتهم أحاديث متفرقة، وهو أحد من يعد من المحترقين بالكوفة في التشيع، وعلى ضعفه يكتب حديثه).


شقيق الضبي الخارجي
- قال حماد بن زيد: حدثنا عاصم قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا:
(لا تجالسوا القُصَّاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيقاً).
قال: وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج وليس بأبي وائل.

بقيّة بن الوليد الكلاعي
- قال سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك قال:
(بقية صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر).
- قال زكرياء بن عدي: قال لي أبو إسحاق الفزاري:
(اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا عن غيرهم).
- قال إسحاق بن راهويه: سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك:
(نعم الرجل بقية لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى؛ كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس).
... - قال ابن أبي خيثمة: (سئل يحيى بن معين عن بقية بن الوليد قال: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره؛ فأما إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا، وإذا كنى ولم يسمّ اسم الرجل فليس يساوي شيئا).
... - قال ابن خزيمة: سمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: (توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتي).

...- قال ابن حبان: (لم يسبه أبو عبد الله رحمه الله، وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عنه عن أقوام ثقات فأنكرها، ولعمري إنه موضع الانكار، وفى دون هذا ما يسقط عدالة الانسان في الحديث، ولقد دخلت حمص وأكثر همّي شأن بقية؛ فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه فرأيته ثقه مأمونا، ولكنه كان مدلسا، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك مثل المجاشع بن عمرو، والسرى بن عبد الحميد وعمر بن موسى الميتمى وأشباههم وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أوليك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: قال عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال: مالك عن نافع - كذا - فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وبقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما فالتزق الموضوع ببقية، وتخلص الواضع من الوسط، وإنما امتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فالتزق ذلك كله به، وكان يحيى بن معين حسن الرأى فيه).ا.هـ [المجروحين]

ذمّ من يريد التكثّر برواية الحديث

قال الإمام مسلم: (ولا أحسب كثيراً ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد!!).
- قال: (ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم).


الأقوال المحدثة في علوم الحديث
- الإعراض عن القول المطَّرَح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجهال عليه.
- إذا خُشي انتشار القول واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين وتصحيح الأقوال الساقطة عند العلماء؛ فمن النصيحة في الدين الكشف عن فساد هذا القول ورد المقالة الباطلة بقدر ما يليق بها.
- قد يتكلم ببعض محدثات الأقوال بعض منتحلي الحديث والمتصدرين لتصحيح الأسانيد وتسقيمها.

الرد على من اشترط ثبوت اللقي في الحديث المعنعن
- زعم مدّعي هذا الشرط عدم الاحتجاج بكل إسناد لحديثٍ فيه (فلان عن فلان) تعاصرا ولم يثبت أنهما التقيا ولو مرة واحدة.
- يكون الخبر عنده موقوفاً حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قلّ أو كثر في رواية مثل ما ورد.
- أمثلُ ما يحتجّ به أن يقول: استجازة بعض الرواة لرواية المراسيل دعت إلى الاحتياط لثبوت السماع؛ فقد يقع الإرسال عن معاصر كما يقع عن غيره.

أوجه الردّ على هذه الشبهة:
الوجه الأول: أنه قول محدث مخترع غير معروف عن أحد من الأئمة العارفين بتمييز الروايات والأسانيد.
الوجه الثاني: القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً قبول رواية الثقة عن مثله إذا أمكن لقاؤه له وسماعه منه، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام.
- والرواية بهذا ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئاً.
الوجه الثالث: أنه إضافة شرط جديد مضى العمل على عدم اعتباره، ولا تقبل الشروط إلا بأن يكون عليها عمل الأئمة أو يستدلّ لها من يذكرها بدليل تقوم به الحجة، وهذا الشرط غير معروف عن أحد من الأئمة، ولا دليل عليه ألبتة.
الوجه الرابع: أنه يلزم منه أن لا يُثبت إسناداً معنعناً حتى يثبت السماع فيه من أوله إلى آخره.
الوجه الخامس: أنه كما يمكن أن يرسل الراوي عن معاصره الذي لم يلقه، فكذلك يمكن أن يرسل عمن سمع عنه بعض ما لم يسمعه؛ بل هو مستفيض معروف مستفيض من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم.
- قد ينزل الراوي في بعض الرواية، فيسمع من غير من عُرف بالرواية عنه بعض أحاديثه ثم يرسله عنه أحياناً ولا يسمي من سمع منه، وينشط أحياناً فيسمي الرجل الذي حمل عنه الحديث ويترك الإرسال، ولذلك أمثلة منها:
1: أن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعاً وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله ولحرمه بأطيب ما أجد ).
- فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد، وداود العطار، وحميد بن الأسود، ووهيب بن خالد، وأبو أسامة، عن هشام قال: أخبرني عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2: وروى هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ).
- فرواها بعينها مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3: وروى الزهري وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم.
- فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القُبلة: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، أن عروة أخبره، أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم.

4: وروى ابن عيينة وغيره، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: (أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر).
- فرواه حماد بن يزيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده، وفيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم.
الوجه السادس: أنه يلزمه على علّة قوله أن لا يحتج بخبر روي بإسناد معنعن حتى يثبت لديه سماع الرواي من شيخه في نفس الخبر الذي ورد معنعاً.
- الأئمة الذين نقلوا الأخبار كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث إرسالاً ولا يذكرون من سمعوا منه، وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا، فيخبرون بالنزول فيه إذا نزلوا، وبالصعود إن صعدوا.
الوجه السابع: إلزامه بتضعيف روايات متّفق على تصحيحها قد وردت على هذا النحو، منها:
1: أن عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عن حذيفة، وعن أبي مسعود الأنصاري، وعن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط، ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها.
- قال مسلم: ولم نسمع عن أحد من أهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين اللذين رواهما عبد الله بن يزيد عن حذيفة وأبي مسعود بضعف فيهما، بل هما وما أشبههما عند من لاقينا من أهل العلم بالحديث من صحاح الأسانيد وقويها، يرون استعمال ما نقل بها والاحتجاج بما أتت من سنن وآثار.
- قال مسلم: وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية مهملة حتى يصيب سماع الراوي عمن روى.

2: وهذا أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما من أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريين هلم جرا، ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما، قد أسند كل واحد منهما عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبياً أو سمعا منه شيئاً.
3: وأسند أبو عمرو الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين.
4: وأسند عبيد بن عمير، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
5: وأسند قيس بن أبي حازم وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أخبار.
6: وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب، وصحب علياً عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً.
7: وأسند ربعي بن حراش، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، وعن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، وقد سمع ربعيٌّ من علي بن أبي طالب وروى عنه.
8: وأسند نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي شريح الخزاعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً.
9: وأسند النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
10: وأسند عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً.
11: وأسند سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً.
12: وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.
قال مسلم: فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم، لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها، ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه.
- وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد، لا نعلمهم وهنوا منها شيئاً قط، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض، إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر؛ لكونهم جميعاً كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه.

- قال مسلم: لو ذهبنا نعدد الأخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها - لعجزنا عن تقصي ذكرها وإحصائها كلها، ولكنا أحببنا أن ننصب منها عدداً يكون سمة لما سكتنا عنه منها.

منهج الأئمة النقّاد في الحديث المعنعن
- لم يكن أحد من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني، وابن عون، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهم من أهل الحديث يفتشون عن موضع السماع في الأسانيد.

- إنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم.
- إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به؛ فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه، كي تنزاح عنهم علة التدليس.

- من ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعمه صاحب الشبهة فهو قول محدث ليس عليه عمل أهل العلم بالحديث.

_____________________________________________________________
[1] "نزكوه" بالنون أي رموه بما يُعاب به وطعنوا فيه؛ والنَّيزك هو الرمح القصير دقيق السِّنان، قال ذو الرمّة:
فيا من لقلب لا يزال كأنّه ... من الوجد شكّته صدور النيازك
ويستعمل في الطعن المعنوي كما يستعمل في الطعن الحسّي بالنيازك؛ فالنَّزَّاك من الناس: هو العَيّاب، ويُروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه ولا يصح: (الأولياء ليسوا بنزّاكين).
وقد تصحّفت هذه اللفظة في بعض نسخ الصحيح إلى "تركوه" ، وتفسير مسلم يدلّ على خلاف هذا المعنى.



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 رجب 1435هـ/11-05-2014م, 08:30 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تلخيص مقاصد مقدّمة الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله لكتابه الصحيح

اشتملت مقدمة الإمام مسلم بن الحجاج لصحيحه على جملة من المقاصد الجليلة والفوائد المهمة، وهذا تلخيصها:
1: بيان سبب تأليفه كتابه الصحيح، وأنّه استجابة لسؤال من طلب منه جمع الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رأى من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدّثا فنشر الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعيفة والواهية بين العامّة الذين لا يعرفون عيوبها وقد يتّخذونها دينا.
2: بيان فوائد تقديم ضبط الصحيح القليل على معالجة الكثير الذي لا يميَّز صحيحه من سقيمه، وأن جمع المكررات إنما هو من شأن الخاصة أولي البصيرة بعلل الأحاديث.
3: ذكر منهجه في تكرار الأحاديث وأنه لا يكرر الحديث إلا إذا كان فيه معنى زائد أو تعسّر فصله وتقطيعه؛فتكون إعادته بهيئته تاماً أسلم.
4: بيان أقسام الأحاديث ومنهجه في الاختيار منها، وأنه يقدّم رواية الأثبات لما سلم متنه من العلل القادحة، ثم يتبعها بروايات لقوم يشملهم اسم الستر والصدق وتعاطي العلم.
5: ذكر أنّه يتجنّب الرواية عن المتّهمين بالكذب ومنكري الحديث وأصحاب الغلط الفاحش.
6: بيّن علامة المنكر في حديث المحدّث وهي أنّك إذا عرضت روايته على رواية الثقات أهل الضبط لم تكد توافقها؛ ومن كثر هذا منه تُرك حديثه.
7: بيّن شرط قبول تفرّد الراوي وهو أن يشارك الثقات في بعض ما رووا ويمعن في الموافقة لهم؛ ثم إذا تفرّد بعد ذلك بشيء ليس عند أقرانه قبل منه.
8: ذكر أنه يبيّن في مواضع من كتابه عند ذكر الأخبار المعلة مذهب أهل الحديث فيها.
9: ذكر أن من العدل تنزيل الناس منازلهم فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته ولا يرفع متّضع القدر في العلم فوق منزلته.
10: بيّن وجوب التثبّت في الرواية بأن لا يروي المحدّث إلا ما عرف صحّة مخارجه والستارة في ناقليه وأن يتّقي روايات أهل البدع والمتّهمين.
11: ساق الأدلّة على وجوب التثبّت في الرواية، وبيّن أن الرواية وإن كانت تفارق الشهادة من بعض الوجوه إلا أنهما يجتمعان في أعظم معانيهما.
12: بيّن تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق في ذلك نحو ستة أحاديث.
13: ساق حديثاً مرفوعا ونحو ستة آثار في نهي المرء أن يحدّث بكلّ ما سمع.
14: استدلّ بحديثين ونحو عشرة آثار على وجوب التثبّت في تحمّل الرواية والنهي عن الرواية عن الضعفاء والمجاهيل.
15: بيّن فضيلة الإسناد وأنه من الدين وساق في ذلك نحو خمسة آثار.
16: بيّن أن أخْذ الحديث إنما يكون عن أهله العارفين به وساق في ذلك نحو ثمانية آثار عن الأئمة من التابعين وتابعيهم.
17: بيّن أنّ جرح الرواة بما فيهم من النصيحة في الدين وليس من الغيبة المحرمة، وأورد في ذلك نحو عشرين أثراً.
18: عقّب على تلك الآثار ببيان أن الأئمة النقّاد إنما تكلّموا في المجروحين لحفظ الدين ونصيحة المسلمين ونفي الكذب والغلط عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
19: بيّن أن الكذب والغلط قد يجري على ألسنة بعض الصالحين من غير تعمّد منهم لذلك، وإنما بسبب عدم معرفتهم بتحمّل الحديث وروايته وما يعترض الراوي فيهما من العلل.
20: ثمّ أطنب في ذكر أصناف من المجروحين؛ منهم من جمع البدعة في الدين والكذب في الحديث، ومنهم المعروفون بوضع الأحاديث، ومنهم المتهمون بالكذب، ومنهم أهل الأهواء والبدع، ومنهم كثيرو الغلط والوهم، ومنهم المدلّسون.
21: مثّل لهذه الأصناف بأمثلة شملت سبعة عشر راوياً من المجروحين، وذكر بعض ما قاله الأئمة النقّاد فيهم.
22: ذمّ - رحمه الله - من يريد التكثّر برواية الحديث فيجمع الروايات الواهية تزيّداً وتكثّراً عند العوام، وبيّن أنّ من سلك هذا المسلك فلا حظ له في العلم.
23: بيّن أن الأولى الإعراض عن الأقوال المحدثة في علوم الحديث، وأنّ ذلك أحرى لإماتتها وأجدر أن لا يتنبّه لها الجهّال فيغترّوا بها، فأما إذا خشي فشوّ القول المحدث واغترار الجهّال به فإن النصيحة تقتضي التحذير من هذا القول وبيان فساده.
24: نبّه إلى أنّ بعض الأقوال المحدثة قد تصدر من بعض منتحلي علم الحديث والمتصدّرين لتصحيح الأسانيد وتسقيمها.
25: ردّ على من اشترط ثبوت اللقي في الحديث المعنعن ولو مرّة واحدة ولم يكتفِ بثبوت المعاصرة وإمكان اللقي.
26: ذكر أنّ أولى ما يَستدلّ به صاحب هذه الشبهة أن يقول: استجازة بعض الرواة لرواية المراسيل دعت إلى الاحتياط لثبوت السماع؛ فقد يقع الإرسال عن معاصر كما وقع عن غيره.
27: ردّ الإمام مسلم هذه الشبهة من نحو سبعة أوجه، هذا تلخيصها:
أ: أنه قول محدث غير معروف عن أئمة أهل الحديث السابقين.
ب: أن عمل الأئمة على قبول الحديث المعنعن إذا أمكن اللقاء ولم يُعرف المعنعِن بالتدليس ولم تنكشف علّة تقدح في اتّصال السند.
ج: أنّ هذا القول يتضمّن إضافة شرط مضى العمل على عدم اعتباره، ولا تقبل الشروط إلا بأن يكون عليها العمل، أو يستدلّ لها المشترط بحجة لازمة، وهما أمران منتفيان هنا.
د: أنه يلزم المشترطَ أن لا يثبت إسناداً معنعنا حتى يثبت السماع فيه من أوّله إلى آخره.
هـ: أنه كما يرسل الراوي عن معاصره الذي لم يلقه؛ فكذلك قد يرسل عمن سمع منه بعض ما لم يسمعه، بل ذلك معروف مستفيض من فعل ثقات المحدثين، وساق له أربعة أمثلة.
و: أنه يلزمه على أصل قوله أن لا يحتجّ بخبر روي بإسناد معنعن حتى يثبت لديه سماع الراوي من شيخه في نفس الخبر الذي ورد معنعنا.
ز: إلزام المشترط بتضعيف روايات متّفق على تصحيحها قد وردت على هذا النحو وساق لذلك اثني عشر مثالاً.
28: بيّن رحمه الله منهج الأئمة النقّاد في الحديث المعنعن وأنّهم لم يكونوا يتفقّدون موضع السماع إلا إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث.
29: بيّن رحمه الله أن من ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعمه صاحب الشبهة فهو قول محدث ليس عليه عمل أهل العلم بالحديث.

تمّ تلخيص هذه المقاصد صبيحة يوم الأحد 12 رجب 1435هـ، والله الموفق والمستعان.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 4 شعبان 1436هـ/22-05-2015م, 11:51 PM
تهاني عبد العزيز تهاني عبد العزيز غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 26
افتراضي

جزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة, تقريب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir