دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > عد الآي > ناظمة الزهر للشاطبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 10:23 PM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي مقدمة

قَالَ القَاسِمُ بنُ فِيرُّه بنِ خَلَفٍ الشَّاطِبِيُّ (ت: 590هـ): (
بسم الله الرّحمن الرّحيم
بدأت بحمد الله ناظمة الزّهرٍ = لتجني بعون الله عيناً من الزّهر
[معالم اليسر: 4]
وعذت بربي من شرور قضائه = ولذت به في السر والجهر من أمري
بحي مريد عالم متكلم = سميع بصير دائم قادر وتر
[معالم اليسر: 5]
وأحمده حمدا كثيراً مباركاً = وأسأله التوفيق للذكر والشكر
[معالم اليسر: 6]
وبعد صلاة الله ثم سلامه = على خير مختار من المجد الغر
محمد الهادي الرؤوف وأهله = وعترته سحب المكارم والبر
[معالم اليسر: 7]
وإني استخرت الله ثم استعنته = على جمع آي الذكر في مشرع الشعر
[معالم اليسر: 8]
وأنبطت في أسراره سر عذبها = فسر محياه بمثل حيا القطر
ستحي معنيه مغاني قبولها = لاقبالها بين الطلاقة والبشر
[معالم اليسر: 9]
وتطلع آيات الكتاب آياتها = فتبسم عن ثغر وما غاب من ثغر
وتنظم أزواجا تثير معادنا = تخيرها خير القرون على التبر
[معالم اليسر: 10]
هم بحروف الذكر مع كلماته = وآياته اثروا بأعدادها الكثر
[معالم اليسر: 11]
وهاموا بعقد الآي في صلواتهم = لحض رسول الله في حظها المثري
[معالم اليسر: 12]
وقد صح عنه أن إحراز آية = لأفضل من كوما من الإبل الحمر
[معالم اليسر: 13]
وقد صح في السبع المثاني وغيرها = من العد والتعيين ما لاح كالفجر
[معالم اليسر: 14]
ولما رأى الحفاظ أسلافهم عنوا = بها دوّنوها عن أولي الفضل والبر
[معالم اليسر: 15]
فعن نافع عن شيبة ويزيد أو = ول المدني إذ كل كوف به يقري
وحمزة مع سفيان قد أسنداه عن = علي عن أشياخ ثقات ذوي خبر
[معالم اليسر: 17]
والآخر إسماعيل يرويه عنهما = بنقل ابن جماز سليمان ذي النشر
وعد عطاء بن اليسار كعاصم = هو الحجدري في كل ما عد للبصري
[معالم اليسر: 18]
ويحيى الذماري للشامي وغيره = وذو العدد المكي أبى بلا نكر
[معالم اليسر: 19]
بأن رسول الله عد عليهما = له الآي توسيعا على الخلق في اليسر
وأكده أشباه آي كثيرة = وليس لها في عزمة العد من ذكر
[معالم اليسر: 20]
وسف يوافي بين الأعداد عدها = فيوفى على نظم اليواقيت والشذر
[معالم اليسر: 22]
وعد الذي ينهى والاشقى ومن طغى = وعن من تولى في عداد لها عذر
[معالم اليسر: 23]
وما بدؤه حرف التهجي فآيه = لكوف سوى ذي راو طس والوتر
[معالم اليسر: 24]
وما تأت آيات الطوال وغيرها = على قصر إلا لما جاء مع قصر
[معالم اليسر: 25]
ولكن بعوت البحث لافل حدها = على حدها تعلو البشائر بالنصر
[معالم اليسر: 26]
وقد الفت في الآي كتب وإنني = لما ألف الفضل ابن شاذان مستقري
[معالم اليسر: 27]
روى عن أبي والذماري وعاصم = مع ابن يسار ما احتبوه على يسر
وما لابن عيسى ساقه في كتابه = وعنه روى الكوفي وفى الكل استبري
[معالم اليسر: 28]
ولكنني لم أسر إلا مظاهراً = بجمع ابن عمار وجمع أبي عمرو
عسى جمعه في الله يصفو ونفعه = يعم برحماه فيشفي من الضر
على الله فيه عمدتي وتوكلي = ومنه غياثي وهو حسبي مدى الدهر
[معالم اليسر: 29]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 ربيع الثاني 1433هـ/2-03-2012م, 10:42 AM
نهال بنت القاضي نهال بنت القاضي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 878
افتراضي شرح ناظمة الزهر في علم الفواصل للشيخ عبد الفتاح القاضي

قال الناظم رضي الله عنه:
بدأت بحمد الله ناظمة الزهر
لتجني بعون الله عينا من الزهر

اللغة: البدء والابتداء بمعنى يقال بدأت الشيء بكذا وابتدأته به إذا جعلته أوله. و«ناظمة الزهر» اسم للقصيدة وهي في الأصل اسم فاعل من نظم الشيء إذا سلكه في سلك واحد. ويسمى الشعر نظما لأن الشاعر يجمع بين الكلمات المؤتلفة في بيت واحد ثم يؤلف بين البيت وما يليه من أبيات القصيدة في الوزن والمعنى والقافية، فكأنه أتى بسلك واحد جمع فيه المعاني المختلفة ونسقها في ألفاظ مؤتلفة، فهو أشبه بناظم در في عقد واحد. وكلمة الزهر بالضم جمع زهراء وأزهر، يقال كوكب أزهر أي مضيء وليلة زهراء أي مضيئة. والكواكب الزهر: المضيئة. والمراد هنا فواصل آي القرآن الكريم تشبيها لها بالكواكب في الإضاءة والاهتداء بها. كأنه قال: ناظمة الفواصل الشبيهة بالكواكب الزهر في أن كلا منهما يهتدي به في الظلمات. فكما يهتدي الساري بالكواكب في ظلمات البر والبحر يهتدي السائر إلى الله تعالى بهذه الآيات إلى طرق الخير والسعادة. وكما تبدد الكواكب ظلمات الليل تبدد آيات القرآن ظلمات الجهل والشبُّه.
والحمد: الثناء بالجميل على جهة التعظيم. وقوله «لتجني» مضارع من جنى الثمرة واجتناها قطفها وجمعها. وقوله «عينا» المراد به هنا خيار الشيء أي النوع الكريم منه و«الزهر» بفتح الزاي هنا: جمع زهرة وهو النبت أو نوره وهو مارق منه.
الإعراب: قوله بدأت بحمد الله ناظمة الزهر جملة ماضية ومتعلقها ومفعولها. وقوله لتجني اللام فيه للتعليل. وتجني مضارع منصوب بأن مضمرة وسكن للضرورة وفيه ضمير مستتر عائد على ناظمة الزهر. «بعون الله» متعلق به. وعينا مفعوله «من الزهر» صفة المفعول.
المعنى: يقول الناظم: جعلت حمد الله في أول قصيدتي المسماة ناظمة الزهر لتحصل هذه القصيدة وتجمع بمعونة الله تعالى أكرم الفوائد وأحسنها الشبيهة
[معالم اليسر: 4]
بعين الزهر وكرام النبات. وإنما توقف جمعها تلك الفوائد على بدئها بالحمد لله لقوله صلى الله عليه وسلم، كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر، أي قليل البركة. فلأجل أن تتم فوائدها ابتدأتها بحمد الله تعالى والثناء عليه.
وعذت بربي من شرور قضائه
ولذت به في السر والجهر من أمري

اللغة: عاذ بالشيء: التجأ إليه وتحصن به ولاذ بالشيء: استمسك به واعتصم، وهما متلازمان. والقضاء الحكم. والمراد به المفضي. وشرور قضائه أي شرور مقضياته. والشرور: جمع شر، والشر ما تضر عاقبته. والأمر: الشأن، وهو واحد الأمور.
الإعراب: وعذت: الواو عاطفة جملة عذت على جملة بدأت. وبربي متعلق به، وكذا من شرور قضائه، ولذت معطوف أيضًا على بدأت. وبه متعلق بلذت. وكذا في السر والجهر معطوف على السر. وقوله من أمري حال من السر والجهر.
المعنى: والتجأت إلى ربي ومالك أمري، وتحصنت به من شرور مقضياته مما يتعرض له مثلي مما تضر عاقبته، فشمل كل مكروه يتعرض له الإنسان ودخل في عمومه ما يتعرض له المؤلفون من العوائق والعقبات التي تعوقهم عن تمام مقاصدهم، وفي جملة ذلك الرياء المحبط لثواب العمل. وقوله ولذت به تأكيد للسابق أي واعتصمت بربي في شأني كله سره وجهره، فهو وحده القادر على أن يخلص سري من الشوائب، ويطهر عملي الذي أجهر به من الأهواء والنزعات ليعم بذلك نفعه، ويكمل أجره.
بحي مريد عالم متكلم
سميع بصير دائم قادر وتر

اللغة: الوتر الفرد.
الإعراب: بحي بدل من قوله ربي بتكرير الجار. وقوله مريد وجميع ما بعده أوصاف لحي.
المعنى: عذت بمن هذه نعوته، لأن من اتصف بهذه الصفات كان خير معاذ وأفضل ملاذ. وقد أثنى على الله بصفاته المعنوية وبصفتين من صفات السلب
[معالم اليسر: 5]
وهما الدوام والوحدانية اللتان دل عليهما بقوله دائم وتر. ورتب هذه الصفات ترتيبًا بديعًا فقدم الحياة لأنه ينبني عليها غيرها من الصفات الوجودية. ثم الإرادة لأنها تدل على العلم. ثم اتبعها بالعلم لأنه نتيجة الإرادة. ثم بالكلام لأنه ينفق مع العلم في جميع تعلقاته؛ لأن كلا منهما يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل.
إلا أن تعلق العلم تعلق انكشاف وتعلق الكلام تعلق دلالة وإفهام، ثم أتبع ذلك بالسمع والبصر وهما صفتا انكشاف كالعلم تنكشف بهما الموجودات انكشافا تامًا غير انكشاف العلم. ويتعلقان بالواجب والممكن فقط. ثم أتبع ذلك بوصفه تعالى بالدوام إشعارًا بوحدانيته في ذاته وصفاته وأفعاله. فليست هناك ذات تشبه ذاته، ولا لأحد صفة تشبه صفته، ولا لغيره فعل كفعله.
وأحمده حمدا كثيرا مباركا
وأسأله التوفيق للذكر والشكر

اللغة: التوفيق: توجيه العبد إلى الخير وتيسير أسبابه له. والمراد بالذكر هنا ذكر الله تعالى وهو شامل لذكره باللسان وتذكر عظمته بالقلب. والشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق له.
الإعراب: وأحمده جملة مضارعية ومفعولها وحمدًا مفعول مطلق. وكثيرًا صفته وكذا مباركًا. وأسأله التوفيق جملة مضارعية والضمير مفعول أول والتوفيق مفعول ثان. وللذكر متعلق بالتوفيق، والشكر معطوف عليه.
المعنى: أحمد ربي حمدًا كثير الخير والبركة لكثرة كمالاته، وعظيم آلائه ونعمه. وكأن الحمد الأول حمد لله باعتبار ذاته، وهذا حمد له باعتبار نعمه وعطاياه؛ ولهذا أتى بالصيغة المضارعية الدالة على التجدد والاستمرار. وأطلب منه التوفيق لذكره تعالى ومراقبته، ولشكره على نعمه. ومن أفضل الذكر تلاوة القرآن والاشتغال به. ومن الشكر على نعمة القرآن مدارسته والاهتمام بمعرفة عدد آيه،
[معالم اليسر: 6]
وغير ذلك من علومه. فكأنه سأل ربه إتمام ما قصد إليه من بيان عدد آي القرآن في هذه المنظومة. وسمي ذلك شكرًا لله تعالى ما أنعم به عليه من معرفة القرآن وعلومه.
وبعد صلاة الله ثم سلامه
على خير مختار من المجد الغر

محمد الهادي الرءوف وأهله
وعثرته سحب المكارم والبر

اللغة: الصلاة من الله الرحمة. والسلام الأمان. والمجد بضم الميم وفتح الجيم مشددة: جمع ماجد وهو الرجل الكريم الآباء. والغر بضم الغين: جمع أغر وهو الشريف السيد. وأهل الرجل قرابته الأدنون. ويطلق على نساء الرجل. والعترة نسل الرجل وقرابته الأدنون. والسحب بضم السين وسكون الحاء للتخفيف وأصله سحب بضمتين: جمع سحابة وهي الغيم. والمكارم جمع مكرمة وهي الخصلة الحميدة والبر الخير.
الإعراب: الواو عاطفة. وهي نائبة عن أما. وأصله وأما بعد. و«أما» نائبة عن شرط وأداته. والتقدير مهما يكن من شيء بعد فصلاة الله إلخ. فحذف الشرط والأداة ونابت عنهما أما. ثم حذفت أما اكتفاء بالواو. وبعد: ظرف متعلق بفعل الشرط المحذوف مبني على الضم في محل نصب، وأصله بعد حمد الله، فحذف المضاف إليه ونوى معناه. وصلاة الله مبتدأ. ثم سلامه عطف عليه. وثم بمعنى الواو. وعلى خير متعلق بمحذوف خبره. ومختار مضاف إليه. ومن المجد متعلق بمحذوف صفة مختار. والغر صفة المجد. ومحمد بدل أو عطف بيان لخير مختار. والهادي صفته وكذا الرءوف. وأهله عطف على خير مختار، وكذا وعترته. وسحب المكارم صفة عترته، والمكان مضاف إليه. والبر عطف عليه، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب أما المحذوفة. وحذفت منه الفاء للضرورة.
المعنى: وبعد حمد الله فرحمة الله وأمنه كائنان على خير وأفضل من اختاره الله من كل كريم الأب، شريف سيد. ثم بينه بأنه محمد الهادي إلى طرق الرشاد والخير، الرءوف العظيم الرأفة والرحمة بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى بقوله
[معالم اليسر: 7]
«بالمؤمنين رءوف رحيم» وعلى آله وعترته وهم قرابته وخاصته. وعطف العترة على الأهل عطف مغاير إن أردنا بالأهل النساء خاصة. وإن أردنا بهم قرابته الأدنين فعطف مرادف، وأن أريد بأهل النبي أمته وهم كل مؤمن تقي – كما قيل – فمن عطف الخاص على العام فكأنه قال وعلى كل من آمن به وخاصة قرابته الأدنين.
ثم وصف عترته بأنهم سحب المكارم والبر إشارة إلى أنهم للناس بمنزلة السحب التي تجيء بالغيث فتحيي النبات والموات. فهم كذلك يغيثون الناس. ولكن لا بالماء بل بأنواع المكارم وخصال الخير. فيحيون القلوب والعقول. والكلام على سبيل الاستعارة التصريحية بتشبيههم بالسحب بجامع عموم النفع وكثرته في كل، أو المكنية بتشبيه مكارمهم وبرهم بالمطر وإثبات لازم المشبه به بعد حذفه المشبه.
وإني استخرت الله ثم استعنته
على جمع آي الذكر في مشرع الشعر

اللغة: استخرت الله في أمري: طلبت منه الخير في ذلك الأمر، واستعنته طلبت منه العون. وآي جمع آية. والذكر: القرآن، والمشرع: طريق ورود الشاربة إلى الماء. والشعر: هو الكلام الموزون المقفي.
الإعراب: الواو للعطف. وإني استخرت الله: إن واسمها ضمير المتكلم وجملة استخرت خبرها والله مفعول استخرت. وجملة استعنته معطوفة على جملة استخرت. وقوله «على جمع آي الذكر» تنازعه كل من الفعلين فأعمل الثاني وحذف من الأول لكونه فضله، وفي مشرع متعلق بجمع.
المعنى: إني طلبت من الله الخير والمعونة على جمع آي القرآن في طريق من طرق الكلام هو طريق الشعر ليسهل على الطلاب حفظها، ومعرفة عددها. وإنما استخار الله في هذا الأمر واستعانه عليه لأن الاستخارة من سنن المرسلين.
وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن»، ولأن الاستعانة من الله لازمة لكل من يريد الشروع في أمر من الأمور خصوصًا مهمها، فلا يتم أمر من الأمور إلا بمعونته.
[معالم اليسر: 8]
وأنبطت في أسراره سرا عذبها
فسر محياه بمثل حيا القطر

اللغة: أنبط الشيء أظهره بعد خفاء، وأسرار جمع سر بكسر السين. وسر الشيء جوفه ولبه وخالصه – والعذاب الحلو – والمحيا الوجه. والحيا بالقصر المطر – والفطر المطر المتقاطر.
الإعراب: الواو عاطفة وقوله وأنبطت إلخ جملة ماضية ومتعلقها ومفعولها والضمير في أسراره يعود على الشعر. وفي عذبها يعود على آي الذكر. وقوله فسر محياه ماضية مبنية للمجهول ونائب فاعلها وضمير محياه يعود على الشر وبمثل متعلق بسر. وإضافة حيا إلى القطر بيانية. أي حبا هو القطر أو القطر بمعنى المتقاطر فالإضافة حينئذ من إضافة الموصوف إلى صفته.
المعنى: وأظهرت ما كان خفيًا من خالص مسائل مقاطع الآيات ومباديها العذبة في جوف هذا الشعر. فسر وجهه وأينعت ثماره كما يسر وجه الأرض بالمطر. وتعبيره بالسرور استعارة لازدهاره بكثرة منافعه كما تزدهر الروضة إذا أصابها المطر. ففي الكلام تشبيه الشعر ببينان مثمر وفي جمع آي الذكر فيه ازدهرت أشجاره. ونمت ثمرته كما تنمو بالمطر.
ستحيي معانيه مغاني قبولها
لإقبالها بين الطلاقة والبشر

اللغة: المعاني جمع معنى وهو ما يعني من اللفظ ويقصد والمغاني جمع مغني وهو المنزل الذي غنى به أهله أي أقاموا فيه. والقبول مصدر قبل الشيء إذا رضيه. وطلاقة الوجه انبساطه ويكني بها عن السرور. والبشر الفرح والسرور.
الإعراب: ستحيي الخ جملة مضارعية وفاعلها ومفعولها وسكنت ياء مغاني لضرورة الشعر. ولإقبالها متعلق بقوله ستحيي وبين ظرف لإقبالها.
المعنى: ستحيي معاني هذا الشعر منازل قبولها وهذا كناية عن النفوس لأنها محال القبول لإقبال تلك المعاني إلى النفوس في سهولة ويسر، فهي بمنزلة الحسناء التي تقبل بين الطلاقة والبشر، واستعار فصاحة الألفاظ المؤدية إلى المعاني
[معالم اليسر: 9]
وسهولتها للطلاقة والبشر، فالمقصود ستحيي هذه المعاني النفوس لسهولة وصولها إليها بألفاظ عذبة، وأساليب بديعة.
وتطلع آيات الكتاب آياتها
فتبسم عن ثغر وما غاب من ثغر

اللغة: تطلع: تظهر من أطلع الشيء إذا أظهره، والكتاب القرآن، وآياتها جمع آية وهي العلامة. وقصرت همزتها للضرورة، فتبسم تكشف. والثغر الفم أو الأسنان أو مقدمها، ويطلق على الموضع المخوف وهو هنا مستعار لمواضع الشبه.
الإعراب: وتطلع إلخ جملة مضارعية ومفعولها المقدم وفاعلها المؤخر فتبسم الفاء فيه عاطفة والضمير يعود على آياتها وعن ثغر متعلق بتبسم وما موصولة عطف على ثغر. وغاب صلة الموصول. ومن ثغر بيان لما.
المعنى: وتظهر علامات هذه القصيدة ورموزها التي سأبينها آيات القرآن الكريم من حيث بيان عددها اتفاقًا واختلافًا فتكشف هذه العلامات والرموز عن كل معنى حسن يشبه ثغر الحسناء فتزداد به حسنا كما تزداد الحسناء بابتسامها حسنا على حسن. وتوضح مع ذلك كل ما خفي من مشكلات هذا العلم وإلى ذلك الإشارة بقوله وما غاب من ثغر.
وتنظيم أزواجًا تثير معادنًا
تخيرها أهل القرون على التبر


اللغة: تنظم تجمع. والأزواج جمع زوج والمراد به هنا الصنف. تثير تحرك والمعادن. جمع معدن: يقال عدن بالمكان إذا أقام به. ومنه جنات عدن أي إقامة ويطلق المعدن على مركز كل شيء وأصله. ويطلق على الذهب والفضة ونحوهما تخيرها آثرها وفضلها على غيرها، والقرون جمع قرن ويطلق على الزمن. ومدته مائة سنة على المشهور ويطلق على أهل العصر الواحد المجتمعين فيه لاقتران بعضهم ببعض، والمراد بخير القرون الصحابة رضي الله عنهم. والتبر الذهب غير المضروب.
الإعراب: وتنظم جملة مضارعية والضمير فيها يعود على القصيدة المذكورة أو على آياتها وأزواجًا مفعول به لتنظم وجملة تثير صفة المفعول ومعادنا مفعول
[معالم اليسر: 10]
تنير وصرف لضرورة النظم وجملة نخيرها خير القرون صفة معادن وعلى التبر متعلق بقوله تخيرها.
المعنى: وتجمع هذه القصيدة إلى بيان عدد آي الكتاب أصنافًا من القواعد المهمة تؤدي إلى معان شريفة اهتم بها خير القرون وهم أهل القرن الأول وآثروها على الذهب الخالص لعظم شأنها وبقاء أجرها. وفي البيت إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم – الحديث وترغيب في معرفة هذا الفن والاهتمام به تأسيًا بالسلف الصالح الذين هم خير القرون.
هم بحروف الذكر مع كلماته
وآياته أثروا بأعدادها الكثر

اللغة: الذكر القرآن – أثروا – صاروا ذوي ثراء وغنى فالهمزة للصيرورة والكثر اسم بمعنى الكثير يقال ما له قل ولا كثر أي ماله قليل ولا كثير وهو هنا بمعنى الكثيرة صفة للأعداد.
الإعراب: هم ضمير عائد على خير القرون في البيت السابق – مبتدأ وجملة أثروا خبره بحروف الذكر متعلق بالجملة الخبرية، مع كلماته ظرف متعلق بمحذوف حال من حروف وآياته عطف على كلماته، بأعدادها بدل اشتمال من حروف وما بعده بإعادة الجار والكثر صفة للأعداد.
المعنى: لما أخبر في البيت السابق أن ما اشمتلت عليه القصيدة من القواعد تؤدي إلى معان شريفة آثرها خير القرون على التبر بين في هذا البيت مبلغ اهتمامهم بمعرفة أعداد حروف القرآن وكلماته وآياته – وأنهم بمعرفة ذلك كله صاروا ذوي ثروة علمية أكسبتهم شرفًا ونبلاً وثروة واسعة في الأجر عند الله تعالى. فإن الحافز لهم على معرفة هذا إنما هو اهتمامهم بالقرآن من جميع نواحيه، وحرصهم على أن لا يسقط منه حرف أو تضيع منه كلمة بله الآية، وفي معرفة عدد حروف القرآن معرفة قدر الأجر الموعود به على تلاوة القرآن، وحسبك ذلك حافزًا على معرفة عدد حروف القرآن وكلماته، وإن كان في معرفة عدد
[معالم اليسر: 11]
الآي فوائد تزيد على معرفة عدد الحروف والكلمات، وسنبينها في موضع آخر إن شاء الله تعالى، فالمقصود أن السلف اهتموا ببيان عدد آي القرآن وحروفه، وأن ذلك منهم راجع إلى شدة حرصهم على المحافظة على القرآن الكريم، وعكوفهم على العمل به.
وهاموا بعقد الآي في صلواتهم
لحض رسول الله في حظها المثري

اللغة: يقال هام: يهيم هيما وهيمانا أحب. والعقد. المراد به عقد الأصابع لمعرفة عدد الآي. والحض الحث والتحريض، والحظ النصيب، والمثرى المغني.
الإعراب: وهاموا عطف على أثوار، بعقد الآي متعلق به. وفي صلواتهم متعلق بعقد. لحض رسول الله متعلق بهاموا، وفي حظها يحتمل أن تكون في للظرفية والكلام بتقدير مضاف أي لحض رسول الله إياهم الواقع في بيان حظها المثري.
ويحتمل أن تكون في بمعنى على والكلام بتقدير مضاف أيضًا أي لحض رسول الله إياهم على تحصيل حظها ونصيبها من الثواب. وعلى التقدير الأول يكون الجار والمجرور حالاً من حض وعلى الثاني يكون متعلقًا بحض. والضمير في حظها يعود على الآي. والمثري اسم فاعل من أثرى المال إذا كثر أي في حظها الكثير وهو صفة للحظ.
المعنى: وأحب خير القرون عد الآي في صلواتهم. وشغفوا بعقد أصابعهم فيها لأجل ترغيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضه إياهم على تحصيل ثواب عدد خاص من الآيات في الصلاة وتعيين ذلك العدد سببًا للفوز بثواب كثير.
ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الصبح بالستين إلى المائة. وفي مسند الدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ في صلاة الليل بعشر آيات لم يكتب من الغافلين. ومن قرأ بخمسين آية كتب من الحافظين. ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين. ومن قرأ بمائتين كتب من الفائزين. ومن قرأ بثلثمائة كتب له قنطار من الأجر. فمن أجل هذا وأمثاله حرص كثير
[معالم اليسر: 12]
من الصحابة ومن بعدهم على عقد أصابعهم في الصلاة لمعرفة عدد ما يقرءون فيها رغبة منهم في نيل ذلك الأجر الموعود والفوز بهذا الثواب العظيم ولن يتيسر ذلك إلا بمعرفة عدد الآي وهذه إحدى فوائد هذا العلم وهي أن يتيسر للإنسان الحصول على الأجر المقدر على قراءة عدد خاص من الآيات في الصلاة. وقد روى هذا العقد عن ابن عمر وابن عباس وعائشة من الصحابة وعن عروة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من التابعين».
وقد صح عنه أن إحراز آية
لأفضل من كومًا من الإبل الحمر

اللغة: الإحراز جعل الشيء في حرز. والمراد به هنا الحفظ. والكوماء بفتح الكاف الناقة السمينة عظيمة السنام وقصر للضرورة وجمعها كوم بضم الكاف والحمر جمع حمراء. وكانت العرب تفضل هذا النوع من الإبل على غيره من المال.
الإعراب: الواو للحال وقد صح جملة حالية من الواو في أثروا وهي حال في معنى العلة يعني أنهم أثروا بأعداد حروف الذكر وآياته لأنه قد صح عنه إلخ. وعنه متعلق يصح والضمير في عنه للرسول صلى الله عليه وسلم وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر فاعل صح والتقدير وقد صح عنه فضل إحراز آية على كوماء من الإبل صفة كوماء والحمر صفة الإبل.
المعنى: قد ثبت بالأحاديث الصحيحة والآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلم آية من كتاب الله تعالى أفضل من ناقة سمينة عظيمة السنام كائنة من الإبل الحمر التي هي خير أموال العرب. ومن ذلك ما روى عن عقبة بن عامر الجهني يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق – وكلاهما موضع بالمدينة – فيأتي كل يوم بناقتين كتو ماوين زهراوين يأخذهما في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قال فقلنا كلنا يا رسول الله يحب ذلك قال فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل – الحديث
[معالم اليسر: 13]
وتلك فائدة ثانية من فوائد معرفة هذا العلم إذ لا يحصل للإنسان العمل بهذا إلا بمعرفة العدد وتعلم مبدأ الآية ومنتهاها.
وقصد صح في السبع الثماني وغيرها
من العد والتعيين ما لاح كالفجر

اللغة: السبع المثاني هي الفاتحة سميت بذلك لأنهما سبع آيات وتثنى وتكرر في الصلاة. ولاح ظهر.
الإعراب: وقد صح عطف على مثلها في البيت السابق والجار والمجرور متعلق بصح.
وقوله وغيرها عطف على السبع المثاني وما فاعل صح وهي اسم موصول أو نكرة موصوفة وجملة لاح صلة أو صفة. ومن العد والتعيين بيان لما. وحال منه. وكالفجر حال من فاعل لاح.
المعنى: قد صح عنه عليه السلام في فاتحة الكتاب وغيرها من السور بيان عدآيها وتعيين مقاطع كل آية بعقد أصابعه عند كل آية منها ونقل عنه ذلك بأسانيد صحيحة ظاهرة كظهور الفجر في وضوحه وقضائه على ظلمة الليل. وكذلك تلك الأسانيد والنصوص لوضوحها تقضي على كل شك وشبهة فمن ذلك ما رواه الداني عن أم سلمة رضي الله عنها سمعت رسول الله يقرأ هذه السورة – الفاتحة – بسم الله الرحمن الرحيم، عقد النبي أصابعه واحدًا يريد آية وعقد آيتين الحمد لله رب العالمين. وعقد ثلاثًا الرحمن الرحيم. وعقد أربعًا مالك يوم الدين. وعقد خمسًا إياك نعبد وإياك نستعين ورفع أصبعًا يريد ستًا إهدنا الصراط المستقيم. ثم رفع أصبعًا آخر يريد سبعًا صراط الذين إلى آخر السورة.
وروى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثون آية شفعت لرجل حتى أدخلته الجنة سورة الملك. وعن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثم أدركه الدجال لم يضره. وعن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجلس يمسح عن وجهه
[معالم اليسر: 14]
بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران. وفي البخاري. من قرأ الآيتين من آخر البقرة في ليلة كفتاء. آمن الرسول إلى آخر السورة – إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار.
ولا شك أن بيانه عليه السلام بعد الفاتحة وتعيينه الأجر على عدد مخصوص من الآيات من مواضع مخصوصة من السورة من أولها أو آخرها لم يكن عبثا وإنما كان لحفز الهمم إلى معرفة عدد الآي للحصول على ثواب قراءتها وكل ذلك ترغيب في معرفة هذا العلم والإحاطة به.
ولما رأى الحفاظ أسلافهم عنوا
بها دونوها عن أولى الفضل والبر

اللغة: الأسلاف جمع سلف وهم المتقدمون. وعنوا اهتموا يقال عني بالشيء اهتم به، دونوها. أصل التدوين جمع أسماء الجنود وأعطيتها في الديوان وهو الدفتر الجامع لأسماء الجنود وأعطيتها. ثم استعمل في جمع العلوم ووضع قواعدها في الكتب وهو المراد هنا أي جمعوا قواعد هذا العلم وألفوا فيه.
الإعراب: لما هي الرابطة فقيل ظرف بمعنى حين منصوبة بجوابها وهو دونوها وهي مضافة إلى الجملة بعدها. وقيل هي حرف وجود لوجود. ورأي الحفاظ جملة ماضية وأسلافهم مفعول أول وجملة عنوا مفعول ثان لأن الرؤية عليه. وعنوا ماضية مجهولة. وبها متعلق بعنوا. والضمير يعود على الآيات من يث بيان عددها ومباديها ومقاطعها. وعن أولي الفضل متعلق بدونوها لتضمينه معنى الأخذ والنقل. أو بمحذوف حال أي دونوها حال كونهم ناقلين لها عن أولي الفضل أو حال كونها منقولة عنهم. فيكون حالاً من الفاعل أو المفعول.
المعنى: لما رأى حفاظ القرآن عظيم اهتمام أسلافهم من الصحابة والتابعين بعدد الآي وحرصهم على معرفة ذلك نشطت هممهم لجمع قواعد هذا العلم وتأليفها في كتب كما نقلوها عمن قبهلم حتى لا يضيع هذا العلم. ففي هذا البيت بيان الداعي إلى تدوين هذا العلم ووضع قواعده الكلية وهو شدة اهتمام الصحابة بمعرفة عدد
[معالم اليسر: 15]
الآي ومباديها ومقاطعها. وأن أساسه النقل عن الصحابة عن رسول الله عليه السلام نقل كما نقلت حروف القرآن وطرق قراءاته، ينقله كل جيل إلى من بعده حتى وصل إلينا كما وصلت إلينا حروف القرآن ووجوه القراءات. وإذ قد علمت أن العلماء قد عنوا بتدوين هذا العلم ووضع قواعده ينبغي لنا أن نقفك على تعريف هذا الفن وموضوعه وفوائده فنقول.
أما تعريفه: فهو فن يبحث فيه عن سور القرآن وآياته من حيث بيان عدد آي كل سورة ورأس كل آية ومبدئها. وموضوعه سور القرآن وآياته من الحيثية السالفة وأما فوائده فكثيرة. وقد سبق لنا بيان بعضها ونحن نجملها فيما يأتي:
أولاً: يحتاج لمعرفة هذا العلم لصحة الصلاة فقد قال الفقهاء فيمن لم يحفظ الفاتحة يأتي بدلها بسبع آيات.
الثاني: يحتاج إليه للفوز بالأجر الموعود به على قراءة عدد معين في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
الثالث: اعتباره سببًا لنوال الأجر الموعود به على تعلم عدد مخصوص من الآيات أو قراءته قبل النوم مثلاً.
الرابع: الاحتياج إليه في معرفة ما يسن قراءته بعد الفاتحة في الصلاة فقد نصوا على أنه لا تحصل السنة إلا بقراءة ثلاث آيات فصار أو آية طويلة ومن يرى منهم وجوب القراءة بعد الفاتحة لا يكتفي بأقل من هذا العدد.
الخامس: اعتبارها لصحة الخطة فقد أوجبوا فيها قراءة آية تامة.
السادس: اعتبارها في الوقف المسنون إذ الوقف على رءوس الآي سنة.
السابع: اعتبارها في الأمالة فإن من القراء من يوجب إمالة رءوس آي سور خاصة في القرآن كرءوس آي سورة «النجم» و«طه» و«الشمس» إلى غير ذلك فإن ورشا وأبا عمرو يقللان رءوس آي هذه السور قولاً واحدًا فلو لم يعلم القارىء رءوس الآي عند المدني الأول والبصري لا يستطيع معرفة ما يقلل لورش باتفاق وما يقلل بالخلاف وكذا أبو عمرو إلى غير ذلك من الفوائد.
[معالم اليسر: 16]
فعن نافع عن شيبة ويزيد أو
ول المدني إذ كل كوف به يقرى

الأعراب: الفاء لتفصيل قوله عن أولي الفضل والبر. فمن نافع خبر مقدم للمبتدأ المؤخر وهو قوله أول المدني وقوله عن شيبة متعلق بمحذوف حال من نافع وصرف شيبة للضرورة ويزيد عطف على شيبة وإذ ظرف متعلق بالخبر وكل كوف مبتدأ ومضاف إليه وجملة يقرى بمعنى يلقن خبر وبه متعلق بجملة الخبر.
المعنى: أخذ المصنف في تفصيل العادين وبيان المقصود منهم وهم ستة المدني الأول والمدني الأخير والمكي والبصري والشامي والكوفي. فبين في هذا البيت ما يراد بالمدني الأول فأفاد أن ما يرويه نافع عن شيخيه يزيد بن القعقاع وهو أبو جعفر، وشيبة بن نصاح هو المدني الأول وهذا هو ما يرويه أهل الكوفة عن أهل المدينة بدون تعيين أحد منهم يعني أنه متى روى الكوفيون العدد عن أهل المدينة بدون تسمية أحد فالمراد أنه عدد المدني الأول وهو المروي عن نافع عن شيخيه. وروى عامة أهل البصرة عدد المدني الأول عن ورش عن نافع عن شيخيه. والحاصل أن المدني الأول هو ما رواه نافع عن شيخيه لكن اختلف أهل الكوفة والبصرة في روايته عن المدنيين فأما أهل الكوفة فرووه عن أهل المدينة بدون تعيين أحد منهم، ورواه أهل البصرة عن ورش عن نافع عن شيخيه وهو في رواية الكوفيين عن أهل المدينة 6217 آية وفي رواية أهل البصرة عن ورش 6214 والذي اعتمده الناظم رواية أهل الكوفة وتبع في ذلك الداني وهذا معنى قوله إذ كل كوف به يقرى.
وحمزة مع سفيان قد أسنداه عن
علي عن أشياخ ثقات ذوي خبر

اللغة: أسنداه أي نسباه ورفعاه موصولاً بسنده. ثقات جمع ثقة وهو العالم الصدوق الذي يوثق بخبره. والخبر بضم الخاء العلم الواسع والمعرفة التامة.
الإعراب: وحمزة مبتدأ مع سفيان حال منه وجملة قد أسنداه خبره وعن علي متعلق بالفعل قبله بتضمنه معنى نقلاه. عن أشياخ متعلق بمحذوف معطوف على أسنداه أي أسنداه عن علي ونقلاه عن أشياخ ثقات صفة لأشياخ وكذا ذوي خبر.
[معالم اليسر: 17]
المعنى: أن لأهل الكوفة عددين أحدهما مروي عن أهل المدينة وهو عدد المدني الأول السابق ذكره. والعدد الثاني يسنده حمزة وسفيان إلى علي بن أبي طالب بواسطة ثقات ذوي علم واسع وهذا هو الذي اشتهر بالعدد الكوفي. فما يروي عنهم موقوفًا على أهل المدينة هو المدني الأول. وما يروي عنهم موصولاً إلى علي هو المنسوب إليهم. وعمدة هذا العدد حمزة بن حبيب الزيات وسفيان يرفعانه إلى علي. فأما ما أسنده حمزة فهو ما رواه عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي. وأما سفيان فروى عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
والآخر إسماعيل يرويه عنهما
بنقل ابن جماز سليمان ذي النشر

اللغة: النشر الرائحة الطيبة ويراد به هنا الذكر الحسن والخلق الجميل.
الإعراب: والآخر مبتدأ أول وهو صفة لمحذوف والتقدير والمدني الآخر وإسماعيل مبتدأ ثان وجملة يرويه عنهما خبر الثاني والثاني خبره خبر الأول وضمير عنهما يعود على شيبة ويزيد وضمير يرويه يعود على الآخر بتقدير مضاف وبنقل متعلق بيرويه والباء سببية وسليمان بدل وذي النشر صفة.
المعنى: أن عدد المدني الأخير هو ما يرويه إسماعيل بن جعفر عن شيبة ويزيد بواسطة نقله عن سليمان بن جماز. فيكون عدد المدني الأخير هو المروي عن إسماعيل بن جعفر عن سليمان بن جماز عن شيبة وأبي جعفر وعدد آي القرآن عنده 6214 آية.
وعد عطاء بن اليسار كعاصم
هو الجحدري في كل ما عد للبصري

الإعراب: وعد مبتدأ. كعاصم حال منه أي متفقا معه في العدد، هو الجحدري جملة معترضة بيان لعاصم وقوله في كل خبر المبتدأ وما موصولة وعد الجملة صلة وللبصري متعلق بعد.
المعنى: أن العدد الذي يرويه عطاء بن يسار من كبار التابعين وما يرويه عاصم الجحدري عن غيره من كبار التابعين هو العدد المنسوب إلى أهل البصرة. فالعدد
[معالم اليسر: 18]
البصري هو ما يرويه عطاء بن يسار وعاصم الجحدري وهو ما ينسب بعدُ إلى أيوب بن المتوكل ولا خلاف بين ما يرويه أيوب وعاصم إلا في قوله تعالى: والحق أقول. في سورة ص. والحاصل أن المعتبر في رواية العدد البصري رواية عطاء بن يسار وعاصم الجحدري ثم أيوب بن المتوكل بعد عاصم.
ويحيى الذماري للشآمي وغيره
وذو العدد المكي أبي بلا نكر

اللغة: النكر اسم بمعنى الانكار.
الأعراب: ويحيى مبتدأ بتقدير مضاف أي وعدد يحيى. والذماري صفته أو عطف بيان له وللشآمي خبره. وهو نسبة للشأم وأصله شأمي فخفف بحذف إحدى ياءي النسب ثم عوض عن المحذوف زيادة ألف بعد الهمزة فصارت للشأمي بياء واحدة مخففة والألف عوض عن الياء الثانية كما يقال في النسبة إلى اليمن يمان وهو حينئذ يعامل معاملة المنقوص فتحذف الياء للتنوين فيقال يمأن وشآم وتثبت مع أل فيقال الشآمي كما في البيت وقوله وغيره بالرفع عطف على يحيى بعد حذف المضاف إليه. وقوله وذو العدد إلخ مبتدأ وخبر. وقوله بلا نكر جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف والتقدير وذلك كائن بلا نكر أي ثبوت العدد عن أبي كائن بلا نكر ويحتمل أن يكون التقدير وهذه الأعداد السنة السابقة ثابتة عمن ذكرنا بلا إنكار من بعضهم على بعض ولا من أحد عليهم رغم اختلافهم في العدد ويؤيد هذا البيت الآتي.
المعنى: أن العدد الشامي يعتمد على ما عده يحيى الذماري عن عبد الله بن عامر اليحصبي عن أبي الدرداء. وقوله وغيره إشارة إلى اشتهار ذلك العدد عن ابن عامر رواه عنه الذماري وغيره من معاصريه وقد أسند الداني العدد الشامي إلى ابن عامر فرواه عن الأخفش عن ابن ذكوان. وعن الحلواني عن هشام وهما عن أيوب ابن تميم القارىء عن يحيى الذماري عن ابن عامر. وينسب هذا العدد إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وجملة هذا العدد 6226 وقد روى عن صدقة عن الذماري أنه 6225 فسئل عن ذلك ابن ذكوان فقال أظن أن يحيى لم يعد البسملة آية
[معالم اليسر: 19]
وقوله وذو العدد المكي إلخ بيان للعدد المكي أي أن العدد المكي إنما يعتمد على أبي بن كعب وهو ما رواه الداني بسنده إلى عبد الله بن كثير القارىء عن مجاهد ابن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدد آي القرآن فيه 6210 آيات وقوله بلا نكر إشارة إلى أن المعتمد في العدد المكي ما رواه مجاهد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب كما تقدم وفيه إشارة إلى أن العدد المكي غير أبي ولكن لم يعتمده الناظم وهذا على الاحتمال الأول في الإعراب أما على الاحتمال الثاني وهو الأقرب فقد قررناه في الإعراب.
بأن رسول الله عد عليهم
له الآي توسيعًا على الخلق في اليسر

وأكده أشباه آي كثيرة
وليس لها في عزمة العد من ذكر

اللغة: اليسر ضد العسر، وأكده قواه وقرره. وأشباه جمع شبه وهو المثل والنظير والعزمة بضم العين المهملة وسكون الزاي أسرة الرجل وقبيلته.
الإعراب: الجار والمجرور في بأن رسول الله متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: وتلك الأعداد ثابتة عن هؤلاء ومنقولة عنهم من غير إنكار بسبب أن رسول الله إلخ. وجملة عد خبر أن، وعليهم متعلق بعد، والضمير في عليهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم – وإن لم يكن لهم ذكر – معينون من المقام، أو الضمير عائد على أئمة العدد الناقلين له، وفيهم من الأصحاب. ومن كل منهم تابعيًا فالرسول عد عليه بواسطة عده على أشياخه، والضمير في له يعود على القرآن وهو أيضًا متعين من المقام وهو متعلق بمحذوف حال من الآي، ويحتمل أن يكون متعلقًا بتوسيعا بناء على جواز تقدم معمول المصدر عليه إن كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا. وتوسيعًا مفعول لأجله لقوله عد. والآي مفعول به لعد، وعلى الخلق يتعلق بتوسيعًا. وفي اليسر كذلك. والواو في وأكده للاستئناف، وجملة أكده أشباه ماضية والهاء مفعول مقدم وهي عائدة على الحكم المأخوذ من مضمون البيت السابق وهو كون الأعداد ثابتة بتوقيف من رسول الله عليه السلام، والواو في وليس للحال ولها متعلق بمحذوف خبر مقدم لليس، وضمير لها يعود على الأشباه
[معالم اليسر: 20]
وفي عزمة العد متعلق باسم ليس المؤخر وهو ذكر، ومن زائدة، وإضافة عزمة إلى العد على معنى اللام، والعد مصدر بمعنى المعدود. وجملة وليس لها إلخ حال من أشباه.
المعنى: لما أخبر المصنف بأن هذه الأعداد ثابتة من غير إنكار أفاد أن سبب ذلك هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عد على أصحابه آي القرآن تيسيرًا عليهم في تعلمه وتعليمه، كما وسع الله عليهم فيه فأنزله منجما وعلى سبعة أحرف وجعله سورا متعددة مختلفة الطول والقصر، كذلك وسع الرسول وزاد في هذه السعة فعده عليهم ليتعلموه ويعلموه أعشارا وأخماسًا، وليتيسر لهم تلاوته والتقرب به كذلك، والصحابة رضي الله عنهم نقلوه إلى من بعدهم كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما حافظوا على نقل حروفه وألفاظه حافظوا كذلك على عد آيه. وعنهم أخذ التابعون لفظه وعدده حتى وصل إلينا. والأحاديث والآثار في تعليمه صلى الله عليه وسلم الأعشار والأخماس ثابتة؛ فمن ذلك ما روى عن عطاء بن يسار عن السلمي أنه قال: حدثني الذين كانوا يقرئوننا القرآن، وهم عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وأبي ابن كعب «أن الرسول كان يقرئهم العشر من القرآن فلا يجاوزونها إلى عشر أخر حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فقالوا تعلمنا القرآن والعمل جميعًا».
فظاهر هذا البيت أن كل هذه الأعداد توقيفي هذا وقد كان هذا البيت عقب قوله بنقل ابن جماز سليمان ذي النشر، في النسخة المطبوعة التي بين أيدينا، وكان هكذا: بأن رسول الله عد عليهما، بضمير التثنية، فلما رأيناه مقحمًا في هذا الموضع ينبو به مكانه نقلناه لأن وضعه في هذا الموضع يوهم أن عدد البصري والشامي والمكي ليس بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك ضمير التثنية لا يظهر وجهه إذ السابق أو جعفر وشيبة وهما سند المدني، وعلى وهو سند الكوفي، وإن تكلفوا لتصحيح ذلك بجعل أبي جعفر وشيبة بمنزلة فرد واحد فصحت التثنية، ولكن هذا – مع بعده – فيه أن أبا جعفر وشيبة لم يسمعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[معالم اليسر: 21]
وبقى قوله وأكده أشباه إلخ. فإن الضمير فيه عائد على الحكم المأخوذ من هذا البيت ولا يكاد يتجه الذهن إليه إذا بقى في موضعه، لهذا لم نشك أن هذا من تصرف النساخ وتحريفهم، فقلنا البيت عن الموضع القلق فيه وجعلناه في موضعه اللائق به وأثبتناه هكذا: بأن رسول الله عد عليهم بضمير الجمع، فاتسق الكلام وارتبط بقوله وأكده أشباه إلخ أي وقوى كون هذه الأعداد كلها ثابتة بالتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورود كلمات في القرآن تشبه فواصله وهي متروكة اتفاقًا. فلو كانت الأعداد بمجرد الاستنباط والاجتهاد لما خرجت هذه الكلمات عن جملة المعدود مع وجود المشاكلة بينها وبين ما هو معدود وهذا معنى قوله: وأكده أشباه آي كثيرة إلخ. ومعنى قوله وليس لها الخ أن هذه الكلمات المذكورة الشبيهة برءوس الآي ليس لها ذكر في جماعة ما عد من رءوس الآي. ولا شك أن التفرقة بين النظائر والأشباه تحتاج إلى توقيف وسماع.
وسوف يوا في بين الأعداد عدها
فيوفي على نظم اليواقيت والشذر

اللغة: يوافي مضارع من قولهم وافيت القوم بمعنى أتيتهم، فمعناه يأتي. فيوفي مضارع من أوفى على الشيء إذا أشر عليه أي أطلع عليه من فوق، ولازمه العلو وهو المقصود هنا وعليه فالمعنى يعلو. والشذر: صغار اللؤلؤ.
الإعراب: سوف حرف تسويف. يوافي مضارع وفاعله عدها وضميره المجرور عائد على الأشباه. وبين الأعداد ظرف متعلق بالفعل قبله. فيوفي مضارع وفاعله ضمير يعود على النظم المفهوم من هذا الوعد، والجار والمجرور بعده متعلق به. أو الفاعل ضمير يرجع إلى عدها بتقدير مضاف، أي فيوفي نظم عدها بين الأعداد على نظم اليواقيت والشذر.
المعنى: هذا وعد من الناظم ببيان الأشباه المتروكة التي استدل بتركها من العدد على أن الأعداد توقيفية في ضمن بيان أعداد السور وبيان المتفق على عده والمختلف فيه؛ أي وسوف يأتيك عد هذه الأشباه بين الأعداد منظومًا فلا حاجة للتمثيل بها الآن. وقوله فيوفي معناه أن نظم هذه الأشباه قد حسن بها النظم فسما بها على نظم اليواقيت وصغار اللؤلؤ التي تكون حلية وتكملة لعقد الدر.
[معالم اليسر: 22]
وفي هذه إشارة إلى أن ذكر هذه الأشباه المتروكة ليس مقصودًا بالأصالة وإنما يذكر تبعًا للمقصود كما يزين العقد باليواقيت وصغار اللؤلؤ.
والحاصل: أن المصنف لما استدل على كون العدد توقيفيًا بورود أشباه لم تعد كان في حاجة إلى إيراد أمثلة لهذه الأشباه، فبين أنه استغنى عن التمثيل هنا بما يأتي في النظم من ذكرها في السور ضمن ذكر ما اتفق عليه وما اختلف فيه.
ثم أعلم أن الفواصل قسمان: متفق عليه، ومختلف فيه. وكل منهما إما أن يكون له شبه بما قبله من الفواصل وما بعده أو لا. فالمختلف فيه يذكره المصنف سواء كان له شبه أم لا، والمتفق عليه يذكره إن لم يكن له شبه. أما المتفق عليه الذي له شبه فلا يذكره، وبقى ما له شبه وهو متروك إجماعًا فهذا يلزم التنبيه عليه وهو الذي وعد ببيانه في هذا البيت. أما ما لا يشبه الفواصل ولم يعد إجماعًا فلا يذكره.
وعد الذي ينهي والأشقى ومن طغى
وعن من تولى في عداد لها عذرى

اللغة: العداد: قال في القاموس: العديد الند كالعد والعداد بكسرهما ويقال في عداد القوم ما يعد منهم. والمعنى فيما يعد من الآيات. والعذر بضم العين ما يعتذر به والمراد به هنا الشاهد والحجة.
الإعراب: وعد: مرفوع بالعطف على أشباه في البيت السابق وهو مضاف، والذي ينهي مضاف إليه مقصود لفظه وما بعده عطف عليه، وفي عداد متعلق بعد، ولها صفة لعداد وضميره للآيات. وعذرى خبر لمبتدأ محذوف تقديره وذلك عذرى أي شاهدي وحجتي على أن العدد ثبت بالتوقيف.
المعنى: وقوي أيضًا ثبوت الأعداد بالتوقيف عد بعض أهل العدد قوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى} بالعلق، و{فأما من طغى} بالنازعات، و{عن من تولى} بالنجم. وعد الجميع {ويتجنبها الأشقى} بالليل ضمن آيات المعدودة مع شدة تعلقها بما بعدها. ولو كان العدد يعتمد الرأي والاجتهاد لما عدت هذه
[معالم اليسر: 23].
الأشياء لعدم انقطاع الكلام والحاصل: أن هذا دليل ثان على ثبوت العدد بالتوقيف والسماع من الشارع. ويصح أن ينتظم مع الأول دليلاً واحدًا بحيث يقال لو لم يكن العدد توقيفيًا لعدت كل الأشباه، وترك ما له شدة اتصال بما بعده. لكن نرى أشباها كثيرة متروكة بالإجماع. ونرى آيات معدودة مع شدة تعلقها بما بمعدها وعدم انقطاع الكلام وذلك لا يكون إلا بتوقيف، وإلى ذلك أشار بقوله عذرى أي ذلك وما قبله هو شاهدي حجتي على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عد على الأصحاب آي القرآن الكريم، وأن جميع هذه الأعداد ثابتة بالتوقيف.
وما بدؤه حرف التهجي فآية
لكوف سوى ذي راوطس والوتر

اللغة: الوتر الفرد.
الإعراب: ما مبتدأ واقعة على السورة وهي اسم موصول وجملة بدؤه حرف التهجي الاسمية صلة ما، والضمير في بدؤه للوصول وذكر باعتبار لفظه، والفاء في فآية زائدة في الخبر لأن المبتدأ يشبه الشرط في العموم. وآية خبر لمحذوف أي فذلك المبدوء به آية والجملة خبر والرابط محذوف أي والسورة التي بدؤها حرف التهجي فذلك المبدوء به آية منها – لكوف صفة لآية. وسوى أداة استثناء ومضاف إليه وما بعده عطف عليه.
المعنى: يعني أن السورة التي افتتحت بحروف التهجي فذلك الحرف الذي افتتحت به السورة آية مستقلة عند الكوفي. واستثنى من ذلك ما اقترن ب «رأ» من حرف التهجي. وهي الر – المر، وكذلك طس أول سورة النمل. وأيضًا ما كان على حرف واحد وهي ثلاثة «ص – ق - ن» فليس شيء من ذلك آية إجماعًا. ودخل في المستثنى منه «ألم» في جميع القرآن، والمص، وكهيعص، وطه، وطسم، ويس، وحم، و«حم عسق». وسيأتي للناظم التنبيه على أن حم عسق آيتان مستقلتان. فهذه الفواتح كلها آيات عند الكوفي ولم يعدها غيره. وهذا من جملة الأدلة على أن العدد توقيفي. لأنه لو لم يكن كذلك
[معالم اليسر: 24]
لما كان هناك فرق بين طس ويس ولا بين المص والمر؛ فإما أن يترك الجميع من العدد أو يعد الجميع ولكنه فرق أتباعًا للنص. وتلك مناسبة ذكر هذا البيت في هذا المقام. فالمعتبر في عد ما عد وترك ما ترك إنما هو النص والتوقيف. فسبب عد الكوفي لهذه الفواتح إنما هو السماع؛ فقد روى عن علي بسنده أنه كان يعد هذه الفواتح آيات. وما روى عن عمرو بن مرة من عد ص آية فغير معتبر. وسبب عدم عد هذه الفواتح عند غير الكوفي عدم ورود نص عندهم بعدها مع أنها غير مستقلة بناء على أنها أقسام وما بعدها جواب لها فهي متعلقة به أشد تعلق. وأريد ببعضها يا إنسان أو يا رجل. فلعدم الاستقلال وعدم انقطاع الكلام لم تعد عند غير الكوفيين. ويمكن الكوفي أن يلتمس للسماع حكمة وهي استقلالها بناء على أنها أسماء للسور مع مشاكلتها لما بعدها من آي السور. وأما الفرق بين المص والمر مثلاً فلعدم وجود هذه المشاكلة. وأما الفرق بين طس أول النمل وطسم أول الشعراء والقصص فإن طسم شاكلت ألم في الاستقلال والملاءمة لما بعدها، بخلاف طس فلانقطاعها عن ميم أشبهت الكلمة المفردة فلم تعد، وإنما عدت يس مع أنها على وزنها لاختصاصها بالبدء بيا وليس في الكلمات العربية المفردة ما هو مبدوء بيا. وأما حم فعدت لمشاكلة أخواتها مع المناسبة لما بعدها. وأما عدم عد ص، وق، ون، فلأنها أشبهت الكلمة المفردة فلم تعد، نحو باب ودار؛ وكل هذا التماس لحكمة ما سمع. والله أعلم.
وما تأت آيات الطوال وغيرها
على قصر إلا لما جاء مع قصر

اللغة: الطوال جمع طويلة ضد القصيرة. والقصر بكسر القاف وفتح الصاد في الأول وفتح القاف وسكون الصاد في الثاني. وهو في الأول ضد الطول وفي الثاني بمعنى الحبس.
الإعراب: ما نافية وتأت مضارع مرفوع حذفت منه الياء للضرورة أو التخفيف كما في «يوم يأت لا تكلم نفس» الآية. وآيات فاعله والطوال مضاف إليه وهو صفة لمحذوف أي السور الطوال. وغيرها عطف على الطوال
[معالم اليسر: 25]
والجار والمجرور في على قصر متعلق بمحذوف حال من الفاعل، وإلا أداة استثناء مفرغ، ولما جار ومجرور متعلق بتأت وهو استثناء من عموم الأسباب. ومع قصر حال من فاعل جاء.
المعنى: لا تجيء آيات السور الطوال والقصار قصيرة على كلمة واحدة لشيء من الأشياء إلا لشيء جاء مقصورًا على السماع. وهذا من جملة أدلة التوقيف في العدد، يعني لو لم يكن العدد توقيفيًا لما جاءت الآية في السور الطوال والقصار قصيرة على كلمة لكنها جاءت قصيرة على كلمة في السور الطوال كالفواتح وفي القصار نحو: والطور والفجر والضحى، وهذا لا يكون إلا مقصورًا على السماع والتوقيف. وفيه أيضًا قادة وهي أن الآية لا تكون على كلمة إلا إذا ورد بها النص ولا تكون في الطوال على كلمة إلا في الفواتح، ولا في السور القصار إلا إذا كانت آيات السورة قصيرة.
ولكن بعوث البحث لا فل حدها
على حدها تغلو البشائر بالنصر

اللغة: البعوث جمع بعث وهو الجيش. ولابحث التفتيش والتنقيب. وفل بمعنى كسر، وحدها مضاربها من قولهم حد السيف للوضع الذي يضرب به منه. على حدها، الحد هنا لبأس والقوة: والبشائر جمع بشارة وهي الإعلام بما يسر والنصر الظفر.
الإعراب: ولكن حرف استدراك. بعوث البحث مبتدأ ومضاف إليه. وقوله لا فل حدها: لا نافية وفل فعل ماض مبني للمجهول وحدها نائب فاعل وهي جملة دعائية معترضة بين المبتدأ والخبر، وعلى حدها متعلق بتعلو، جملة تعلو البشائر خبر المبتدأ وبالنصر متعلق بتعلو أيضًا.
المعنى: لما قدم المصنف أن عدد الآي ثابت بالتوقيف واستدل عليه بما تقدم وكان ذلك موهما أن هذا العلم نقلي محض لا مجال للعقل فيه، استدرك لدفع هذا التوهم فبين أن ليس معنى كونه نقليًا أن جميع جزئياته كذلك بل معنى ذلك أن معظمه نقلي، وقد استنبط منه قواعد كلية رد إليها ما لم ينص عليه من الجزئيات بالاجتهاد، فقال ولكن بعوث البحث الخ.
[معالم اليسر: 26]
يعني: ومع أن الأعداد منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثابتة بالتوقيف فليس ذلك جاريًا في جميع جزئياتها ولكن الأفكار السليمة والأنظار الثاقبة التي أثارها بحث الأئمة النقلة لأصول هذا العلم قد جدت واجتهدت فيما لم يرد فيه نص فردته إلى نظيره مما ورد فيه النص، فاستعار البعوث وهي الجيوش للأفكار الصائبة. وقرينة المجاز المضاف إليه وهو البحث، ورشح المجاز بقوله لا فل حدها أي لا كسرت مضار بها ولا ضعفت شوكتها، والمقصود الدعاء للأفكار بإصابة ما تقصد إليه من الحقائق. وكذلك قوله على حدها الخ. ترشيح أيضًا للمجاز المذكور، أي على قوة هذه الأفكار وإمعانها في البحث عن حقائق الأشياء تظهر خفايا الأمور وتنكشف مشكلاتها. وهو المراد بقوله تعلو البشائر بالنصر. أو الكلام مبني على التمثيل، وقوله لا فل حدها تشريح له والمقصود أن الأفكار السليمة التي أثارها البحث عن جزئيات هذا الفن قد أعملت فألحقت ما يرد فيه نص بنظيره مما ورد فيه النص وفازت بما طلبت من فهم مقاصد هذا العلم وأصوله الكلية التي ترد إليها جزئياتها. والخلاصة: أن هذا العلم بعضه ثبت بالنص وهو المعظم وبعضه بالاجتهاد، ولكن لما كان الاجتهاد راجعًا إلى رد الجزئيات التي لم ينص عليها إلى ما قص عليه منها صح أن يقال إنه نقلي. والله أعلم بالصواب.
وقد ألفت في الآي كتب وإنني
لما ألف الفضل بن شاذان مستقري

اللغة: التأليف الجمع، ومستقري متتبع من الاستقراء وهو التتبع.
الإعراب: قد للتحقيق وألفت كتب جملة ماضية مجهولة، وسكنت تاء كتب للضرورة، وفي الآي متعلق بقوله ألفت، بتقدير مضاف أي في علم الآي، والواو في قوله وإنني للحال أو الاستئناف، ومستقري خبر إن، ولما ألف متعلق بمستقري وما موصولة وألف صلتها، والفضل فاعل ألف، وابن شاذان صفة أو بدل منه.
المعنى: قد ألف في علم فواصل الآي كتب كثيرة عظيمة الشأن والحال
[معالم اليسر: 27]
أنني متتبع في نظمي هذا ما رواه ونقله أبو العباس الفضل بن شاذان بن عيسى الرازي، وهو من رواة أبي جعفر، وقد توفى في حدود سنة مائتين وتسعين بعد الهجرة، والله أعلم.
روى عن أبي والذماري وعاصم
مع ابن يسار ما احتبوه على يسر

اللغة: الاحتباء قبول الحباء بكسر الحاء وهو العطاء. واليسر السهولة.
الإعراب: روى فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الفضل في البيت قبله. وعن أبي متعلق بروى وما بعده عطف عليه، ومع ابن يسار حال من عاصم، وما اسم موصول مفعول روى، وجملة احتبوه صلة، وعلى يسر متعلق بما قبله.
المعنى: نقل الفضل بن شاذان العدد المكي عن أبي بن كعب، والعدد الشامي عن يحيى الذماري، والعدد البصري عن عاصم وعطاء بن يسار. وهذه الأعداد هي التي أشار إليها بالموصول، وفيه تشبيه رواية العلم بالعطية، وتقبلها بتقبل العطية؛ والمعنى روى ما نقل هؤلاء من الأعداد على يسر أي في سهولة ويسر.
وما لابن عيسى ساقه في كتابه
وعنه روى الكوفي وفي الكل أستبرى

اللغة: يقال استبرأت الشيء طلبت آخره لأقطع الشبهة عني.
الإعراب: وما اسم موصول مبتدأ ولابن عيسى متعلق بمحذوف صلة وجملة ساقه خبره، وفاعل ساقه، يعود على الفضل والضمير المنصوب يعود على الموصول، وفي كتابه متعلق بساقه، والضمير المجرور في كتابه يعود على الفضل، وعنه متعلق بروى بعده، والضمير المجرور في عنه يعود على ابن عيسى، وروى الكوفي جملة ماضية، وفي الكل متعلق بقوله أستبرى وهو فعل مضارع.
المعنى: والعدد الذي نسب لابن عيسى وهو سليم بن عيسى الحنفي ذكره الفضل بن شاذان وساقه في كتابه. وعن سليم روى الكوفي هذا العدد. فالعدد الكوفي مروي عن سليم عن حمزة وسفيان كما تقدم ونقله ابن شاذان في كتابه وسأنقله أنا أيضًا تبعًا له. ومعنى قوله وفي الكل أستبرى أي في كل ما رواه الفضل ابن شاذان من أئمة العدد
[معالم اليسر: 28]
أستبرى وأستقصى طلبًا لبراءة نفسي من تهمة التقصير. والمقصود سأذكر كل ما ذكره الفضل لأقطع عن نفسي شبهة التقصير. وأشار بهذا إلى أنه سيتبع الفضل في كل ما رواه من العدد. ومن روى عنهم من الأئمة فدخل فيهما ما رواه عن نافع عن شيخيه وما رواه إسماعيل بن جعفر عن ابن جماز عن شيخيه.
ولكني لم أسر إلا مظاهرًا
بجمع ابن عمار وجمع أبي عمرو

اللغة: يقال سرى يسري إذا مشى ليلاً. ومظاهرًا بفتح الهاء اسم مفعول من ظاهره إذا عاونه.
الإعراب: ولكنني حرف استدراك واسمه وجملة لم أسر خبره وإلا أداة استثناء مفرغ من عموم الأحوال ومظاهرًا حال والجار والمجرور بعده متعلق به وجمع أبي عمرو عطف على ما قبله.
المعنى: لما أخبر الناظم أنه متتبع ما روى الفضل بن شاذان أوهم ذلك أنه لم يأخذ من غيره فرفع ذلك التوهم بقوله ولكنني الخ البيت والمعنى ولكنني في متابعتي للفضل أستعين على هذه المتابعة بما جمعه ابن عمار وجمعه الداني في كتاب البيان والمقصود أنه قد اتبع ابن شاذان فيما روى من العدد واستعان على ذلك بما جمعه ابن عمار والداني في كتابيهما عن الفضل فلم يلتزم متابعة الداني في كل ما جمعه بل التزم متابعته فيما نقله بسنده عن الفضل ولهذا لم يذكر العدد الحصى لأن الفضل لم يذكره وفي قوله لم أسر استعارة تصريحية تبعية شبه متابعة الأسانيد مع اضطرابها بالسير ليلاً واستعار السرى لمتابعة الأسانيد. واشتق منه أسر بمعنى أتابع الفضل وأصل إليه بسندي إلا بمعاونة ما جمعه الشيخان الجليلان من الأسانيد المتصلة بالفضل، وكأن جمع هذين الإمامين بمنزلة الكوكب الذي يهديه في سراه.
عسى جمعه في الله يصفو ونفعه
يعم برحماه فيشفي من الضر

على الله فيه عمدتي وتوكلي
ومنه غيائي وهو حسبي مدى الدهر

[معالم اليسر: 29]
اللغة: يصفو من الصفو ضد الكدورة والمراد هنا يخلص. والرحمى الرحمة. والعمدة ما يعتمد عليه، والتوكل الاعتماد على الله في جميع الشئون. والغياث الإغاثة، وحسبي كافي، ومدى الدهر طول الأبد.
الإعراب: عسى ماض، جمعه اسم عسى وجملة يصفو الخبر، وفي الله متعلق بيصفو، ونفعه يعم معطوفان على معمولي عسى، برحماه تنازعه كل من يصفو ويعم، وضميره يعود على الله تعالى، والضمائر السابقة عائدة على النظم. فيشفى عطف على ما قبله ومن الضر متعلق به، وفاعل يشفى يعود على النظم. وعلى الله فيه عمدتي جملة اسمية مقدمة الخبر للاختصاص، وتوكلي عطف على عمدتي، ومنه غياثي اسمي كذلك، وأيضًا وهو حسبي، ومدى ظرف زمان متعلق بحسبي.
المعنى: بعد أن بين الناظم ما قصد إليه من جمع عدد آي القرآن الكريم وفضل هذا العلم، وفضل الأئمة الذين نقل عنهم. وبيان من ألف في هذا العلم قبله. وبيان من اقتفى أثره منهم – توجه إلى الله تعالى بالرجاء أن يكون جمعه الذي قصد إليه في هذا النظم خالصًا من الشوائب، صافيًا من الأكدار. وذلك بإخلاصه النية لله تعالى. ورجا أن يعم نفعه حتى يكون سببًا في شفاء الناس من الجهل بهذا العلم. ثم أظهر بعد ذلك عجزه عن إتمام هذا العلم إلا بمعونة الله تعالى، وحاجته إلى تلك المعونة بقوله على الله فيه عمدتي الخ. يعني أن اعتمادي فيما قصدت إليه إنما هو على الله وحده لا على كثرة علم، ولا سعة إطلاع. وعلى الله وحده أتوكل في إكمال هذا الأمر ومنه أستمد العون والغوث للاقتدار على ذلك وهو سبحانه وتعالى كافي ومغني مدى الزمن، وهو نعم المولى ونعم النصير. والله أعلم.
[معالم اليسر: 30]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir