دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 شوال 1430هـ/13-10-2009م, 05:43 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي مقدمة في العلم وفضائله

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أنه لا شىء أشنع ولا أقبح بالإنسان، مع ما كرمه الله وفضله به: من الاستعدادات (و) القابلية لقبول الآداب، وتعلم العلوم والصنائع، من أن يغفل عن نفسه ويهملها، حتى تبقى عارية من الفضائل. كيف وهو يشاهد أن الدواب والكلاب والجوارح المعلمة ترتفع أقدارها، ويتغالى فى أثمانها.
و (كفى فى العلم) شرفا أن الله عز شأنه وصف به نفسه، ومنح به أنبياءه، وخص به أولياءه، وجعله وسيلة إلى الحياة الأبدية، والفوز بالسعادة السرمدية، وجعل العلماء قرناء الملائكة المقربين فى الإقرار بربوبيته، والاختصاص بمعرفته، وجعلهم ورثة أنبيائه.

فالعلم أشرف ما ورث عن أشرف موروث. وكفاه فضلا، وحسبه نبلا قوله تعالى: (الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا) فجعل العلم غاية الجميع. وبين تعالى بقوله {ذلك لمن خشي ربه}، وقوله تعالى: {إنما يخشى لله من عباده لعلماء} أنه ليس للجنان، ومنازل الرضوان، أهل إلا العالمون، وأمر أعلم الخلق وأكملهم، وأعرف الأنبياء وأفضلهم، بطلب الزيادة من العلم فى قوله {وقل رب زدني علما} وعن النبى صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". والأحاديث والآثار فى فضل العلم وأهله كثير جدا. وقد أفردنا فى مصنف، وأوردنا أيضا فى شرح صحيح البخارى ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
وفى الجملة فالعلم كل أحد يؤثره ويحبه، والجهل كل أحد يكرهه وينفر منه. وكأن الإنسان (إنسان) بالقوة ما لم يعلم ويجهل جهلامركبا، فإذا حصل له العلم صار إنسانا بالفعل عارفا بربه، أهلا لجواره وقربه. و إذا جهل جهلا مركبا صار حيوانا، بل الحيوان خير منه. قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو هم يعقلون إن هم إلا كاأنعم بل هم أضل سبيلا) خزان المال ماتوا وهم أحياء، والعلماء باقون ما قى الدهر، وإن ماتوا فأعيانهم مفقودة، وأمثالهم فى القلوب موجودة. وإذا مات العالم انثلم بموته ثلمة فى الإسلام.
واعلم أنه تبين فى علم الأخلاق أن الفضائل الإنسانية التى هى الأمهات أربع. وهى العلم، والشجاعة، والعفة، والعدل. وما عدا هذه فهى فروع عليها أو تضاف إليها. فالعلم فضيلة النفس (الناطقة. والشجاعة فضيلة النفس الغضبية. والعفة فضيلة النفس) الشهوانية. والعدل فضيلة عامة فى الجميع.

ولا شك أن النفس الناطقة أشرف هذه النفوس، ففضيلتها أشرف هذه الفضائل أيضا، لأن تلك لا توجد كاملة إلا بالعلم، والعلم يتم ويوجد كاملا بدونها. فهو مستغن عنها، وهى مفتقرة إليه، فيكون أشرف. وأيضا أن هذه الفضائل الثلاث قد توجد لبعض الحيوانات العجماوات، والعلم يختص بالإنسان، ويشاركه فيه الملائكة. ومنفعة العلم باقية خالدة أبدا.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به).
والعلم مع اشتراكها فى الشرف يتفاوت فيه. فمنه ما هو بحسب الموضوع؛ كعلم الطب؛ فإن موضوعه بدن الإنسان؛ ولا خفاء بشرفه.
ومنه ما هو بحسب الغاية؛ كعلم الأخلاق؛ فإن غايته معرفة الفضائل الإنسانية، ونعمت الفضيلة.
ومنها ما هو بحسب الحاجة (إليه كعلم الفقه؛ فإن الحاجة ماسة إليه.
ومنه ما هو بحسب وثاقة الحجج. فالعلوم الرياضية؛ فإنها برهانية يقينية.
ومن العلوم ما يقوى شرفه باجتماع هذه الاعتبارات فيه أو أكثرها. فالعلم الإلهى المستفاد من كلام الله تعالى بالوحى الجلى والخفى؛ فإن موضوعه شريف، وغايته فاضلة، والحاجة إليه عظيمة.
واعلم أنه لا شىء من العلوم - من حيث هو علم - بضار، بل نافع. ولا شىء من الجهل - من حيث هو جهل - بنافع، بل ضار؛ لأنا سنبين عند ذكر كل علم منفعة: إما فى أمر المعاد أو المعاش.
إنما توهم فى بعض العلوم أنه ضار أو غير نافع؛ لعدم اعتبار الشروط التى تجب مراعاتها فى العلم والعلماء. فإن لكل علم حدا لا يتجاوزه، ولكل عالم ناموسا لا يخل به.
فمن الوجوه المغلطة أن يظن فى العلم فوق غايته؛ كما يظن بالطب أنه يبرئ جميع الأمراض؛ وليس كذلك، فإن كثيرا من الأمراض لا يبرأ بالمعالجة.

ومنها أن يظن بالعلم فوق مرتبته فى الشرف؛ كما يظن بالفقه أنه أشرف العلوم على الإطلاق؛ وليس كذلك؛ فإن التوحيد والعلم الإلهى أشرف منه قطعا.
ومنها أن يقصد بالعلم غير غايته؛ كمن يتعلم علما للمال والجاه؛ فإن العلوم ليس الغرض منها الاكتساب، بل الغرض منها الاطلاع على الحقائق، وتهذيب الخلائق. على أنه من تعلم علما للاحتراف لا يكون عالما، بل يكون شبيها بالعلماء.
ولقد كوشف علماء ما وراء النهر بهذا العلم وفظعوا به، لما بلغهم بناء المدارس ببغداد، وأصفهان، وشيرز، أقاموا مأتم (العلم وقالوا: كان) العلم يشتغل به أرباب الهمم العلية، والأنفس الزكية، الذين كانوا يقصدون العلم لشرفه، ولتحصيل الكمال به، فيصيرون علماء ينتفع بهم، وبعلمهم وإذا صار عليه أجرة تدانى إليه الأخساء والكسالى، فيكون ذلك سببا لارتفاعه.
ومن ههنا هجرت علوم الحكمة، وإن كانت شريفة لذاتها؛ قال الله تعالى "ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا" وفى الحديث (كلمة الحكمة ضالة كل حكيم) وفى لفظ (ضالة المؤمنين، فاطلب ضالتك ولو فى أهل الشرك) أى المؤمن يلتقطها حيث وجدها، لاستحقاقه إياها. وفى بعض الآثار (من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار).
ومن الأمور الموجبة للغلط أن يمتهن العلم بابتذاله إلى غير أهله؛ كما اتفق فى علم الطب؛ فإنه كان فى الزمن القديم حكمة موروثة عن النبوة، فهزل حتى تعاطاه بعض سفلة اليهود، فلم يتشرفوا (به) بل رذل بهم.
وقد قال أفلاطون: إن الفضيلة تستحيل رذيلة فى النفس الرذلة؛ كما يستحيل الغذاء الصالح فى البدن السقيم إلى الفساد. والأصل فى هذا كلمة النبوة القديمة (لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم).
ومن هذا القبيل الحال فى علم أحكام النجوم؛ فإنه ما كان يتعاطاه إلا العلماء، تشير به للملوك ونحوهم، فرذل حتى صار لا يتعاطاه إلا جاهل ممخرق يروج أكاذيبه بسحت لا يسمن ولا يغنى من جوع.
ومن الوجوه المتعينة أن يكون العلم عزيز المنال رفيع المرقى، قلما يتحصل غايته، فيتعاطاه من ليس من أكفائه؛ لينال بتمويهه عرضا دنيئا؛ كما اتفق فى علم الكيمياء، والسيمياء، والسحر، والطلسمات. وإنى لأعجب ممن يقبل دعوى من يدعى علما من هذه العلوم لدينه؛ فإن الفطرة السليمة قاضية بأن من يطلع على ذرة من أسرار هذه العلوم يكتمها عن والده وولده؛ فما الداعى لإظهارها، وكشفها! أو الباعث (عن) (إيداعها) ونشرها! فلتعتبر هذه الأمور وأمثالها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مقدمة عبد العزيز الداخل دورة أحكام الصيام 2 8 رجب 1431هـ/19-06-2010م 07:18 PM


الساعة الآن 03:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir