دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات شراح الأحاديث > مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ربيع الأول 1433هـ/22-02-2012م, 12:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري


قال محمدُ عبدُ الرحمنِ بنِ عبدِ الرحيمِ المُبَارَكْفُوري (ت: 1353هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونسعينه، ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، الراجي رحمة ربه الكريم، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الرحيم، جعل الله مآلهما النعيم المقيم: إني قد فرغت بعونه تعالى من تحرير المقدمة إلي كنت أردت إيرادا في أول شرحي لجامع الترمذي، والآن قد حان الشروع في تحرير الشرح، وفقني الله تعالى لإتمامه، وأعانني عليه بفضله وكرمه وسمته «تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي» ربنا تقبل من إنك أنت السمع العليم، وانفع به كل من يرومه من الطالب المبتدى والراغب المنتهي، واجعله لنا من الباقيات الصالحات، ومن الأعمال التي لا تنقطع بعد الممات.
اعلم زادك الله علما نافعا: أني رأيت أن أكثر شراح كتب الحديث قد بدؤوا شروحهم بذكر أسانيدهم إلى مصنفها، وحكى الحافظ بن حجر في «فتح الباري» عن بعض الفضلاء: أن الأسانيد أنساب الكتب، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الترمذي رحمه الله تعالى، فأقول: إن قرأت جامع الترمذي من أوله إلى آخره على شيخنا: العلامة السيد محمد نذير حسين، المحدث الدهلوي، رحمه الله تعالى سنة ست بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية، في دهلي، فأجازني به، وبجميع ما قرأت عليه من كتب الحديث وغيرها، وكتب لي الإجازة بخطه الشريف، وهذه صورتها.
الحمد لله رب العالمين: والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، طالب الحسنين، محمد نذير حسين، عافه الله تعالى في الدارين، إن المولوي الذكي، أبا العلي، محمد عبد الرحمن بن الحافظ الحاج بعد الرحيم الأعظم كدهي، المباركفوري، قد قرأ على صحيح البخاري وصحيح مسلم وجامع الترمذي
[تحفة الأحوذي: 1/3]
وسنن أبي داود كل واحد منه بتمامه وكماله، وأواخر النسائي، وأوائل ابن ماجه، ومشكاة المصابيح، وبلوغ المرام، وتفسير الجلالين، وتفسير البيضاوي، وأوائل الهداية وأكثر شرح نخبة الفكر، وسمع ترجمة القرآن المجيد إلا ستة أجزاء، فعليه أن يشتغل بإقراء الكتب المذكورة، والموطأ وسنن الدرامي والمنتقى، وغيرها من كتب الحديث والتفسير والفقه، وتدريسها، لأنه أهلها بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، وإني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأروع البارع في الآفاق محمد إسحق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ الأجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ القرم المعظم بقية السلف وحجة الخلف الشاه ولى الله المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، وباقي السند مكتوب عنده.
وأوصيه بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، وإشاعة السنة السنية بلا خوف لومة لائم حرر سنة 1306 الهجرية المقدسة.
قلت: باقي السند هكذا: قال الشاه ولى الله. قرأت طرفا من جامع الترمذي على أبي الطاهر: يعني محمد بن إبراهيم الكردي المدني، وأجاز لسائره عن أبيه يعني إبراهيم الكردي المدني، عن المزاحي، يعني السطان بن أحمد، عن الشهاب أحمد بن الخليل السبكي، عن النجم الغيطي، عن الزين زكريا، عن العز عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن عمر بن الحسن المراغي، عن الفحر بن أحمد البخاري، عن عمر بن طبر زد البغدادي، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروخي، أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الأزدي، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد ابن عبد الله الجراحي المرزوي، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي.
قلت: وإني قرأت أطرافا من جامع الترمذي وغيره من الأمهات الست وغيرها على شيخنا العلامة الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني، فأجازني لسائر ما قرأت عليه من كتب الحديث، بل لجميع ما حواه إتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر، من الكتب الحديثية وغيرها، وكتب لي الإجازة وهذه صورتها.
الحمد لله الذي توارت علينا فضله وإحسانه، الموصول إلينا بره وامتنانه، والصلاة
[تحفة الأحوذي: 1/4]
والسلام على من صح سند كمالاته، وتسلسل إلينا مرفوع ما وصل من هباته، وعلى آله وأصحابه، وناصريه وأحزابه.
وبعد: فإنه وقع الاتفاق في بلدة آره بالمولوي محمد عبد الرحمن: المتوطن مباركبور من توابع أعظم كده، وقرأ على أطرافا من الأمهات الست، ومن موطأ الإمام مالك ومن مسند الدارمي، ومن سند الإمام الشافعي، والإمام أحمد، ومن الأدب المفرد للبخاري، ومن معجم الطبراني الصغير، ومن سنن الدارقطني، وطلب مني الإجازة بعد القراءة، ووصل سنده بسند مؤلفيها الأجلاء القادة، فأسعفته بمطلوبه، تحقيقا لظنه ومرغوبه، وإن كنت لست أهلا لذلك ولا ممن يخوض في هذه المسالك، ولكن تشبها بالأئمة الأعلام السابقين الكرام.
وإذا أجزت مع القصور فإنني = أرجو التشبه بالذين أجازوا
للسالكين إلى الحقيقة منهجا = سبقوا إلى غرف الجنان ففازوا
فأقول وبالله التوفيق: إني قد أجزت المولوي محمد عبد الرحمن المذكور أن يروى عني هذه الكتب المذكورة بأسانيدها المتصلة إلى مؤلفيها، المذكورة في ثبت شيخ مشايخنا الإمام الحافظ الرباني، القاضي محمد بن علي الشوكاني، المسمى «بإتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر» مع بيان كل إسناد إلى مؤلفه، بل أجزته أن يروى عني جميع ما حواه إتحاف الأكابر من الكتب الحديثية وغيرها، أجازني برواية جميع ما فيه شيخاي: الشريف محمد بن ناصر الحسنى الحازمي، وشيخنا القاضي العلامة أحمد بن الإمام المؤلف محمد بن على الشوكاني كلاهما عن مؤلفه الإمام الحافظ الرباني محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن، ومتابعة السنن، وأن لا ينساني من صالح دعواته في كل حالاته، ومشايخي ووالدي وأولادي، وفقنا لله وإياه لما يرضاه، وسلك بنا وبه بطريق النجاة، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم، مؤرخه يوم الأحد لأثنى عشرة خلون من شهر شعبان أحد شهور ألف وثلاثمائة وأربعة عشر من الهجرة النبوية، على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى التسليم والتحية، أملاه المجيز بلسانه، الحقير الفقير إلى إحسان ربه الكريم الباري، حسين ابن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني، عفا الله عنه.
قلت: ثبت شيخ شيوخ مشايخنا القاضي الشوكاني المسمى بإتحاف الأكابر عندي موجود، نقلته من نسخة قلمية صحيحة، منقولة من خط تلميذ المصنف والمجاز منه الشيخ
[تحفة الأحوذي: 1/5]
العلامة أبي الفضل عبد الحق المحمدي، والآن قد طبع هذا الثبت المبارك، وشاع، وقد ذكر القاضي الشوكاني مصنف هذا الثبت أسانيد جامع الترمذي في فصل السين، فقال: سنن الترمذي أرويها بالسماع لجميعها من لفظ شيخنا السيد العلامة عبد القادر أحمد بإسناده المتقدم في تفسير الثعلبي، إلى الشماخي، عن أحمد بن محمد الشرجي اليمني، عن زاهر بن رستم الأصفهاني، عن القاسم بن أبي سهل الهروي، عن محمود بن القاسم، الأزدي، عن عبد الجبار بن محمد المروزي، عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا المذكور بإسناده المتقدم في أول هذا المختصر إلى محمد البابلي، عن النور علي بن حيي الزيادي، عن الرملي، بإسنااده المتقدم قريبا إلى ابن طبرزد، عن عبد الملك بن أبي سهل الكروخي، عن محمود بن القاسم الأزدي، عن عبد الجبار ابن محمد المروزي، عن محمد بن محبوب المروزين عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا المذكور، عن محمد بن الطيب المغربي، عن إبراهيم بن محمد المراغي، عن أحمد بن محمد العجلي، عن يحيي بن مكرم الطبري، عن جده المحب الطبري، عن الزين المراغي، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار، عن أبي النجا عبد الله ابن عمر اللتي، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، عن أبي عامر الأزدي، عن أبي محمد الجراحي، عن أبي العباس المحبوبي عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا السيد علي بن إبراهيم بن عامر بإسناده السابق في سنن أبي داود إلى الديبع، عن السخاوي، عن ابن حجر ، عن البرهان التنوخي، عن أبي القاسم ابن عساكر، عن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود، عن محمد بن علي بن صالح، عن أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن المؤلف.
وأرويها عن شيخنا السيد علي المذكور، وشيخنا الحسن بن إسماعيل المغربي بالإسناد المتقدم في سنن أبي داود إلى علي بن أحمد المرحومي، عن إبراهيم الذماري، عن الشهاب القليوبي، عن النور الزيادي، عن الشمس الرملي، عن زكريا الأنصاري، عن الشمس القاياتي، عن أحمد بن أبي زرعة، عن أبيه، عن الزين عبد الرحيم العراقي، عن عمر العراقي، عن علي بن البخاري، عن ابن طبرزد بإسناده السابق إلى المؤلف.
وأرويها عن شيخنا يوسف بن محمد بن علاء الدين المزجاجي، عن أبيه عن جده عن إبراهيم الكردي بإسناده المتقدم في سنن أبي داود إلى طبرذد بإسناده المذكور ههنا إلى المؤلف، انتهي ما في إتحاف الأكابر.
[تحفة الأحوذي: 1/6]
قلت: قد قال العلامة الشوكاني في خطبة هذا الثبت، قد اقتصرت في الغالب على ذكر إسناد واحد، وأحلت في أسانيد البعض على البعض طلبا للاختصار، انتهى. فعليك: أن ترجع إلى إتحاف الأكابر لتقف على ما أحال عليه في أسانيد جامع الترمذي بعضها على البعض، وأنا أذكر ههنا إسناده المتقدم في تفسير الثعلبي إلى الشماخي، قال الشوكاني: تفسير الكشف والبيان في تفسير القرآن: أرويه عن شيخي السيد عبد القادر بن أحمد، عن شيخه بن عمر الأهدل، عن السيد العلامة أبي بكر بن علي البطاح الأهدل، عن يوسف ابن محمد البطاح الأهدل، عن السيد طاهر بن حسين الأهدل، عن الحافظ الدبيع، عن زين الدين الشرجي، عن نفيس الدين العلوي، عن أبيه، عن أحمد بن أبي الخير الشماخي إلخ.
وها أنا أشرع في المقصود، متوكلا على الله الملك الودود، وما توفيقي إلا بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[تحفة الأحوذي: 1/7]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 ربيع الثاني 1433هـ/23-02-2012م, 10:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول العبد الضعيف، محمد عبد الرحمن بن الحافظ عبد الرحيم المباركفوري عفا الله عنه تعالى عنهما: إني قرأت هذا الكتاب المبارك، أعنى «جامع الترمذي» من أوله إلى آخره، على شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى، أجازني به وقال: إني حصلت القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ المكرم الأروع البارع في الآفاق، محمد إسحاق، المحدث الدهلوي، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن الشيخ الأجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي، وهو حصل القراءة والسماعة والإجازة عن أبيه الشيخ القرم المعظم بقية السلف حجة الخلف الشاه ولى الله بن الشاه عبد الرحيم المحدث الدهلوي، وقال الشاه ولى الله: قرأت علي أبي الطاهر المدني طرفا من جامع الترمذي وأجاز لسائره، عن أبيه، عن المزاحي، عن الشهاب أحمد السبكي عن النجم الغيطي، عن الزين زكريا، عن العز عبد الرحيم بن محمد الفرات، عن عمر ابن الحسن المراغي، عن الفخر بن أحمد البخاري، عن عمر بن طبرزد البغدادي، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أب القاسم إلخ...
[تحفة الأحوذي: 1/8]
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل الهروي الكروخي في العشر الأول من ذي الحجة سنة 547 سبع وأربعين وخمسمائة، بمكة شرفها الله وأنا أسمع. قال: أنا القاضي الزاهد أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الأزدي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع في ربيع الأول من سنة اثنين وثمانين وأربعمائة، قال الكروخي: وأخبرنا الشيخ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن إبراهيم الترياقي، والشيخ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد الفورجي رحمهما الله قراءة عليهما وأنا أسمع في ربيع الآخر من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، قالوا أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح الجارحي المروزي المرزباني قراءة عليه، أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي، فأقر به الشيخ الثقة الأمين.


قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح الكتاب بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم، واقتفاء بكتب نبيه الكريم، وعملا بحديثه في بداءة كل أمر ذي بال ببسم الله الرحمن الرحيم، وهو ما أخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه من حديث أبي هريرة مرفوعا «كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» واقتصر المصنف على البسملة كالإمام البخاري في صحيحه، وكأكثر المتقدمين في تصانيفهم، ولم يأت بالحمد والشهادة، مع وردود قوله صلى الله عليه وسلم «كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله فهو أقطع» وقوله «كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء» وأخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة، لما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: من أن الحديثين في كل منهما مقال، سلمنا صلاحيتهما لحجة لكن ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معا، فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارا على البسملة، لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله، وقد حصل بها، انتهى كلام الحافظ، قلت: قد جاء في رواية لفظ «ذكر الله»، ففي مسند الإمام أحمد: حدثنا أبي حدثنا يحيي بن آدم حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع» فبهذه الرواية يجمع بين الروايات الثلاث المختلفة المتقدمة، قال تاج الدين السبكي في أول طبقات الشافية في الجمع بين هذه الروايات الثلاث المختلفة ما لفظه: وأما الحمد والبسملة فجائزان، يعني بهما ما هو الأعم منهما وهو ذكر الله والثناء عليه على الجملة، إما بصيغة الحمد أو غيرها، ويدل على ذلك رواية ذكر الله، وحينئذ فالحمد والذكر والبسملة سواء، وجائز أن يعنى خصوص الحمد خصوص البسملة، وحينئذ فرواية الذكر أعم، فيقضى لها على الروايتين الأخريين لأن المطلق إذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل واحد منهما، ويرجع إلى أصل الإطلاق، وإنما قلنا إن خصوص
[تحفة الأحوذي: 1/9]
الحمد والبسملة متنافيان، لأن البداءة إنما تكون بواحد، ولو وقع الابتداء بالحمد لما وقع بالبسملة وعكسه، ويدل على أن المراد الذكر، فتكون روايته هي المعتبرة [و] أن غالب الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كالصلاة فإنها مفتتحة بالتكبير والحج وغير ذلك، فإن قلت: لكن رواية بحمد الله خصوص لفظ الحمد، ولم لا يكون المراد ما هو أعم من لفظ الحمد والبسملة، ويدل عل ذلك ما ذكرت لك من الأعمال الشرعية التي لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه، انتهي كلام التاج السبكي، ثم قال الحافظ ابن حجر في تأييد كلامه المذكور: ويؤيده أن أول شيء تزل من القرآن أقرأ باسم ربك، فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة، ويؤيده أيضا وقوع كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وحديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وغير ذلك من الأحاديث انتهى.
تنبيه: قال الشيخ بدر الدين العيني في عمدة القارئ شرح البخاري: اعتذروا عن البخاري أي عن اقتصاره على البسملة بأعذار هي بمعزل عن القبول، ثم ذكر العيني سبعة أعذار، واعترض على كل واحد منها ثم قال: والأحسن فيه ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه ذكر الحمد بعدد التسمية كما هو دأب لمصنفين في مسودته، كما ذكره في بقية مصنفاته، وإنما سقط ذلك من بعض المبيضين فاستمر على ذلك. انتهى كلام العيني، قلت: هذا الاعتذار أيضا بمعزل عن القبول، فإنه ليس بحسن فضلا عن أن يكون أحسن، بل هو أبعد الأعذار كلها، فإن قوله: إنه ذكر الحمد بعد التسمية في مسودته إلخ إدعاء محض لا دليل عليه. وأما قوله كما هو دأب المصنفين فيدل على أنه لم ير تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه، وأهل عصره وغيرهم من المتقدمين، فإنه لم يكن دأبهم في ابتداء تصانيفهم ذكر الحمد بعد التسمية، بل كان دأبهم الاقتصار على التسمية، كما صرح به الحافظ ابن حجر، وأما قوله كما ذكره في بقية مصنفاته، فيدل على أنه لم ير بقية مصنفات البخاري أيضا، فإن من مصنفاته الأدب المفرد وكتاب خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وكتاب الضعفاء والتاريخ الصغير وجزء القراءة خلف الإمام وجزء رفع اليدين،
[تحفة الأحوذي: 1/10]
ولم يذكر في ابتداء واحد من هذه الكتب الحمد بعد التسمية، بل اقتصر في كل منها على التسمية: قال الحافظ في الفتح: وأبعد من ذلك كله قول من ادعى أنه ابتداء الخطبة فيها حمد وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب، وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره، كما لك في الموطأ وعبد الرازق في المصنف وأحمد في المسند وأبي داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة، أفيقال في كل من هؤلاء إن الرواة عنه حذفوا ذلك؟ كلا بل يحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظا، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد: أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب الحديث، ولا يكتبها، والحامل له على ذلك إسراع أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصا بالخطب دون الكتب، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم والله تعالى أعلم, انتهى كلام الحافظ.
تنبيه آخر: قد اختلفوا في حديث الحمد المذكور، فبعضهم ضعفوه كالحافظ ابن حجر، وبعضهم حسنوه كالحافظ ابن الصلاح، وبعضهم صححوه كابن حبان، قال العيني: «في عمدة القارئ»: الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة كما أخرجه النسائي، انتهى، قلت: قد وقع في إسناده ومتنه اختلاف كثير، وقد استوعب طرقه وألفاظه تاج الدين السبكي في أول كتاب طبقات الشافعية الكبرى، وبسط الكلام في بيان ما وقع إسناده ومتنه من الاختلاف، ثم في دفعه، وقال في آخر كلامه ما لفظه: هذا منتهى الكلام على الحديث، ولا ريب في أنه بعد ثبوت صحته ورفعه مسندا غير بالغ مبلغ الأحاديث المتفق على أنها مسندة، ولكن الصحيح مراتب، انتهى كلام السبكي، وقال في أثناء كلامه: وقد قضى ابن الصلاح بأن الحديث حسن دون الصحيح، وفوق الضعيف؛ محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة، قال: فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له انتهى.
فائدة: قال الحافظ في الفتح: اختلف القدماء فيم إذا كان الكتاب كله شعرا، فجاء عن الشعبي منع ذلك، يعني كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في أوله، وعن الزهري
[تحفة الأحوذي: 1/11]
قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك الجمهور، وقال الخطيب هو المختار انتهى، وقال القارئ في المرقاة: والأحسن التفصيل، بل هو الصحيح، فإن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح، فيصان إيراد البسملة في الهجويات ومدائح الظلمة ونحوها. انتهى.
قوله: أخبرنا الشيخ «أبو الفتوح» قائله عمر بن طبرزد البغدادي تلميذ أبي الفتح عبد الملك، (عبد الله بن أبي سهل) بالجر هو اسم أبي القاسم (الهروي) بالهاء والراء المهملة المفتوحتين نسبة إلى الهراة مدينة مشهور بخراسان كذا في المغني للعلامة محمد طاهر صاحب مجمع البحار، (الكروخي) بفتح الكاف وضم الراء الخفيفة وبالخاء المعجمة منسوب إلى كروخ من بلاد خراسان، والمراد به عبد الملك بن أبي القاسم رواي الترمذي، كذا في المغني، وقال في القاموس، كروخ كصبور قرية بهراة انتهى.
فائدة: قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته: قد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم مسكن القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان وأضاع كثير منه أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، قال: ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما بالانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة «ثم» فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا «فلان المصري ثم الدمشقي» ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينسب إلى القرية أو إلى البلدة أيضا وإلى الناحية التي تلك البلدة منها أيضا. انتهى.
(وأنا أسمع) جملة حالية، أي قال عمر بن طبرزد، أخبرنا أبو الفتح والحال أني كنت سامعا (قال أنا القاضي) أي قال الكروخي: أخبرنا القاضي، فقوله «أنا» رمز إلى أخبرنا، قال النووي في مقدمة شرح مسلم: جرت العادة بالاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا، واستمر الاصطلاح عليه من قديم الأعصار إلى زماننا واشتهر ذلك بحيث لا يخفى، فيكتبون من حدثنا «ثنا» وهي الثاء والنون والألف، وربما حذف الثاء، ويكتبون أخبرنا «أنا» ولا تحسن زيادة الباء قبل نا. انتهى.
[تحفة الأحوذي: 1/12]
فائدة: قال النووي: كان من مذهب مسلم رحمه الله الفرق بين حدثنا وأخبرنا: أن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، وأخبرنا لما قرئ على الشيخ، وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه. وجمهور أهل العلم بالمشرق، قال محمد بن الحسن الجوهري المصري، وهو مذهب أكثر أهل الحديث الذين لا يحصيهم أحد، وروى هذا المهب أيضا عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب، وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، وتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ هو الشائع بين أهل الحديث اصطلاحا انتهى، قلت وكذا الإخبار من حيث اللغة، وفي إدعاء الفرق بينهما تكلف شديد، لكن لما تقرر في الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية، فتقد على الحقيقة اللغوية، مع أن هذا الاصطلاح، إنما شاع عند المشارقة ومن تبعهم، وأما غالب المغربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح، بل الإخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد انتهى كلام الحافظ، قلت: وهو مذهب الإمام البخاري، واعلم أن ههنا تفصيلا آخر، وهو أن من سمع وحده من لفظ الشيخ قال حدثني، ومن سمع مع غيره جمع، فقال حدثنا، وكذا الفرق بين أخبرن وبين أخبرنا (الأزدي) منسوب إلى الأزد: بفتح الهمزة المفتوحة وسكون الزاي المعجمة، قبيلة (قراءة عليه وأنا أسمع)، فقوله قراءة مصدر بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل، منصوب على الحالية، قال السيوطي في تدريب الراوي، قول الراوي أخبرنا سماعا أو قراءة هو من باب قولهم «أتيته» سعيا وكلمته مشافهة، وللنحاة فيه مذاهب: أحدها وهو رأي سيبويه أنها مصادر وقعت موقع فاعل حالا، كما وقع المصدر موقعه نعتا، في «زيد عدل» وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس، فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع، لعدم نطق العرب بذلك، الثاني وهو للمبرد: ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها، وذلك المضمر هو الحال، وانه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم، وعلى هذا تتخرج الصيغة المذكورة، بل كلام ابن حبان في تذكرته يقتضى أن أبخرنا سماعا مسموع، وأخبرنا قراءة لم يسمع،
[تحفة الأحوذي: 1/13]
وأنه يقاس على الأول على هذا، القول الثالث: وهو للزجاج، قال بقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس، الرابع: وهو للسيرافي، قال هو من باب «جلست قعودا» منصوب بالظاهر، مصدرا معنويا, انتهى كلام السيوطي (الترياقي) منسوب إلى الترياق: بالكسر قرية بهراة (الغورجي) قال في المغني: بمضمومة وسكون واو وبراء وجيم منسوب كذا، والمراد منه أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل أحد مشايخ الكروخي في الترمذي، انتهى، قال في القاموس في باب الغور: الغورة بالضم قرية عند باب هراة وهو غورجي على خلاف القياس انتهى (قالوا) أي الأزدي والترياقي والغورجي، وهم شيوخ الكروخي، (الجراحي) قال، في المغني، بمفتوحة وشدة راء وبحاء مهملة منه، عبد الجبار بن محمد انتهى، (المروزي) منسوب إلى مرو، قال في القاموس، بلد بفارس، ولانسبة مروى ومروى ومروزي انتهى، وقال فيه أيضا: المروزي نسبة إلى مرو بزيادة زاي مدينة خراسان انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير المروى بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة، وأما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها زيادة الزاي، كأنه للفرق بين القريتين انتهى (المرزباني) قال في المغني: بمفتوحة وسكون راء وضم زاي وبموحدة وبنون، منسوب إلى مرزبان: جد محمد بن أحمد راوي الترمذي انتهى. وقالت فيه أن المرزباني وقع نعتا لأبي محمد عبد الجبار لا لمحمد بن أحمد، وقال في القاموس: المرزبة كمرحلة رئاسة الفرس، وهو مرزبانهم بضم الزاي مرازبة، (أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوب المروزي فأقربه الشيخ الثقة الأمين)، هكذا وقعت هذه العبارة في النسخ المطبوعة في الهند بزيادة لفظ «فأقربه الشيخ الثقة الأمين» بعد المروزي، وقد وقعت هذه العبارة في بعض النسخ القلمية الصحيحة هكذا: أنا الشيخ الثقة الأمين أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ابن فضيل المحبوبي المروزي، بحذف لفظ فأقربه، ووقوع لفظ الشيخ الثقة الأمين بعد
[تحفة الأحوذي: 1/14]
لفظ أنا، وهكذا وقعت هذه العبارة ف الإثبات الصحيحة، كثبت الكردي والكزبري والشنواني والشاه ولى الله، وهذا مما أفادني شيخنا العلامة القاضي حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي السعدي اليماني غفر الله له، وقعد وقعت هذه العبارة في نسخة قلمية صحيحة، عتيقية هكذا: قال أنبا أبو العباس محمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي الشيخ الثقة الأمين قال أنبأ أبو عيسى بن سورة الترمذي، بحذف لفظ فأقر به، وهذه النسخة موجودة في مكتبة خدا بخش خان العظيم أبادي.
تنبيه: العبارة التي وقعت في بعض النسخ القلمية والإثبات الصحيحة معناها ظاهر واضح وكذا العبارة التي وقعت في النسخة القلمية العتيقة معناها واضح، وأما العبارة التي وقعت في النسخ المطبوعة فقد جزم بعض أهل العلم بأن جملة فأقربه الشيخ الثقة الأمين فيها غلط لا يستقيم معناها.
قلت: هذه الجملة فيها ليست عندي بغلط بل هي صحيحة معناها مستقيم، فاعلم أن المراد بالشيخ الثقة الأمين في هذه الجملة أبو محمد عبد الجبار، أن القاضي الزاهد أبا عامر والشيخ أبا نصر عبد العزيز والشيخ أبا بكر بن عبد الصمد من تلامذة أبي محمد عبد الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه، بأن كان أحد من تلامذته يقرؤه عليه والباقون كانوا يسمعون، والشيخ أبو محمد عبد الجبار كان مصغيا فاهما غير منكر، وكان قراءة القارئ عليه هكذا، قلت: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ابن فضيل المحبوبي المروزي إلخ فأقربه الشيخ الثقة الأمين، أي أبو محمد عبد الجبار يعني فأقر بما قرئ عليه، ولم ينكر فصح سماعهم منه وجاز لهم الرواية عنه، وينبغي لكل من يقرأ هذا الكتاب على شيخه ويعرضه عيه أن يقول بعد قوله قراءة عليه، قيل له قلت أخبرنا أبو العباس إلخ، ولا بدلنا من أن نذكر ههنا بعض عبارات تدريب الراوي وغيره ليتضح لك ما قلنا في تصحيح الجملة المذكورة، قال السيوطي في التدريب، القسم الثاني من وجوه التحمل، القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر المحدثين عرضا، سواء قرأت عليه بنفسك أو قرأ عليه غيرك وأنت تسمع، والأحوط في الرواية بها أن يقول على قرأت على فلان إن قرأ بنفسه، أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به، ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة: كحدثنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع، أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة
[تحفة الأحوذي: 1/15]
عليه وأنا أسمع انتهى، وقال فيه، وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظا صح السماع وجازت الراوية به! اكتفاء بالقرائن الظاهرة، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم، على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض أصحاب الشافعية والظاهر بين نطقه انتهى كلام السيوطي ملخصا، وقال النووي في مقدمة شرح مسلم، جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها، وإذا كان في الكتاب: قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارئ، قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان، انتهى كلام النووي، فإذا وقفت على هذه العبارات وعرفت مدلولها يتضح لك ما قلنا في تصحيح جملة فأقربه الشيخ الثقة الأمين إن شاء الله تعالى.
تنبيه: قال صاحب العرف الشذى في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه: المراد بالشيخ هو المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين، وهذه العبارة يعني فأقربه الشيخ الثقة الأمين ليست في النسخ المعتبرة، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب، وكان علم من قلبه بالصدور، فإذا صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي بكتابه وصحته، فلذا قال تلميذ المحبوبي أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه باطل جدا، فإن مبناه على أن علم من قبل الشيخ المحبوبي من أصحاب الكتب الستة وغيرهم كان في الصدور ولم يكن في الكتاب، وهذا باطل ظاهر البطلان، وقد عرفت في المقدمة أن تدوين الأحاديث وجمعها في الكتاب قد حدث في أواخر عصر التابعين، قال الحافظ في مقدمة الفتح، إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصره وعصر أصحابه وتبعهم مدونة في الجوامع، إلى أن قال: ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء بالأمصار وكثر الابتداع اهـ.
وتنبيه آخر: قال بعضهم في توجيه الجملة المذكورة: إن قوله فأقربه الشيخ الثقة الأمين يحتمل وجهين أحدهما أن يقال: بأن المراد بالشيخ الثقة الأمين هو أبو العباس الذي تلميذه أبو محمد عبد الجبار، والمعنى على هذا الوجه: أن القاضي الزاهد أبا عامر أو الشيخ
[تحفة الأحوذي: 1/16]
أبا نصر أو الشيخ أبا بكر الذين هم تلامذة أبي محمد عبد الجبار قد سأل أستاذ أستاذه أعنى أبا العباس عن أنك أخبرت تلميذك أبا محمد عبد الجبار بهذا الكتاب فأقر به، أي بالإخبار بهذا الكتاب أبو العباس وأجاب بإقرار الإخبار، وثانيهما أن يراد بالشيخ الثقة الأمين أبو محمد عبد الجبار، ويكون المعنى على هذا أنه سأله أحد تلامذته وهم القاضي الزاهد أبو عامر وأبو نصر وأبو بكر عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس فأقر به أبو محمد عبد الجبار بأخذ هذا الكتاب من شيخه أبي العباس، هذا هو الوجه الثاني، فعلى كلا الوجهين: الضمير في قوله به راجع إلى الإخبار بهذا الكتاب الذي يفهم ضمنا، وفاعل قوله أقر المعبر عنه بالشيخ الثقة الأمين إما أبو العباس، وإما أبو محمد عبد الجبار انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه أيضا ليس بشيء، فإن في كلا الوجهين من هذا التوجيه نظرا، أما الوجه الأول: فلآن مبناه على أن أحد من تلامذة أبي محمد عبد الجبار المذكورين قد لقي أستاذ أستاذه أعنى أبا العباس، وهذا إدعاء محض، فلا بد لهذا البعض أن يثبت أولا لقاءه منه ثم بعد ذلك يتوجه إلى هذا الوجه ودونه خرط القتاد، وأما الوجه الثاني ففيه أن أبا محمد عبد الجبار، لما حدث تلامذته المذكورين بلفظ أخبرنا أبو العباس فبعد سماعهم هذا اللفظ منه لا معنى لسؤال أحد تلامذته عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس، فتكر.
تنبيه آخر قال صاحب الطيب الشذى: في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه: الظاهر أن المراد بالشيخ الثقة أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، فقائل هذا القول هو أبو محمد عبد الجبار الجراحي، فالمعنى أن تلامذة أبي العباس لما قرؤوا الكتاب على أستاذهم أبي العباس فقال لهم: نعم هذا كنت قرأت عليكم انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه أيضا باطل ظاهر البطلان، فإن تلامذة أبي العباس إما كانوا قرؤوا الكتاب على أستاذهم أبي العباس وكان هو ساكنا مصغيا لقراءتهم أو كان هو القارئ وهم كانوا ساكتين مصغين لقراءته، فعلى التقدير الأول لا معنى لقوله، فقال لهم نعم هكذا كنت قرأت عليكم، وعلى التقدير الثاني لا معنى لقوله لما قرؤوا الكتاب فتفكر ثم قال ويمكن أن يكون المراد من الثقة الأمين هو عبد الجبار، وقائل قوله فأقر به أيضا
[تحفة الأحوذي: 1/17]
عبد الجبار، فالمعنى أن تلامذة عبد الجبار قالوا له أخبرك أبو العباس؟ فقال: نعم أخبرني أستاذي أبو العباس. فهذا معنى قوله فأقر به الشيخ الثقة الأمين. انتهى.
قلت: قد أخذ هذا صاحب الطيب الشذي من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين لبعضهم، ولكنه قد تخبط في قوله، وقائل قوله أقر به أيضا عبد الجبار.
[تحفة الأحوذي: 1/18]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 محرم 1437هـ/20-10-2015م, 04:50 AM
أبو مالك العوضي أبو مالك العوضي غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 94
افتراضي

وفقكم الله وسدد خطاكم

هل انتهيتم من كتابة (المقدمة) ؟ يرجى الرد عاجلا مع الشكر


التوقيع :
[ إذا استفدت من المشاركة فادع الله أن يغفر لي ويتوب علي ]

صفحتي على تويتر : أبو مالك العوضي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمة, تحفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir