دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1437هـ/18-09-2016م, 03:48 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي


تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
الدرس (هنا)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ذو الحجة 1437هـ/23-09-2016م, 01:15 AM
سها حطب سها حطب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

تفسير سُورَةُ الْعَصْرِ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}
.
سورة العصر سورة مَكِّيَّةٌ عظيمة المعاني على قصرها؛ فقد قالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ( لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَوَسِعَتْهُمْ)،يعني: كفتهم موعظةً.

· أقسم الله تعالى بـ{الْعَصْرُ}: وهو الدهر أو الزَّمَانُ الذي هو الليل والنهار، وتختلف أوقاته شدة ورخاء، وحرباً وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً.
· وجواب القسم{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.
والمقصود بالإنسان هنا جنس الإنسان، فكل الناس فِي خَسَارَةٍ وَهَلَاكٍ، والخاسر ضد الرابح، وقوله {لفي خسر} أبلغ من قوله: (لخاسر) وذلك أن «في» للظرفية فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب.
· والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان.
· ثم استثنى سبحانه من اتصف بأربع صفات، فراعها انتباهك جعلني الله وإياك من المتصفين بها الفائزين غير الخاسرين:

الصفة الأولى : {الذين آمَنُوا آمنوا بِقُلُوبِهِمْ بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلّم حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» .
ففي هذا الحديث يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان، فالإيمان لا يكون بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مؤمن خالص الإيمان؛ إيماناً لا شك فيه ولا تردد

والقسم الثاني: كافر جاحد منكر.
والقسم الثالث: متردد.

والناجي من هؤلاء القسم الأول الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه.
- فيؤمن بوجود الله، وربوبيته، وألوهيته، وبأسمائه وصفاته عز وجل.
- ويؤمن بالملائكة وهم عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم.
- كذلك نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام،
- ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا، نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً.
- ونؤمن باليوم الآخر هو يوم البعث يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء، ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، وتؤمن كذلك بالجنة والنار.
- ونؤمن بالقدر: وهو تقدير الله عز وجل، فتؤمن بأن الله تعالى قدر كل شيء، وذلك أن الله خلق القلم فقال له: اكتب. قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة.


والصفة الثانية: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بِجَوَارِحِهِمْ وقلوبهم، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وبر للوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك فلم يقتصروا على مجرد ما في القلب بل عملوا وأنتجوا.
و{الصالحات} هي التي اشتملت على شيئين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.

والصفة الثالثة: {وتَواصَوْا بِالْحَقِّ }أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والحق َهُوَ الإيمان، وأَدَاءُ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكُ المحرمات؛ فهو الشرع جملة.

والصفة الرابعة:{وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ}
والصبر حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام:


القسم الأول: الصبر على طاعة الله.
فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45] . أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فيكسل عن صلاة الجماعة أو إذا وجد زكاة ماله كثيرة شح بها فيوصي المؤمنين بعضهم بعضا بالصبر على الطاعة.
القسم الثاني:الصبر عن محارم الله.
فبعض الناس تجره نفسه إلى أكساب محرمة إما بالربا، وإما بالغش، وإما بالتدليس أو يبتلى بالنظر إلى النساء ، فيقال له: يا أخي اصبر نفسك عن هذا الشيء.
القسم الثالث: الصبر على أقدار الله.
ويتواصون على أقدار الله، فقد يصاب الإنسان بمرض في بدنه، أو يصاب بفقد شيء من ماله، أو بفقد أحبته فيجزع ويتسخط ويتألم، فيتواصون فيما بينهم بالصبر، وأسوتهم في ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال لإحدى بناته: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب».
ويدخل في الصبر أيضًا الصبر على أَذَى مَنْ يُؤْذِي مِمَّنْ يَأْمُرُونَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ.

فبالأمرين الأولين: الإيمان والعمل الصالح، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين : التواصي بالحق والتواصي بالصبر، يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم.


نسأل الله أن يجعلنا من الرابحين الموفقين، إنه على كل شيء قدير.


التفاسير المعتمدة:
معاني القرآن وإعرابه للزجاج
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الرحمن في تفسير القرآن لابن سعدي
تفسير ابن عثيمين

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ذو الحجة 1437هـ/23-09-2016م, 05:41 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى :(اهدنا الصراط المستقيم):

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد:
اعلم رحمك الله أن حاجة العباد إلى الهداية أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولّما كان حاجة العباد على هذا النحو أمر الله العباد أن يستهدوه وأن يسألوه فيفوزوا بأجلّ مطلوب وأحسن مرغوب ما يُدخل عليهم السعادة الأبدية فيتمتعون بشيء منها في دنياهم ويكون مآلهم رضا لا يُنزع عنهم ولذا قال الله في الحديث القُدسي: “إنّي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد الحمدلله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علّى عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجدّني عبدي وإذا قال إيّاك نعبد وإيّاك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي و لعبدي ما سأل“، ولكن العبرة أن نحقق المعاني الموجودة في الفاتحة، ولذا قال الله تعالى في الحديث القدسي عند مسلم بسنده لأبي ذر: “قال الله يا عبادي كلكم ضال إلاّ من هديته فاستهدوني أهدكم“ ولذا فإننا سنشرع في رسالتنا بإذن الله في شرح قوله تعالى:(اهدنا الصراط المستقيم) محاولين معرفة معناها والآداب المستنبطة منها وما ورد من أقوال حولها .

-أولا: القراءات الواردة في الآية ، في مفردة (الصراط) تحديدا:
1-بالصاد (الصراط) ، قرأها بذلك الجمهور.
2-بالسين (السراط) .
3-بالزاي (الزراط) قال الفراء: وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب. ذكر هذه القراءات ابن كثير.

-ثانيا: مناسبة الآية لما قبلها:
لما تقدم الثناء على المسؤول في أول الفاتحة ، ناسب أن يعقّب بالسّؤال ، كما ذكر ذلك ابن كثير ، وهذا من الآداب التي تستنبط من الآية في الدعاء ، فحري من المؤمن إن أراد لدعوته أن تستجاب أن يستعمل كل ما يمكنه ليكون دعاؤه مقبولا، فكما كان عمر -رضي الله عنه- يقول: إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء. فللدعاء آداب وقواعد إذا اتبعها المرء كان أحرى أن يستجاب له ، أحدها: هذا الأدب ، الثناء على الله بما يليق به ، ثم أن يدعو بما يريد.
قال ابن القيم : ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم، أجل المطالب لنيل أشرف المواهب، علم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يدي الدعاء حمده سبحانه، والثناء عليه، وتمجيده، ثم ذكرهم عبوديته وتوحيده، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم.

-ثالثا: ما معنى الهداية؟
المراد بالهداية في الآية هو الإرشاد والتوفيق والدلالة والإلهام ، وهذا حاصل ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر ، والمعنى : ألهمنا يا ربنا ووفقنا وأرشدنا ودلنا على طريق الخير والهدى والفلاح ، وهو الطريق الموصل إلى الله تعالى وإلى جنته بمعرفة الحق والعمل به ولزوم دين الإسلام وترك ما سواه .
ومن هنا فإن المسلم يردد طلب الهداية من الله تعالى، وهو يناجيه في صلاته كلها، فريضة أو نافلة، آناء الليل وأطراف النهار وما بين ذلك، عشرات المرات في اليوم الواحد .

-رابعا: مرجع الضمير في قوله (اهدنا):
هي للمؤمنين كما ذكر ذلك ابن كثير ،أما الحكمة من استعمال صيغة الجمع فهو ليدخل في ذلك جميع المؤمنين ، وهذا يجعلك تشعر بالألفة فالمؤمن كل يوم في صلاته يدعو لإخوته المسلمين كما يدعو لنفسه بالهداية ، وكون الآية من الآيات التي تردد يوميا يدلك على أهمية علاقة المسلم بالمسلم وارتباطه به.

-خامسا: بعد محاولة تفسيرنا لهذه الآية والتي هي عبارة عن دعاء يطرأ سؤال مهم يستحق أن يطرح وهو: ما هي آداب الدعاء وأكمل أحوال السائل ؟
فنلخصها في أربع نقاط ذكرها ابن كثير:
1-أن يمدح مسؤوله، ثمّ يسأل حاجته كما في الآيات السابقة.
2-بالإخبار عن حال السّائل واحتياجه، كما قال موسى عليه السّلام: {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ}.
3-أن يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كقول ذي النّون: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}.
4- وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول.

-سادسا: معنى الصراط المستقيم والمراد به:
معناه لغويا:هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. ذكره ابن كثير عن ابن جرير، وذكره الأشقر.
- وكذلك في لغة جميع العرب، فمن ذلك قول جرير بن عطيّة الخطفي:
أمير المؤمنين على صراطٍ ** إذا اعوجّ الموارد مستقيم
- ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ، وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه. قاله ابن جرير، وأورده ابن كثير
أما المعنى المراد به في الآية بـ(الصراط):
قال ابن كثير: (اختلفت عبارات المفسّرين من السّلف والخلف في تفسير الصّراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيءٍ واحدٍ، وهو المتابعة للّه وللرّسول صلى الله عليه وسلم).
ومن هذه الأقوال:
القول الأول: أنه كتاب الله
- عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه». رواه ابن أبي حاتم وابن جريرٍ، وذكره ابن كثير
- وعن عليٍّ مرفوعًا: «وهو حبل اللّه المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم». رواه أحمد والترمذيٍ، وذكره ابن كثير
- قال ابن كثير: (وقد روي هذا موقوفًا على عليٍّ، وهو أشبه، واللّه أعلم).
- وعن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم: كتاب اللّه»، رواه سفيان الثوريٍ، وذكره ابن كثير
القول الثاني: أنه الإسلام.
- عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ، عليهما السّلام: قل: يا محمّد،{اهدنا الصّراط المستقيم}. يقول: اهدنا الطّريق الهادي، وهو دين اللّه الّذي لا عوج فيه». رواه الضحاك
- وعن النّوّاس بن سمعان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ضرب اللّه مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: يا أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعًا ولا تعوّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنّك إن تفتحه تلجه. فالصّراط الإسلام، والسّوران حدود اللّه، والأبواب المفتّحة محارم اللّه، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه، والدّاعي من فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلمٍ». رواه احمد وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ والتّرمذيّ والنّسائي، وذكره ابن كثير والأشقر.
- وعن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذاك الإسلام»ٍ، ذكره ابن كثير.
- وكذا روي عن ابن مسعودٍ، وجابر وابن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: «هو الإسلام»ٍ، كما ذكر ابن كثير.
القول الثالث: أنه الحق
- قال مجاهدٌ: {اهدنا الصّراط المستقيم}، قال: «الحقّ». ذكره ابن كثير.
وقال: وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم.
- قال السعدي: هوَ الطريقُ الواضحُ الموصلُ إلى اللهِ وإلى جنتِهِ، وهو معرفةُ الحقِّ والعملُ بهِ.
القول الرابع: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه
- عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وصاحباه من بعده»
- قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: «صدق أبو العالية ونصح». رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وذكره ابن كثير.
القول الراجح في المراد بالصراط المستقيم في الآية:
- قال ابن كثير:((كل هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر؛ فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد)).
- وعن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم الّذي تركنا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». رواه الطبراني
ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: ((والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصّراط المستقيم؛ لأنّ من وفّق لما وفق له من أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكلّ عبدٍ صالحٍ، وكلّ ذلك من الصراط المستقيم)).
رزقنا الله وإياكم اتباع هذا الصراط ومعرفته حق المعرفة ، فكما ذكر السعدي رحمه الله : أن من أجمع الأدعية وأنفعها دعاء (اهدنا الصراط المستقيم) ومعرفة ذلك يدعو المؤمن لملازمة هذا الدعاء والمداومة عليه.

سابعا: قد يراودنا سؤال بعد معرفة تفسير الآية وهو: كيف يسأل الله المؤمن الهداية في كل وقت وهو متصف بها؟
فالحكمة من ذلك والله أعلم نذكرها في عدة أقوال:
القول الأول:لولا احتياجه ليلًا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده اللّه إلى ذلك؛ فإنّ العبد مفتقرٌ في كلّ ساعةٍ وحالةٍ إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية واستمراره عليها .ذكره ابن كثير
القول الثاني: لطلب الاستزادة من الهداية . وهذا حاصل ما ذكره ابن كثير والأشقر
وفي الحقيقة لا تعارض بين القولين بل يجمع بينهما ، فالمرء أولا لا يضمن استمرارية هدايته لذا فإنه يدعو الله دائما وأبدا بالهداية خشية فقدانها وقد ظهر لك الكثير من القصص والآثار المخيفة التي تذكر عددا ممن كانوا على الحق فتركوه قبل وفاتهم وختم لهم بالسوء ، فالمرء يخشى من سوء الختام ، ويخشى من تقلب قلبه ، فالقلوب كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم :(بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) لذا كانت الحاجة لهذا الدعاء كل صلاة ، كما أن مجرد الهداية المبدئية لا يكتفي بها المرء ، بل إنه يطمع بالمزيد من الهداية ، وأن يترقى في مدارج الإيمان واليقين ، فالمؤمن الحق يسعى للاستزادة من الهداية ، ويرجو ويطمح بالفردوس الأعلى من الجنة وليس مجرد دخولها هو مطمعه، رزقنا الله وإياكم الهداية الحقة وبلوغ أعلى مراتب جناته.

ثامنا: المسائل اللغوية في الآية:
* ورد في قوله تعالى:(اهدنا الصراط المستقيم) تعدد لمعاني الهداية وذلك يكون بحسب استعمالها:
فإن الهداية قد تعدّى بنفسها كما هنا {اهدنا الصّراط المستقيم} فتضمّن معنى ألهمنا، أو وفّقنا، أو ارزقنا، أو اعطنا؛ {وهديناه النّجدين}[البلد: 10] أي: بيّنّا له الخير والشّرّ، وقد تعدّى بإلى، كقوله تعالى: {اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ}[النّحل: 121] {فاهدوهم إلى صراط الجحيم}[الصّافّات: 23] وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة، وكذلك قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ}[الشّورى: 52] وقد تعدّى باللّام، كقول أهل الجنّة: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] أي: وفّقنا لهذا وجعلنا له أهلًا. ذكر ذلك ابن كثير

أخيرا: نسأل الله عز وجل لنا ولكم الهداية الدائمة والمستمرة ، ونسأله أن يوفقنا لأن نقوم بحق هذه الآية ، وأن يرزقنا قبول مطلبها ، والتوفيق للقيام بمتطلباتها ، ونعوذ به من الزيغ عن طريق الحق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على رسول الله.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 ذو الحجة 1437هـ/24-09-2016م, 02:41 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام في سورة الصافات:

{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ...}

يتملكني العجب كلما تأملت تتابع الآيات الثلاث بفاء التعقيب:

- سؤال الولد الصالح برجاء واشفاق { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}
- سرعة البشرى والإجابة { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}
- الأمر بذبح من بشر به!!{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }

أي بلاء، وأي صبر !! يعجزني وربي تخيل المشهد!!

سبحان من وصف هذا الحدث بقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}[ الصافات: 106]

ترك إبراهيم عليه السلام قومه بعد أن أقام عليهم الحجة، وأعذر منهم، وتوجه إلى الأرض المباركة، أرض الشام، واثقا بهداية ربه { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين}[ الصافات: 99] أي يدلني على ما فيه خير من أمر ديني ودنياي..

رجل مهاجر إلى ربه، تارك عشيرته ودياره، يائس من إصلاح قومه، مفارق من كان فيه سلوى من صديق أو قريب، مستشعرا قلة أهله وعقم امرأته...

يسأل ربه ولدا صالحا وهو في أشد الحاجة..

((صالحا )) لأن نعمة الولد إنما تتم بصلاحه..
((صالحا)) لأن الصالح سيكون بارا بوالديه..

وجاءت البشرى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}

ليست بشرى بغلام فقط، وإنما بغلام {حليم} يَجْمَعُ بين أَصَالَةَ الرَّأْيِ، وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَالرَّحْمَةَ بِالْمَخْلُوقِ..

والمقصود هنا إسماعيل عليه السلام بلا شك..
بدلالة :
- تعقيب هذه الآيات بالبشرى بإسحاق عليه السلام قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]
- وبدلالة قوله تعالى: { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]فكيف يبشر بيعقوب ثم يؤمر بذبح والده قبل أن يلده!
- كما يمكن الاستئناس أيضا بأن الْمَوَاضِعَ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا إِسْحَاقُ يَقِينًا عُبِّرَ عَنْهُ فِي كُلِّهَا بِالْعِلْمِ لَا الْحِلْمِ، وَهَذَا الْغُلَامُ الذَّبِيحُ وَصَفَهُ بِالْحِلْمِ لَا الْعِلْمِ.


كبر الغلام، و{ بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}
ذهبت مشقته، وأقبلت منفعته وبلغ السن الذي يرجى الولد لأجله، وأصبح قادرا على أن يمشي مع أبيه في حاجته.

وجاءت الرؤيا: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}

.. رأى إبراهيم عليه السلام في نومه، أن الله يأمره بذبح ابنه اسماعيل، ورؤيا الأنبياء وحي...

{فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}
تمام التسليم لأمر بودي أن أصفه بأنه مستحيل!! لولا أنه وجه للخليل، أبو الأنبياء عليه صلوات ربي وسلامه، فأجاب مسلما مستسلما..

أمر من الحكيم سبحانه.. ابتلاء لنبيه ليظهر عزمه ويثبت علو مرتبته..
أمر لأب.. .. وهل الأب.. يحتاج إلى من يثبت شفقته ورحمته..
بأن يذبح بيده.. ولده الوحيد .. الذي سأله على تشوق وشدة حاجه، وبشر به..
وبلغ معه المبلغ الذي تمناه..
الولد الذي سأله حتى يرثه نسله ولا يرثه مواليه.. وقرت عينه بإجابة دعوته.. وترعرع أمام ناظري والده..
ثم يؤمر بذبح ولده.. وقطع نسله.. فيجيب راضيا مستسلما.. ليتولى بيده إعدام أحب النفوس إليه..

حقا {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات 106] الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخلته ،
خليل الرحمن .. هذا المنصب الذي هو أعلى أنواع المحبة.. المنصب الذي لا يقبل المشاركة.. بتعلق بولد أو زوجة أو غير ذلك..

فجاء هذا الابتلاء ليصفي ود إبراهيم ويختبر خلته ..

القصة عبرة لكل من يستصعب امتثال أوامر ربه....
الأوامر التي يسرها لنا سبحانه { ما جعل عليكم في الدين من حرج}[ الحج: 78]، { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286].
الأوامر التي ترافقنا صباح مساء..
بدءا من مفارقة دفء الفراش لأداء الصلاة.. ومرورا بكسب الرزق، والتعامل مع الخلق، و...
أحداث لا يخلو منها اليوم .. يخير فيها العبد بين اتباع أوامر الله، واتباع الهوى ..
ويستصعب في أحيان كثيرة تقديم محبوبات الله على محبوباته ...

فهل يتذكر حين ذاك مافعله الخليل عندما أمر بذبح ابنه!!


القصة كلها عجب، وحكمة، ورحمة ودروس، لكني في هذا الواجب القصير أحببت تسليط الضوء على انبهار يعتريني كلما تأملت تتالي هذه الآيات الثلاث...


مستفاد باختصار، وتصرف، وإضافة، من:
تفسير السعدي، والتحرير والتنوير، والأضواء البيان

والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1437هـ/26-09-2016م, 02:56 PM
منيرة خليفة أبوعنقة منيرة خليفة أبوعنقة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 618
افتراضي

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41) الدخان

يوم الفصل : هو اسم من اسماء يوم القيامة ،وسمي بذلك الاسم لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه قال الله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وقول الله تعالى: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم) فهو يفصل بين المؤمن والكافر وبين الحق والباطل، وهذه استقامة الحكم إن رُزقها مخلوق فقد نال من الحكمة والرشاد العظيم فهي خصلة ربانية وعلامة العلماء المهتدين والمتقين لله والعارفين لكتابه قال الله تعالى : ( وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)
ونظير فصل الله بين العباد في آية ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) فيوم الفصل ميقات وموعد الجميع يميز فيه بين المسيء والمحسن وأهل الجنة والنار ،وهذا غاية التحذير والوعيد للناس حيث المؤمن الحق بيوم القيامة لا ينحرف إلى ملذات الحياة ولا ينجرف للمعاصي القولية والفعلية ويكثر التوبة واللجوء إلى الله فرب كلمة أغوت صاحبها إلى الدرك الاسفل من النار كما في الحديث الصحيح : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار " .
والميقات: اسم من زمان التوقيت ، أي التأجيل قال الله تعالى: ( قل هي مواقيت للناس والحج).

وقوله: يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا . أي لا يغني أحد من الموالي كائناً من كان عن أحد من مواليه كائناً من كان.
والمولى : القريب والحليف ، وشيئاً للتقليل ، وقوله: وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ . لا ينصرهم من غير الموالي ممن تأخذهم الحمية أو الغيرة أو الشفقة فينصرونهم .
والنصر : العانة على العدو وعلى الغالب وهو أشد الإغناء .
ومحصل المعنى أن يوم القيامة لا ينفع الانسان حمية أحد ولا ينصره أحد والله هو الغالب وحينما يدرك الانسان هذا يعي حقيقة الحياة الدنيا فلا يجعل مطلبه مجاراة الملوك ولا فخر بعزة نسب ولا غلو في موالاة أحد بل يجعل هدفه ومبتغاة رضى الله جل في علاة

-تفسير السعدي + البغوي +ابن عاشور

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1437هـ/26-09-2016م, 03:39 PM
الصورة الرمزية أم أسامة بنت يوسف
أم أسامة بنت يوسف أم أسامة بنت يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 613
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في تفسير قوله تعالى:
{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء:24]

(لقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم) والمتدبر لهذه الآية الكريمة ويتتبع في كتاب الله وسنة نبيه ما جاء في هذا الباب، يرى عناية فائقة، وصيغ تأكيدية متعددة، فإن الله سبحانه وتعالى أمر في كتابه بإقامة الصلاة ولم يبين تفاصيلها، وأمر بأداء الزكاة ولم يفصل في أنصبتها ومقاديرها، لكنه سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة والتي سبقتها، فصل وبين كيف ينبغي أن يكون حال العبد وقوله وفعله مع والديه، فلم يقتصر جعل الأمر ببرهما ثانيا بعد الأمر بالتوحيد، ولا النهي عن عقوقهما كبيرة لا يكاد يساويها إلا الشرك بالله، بل جل وعلا سبحانه في هذه الآية الكريمة فصل لنا في كيفية البر فذكره إجمالا بكلمة جامعة {وبالوالدين إحسانا} ثم فصل: بالنهي عن التأفف وكما قيل (لو أن في اللغة كلمة أقلّ من أف لذكرها الله عز وجل) فمن نهي عن أصغر كلمة فكل ما فوقها من ألفاظ وأفعال أشد وأنكى، ثم نهى عن أقل الفعال {ولا تنهرهما} ثم أمر واسع بكريم القول معهما، ثم انتقل لبيان كيف يكون حال العبد مع والديه في صورة بديعة فأمر بخفض الجناح، ولعلكم تذكرون أمرا مثله بخفض الجناح في قوله تعالى {واخفض جناحك للمؤمنين} لكنه ها هنا زيادة لها من المدلول الكثير {جناح الذل}.
قال ابن تيمية رحمه الله: (والولد مأمور بان يخفض جانبه لأبويه ويكون ذلك على وجه الذل لهما لا على وجه الخفض الذي لاذل معه وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم ( {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} ولم يقل جناح الذل فالرسول أمر بخفض جناحه وهو جانبه والولد أمر بخفض جناحه ذلا فلا بد مع خفض جناحه أن يذل لأبويه بخلاف الرسول فإنه لم يؤمر بالذل فاقتران الفاظ القرآن تدل على اقتران معانيه واعطاء كل معنى حقه ثم إنه سبحانه كمل ذلك بقوله {من الرحمة} فهو جناح ذل من الرحمة لا جناح ذل من العجز والضعف)

(فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب)، وقد وردت عن السلف رحمهم الله عبارات متنوعة في معنى خفض جناح الذل للوالدين، حاصلها خفض الطرف خفض اليد خفض الصوت خفض الرأس، خفض كل جوارحك ذلةً لهما ذلةَ راحم محب لا ذلةَ العاجز المضطر، قال عروة بن الزبير رضي الله عنه: (إن أغضباك فلا تنظر إليهما شزرا فإنه أول ما يعرف غضب المرء بشدة نظره إلى من غضب عليه) وقال عطاء بن أبي رباح: (لا ترفع يديك عليهما إذا كلمتهما) والقاصمة قول زهير بن محمد: (إن سباك أو لعناك فقل رحمكما الله غفر الله لكما) فانظر رعاك الله، هذه الآيات أمر ووصف بحالك معهما إن كانا يعاملانك بسوء فكيف وهما ما زالت رحمتهما وعنايتهما وحبهما إليك غامرا متصلا!.

زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني لك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبواً لا على قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منحاك نفس الود من نفسيهما
كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما
وتمنيا لو صادفا بك راحة ... بجميع ما يحويه ملك يديهما
فنسيت حقهما عشية أسكنا ... دار البقاء وسكنت في داريهما
فلتلحقهما غداً أو بعده ... حتماً كما لحقا هما أبويهما
ولتندمن على فعالك مثل ما ... ندما هما قدماً على فعليهما
بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما
فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها ... فعسى تنال الفوز من ربيهما

فهذا أمر عام ثم نهي عن أصغر قول، ونهي عن أصغر فعل، ثم دلالة على صفة قولك عموما لهما، ثم بيان لهيئة البار كيف تكون، (ثم أمر بالدعاء لهما برحمة الله إياهما وهي الرحمة التي لا يستطيع الولد إيصالها إلى أبويه إلا بالابتهال إلى الله تعالى وهذا قد انتقل إليه انتقالا بديعا من قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة الله، وتنبيها على أن التخلق بمحبة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إياهما به فيما يعلمانه وفيما يخفى عنهما حتى فيما يصل إليهما بعد مماتهما) (كأنه قال له سبحانه: ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها ولكن {قُل رَّبّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا})

ثم بعد هذا إن أطعت ذلك أحسن طاعة، ما وفيتهما من حقهما شيئا، فهذا أقل ما عندك فإن خالفته فيا حسرتك يا عبد الله، أي باب هذا الذي تفرط فيه؟ أين جزاء الإحسان؟ أين الكرم؟ صفة إنسانية وفي المسلم أولى وفي طالب العلم آكد وأقوى، قال القرطبي رحمه الله: (أمر تعالى عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، وأن ترحهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك، إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما، وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعريا وكسواك، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر، فتلا منهما ما وليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا يجزى ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه")

ما الذي أنت منشغل به عنهما؟ أهو الجهاد في سبيل الله؟ انظر رعاك الله وإن كان جهادا؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد" رواه البخاري. فكيف إن كان دون الجهاد من الصالحات! إنهما باباك إلى الجنة الزمهما فثم الجنة، ألست ترجوها فتحسن العمل وتطلب العلم وتبذل النفس دعوة وعملا، فاسمع رعاك الله إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول (إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزوجل من بر الوالدة) ألست ترجو رضاه والقرب منه سبحانه؟ أليس رضاه قصدك في كل شأنك؟
هذا ظني بك فاعلم أن رضاهما في الميزان أثقل من مشاغلك الخيرة هذه ما داما لا يأمرانك بعصيان، بل وإن أمراك به فلا تطعهما ولكن {قل لهما قولا معروفا} وقد أورد القرطبي رحمه الله في سبب نزول هذه الآية بصيغة تعليلية: (نزلت في سعد بن أبى وقاص، فإنه أسلم، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة، فذكر ذلك لسعد فقال: لتمت) وذُكِرَ نحوه في آية لقمان عليه السلام، فهذا أمره سبحانه وتعالى في الوالدين المشركين، فكيف وهما على التوحيد، ولقناك التوحيد وعلماك دينك وبذلا جهدهما في تربيتك وتغذيتك! إن كان العبد مأمورا بالإحسان والقول المعروف مع الوالد المشرك، فما حقه إذا إن كان مسلم!.

عن هشام بن عروة: أن كلاب ابن أمية، غزا في خلافة عمر رضي الله عنه، فأنشأ أبوه يقول:
إذا بكت الحمامة ساق حر ... على بيضاتها دعوا كلابا
تركت أباك مرعشة يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا
فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فكتب فجيء به، فلما أن دخل عليه علاه بالدرة ضربا، وقال: «أجهاد أفضل من أبويك؟ أجهاد أفضل من أبويك؟»
فتمثلها يا رعاك الله في كل شأنك قائلا: أكذا أفضل من أبويك؟
وأبشر بالخير والبركة في كل شأنك ف {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}!
وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولا يزيد في العمر إلا البر)
أما عن الآخرة فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟، قَالُوا : حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ " قالت السيدة عائشة رضي الله عنها وهي راوية الحديث: (وكان أبر الناس بأمه).
وقد تظافرت الآثار ووقائع التاريخ، أن بر الوالدين وعقوقهما مما يجازى عليه العبد ويرى أثره في الدنيا قبل الآخرة، وكما تدين تدان، فإحسانك لهما إحسان لنفسك، فأي عاقل يؤثر على برهما شيء؟ وأي كريم خُلُقٍ يعق والديه!.

الرسالة بالهامش في المرفقات.

الملفات المرفقة
نوع الملف: pdf جناح الذل 2.pdf‏ (81.2 كيلوبايت, المشاهدات 4)
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 07:14 PM
هدى مخاشن هدى مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 240
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) )
من الأساليب الوعظية في القرآن أسلوب تعقيب الرهبة بالرغبة، فلما ذكر الله ما أعده للكافرين المعرضين عن خشيته في الآية السابقة أعقبه بما أعده للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب للعلم بأنهم يترقبون ما يميزهم عن أحوال المشركين
فالخشية خُلُق لا يتصف بها إلا عباد الله المتقين وأوليائه المحسنين: قال الله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} . قال الإمام الطبري رحمه الله: " ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك إتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه" . قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }.
وقد وردت الخشية في مواضع جمة من القرآن الكريم وما وقفْتُ عليه كان بحدود 33 موضع فمن المواضع قوله تعالى:{إن الذين يخشون ربهم بالغيب} ونظيره {من خشي الرحمن بالغيب} وكذلك قوله {ذلك لمن خشي ربه} وقوله تعالى: {إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} وقوله: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وغيره من الآيات
فالخشية من الله تعالى مقام من أعلى المقامات، وصفة من أسمى وأعلى الصفات، بل هي شرط من شروط الإيمان
ولقد عاب الله تعالى على بني إسرائيل ووبخهم وقرعهم على قساوة قلوبهم وعدم خشيتهم له سبحانه فقال لهم : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}.
وضرب لنا سبحانه مثلا طيبا في الخشية من الله عند سماع آياته فقال: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
فالخشية هو خوف مقام الله فيما بين العبد وبين ربه إذا كان غائبا عن الناس؛ وفي جميع أحواله فهو يخشى عذاب الله ولم يراه وهو يؤمن به خوفا من عذابه
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مُترادفـة .وقال : وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره والخشية أخصّ من الخوف .
وقال المناوي في التوقيف في مهمات التعاريف: الخشية تألم القلب لتوقع مكروه مستقبلا ، يكون تارة بكثرة الجناية من العبد ، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته ومنه خشية الأنبياء .
وبعضهم قيّد الخشية بما كان في حق الله ، والخوف في حق الآدميين ، قال تعالى : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) }
ومن كمال الخشية القيام بحدود الله وجعل الله أحق أن يخشى:
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لاَ يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ ؟ قَالَ : يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ خَشْيَةُ النَّاسِ. فَيَقُولُ فَإِيَّاىَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى. أخرجه أحمد وابن ماجة.
وقال السمعاني : والخشية والخوف بمعنى واحد. وقيل الخشية أخص من الخوف .
وهي من أعمال القلوب؛ أي من العبادات القلبية، وهي حقٌّ لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُشرك معه فيها غيره. وبعبارة مختصرة هي التقوى ومخالفة الهوى.
قال الشاعر :
خف الله وارجوه لكلِّ عـظـيمةٍ * * * ولا تطع النَّفس الّلجوج فتنـدمـا
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا* * * وأبشر بعفو الله إن كنت مسلمـا
وقال أبو الدرداء : تمامُ التقوى أنْ يتقي الله العبدُ ، حتّى يتقيَه مِنْ مثقال ذرَّة ، وحتّى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلال ، خشيةَ أنْ يكون حراماً ، حجاباً بينه وبينَ الحرام .
قال الحسن البصري- رحمه الله : عملوا لله بالطاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم. إن المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا.
وبعضهم من جعل العلم هو الخشية فعن مسروق- رحمه الله- قال: كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله.
وخشية الله في الغيب قيل أنها خشيته في/
1- السر : أي أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس وخلوا بأنفسهم، أي: في خلواتهم، ومنه تقول العرب: "فلان سالم الغيب"، أي: لا يضر، فالمعنى: يعملون بحسب الخشية في صلاتهم وعباداتهم وانفرادهم فيذكرون ذنوبهم ويستغفرون ربهم في خلوتهم، قاله يحيى بن سلام ، وهذا مدح بالإخلاص والإيمان.
2- وقيل خشية الذي هو بالغيب ; وهو عذاب يوم القيامة. وما أخبروا به من الحشر والصراط والميزان والجنة والنار، فآمنوا بذلك وخشوا ربهم فيه، ونحا إلى هذا قتادة ، ذكره الطبري والقرطبي وهذا مدح بالأعمال الصالحة في الخلوات، وذلك أحرى أن يفعلوها علانية
3- وقيل أن الغيب الله تعالى وملائكته ، قاله أبو العالية .
4- وقيل الجنة والنار ، قاله السدي .
5- وقيل أنه القرآن ، قاله زر بن حبيش .
6- وقيل أنه الإسلام لأنه يغيب ، قاله إسماعيل بن أبي خالد .
7- وقيل أنه القلب ، قاله ابن بحر .
فالحاصل أن الخشية عبادة قلبية يحصل بهاالكفّ عن المعاصي والقيام بالطّاعات، حيث لا يراه أحدٌ إلّا اللّه، فلا يُقْدِمُ على مَعاصِيهِ، ولا يُقَصِّرُ فيما أمَرَ به.
وقد مدح الله الذين يخشونه في مواضع عدّة من القرآن، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أنا أعلمكم بالله وأشدكم خشية له.
ولقد كان من خشيته صلى الله عليه وسلم استشعاره لعظمة الله ورهبته منه , عَنْ مُطَرِّفٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّى وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ. أخرجه أحمد وأبو داود والتِّرْمِذِيّ
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك كَلِمَةَ الإِخْلاَصِ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى ، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ , وَخَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أخرجه النَّسائي
ولقد ربّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام على هذه المعاني الطيبة فكان يعظهم موعظة تخشع لها قلوبهم وتدعوهم إلى خشية الله
فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً، مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، قَالَ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ ، لَهُمْ خَنِينٌ،. أخرجه أحمد والبخاري ومسلم
وكذا الصحابة من بعده
ومما يعين على تحقيق هذا العبادة القلبية الجليلة استشعار سمع الله واطلاعه لنا فقد قال سبحانه في كتابه: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه} ، ففيه بيان عملي مشاهد بأنه تعالى يعلم السر وأخفى
ومما يعين كذلك استحضار أجرها وثوابها حيث قال الله تعالى في الآية: {إنّ الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير}
فالمغفرة هي تكفير الذنوب ومحوها،وإذا غَفَرَ اللَّهُ الذُنوب وَقَى العبد شَرَّها، وقولهفي الآية لهم مغفرة فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالتوبة والاستغفار .
الثاني : بخشية ربهم بالغيب .
الثالث : لأنهم حلوا باجتناب الذنوب محل المغفور له
ومن جملة ثوابها مالهم عند الله من الأجر الكبيرمن الجنة والنعيمِ الْمُقيمِ، والمُلْكِ الكبيرِ, واللَّذَّاتِ الْمُتَواصِلاتِ والْمُشْتَهَيَاتِ، والقُصورِ والمنازلِ العالياتِ، والْحُورِ الْحِسانِ، والخَدَمِ والوِلْدانِ والعفو عن عقابه ومضاعفته والوقاية من عذاب الجحيم،وأعظَمُ مِن ذلكَ وأكبرُ رِضَا الرحمنِ الذي يُحِلُّه اللَّهُ على أهْلِ الْجِنانِ وثواب من الله لهم على خشيتهم
وقدم في الآية المغفرة تطمينا لقلوبهم ؛ لأنهم يخشون المؤاخذة على ما فرط منهم من الكفر قبل الإسلام ومن اللمم ونحوه ، ثم أعقبت بالبشارة بالأجر العظيم ، فكان الكلام جاريا على قانون تقديم التخلية ، أو تقديم دفع الضر على جلب النفع ، والوصف بالكبير بمعنى العظيم
وتنكير ( مغفرة ) هنا للتعظيم بقرينة مقارنته ب{أجر كبير } وبقرينة التقديم ، وتقديم المسندعلى المسند إليه في جملة{لهم مغفرة }ليتأتى تنكير المبتدأ ، ولإفادة الاهتمام ، وللرعاية على الفاصلة وهي نكت كثيرة .
فالله يجزي العبد على خشيته أعظم الجزاء فقد ثبت في الصّحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يظلّهم اللّه تعالى في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه"، فذكر منهم: "رجلًا دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إنّي أخاف اللّه، ورجلًا تصدّق بصدقةٍ فأخفاها،حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
وهذ الخشية لها ثمارَ بيِّنة، وآثار ظاهرة، فإنها باعث على إخلاص العمل لله تعالى والاستدامة عليه، وطريقٌ إلى العزَّة التي كتبها الله لعباده المؤمنين، وسبيلٌ إلى صيانة النفس عن الذل، وانتفاء النفاق من العبد وداع إلى التحلي بمحاسن الأخلاق والنفرة من مساوئها، وسببٌ للسعادة في الدارين، وقائدٌ إلى الأمن من الفزع الأكبر وإلى الفوز بالجنة والنجاة من النار
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلانية، واجعل خير أعمالنا خواتيمها , وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

المراجع/
1. تفسير الطبري
2. تفسير الماوردي
3. تفسير ابن عطية
4. تفسير القرطبي
5. تفسير القرآن العظيم لابن كثير
6. تفسير البغوي
7. تيسير الكريم الرحمن للسعدي
8. التحرير والتنوير لابن عاشور
9. أضواء البيان لإيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي
10. زبدة التفسير للأشقر
11. مدارج السالكين لابن القيم
12. التوقيف في مهمات التعاريف للمناوي
13. التعريفات للجرجاني
14. موقع الدكتور سفر الحوالي

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1437هـ/1-10-2016م, 03:36 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء: 80].

يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه أن يدخله مدخل صدق وأن يخرجه مخرج صدق ، عن ابن عباس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فأنـزل الله تبارك وتعالى اسمه، ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) .
واختلف العلماء في المراد بمدخل الصدق ومخرج الصدق فقال بعضهم : وقل ربّ أمتني إماتة صِدْق، وابعثني يوم القيامة مبعث صدق ، وقيل : أدخلني في المأمور وأخرجني من المنهي ،
وقال الحسن : مدخل صدق : الجنة ، وقال آخرون : الإسلام .
والصواب أن الآية عامة في كل مدخل ومخرج للعبد ، ( فإن الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته لا ينفك عن المداخل والمخارج ، فكل ساعة يقضيها من حياته هي مدخل باعتبار دخوله فيها من غيرها ، ومخرج باعتباره خروجه منها إلى سواها.
فإن قضاها صادق العقد، صادق القول ، صادق العمل ، وفارقها كذلك فهي مدخل صدق ومخرج صدق.
وإن قضاها وفارقها سيئ العقد ، سيئ القول ، سيئ العمل ، فهي ليست كذلك ، بل هي مدخل كذب وفجور ، ومخرج كذب وفجور.
فالإنسان محتاج في كل لحظة من حياته لتوفيق الله وتأييده ، وحفظه وإمداده ، فجاء هذا الدعاء القرآني منبّهاً على هذه العقيدة ، مشتملا على سؤال ما يحتاج إليه الإنسان في جميع شؤونه في حياته وأطواره فيه_ من ألطاف ربه ) فيسأل الله تعالى أن يكون دخوله وخروجه لله وبالله وفي مرضاة الله .
ومن أمثلة ذلك ماذكره ابن القيم رحمه الله تعالى فقال :
( ومن ذلك خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة فإنه مخرج صدق, ودخوله المدينة فإنه مدخل صدق.
وهذا ضد مخرج الكذب, ومدخل الكذب.
ومن مخرج الكذب خروج المشركين من مكة إلى بدر في غزوة بدر.
ومن مخرج الصدق خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأصحابه من المدينة إلى بدر في غزوة بدر الكبرى.
-ومن مدخل الكذب ما أراد المشركين أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب فإنه لم يكن لله, ولا بالله بل كان محادة لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار.
-وكذلك مدخل من دخل من اليهود المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حصن بني قريظة فإنه لما كان مدخل كذب أصابهم ما أصابهم من الخزي والعار.
ولا ريب أن مخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة ومدخله المدينة في زمن الهجرة من أجل مداخله ومخارجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإلا فمداخله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كلها مداخل صدق, ومخارجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مخارج صدق.
إذ هي لله, وبالله, وبأمر الله, ولابتغاء مرضات الله .
وما دخل أحد بيته ولا خرج منه إلا بصدق أو كذب.
فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب, والله المستعان
وكان بعض السلف إذا خرج من داره، رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجًا لا أكون فيه ضامنًا عليك.
يريد: أن لا يكون المخرج مخرج صدق .
ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنًا على الله، وهو دخول وخروج بالله ولله، وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد؛ فإنه لا يزال داخلا في أمر وخارجا من أمر. فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أُدخل مدخل صدق، وأُخرج مخرج صدق والله المستعان ) .
وقال السعدي : اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك, وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقة الأمر .
فهو يتضمن دعائه بأن يسلم الله قلبه وعمله من الرياء المنافي للإخلاص، ومن البدعة المضادة للسنة.
وتأكيده سبحانه على الدخول والخروج بالصدق لئلا يبدأ الإنسان بالصدق ثم يخرج بالكذب ، فهذا من أعظم الأدعية على الثبات في الأمر .

قوله تعالى :(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)
أمر من الله تعالى لنبيّه بالرغبة إليه في أن يؤتيه سلطانا نصيرا له على من بغاه وكاده، وحاول منعه من إقامته فرائض الله في نفسه وعباده.
ولما كان الإنسان في كل لحظة من حياته _لا بد_ واجدا معارضا وصادا عن الخير والصدق ، وقاطعا في طريق الحق _ من نفسه وشياطين الإنس والجن_ قرن الدعاء السابق بالدعاء الثاني الذي فيه طلب التأييد من الله بالسلطان المبين .
واُختلف كذلك في معنى السلطان فقيل :
أي: حجة ظاهرة, وبرهان قاطع على جميع ما آتيه وما أذره.
وهذه أعلى حاله ينزلها الله العبد أن تكون أحواله كلها خير ومقربة له إلى ربه, وأن يكون له على كل حالة من أحواله دليل ظاهر وذلك متضمن للعلم النافع والعمل الصالح .
وأعظم حجة أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم فهو شرع الله وكلماته وحجته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزته.
قال ابن القيم: السلطان النصير الذي من لدنه سبحانه: أخص وأقرب مما عنده...وهو الذي أيده به. والذي من عنده: نصره بالمؤمنين كما قال تعالى ﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين﴾
وقيل هو : القوة والسيف والرياسة التي ينتصر بها الإسلام وينتشر، ونحو ذلك.
وفي الحديث : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن ، وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع .
فهذان الدعاءان _على اختصارهما وإيجازهما_ قد جمعا للإنسان كل حاجته من تحصيل الخير ودفع الشر ، فهما من أعظم الأدوية الربانية للإنسان ، ومن أعظم وسائله الشرعية إلى خلقه ، فما أحراهما بأن يلهج بهما في كثير من أوقاته.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1438هـ/3-10-2016م, 05:34 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي في التفسير

1. سها حطب: ب+
أحسنت بارك الله بك بذكر بعض المسائل المهمة في علم السلوك كبيان سبيل النجاة من الخسران، وبيان درجاته، وبيان المراد بالإيمان وعمل الصالحات، وبيان قسام الصبر، لكن
ما يزال أسلوب التقرير العلمي غالباً على رسالتك حتى في طريقة عرضك لتلك المسائل؛ فلعلك تحاولين إبراز الجوانب الوعظية، واستخدام العبارات المؤثرة في المخاطَب ترغيباً وترهيباً.

2. نوره الأمير ب+
أحسنت المدخل للرسالة بارك الله فيك
لكنك ذكرت مسائل لا تناسب المخاطبين بأسلوب الوعظ؛ كذكر القراءات الواردة في (الصراط)
ثم غلب عليك بعد ذلك أسلوب التقرير العلمي، ولعلك فيما بعد تبرزين جانب الوعظ في الرسائل الوعظية وتذكرين من المسائل ما يناسب ذلك الأسلوب، وتكون عباراتك ظاهرة في رسالتك لا تقتصرين على مجرد التلخيص والربط المختصر بين المسائل.

3. ضحى الحقيل: أ+
أحسنت أيما إحسان زادك الله سداداً وتوفيقاً
أسلوبك الوعظي مباشر ومؤثر، وأوصيك بالعناية بتنمية هذا الأسلوب، وإثراء رسالتك بالتنبيه على الفوائد السلوكية، ولو بطريقة ضمنية.

4. منيرة خليفة: ب
أحسنت بارك الله فيك
والآيات التي فسرتيها عظيمة التأثير في الجانب الوعظي لكن ما يزال تأثرك بأسلوب التقرير العلمي ظاهراً، مع محاولات جيدة لإبراز الجانب الوعظي تحتاج إلى مزيد من التمرن.

5. أم أسامة : أ
أحسنت جداً أحسن الله إليك وزادك من فضله.
أسلوبك الوعظي قوي ومؤثر، لكن ينقصك تخريج ما تذكرين من الأحاديث والآثار، والتوثق من صحتها، وهذا أمر بالغ الأهمية لا ينبغي أن تخلّي به.

6. هدى مخاشن: أ
أحسنت بارك الله وزادك من فضله.
أسلوبك الوعظي حسن ظاهر، لكن عند حكاية الأقوال يبدو أنك تنقلين بعض عبارات المفسرين بنصها دون عزوها إليهم، وفي مثل هذه الحالات أمامك خياران:
أحدهما: أن تلخصي أنت بأسلوبك الأقوال وتحرريها على ما سبقت دراسته في مسودّة لديك، ثم تذكري في رسالتك خلاصتها بأسلوب منسبك مع الأسلوب الوعظي.
والخيار الآخر: أن تنظري أوفى عبارات المفسّرين وأحسنها ثم تنقلينها عنه بعزوها إليه؛ فتقولين قال فلان كذا وكذا، ولا بأس أن تعقبي على قوله بإضافة أو تنبيه أو استدراك، بما لا يخرجك عن مقصود الرسالة.

7. سارة المشري: ب
أحسنت بارك الله فيك
يبدو أن لديك ملكة كامنة في الأسلوب الوعظي لكنها لم تظهر لكثرة النقول في الرسالة وغلبة التلخيص بالأسلوب العلمي، ولهذا تجدين أنه لا مجال لديك للحديث عن معاني الآية تبصيراً وترغيباً وترهيباً بأسلوبك الشخصي.
فأوصيك في مقام التفسير بالأسلوب الوعظي أن تقللي قدر المستطاع من النقول، وأن يكون الأبرز هو أسلوبك، وأن تنظري إلى أسلوب المؤثرين كابن القيّم وابن سعدي وتحاولي محاكاتهم، ولا بأس أن تنقلي العبارة القصيرة المؤثرة، وأما الشرح الطويل فينبغي أن يكون بأسلوبك أنت.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 04:29 PM
أماني مخاشن أماني مخاشن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 176
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد
فقد قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
قال ابن أبي الدنيا في كتاب " التقوى " : حدثنا محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا عبد العزيز بن عمران الزهري ، حدثنا عيسى بن سمرة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إلا سمعته يقول : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) الآية . غريب جدا .
يأمر الله عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة بتقواه ، وأن يقولوا قولا سديدا أي : مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف . ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك ، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم ، أي : يوفقهم للأعمال الصالحة ، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية . وما قد يقع منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها .
وقد أمر سبحانه بتقواه في آيات أخرى كثيرة ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، وقد أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وأمر بها المؤمنين خصوصاً كما في الآيات التي سبق ذكرها ، وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]، وأخبر أن التقوى هي خير الزاد للآخرة قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، والتقوى كلمة جامعة لأفعال الخير القولية والفعلية والاعتقادات والنيات فهي شاملة لكل أعمال العبد ظاهرها وباطنها وحقيقة التقوى في القلب ، وليس المقصود بالتقوى أعمال الجوارح فقط ، فاستقامة القلب يتبعها استقامة الجوارح ففي الحديث ((التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاث مرات))، رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،وقد عرف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب التقوى بقوله هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله بأداء فرائضه وترك منهياته، وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله يراه فيحسن العمل ويتقي ربه في جميع أحواله، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، فيتقي ربه في أي مكان، ويتقي ربه على كل حال في السراء والضراء .
وخص الله من التقوى القول السديد فيي هذه الآية وغيرها كما في قوله : (فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) ، لأن القول كما يكون باباً عظيماً من أبواب الخير، يكون كذلك باباً من أبواب الشر. وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : (وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، رواه الترمذي.
وجاء أن رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ _تعالى_ ما كَانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ _تَعالى_ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ _تَعالى_ ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ _تَعالى_ بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ".
فليحذر الإنسان من لسانه وليعمل جاهداً أن يكون لسانه قائده إلى الجنة وموصله إلى رضوان الله، فإن كل ما يقول محسوب، إما له أو عليه، قال _تعالى_: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"
وقد عرّف النبي _صلالله عليه وسلم _ المسلم الحق الذي استسلم لله ظاهراً وباطناً، فقال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وإن شهوة الكلام من أكثر الشهوات غلبة للناس حتى لا تكاد تجد من يكبح جماحها، وماالنجاة إلا لمن وفقه الله فألزم لسانه حدود ما أراد الله _تعالى_، عن عقبة بن عامر قال: "قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" قال أبو عيسى هذا حديث حسن.
فاللسان أول أسباب النجاة ولذا فإن الجوارح كلها تعنف اللسان وتوبخه كل صباح وتذكره أن نجاة سائر البدن به إن استقام، وهلاك الأعضاء كلها به إن انحرف، عن أبي سعيد الخدري رفعه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".
وقد كان السلف على ما بهم من حرص في كلامهم يتهمون ألسنتهم، وروي أن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ رأى أبا بكر الصديق _رضي الله عنه_ وهو يمد لسانه بيده، فقال له: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته.
فهل نحن عن آفات اللسان منتهون ولشهوة اللسان كابحون ولما يرضي ربنا طالبون؟

والآية بمفهومها المخالف تفيد النهي عن ضد (القول السديد)، وهو القول الذي ليس بسديد. فـ (القول السديد) لا يكون حتماً إلا بمراعاة أمانة الكلمة وضوابطها.
والقول السديد هو القول الموافق للصواب، أو المقارب له، عند تعذر اليقين .
قال ابن عباس(قولا سديدا) : أي صوابا . وقال قتادة ومقاتل : يعني قولوا قولا سديدا في شأن زينب وزيد ، ولاتنسبوا النبي إلى ما لا يحل . وقال عكرمة وابن عباس أيضا : القول السداد لا إله إلا الله .
(وقولوا قولا سديدا) أي: عدلا ، قال قتادة : يعني به في منطقه ، وفي عمله كله ، والسديد الصدق . وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه . وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره . وقيل : هو الإصلاح بين المتشاجرين . وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض . والقول السداد يعم الخيرات ، فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك .
فيشمل (القول السديد) ما هو عبارة عن إرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء والحكماء. فقراءة القرآن على الناس من القول السديد، ورواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من القول السديد. وفي الحديث: (نضَّر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها)، رواه الترمذي. وكذلك نشر أقوال الصحابة والحكماء وأئمة الفقه.
ومن (القول السديد) تمجيد الله والثناء عليه مثل التسبيح. وسائر الذكر، و منه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعلم العلم وتعليمه، والحرص على إصابة الصواب، في المسائل العلمية، وسلوك كل طريق موصل لذلك، وكل وسيلة تعين عليه، ومن القول السديد لين الكلام ولطفه في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح والإشارة بما هو الأصلح.
وهو شامل للأقوال الواجبة، والأقوال الصالحة النافعة، مثل: ابتداء السلام، والكلمة الطبية التي تدخل السرور إلى قلب المؤمن، والإصلاح بين الناس. فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس، فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيء تشيع الضلالات والأوهام، فيغتر الناس بها، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
والأمر بتسديد القول وإحكامه والتدقيق فيه، ومعرفة هدفه واتجاهه. قبل أن يتابعوا المنافقين والمرجفين فيه; وقبل أن يستمعوا في نبيهم ومرشدهم ووليهم إلى قول طائش ضال أو مغرض خبيث كثير في القرآن فقد قال الله تعالى في عتاب من تكلم في حادثة الإفك (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ). ويوجههم دائما إلى القول الصالح الذي يقود إلى العمل الصالح ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) (وقولوا للناس حسنا ) (وقولوا لهم قولا معروفا). فالله يرعى المسددين ويقود خطاهم ويصلح لهم أعمالهم جزاء التصويب والتسديد.
ثم ذكر سبحانه ما يترتب على تقواه، وقول القول السديد فقال: يصلح لكم أعمالكم أي: يكون ذلك سببا لصلاحها، وطريقا لقبولها، لأن استعمال التقوى، تتقبل به الأعمال؛ كما قال تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين .
ويوفق فيه الإنسان للعمل الصالح، ويصلح الله الأعمال أيضا بحفظها عما يفسدها، وحفظ ثوابها ومضاعفته، كما أن الإخلال بالتقوى، والقول السديد سبب لفساد الأعمال، وعدم قبولها، وعدم ترتب آثارها عليها.
ويغفر لكم أيضا ذنوبكم التي هي السبب في هلاككم، فالتقوى تستقيم بها الأمور، ويندفع بها كل محذور ولهذا قال: ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على نهج الله.والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة. والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح الواصل سعادة ذاته، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه. وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يصادمه ويؤذيه! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها; وهى الفوز العظيم، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم. أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة. فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل. والله يرزق من يشاء بغير حساب.
- تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير والسعدي
- في ظلال القرآن
- موقع الدرر السنية
- موقع الشيخ صالح الفوزان "معنى تقوى الله سبحانه وتعالى وثمراتها"
- "مكانة اللسان وخطورته" أ.د. ناصر العمر.
(بتصرف وإضافات)

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 02:45 PM
رزان المحمدي رزان المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 255
افتراضي

إن الإنسان منا يتقلب في حياته أطوارا، ويعيش فيها أحوالا، يتذوق حلوها ومرها، ويمر فيها بين العسر واليسر، والصحة والمرض، والعافية والبلاء، والشدة والرخاء، والأفراح والأتراح، والإخفاق والنجاح، وفي كل أحواله وتقلباته، يشعر بافتقاره إلى خالقه الغني، ويقر بضعفه أمام ربه القوي سبحانه وتعالى، فيلجأ إليه عز وجل بالدعاء، ويلح عليه تبارك وتعالى بالرجاء، ليقضي له - وهو القادر على كل شيء- حاجاته، ويفرج عنه كرباته، وكيف لا يدعوه سبحانه وهو القائل عز وجل:(ادعوني أستجب لكم)

(( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )):
أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه ورغب في ذلك باستجابته لدعائهم وقرن ذلك بشرط المصلحة والحكمة والمشيئة ، وجعله من عبادته بدليل قوله تعالى:(( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ))
فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (1) .
وهذه فضيلة من الفضائل التي تميزت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء كان الله تعالى إذا بعث النبي قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة:" ادعوني أستجب لكم" وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة:" وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78] وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس" ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول.
وجاءت أحاديث تحث على الإكثار من الدعاء والإلحاح فيه.
فعَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ: ( سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء ) َأخرجه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن عدي فِي نَوَادِر الْأُصُول.
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نجد فِيمَا أنزل الله
تَعَالَى فِي بعض الْكتب أَن الله تَعَالَى يَقُول: أنزل الْبلَاء استخرج بِهِ الدُّعَاء
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(( لن ينفع حذر من قدر وَلَكِن الدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل فَعَلَيْكُم بِالدُّعَاءِ عباد الله ))
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا فتح الله على عبد بِالدُّعَاءِ فَليدع فَإِن الله يستجيب لَهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ:(( أَنِّي لأسأل الله تَعَالَى حوائجي فِي صَلَاتي حَتَّى أسأله الْملح لأهلي ))

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجاب له ، فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يؤخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، أو يستعجل يقول : دعوت ربي فما استجاب لي ) رواه الترمذى عن أبي هريرة رضي الله عنه .
واختلفوا في المراد بقوله:(( ادعوني ))
- فقيل: المراد منه الأمر بالدعاء،وهو السؤال بجلب النفع ودفع الضر.
- وقيل: الأمر بالعبادة، أي: وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم، بدليل قوله بعده: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ، وأيضاً الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً} [النساء: 117] . ، فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإنابة استجابة.
- ويقال الدعاء: هو ترك الذنوب.
وبعض المفسرين رجحوا القول الأول لِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ هُوَ الْعِبَادَةُ. وبعضهم ومنهم الشوكاني رجح القول الثاني لِأَنَّ مَعْنَى الدُّعَاءِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا: هُوَ الطَّلَبُ .
ثُمَّ صَرَّحَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الطَّلَبُ هُوَ مِنْ عِبَادَتِهِ فَقَالَ:

(( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي ))
فلما كان الدعاء من أشرفَ أنواع الطاعات وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى جعله من العبادات ، لأ فيه الفزع والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى رتب عليها العقوبة الشديدة لمن استكبر عن دعائه .
((سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ )):
أَيْ: ذَلِيلِينَ صَاغِرين وهذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله، وفيه لطف بِعِبَادِهِ عَظِيمٌ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِمْ جَلِيلٌ حَيْثُ تَوَعَّدَ مَنْ تَرَكَ طَلَبَ الْخَيْرِ مِنْهُ، وَاسْتِدْفَاعَ الشَّرِّ بِهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْبَالِغِ، وَعَاقَبَهُ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْعَظِيمَةِ.
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أ الله يبغض من لم يدعوه ويحب من يلح عليه في الدعاء
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ"
وهذا إحسانٌ عظيمٌ من الله تعالى حيث ذكر الوعيد الشديد على ترك الدعاء.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 8 محرم 1438هـ/9-10-2016م, 11:11 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رسالة في تفسير قول الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) الحديد.

= قوله تعالي: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
- ورد أنها نزلت لما كرر المنافقين سؤال سلمان الفارسي أن يحدثهم عن التوراة لأن فيها عجائب فنزلت نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يُوسُفَ: 3] ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ أَحْسَنُ قَصَصًا مِنْ غَيْرِهِ فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِ سَلْمَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ،
ثُمَّ عَادُوا فَسَأَلُوا سَلْمَانَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَنَزَلَ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزُّمَرِ: 23] ، فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ عَادُوا فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ فَنَزَلَتْ هذه الآية [2] .
- وقيل إنها نزلت في المؤمنين نقل عن ابن مسعود أنها نزلت بعد أربع سنين من اسلامه، ونقل عن ابن عباس أنها كانت بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن قال إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فأنزلها،

وهذا مع الصحابة الذين قال الله فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا"
فالله علم ما في قلوب الصحابة، وهم بلا شك خير هذه الأمة كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو من علمهم: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
فهم خير هذه الأمة وهم بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم وقد قال الله تعالى فيهم: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"،
فجعل الله من صفات المؤمنين صفاء قلوبهم لمن سبقهم بالإيمان والصحابة هم أول السابقين، وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الطعن فيهم أو سبهم أو تنقصهم: لا تسبوا أصحابي فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
فنحن نتقرب إلى الله بحبهم والدعاء لهم والتأسي بهم فهم السلف الصالح وهم حملة هذا الدين الذين نقلوه لنا كما هو صحيحاً سليماً فلهم نصيب من أجر الأمة ممن جاء بعدهم،
ثم مع هذه المناقب والفضائل خاطبهم الله طالباً منهم أن: "تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ" أي تلين وترق فيتبعوا كل ما جاء في كتاب الله من الأوامر والنواهي واتباعها والتسليم لها والانقياد محبة لله وخضوعاً له سبحانه، لأنه قد حان الوقت لذلك،
فإن المضارع المجزوم ب "لم" إذا دخل عليها الاستفهام فله وجهان في التفسير:
-أحدهما: أن يحول المضارع معها إلى ماضي أي قد آن الأوان أن تخشع القلوب،
-أو يكون استفهام للتقرير أي بلى يارب قد آن الأوان أن تخشع القلوب.

=ثم قال تعالى: يحذرنا من أمر خطير وهو أن نكون؛ " كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" وهم اليهود والنصارى لما طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم قست قلوبهم وأعرضوا عن الهدي ومالوا إلى الدنيا واشتروا بالكتاب ثمنا قليلاً وبدلوا وحرفوا وغيروا فيه وتركوا العمل به، وقلدوا الرجال حتى قال الله فيهم: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" وهذا بطاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال كما فسرة النبي صلى الله عليه وسلم،
="وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ"، يَعْنِي الَّذِينَ تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِعِيسَى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
فالقلوب في أمس الحاجة إلى الخشوع لله واتباع الهدى الذي أنزله في كتابه الكريم وترك تذكيرها يؤدي للغفلة فتقسوا القلوب ولذا وجب علينا تعاهدها من حينٍ إلى حين بالموعظة.

المصادر:
-1-تفسير الطبري.
-2-تفسير ابن كثير.
-3-أضواء البيان.
-4-تفسير السعدي.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24 محرم 1438هـ/25-10-2016م, 11:01 AM
ماهر القسي ماهر القسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 467
افتراضي الطالب ماهر غازي القسي

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)} الحاقة.
تشير الآية إلى سبب سعادة المرء في الآخرة بأنه ذلك العبد الذي استقام في الدنيا على طريق الله سبحانه وهو من سيستلم كتابه بيمينه , وهؤلاء العباد هم السعداء الحقيقيون لأن الجنة هي النعيم الأبدي الذي لا شقاء بعده , والسبب ما مَنَّ اللَّهُ به عَلَيهم مِن الإيمانِ بالبَعْثِ والحسابِ، والاستعدادِ له بالمُمْكِنِ مِن العمَلِ, فلم يطلب الله عز وجل لنيل تلك المرتبة عملاً مستحيلا أو إجهاد النفس بل كلفنا بالممكن من العمل قال تعالى ( فاتقوا ما استطعتم ) وأن نترك الحرام كلياً والبعد عنه هنا يكون العبد مؤهلا لنيل هذه الدرجة
ولرب سائل يسأل ما الحكمة من استلام العباد كتبهم بأيمانهم , فيكون جوابهم تَميِيزاً للسعداء وتَنويهاً بشَأْنِهم، ورَفْعاً لِمِقْدَارِهم , كما ميز الله سبحانه عباده المؤمنين بالغرة في أعضاء الوضوء .
وسيشهد ذلك العبد يوم فرحه وسروره فيقول بصوت عالٍ يملؤه السعادة والحبور : يا قوم إليكم كتابي وهو دونكم فاقرؤوه وتفحصوه فالحمد لله منّ الله علي بالاستقامة في الدنيا والنعيم في الآخرة
ويقول ذلك عندما يُبَشِّرُ بالْجَنَّاتِ وأنواعِ الكَراماتِ, ومَغفِرَةِ الذنوبِ وسَتْرِ العيوبِ .
وهنا لنا وقفة مع هذا العبد الفائز المسرور فنقول له ما الذي دفعك للالتزام بطريق الله ومجاهدة نفسك للوقوف عند محارم الله فيأتي الجواب في الآية التي تليها (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ) فيقيني بوجود يوم القيامة وأنه هناك رب سيحاسب على الصغيرة والكبيرة ( ياويلتنا مالِ هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
ولكن لماذا عبر الله سبحانه بكلمة ( ظننت ) ولم يقل آمنت أو أيقنت , ولربما كان الجواب بأن مجرد الظن بوجود يوم يحاسب فيه العباد كافٍ للالتزام بأوامر الله فكيف لو كان الوعد من الله حقاً وصدقاً بوجوده وسماه يوما موعودا ويوما مشهودا فهذا أدعى للعبد بالسير على الصراط المستقيم

وعلى الشق الثاني والطرف الآخر سيكون هناك قوم يستلمون كتبهم بشمائلهم ومن وراء ظهورهم خجلاً وحياءً من ربهم ومن الناس وخوفاً من العذاب فلن تسمع لهم همساً ولن تجد لهم حساً وستعلو وجههم الكآبة والحسرة والندامة - نعوذ بالله من حال أهل النار - نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل جناته

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 27 محرم 1438هـ/28-10-2016م, 12:42 AM
الصورة الرمزية ابتهال عبدالمحسن
ابتهال عبدالمحسن ابتهال عبدالمحسن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 399
افتراضي

تفسير قوله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4) } الأنفال .

وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنون الصادقون في إيمانهم وذكر صفاتهم ، فقال :{إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ، أي : إذا ذكِّر بالله خاف ورهب فخشي الله تعالى وابتعد عن المحارم، فإن خوف الله تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب فهم في قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون(135)َ} ،آل عمران ،
وقد قال أبو الدرداء فِي قوله تعالى: " {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ(2)}الأنفال ، قَالَ: الْوَجَلُ فِي الْقَلْبِ كَإِحْرَاقِ السَّعَفَةِ، أَمَا تَجِدُ لَهُ قَشْعَرِيرَةً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ فَادْعُ اللَّهَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَذْهَبُ بِذَلِكَ ".
وماكان خوف النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من النياحة واللطم من ذلك ، بل كانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفاً من الله ، ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة آياته ، فقال سبحانه :{ وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ} ، فهذا وصف حالهم وسنتهم .

و { إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } فهم عند سماعهم الآيات يسمعونها و قلوبهم معها بتدبر الآيات فعند ذلك يزيد الإيمان ، كقوله تعالى :{ وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب ، فينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه،وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه.
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِطَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ.

وهم { على ربهم يتوكلون } ، أي على الله وحده لا شريك له، يعتمدون ويوقنون بقلوبهم أن ماشاء الله كان ومن لم يشأ لم يكن ، فهم يلوذون إليه ويلجأون إليه ويرجونه وحده ولا يخافون سواه ،والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به، وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ جِمَاعُ الْإِيمَانِ.

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}، أي : الذين يؤدون الصلاةالمفروضة بحدودها ،فهو حق لله تعالى .
قال قتادة : إِقَامَةُ الصَّلَاةِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَوُضُوئِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا.

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، أي : النفقات الواجبة كالزكاة ،والكفارة ،والنفقة على الزوجات والأولاد ، والنفقات المستحبة كالصدقة وغيرها في أمور الخير .

{أُولَئِكَ} الذين اتصفوا بتلك الصفات {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} الذي استوى إيمانهم الباطن مع الظاهر، فجمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق الله وحقوق عباده.
وقد فسر ابْنِ عَبَّاسٍ الآيات السابقة فقال: " {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ، يَقُولُ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ،{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، ، زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ. {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} ، يَقُولُ: بَرِئُوا مِنَ الْكُفْرِ. ثُمَّ وَصَفَ اللَّهُ النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء] فَجَعَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا حَقًّا، وَجَعَلَ الْكَافِرَ كَافِرًا حَقًّا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} ".

ثم ذكر الله تعالى ثواب المؤمنين حقا فقال: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: عالية بحسب علو أعمالهم .
اختلف أهل التأوِيلِ فِي هذِهِ الدرجاتِ التِي ذكر اللَّهُ أنها لهم عنده مَا هِيَ،
فالقول الأول : هِيَ أَعْمَالٌ رَفِيعَةٌ وَفَضَائِلُ قَدَّمُوهَا فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قَالَ: أَعْمَالٌ رَفِيعَةٌ "
القول الثاني: مَرَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ.
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّينَ لَيَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقٍ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنَالُهَا غَيْرُهُمْ فقال: (بلى والذي نفسي بيده، لرجال آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِين).
قال الضحاك : أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَرَى الَّذِي هُوَ فَوْقُ فَضْلَهُ عَلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَلَا يرى الذي هو أسفل منه أَنَّهُ فُضِّلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

{وَمَغْفِرَةٌ} ، فيغفر لهم سيئاتهم .

{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} و هي الجنة و ما أعد الله لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 5 صفر 1438هـ/5-11-2016م, 08:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

أماني مخاشن: هـ
- أعيدي كتابة الرسالة بأسلوبك، فقد ضمنت فقرات متعددة في رسالتك هي من إنشاء غيرك، وهذا خطأ، إذا احتجت إلى النقل فنصي على ذلك، ولا تكثري من النقل، وليكن أسلوبك ظاهراً في رسالتك.
- تجنبي الوعظ بالأحاديث الضعيفة؛ واحرصي على التوثق من صحة الأحاديث والآثار قبل إيرادها في رسالتك، وفي الصحيح غنية عن الضعيف.
- الأقوال التي تنسبينها إلى السلف اعزيها إلى مصادرها الأصلية.

رزان: هـ
- أعيدي كتابة الرسالة بأسلوبك.

علاء عبد الفتاح: د
- واصل التدرب على الأسلوب الوعظي بارك الله فيك.
- الآثار التي توردها في رسالتك انسبها إلى مصادرها الأصلية.
- قولك: (وهذا مع الصحابة الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ...} ) هذا قلب لتاريخ نزول الآيتين، وعكس للفائدة، فآية الرضوان نزلت عام الحديبية، وآية الحديد نزلت قبلها بسنوات.
- فاتك عدد من المسائل التي تضمنتها الآية وهي مناسبة لأسلوب الوعظ.

ماهر: ج
- أحسن
- قولك: (ولربما كان الجواب بأن مجرد الظن بوجود يوم يحاسب فيه العباد كافٍ للالتزام بأوامر الله) هذا التوجيه غير صحيح، فالظن يأتي في اللغة بمعنى اليقين، وشواهد ذلك كثيرة.
- إذا احتجت إلى نقل عبارات بعض المفسّرين بنصّها فاعزها إليه.
- فاتك عدد من المسائل التي تضمنتها الآية وهي مناسبة لأسلوب الوعظ.

ابتهال: د+
- اعتني بتخريج الأحاديث والآثار التي تذكرينها في رسالتك.
- يغلب على رسالتك الأسلوب العلمي ؛ فحاولي التدرب على الأسلوب الوعظي.
- فاتك عدد من المسائل التي تضمنتها الآية وهي مناسبة لأسلوب الوعظ.
- اعتني باستخراج الفوائد السلوكية ثم أدرجيها في رسالتك في المواضع المناسبة.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 5 صفر 1438هـ/5-11-2016م, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابتهال عبدالمحسن
ابتهال عبدالمحسن ابتهال عبدالمحسن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 399
افتراضي

جزاكم الله خيرا على التوضيح ، وعندي سؤال :
هل ادرج الفوائد السلوكية في موضوع آخر أم أعيد كتابة التقرير مرة أخرى ؟

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 23 صفر 1438هـ/23-11-2016م, 08:01 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

(قال تعالى‏:‏‏{‏‏ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ‏}‏‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 16‏]‏

أيها المؤمنون ، ألم يحِن الوقت بعد لأن تخشع قلوبكم لآيات ربكم ؟ أما آن للقلوب أن تذل لأمر الله ونهيه ؟ ،أما آن أن تستسلم لحكمه ؟ أما آن أن تسكنها عظمة الله ومحبته ، وهيبته ، أم أنه حال بينها وبينه ضعف اليقين بأن ذكره الحق ، وأنه نزل من عند الحق ، وبالحق نزل ، وأن وعده ووعيده الحق ،هذا مع شدّة تعلق القلوب بالباطل ، وبالفاني الزائل ؟
عجباً لمضغة لحم لا تلين لأمر ربها ولا تخشع ، ولو أنزل هذا القرآن على جبل ( لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) ، أسفاً على قلب أقسى من الحجارة ، لكنه مع ذلك قابل لأن يلين متى ما سعى صاحبه في خشوعه ، وأزال عنه أسباب القسوة .
فهذا الذكر فضل الله ورحمته عليكم ، ميسّر بين أيديكم ، فيه حياة قلوبكم ، وشفاء أسقامكم ، فهل وعيتم خطابه ، أم ذهلتم عن عتابه ؟
تالله إنّ في كل آية فيه عبرة ، وفي كل سورة منه ذكرى ، قد آن لنا أن نستمع لحديثه سماع قلب ، وآن لنا أن نتدارس قصصه تدارس فَهم ، وآن لنا أن نصغي لمواعظه الجليلة ، وأن تمتلئ قلوبنا به وتفيض حتى لا يكون لسواه مكانا ، ولا نبغي به بدلا .
أخرج مسلم عن ابن مسعود قال :( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين ) .
قال الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه ، ذكره القرطبي .
ولله در شوقي حين قال :
على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ
ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ
فيا لله من صحبٍ كرامٍ عاتبهم الكريم سبحانه .
ولا تحسبوا أنّ أثر هذه الآية قاصر ٌعلى الصحابة ، بل إنّ لهذه الآية وقعاً خاصًّا على القلوب وكم سمعنا من قصص الذين اهتدوا بها ، ذكر القرطبي في تفسيره أنّ الفضيل بن عياض كان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فرجع القهقرى وهو يقول : بلى والله قد آن ، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إن فضيلا يقطع الطريق . فقال الفضيل : أواه أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام .
إنّ القلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تُذكّر بما أنزله الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين ، قاله السعدي .
لذلك صار حكم الخشوع واجبا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
( إن قيل‏:‏ فخشوع القلب لذكر اللّه وما نزل من الحق واجب‏.
‏‏ قيل‏:‏ نعم، لكن الناس فيه على قسمين‏:‏ مقتصد وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار‏:‏ هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة، ومن لم يكن من هؤلاء، ولا هؤلاء، فهو ظالم لنفسه ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "اللّهم، إني أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ودعاء لا يُسْمَع‏"‏‏‏ ).
وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة في الآية قال : كان شداد بن أوس يقول : أول ما يرفع من الناس الخشوع ، ذكره السيوطي .
وعلى المرء أن يُذهب عن نفسه أسباب الغفلة ، ويجاهدها في تحصيل الخشوع ، ويسأل الله ويتضرع إليه أن يرزقه ذلك ، وأن يدخله في زمرة المؤمنين الخاشعين ، الذين أثنى الله عليهم في كتابه ، قال تعالى :
‏‏( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ‏}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏23‏]‏،
فخشية الله تعالى تثمر لين القلوب الذي هو الخشوع ، وعكس ذلك القسوة التي نهى الله عنها ، وذمّ المتصفين بها ، من الذين آتاهم الله الكتاب وكان الأجدر بهم أن يخضعوا له ويخشعوا ، لكنهم غلبت عليهم نفوسهم وسبتهم شهواتهم ، حتى غرقوا في الغفلة ، ثم قست قلوبهم ، حتى صارت أقسى من الحجارة ، وتجرأت على كلام ربها بالتحريف والتبديل ، فاحذروا أيها المسلمون أن تسيروا في ركابهم فتغفل قلوبكم ، ثم تقسو، ثم تفسق ، ولا تستهينوا بتحذير الله لكم ، فإن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم سالكون سبيل أهل الكتاب لا محالة كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وبتنا نرى بوادر ذلك في إعلامنا العربي ، وفي عقول شبابنا المهاجرة ،
وفي الأئمة المضلّين ، الذين غلبتهم شهواتهم ، فطفقوا يثيرون الشبهات ، ويهدمون الأصول ، ويحرّفون الكلم عن مواضعه ، يأخذون عَرَض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا ، فلا أقلّ من أن تحذروهم إن لم تتمكنوا من جهادهم ، قال أبو جعفر الطبري : جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود، فقال: يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا، ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد، وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب، فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه، قال: فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن، ثم جعل القرن بين ثندوتيه؛ فلما قيل له: أتؤمن بهذا؟ قال: آمنت به، ويوميء إلى القرن الذي بين ثندوتيه، ومالي لا أومن بهذا الكتاب، فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن.
اللهم إنا نسألك علما نافعا ، وقلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكرا ، وعملاً متقبلا ، ونعوذ بك من مضلّات الفتن ما ظهر منها وما بطن .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 07:03 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة المشري مشاهدة المشاركة
(قال تعالى‏:‏‏{‏‏ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ‏}‏‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 16‏]‏

أيها المؤمنون ، ألم يحِن الوقت بعد لأن تخشع قلوبكم لآيات ربكم ؟ أما آن للقلوب أن تذل لأمر الله ونهيه ؟ ،أما آن أن تستسلم لحكمه ؟ أما آن أن تسكنها عظمة الله ومحبته ، وهيبته ، أم أنه حال بينها وبينه ضعف اليقين بأن ذكره الحق ، وأنه نزل من عند الحق ، وبالحق نزل ، وأن وعده ووعيده الحق ،هذا مع شدّة تعلق القلوب بالباطل ، وبالفاني الزائل ؟
عجباً لمضغة لحم لا تلين لأمر ربها ولا تخشع ، ولو أنزل هذا القرآن على جبل ( لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) ، أسفاً على قلب أقسى من الحجارة ، لكنه مع ذلك قابل لأن يلين متى ما سعى صاحبه في خشوعه ، وأزال عنه أسباب القسوة .
فهذا الذكر فضل الله ورحمته عليكم ، ميسّر بين أيديكم ، فيه حياة قلوبكم ، وشفاء أسقامكم ، فهل وعيتم خطابه ، أم ذهلتم عن عتابه ؟
تالله إنّ في كل آية فيه عبرة ، وفي كل سورة منه ذكرى ، قد آن لنا أن نستمع لحديثه سماع قلب ، وآن لنا أن نتدارس قصصه تدارس فَهم ، وآن لنا أن نصغي لمواعظه الجليلة ، وأن تمتلئ قلوبنا به وتفيض حتى لا يكون لسواه مكانا ، ولا نبغي به بدلا .
أخرج مسلم عن ابن مسعود قال :( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين ) .
قال الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه ، ذكره القرطبي .
ولله در شوقي حين قال :
على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ
ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ
فيا لله من صحبٍ كرامٍ عاتبهم الكريم سبحانه .
ولا تحسبوا أنّ أثر هذه الآية قاصر ٌعلى الصحابة ، بل إنّ لهذه الآية وقعاً خاصًّا على القلوب وكم سمعنا من قصص الذين اهتدوا بها ، ذكر القرطبي في تفسيره أنّ الفضيل بن عياض كان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فرجع القهقرى وهو يقول : بلى والله قد آن ، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إن فضيلا يقطع الطريق . فقال الفضيل : أواه أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام .
إنّ القلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تُذكّر بما أنزله الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين ، قاله السعدي .
لذلك صار حكم الخشوع واجبا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
( إن قيل‏:‏ فخشوع القلب لذكر اللّه وما نزل من الحق واجب‏.
‏‏ قيل‏:‏ نعم، لكن الناس فيه على قسمين‏:‏ مقتصد وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار‏:‏ هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة، ومن لم يكن من هؤلاء، ولا هؤلاء، فهو ظالم لنفسه ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "اللّهم، إني أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ودعاء لا يُسْمَع‏"‏‏‏ ).
وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة في الآية قال : كان شداد بن أوس يقول : أول ما يرفع من الناس الخشوع ، ذكره السيوطي .
وعلى المرء أن يُذهب عن نفسه أسباب الغفلة ، ويجاهدها في تحصيل الخشوع ، ويسأل الله ويتضرع إليه أن يرزقه ذلك ، وأن يدخله في زمرة المؤمنين الخاشعين ، الذين أثنى الله عليهم في كتابه ، قال تعالى :
‏‏( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ‏}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏23‏]‏،
فخشية الله تعالى تثمر لين القلوب الذي هو الخشوع ، وعكس ذلك القسوة التي نهى الله عنها ، وذمّ المتصفين بها ، من الذين آتاهم الله الكتاب وكان الأجدر بهم أن يخضعوا له ويخشعوا ، لكنهم غلبت عليهم نفوسهم وسبتهم شهواتهم ، حتى غرقوا في الغفلة ، ثم قست قلوبهم ، حتى صارت أقسى من الحجارة ، وتجرأت على كلام ربها بالتحريف والتبديل ، فاحذروا أيها المسلمون أن تسيروا في ركابهم فتغفل قلوبكم ، ثم تقسو، ثم تفسق ، ولا تستهينوا بتحذير الله لكم ، فإن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم سالكون سبيل أهل الكتاب لا محالة كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وبتنا نرى بوادر ذلك في إعلامنا العربي ، وفي عقول شبابنا المهاجرة ،
وفي الأئمة المضلّين ، الذين غلبتهم شهواتهم ، فطفقوا يثيرون الشبهات ، ويهدمون الأصول ، ويحرّفون الكلم عن مواضعه ، يأخذون عَرَض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا ، فلا أقلّ من أن تحذروهم إن لم تتمكنوا من جهادهم ، قال أبو جعفر الطبري : جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود، فقال: يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا، ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد، وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب، فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه، قال: فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن، ثم جعل القرن بين ثندوتيه؛ فلما قيل له: أتؤمن بهذا؟ قال: آمنت به، ويوميء إلى القرن الذي بين ثندوتيه، ومالي لا أومن بهذا الكتاب، فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن.
اللهم إنا نسألك علما نافعا ، وقلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكرا ، وعملاً متقبلا ، ونعوذ بك من مضلّات الفتن ما ظهر منها وما بطن .
بارك الله فيك وأحسن إليك.
وما كتبتيه حسن مؤثّر -تقبّل الله منك- لكنه لا ينطبق عليه بدقّة وصف الرسالة التفسيرية المكتوبة بالأسلوب الوعظي.
فقولنا (رسالة تفسيرية) أي أنها تفسّر آية محدّدة، وقولنا (مكتوبة بالأسلوب الوعظي) أي مخاطبة المتلقّين لها ترغيبا وترهيبا بما دلّت عليه الآية من الهدايات وما اشتملت عليه من الفوائد ليتحصّل مقصود الخطاب التفسيري الوعظي وهو هداية الناس بالقرآن، فالأصل إذا هو تفسير الآية.
وقد تعرّضتِ بالفعل لبعض مسائل الآية المهمّة لكنها غير مرتّبة، ولم تكن وفق تخطيط محدّد، لذلك يجب أولا تدبّر ألفاظ الآية واستخلاص مسائل الآية جيدا بالنظر إليها أولا، ومحاولة استخراج الفوائد السلوكية التي دلّت عليها، ومن ثمّ الاستفادة منها في كتابة الرسالة عند الحديث عن كل مسألة.
والتحرير العلمي السليم هو أصل كتابة الرسالة الوعظية لكن طريقة العرض تختلف، فإننا نأخذ من كلام المفسّرين الخلاصة فقط بعيدا عن مسائل الخلاف، ونعرضها للمتلقّين في قالب سهل يوضّح المراد ويؤثّر في النفوس، كما أننا قد نترك من المسائل ما لا يناسب مقام الوعظ وأفهام المتلقّين، وليس المقصود ترك التحرير بالكلية.
ومن المفيد الكلام عن سبب النزول -إن وجد وصحّ- ومناسبة الآية للسياق، لأنه مما يزيد المعنى وضوحا.
بعد التقديم للرسالة، قسّمي الآية وفسّريها جملة جملة مع التنبيه على الهدايات التي دلّت عليها كل جملة منها واحرصي على التنبيه على ما فيها من حسن البيان وبلاغة الأسلوب، عندئذ لك أن تستفيضي مع التفسير بالعبارات المؤثّرة والنقولات النافعة والقصص، والاستشهاد لذلك كله بالشواهد القرآنية والأحاديث النبوية التي تزيد خطابك ثراء ووضوحا وتأثيرا.
وأوصيك بمراجعة النماذج الموضوعة في درس الأسلوب الوعظي وملاحظة أسلوب الكاتب.
التقويم: ب
بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir