دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:52 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

بَابُ وجوبِ الطُّمَأْنِينَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)) فَرَجَعَ فَصلَّى كَمَا كَانَ صلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ - ثَلاَثًا -)) فقالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فعَلِّمْنِي، فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إذَا قُمْتَ إلى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا)).


  #2  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ وجودِ الطُّمأنينةِ في الركوعِ والسجودِ

الْحَدِيثُ الثالثُ والتسعونَ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)) فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ- ثَلَاثًا-)) فقالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فعَلِّمْنِي، قالَ: ((إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: هذا الحديثُ يُسَمِّيهِ العلماءُ (حديثَ المُسِيءِ في صلاتِهِ)، واسْتَدَلُّوا بهِ على أنَّ ما ذُكِرَ فِيهِ فهوَ واجبٌ، وما لم يُذْكَرْ فهوَ غيرُ واجبٍ؛ لأنَّهُ جاءَ موضعَ تَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وتَأْخِيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ لا يَجُوزُ، فهذا دليلٌ على أنَّ ما تُرِكَ ذِكْرُهُ فِيهِ ليسَ بواجبٍ، وأمَّا كونُ ما ذُكِرَ فِيهِ فهوَ واجبٌ؛ فلأنَّهُ جاءَ بلفظِ الأمرِ، فبهذا تكونُ تكبيرةُ الإحرامِ في الركعةِ الأُولَى والفاتحةُ والركوعُ والاعتدالُ فِيهِ والسجودُ والاعتدالُ فِيهِ والطمأنينةُ في كلِّ هذهِ الأفعالِ واجبةٌ.
الثَّانِيَةُ: ما لم يُذْكَرْ في الحديثِ من الأركانِ والواجباتِ صَحَّتْ بهِ أحاديثُ أُخَرُ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ الاستفتاحَ والتَّعَوُّذَ والبسملةَ ورَفْعَ اليدَيْنِ وَجَعْلَهُمَا على الصدرِ وَهَيْئاتِ الركوعِ والسجودِ والجلوسِ وغيرَ ذلكَ مُسْتَحَبَّةٌ لا واجبةٌ.
الرَّابِعَةُ: فِيهِ شيءٌ منْ آدابِ المُعَلِّمِ بأنْ يَبْدَأَ بتعليمِ الأهمِّ فالأهمِّ، وأنْ يَزِيدَ في جوابِ ما سُئِلَ عنهُ إذا اقْتَضَت الحالُ ذلكَ، وأنْ يَسْتَعْمِلَ أحسنَ الطُّرُقِ من اللِّينِ واللُّطْفِ وتَشْوِيقِ المُتَعَلِّمِ للعلمِ لِيَكُونَ أَبْقَى في الذهنِ وأبلغَ في التفهيمِ.


  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ وجوبِ الطمأنينةِ في الركوعِ والسجودِ

الحديثُ الثالثُ والتسعونَ
93- عن أبي هريرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فقالَ:" ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ “ فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثم جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فقالَ:" ارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " ثَلاَثاً، فقالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فعَلِّمْنِي، فقالَ:" إذَا قُمْتَ إلى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثمَّ ارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثمَّ ارْفَعْ حتى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثمَّ اسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثمَّ ارْفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثُم افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا " .

(93) المعنَى الإجماليُّ:
هذا حَدِيثٌ جليلٌ يُسمِّيه الْعُلَمَاءُ (حَدِيثُ المسيءِ في صَلاَتِه) وهو عُمدتُهم فيما يَجِبُ في الصَّلاَةِ وما لا يجِبُ، حيث جاءَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوضعَ الاستقصاءِ في التَّعليمِ والتَّبيينِ لأعمالِ الصَّلاَةِ، التي يَجبُ الإتيانُ بهَا ويُعتبرُ ما تُرِكَ في هذا الْحَدِيثِ مِنْ فِعلِهَا غيرَ واجبٍ كما سَنُوضِّحُه فيما بعدُ، إنْ شاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ومُجملُ هذا الْحَدِيثِ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخلَ المسجدَ، فدخلَ رجلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، اسْمُه خَلاَّدُ بنُ رافعٍ فصَلَّى صَلاَةً غيرَ تامَّةِ الأفعالِ والأقوالِ.
فَلمَّا فرغَ مِنْ صَلاَتِهِ، جاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسلَّم عَلَيْهِ فَردَّ عَلَيْهِ السلامَ ثم قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ".
فرجَعَ وعَمِلَ في صَلاَتِهِ الثانيةِ كما عَمِل في صَلاَتِهِ الأولَى، ثم جاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ لَهُ: " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " ثلاثَ مرَّاتٍ.
فأقسَمَ الرجلُ بقولِه: وَالذي بعَثَك بالحقِّ، ما أُحسنُ غَيرَ ما فَعلْتُ فَعَلِّمْني.
فعندَما اشتاقَ إلَى الْعِلْمِ، وتاقتْ نَفسُه إِلَيْهِ، وتَهيَّأَ لقبولِه بعدَ طولِ التردِيدِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مَعناه: إِذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، وَتَطْمَئِنَّ في اعْتِدَالِكَ ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ مِنَ السُّجُودِ واجْلِسْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً.
وافَعْلَ هَذهِ الإفْعَالَ وَالإقْوَالَ فِي صَلاَتِكِ كُلِّهَا، ما عَدَا تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ، فَإِنَّهَا في الرَّكْعَةِ الإولَى دونَ غَيْرِهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ.

في الْحَدِيثِ ثلاثةُ مَباحثَ:

المبحثُ الأَوَّلُ: في خلافِ الْعُلَمَاءِ:
فقد ذَهَبَت الحنفيَّةُ إلَى صحَّةِ الصَّلاَةِ بقراءةِ أيِّ شيءٍ مِنَ القرآنِ، حتَّى مِنْ قادرٍ علَى الفاتحةِ مُسْتَدِلِّينَ بقولِهِ تَعَالَى: (فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وبإحدَى رواياتِ هذا الْحَدِيثِ " اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ".
وذهبَ الْجُمْهُورُ إلَى عدمِ صحَّةِ الصَّلاَةِ بدونِ الفاتحةِ لمَنْ يُحسنُ قِراءَتَهَا.
مُسْتَدِلِّينَ بقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسلامُ: "لا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " متَّفَقٌ عَلَيْهِ. فالتقديرُ: لا صَلاَةَ تُوجدُ، وعدمُ وجودِهَا شَرعاً هو عدمُ صِحَّتِهَا وهذا هو الأصلُ في مثلِ هذا النَّفْيِ.
وأدلَّةُ عدمِ صحَّةِ الصَّلاَةِ بدونِهَا كثيرةٌ.
وأجابوا عَنِ الآيةِ بأنَّهَا جاءت لِبيانِ القرآنِ في قيامِ اللَّيْلِ، يعنِي: اقرَءُوا ما تَيسَّرَ مِنَ القرآنِ بعدَ قراءةِ الفاتحةِ بِلا مَشقَّةٍ عليكم.
وأجابوا عَنِ الْحَدِيثِ، بأنَّ هذهِ الروايةَ مُجملةٌ تُفسِّرُهَا الرواياتُ الأخرَى عندَ أبيِ داودَ وابنِ حِبَّانَ " ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ ". وقد سَكت عَنْهُ أبو داودَ.
وما سكتَ عَنْهُ فإنَّه لا قَدْحَ فِيهِ.
ولابن حِبَّانَ في حَدِيثِهِ " واقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ ". قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الأوْلَى الحُكمُ بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِلمُسيءِ في صَلاَتِهِ ذلك كلَّه.
ثم إنَّ بعضَ الْعُلَمَاءِ يرَى وجوبَ الفاتحةِ في الركعةِ الأولَى دونَ غيرِهَا.
والْجُمْهُورُ يرَى وجوبَهَا في كُلِّ ركعةٍ، ويدلُّ لَهُ قولُه: " ثُمَّ افْعَلْ ذلك في صَلاَتِكِ كُلِّهَا ". قَالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: وحَدِيثُ أبي قتادةَ في البُخاريِّ مِنْ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَقرأُ الفاتحةَ في كُلِّ ركعةٍ مع قولِهِ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " دليلُ الوجوبُ.

ثم اخْْتَلَفُوا في وجوبِ الطمأنينةِ في الاعتدالِ مِنَ الركُوعِ والسُّجُودِ.
فذهبَ الحنفيَّةُ إلَى عدمِ وجُوبِهَا.
وذهبَ الْجُمْهُورُ إلَى وجوبِهَا، وحُجَّتُهم هذا الْحَدِيثُ الصحيحُ الصريحُ، وحَدِيثُ البرَاءِ بنِ عازبٍ " أنَّه رَمَقَ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوَجد قِيامَه، فَرَكعْتَه، فاعتدَالَه بعدَ ركُوعِهِ، فَسجْدتَه، فَجِلْستَه ما بينَ التسليم ِوالانصرافِ، قريباً مِنَ السواءِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وتقدَّم الكلامُ عَلَيْهِ ـ وثبتَ أنَّه يقفُ في اعتدالِهِ بعدَ الركُوعِ حتَّى يُظنَّ أنَّه قد نَسِي لإطالَتِه ـ والأدلَّةُ علَى ذلك كثيرةٌ.
وليس لدَى الحنفيَّةِ دليلٌ علَى ما ذَهبوا إِلَيْهِ، ولا جوابٌ صحيحٌ علَى أدلَّة الْجُمْهُورِ الصحيحةِ الصريحةِ.

المبحثُ الثاني: في كيفيةِ الاستدلالِ بهذا الْحَدِيثِ علَى الواجباتِ في الصَّلاَةِ وغيرِ الواجباتِ.
قَالَ في سُبلِ السلامِ: واعلمْ أنَّ هذا حَدِيثٌ جليلٌ، تَكرَّر مِنَ الْعُلَمَاءِ الاستدلالُ بِهِ علَى وجوبِ كلِّ ما ذُكِر فِيهِ، وعدمِ وجوبِ كلِّ ما يُذكرُ فِيهِ.
أمَّا الاستدلالُ علَى أنَّ كلَّ ما ذُكِر فِيهِ واجبٌ، فلأنه سَاقهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظِ الأمرِ بعدَ قولِهِ: " لَنْ تَتِمَّ الصَّلاَةُ إلا بما ذُكِرَ فِيهِ ". فيَقوِّي مَرتبةَ الحَصْرِ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَر ما تَعلَّقت بِهِ الإساءةُ مِنْ عملِ هذا الْمُصَلِّي، وما لم تَتعلَّقْ بِهِ إساءَتُه فقط، ولم يُحَدِّدْ مَوْضِعَ الإساءةِ مِنْ عملِ هذا الْمُصَلِّي، وما لم تَتعلَّقْ بِهِ إساءتُه مِنْ واجباتِ الصَّلاَةِ. وهذا يدلُّ علَى أنَّه لم يَقصرِ المقصودَ علَى ما وقعَتْ فِيهِ الإساءةُ فقط ولم يُحدِّدْ موضعَ الإساءةِ مِنْ صَلاَةِ هذا الرَّجلِ. ولكنَّه عندَ أبيِ داودَ والترمذيِّ والنَّسَائِيِّ " أنَّه أخَفَّ صَلاَتَه " وأئِمَّةُ الْحَدِيثِ يجعلونَ هذا الْحَدِيثَ في بابِ وجوبِ الطُّمأنينةِ فلَعَلَّ الإساءةَ راجِعةٌ إلَى أنَّ هذا الرَّجُلَ نَقلَ الصَّلاَةَ فأخَفَّ أعمالَهَا وأقْوالَهَا.
وأما الاستدلالُ علَى أنَّ كلَّ ما لم يُذكرْ فِيهِ لا يجبُ؛ فلأنَّ المَقامَ مَقامُ تعليمِ الواجباتِ في الصَّلاَةِ.
فلو تَركَ ذِكرَ بعضِ ما يَجبُ لكان فِيهِ تأخيرُ البيانِ عَنْ وَقْتِ الحاجةِ، وهو لا يجوزُ بالإجماعِ، فإذا أَحصَيت ألفاظَ الْحَدِيثِ الصحيحِ، أُخِذ منهَا بالزائدِ.
ثم إنَّ عارضَ الوجوبِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ألفاظُ هذا الْحَدِيثِ أو عدمِ الوجوبِ دليلٌ أقوَى مِنْهُ عُمِل بِهِ. فكلُّ موضعٍ اختلفَ الفقهاءُ في وجوبِهِ، وكان مذكوراً في هذا الْحَدِيثِ فإننا نَتمسَّكُ بوُجوبِه. وكلُّ موضعٍ اخْْتَلَفُوا في وجوبِهِ ولم يكن مذكُوراً في هذا الْحَدِيثِ فإنَّا نَتمسَّكُ بعدمِ وجوبِهِ، استناداً إلَى هذا الْحَدِيثِ؛ لأنَّه موضعُ تعليمٍ.
وإنْ جَاءتْ صيغةُ أمرٍ بشيءٍ لم يُذكرْ في هذا الْحَدِيثِ، احتُمِلَ أنْ يكونَ هذا الْحَدِيثُ قرينةً علَى حمْلِ الصيغةِ علَى النَّدبِ، واحتُمِل البقاءُ علَى الظاهرِ، فيُحتاجُ إلَى مُرجِّحٍ، للعملِ بِهِ.

المبحثُ الثالثُ: في الأحكامِ المأخوذةِ مِنْ هذا الْحَدِيثِ.
الأعمالُ المذكورةُ في هذا الْحَدِيثِ هي أركانُ الصَّلاَةِ التي لا تَسقطُ سَهواً ولا جَهلاً.
وهي تكبيرةُ الإحرامِ في الرَّكعةِ الأولَى فقط، ثم قراءةُ الفاتحةِ في كُلِّ ركعةٍ، ثم الركُوعُ والاعتدالُ مِنْهُ، ثم السُّجُودُ والاعتدالُ مِنْهُ، والطمأنينةُ في كُلِّ هذهِ الأفعالِ حتَّى في الرَّفعِ مِنَ الركُوعِ والسُّجُودِ، خلافاً لمَنْ لَمْ يُوجِبوهَا في هذينِ الرُّكنَينِ مع استحبابِهمَا عندَهم. وَبقِيَ شيءٌ مِنَ الأركانِ، كالتشَهُّدِ، والصَّلاَةِ علَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتسليمِ.
قَالَ النوويُّ: إنهَا معلومةٌ لدَى السائلِ.
أنْ يفعلَ ذلك في كُلِّ ركعةٍ، ما عدا تكبيرةَ الإحرامِ، ففي الأُولَى دونَ غيرِهَا.
دَلَّ هذا الْحَدِيثُ علَى عدمِ وجوبِ ما لم يُذكرْ فِيهِ مِنْ أعمالِ الصَّلاَةِ.
لكن بعدَ الاطلاعِ علَى طُرقِهِ، والإحاطةِ بجميعِ ألفاظِهِ، لِيُعلمَ المذكورُ كُلُّه فيؤخَذَ بِهِ.
وفيهِ دليلٌ علَى وجوبِ الترتيبِ بينَ هذهِ الأعمالِ؛ لأنَّه وَردَ بلفظِ (ثُمَّ) ولأنه مَقامُ تعليمِ جاهلٍ بالأحكامِ.
أنَّ هذهِ الأركانَ للصَّلاَةِ، لا تَسقطُ لا سَهواً ولا جَهلاً، بدليلِ أمرِ الْمُصَلِّي بالإعادَةِ، ولم يَكتفِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسلامُ بتعليمِهِ.
يدلُّ هذا الْحَدِيثُ علَى عدمِ صحَّةِ صَلاَةِ المُسيءِ، فلولا ذلك لم يُؤمَرْ بِإعادَتِهَا.
ويدلُّ علَى أنَّ الجاهلَ تُجزِئُ مِنْهُ الصَّلاَةُ الناقِصةُ، أمَّا العالمُ فلا.
فِيهِ دليلٌ علَى مشروعيَّةِ حُسنِ التعليمِ والأمرِ بالمعروفِ، وأنْ يكونَ ذلك بِطريقٍ سَهْلةٍ، لا عُنفَ فيهَا، وأنَّ الأحسنَ للمُعلِّمِ أنْ يَستعمِلَ طريقَ التشويقِ في الْعِلْمِ، ليكونَ أبلَغَ في التعليمِ، وأبقَى في الذِّهنِ.
وأنه يُستحبُّ لِلْمَسْئُولِ أنْ يَزيدَ في الجوابِ إذا اقتَضَتِ المَصلحةُ ذلك كأنْ تَكُونَ قَرينةُ الحالِ تدلُّ علَى جهْلِ السائلِ ببعضِ الأحكامِ التي يَحتاجُهَا.
10ـ أنَّ الاستفتاحَ، والتَّعُوَّذَ، ورفْعَ اليدينِ، وجَعْلَهُما علَى الصَّدرِ، وهيئاتِ الركُوعِ والسُّجُودِ والجلوسِ وغيرِ ذلكَ كلُّهَا مُستحبَّةٌ.
11ـ وفيهِ أنَّ المُعلِّمَ يبدأُ في تعليمِهِ بالمُهِمِّ فَالاَهمِّ، وتُقدَّمُ الفروضُ علَى المُستحبَّاتِ.
12ـ قَالَ الصَّنعانيُّ: واعلمْ أنَّ حَدِيثَ المسيءِ في صَلاَتِهِ قد اتَّسعَ فِيهِ نِطاقُ الكلامِ، وتَجاذَبتٍ مَعانِيَهُ الأفهامُ، وقد كُنَّا حَقَّقنا أنَّه لا يَتِمُّ حملُ النَّفيِ فِيهِ علَى نَفْيِ الكمالِ؛ لِما تَقَرَّر في علمِ النَّحوِ وعلْمِ الأصولِ، أنَّ كلِماتِ النَّفيِ مَوضوعةٌ لِنفْيِ الحقيقةِ، فقولُك:" لا رَجُلَ في الدارِ " نفْيٌ لحقيقةِ الرجلِ فيهَا، وهذا مما لا نِزاعَ فِيهِ، وأنه لا يُحملُ علَى خلافِهِ مِنَ الكمالِ وغيرِه إلا لِدليلٍ. ا.هـ.


  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ وجوبِ الطُّمأنينَةِ فِي الرُّكوعِ والسُّجودِ

98 - الحديثُ الأوَّلُ: عَنْ أَبِي هُريرةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:(( ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ )) فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ )) ثَلاثًا فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: (( إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمئِنَّ جالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا)).

الكلامُ عليهِ مِن وجوهٍ :
الأولُ: فيهِ الرِّفقُ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المُنكرِ، فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ عاملهُ بالرِّفقِ فيمَا أمرَهُ بِهِ، كمَا قالَ معاويةُ بنُ الحَكَمِ السُّلمِيُّ ((فمَا كَهَرنِي)) ووصفَ رِفقَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهِ، وكذلكَ قالَ في الأعرابيِّ: ((لا تُزْرِمُوهْ))، ولمْ يُعَنِّفْهُ، وفيهِ حُسْنُ خُلُقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيهِ تَكرارُ ردِّ السَّلامِ مرارًا، إذا كرَّرهُ المسلِّمُ، كما وردَ في بعضِ طرقهِ، مع الفصلِ القريبِ.
الثاني: تَكرَّرَ مِن الفقهاءِ الاستدلالُ على وجوبِ ما ذُكرَ في الحديثِ، وعدمِ وجوبِ ما لمْ يُذْكرْ فيهِ، فأمَّا وجوبُ ما ذُكِرَ فيه، فلِتَعَلُّقِ الأمرِ بهِ، وأما عدمُ وجوبِ غيرِه، فليسَ ذلكَ لمجرَّدِ كونِ الأصلِ عدمَ الوجوبِ، بلْ لأمرٍ زائدٍ على ذلك، وهوَ أنَّ الموضعَ موضعُ تعليمٍ، وبيانٍ للجاهلِ، وتعريفٍ لواجباتِ الصَّلاةِ، وذلكَ يقتضِي انحصارَ الواجباتِ فيما ذُكرَ.
ويقوِّي مرتبةَ الحصرِ أنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرَ ما تعلَّقَتْ بهِ الإِساءةُ مِن هذا المُصلِّي وما لمْ تتعلَّقْ بهِ إساءتُه مِن واجباتِ الصَّلاةِ، وهذا يدلُّ على أنَّهُ لمْ يقصِر المقصودَ على ما وقعتْ فيهِ الإِساءةُ فقطْ.
فإذا تقرَّرَ هذَا فكلُّ موضعٍ اختلفَ الفقهاءُ في وجوبِهِ - وكانَ مذكورًا فِي هذا الحديثِ - فَلنَا أنْ نتمسَّكَ بهِ في وجوبهِ، وكلُّ موضعٍ اختلفُوا في وجوبهِ، ولمْ يكنْ مذكورًا في هذَا الحديثِ، فلنَا أنْ نتمسَّكَ بهِ في عدمِ وجوبهِ، لكونِه غيرَ مذكورٍ في هذَا الحديثِ على ما تقدَّمَ من كونهِ موضعَ تعليمٍ، وقدْ ظهرتْ قرينةٌ معَ ذلكَ على قصدِ ذِكْرِ الواجباتِ، وكلُّ موضعٍ اختُلفَ في تحريمِه فلنَا أنْ نَستدلَّ بهذَا الحديثِ على عدمِ تحريمهِ، لأنهُ لو حُرِّمَ لوجبَ التلبُّسُ بضدِّهِ، فإنَّ النهيَّ عنِ الشَّيِء أمرٌ بأحدِ أضدادِه، ولو كانَ التلبُّسُ بالضِّدِّ واجبًا لذكرَ ذلكَ، على ما قرَّرناهُ، فصارَ مِن لوازمِ النَّهي، الأمرُ بالضِّدِّ، ومِنَ الأمرِ بالضِّدِّ، ذكرُه في الحديثِ علَى ما قرَّرناهُ، فإذا انتفَى ذكرُه - أعنِي الأمرَ بالتلبُّسِ بالضِّدِّ - انتفَى ملزومُه، وهو الأمرُ بالضِّدِّ، وإذا انتفَى الأمرُ بالضِّدِّ انتفَى ملزومُه، وهو النَّهيُ عن ذلكَ الشَّيءِ.
فهذهِ الثَّلاثُ الطُّرقُ يُمكنُ الاستدلالُ بهَا على شيءٍ كثيرٍ منَ المسائلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالصَّلاةِ، إلا أنَّ على طالبِ التَّحقيقِ في هذَا ثلاثَ وظائفَ :
أحدُها: أنْ يَجمَعَ طُرُقَ هذا الحديثِ، ويُحصِي الأمورَ المذكورةَ فيهِ ويأخذَ بالزَّائدِ فالزَّائدِ، فإنَّ الأخذَ بالزَّائدِ واجبٌ.
وثانيهَا: إذا قامَ دليلٌ على أحدِ أمرينِ: إمَّا عدمُ الوجوبِ، أو الوجوبُ، فالواجبُ العملُ بهِ، ما لمْ يُعارضْهُ ما هوَ أقوَى منهُ، وهذا في بابِ النَّفيِ يَجِبُ التحرُّزُ فيهِ أكثرَ، فليُنظَرْ عندَ التَّعارُضِ أقوَى الدليلينِ فيُعملُ بهِ.
وعندنَا أنهُ إذا استدَلَّ على عدمِ وجوبِ شيءٍ بعدمِ ذكرهِ في الحديثِ، وجاءتْ صيغةُ الأمرِ بهِ في حديثٍ آخرَ، فالمقدَّمُ صيغةُ الأمرِ، وإنْ كانَ يمكنُ أنْ يقالَ: الحديثُ دليلٌ على عدمِ الوجوبِ، وتُحملُ صفةُ الأمرِ على النَّدبِ لكنْ عندنَا أن ذلكَ أَقوَى، لأنَّ عدَمَ الوجوبِ مُتوقِّفٌ على مُقدِّمةٍ أُخرَى، وهوَ أنَّ عدَمَ الذِّكرِ في الرِّوايةِ يدلُّ علَى عدمِ الذِّكرِ في نفسِ الأمرِ، وهذهِ غيرُ المقدِّمةِ التي قَرَّرناهَا، وهوَ أنَّ عدمَ الذِّكرِ يدلُّ على دعمِ الوجوبِ، لأنَّ المرادَ ثمَّةَ أنَّ عدمَ الذِّكرِ في نفسِ الأمرِ منَ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدلُّ على عدمِ الوجوبِ، فإنهُ موضعُ بيانٍ وعدمُ الذِّكرِ في نفسِ الأمرِ غيرُ عدمِ الذِّكرِ في الرِّوايةِ، وعدمُ الذِّكرِ في الرِّوايةِ إنَّمَا يدُلُّ على الذِّكرِ في نفسِ الأمرِ، بطريقِ أنْ يقالَ: لو كانَ لذُكِرَ، أو بأنَّ الأصلَ عدمُه، وهذهِ المقدِّمةُ أضعفُ مِن دلالةِ الأمرِ على الوجُوبِ.
وأيضًا فالحديثُ الذِي فيهِ الأمرُ إثباتٌ لزيادةٍ، فيُعملُ بها.
وهذَا البحثُ كلُّه بناءً على إعمالِ صيغةِ الأمرِ في الوُجوبِ الذِي هو ظاهرٌ فيهَا، والمُخالفُ يُخرجُها عن حقيقتِها بدليلِ عدمِ الذِّكرِ، فيَحتاجُ النَّاظرُ المُحقِّقُ إلى الموازنةِ بينَ الظَّنِّ المستفادِ مِن عدمِ الذِّكرِ في الرِّوايةِ، وبينَ الظَّنِّ المستفادِ منْ كونِ الصِّيغةِ للوجوبِ. والثاني عندنَا أرجحُ.
وثالثُها: أنْ يستمرَّ علَى طريقةٍ واحدةٍ، ولا يستعملَ في مكانٍ ما يتركُه في آخرَ، فَيَتَثَعْلَبُ نظرُه، وأنْ يستعملَ القوانينَ المعتبرةَ في ذلكَ استعمالاً واحدًا، فإنهُ قد يقعُ هذا الاختلافُ في النَّظرِ في كلامِ كثيرٍ من المتناظرينَ.

الوجهُ الثَّالثُ مِن الكلامِ على الحديثِ: قدْ تقدَّمَ أنهُ قَدْ يُستدلُّ - حيثُ يُرَادُ نفيُ الوجوبِ - بعدمِ الذِّكرِ في الحديثِ، وقد فعلُوا هذا في مسائلَ :
منهَا: أنَّ الإِقامةَ غيرُ واجبةٍ، خلافًا لمنْ قالَ بوجوبِها مِن حيثُ إنَّهَا لم تُذكَرْ في الحديثِ، وهذَا - على ما قرَّرناهُ - يحتاجُ إلى عدمِ رجحانِ الدَّليلِ الدَّالِ على وجوبِهَا عندَ الخَصمِ، وعلى أنَّهَا غيرُ مذكورةٍ في جميعِ طرقِ هذَا الحديثِ، وقدْ وردَ فِي بعضِ طرقِه الأمرُ بالإِقامةِ، فإنْ صحَّ فقدْ عُدِمَ أحدُ الشَّرطينِ اللذينِ قررناهُما.
ومنَها: الاستدلالُ على عدمِ وجوبِ دعاءِ الاستفتاحِ، حيثُ لم يُذكَرْ، وقدْ نُقلَ عن بعضِ المتأخِّرينَ - ممنْ لم يَرسُخْ قدمُه في الفقهِ، ممن يُنسبُ إلى غيرِ الشافعيِّ - أنَّ الشافعيَّ يقولُ بوجوبهِ، وهذا غلطٌ قطعًا، فإنْ لم ينقُلْهُ غيرُه فالوهمُ منهُ، وإنْ نقلَهُ غيرُه - كالقاضِي عياضٍ رحمهُ اللهُ، ومَنْ هوَ في مرتبتهِ مِنَ الفُضلاءِ، فالوهمُ منهُمْ لا منهُ.
ومنهَا: استدلالُ بعضِ المالكيَّةِ بهِ علَى عدمِ وجوبِ التَّشهُّدِ بما ذكرناهُ مِن عدمِ الذِّكرِ، ولمْ يتعرَّضْ هذا المُستدلُّ بالسَّلامِ، لأنَّ للحنفيَّةِ أنْ يستدِلُّوا بهِ على عدمِ وجوبِ السَّلامِ بعينهِ، مَع أنَّ المادَّةَ واحدةٌ، إلاَّ أنْ يُريدَ أنَّ الدَّليلَ المعارِضَ لوجوبِ السَّلامِ أقوَى مِنَ الدَّليلِ على عدمِ وجوبهِ، فلذلكَ تركَهُ، بخلافِ التشهُّدِ، فهذا يقالُ فيه أمرانِ:
أحدُهما: أنَّ دليلَ إيجابِ التَّشهُّدِ هو الأمرُ، وهو أرجحُ ممَّا ذكرناهُ.
وبالجملةِ فلهُ أنْ يناظِرَ على الفَرقِ بينَ الرُّجحانينِ، ويمهِّدَ عذرَه، ويُبقِي النظرَ ثمَّةَ فيما يقالُ.
الثَّاني: أنَّ دلالةَ اللفظِ على الشَّيءِ لا تنفِي معارضةَ المانعِ الرَّاجحِ، فإنَّ الدلالةَ أمرٌ يرجعُ إلى اللفظِ، أو إلى أمرٍ لو جُرِّدَ النَّظَرُ إليهِ لثَبَتَ الحكمُ، وذلكَ لا ينفِي وجودَ المعارضِ.
نعمْ لو استدلَّ بلفظٍ يَحتملُ أمرينِ على السَّواءِ، لكانت الدلالةُ منتفيةً، وقدْ يُطلقُ الدليلُ على الدَّليلِ التَّامِّ الذِي يجبُ العملُ بهِ، وذلكَ يَقتضِي عدمَ وجودِ المُعارِضِ الرَّاجحِ، والأَوْلَى أنْ يُستعملَ في دلالِة ألفاظِ الكتابِ والسُّنةِ الطريقُ الأوَّلُ، ومَن ادَّعَى المُعارِضَ الرَّاجحَ فعليهِ البيانُ.

الوجهُ الرَّابعُ مِنَ الكلامِ على الحديثِ: استُدِلَّ بقولهِ: ((فكبِّرْ)) على وجوبِ التكبيرِ بعينهِ، وأبو حنيفةَ يُخالفُ فيهِ، ويقولُ: إِذَا أَتَى بما يقتضِي التَّعظيمَ، كقولِه: ((اللهُ أجلُّ)) أو ((أعظمُ)) كفَى، وهذَا نظرٌ منهُ إلى المعنَى، وأنَّ المقصودَ التعظيمُ، فيحصلُ بكلِّ ما دلَّ عليهِ، وغيرُه اتَّبعَ اللَّفظَ، وظاهرُه تعيينُ التَّكبيرِ، ويتأيَّدُ ذلكَ بأنَّ العباداتِ محلُّ التعبُّداتِ، ويكثُرُ ذلكَ فيهَا، فالاحتياطُ فيهَا الاتِّباعُ.
وأيضًا: فالخُصوصُ قدْ يكونُ مطلوبًا، أعنِي خصوصَ التَّعظيمِ بلفظِ: ((اللهُ أكبرُ)) وهذَا لأنَّ رُتَبَ هذهِ الأذكارِ مختلفةٌ، كما تدلُّ عليهِ الأحاديثُ فقدْ لا يتأدَّى برُتبةٍ ما يقصدُ من أُخرَى، ولا يُعارِضُ هذا أن يكونَ أصلُ المعنَى مفهومًا، فقدْ يكونُ التَّعبُدُ واقعًا في التَّفصيلِ، كَمَا أنَّا نفهمُ أنَّ المقصودَ منَ الرُّكوعِ التعظيمُ بالخضوعِ، ولو أقامَ مقامَهُ خضوعًا آخرَ لمْ يُكتفَ بهِ، ويتأيَّدُ هذَا باستمرارِ العملِ مِنَ الأمَّةِ علَى الدُّخولِ في الصَّلاةِ بهذهِ اللفظةِ، أعني: ((اللهُ أكبرُ)).
وأيضًا: فقدِ اشتهرَ بينَ أهلِ الأصُولِ أنَّ كلَّ علةٍ مُستنبطةٍ تعودُ على النَّصِّ بالإِبطالِ أو التَّخصيصِ فهيَ باطلةٌ، ويُخرَّجُ على هذا حكمُ هذهِ المسألةِ، فإنهُ إِذَا استنبطَ مِنَ النَّصِّ أنَّ المقصودَ مطلقُ التَّعظيمِ بطلَ خصوصُ التَّكبيرِ، وهذهِ القاعدةُ الأصُوليَّةُ قد ذكرَ بعضُهم فيها نظرًا وتفصيلاً، وعلى تقديرِ تقريرِهَا مُطلقًا يُخرَّجُ ما ذكرناهُ.

الوجهُ الخامسُ: قولُهُ: (( ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) يدلُّ على وجوبِ القراءةِ في الصَّلاةِ، ويَستدِلُّ به مَن يَرَى أنَّ الفاتحةَ غيرُ معيَّنةٍ، ووجهُهُ ظاهرٌ، فإنهُ إذا تيسَّر غيرُ الفاتحةِ، فقارئُهُ يكونُ ممتثلاً، فيخرُجُ عنِ العهدةِ، والذينَ عيَّنُوا الفاتحةَ للوجوبِ، وهمُ الفقهاءُ الأربعةُ، إلاَّ أنَّ أبا حنيفةَ منهمْ - عَلَى مَا نُقلَ عَنْهُ - جعلهَا واجبةً، وليستْ بفرضٍ، عَلَى أصلِه فِي الفرق بَيْنَ الواجبِ والفرضِ. اختلفَ مَنْ نصرَ مذهبَهم فِي الجوابِ عَن الحديثِ، وذُكرَ فِيْهِ طرقٌ :
الطريقُ الأوَّلُ: أنْ يكونَ الدليلُ الدالُّ عَلَى تعيينِ الفاتحةِ، كقولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ صلاةَ لِمَنْ لمْ يقرأْ بفاتحةِ الكتَابِ)) مثلاً، مفسِّرًا للمجملِ الَّذِي فِي قولِه: (( اقرأْ مَا تيسَّرَ معكَ مِنَ القرآنِ)) وَهَذَا - إنْ أُريدَ بالمجملِ مَا يُريدُه الأصوليونَ بِهِ - فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لأنَّ المُجملَ: مَا لاَ يتَّضحُ المرادُ مِنْهُ، وقولهُ: (( اقرأْ مَا تيسَّرَ معكَ منَ القرآنِ)) مُتَّضحٌ أنَّ المرادَ يقعُ امتثالُهُ بفعلِ كلِّ مَا تيسَّرَ، حَتَّى لَوْ لمْ يَرِدْ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ صلاةَ لِمَنْ لمْ يقرأْ بفاتحةِ الكتَابِ)) لاكْتَفينَا فِي الامتثالِ بكلِّ مَا تيسَّرَ، وإنْ أُريدَ بكونِه مُجملاً أنَّهُ لاَ يتعيَّنُ فردٌ مِنَ الأفرادِ، فَهَذَا لا يَمْنَعُ مِن الاكتفاءِ بكلِّ فردٍ ينطلقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الاسمُ، كَمَا فِي سائرِ المُطلقاتِ.
الطريقُ الثَّانِي: أنْ يُجعلَ قولُهُ: ((اقرأْ مَا تَيسَّرَ معكَ)) مُطلقًا يقيَّدُ، أَوْ عامًّا يخصَّصُ بقولهِ: ((لاَ صلاةَ إلاَّ بفاتحةِ الكتَابِ))، وَهَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ أنْ يقالَ: لاَ نُسلِّمُ أنهُ مطلقٌ مِن كلِّ وجهٍ، بلْ هُوَ مقيَّدٌ بقيدِ التَّيسيرِ الَّذِي يقتضِي التخييرَ فِي قراءةِ كلِّ فردٍ من أفرادِ المُتيسِّرَاتِ، وَهَذَا القيدُ المخصوصُ يقابلُ التعيينَ، وَإِنَّمَا نظيرُ المطلقِ الَّذِي لاَ ينافِي التَّعيينَ، أنْ يقولَ: اقرأْ قرآنًا، ثُمَّ يقولُ: اقرأْ فاتحةَ الكتابِ، فإنَّهُ يُحملُ المطلقُ عَلَى المقيَّدِ حينئذٍ، والمثالُ الَّذِي يُوضِّحُ ذَلِكَ: أنَّهُ لَوْ قَالَ لغُلامِه: اشترِ لي لحمًا، وَلاَ تشترِ إلاَّ لحمَ الضَّأنِ، لم يتعارضْ، وَلَوْ قَالَ: اشترِ لي أَيَّ لحمٍ شئتَ، وَلاَ تشترِ إلاَّ لحمَ الضَّأنِ، فِي وقتٍ واحدٍ لتعارضَ، إلاَّ أنْ يكونَ أرادَ بِهَذِهِ العبارةِ مَا يُرادُ بصيغةِ الاستثناءِ.
وَأَمَّا دعوَى التَّخصيصِ فأبعدُ؛ لأنَّ سياقَ الكلامِ يقتضِي تَيسيرَ الأمرِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقرِّبُ هَذَا إِذَا جعلتَ ((مَا)) بمعنَى الَّذِي، وأُريدَ بِهَا شيءٌ معيَّنٌ، وَهُوَ الفاتحةُ، لكثرةِ حفظِ المسلمينَ لَهَا، فهيَ المتيسَّرةُ.
الطريقُ الثالثُ: أنْ يُحملَ قولهُ: ((مَا تيسَّرَ)) عَلَى مَا زادَ عَلَى فاتحةِ الكتابِ،
ويدلُّ عَلَى ذَلِكَ بوجهينِ: أحدُهما: الجمعُ بينَهُ وبينَ دلائِل إيجابِ الفاتحةِ .
والثانِي: مَا وردَ فِي بعضِ روايةِ أبي داوُدَ: ((ثُمَّ اقرأْ بأمِّ القرآنِ، وَمَا شاءَ اللهُ أنْ تقرَأَ ))، وَهَذِهِ الرِّوايةُ - إِذَا صَحَّتْ - تزيلُ الإِشكالَ بالكلِّيَّةِ، لما قرَّرناهُ مِن أنَّهُ يُؤْخَذُ بالزايدِ إِذَا جُمِعَتْ طرقُ الحديثِ، ويلزمُ من هَذِهِ الطريقةِ إخراجُ صيغةِ الأمرِ عَن ظاهرِها عندَ مَن لاَ يَرى وجوبَ زائدٍ عنِ الفاتحةِ، وهمُ الأكثرونَ.

الوجهُ السَّادسُ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( ثُمَّ اركعْ حَتَّى تطمئنَّ راكعًا))، يدلُّ عَلَى وجوب الرُّكوعِ، واستدلُّوا بِهِ عَلَى وجوبِ الطُّمأنينةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ دالٌّ عليهَا، وَلاَ يُتَخَيَّلُ ههنَا مَا تكلَّمَ النَّاسُ فِيْهِ، مِن أنَّ الغايةَ هل تدخلُ فِي المُغَييِّ أمْ لاَ؟ أَوْ مَا قِيلَ منْ الفرقِ بَيْنَ أنْ تكونَ مِن جنسِ المغيِّ أَوْ لاَ، فإنَّ الغايةَ ههنَا - وهي الطُّمأنينةُ - وصفٌ للرُّكوعِ، لتقييدهِ بقولهِ: ((راكعًا))، ووصفُ الشَّيءِ معهُ حَتَّى لَوْ فرضْنَا أنَّهُ ركعَ ولمْ يطمئنَّ، بلْ رفعَ عقيبَ مُسمَّى الرُّكوعِ، لم يصدُقْ عَلَيْهِ أنَّهُ جَعَلَ مطْلَقَ الرُّكوعِ مُغَيًّا بالطمأنينَةِ.
وجاءَ بعضُ المتأخِّرينَ فأغربَ جدًّا، وَقَالَ: مَا تقريرُه إنَّ الحديثَ يدلُّ عَلَى عدمِ وجوبِ الطمأنينةِ من حَيْثُ إنَّ الأعرابيَّ صلَّى غيرَ مطمئنٍّ ثلاثَ مرَّاتٍ، والعبادةُ بدونِ شرطِها فاسدةٌ حرامٌ، فَلَوْ كانت الطمأنينةُ واجبةً لكانَ فِعْلُ الأعرابيِّ فاسدًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لمْ يقرَّهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي حالِِ فعلهِ، وَإِذَا تقرَّرَ بِهَذَا التقريرِ عدمُ الوجُوبِ: حُملَ الأمرُ فِي الطمأنينةِ عَلَى النَّدبِ، ويُحْمَلُ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فإنَّكَ لَمْ تصلِّ)) عَلَى تقديرِ: لم تصلِّ صلاةً كاملةً.
ويمكنُ أنْ يقالَ: إنَّ فعلَ الأعرابيِّ بمجرَّدهِ لاَ يوصفُ بالحرمةِ عَلَيْهِ، لأنَّ شَرْطَهُ عِلْمُه بالحكمِ، فَلاَ يكونُ التَّقريرُ تقريرًا عَلَى مُحرَّمٍ، إلاَّ أنهُ لاَ يكفِي ذَلِكَ فِي الجوابِ، فإنَّّه فعلٌ فاسدٌ، والتقريرُ يدلُّ عَلَى عدمِ فسادهِ، وَإلاَّ لَمَا كَانَ التقريرُ فِي موضعٍ مَا يدلُّ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَقَدْ يقالُ: إنَّ التقريرَ لَيْسَ بدليلٍ عَلَى الجوازِ مُطلقًا، بلْ لابدَّ من انتفاءِ الموانعِ، وزيادةِ قبولِ المتعلِّمِ لما يُلقَى إِلَيْهِ بعدَ تكرارِ فعلِه، واستجماعِ نفسِه، وتوجُّهِ سؤالِه، [وعدم] مصلحةٍ مانعةٍ مِن وجوبِ المبادرةِِ إِلَى التعليمِ، لاسيَّمَا مَعَ عدمِ خوفِ الفواتِ، إمَّا بناءً عَلَى ظاهرِ الحالِ، أَوْ بوحيٍ خاصٍّ.

الوجهُ السَّابعُ: قولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ ارفعْ حَتَّى تعتدِلَ قائمًا)) يدلُّ عَلَى وجوبِ الرَّفعِ، خلافًا لمنْ نفاهُ، ويدلُّ عَلَى وجوبِ الاعتدالِ فِي الرَّفعِ، وَهُوَ مذهبُ الشَّافعيِّ فِي الموضعينِ، وللمالكيَّةِ خلافٌ فيهمَا، وَقَدْ قِيلَ فِي توجيهِ عدمِ وجوبِ الاعتدالِ: إنَّ المقصودَ مِن الرَّفعِ الفصلُ، وَهُوَ يحصلُ بدونِ الاعتدالِ، وَهَذَا ضعيفٌ، لأنَّا نُسلِّمُ أنَّ الفصْلَ مقصودٌ، وَلاَ نُسلِّمُ أنهُ كلُّ المقصودِ، وصيغةُ الأمرِ دلَّتْ عَلَى أنَّ الاعتدالَ مقصودٌ مَعَ الفصلِ، فَلاَ يجوزُ تركُها.
وقريبٌ مِن هَذَا فِي الضَّعْفِ استدلالُ بعضِ مَن قَالَ بعدمِ وجوبِ الطمأنينةِ بقولِه تَعَالَى: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) [الحج: 77]، فلمْ يأمرنَا بِمَا زادَ عَلَى مَا يُسمَّى ركوعًا وسُجودًا، وَهَذَا واهٍ جدًّا، فإنَّ الأمرَ بالرُّكوعِ والسجودِ يَخرجُ عَنْهُ المكلَّفُ بمسمَّى الركوعِ والسُّجودِ كَمَا ذُكرَ، وَلَيْسَ الكلامُ فِيْهِ، وَإِنَّمَا الكلامُ فِي خروجهِ عن عهدةِ الأمرِ الآخرِ، وَهُوَ الأمرُ بالطمأنينةِ، فإنه يجبُ امتثالُهُ، كَمَا يجبُ امتثالُ الأوَّلِ.

الوجهُ الثَّامنُ: قولهُ: ((ثُمَّ اسجدْ حَتَّى تطمئنَّ ساجدًا)) والكلامُ فِيْهِ كالكلامِ فِي الرُّكوعِ. وَكَذَلِكَ قولهُ: ((ثُمَّ ارفعْ حَتَّى تطمئنَّ جالسًا)) فيمَا يُستنبطُ مِنْهُ.

الوجهُ التَّاسعُ: قولهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ افعلْ ذَلِكَ فِي صلاتِكَ كلِّها)) يقتضي وجوبَ القراءةِ فِي جميعِ الرَّكعاتِ، وَإِذَا ثبتَ أنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الأعرابيُّ هُوَ قراءةُ الفاتحةِ، دلَّ عَلَى وجوبِ قراءتِهَا فِي جميعِ الرَّكعاتِ، وَهُوَ مذهبُ الشَّافعيِّ،
وَفِي مذهبِ مالكٍ ثلاثةُ أقوالٍ :
أحدُهُا: الوجوبُ فِي كلِّ ركعةٍ .
والثَّاني: الوجوبُ فِي الأكثرِ .
والثَّالثُ: الوجوبُ فِي ركعةٍ واحدةٍ .


  #5  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن:

باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود
103- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) ، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(( ارجع فصل فإنك لم تصل))، ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيره، فعلمني، فقال: (( إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)).


  #6  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 08:05 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم.


باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها)).

الشيخ:
هذا حديث في صفة الصلاة، مشتمل على أغلب صفات الصلاة، ولكن القصد منه الطمأنينة فيها، ذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا في ناحية من المسجد ومعه صحابته يعلمهم ويقرؤهم ويستفيدون منه، وهكذا كانت عادته في كل صباح غالبًا، يجلس ويتوافدون إليه للتعليم. فجاء هذا الرجل فدخل المسجد كغيره، ولما دخل المسجد كان عليه أن يصلي تحية المسجد، فجاء وصلى تحية المسجد ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، ولكنه خففها ولم يتمها، فلما انتهى جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وأمره أن يرجع فيعيد الصلاة، وأخبره بأن هذه الصلاة التي صلى ليست صلاة، لا تحسب لـه صلاة، فكأنه لم يصل وكأنه لم يأتِ بعبادة أمره بأن يعيدها.
ثم أنه أعادها المرة الثانية، وأعادها المرة الثالثة، كرر ذلك ثلاثًا، ولما صلاها ثلاث مرات على تلك الحالة أخبر بأنه لا يعرف غير هذا، أن هذا منتهى ما يعرفه، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لـه الصلاة المجزئة التي إذا فعلها خرج من العهدة وبرئت ذمته، فنبي الله صلى الله عليه وسلم وصف لـه الصلاة المجزئة، أمره أولاً بالتكبير بعد القيام، أمره بالقيام، ثم أمره بالتكبير، ثم أمره بقراءة ما تيسر من القرآن، ثم أمره بعد ذلك بالركوع وأمره بالطمأنينة فيه، ثم بالرفع من الركوع وأمره بالاعتدال فيه، ثم أمره بالسجود وبالطمأنينة فيه وأمره بالرفع منه وبالطمأنينة فيه.
ووصف له ركعة إلا أنه لم يذكر فيها إلا سجدة في هذه الرواية، وأمره بأن يفعل ذلك في كل ركعاته، هكذا اشتمل هذا الحديث على وصف ركعة ولكن ليس فيها إلا سجدة. وفي بعض الروايات أنه وصف لـه السجدة الثانية، يعني أن يسجد سجدتين. وفي بعض الروايات أنه ذكر له الطهارة، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله))، وفي بعض الروايات أنه وصف لـه الوضوء فقال: ((اغسل وجهك ويديك وامسح برأسك واغسل قدميك)).
فكل ذلك مما أخبر به عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، وصف له هذه الصلاة وبين له أن هذه هي الصلاة المجزئة، وأنه إذا لم يفعل هذا يكون بذلك لم يصل، كأنه صلى صلاة لا تكفي ولا تجزئ،. ومباحث الحديث كثيرة. لعلنا نتعرض لها لشيء منها بعد الأذان.
قوله: ((فكبر)) فالمراد بها تكبيرة الإحرام، لاشك أنها أُمر بها ((فكبر)) وبينها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وبقوله، فكان إذا قام إلى الصلاة يقول: ((الله أكبر))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تحريمها التكبير وتحليلها التسليم))، يعني أن الصلاة لها تحريم ولها تحليل، فكون الإنسان محرمًا بالصلاة بقول: الله أكبر، إذا كبر أصبح حرام عليه أن لا يَعمل ما لا يُعمل في الصلاة، مالا يعمل فيها.
جمهور الأمة على أن التكبيرة ركن، تكبيرة الإحرام، وعلى أنه لا يجزئ غيرها بدلها، فلا يجزئ أن يقول: الله أعظم ولا الله أجل ولا الله الأكبر، بل لابد من قول: الله أكبر. وذهب بعض الحنفية إلى أنه يجزئ ما يدل على المعنى، يجزئ عندهم أن يقول: الله أجل أو الله أمجد أو الله أقوى، يعني كلمة تدل على الكبرياء وعلى العظمة. ولكن معلوم أن الصلاة تعبدية، وأن أفعالها مبنية على النقل، وأنه لا يصح فيها شيء إلا ما ثبت دليله، فلما لم يأت ما يدل على أنه يبدل التكبير بالتعظيم ولا بالتبجيل ولا بالإجلال دل على أن اللفظة مقصودة.
الحنفية يقولون: إن القصد منها.. إن القصد من التكبيرة معناها وهو استحضار العظمة،استحضار عظمة الله تعالى. نقول: الكلمة مقصود لفظها ومقصود معناها؛ وذلك لأن المكبر إذا قال: الله أكبر فعليه أن يستحضر مدلول هذه الكلمة وهو كبرياء الله وعظمته وجلاله وهيبته، فيوجب له ذلك تبجيله وتعظيمه ويوجب له ذلك حضور قلبه وخشوعه وخضوعه بين يدي ربه؛ لأنه إذا قال: الله أكبر تمثل أن الله أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وأن المخلوقات صغيرة وحقيرة بين يديه،وحقيرة بالنسبة إلى عظمته، فيحتقر المخلوق ويعظم الخالق، وعند ذلك يخبت إلى الله وينيب إليه ويخشع ويخضع بين يديه، فهذا هو المقصود من افتتاح هذه الصلاة بهذا التكبير.
((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)).لم يُذكر في هذا الحديث الاستفتاح، قوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) أو قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي ))، ذكر في أحاديث أخرى وقد استدل بتركه هنا على أنه ليس من الواجبات، بل هو من المستحبات، لوتركه عمدًا ما بطلت الصلاة بتركه، ولكنه سنة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك يتأكد أن يستفتح وأن يواظب على هذا الاستفتاح إذا تيسر له. بأي نوع يستفتح؟ ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بقوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) إلى آخره، وتارة يستفتح بقوله: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل)) ….إلى آخره، وتارة بقوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ….إلى آخره، فأيها استفتح به أجزأ ذلك إن شاء الله.
ولكن اختار الإمام أحمد الاستفتاح بقوله: ((سبحانك اللهم)) ؛ لأنه ثناءٌ ولأنه مختصر, ورجح بعض العلماء أنه يأتي بهذا تارة وبهذا تارة حتى لا يترك شيئًا من السنة ولا يهجر شيئًا مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما القراءة لم يُذكر في هذا الحديث قراءة الفاتحة بل قال: ((اقرأ ما تيسر معك من القرآن))، وقد استدل بذلك بعض الحنفية على أن قراءة الفاتحة ليست بواجبة بل الواجب جنس القراءة، واستدلوا أيضًا بالآية الكريمة في سورة المزمل وهي قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.
ولكن دلت أحاديث أخرى على أنه يجب قراءة الفاتحة، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، وفي حديث آخر: ((صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج خداج غير تمام))، فأخذ من هذا أن قراءة الفاتحة واجبة، ولكن وجوبها يكون على الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها مستحبة في حقه؛ وذلك لأنه قد يكون مع الإمام والإمام يقرأ ومأمور بأن ينصت لقراءة إمامه، فإن تيسر له قراءتها في سكتات إمامه فعل ذلك, وإن لم يتيسر له اقتصر على قراءة الإمام وتكفيه.
وذهب بعضهم إلى أنه يقرأ ولو قرأ الإمام، وروي ذلك عن أبي هريرة لما قيل له: إني أكون خلف الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك، واستدل بحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)). وبكل حال فيتأكد قراءتها لمن خلف الإمام في سر وفي جهر. أما من يقول: إنه يكفي قدرها من السور الأخرى فأخذوا بظاهر هذا الحديث، ولعله صلى الله عليه وسلم لم يذكر الفاتحة؛ لأنها معلومة مشهورة ولأن ذلك الرجل قد علم حكمها، علم حكمها من الفعل المتكرر، فإن الصحابة كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحوالهم، ولم يكن يترك قراءة الفاتحة، فيسمعونه ويعرفون حكمها من قوله ومن فعله، فبذلك يعلم أنه ما ترك تعليم الفاتحة أو ذكر الفاتحة إلا لكونها معلومة مشهورة.
بعد ذلك ذكر الركوع، الركوع معناه الانحناء من قيام إلى أن تصل يداه إلى ركبتيه، ولا شك أنه ركن في الصلاة, قد أمر الله تعالى به في عدة آيات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}، وفي قوله تعالى: { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وفي قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، فالركوع الانحناء في القيام وهو عبادة، عبادة من العبادات من أجل العبادات، وما ذاك إلا لما فيه من الانحناء وما فيه من الذل والخضوع والتذلل بين يدي الرب سبحانه وتعالى، فإنه في تلك الحال يكون مخبتًا منيبًا متواضعًا متخشعًا متذللاً مهطعًا مقنعًا لربه، خاضعًا بين يديه ، قد خفض رأسه، فلذلك يأتي فيه بالذكر المناسب يقول فيه: سبحان ربي العظيم فكأنه يقول: أنا...

الوجـه الثانـي

...الذليل وأنت العظيم، أنا العبد وأنت المعبود، أنا العبد وأنت المالك، أنت مالكي وأنت ربي، أنا المربوب وأنت رب العباد، أعظمك حق التعظيم.
ورد في حديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((أما إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) يعني حري أن تستجاب دعواتكم، فأمرهم بالركوع بأن يعظموا الرب، ولأجل ذلك يسن أن يؤتى بالأذكار التي فيها تعظيم لله تعالى وتسبيح له وتنزيه له وتقديس له، وكل ذلك ليستحضر العبد عظمة ربه وأنه خاشع وخاضع وهو واقف بين يديه، فيوجب له ذلك الانكسار ويوجب الانكسار رحمة الله تعالى، ورد في حديث: ((أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي )) وإذا انكسر القلب تواضع الجسم فيكون ذلك سببًا في نزول الرحمة.
في هذا الحديث الأمر بالطمأنينة في قوله: ((حتى تطمئن راكعًا)) الطمأنينة هي الركود فيه،وذلك بأن يتمكن ويركد، تمام الركوع هو أن تمس يداه ركبتيه، وكماله أن يلقم كل ركبة يدًا، وأن يفرق أصابعه وأن يمسك ركبتيه إمساكًا قويًا، وتمامه أيضًا أن يمد ظهره ويجعله مستويًا ويجعل رأسه بحياله، فلا يرفعه ولا يخفضه، ويجعل ظهره مستويًا بحيث لو وضع عليه قدح لركد لم يمل ههنا ولا ههنا، ومقداره بقدر ما يقول: سبحان ربي العظيم مرة باطمئنان لا بعجلة.
فهذا حقيقة الطمأنينة المذكورة في هذا الحديث، الطمأنينة: الركود، الطمأنينة: الركون يعني حتى تطمئن، أي تركد وتركن وتقف يعني يتحقق أنك ركنت، فهذا دليل على أن الطمأنينة ركن، وهي التي أنكر على ذلك الرجل الذي أساء صلاته ولم يحسن ما يأتي به فيها، فلذلك قال: (( فإنك لم تصل)) لما أنه لم يأتِ بهذه الطمأنينة، قال: ((إنك لم تصل)).
ذهب جمهور الأمة إلى أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة وعدوه في أركانها.
ولكن روي عن بعض الحنفية أنهم لا يوجبون الطمأنينة، أنه يجوز عندهم الصلاة بلا طمأنينة وعليه تشاهدون كثيرًا من الذين يدعون أنهم على مذهب أبي حنيفة، لا يطمئنون فلا يصل أحدهم إلى الركوع حتى يرفع، ولا يرفع حتى ينخفض, ولا يسجد ويصل الأرض حتى يرفع، إذا مست جبهته الأرض رفع بسرعة، إذا انحنى فساعة ما ينحني يرفع بسرعة، فيترك ركنًا أكده النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعون أن أبا حنيفة لم يوجبه.
فيقال لهم: لعل أبا حنيفة لم يفصح بترك ذلك، ثم أيضًا ارجعوا إلى فعل أبي حنيفة رحمه الله فقد كان كثير العبادة, وقد كان كثير الصلاة، أبو حنيفة الذي تقتضون به وتخففون الصلاة ما اقتديتم به في كل الحالات، كان أبو حنيفة رحمه الله يقوم الليل كله حتى أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة أو قريبًا منها، لا شك أنه يطيل الأركان، يطيل أركان الصلاة، فربما تكون الركعة في نصف ساعة أو نحوها، لا شك أنه يطمئن فيها، ولم ينقل أيضًا في أفعاله أنه كان يخفف صلاته.
فهؤلاء الذين يقتدون به ما اتبعوه حقًا، يمكن أنه نقلت عنه رواية أن الطمأنينة ليست واجبة ولكن تلك الرواية قد تكون في وقت لها مناسبة، فأخذها هؤلاء وقالوا: الطمأنينة ليست ركنًا وليست واجبة حتى نقول لهم: هل حرمها أبو حنيفة؟ وهل كرهها؟ وهل نهى عنها؟ كونه يقول في هذه الرواية: أنها ليست ركنًا، لا يقتضي أنكم تنقرون الصلاة وتخففونها التخفيف الذي قد يبطلها.
اعتبروا بهذا الحديث الذي قال فيه: (( فإنك لم تصل)) وتذكروا أن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن التخفيف الزائد وسماه نقرًا، فنهى عن نقر كنقر الغراب، لا شك أن الذي يكون كذلك كأنه ينقر الصلاة، لا يصل إلى الأرض إلا وقد رفع فيكون شبيهًا بالغراب، نقر كنقر الغراب، نهى عنه صلى الله عليه وسلم يعني في الركوع وفي السجود فلينتبه المسلم إلى ذلك.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, وجوب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir