دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 10:05 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي (أما) و(لولا) و(لوما)

أمَّا ولَوْلَا ولَوْمَا

أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ وَفَا = لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجوبًا أُلِفَا
وحَذْفُ ذِي الْفَاقَلَّ في نَثْرٍ إذَا = لَمْ يَكُ قولٌ مَعَهَا قدْ نُبِذَا
لَوْلا ولَوْمَا يَلزمانِ الِابْتِدَا = إذا امْتِنَاعًا بِوُجودٍ عَقَدَا
وبهما التحضيضَ مِزْ وَهَلَّا = أَلَّا أَلَا وَأَوْلِيَنْها الْفِعْلَا
وقدْ يَلِيهَا اسمٌ بفِعلٍ مُضْمَرِ = عُلِّقَ أوْ بظاهِرٍ مُؤَخَّرِ


  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


أَمَّا وَلَوْلاَ وَلَوْمَا

أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيْءٍ وَفَا = لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا ([1])
أما: حرفُ تفصيلٍ وهي قائمةٌ مقامَ أداةِ الشرطِ وفعلِ الشرطِ؛ ولهذا فسَّرَها سيبويهِ بمهما يكُ مِنْ شَيْءٍ، والمذكورُ بعدَها جوابُ الشرطِ فلذلك لَزِمَتْهُ الفاءُ نحو: "أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ" والأصلُ "مهما يكُ مِنْ شَيْءٍ فزيدٌ منطلقٌ" فأُنيبَتْ "أَمَّا" منابَ "مهما يكُ مِنْ شَيْءٍ" فصار: "أَمَّا فَزَيدٌ مُنْطَلِقٌ" ثمَّ أخَّرْتَ الفاءَ إلى الخبرِ فصارَ: "أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ"؛ وَلِهَذَا قال: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا).
وَحَذْفُ ذِي الفَا قَلَّ فِي نَثْرٍ إِذَا = لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا([2])
قد سبَقَ أن هذه الفاءَ ملتَزَمَةُ الذِّكْرِ، وقد جاءَ حذفُها في الشعرِ كقولِه:
349- فَأَمَّا القِتَالُ لا قِتَالَ لَدَيْكُمُ = وَلكِنَّ سَيْرًا فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ([3])
أي: فلا قتالَ، وحُذِفَتْ في النثرِ أيضا: بكثرةٍ وبقلَّةٍ، فالكثرةُ عندَ حذفِ القولِ معها كقولِه عزَّ وجلَّ: { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ؟} أي: فيقالُ لهم: أكفرَتُم بعدَ إيمانِكم، والقليلُ: مَا كَانَ بخلافِه كقولِه صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ))([4]) هكذا وقعَ في (صَحِيحِ البُخَارِيِّ) ((مَا بَالُ)) بحذفِ الفاءِ والأصلُ أَمَّا بعدُ فما بالُ رجالٍ فحُذِفَتْ الفاءُ.
لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الابْتِدَا = إِذَا امْتِنَاعًا بِوُجُودٍ عَقَدَا([5])

لِلَوْلاَ وَلَوْمَا استعمالانِ:
أحدُهما: أنْ يكونا دالَّيْنِ على امتناعِ الشيءِ لوجودِ غيرِهِ، وهو المرادُ بقولِهِ: (إِذِاَ امْتِنَاعًا بِوُجُودٍ عَقَدَا) ويلزمانِ حينئذٍ الابتداءَ، فلا يدخلانِ إلا على المبتدأِ، ويكونُ الخبرُ بعدهما محذوفًا وجوبًا ولا بدَّ لهما من جوابٍ([6]) فإنْ كان مثبتًا قُرِنَ باللامِ غالبًا، وإن كان مَنْفِيًّا بما تجرَّدَ عنها([7]) غالبًا، وإن كان منفيًّا بلم لم يقترنْ بها نحو: " لَوْلاَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ، وَلَوْمَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ، وَلَوْمَا زَيْدٌ مَا جَاءَ عَمْرٌو، وَلَوْمَا زَيْدٌ لَمْ يَجِئْ عَمْرٌو" فزيدٌ في هذه المثلِ ونحوِها مبتدأٌ وخبرُهُ محذوفٌ وجوبًا، والتقديرُ: لولا زيدٌ موجودٌ، وقد سبقَ ذِكْرُ هذه المسألةِ في بابِ الابتداءِ.

وَبِهِمَا التَّحْضِيضُ مِزْ، وَهَلاَّ = أَلاَّ أَلاَ وَأَوْلِيَنْهَا الفِعْلاَ([8])

أشارَ في هذا البيتِ إلى الاستعمالِ الثاني للَوْلاَ ولَوْمَا، وهو الدَّلاَلَةُ على التحضيضِ، ويختصَّانِ حينئذٍ بالفعلِ نحو: " لَوْلاَ ضَرَبْتَ زَيْدًا وَلَوْمَا قَتَلْتَ بَكْرًا" فإنْ قصدْتَ بهما التوبيخَ، كانَ الفعلُ ماضيًا، وإن قصدْتَ بهما الحثَّ على الفعلِ كان مستقبلاً بمنزلةِ فعلِ الأمرِ كقولِهِ تعالى: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا} أي: لينفِرْ، وبقيَّةُ أدواتِ التحضيضِ حكمُها كذلك فتقول: "هلاَّ ضربْتَ زيدًا، وألا فعلْتَ كذَا" وألاَ مخففَّةٌ كألاَّ مشدَّدَةٌ.

وَقَدْ يَلِيَها اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ = عُلِّقَ أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرَ([9])
قد سبقَ أنَّ أدواتِ التحضيضِ تُخْتَصُّ بالفعلِ فلا تدخُلُ على الاسمِ، وذكَرَ في هذا البيتِ أنَّه قد يقعُ الاسمُ بعدَها، ويكونُ معمولاً لفعلٍ مضمرٍ أو لفعلٍ مؤخَّرٍ عن الاسمِ، فالأولُ كقولِه:
هلاَّ التقدُّمُ والقلوبُ صحاحُ([10])
فـ "التقدُّمُ" مرفوعٌ بفعلٍ محذوفٍ، وتقديرُه هلا وُجِدَ التقدُّمِ، ومِثْلُه قولُه:
351- تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَني ضَوْطَرَى، وَلَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا([11])
فـ "الكَمِيَّ" مفعولُ بفعلِ محذوفٍ، والتقديرُ لولا تَعُدُّونَ الكميَّ المقنَّعَ، والثاني كقولِك: "لولا زيدًا ضربْتُ" فزيدًا مفعولُ "ضربْتَ".


([1])(أما) قصد لفظه: مبتدأ (كمهما يك من شيء) المقصود حكاية هذه الجملة التي بعد الكاف الجارة أيضا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ (وفا) قصر للضرورة: مبتدأ (لتلو) جار ومجرور متعلق بقوله (ألفا) الآتي في آخر البيت وتلو مضاف وتلو من (تلوها) مضاف إليه وتلو مضاف وها: مضاف إليه (وجوبا) حال من الضمير المستتر في قوله (ألفا) الآتي (ألفا) ألف: فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى (فا) الواقع مبتدأ، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

([2]) و(حذف) مبتدأ، وحذف مضاف و(ذي) اسم إشارة مضاف إليه (الفا) قصر للضرورة: بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة (قل) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من قل وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ (في نثر) جار ومجرور متعلق بقوله (قل) السابق (إذا) ظرف تضمن معنى الشرط (لم) نافية جازمة (يك) فعل مضارع ناقص، مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف (قول) اسم يك (معها) مع ظرف متعلق بقوله (نبذ) الآتي ومع مضاف وها مضاف إليه (قد) حرف تحقيق (نبذا) نبذ: فعل ماض مبني للمجهول والألف للإطلاق ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل نصب خبر يك، وجملة يك واسمه وخبره في محل جر بإضافة (إذا) إليها، وهي جملة الشرط، والجواب محذوف يدل سابق الكلام عليه، والتقدير: إذا لم يك قول فحذف الفاء قليل.

([3])349- هذا البيت مما هجي به بنو أسد ابن أبي العيص قديما, وهو من كلام الحارث بن خالد المخزومي, وقبله:
فضحتم قريشا بالفرار وأنتم = قمدون سودان عظام المناكب
اللغة: "قمدون" جمع قمد، وهو – بضم القاف والميم وتشديد الدال بزنة عتل – الطويل وقيل: الطويل العنق الضخمة "سودان" أراد به الأشراف وقيل: هو جمع سود، وهو جمع أسود، وهو أفعل تفضيل من السيادة "عراض" جمع عرض – بضم العين وسكون الراء المهملة وآخره ضاد معجمة – بمعنى الناحية (المواكب) الجماعة ركبانا أو مشاة، وقيل: ركاب الإبل للزينة خاصة.
الإعراب: (أما) حرف يتضمن معنى الشرط والتفصيل (القتال) مبتدأ (لا) نافية للجنس (قتال) اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب (لديكم) لدى: ظرف متعلق بمحذوف خبر لا، ولدى مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه، والجملة من لا واسمه وخبره في محل رفع خبر المبتدأ والرابط بين جملة المبتدأ والخبر هو العموم الذي في اسم لا، كذا قيل، ورده الجمهور واستظهر جماعة منهم أن الرابط هنا إعادة المبتدأ بلفظه فهو كقوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} {القارعة ما القارعة} {وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} و(لكن) حرف استدراك ونصب، واسمه محذوف، أي: ولكنكم (سيرا) مفعول مطلق لفعل محذوف، أي تسيرون سيرا وجملة هذا الفعل المحذوف مع فاعله في محل رفع خبر لكن ويجوز أن يكون قوله (سيرا) هو اسم لكن، وخبره محذوف والتقدير: ولكن لكم سيرا – إلخ (في عراض) جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف على الأول، وبقوله (سيرا) على الثاني، وعراض مضاف و(المواكب) مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله (لا قتال لديكم) حيث حذف الفاء من جواب أما، مع أن الكلام ليس على تضمن قول محذوف وذلك للضرورة ومثله قول الآخر:
فأما الصدور لا صدور لجعفر = ولكن أعجازا شديدا صريرها
فحذف الفاء من (لا صدور لجعفر) وليس على تقدير القول، وقوله (ولكن أعجازا) تقديره "ولكن لهم أعجازا" نظير ما ذكرناه في قول الحارث (ولكن سيرا) في أحد الوجهين.

([4])يمكن تخريج هذا الحديث على تقدير القول، فتكون من النوع الذي يكثر فيه حذف الفاء كالآية، والتقدير: أما بعد فأقول: ما بال رجال، وقد روي أن السيدة عائشة – رضي الله تعالى عنها! – قالت: (أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا) فهذا على حذف الفاء، وليس على تقدير قول قطعا، لأنه إخبار عن شيء مضى.

([5])(لولا) قصد لفظه: مبتدأ (ولوما) معطوف على لولا (يلزمان) فعل مضارع وألف الاثنين فاعل والنون علامة الرفع والجملة في محل رفع خبر المبتدأ (الابتدا) مفعول به ليلزمان (إذا) ظرف تضمن معنى الشرط (امتناعا) مفعول به تقدم على عامله وهو قوله (عقدا) الآتي (بوجود) جار ومجرور متعلق بعقد الآتي أيضا (عقدا) عقد: فعل ماض، وألف الاثنين فاعل، والجملة من الفعل وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها.

([6])قد يحذف جواب لولا لدليل يدل عليه، نحو قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} التقدير: لولا فضله عليكم لهلكتم.

([7])ومن غير الغالب قد يخلو الجواب المثبت من اللام، وذلك نحو قول الشاعر:
ولا زهير جفاني كنت معتذرا = ولم أكن جانحا للسلم إن جنحوا
وقد يقترن الجواب المنفي بما باللام نحو قول الشاعر:
لولا رجاء لقاء الظاعنين لما = أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا.

([8])(وبهما) الواو عاطفة أو للاستئناف بهما: جار ومجرور متعلق بقوله (مز) الآتي (التحضيض) مفعول به لمز تقدم عليه (مز) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (وهلا) معطوف على الضمير المجرور محلا بالباء في قوله (بهما) (ألا ألا) معطوفان أيضا على الضمير المجرور محلا بالباء بعاطف مقدر و(أولينها) أول: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب وها: مفعول أول (الفعلا) مفعول ثان.

([9]) و(قد) حرف تقليل (يليها) يلي: فعل مضارع، مرفوع بضمة مقدرة على الياء وها: مفعول به ليلي (اسم) فاعل يلي (بفعل) جار ومجرور متعلق بقوله (علق) الآتي (مضمر) نعت لفعل (علق) فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم والجملة في محل رفع نعت لاسم (أو) عاطفة (بظاهر) معطوف على قوله (بفعل) السابق مع ملاحظة منعوت محذوف، أي: أو بفعل ظاهر – إلخ (مؤخر) نعت لظاهر.

([10])350 - هذا عجز بيت لا يعرف قائله، وصدره:
ألآن بعد لجاجتي تلحونني
اللغة: "لجاجتي" بفتح اللام: مصدر لجج في الأمر – من باب تعب – إذا لازمه وواظب عليه، وداوم على فعله "تلحونني" تلومونني (صحاح) جمع صحيح أي: والقلوب خالية من الغضب والحقد والضغينة.
المعنى: تقول: أبعد لجاجتي وغضبي وامتلاء قلوبنا بالغل والحقد تلومونني وتعذلونني وتتقدمون إلي بطلب الصلح وغفران ما قدمتم من الإساءة، وهلا كان ذلك منكم قبل أن تمتلئ القلوب إحنة، وتحمل الضغينة عليكم بسبب سوء عملكم.
الإعراب: (ألآن) الهمزة للإنكار، والآن: ظرف زمان متعلق بقوله (تلحونني) الآتي (بعد) ظرف زمان بدل من الظرف السابق، وبعد مضاف ولجاجة من (لجاجتي) مضاف إليه، ولجاجة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه (تلحونني) تلحو: فعل مضارع، وواو الجماعة فاعل والنون علامة الرفع والنون الثانية للوقاية، وياء المتكلم مفعول به (هلا) أداة تحضيض (التقدم) فاعل بفعل محذوف، أي: هلا حصل التقدم (والقلوب) الواو للحال القلوب: مبتدأ (صحاح) خبر المبتدأ وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله (هلا التقدم) حيث ولي أداة التخصيص اسم مرفوع، فيجعل هنا فاعلا لفعل محذوف، لأن أدوات التحضيض مخصوصة بالدخول على الأفعال وهذا الفعل ليس في الكلام فعل آخر يدل عليه كما في نحو: "زيدا أكرمته" ونظير هذا البيت قول الشاعر:
ألا رجلا جزاه الله خيرا = يدل على محصلة تبيت
فإن "رجلا" منصوب بفعل محذوف، وذلك في بعض تخريجاته، وهذا الفعل المحذوف ليس في الكلام فعل يفسره، وتقدير الكلام: ألا تعرفونني رجلا، أو نحو ذلك.

([11])351 - البيت لجرير من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق.
اللغة: (تعدون) قد اختلف العلماء في هذا الفعل، هل يتعدى إلى مفعول واحد فقط، أو يجوز أن يتعدى إلى مفعولين؟ فأجاز قوم تعديته إلى مفعولين ومنع ذلك آخرون والبيت بظاهره شاهد للجواز (عقر) مصدر قولك:عقر الناقة أي: ضرب قوائمها بالسيف (النيب) جمع ناب، وهي الناقة المسنة (مجدكم) عزكم وشرفكم (ضوطرى) هو الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناء عنده، والضوطرى أيضا: المرأة الحمقاء (الكمي) الشجاع المنكمي في سلاحه، أي المستتر فيه (المقنعا) بصيغة اسم المفعول: الذي على رأسه البيضة والمغفر.
المعنى: يقول: إنكم تعدون ضرب قوائم الإبل المسنة – التي لا ينتفع بها ولا يرجى نسلها – بالسيف أفضل عزكم وشرفكم، هلا تعدون قتل الفرسان أفضل مجدكم!؟
الإعراب: (تعدون) تعد: فعل مضارع وواو الجماعة فاعل، والنون علامة الرفع (عقر) مفعول أول وعقر مضاف و(النيب) مضاف إليه (أفضل) مفعول ثان، وأفضل مضاف ومجد من (مجدكم) مضاف إليه، ومجد مضاف وكاف المخاطب مضاف إليه (بني) منادى بحرف نداء محذوف، منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وبني مضاف و(ضوطرى) مضاف إليه (لولا) أداة تحضيض (الكمي) مفعول أول لفعل محذوف يدل عليه ما قبله على تقدير مضاف أي: لولا تعدون قتل الكمي (المقنعا) صفة للكمي، والمفعول الثانى المحذوف يدل عليه الكلام السابق، والتقدير: لولا تعدون قتل الكمي المقنع أفضل مجدكم.
الشاهد فيه: قوله (لولا الكمي المقنعا) حيث ولي أداة التحضيض اسم منصوب، فجعل منصوبا بفعل محذوف لأن أدوات التحضيض مما لا يجوز دخولها إلا على الأفعال.
ونحب أن ننبهك إلى أن العامل في الاسم الواقع بعد أدوات التحضيض على ثلاثة أقسام تفصيلا:
أولها: أن يكون هذا الفعل العامل في ذلك الاسم متأخرا عن الاسم نحو: "هلا زيدا ضربت".
وثانيها: أن يكون هذا العامل محذوفا مفسرا بفعل آخر مذكور بعد الاسم، نحو: "ألا خالدا أكرمته" تقدير هذا الكلام: ألا أكرمت خالدا أكرمته.
وثالثها: أن يكون هذا الفعل العامل محذوفا، وليس في اللفظ فعل آخر يدل عليه ولكن سياق الكلام ينبئ عنه فيمكنك أن تتصيده منه وقد استشهدنا لهذا النوع في شرح الشاهد رقم 350.


  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصلٌ في أمَّا

وهي حرفُ شرطٍ وتوكيدٍ دائِماً، وتفصيلٍ غالباً.
يَدُلُّ على الأوَّلِ مَجِيءُ الفاءِ([1]) بعدَها.
وعلى الثالِثِ استقراءُ مَوَاقِعِها، نحوُ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}([2])، {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}([3])، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}([4]) الآياتِ، ومنه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}([5]) الآيةَ.
وقَسِيمُه في المعنى قولُه تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}([6]) الآيةَ، فالوَقْفُ دُونَه، والمعنى: وأمَّا الراسخونَ فيقولون. وذلك على أنَّ المرادَ بالمتشابِهِ ما اسْتَأْثَرَ اللهُ تعالى بعِلْمِهِ.
ومِن تَخَلُّفِ التفصيلِ قولُكَ: (أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ)([7]).
وأما الثاني فذَكَرَه الزَّمَخْشَرِيُّ فقالَ: (أمَّا) حرفٌ يُعْطِي الكلامَ فَضْلَ تَوْكِيدٍ، تقولُ: (زَيْدٌ ذَاهِبٌ)، فإذا قَصَدْتَ أنه لا مَحَالةَ ذاهِبٌ قلتَ: (أمَّا زَيْدٌ فذَاهِبٌ). وزَعَمَ أنَّ ذلك مُسْتَخْرَجٌ مِن كلامِ سِيبَوَيْهِ.
وهي نائبةٌ عن أداةِ شرطٍ وجملتِه؛ ولهذا تُؤَوَّلُ بمَهْمَا يَكُنْ مِن شيءٍ، ولا بُدَّ مِن فاءٍ تاليةٍ لِتَالِيها، إلاَّ إنْ دَخَلَتْ على قولٍ قد طُرِحَ استغناءً عنه بالمَقُولِ؛ فيَجِبُ حَذْفُها معَه؛ كقولِهِ تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}([8])؛ أي: فيقالُ لهم: أَكَفَرْتُمْ. وَلاَ تُحْذَفُ في غيرِ ذلكَ إلاَّ في ضرورةٍ؛ كقولِهِ:
522- فأمَّا القِتَالُ لا قِتَالَ لَدَيْكُمُ([9])
أو نُدُورِ([10]) نحوُ: ((أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٌ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ))([11]).
فَصْلٌ في لَوْلاَ وَلَوْمَا([12])
لـ (لَوْلاَ) و(لَوْمَا) وجهانِ:
أَحَدُهما: أنْ يَدُلاَّ على امتناعِ جَوَابِهِما؛ لِوُجُودِ تاليهما فيَخْتَصَّانِ بالجُمَلِ الاسميَّةِ، نحوُ: {لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}([13]).
والثاني: أنْ يَدُلاَّ على التحضيضِ، فيَخْتَصَّانِ بالفعليَّةِ، نحوُ: {لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ}([14])، {لَوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلاَئِكَةِ}([15])، ويُسَاوِيهما في التحضيضِ والاختصاصِ بالأفعالِ: هَلاَّ وأَلاَ وألاَّ، وقد يَلِي حرفَ التحضيضِ اسمٌ مُعَلَّقٌ بفعلٍ: إما مُضْمَرٍ، نحوُ: ((فَهَلاَّ بِكْراً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟))؛ أي: فهلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْراً. ومُظْهَرٍ مُؤَخَّرٍ، نحوُ: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}([16])؛ أي: هَلاَّ قُلْتُمْ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ.


([1]) مَجِيءُ الفاءِ في نحوِ قولِهِ تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، ووجهُ دَلالةِ مَجِيءِ الفاءِ بعدَ أَمَّا على كَوْنِها دالَّةً على الشرطِ ومُتَضَمِّنَةً لمعناهُ أنَّ الفاءَ لا يَخْلُو حَالُها مِن أنْ تكونَ عاطفةً أو زائدةً أو واقعةً في جوابِ الشرطِ، ولا يجوزُ أنْ تكونَ هذه الفاءُ عاطفةً؛ لأنَّها داخلةٌ على خبرِ المبتدأِ، ولا يُعْطَفُ الخبرُ على مُبْتَدَئِهِ، كما لا يجوزُ أنْ تكونَ هذه الفاءُ زائدةً؛ إذ لو كانَتْ زائدةً لَوَقَعَ الاستغناءُ عنها في الكلامِ الفصيحِ في السَّعَةِ، ولم يَقَعْ، فلا تكونُ زائدةً، وإذا بَطَلَ أنْ تكونَ عاطفةً وبَطَلَ أنْ تكونَ زائدةً، فقد لَزِمَ أنْ تكونَ واقعةً في جوابِ الشرطِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ (أَمَّا) التي قَبْلَها مُتَضَمِّنَةٌ معنى الشرطِ.

([2]) سورةُ الضُّحَى، الآيةُ، 9.

([3]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 106.

([4]) سورةُ الليلِ، الآيةُ: 5.

([5]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 7.

([6]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 7.

([7]) لم يَرْتَضِ ابنُ هِشَامٍ – في غيرِ هذا الكتابِ – أنْ يكونَ هذا المثالُ ونحوُه لا تَدُلُّ فيه (أمَّا) على التفصيلِ، بل هي فيه وفي نَحْوِهِ دَالَّةٌ على التفصيلِ، غايةُ ما في البابِ أنَّ قَسَمَ المذكورِ محذوفٌ للعِلْمِ به من المَقامِ، وبيانُ ذلك أنَّ هذا الكلامَ لا يَتَكَلَّمُ به المُتَكَلِّمُ إلاَّ إذا حَصَلَ تَرَدُّدٌ في شخصيْنِ نُسِبَا جَميعاً أو نُسِبَ أَحَدُهما إلى ما يُذْكَرُ بعدَ (أَمَّا)، فإذا كُنْتَ تُجَادِلُ في عليٍّ وخالِدٍ أيُّهما الخطيبُ المُفَوَّهُ مثلاً فقلتَ: (أمَّا عليٌّ فخَطِيبٌ مُفَوَّهٌ) فتقديرُ الكلامِ: أمَّا عليٌّ فخطيبٌ مُفَوَّهٌ، وأمَّا خالدٌ فليسَ كذلك. فلا تَخْلُو (أمَّا) عن الدَّلالةِ على التفصيلِ، لكنْ قد يُذْكَرُ كلٌّ مِن القَسِيمَيْنِ وقد يُذْكَرُ أَحَدُهما ويُحْذَفُ الآخرُ للعِلْمِ به، فاعْرِفْ ذَلك وتَفَطَّنْ له.

([8]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 106.

([9]) 522-هذا الشاهدُ مِن كلامِ الحارِثِ بنِ خالدٍ المَخْزُومِيِّ. وهو مِمَّا هَجَا به بَنِي أُسَيْدِ بنِ أبي =العِيصِ. والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُه معَ بيتٍ سابقٍ عليه قولُه:
فَضَحْتُمْ قُرَيْشاً بِالْفِرَارِ، وَأَنْتُمُ = قُمُدُّونَ سُودَانٌ عِظَامُ الْمَنَاكِبِ
فأمَّا القتالُ...... = ...... = ولَكِنَّ سَيْراً فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ
اللغةُ: (قُمُدُّونَ) جَمْعُ قُمُدٍّ – بضمِّ القافِ والميمِ وتشديدِ الدالِ، بزِنَةِ عُتُلٍّ – هو الطويلُ مُطْلَقاً، وقيلَ: هو الطويلُ العُنُقِ الضَّخْمَةِ. وقيلَ: هو الشديدُ الصُّلْبُ القَوِيُّ، (سُودَانٌ) جمعُ أَسْوَدَ على غيرِ قياسٍ، وقيلَ: جمعُ سُودٍ، وهو جمعُ أَسْوَدَ، مأخوذٌ مِن السِّيَادَةِ، قالَه البَغْدَادِيُّ، (عِرَاضِ) جمعُ عُرْضٍ – بالضمِّ – وهو الناحيةُ، (المواكِبِ) يُرْوَى بالواوِ جمعَ مَوْكِبٍ، وهو الجماعةُ من الناسِ رُكْبَاناً أو مُشَاةً، ويُرْوَى بالراءِ: (المَرَاكِبِ)، وفَسَّرُوه بنفسِ الذي فَسَّرْنَا به الروايةَ الأُولَى، ويقالُ: هم رُكَّابُ الإبلِ للزِّينةِ خاصَّةً.
المعنى: يَهْجُو بَنِي أُسَيْدِ بنِ أَبِي =العِيصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عبدَ شَمْسٍ، ويقولُ لهم: إنَّكُم جماعةٌ لا تُقْدِمُونَ على القتالِ ولا تُحْسِنُونَه، وإنما تُحْسِنُونَ السيْرَ معَ رُكَّابِ الإِبِلِ الذين لا يُقَاتِلُونَ؛ لذلك فَضَحْتُمْ قُرَيْشاً بالانتسابِ إليها؛ بسَبَبِ فِرَارِكُم مِن حَوْمَةِ القتالِ وتَوَلِّيكُم، معَ أنَّ صُوَرَكُم صُوَرُ الشُّجْعَانِ ذَوِي السِّيادَةِ.
الإعرابُ: (أمَّا) حرفُ شرطٍ وتفصيلٍ، (القِتَالُ) مبتدأٌ، (لا) نافيةٌ للجنسِ، (قِتالَ) اسمُ لا، (لَدَيْكُمُ) لَدَى: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ لا، والضميرُ مضافٌ إليه، وجملةُ لا واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (ولكنَّ) الواوُ حرفُ عطفٍ، ولكنَّ: حرفُ استدراكٍ ونصبٍ، واسمُها ضميرُ مُخَاطَبِينَ محذوفٌ، (سَيْراً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ تَقَعُ جُمْلَتُه خَبَراً للكِنَّ، وتقديرُ الكلامِ: ولكنَّكم تَسِيرُونَ سَيْراً، وقيلَ: إنَّ (سَيْراً) هو اسمُ لكنَّ، وخَبَرُها هو المحذوفُ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: ولَكِنَّ لكم سَيْراً، (في) حرفُ جرٍّ، (عِرَاضِ) مجرورٌ بفي، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بسَيْرٍ، وعِرَاضِ مضافٌ و(المواكِبِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (لا قِتَالَ لَدَيْكُمُ) حيثُ حَذَفَ الفاءَ من جوابِ (أمَّا)، معَ أنَّ الكلامَ ليسَ على تَضَمُّنِ قولٍ محذوفٍ، وذلك ضرورةٌ، ومثلُه قولُ الآخَرِ:
فَأَمَّا الصُّدُورُ لا صُدُورَ لِجَعْفَرٍ = ولكنَّ أَعْجَازاً شَدِيداً صَرِيرُهَا
ويَسْتَشْهِدُ النحاةُ بهذين البيتيْنِ على أنَّ الرابطَ الذي رَبَطَ بينَ جملةِ الخبرِ والمبتدأِ هو العمومُ، بحيثُ يكونُ المبتدأُ فَرْداً ممَّا تَدُلُّ الجملةُ عليه، وقد مَضَى بَيَانُهُ في بابِ المبتدأِ والخبرِ.

([10]) قالَ المؤلِّفُ في المُغْنِي: (وزَعَمَ بعضُ المُتَأَخِّرِينَ أنَّ فاءَ جوابِ (أمَّا) لا تُحْذَفُ في غيرِ الضرورةِ أصلاً، وأنَّ الجوابَ في هذه الآيةِ: (هي سورةُ آلِ عِمرانَ، الآيةُ: 106) هو قولُه تعالى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ}، والأصلُ: فيقالُ لهم: ذُوقُوا. فحُذِفَ القولُ وانْتَقَلَتِ الفاءُ للمقولِ، وأنَّ ما بينَهما اعتراضٌ) اهـ.

([11]) قد بَيَّنَّا لكَ أنَّ الفاءَ الواقعةَ بعدَ (أمَّا) هي الفاءُ التي تَدْخُلُ على جوابِ الشرطِ، وقد كانَ مِن حَقِّ هذه الفاءِ أنْ تَدْخُلَ على أوَّلِ أجزاءِ جملةِ الجوابِ، كما أنها تَدْخُلُ على أوَّلِ أجزاءِ جوابِ الشرطِ معَ كلِّ أداةٍ مِن أدواتِ الشرطِ، فأنتَ تقولُ: (إنْ يَزُرْنِي خالِدٌ فذلك فَضْلٌ منه)، وتقولُ: (حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ فأنتَ مُلاقٍ خَيْراً)، إلاَّ أنهم خَالَفُوا ذلك معَ أمَّا؛ ولهذا سِرٌّ يَجِبُ أنْ تَتَنَبَّهَ له، وهو أنهم الْتَزَمُوا معَ أمَّا أنْ يَحْذِفُوا جملةَ الشرطِ، وهذا معنى قولِهِم: (أمَّا نائبةٌ عن أداةِ الشرطِ وفِعْلِ الشرطِ جميعاً)، وهو ما أشارَ إليه ابنُ مالِكٍ بقولِهِ: (أَمَّا كمهما بِكَ مِن شيءٍ)، ومتى كانوا يَلْتَزِمُونَ حذفَ فعلِ الشرطِ ولا يَذْكُرُونَ إلاَّ الجوابَ، فلو قَرَنُوا الفاءَ بأوَّلِ أجزاءِ جملةِ الجوابِ فقالوا: (أمَّا فزيدٌ مُنْطَلِقٌ) مثلاً، كانَتْ هذه الفاءُ تاليةً لأداةِ الشرطِ، فرَأَوْا ذلك قَبِيحاً، فالْتَزَمُوا أنْ يَفْصِلُوا بينَ أمَّا والفاءِ بفاصلٍ: إمَّا بجزءٍ مِن جملةِ الجوابِ، وإمَّا بشيءٍ آخَرَ، وباستقراءِ الاستعمالِ العربيِّ تَجِدُ الفاصلَ بينَ أمَّا والفاءِ واحداً مِن سِتَّةِ أشياءَ:
الأوَّلُ: المبتدأُ مِن جملةِ الجوابِ، نحوُ قولِكَ: (أمَّا زيدٌ فمُنْطَلِقٌ).
الثاني: الخبرُ من جملةِ الجوابِ أيضاً، نحوُ قولِكَ: (أمَّا في الدارِ فزَيْدٌ).
والثالِثُ: جملةُ شرطٍ دُونَ جَوَابِهِ تكونُ مُعْتَرِضَةً، نحوُ قولِهِ تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}.
والرابِعُ: اسمٌ منصوبٌ لَفْظاً أو مَحَلاًّ بما بعدَ الفاءِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
والسادسُ: ظرفٌ؛ كقولِكَ: (أَمَّا اليومَ فزَيْدٌ مسافرٌ).

([12]) ههنا خمسةُ أمورٍ يَجِبُ أنْ تَعْرِفَهَا لِتَكُونَ على بَصِيرةٍ من الأمرِ في شأنِ لولا ولوما:
الأمرُ الأوَّلُ: قد نَصَّ جماعةٌ على اتِّفَاقِ الكُوفِيِّينَ والبَصْرِيِّينَ على أنَّ (لولا) في الوجهِ الأوَّلِ مُرَكَّبَةٌ مِن (لو) الامتناعيَّةِ و(لا) النافيةِ، وأنَّ معنى كلِّ حرفٍ مِن هذيْنِ الحرفيْنِ باقٍ بعدَ التركيبِ على ما كانَ عليه قبلَ التركيبِ، وحَكَى قومٌ في ذلك خِلافاً.
الأمرُ الثاني: اخْتَلَفَ النحاةُ في العاملِ في الاسمِ المرفوعِ الواقعِ بعدَ (لولا) هذه، ولهم في ذلك ثلاثةُ أقوالٍ:
القولُ الأوَّلُ: أنَّ هذا الاسمَ مبتدأٌ، ورافِعُه الابتداءُ، وهذا قولُ سِيبَوَيْهِ ومَن تَابَعَهُ.
القولُ الثاني: أنَّ هذا الاسمَ مرفوعٌ بلولا نَفْسِها، وهو قولُ الفَرَّاءِ، ويُنْقَلُ عنه أنه عَلَّلَ هذا بأنَّ لولا مُخْتَصَّةٌ بالأسماءِ، وأنتَ خَبِيرٌ أنَّ هذا لا يَصْلُحُ عِلَّةً لعملِ الرفعِ في الاسمِ؛ لِما عَرَفْتَ مِرَاراً مِن أنَّ حَقَّ الحرفِ المُخْتَصِّ بالاسمِ أنْ يَعْمَلَ العملَ الخاصَّ به، وهو الجرُّ.
القولُ الثالِثُ: أنَّ الاسمَ المرفوعَ إنما ارْتَفَعَ بلولا؛ لكونِها نائبةً عن الفعلِ، فأصلُ قولِكَ: (لولا زيْدٌ لأَكْرَمْتُكَ) هو: لولا امْتَنَعَ زيدٌ لأَكْرَمْتُكَ، وقد حَكَى الفَرَّاءُ هذا الرأيَ بقولِهِ: (وقالَ بعضُهم) ولم يُعَيِّنْه، لكنْ حكاه جماعةٌ مِن أثباتِ العلماءِ – منهم ابنُ هِشَامٍ – عن الكُوفِيِّينَ.
الأمرُ الثالِثُ: على القولِ الذي اخْتَارَهُ المؤلِّفُ تَبَعاً لابنِ مالِكٍ – من أنَّ الاسمَ المرفوعَ بعدَ لولا مبتدأٌ – قالَ جُمهورُ البَصْرِيِّينَ: يَجِبُ أنْ يكونَ خبرُ هذا المبتدأِ كَوْناً عامًّا، ويَجِبُ معَ ذلكَ حَذْفُهُ. وقالَ قومٌ: يَجُوزُ أنْ يكونَ كوناً عامًّا كالوجودِ والحصولِ فيُحْذَفُ وُجُوباً، كما يَجُوزُ أنْ يكونَ كَوْناً خَاصًّا، فإنْ دَلَّتْ عليه قَرِينَةٌ جازَ حَذْفُهُ، وإنْ لم تَدُلَّ عليه قَرِينَةٌ وَجَبَ ذِكْرُه، وقد مَضَى القولُ في هذا الموضوعِ على وجهِ التفصيلِ في بابِ المبتدأِ والخبرِ.
الأمرُ الرابِعُ: الاسمُ المرفوعُ بعدَ لولا هذه قد يكونُ اسماً ظاهراً، نحوُ: (لولا عليٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ)، وقد يكونُ اسماً مُؤَوَّلاً من حرفٍ مَصْدَرِيٍّ ومعمولِه، نحوُ قولِه تعالى: {لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}، وقد يكونُ ضميراً مُنْفَصِلاً، نحوُ الآيةِ مِن سورةِ سَبَأٍ التي تَلاَهَا المؤلِّفُ، وقد يكونُ ضميراً مُتَّصِلاً، نحوُ (لَوْلاَيَ) و(لَوْلاَكَ) و(لَوْلاَهُ)، وأَنْكَرَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ مَجِيئَه ضميراً مُتَّصِلاً، وقد مَضَى شرحُ هذا الموضوعِ في مَطْلَعِ بابِ حروفِ الجرِّ.
الأمرُ الخامِسُ: القولُ بأنَّ لولا ولوما يَشْتَرِكَانِ في مَجِيءِ كلٍّ مِنهما لهذيْن المعنييْنِ هو قولُ الجمهورِ، وهو الصحيحُ، وزَعَمَ المَالِقِيُّ أنَّ (لَوْمَا) لا تأتي حرفَ امتناعٍ وإنما تأتي للتحضيضِ.

([13]) سورةُ سبأٍ، الآيةُ: 31.

([14]) سورةُ الفُرقانِ، الآيةُ: 21.

([15]) سورةُ الحِجْرِ، الآيةُ: 7.

([16]) سورةُ النورِ، الآيةُ: 16.



  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:50 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


أَمَّا ولَوْلَا ولَوْمَا

712- أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيْءٍ وَفَا = لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا
(أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) أَيْ: "أَمَّا" بالفتحِ والتشديدِ، حرفٌ بسيطٌّ فِيْهِ مَعْنَى الشرطِ والتفصيلِ والتوكيدِ.
وأمَّا الشرطُ فبدليلِ لِزُومِ الفاءِ بعدَهَا، نحوُ: {فَأَمَّا الذِيْنَ آمَنُوا فَيَعْلَمُون أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وأمَّا الذِيْنَ كَفَرُوا فَيَقُوْلُونَ} الآيةَ، وإِلَى ذَلكَ الإشارةُ بقولِهِ: (وَفَا، لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا) "فَا" مبتدأٌ خبرُهُ أُلِفَ، و"لِتِلْوِ" مُتَعَلِّقٌ بـ"أُلِفَ" ومعنَى "تِلْوِ" "تَالٍ" "وجوبًا" حَالٌ مِنَ الضميرِ في "أُلِفَ".
وأَشَارَ بقولِهِ:
713- (وَحَذْفُ ذِي الْفَا قَلَّ فِي نَثْرٍ إِذَا = لَمْ يَكُ قَوُلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا)
أَيْ: طُرِحَ، إِلَى أَنَّهُ لَا تُحْذَفُ هذهِ الفاءُ إلا إذَا دَخَلَتْ عَلَى قولٍ قَدْ طُرِحَ استغناءً عنهُ بالمقولِ، فيجبُ حذفُهَا معهُ، نحوُ: {فَأَمَّا الذِيْنَ اسْوَدَّتْ وُجُوْهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} أَيْ: فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ، ولَا تحذفُ فِي غيرِ ذلكَ إلا فِي ضرورةٍ كقولِهِ [مِنَ الطويلِ]:
فَأَمَّا القِتَالُ لَا قِتَالَ لَدَيْكُمُ = ولِكِنَّ سَيْرًا فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ
أو ندورٍ، نحوُ: مَا خَرَّجَ البُخَارِيُّ مِنْ قولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ)) وقولِ عَائِشَةَ: "أَمَّا الذِيْنَ جَمَعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا واحِدًا".
وأمَّا التفصيلُ، فهو غَالِبُ أحوالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيةِ البَقَرَةِ، ومِنْهُ: {أَمَّا السَّفِيْنَةُ فكانتْ لِمَسَاكِيْنَ يَعْمِلُون فِي الْبَحْرِ} {وأَمَّا الغُلَامُ} {وأَمَّا الجِدَارُ} الآياتِ، وقَدْ يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا استغناءً بذكرِ أَحَدِ القِسْمَيْنِ عَنِ الآخَرِ، أَو بكلامٍ يُذْكَرُ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ ذلكَ القَسَمِ، فالأوَّلُ نحوُ: {يَا أَيُّهَا الناسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِيْنًا فَأَمَّا الذِيْنَ آمنُوا باللهِ واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وفَضْلٍ}، أَيْ: وأَمَّا الذِيْنَ كَفَرُوا باللهِ فَلَهُم كَذَا وكَذَا.
والثانِي: نحوُ: {هو الذِي أَنْزَلَ عليكَ الكتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الذِيْنَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاءَ الفتنةِ، وابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ} أَيْ: وأَمَّا غيرُهُمْ فيُؤْمِنُونَ بِهِ ويَكِلُونَ معنَاهُ إِلَى ربِّهِم., ويَدَلُّ عَلَى ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} أَيْ: كُلٌّ مِنَ المُتَشَابِهِ والمُحْكَمِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، والإيمانُ بِهِمَا واجبٌ، فكأنَّهُ قِيْلَ: وَأَمَّا الراسخونَ في العِلْمِ فيقولونَ، وعَلَى هَذَا فالوقفُ علَى {إِلَّا اللهُ} وهذَا المعنَى هُوَ المُشَارُ إليهِ في آيَةِ البَقَرَةِ السابقةِ فَتَأَمَّلْهَا. وقدْ تَأْتِي لغيرِ تفصيلٍ، نحوُ: "أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ".
وأَمَّا التوكيدُ فَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وقَدْ أَحْكَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ شَرْحَهُ، فَإنَّهُ قَالَ فَائِدَةُ "أَمَّا" فِي الكلامِ أَنْ تُعْطِيَهُ فَضْلَ تَوْكيدٍ، تقولُ: "زَيْدٌ ذَاهِبٌ" فإذَا قَصَدْتَ توكيدَ ذلكَ وأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ، وأَنَّهُ بِصَدَدِ الذهابِ وأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيْمَةٌ، قُلْتَ: "أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ"، ولذلكَ قَالَ سِيْبَويْهِ فِي تَفْسِيْرِهِ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ ذاهبٌ، وهَذَا التفسيرُ مُدْلٍ بفائدتينِ: بيانِ كونِهِ توكيدًا، وأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشرطِ، انْتَهَى.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ قولِهِ: "أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ" لَا يُرِيْدُ بِهِ أَنَّ معنَى "أَمَّا" كمعنَى "مَهْمَا"، وشَرْطِهَا؛ لِأَنَّ "أَمَّا" حرفٌ، فكيفَ يَصِحُّ أَنْ تَكونَ بمعنَى اسْمٍ وفِعْلٍ؟ وإِنَّمَا المُرَادُ أَنَّ مَوْضِعَهَا صالحٌ لَهُمَا، وهي قائمةٌ مَقَامَهُمَا، لِتَضَمُّنِهَا معنَى الشرطِ.
الثانِي: يُؤْخَذُ مِنْ قَولِهِ: "لِتِلْوِ تِلْوِهَا" أَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الفاءَ أكثرُ مِنِ اسْمٍ واحِدٍ، فَلَوْ قُلْتَ: "أَمَّا زيدٌ طَعَامَهُ فَلَا تَأْكُلْ" لَمْ يَجُزْ، كَمَا نَصَّ عليهِ غَيْرُهُ.
الثالثُ: لَا يُفْصَلُ بينَ "أَمَّا" و"الفاءِ" بجملةٍ تامةٍ، إِلَّا إِنْ كَانَتْ دُعَاءً، بشرطِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الجملةَ فاصلٌ، نحوُ: "أَمَّا اليومَ ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ فالأمرُ كَذَا".
الرابعُ: يُفْصَلُ بينَ أَمَّا والفاءِ بواحدٍ مِنْ أُمُورٍ سِتَّةٍ.
أَحَدُهَا: المبتدأُ كالآياتِ السابقةِ.
ثانِيْهَا: الخَبَرُ، نحوُ: "أَمَّا فِي الدارِ فَزَيْدٌ".
ثالِثُهَا: جملةُ الشرطِ نحوُ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِيْنَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الآياتِ.
رابِعُهَا: اسْمٌ منصوبٌ لَفْظًا أو مَحَلًّا بالجوابِ، نَحْوُ: {فَأَمَّا اليَتِيْمَ فَلَا تَقْهَرْ} الآياتِ.
خامِسُهَا: اسْمٌ كذلكَ معمولٌ لمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الفاءِ، نحوُ: "أَمَّا زيدٌ فَاضْرِبْهُ"، وقراءةِ بعضِهِمْ {وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ} بالنصبِ، ويجبُ تقديرُ العاملِ بَعْدَ الفاءِ، وقبلَ مَا دَخَلَتْ عليهِ، لِأَنَّ "أَمَّا" نَائِبَةٌ عَنِ الفِعْلِ فكأَنَّهَا فِعْلٌ، والفعلُ لا يَلِي الفِعْلَ.
سادِسُهَا: ظَرْفٌ معمولٌ لـ "أَمَّا"، لِمَا فِيْهَا مِنْ مَعْنَى الفِعْلِ الذِي نَابَتْ عَنْهُ أو للفعلِ المحذوفِ، نحوُ: أَمَّا اليومَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ، وَأَمَّا فِي الدارِ فَإِنَّ زيدًا جَالِسٌ "وَلَا يكونُ العامِلُ مَا بَعْدَ إِنَّ"؛ لأَنَّ خبرُ "إِنْ" لا يَتَقَدَّمُ عليهَا فكذلكَ مَعْمُولُهُ، هَذَا قولُ سِيْبَويْهِ والمَازِنِيِّ والجمهورِ، وخَالَفَهُمْ المُبَرِّدُ وابْنُ دُرُسْتُوَيْهَ والفَرَّاءُ والمصنفُ.
الخامسُ: سُمِعَ "أَمَّا العَبِيْدَ فَذُوُ عَبِيْدٍ" بالنصبِ، و"أَمَّا قُرَيْشًا فَأَنَا أَفْضَلُهَا" وفِيْهِ دليلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُ أنْ يُقَدَّرَ مَهْمَا يَكْنُ مِنْ شَيْءٍ بَلْ يجوزُ أَنْ يُقَدَّرَ غيرُهُ مِمَّا يَلِيْقُ بِالمَحَلِّ، إذِ التقديرُ هُنَا: مَهْمَا ذَكَرْتَ، وعَلَى ذلكَ فيخرجُ "أَمَّا العِلْمَ فَعَالِمٌ وأَمَّا عِلْمًا فَعَالِمٌ" فهُو أَحْسَنُ مِمَّا قيلَ: إِنَّهُ مفعولٌ مُطْلَقٌ معمولٌ لِمَا بَعْدَ الفاءِ، أو مفعولٌ لأجلِهِ إِنْ كَانَ َمُعَرَّفًا وحالٌ إِنْ كَانَ مُنَكَّرًا، وفيهِ دليلٌ أيضًا عَلَى أَنَّ "أَمَّا" لَيستْ العاملةَ؛ إذْ لَا يعملُ الحرفُ فِي المفعولِ بِهِ.
السادسُ: ليسَ مِنْ أَقْسَامِ "أَمَّا" التِي فِي قولِهِ تَعَالَى: {أَمَّا ذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولا التِي فِي قولِ الشاعرِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ = فَإِنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ
بلْ هِيَ فيهِمَا كلمتانِ، والتِي فِي الآيةِ "أَمْ" المُنْقطعةُ و"مَا" الاستفهاميةُ، أُدْغِمَتْ الميمُ فِي الميمِ، والتِي فِي البيتِ هي "أَنْ" المَصْدَريةُ و"مَا" المَزِيدةُ، وَقَدْ سَبَقَ الكلامُ عليهَا فِي بابِ "كانَ".
السابعُ: قَدْ تُبْدَلُ ميمُ "أَمَّا" الأُوْلَى يَاءً اسْتِثْقَالًا للتضعيفِ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1123- رَأَتْ رَجُلًا أَيْمَا إِذَا الشمسُ عَارَضَتْ = فَيَضْحَى وأَيْمَا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ
714- (لَوْلَا ولَوْمَا يَلْزَمَانِ الابْتِدَا = إذَا امْتِنَاعًا بِوُجُودٍ عَقَدْ)
أَيْ: لـ لَوْلَا ولَوْمَا اسْتعمالانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدُلَّا عَلَى امْتِنَاعِ شيءٍ لوجودِ غيرِهِ، وهَذَا مَا أَرَادَهُ بقولِهِ: "إِذَا امتناعًا بوجودٍ عَقَدْ" أَيْ: إِذَا رَبَطَا امتناعَ شيءٍ بوجودِ غيرِهِ ولَازَمَا بَينَهُمَا، ويقتَضِيَانِ حينئذٍ مبتدأً ملتزمًا فيه حذفُ خَبَرِهِ غَالبًا، وقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذلكَ فِي بابِ المبتدأِ، وجوابًا كجوابِ "لَوْ" مُصَدَّرًا بماضٍ أو مضارعٍ مجزومٍ بـ"لَمْ" فَإِنْ كَانَ المَاضِي مُثْبتًا قُرِنَ باللامِ غَالِبًا نحوُ: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِيْنَ} ونحوُ قولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
1124- لَوْلَا الإِصْاخَةُ لِلْوُشَاةِ لَكَانَ لِيْ = مِنْ بَعْدِ سُخْطِكَ فِي الرِّضَاءِ رَجَاءُ.
وإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا تَجَرَّدَ مِنْهَا غَالِبًا {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
واللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا = وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1125- لَوْلَا ابْنُ أَوْسٍ نَأَىْ مَا ضِيْمَ صَاحِبُهُ.
وقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَا المنفيُّ كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1126- لَوْلَا رَجَاءُ لِقَاءِ الظَّاعِنِيْنَ لَمَا = أَبْقَتْ نَوَاهُمْ لَنَا رُوْحًا ولا جَسَدًا
وقَدْ يَخْلُو مِنْهَا المُثْبَتُ، كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1127- لَوْلَا زُهَيْرٌ جَفَانِي كُنْتُ مُنْتَصِرًا = وَلَمْ أَكُنْ جَانِحًا للسِّلْمِ إِنْ جَنَحُوا
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى = بِأَجْرَامِهِ مِنْ قِنَّةِ النِّيْقِ مُنْهَوِي
وإذَا دَلَّ عَلَى الجوابِ دليلٌ جَازَ حَذْفُهُ، نحوُ: {ولَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيْمٌ}
والاسْتِعْمَالُ الثانِي أَنْ يَدُلَّا عَلَى التَّحْضِيْضِ، فَيَخْتَصَّانِ بالجملِ الفعليةِ، ويُشَارِكُهُمَا فِي ذلكَ "هَلَّا" و"أَلَّا" المُوَازِنَةُ لَهَا، و"أَلَا" بالتخفيفِ، وقدْ أَشَارَ إلَى ذلكَ بقولِهِ:
715- (وَبِهِمَا التَّحْضِيْضَ مِزْ وهَلَّا = أَلَّا، أَلَا وأَوْلِيَنْهَا الفِعْلَا)
أيْ: المضارعُ أو مَا فِي تَأْوِيْلِهِ، نحوُ: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ}، ونحوُ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ}، ونحوُ: {لَوْمَا تَأْتِيْنَا بِالْمَلَائِكَةِ}، ونحوُ قولِهِ: هَلْ تُسْلِمُ، أو أَلَّا تُسْلِمُ، أو أَلَا تُسْلِمُ فَتَدْخُلَ الجَنَّةَ، ونحوُ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}.
والعَرْضُ كالتَّحْضِيْضِ، إلا أنَّ العَرْضَ طلبٌ بِلِيْنٍ، والتحضيضُ طَلَبٌ بِحَثٍّ.
716- وَقَدْ يَلِيْهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ = عُلِّقَ، أو بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ
(وقَدْ يَلِيْهَا) أَيْ: قَدْ يَلِي هَذِهِ الأدواتِ (اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ * عُلِّقَ أو بظاهرٍ مؤخرِ).
فالأوَّلُ نحوُ قولِكَ: "هَلَّا زَيْدًا تَضْرِبْهُ" فـ"زَيْدًا" عُلِّقَ بفعلٍ مضمرٍ، بمعنَى أَنَّهُ مفعولٌ للفعلِ المُضْمَرِ، والثانِي نحوُ قولِكَ: "هَلَّا زيدًا" تَضْرِبُ فـ"زيدًا" عُلِّقَ بالفعل ِالظاهرِ الذِي بعدَهُ لأنَّهُ مُفَرَّغٌ لَهُ.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: تَرِدُ هذِهِ الأدواتُ للتوبِيْخِ والتنْدِيْمِ، فتَخْتَصُّ بالماضِي أو مَا فِي تَأْوِيْلِهِ ظَاهِرًا أو مُضْمَرًا، نحوُ: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بَأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}، {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الذِيْنَ اتَّخَذُوا مِنْ دُوْنِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1128- تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيْبِ أَفْضَلَ مَجِدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلَا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا
أيْ: لَوْلَا تُعُدُّونَ الكَمِيَّ، بمعنَى لَوْلَا عَدَدْتُم، لأَنَّ المُرَادَ تَوْبِيْخُهُمْ عَلَى تَرْكِ عَدِّهِ فِي المَاضِي، وإِنَّمَا قَالَ تَعُدُّونَ علَى حِكَايَةِ الحَالِ، ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1129- أَتَيْتَ بِعَبْدِ اللهِ فِي القَدِّ مُوْثَقًا = فَهَلَّا سَعِيدًا ذَا الخِيَانَةِ والغَدْرِ
أيْ: فهَلَّا أَسَرْتَ سَعِيْدًا.
الثانِي: قَدْ يَقَعُ بَعْدَ حرفِ التحضيضِ مبتدأٌ وخبرٌ، فيُقَدَّرُ المضمرُ "كَانَ" الشَّأْنِيَّةَ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
ونُبِّئْتُ لَيْلَى أَرْسَلَتْ بِشَفَاعَةٍ = إِلَيَّ فَهَلَّا نَفْسُ لَيْلَى شَفِيْعُهَا
أَيْ: فَهَلَّا كَانَ الشَّأْنُ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيْعُهَا.
الثالثِ: المشهورِ أَنَّ حروفَ التحضيضِ أَرْبَعَةٌ، وهِيَ: لَوْلَا، ولَوْمَا وهَلَّا، وأَلَّا بالتشديدِ، ولهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي (التَّسْهِيْلِ) و(الكَافِيَةِ) سِوَاهُنَّ، وأَمَّا "أَلَا" بالتخفيفِ فَهِيَ حرفُ عَرْضٍ؛ فَذَكْرُهُ لَهَا مَعَ حُرُوفِ التحضيضِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُريْدَ أَنَّها قَدْ تَأْتِي للتحضيضِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ ذِكْرُهَا مَعَهُنَّ لِمُشَارَكَتِهَا لَهْنَّ فِي الاختصاصِ بالفعلِ وقُرْبِ مَعْنَاهَا، مِنْ مَعْنَاهُنَّ، ويؤيِّدُهُ قولُهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وأُلْحِقَ بحُرُوفِ التحضيضِ فِي الاختصاصِ بالفعلِ، أَلَا المقصودُ بِهَا العَرْضُ نَحوُ: "أَلَا تَزُوْرَنَا".
خاتِمَةٌ ـ أَصْلُ "لَوْلَا" و"لَوْمَا"، لَوْ رُكِّبَتْ مَعَ "لَا" و"مَا"، و"هَلَّا" مُرَكَّبَةٌ مِنْ "هَلْ" و"لَا"، و"أَلَا" يَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ "هَلَّا"، فَأُبْدِلَ مِنَ الهاءِ هَمْزَةٌ وَقَدْ يَلِي الفعلَ لَوْلَا غيرُ مُفْهِمَةٍ تحضيضًا كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1130- أَنْتَ المُبَارَكُ والمَيْمُونُ سِيْرَتُهُ = لَوْلَا تَقُوِّمُ دَرْءَ القومِ لاخْتَلَفُوا.
فتُؤَوَّلُ بـ "لَوْ" "لَمْ" أيْ: لَوْ لَمْ تُقَوِّمْ، أو تُجْعلُ المختصةَ بالأسماءِ، والفعلُ صِلَةٌ لـ "أَنْ" مُقَدَّرَةٍ عَلَى حَدِّ "تَسْمَعُ بِالمُعِيْدِيِّ" واللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا
أدواتُ الشرْطِ غيرُ الجازِمَةِ:
712- أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا = لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا
713- وَحَذْفُ ذِي الفَا قَلَّ فِي نَثْرٍ إذَا = لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبَذَا
1- أمَّا الشرطيَّةُ:
أ- مَعْنَاهَا:
ب- أحكامُها:
أمَّا: مِنْ أَدَوَاتِ الشرْطِ غيرِ الجازِمَةِ، وهيَ حرْفُ شرْطٍ وتوكيدٍ دائماً، وتفصيلٍ غالباً. أمَّا كَوْنُها حرْفَ شرْطٍ فَدَلِيلُهُ لُزومُ الفاءِ في جوابِها كما سَيَأْتِي، وأمَّا كَوْنُها للتوكيدِ فقدْ ذَكَرَهُ بعضُ النُّحاةِ فقالَ: (أَمَّا) حرْفٌ يُعْطِي الكلامَ فضْلَ توكيدٍ، تقولُ: زيدٌ ذاهبٌ، فإذا قَصَدْتَ أنَّهُ لا مَحالةَ ذاهبٌ، قُلْتَ: أمَّا زيدٌ فَذَاهِبٌ.
وأمَّا كونُها حرْفَ تفصيلٍ فهذا غالبُ أحوالِها؛ كقولِهِ تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}، وقدْ يُتْرَكُ تَكْرَارُها اسْتِغْنَاءً بذِكْرِ أحَدِ القِسمَيْنِ عن الآخَرِ؛ كقولِهِ تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْعٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}، وكأنَّهُ قِيلَ: وأمَّا الرَّاسِخُونَ في العِلْمِ فيقولونَ.
وقدْ يَتَخَلَّفُ التَّفْصِيلُ؛ نحوُ: أمَّا عَلِيٌّ فَمُنْطَلِقٌ.
وهيَ قائمةٌ مَقامَ أَدَاةِ الشرْطِ وفِعْلِ الشرْطِ؛ ولِهَذَا فَسَّرَها سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ بـ(مَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ)، والمذكورُ بعدَها جوابُ الشرْطِ؛ ولهذا لَزِمَتْهُ الفاءُ لِرَبْطِ الجوابِ، فإذا قُلْتَ: أمَّا عَلِيٌّ فمُخْتَرِعٌ، فالأصْلُ: مَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ فَعَلِيٌّ مُخْتَرِعٌ، فأُنِيبَتْ (أَمَّا) مَنَابَ (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيْءٍ)، فصارَ: أَمَّا فَعَلِيٌّ مُخْتَرِعٌ، ثمَّ أُخِّرَت الفاءُ إلى الخبَرِ فصارَ: أَمَّا عَلِيٌّ فمُخْتَرِعٌ.
وهذهِ الفاءُ لازمةٌ في جوابِها كما تَقَدَّمَ، وهيَ للرَّبْطِ الْمُجَرَّدِ، لا يَجوزُ حَذْفُها إلاَّ إذا دَخَلَتْ على قولٍ محذوفٍ فيَغْلِبُ حَذْفُها؛ كقولِهِ تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}؛ أيْ: فَيُقَالُ لهم: أَكَفَرْتُمْ. فحُذِفَ القَوْلُ استغناءً عنهُ بالْمَقُولِ، فَتَبِعَتْهُ الفاءُ في الحذْفِ، على قَاعِدَةِ: (يَصِحُّ تَبَعاً ما لا يَصِحُّ استقلالاً).
وقَلَّ الحذْفُ فيما عَدَا ذلكَ؛ كقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي))، وقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ)).
وإعرابُ الْمِثالِ: (أمَّا): حرْفُ شَرْطٍ وتوكيدٍ نائبةٌ عنْ (مَهْمَا يكُ مِنْ شيءٍ)، (عَلِيٌّ): مُبْتَدَأٌ مرفوعٌ، (فمُخْتَرِعٌ): الفاءُ رابطةٌ، ومُخْتَرِعٌ: خبرُ المبتَدَأِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها، جوابُ شرْطٍ غيرِ جازمٍ.
وإعرابُ (مَهْمَا يكُ مِنْ شيءٍ فَعَلِيٌّ مُخترِعٌ) هوَ: (مَهْمَا): اسمُ شرْطٍ جازمٌ مُبْتَدَأٌ، (يَكُ): فعْلٌ مُضارِعٌ تامٌّ مجزومٌ؛ لأنَّهُ فِعْلُ الشرْطِ، (مِنْ شَيْءٍ): مِن: حَرْفُ جَرٍّ زائدٌ، وشيءٍ: فاعلٌ لِـ(يَكُ) مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِها حَرَكَةُ حرْفِ الْجَرِّ الزائدِ، (فَعَلِيٌّ): الفاءُ داخلةٌ على جوابِ الشرْطِ، وعَلِيٌّ: مُبْتَدَأٌ، وَ(مخترِعٌ): خبَرُهُ، والجملةُ في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ (مَهْمَا).
وهذا معنى قولِهِ: (أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ.. إلخ): أيْ أنَّ (أَمَّا) قائمةٌ مَقامَ أداةِ الشرْطِ وفِعْلِهِ، وهما: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ)، وتَجِبُ الفاءُ (لِتِلْوِ تِلْوِها) تَبَعاً للمألوفِ مِنْ كلامِ العَرَبِ، ومعناهُ: تَالِي تَالِيهَا، وهوَ الجوابُ؛ لأنَّ تَالِيَها مُبَاشَرَةً هوَ الشرْطُ. ثمَّ ذَكَرَ أنَّ حذْفَ هذهِ الفاءِ قليلٌ في النثْرِ، لا يُقَاسُ عليهِ إلاَّ إذا حُذِفَتْ معَ القولِ كما تَقَدَّمَ.
وقولُهُ: (قدْ نُبِذَا)؛ أيْ: طُرِحَ، والألِفُ للإطلاقِ. وقولُهُ: (أُلِفَا) بالقصْرِ للضَّرُورةِ في الْمَوْضِعَيْنِ.
مِن الأدواتِ غيرِ الْجَازِمَةِ
2- لَوْلا
3- لَوْمَا
714- لَوْلا وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الابْتِدَا = إِذَا امْتِنَاعاً بِوُجُودٍ عَقَدَا
لِـ(لَوْلا ولَوْمَا) استعمالانِ:
الاستعمالُ الأوَّلُ لَهُمَا وأحكامُهُ:
الأوَّلُ: أنْ يَدُلاَّ على امتناعِ جوابِهما لِوُجُودِ تالِيهِمَا، ولَهُمَا حُكْمَانِ:
1- دخولُهما على مُبْتَدَأٍ محذوفِ الخبرِ وُجوباً، كما تَقَدَّمَ في بابِ الابتداءِ.
2- لا بُدَّ لهما مِنْ جوابٍ مُصَدَّرٍ بفِعْلٍ ماضٍ لَفْظاً ومَعْنًى، أوْ مَعْنًى فقطْ، وهوَ المُضَارِعُ المسبوقُ بـ(لم)، فإنْ كانَ مُثْبَتاً قُرِنَ باللامِ للتأكيدِ غالباً؛ نحوُ: لَوْلا العقْلُ لَكَانَ الإنسانُ كالحيوانِ، لَوْمَا العمَلُ لم يَكُنْ للعلْمِ فائدةٌ.
ولم تَقَعْ (لَوْمَا) الامتناعيَّةُ في القرآنِ، أمَّا (لَوْلا) فقدْ جَاءَتْ في آياتٍ كثيرةٍ؛ منها قولُهُ تعالى: {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وقولُهُ تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}.
وقولُهُ تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِن فِضَّةٍ}.
وقولُهُ تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
فـ(لَوْلا) في هذهِ الآياتِ حرْفُ امتناعٍ لِوُجُودٍ، وما بعدَها مُبتدأٌ، سَوَاءٌ كانَ اسماً صريحاً كما في الآيَةِ الأُولَى، أوْ ضميراً مُنْفَصِلاً كما في الآيَةِ الثانيَةِ، أوْ مَصْدَراً مُؤَوَّلاً كما في الآيَةِ الثالثةِ والرابعةِ، وخَبَرُ هذا المبتدأِ محذوفٌ وُجُوباً كما تَقَدَّمَ في بابِ الابتداءِ، ومدخولُ اللامِ هوَ جَوَابُ (لَوْلا).
فإنْ كانَ الفعْلُ مَنْفِيًّا بـ(مَا) تَجَرَّدَ عن اللامِ غالباً، نحوُ: لَوْلا الهواءُ ما عاشَ مخلوقٌ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً}.
وإنْ كانَ الفعْلُ مَنْفِيًّا بـ(لَمْ) لم يَقْتَرِنْ بها، نحوُ: لَوْلا التجارِبُ لم يَسْتَفِد الإنسانُ، لَوْمَا الْجَوْرُ وقِلَّةُ الإِنْصَافِ لم يُشْرَع القضاءُ.
وقدْ يُحْذَفُ جوابُ (لَوْلا) لدليلٍ يَدُلُّ عليهِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ}، فجوابُ (لَوْلا) محذوفٌ، تقديرُهُ واللَّهُ أعْلَمُ: لَعَاجَلَكُمْ بالعُقُوبةِ، ونَحْوُهُ.
وإلى الاستعمالِ الأوَّلِ لهذَيْنِ الحرفَيْنِ أشارَ بقولِهِ: (لَوْلا وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الابْتِدَاءَ): أيْ أنَّ هذيْنِ الحرفَيْنِ يَلْزَمانِ الدخولَ على المبْتَدَأِ، فلا يقَعُ بعدَهما غيرُهُ، إذا (عَقَدَا)؛ أيْ: رَبَطَا امْتِنَاعَ شيءٍ بوُجودِ غيرِهِ ولازَمَا بينَهما، والألِفُ في قولِهِ: (عَقَدَا) للتَّثْنِيَةِ.
الاستعمالُ الثاني لـ(لَوْلا وَلَوْمَا) وأحكامُهُ وبيانُ ما يَلْحَقُ بِهِمَا:
715- وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ وَهَلاَّ = ألاَّ أَلا وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلا
716- وَقَدْ يلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ = عُلِّقَ أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ
الاستعمالُ الثاني لـ(لَوْلا ولَوْمَا) الدَّلالةُ على التحضيضِ، وهوَ طلَبُ الفعْلِ بِحَثٍّ وقُوَّةٍ، ويَجِبُ حينئذٍ أَنْ يَلِيَهُما الفعْلُ المضارِعُ. ويُسَاوِيهِمَا في التحضيضِ والاختصاصِ بالفعْلِ: هلاَّ، وألاَّ، وأَلا. فَيَلِيهَا الفعْلُ ظاهراً مُتَّصِلاً بِهِمَا أوْ مَفْصُولاً منها بمَعْمُولِهِ الْمُتَقَدِّمِ عليهِ، أوْ يكونُ مُقَدَّراً.
فمِثالُ المُضَارِعِ الْمُتَّصِلِ بها: لَوْلا تُؤَدِّي الشهادةَ على وَجْهِها. ومنهُ قولُهُ تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، فَـ(لَوْلا) هُنا بمَعْنَى: هَلاَّ، وهوَ كثيرٌ في القرآنِ، وقالَ تعالى: {لَوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ}، فـ(لَوْمَا) أداةُ تحضيضٍ.
ومثالُ المُضَارِعِ الْمَفصولِ منها: لَوْلا الشَّهَادَةَ تُؤَدِّي على وَجْهِهَا، لَوْمَا الْمُنْكَرَ تُغَيِّرُ بِيَدِكَ أوْ بِلِسَانِكَ أوْ بِقَلْبِكَ. فـ(لَوْلا): أداةُ تحضيضٍ، و(الشَّهَادَةَ): مفعولٌ مُقَدَّمٌ لِلْفِعْلِ (تُؤَدِّي).
ومِثالُ المُضَارِعِ الْمُقَدَّرِ: لَوْلا الشهادةَ تُؤَدِّيهَا، لَوْمَا الْمُنْكَرَ تُغَيِّرُهُ، فـ(لَوْلا): أداةُ تحضيضٍ، و(الشهادةَ): مفعولٌ بهِ لِفِعْلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ، والتقديرُ: لَوْلا تُؤَدِّي الشهادةَ تُؤَدِّيها، وقدْ مَضَى ذلكَ في بابِ الاشتغالِ.
وقدْ يكونُ المُضَارِعُ محذوفاً، وليسَ في اللفْظِ فِعْلٌ آخَرُ يَدُلُّ عليهِ، ولكنَّ سِيَاقَ الكلامِ يُنْبِئُ عنهُ؛ كقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لجابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ حينَ أَخْبَرَهُ بأنَّهُ تَزَوَّجَ بِثَيِّبٍ: ((هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ))؛ أيْ: هلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْراً.
فإنْ دَخَلَتْ على فعْلٍ ماضٍ فهوَ في تأويلِ المُضَارِعِ؛ كقولِهِ تعالى: {فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}، فقولُهُ: (أَخَّرْتَنِي) ماضٍ في معنى الْمُضارِعِ؛ إذْ لا مَعْنَى للتَّأْخِيرِ في الزمَنِ الماضِي، وهيَ هُنَا لِلْعَرْضِ.
وهذانِ الاستعمالانِ لـ(لَوْلا) و(لَوْمَا) ذَكَرَهما ابنُ مالِكٍ، وبَقِيَ استعمالٌ ثالثٌ لم يَذْكُرْهُ، وهوَ الدَّلالةُ على التَّوْبِيخِ واللَّوْمِ على ترْكِ الفعْلِ، وتَخْتَصُّ بالفعْلِ الماضي أوْ مَا في تأويلِهِ، نحوُ: هَلاَّ كَتَبْتَ الواجبَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}، وقولُهُ تعالى: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا}.
وأمَّا التحضيضُ بـ(أَلا)، فقدْ جاءَ في مِثْلِ قولِهِ تعالى: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}. ولم يَقَعْ في القرآنِ تَحضيضٌ بـ(هَلاَّ) أوْ (أَلاَّ).
وإلى الاستعمالِ الثاني أشارَ بقولِهِ: (وَبِهِمَا التحضيضُ مِزْ.. إلخ). مِزْ: فِعْلُ أمْرٍ؛ أيْ: مَيِّزْ بـ(لَوْلا) و(لَوْمَا) التحضيضَ؛ لأنَّهُما يَدُلاَّنِ عليهِ. ويُشَارِكُهما في التحضيضِ (هلاَّ، وألاَّ، وأَلا).
ثمَّ ذَكَرَ أنَّها مُخْتَصَّةٌ بالدخولِ على الفعْلِ، فقالَ: (وأَوْلِيَنْهَا الفِعْلا)؛ أيْ: أَتْبِعْهَا واذْكُرْ بعدَها الفِعْلَ، ولم يُبَيِّنْ نَوْعَهُ، وهوَ المُضارِعُ، والضميرُ عائدٌ على الأحرُفِ الخمسةِ المذكورةِ، والألِفُ في (الفِعْلا) للإِطْلاقِ.
ثمَّ بَيَّنَ أنَّها قدْ تَدْخُلُ على الاسمِ في الظاهرِ، فقالَ: (وقدْ يَلِيهَا اسمٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ)؛ أيْ: يكونُ مُتَعَلِّقاً بفِعْلٍ مُقَدَّرٍ ومَعمولاً لهُ، فَيَكُونُ هذا الفِعْلُ بعدَ الأداةِ مُبَاشَرَةً (أوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرٍ)؛ أيْ: أوْ يكونُ هذا الاسمُ مُتَعَلِّقاً بفِعْلٍ مُتَأَخِّرٍ عنْ هذا الاسمِ، فيكونُ مِنْ بابِ تقديمِ المعمولِ على عامِلِهِ كما تَقَدَّمَ في الْمِثالِ، واللَّهُ أعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لما, ولولا

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir