دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعمال صيغ المبالغة


فعَّالٌاوْ مِفعالٌ اوْ فَعولُ = في كَثْرَةٍ عنْ فاعلٍ بَدِيلُ
فيَستحِقُّ مالَهُ منْ عَمَلِ = وفي فَعِيلٍ قَلَّ ذا وفَعِلِ
وما سِوَى المفرَدِ مِثلَهُ جُعِلْ = في الحُكْمِ والشروطِ حَيْثُمَا عَمِلْ
وانْصِبْ بذِي الإعمالِ تِلْوًا واخْفِضِ = وَهْوَ لِنَصْبِ ما سِواهُ مُقْتَضِي
واجْرُرْ أو انْصِبْ تابعَ الذي انْخَفَضْ = كمُبْتَغِي جاهٍ ومالًا مَنْ نَهَضْ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فعَّالٌ اوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ = في كثرةٍ عن فاعلٍ بَدِيلُ ([1])
فيَسْتَحِقُّ ما لَه مِن عَمَلِ = وفي فَعِيلٍ قَلَّ ذا وفَعِلَ ([2])

يُصاغُ للكَثرَةِ فَعَّالٌ ومِفعالٌ وفَعولٌ وفَعيلٌ وفَعِلٌ، فيَعمَلُ عمَلَ الفِعْلِ على حَدِّ اسمِ الفاعِلِ، وإعمالُ الثلاثةِ الأُوَلُ أكْثَرُ مِن إِعمالِ فَعِيلٍ وفَعِلٍ، وإعمالُ فَعِيلٍ أكثَرُ مِن إِعمالِ فَعِلٍ.
فمِن إِعمالِ فَعَّالٍ ما سَمِعَه سِيبَوَيْهِ مِن قَوْلِ بعضِهم: "أمَّا العَسَلَ فأَنَا شَرَّابٌ"([3])، وقولُ الشاعِرِ:
258- أَخَا الحرْبِ لَبَّاساً إِلَيْهَا جِلاَلَهَا = ولَيْسَ بوَلاَّجِ الخوالِفِ أَعْقَلاَ([4])
فـ "العَسَلَ" مَنصوبٌ بـ "شَرَّابٍ"، و"جِلاَلَها" مَنصوبٌ بـ "لَبَّاسٍ".
ومِن إعمالِ مِفْعَالٍ قولُ بعضِ العرَبِ: "إنه لَمِنْحَارٌ بَوَائِكَها"، فـ "بَوَائِكَها" مَنصوبٌ بـ "مِنْحَارٌ".
ومِن إعمالِ فَعُولٍ قَولُ الشاعِرِ:
259- عَشِيَّةَ سُعْدَى لو تَرَاءَتْ لرَاهِبٍ = بِدُومَةَ تَجْرٌ دُونَهُ وحَجِيجُ

قَلَى دِينَهُ واهْتَاجَ لِلشَّوْقِ إنَّها = على الشَّوْقِ إِخوانَ العَزَاءِ هَيُوجُ ([5])
فـ "إِخوانَ" مَنصوبٌ بـ "هَيُوجُ".
ومِن إعمالِ فَعِيلٍ قَوْلُ بعْضِ العرَبِ: "إنَّ اللهَ سَميعٌ دُعاءَ مَن دَعاهُ"، فـ "دُعاءَ" مَنصوبٌ بـ "سَميعٌ". ومِن إِعمالِ فَعِلٍ ما أَنْشَدَه سِيبَوَيْهِ:
260- حَذِرٌ أُموراً لا تَضيرُ وآمِنٌ = ما ليسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأَقْدَارِ ([6])
وقولُه:
261- أَتَانِي أنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي = جِحَاشُ الكِرْمِلَيْنِ لَهَا فَدِيدُ ([7])
فـ "أُموراً" مَنصوبٌ بـ "حَذِرٌ"، وعِرْضِي مَنصوبٌ بـ "مَزِقٍ".
وما سِوَى المفرَدِ مِثلَهُ جُعِلْ = فِي الحُكْمِ والشُّروطِ حَيْثُمَا عَمِلْ ([8])
ما سِوَى الْمُفْرَدِ هو الْمُثَنَّى والمجموعُ، نحوُ: الضارِبَيْنِ، والضارِبَتَيْنِ، والضارِبِينَ، والضُّرَّابِ، والضَّوَارِبِ، والضارباتِ، فحُكْمُها حكْمُ المفرَدِ في العمَلِ، وسائرُ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُه مِن الشُّروطِ، فتَقولُ: "هَذانِ الضارِبانِ زَيْداً، وهَؤلاءِ القَاتِلونَ بَكْراً"، وكذلك الباقِي، ومنه قولُه:
262- = أَوَالِفاً مَكَّةَ مِن وُرْقِ الْحَمِي ([9])
أصْلُه: الْحَمَاُِ. وقَولُه:
263- ثُمَّ زَادُوا أنَّهُمْ فِي قَوْمِهِمْ = غُفُرٌ ذَنْبَهُمْ غَيْرُ فُخُرْ ([10])
وانْصِبْ بذِي الإعمالِ تِلْواً واخْفِضِ = وَهْوَ لِنَصْبِ ما سِوَاهُ مُقْتَضِي ([11])
يَجوزُ في اسمِ الفاعِلِ العامِلِ إضافتُه إلى ما يَلِيهِ مِن مَفعولٍ، ونَصْبُه له، فتَقولُ: "هذا ضارِبُ زَيدٍ، وضارِبٌ زَيْداً"، فإنْ كانَ له مَفعولانِ وأَضَفْتَه إلى أَحَدِهما وَجَبَ نصْبُ الآخَرِ، فتَقولُ: "هذا مُعْطِي زَيْدٍ دِرْهَماً، ومُعْطِي دِرْهَمٍ زَيْداً".
واجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تابعَ الذي انْخَفَضْ = كمُبْتَغِي جَاهٍ ومالاً مَن نَهَضْ ([12])
يَجُوزُ في تَابِعِ مَعمولِ اسمِ الفاعِلِ المجرورِ بالإضافَةِ الْجَرُّ والنصْبُ، نحوُ: "هذا ضارِبُ زَيدٍ وعمْرٍو وعَمْراً"، فالجَرُّ مُراعاةً للَّفْظِ، والنصْبُ على إِضمارِ فِعْلٍ، وهو الصحيحُ، والتقديرُ: "ويَضْرِبُ عَمْراً"، أو مُراعاةً لِمَحَلِّ الْمَخفوضِ، وهو الْمَشهورُ، وقد رُوِيَ بالوَجهينِ قولُه:
264- الوَاهِبُ الْمِائةِ الْهِجانِ وعَبْدَِهَا = عُوذاً تُزَجِّي بينَها أَطْفَالَهَا([13])
بنَصْبِ "عبْدَِ" وجَرِّه، وقالَ الآخَرُ:
265- هلْ أنتَ باعِثُ دِينارٍ لِحَاجَتِنا = أو عبْدَِ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ([14])
بنَصْبِ "عَبْدَ" عطْفاً على مَحَلِّ "دِينارٍ"،، أو على إِضمارِ فِعْلٍ، والتقديرُ أو "تَبْعَثُ عَبْدَ رَبٍّ".


([1]) (فَعَّالٌ) مُبتدَأٌ، وليسَ نَكِرَةً، بل هو علَمٌ على زِنَةٍ خاصَّةٍ، (أو مِفعالٌ) مَعطوفٌ عليه، (أو فَعُولُ) معطوفٌ على مِفعالٌ، (في كَثرَةٍ عن فاعِلٍ) متَعَلِّقانِ بقَولِه: (بَدِيلُ) الآتِي، (بَدِيلُ) خَبَرُ الْمُبتَدَأِ.

([2]) (فيَسْتَحِقُّ) الفاءُ للتَّفريعِ، يَستحِقُّ: فعْلٌ مُضارِعٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على المذكورِ مِن الصِّيَغِ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به ليَسْتَحِقُّ، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ الموصولِ، (مِن عَمَلِ) بيانٌ لِمَا، (وفي فَعيلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (قَلَّ) الآتي، (قَلَّ) فعْلٌ ماضٍ، (ذا) اسمُ إِشارَةٍ: فاعلُ (قَلَّ)، و(فَعِلَ) مَعطوفٌ على فَعيلٍ.

([3]) ذكَرَ هذا الْمِثالَ وأَسْنَدَ رِوايتَه عن العرَبِ إلى سِيبَوَيْهِ الثِّقَةِ؛ للإشارَةِ إلى رَدِّ مَذهَبِ الكُوفِيِّينَ، الذينَ ذَهَبُوا إلى أنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَتقدَّمَ مَعمولُ هذه الصِّفَةِ عليها، وسيَأتي ذكْرُ ذلك في شرْحِ الشاهِدِ رَقْمِ 259، وانظُرْ كتابَ سِيبَوَيْهِ (1 / 57).

([4]) 258 - البيتُ للقُلاَخِ – بقافٍ مَضمومَةٍ، وفي آخِرِه خَاءٌ مُعجَمَةٌ – بنِ حَزْنِ بنِ جَنَابٍ، وهو مِن شَواهِدِ الأَشمونِيِّ (688)، وابنِ هِشامٍ في أوضَحِ الْمَسالِكِ (372).
اللُّغَةُ: (إليها) إلى بِمَعنَى اللامِ؛ أيْ: لها، (جِلاَلَها) بكسْرِ الجيمِ: جَمْعُ جُلٍّ، وأَرادَ به ما يُلْبَسُ في الحرْبِ مِن الدِّرْعِ ونَحْوِها، (وَلاَّجِ) كثيرِ الوُلوجِ، وهو الدُّخولُ، (الخوالِفِ) جَمْعُ خَالِفَةٍ، وهو – في الأصْلِ – عَمودُ الْخِباءِ، ولكنَّه أَرادَ به هنا نفْسَ الْخَيْمَةِ، (أَعْقَلاَ) مأخوذٌ مِن العَقْلِ، وهو الْتِوَاءُ الرِّجْلِ مِن الفَزَعِ، أو اصْطِكاكُ الرُّكْبَتَيْنِ، يُريدُ أنَّه قَوِيُّ النفْسِ ثابتٌ مُقَدَّمٌ عندَما يَجِدُّ الْجِدُّ، ووَقْتَ حُدوثِ الذُّعْرِ.
المعنى: يَقولُ: إنَّكَ لا تَرانِي إلاَّ مُواخِياً للحرْبِ كثيراً لُبْسَ الدُّروعِ؛ لكَثرةِ ما أَقتَحِمُ نِيرانَ الحرْبِ، وإذا حَضَرَتِ الحرْبُ واشتَدَّ أُوَارُها، فلَسْتُ أَلِجُ الأَخْبِيَةَ هَرَباً مِن الفُرسانِ، وخَوْفاً مِن وُلوجِ الْمَآزِقِ. يصِفُ نفْسَه بالشجاعَةِ ومُلازَمَةِ الحرْبِ.
الإعرابُ: (أَخَا) حالٌ مِن ضَميرٍ مُستَتِرٍ في قَوْلِه: (بأَرْفَعِ) في بيتٍ سابِقٍ، وهو قولُه:
فإنْ تَكُ فاتَتْكَ السماءُ فَإِنَّنِي = = بأرفَعِ ما حَوْلِي مِنَ الأرْضِ أَطْوَلاَ
وأَخَا: مُضافٌ، و(الحرْبِ) مُضافٌ إليه، (لَبَّاساً) حالٌ أُخْرَى، أو صِفَةٌ لأَخَا الحرْبِ، (إليها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بلَبَّاسٍ، (جِلاَلَها) جِلاَلَ: مَفعولٌ به لقَولِه: (لَبَّاساً)، وجِلاَلَ مُضافٌ وها ضَميرُ الحرْبِ مُضافٌ إليه، (وليسَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسْمُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه، (بوَلاَّجِ) الباءُ زائدةٌ، وَلاَّجِ: خَبَرُ ليسَ، ووَلاَّجِ مضافٌ و(الخوالِفِ) مُضافٌ إليه، (أَعْقَلاَ) خبَرٌ ثانٍ لليسَ.
الشاهِدُ فيه: (لَبَّاساً...... جِلاَلَها)؛ فإنَّه قد أَعْمَلَ (لَبَّاساً) – وهو صِيغَةٌ مِن صِيَغِ الْمُبالَغَةِ – إعمالَ الفعْلِ، فنَصَبَ به المفعولَ، وهو قولُه: (جِلاَلَها)؛ لاعتمادِه على مَوصوفٍ مَذكورٍ في الكلامِ، وهو قولُه: (أَخَا الْحَرْبِ).

([5]) 259 - البَيتانِ للرَّاعِي، وهما مِن شَوَاهِدِ الأَشمونِيِّ (رَقْم 701) وثانِيهِما مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ (1 – 56).
اللغةُ: (تَرَاءَتْ) ظَهَرَتْ وبَدَتْ، (لرَاهِبٍ) الراهِبُ: عابِدُ النَّصَارَى، (دُومَةَ) حِصْنٌ واقِعٌ بينَ الْمَدينَةِ الْمُنَوَّرَةِ والشامِ، ويُسمَّى دُومَةَ الْجَنْدَلِ، (تَجْرٌ) اسمُ جَمْعٍ لتاجِرٍ، مِثلُ شَرْبٍ وصَحْبٍ وسَفْرٍ، (حَجيجُ) اسمُ جَمْعٍ لحاجٍّ، (قَلَى) كَرِهَ، (اهْتَاجَ) ثَارَ، (الشوْقُ) نِزَاعُ النفْسِ إلى شَيءٍ.
المعنى: يَقولُ: كانَ الأمْرُ الفُلانيُّ في العَشِيَّةِ التي لو ظَهَرَتْ فيها سُعْدَى لعابِدٍ مِن عُبَّادِ النَّصارَى مُقِيمٍ بدُومَةِ الجنْدَلِ، وكانَ عِندَه تُجَّارٌ وحُجَّاجٌ يَلْتَمِسونَ ما عِندَه لأَبْغَضَ دِينَه وتَرَكَه وثَارَ شَوْقاً لها.
الإعرابُ: (عَشِيَّةَ) مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ، (سُعْدَى) مُبتَدَأٌ، (لو) شَرطيَّةٌ غيرُ جازِمَةٍ، (تَرَاءَتْ) تَرَاءَى: فعْلٌ ماضٍ والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هي يَعودُ إلى سُعْدَى، (لرَاهِبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَرَءاَتْ، والجُملَةُ شرْطُ (لو)، (بدُومَةَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لرَاهِبٍ، (تَجْرٌ) مبتَدَأٌ، (دُونَهُ) دُونَ: ظرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ، ودُونَ مُضافٌ، وضَميرُ الغائِبِ عائدٌ إلى راهِبٍ مُضافٌ إليه، و(حَجيجُ) معطوفٌ على (تَجْرٌ)، وجُملةُ المبتَدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ أُخرى لرَاهِبٍ، (قَلَى) فعْلٌ ماضٍ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ على راهِبٍ، (دِينَهُ) دِينَ: مَفعولٌ به لِقَلَى، ودِينَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، والجُملَةُ جَوَابُ (لو)، وجُملَةُ الشرْطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو (سُعْدَى)، وجُملةُ المبتدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ الظرْفِ، وهو (عَشِيَّةَ)، إليها، (واهتاجَ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه يَعودُ إلى راهِبٍ، والجُملَةُ مَعطوفَةٌ على جُملةِ الجوابِ، (للشوْقِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باهْتَاجَ، (إنَّها) إنَّ: حرْفُ توكيدٍ ونَصْبٍ، وها: اسمُه، (على الشَّوْقِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (هَيُوجُ) الآتي، (إخوانَ) مَفعولٌ به لِهَيُوجُ، وإخوانَ مُضافٌ، و(العَزاءِ) مضافٌ إليه، (هَيُوجُ) خبَرُ إِنَّ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (إِخوانَ العَزاءِ هَيُوجُ)؛ حيثُ أَعْمَلَ قولَه: (هَيُوجُ)، وهو مِن صِيَغِ المبالَغَةِ، إعمالَ الفعْلِ، فنَصَبَ به المفعولَ، وهو قولُه: (إخوانَ)، وهو معتَمِدٌ على المسنَدِ إليه الذي هو اسمُ إنَّ.
وفي البيتِ دَليلٌ على أنَّ هذا العامِلَ – وإنْ كان فَرْعاً عن الفعْلِ – لم يَضْعُفْ عن العمَلِ في المعمولِ المتقدِّمِ عليه، أَلاَ ترَى أنَّ قولَه: (إخوانَ العَزَاءِ) متَقَدِّمٌ، معَ كونِه مَفعولاً لقولِه: (هَيُوجُ)، وقد قَدَّمْنَا أنَّ قولَ العربِ: (أمَّا العسَلَ فأنَا شَرَّابٌ) الذي رَوَاهُ سِيبَوَيْهِ الثِّقَةُ يَدُلُّ على ذلك أَيْضاً، وأنَّ هذا يَرُدُّ ما ذهَبَ إليه الكُوفِيُّونَ مِن أنَّ مَعمولَ هذه الصِّفَةِ لا يَتقدَّمُ عليها، زَعَمُوا أنَّها فرْعٌ في العمَلِ عن فرْعٍ؛ لأنها فرْعٌ عن اسمِ الفاعلِ، وهو فرْعٌ عن الفعْلِ المضارِعِ، وأنَّ ذلكَ سببٌ في ضَعْفِها، وأنَّ ضَعْفَها يَمْنَعُ مِن عَمَلِها مُتأَخِّرَةٌ، والجوابُ: أنَّه لا قِياسَ معَ النَّصِّ.

([6]) 260 - زَعَمُوا أنَّ البيتَ مِمَّا صَنَعَه أبو يَحيى اللاَّحِقِيُّ ونَسَبَه للعرَبِ، قالَ الْمَازِنِيُّ: زعَمَ أبو يَحْيَى أنَّ سِيبَوَيْهِ سأَلَه: هل تُعَدِّي العرَبُ فِعْلاً؟ قالَ: فوَضَعْتُ له هذا البيتَ ونَسَبْتُه إلى العرَبِ، وأَثْبَتَه هو في كِتابِه، والبيتُ مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ (1/ 58)، واستَشْهَدَ به الأَشْمُونِيُّ، (رَقْم 703)، وستَعْرِفُ في شرْحِ الشاهِدِ الآتي (رَقْم 291) رَأْيَنا في هذه الأُقْصُوصَةِ.
الإعرابُ: (حَذِرٌ) خبَرُ مُبتدَأٍ محذوفٍ، وتَقديرُ الكلامِ: هو حَذِرٌ، أو نَحْوُه، وفي حَذِرٌ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، (أُموراً) مَفعولٌ به لِحَذِرٍ، (لا) نافِيَةٌ، (تَضِيرُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ جَوَازاً تَقديرُه هي يَعودُ إلى (أُمُوراً) هو فاعِلُه، والجُملَةُ في مَحَلِّ نصْبٍ صِفَةٌ لأمورٍ، (وآمِنٌ) معطوفٌ على حَذِرٌ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، (ما) اسمٌ مَوصولٌ: مَفعولٌ به لآمِنٌ، (ليسَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسْمُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه، (مُنْجِيَهُ) مُنجِيَ: خبَرُ ليسَ، ومُنْجِيَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، مِن إضافَةِ اسمِ الفاعِلِ إلى مَفعولِه، (مِنَ الأَقدارِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُنْجٍ، وجُملةُ (ليسَ) واسمِها وخَبَرِها لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (حَذِرٌ أُمُوراً)؛ حيثُ أَعْمَلَ قولَه: (حَذِرٌ) – وهو مِن صِيَغِ المبالَغَةِ – عمَلَ الفعْلِ، فنَصَبَ به الْمَفعولَ، وهو قولُه: (أُمُوراً).

([7]) 261 - البيتُ لزَيْدِ الخيْلِ، وهو مِن شَوَاهِدِ الأَشْمُونِيِّ، (702) وقد ذَكَرَه الأعلَمُ الشَّنْتَمْرِيُّ في شَرْحِه لشواهِدِ سِيبَوَيْهِ (1 / 58) ليُبَيِّنَ أنَّ أُقْصُوصَةَ اللاَّحِقِيِّ لا تَضُرُّ سِيبَوَيْهِ.
اللُّغَةُ: (جِحَاشُ) جَمْعُ جَحْشٍ، وهو وَلَدُ الأَتَانِ، وهِيَ أُنثَى الْحِمَارِ، (الكِرْمِلَيْنِ) تَثْنِيَةُ – كِرْمِلٍ – بزِنَةِ زِبْرِجٍ – وهو ماءٌ بجَبَلٍ مِن جَبَلَيْ طَيِّئٍ، (فَدِيدُ) صَوْتٌ.
المعنى: يَقولُ: بلَغَنِي أنَّ هَؤلاءِ الناسَ أَكْثَرُوا مِن تَمزيقِ عِرْضِي، والنَّيْلِ مِنه بالطَّعْنِ والقَدْحِ، وهُم عِندِي بِمَنْزِلَةِ الْجِحَاشِ التي تَرِدُ هذا الماءَ وهِيَ تُصَوِّتُ، يُريدُ أنَّه لا يَعْبَأُ بهم ولا يَكْتَرِثُ لهم.
الإعرابُ: (أَتَانِي) أَتَى: فعْلٌ ماضٍ، والنونُ للوِقايَةِ، والياءُ مَفعولٌ به، (أَنَّهم) أنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، والضميرُ اسْمُه، (مَزِقُونَ) خبَرُ أَنَّ، وأنَّ وما دَخَلَتْ عليه في تَأويلِ مَصدَرٍ فاعِلِ أتَى، (عِرْضِي) مَفعولٌ به لِمَزِقُونَ ومُضافٌ إليه، (جِحَاشُ) خبَرٌ لِمُبتَدَأٍ محذوفٍ؛ أيْ: هُمْ جِحَاشٌ، ونحوُ ذلك، وجِحَاشُ مُضافٌ (والكِرْمِلَيْنِ) مُضافٌ إليه، (لها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مقَدَّمٌ، (فَدِيدُ) مُبتَدَأٌ مؤَخَّرٌ، والجُملَةُ مِن الْمُبتَدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ مِن (جِحَاشُ الكِرْمِلَيْنِ).
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَزِقُونَ عِرْضِي)؛ حيثُ أَعْمَلَ (مَزِقُونَ) وهو جَمْعُ مَزِقٍ الذي هو صِيغَةُ مُبالَغَةٍ، إعمالَ الفعْلِ، فنَصَبَ به المفعولَ، وهو قولُه: (عِرْضِي).
والعُلماءُ رَحِمَهم اللهُ يَذْكُرونَ هذا البيتَ في الاستشهادِ على إِعمالِ صِيغَةِ فَعِلٍ - كحَذِرٍ - بعْدَ ذِكْرِهم بيتَ اللاَّحِقِيِّ السابِقَ؛ لِيَرُدُّوا ما نَسَبَه اللاَّحِقِيُّ إلى سِيبَوَيْهِ، مِن أنَّه أخَذَ بَيتَه الذي اختَلَقَه له واستَدَلَّ به في كتابِهِ، وهو إنَّما يَرْمِي بذلك إلى الطعْنِ في كتابِ سِيبَوَيْهِ بأنَّ فيه ما لا أَصْلَ له، وإنما أَوْرَدَ أئِمَّةُ العَربيَّةِ هذا البيتَ؛ ليُبَرْهِنُوا على أنَّ الذي أَصَّلَه سِيبَوَيْهِ مِن القَواعِدِ جارٍ على ما هو ثابِتٌ مَعروفٌ في لِسانِ العرَبِ، الذين يُوثَقُ بلِسَانِهم وبنِسْبَةِ القوْلِ إليهم، فلا يَضُرُّه أنْ يَكونَ في كِتابِه شَاهِدٌ غيرُ مُعروفِ النِّسْبَةِ أو مُختَلَقٌ، وسِيبَوَيْهِ إنما ذكَرَ بَيتَ اللاَّحِقِيِّ مِثالاً لا شاهِداً؛ لأنَّ القاعِدَةَ ثَابِتَةٌ بدُونِه.

([8]) (وما) اسمٌ مَوصولٌ مُبتَدَأٌ، (سِوَى) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ الْمَوصولِ، وسِوَى مُضافٌ و(المفرَدِ) مُضافٌ إليه، (مِثْلَه) مِثلَ: مَفعولٌ ثانٍ لـ (جُعِلْ) مقَدَّمٌ عليه، (جُعِلْ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، وهو المفعولُ الأوَّلُ، والجُملَةُ مِن جُعِلَ ومَفعُولَيْهِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ الْمُبتدَأِ، (في الحُكْمِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بجُعِلَ، (والشروطِ) معطوفٌ بالواوِ على الحكْمِ، (حَيْثُما) حيثُ: ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بجُعِلَ، وما: زائدةٌ، (عَمِلْ) فعْلٌ ماضٍ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، والجُملَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافةِ (حيثُ) إليها.

([9]) 262 - البيتُ للعَجَّاجِ مِن أُرْجُوزَةٍ طَويلةٍ، وهو مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ في (بابِ ما يَحْتَمِلُ الشعْرُ)، وانْظُرْه في كتابِ سِيبَوَيْهِ (1 / 8، 66) والأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 707).
اللغةُ: (أَوَالِفُ) جَمْعُ آلِفَةٍ، وهو اسمُ الفاعِلِ الْمُؤَنَّثِ، وفِعْلُه (أَلِفَ يَأْلَفُ) بوَزْنِ عَلِمَ يَعلَمُ، ومعناه أَحَبَّ، ووَقَعَ في كتابِ سِيبَوَيْهِ مَرَّةً: (قَوَاطِناً) وهو جمْعُ قَاطِنَةٍ، ومعناه ساكِنَةٌ، (مَكَّةَ) اسمٌ لبَلَدِ اللهِ الْحَرامِ، (وُرْقِ) جَمْعُ وَرْقَاءَ، وهي أُنْثَى الأَوْرَقِ، وأَرادَ الْحَمامَ الأَبْيَضَ الذي يَضْرِبُ لَونُه إلى سَوَادٍ، (الْحَمِي) بفتْحِ الحاءِ وكسْرِ الميمِ: أصْلُه الْحَمامُ، فحَذَفَ الميمَ في غيرِ النداءِ ضَرورةً، ثُمَّ قَلَبَ الكَسرةَ فتْحَةً والألِفَ ياءً.
الإعرابُ: (أَوَالِفاً) حالٌ مِن القَاطِنَاتِ المذكورِ في بيتٍ سابِقٍ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ هو فاعِلُه، (مَكَّةَ) مَفعولٌ به لأَوَالِفَ، (مِن وُرْقِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لأوالِفَ، ووُرْقِ مُضافٌ و(الْحَمِي) مُضافٌ إليه، وانْظُرْ بابَ التَّرخيمِ الآتِيَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَوَالِفاً مَكَّةَ)؛ حيثُ نَصَبَ مَكَّةَ بأَوَالِفَ الذي هو جَمْعُ تَكسيرٍ لاسمِ الفاعِلِ.

([10]) 263 - البيتُ لِطَرَفَةَ بنِ العَبْدِ البَكْرِيِّ، مِن قَصيدةٍ له مَطْلَعُها:
أصَحَوْتَ اليومَ أمْ شَاقَتْكَ هِرّْ = ومِنَ الْحُبِّ جُنُونٌ مُستَعِرْ

وهو مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ، (1 / 8) والأَشْمُونِيِّ، (رَقْم 706).
اللُّغَةُ: (غُفُرٌ) جَمْعُ غَفورٍ، (فُخُرْ) جَمْعُ فَخورٍ، مَأخوذٌ مِن الفَخْرِ، وهو الْمُباهَاةُ بالْمَكارِمِ والْمَآثِرِ والْمَناقِبِ.
الإعرابُ: (زَادُوا) فعْلٌ وفاعِلٌ، (أنَّهم) أنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، والضميرُ اسْمُه، (في قَوْمِهم) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بزَادُوا، وقَوْمِ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (غُفُرٌ) خبَرُ أنَّ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، (ذنْبَهُمْ) ذَنْبَ: مَفعولٌ به لغُفُرٌ، وذَنْبَ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، و(أنَّ) وما دَخَلَتْ عليه في تَأويلِ مَصدَرٍ مَفعولٍ به لزَادُوا، والتقديرُ: ثُمَّ زَادُوا غُفْرَانَهم ذُنوبَ قَوْمِهم، (غيرُ) خبَرٌ ثانٍ لأنَّ، وغيرُ مُضافٌ و(وفُخُرْ) مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (غُفُرٌ ذَنْبَهُم)؛ حيثُ أَعْمَلَ قولَه: (غُفُرٌ)، الذي هو جَمْعُ غَفورٍ الذي هو صِيغَةُ مُبالَغَةٍ، إعمالَ الفعْلِ، فنَصَبَ به الْمَفعولَ، وهو قولُه: (ذَنْبَهُمُ).

([11]) (وانْصِبْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (بذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانصِبْ، وذي مُضافٌ و(الإعمالِ) مُضافٌ إليه، (تِلْواً) مَفعولٌ به لانْصِبْ، (واخْفِضْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (وهو) ضميرٌ منْفَصِلٌ مُبتدَأٌ، (لِنَصْبِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُقتَضِي) الآتي في آخِرِ البيتِ، ونصْبِ مُضافٌ و(ما) اسمٌ مَوصولٌ مُضافٌ إليه، (سِوَاهُ) سِوَى: ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ صِلَةُ الموصولِ، وسِوَى مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (مُقتَضِي) خبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو الضَّميرُ المنفَصِلُ.

([12]) (اجْرُرْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (أو) عاطِفَةٌ، (انْصِبْ) فعلُ أمْرٍ، وفيه ضميرٌ مُستَتِرٌ وُجوباً تَقديرُه أنتَ فاعلُه، (تَابِعَ) تَنَازَعَه الفِعلانِ قَبْلَه، وكلٌّ منهما يَطْلُبُه مَفعولاً، وتابِعَ مُضافٌ و(الذي) اسمٌ مَوصولٌ: مُضافٌ إليه، (انْخَفَضْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الذي، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الْمَوصولِ.

([13]) 264 - البيتُ للأَعْشَى مَيمونِ بنِ قَيْسٍ.
اللُّغَةُ: (الواهِبُ) الذي يُعْطِي بلاَ عِوَضٍ، (الْهِجَانِ) بكسْرِ الهاءِ: البِيضِ، وهو لفْظٌ يَسْتَوِى فيه الْمُذَكَّرُ والمؤنَّثُ، والمفرَدُ والمثَنَّى والجمْعُ، وإنما خَصَّ الْهِجَانَ بالذِّكْرِ؛ لأنها أَكْرَمُ الإِبِلِ عندَهم، (عُوذاً) جَمْعُ عائِذٍ، وهي الناقَةُ إذا وَضَعَتْ، وبَعْدَ ما تَضَعُ أيَّاماً حتى يَقْوَى وَلَدُها، وسُمِّيَتْ عَائِذاً؛ لأنَّ وَلَدَها يَعُوذُ بها؛ أيْ: يَلْجَأُ إليها، وهو جَمْعٌ غَريبٌ، ويَنْدُرُ مِثْلُه في العربيَّةِ، (تُزَجِّي) تَسُوقُ.
المعنَى: يَمْدَحُ قَيْساً بأنَّه يَهَبُ الْمِائَةَ مِن النُّوقِ البِيضِ الحديثةِ العهْدِ بالنَّتاجِ معَ أَولادِها ورُعَاتِها.
الإعرابُ: (الواهِبُ) يَجوزُ أنْ يكونَ مَجروراً نَعْتاً لقَيْسٍ المذكورِ في بيتٍ سابِقٍ على بيتِ الشاهِدِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مَرفوعاً على أنه خبَرٌ لمبتدَأٍ مَحذوفٍ؛ أي: هو الواهِبُ... إلخ، وفي الواهِبِ ضميرٌ مُستَتِرٌ يَعودُ على قَيسٍ فاعلٌ، والواهِبُ مُضافٌ والمائَةِ مُضافٌ إليه ِمن إضافَةِ اسمِ الفاعِلِ إلى مَفعولِه، (الْهِجانِ) بالْجَرِّ بإضافَةِ الْمِائةِ إليه على مَذهَبِ الكُوفِيِّينَ الذين يَرَوْنَ تَعريفَ اسمِ العدَدِ وتَعريفَ المعدودِ مَعاً، أو نعْتٌ له على اللفْظِ.
(وعَبْدَِها) يُرْوَى بالنصْبِ وبالجَرِّ، فأَمَّا الْجَرُّ فعَلَى العطْفِ، على لفْظِ الْمِائَةِ، وأمَّا النصْبُ فعَلَى العطْفِ على مَحَلِّه، أو بإضمارِ عامِلٍ، ويَصِحُّ تَقديرُ هذا العامِلِ فِعْلاً كما يَصِحُّ تَقديرُه وصْفاً مُنَوَّناً، (عُوذاً) نعْتٌ للمِائةِ، وهو تابِعٌ للمَحَلِّ، (تُزْجِي) فِعْلٌ مُضارِعٌ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ جَوَازاً تَقديرُه هي، يَعودُ على الْمِائةِ فاعلٌ، (بينَها) بينَ: ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بتُزَجِّي، وبينَ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (أَطْفَالَها) أَطفالَ: مَفعولٌ به لتُزَجِّي، وأطفالَ مُضافٌ وضَميرُ الغائِبَةِ العائدُ إلى النُّوقِ مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وعَبْدَِهَا)؛ فإنه رُوِيَ بالوَجهينِ: الجَرِّ والنصْبِ تَبَعاً لِلَفْظِ الاسمِ الذي أُضيفَ إليه اسمُ الفاعلِ أو مَحَلِّه، وقد بَيَّنَّا وَجْهَ كلِّ واحِدٍ مِنهما كما بَيَّنَّا ما يَجوزُ مِن تَقديرِ العامِلِ على رِوايةِ النصْبِ.

([14]) 265 - هذا البيتُ مِن الشَّوَاهِدِ الْمَجهولِ قائِلُها، ويُقالُ: إنَّه مِن صُنْعِ النَّحْوِيِّينَ، وهو مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ (1 / 87) والأَشْمُونِيِّ (708)
اللُّغَةُ: (باعِثُ) مُرْسِلُ، (دَينارٍ) اسمُ رَجُلٍ، أو اسمُ جَارِيَةٍ، أو هو اسمٌ لقِطْعَةِ النقْدِ الْمَعروفةِ، والأوَّلُ أَوْلَى؛ لكَونِه قد عَطَفَ عليه، (عَبْدَِ رَبٍّ)، وبَيَّنَ أنه أَخُو عَوْنِ بنِ مِخْرَاقٍ.
الإعرابُ: (هل) حرْفُ استفهامٍ، (أنتَ) مُبتَدَأٌ، (باعِثُ) خَبَرُ المبتَدَأِ، وباعِثُ مُضافٌ و(دِينارٍ) مُضافٌ إليه مِن إِضافَةِ اسمِ الفاعِلِ لِمَفعولِه، (لِحَاجَتِنا) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ ببَاعِثُ، وحاجَةِ مُضافٌ ونا: مُضافٌ إليه، (أو) عاطِفَةٌ، (عَبْدَِ) يُرْوَى بالنصْبِ على أنه مَعطوفٌ على دِينارٍ باعتبارِ مَحَلِّه، أو على أنَّه مَعمولٌ لعامِلٍ مُقَدَّرٍ، وهذا العامِلُ يَجوزُ أنْ نُقَدِّرَه فِعْلاً؛ أي: نَبْعَثُ عبدَ رَبٍّ، ويَجُوزُ أنْ نُقَدِّرَه وَصْفاً مُنَوَّناً؛ أيْ: باعِثٌ عَبْدَ رَبٍّ، وعبْدَ مُضافٌ و(رَبٍّ) مُضافٌ إليه، (أَخَا) صِفَةٌ لعَبْدَ أو عطْفُ بَيانٍ عليه، وأخَا مُضافٌ و(عَوْنِ) مُضافٌ إليه، (ابنِ) صِفَةٌ لعَوْنِ، وابنِ مُضافٌ و(مِخْرَاقِ) مُضافٌ إِليهِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أو عَبْدَ.... عَوْنِ)؛ حيثُ عَطَفَ بالنصْبِ على مَحَلِّ ما أُضيفَ إليه اسمُ الفاعِلِ، كما بيَّنَّا في الإعرابِ، ويَجوزُ فيه وَجهٌ ثانٍ: وهو الْجَرُّ بالعطْفِ على اللفْظِ، وقد مَرَّ تَفصيلُ ذلك في البيتِ السابِقِ.
ومِثلُه قَولُ رجُلٍ مِن قَيْسِ عَيْلاَنَ، (وأَنْشَدَه سِيبَوَيْهِ: 1 / 87):
فبَيْنَا نَحُنُ نَطْلُبُه أَتَانَا = مُعَلِّقَ وَفْضَةٍ وزِنادَ رَاعِ
فنَصَبَ (زِنادَ رَاعٍ) بالعطْفِ على مَحَلِّ (وَفْضَةٍ). والوَفْضَةُ: الكِنانَةُ التي تُوضَعُ فيها السِّهَامُ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلٌ: تُحَوَّلُ([1]) صِيغَةُ فَاعِلٍ للمُبَالَغَةِ والتَّكْثِيرِ إلَى: فَعَّالٍ، أو فَعُولٍ، أو مِفْعَالٍ ـ بكَثْرَةٍ، وإلَى فَعِيلٍ أو فَعِلٍ، بقِلَّةٍ، فيَعْمَلُ عَمَلَهُ بشُرُوطِهِ، قالَ:
372- أَخَا الحَرْبِ لَبَّاساً إِلَيْهَا جِلاَلَهَا([2])
وقَالَ:
373- ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمَانِهَا([3])
وحَكَى سِيبَوَيْهِ (إنَّهُ لمِنْحَارٌ بَوَائِكَهَا)، وقَالَ:
374- فَتَاتَانِ أَمَّا مِنْهُمَا فََشَبِيهَةٌ = هِلاَلاً ... ... ... ...([4])
وقَالَ:
375- أَتَانِي أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي([5])
فَصْلٌ: تَثْنِيَةُ اسْمِ الفَاعِلِ وجَمْعُهُ وتَثْنِيَةُ أَمْثِلَةِ المُبَالَغَةِ وجَمْعُهَا كمُفْرَدِهِنَّ فِي العَمَلِ والشُّرُوطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً}([6]) وقَالَ تَعَالَى: (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ)=([7]) ، وقَالَ: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ}([8]) ، وقَالَ الشَّاعِرُ:
376- وَالنَّاذِرَيْنِ إِذَا لَمَ الْقَهُمَا دَمِي([9])
وقالَ:
377- غُفُرٌ ذَنْبَهُمْ غَيْرُ فُخُرْ([10])
غُفُرٌ: جَمْعُ غَفُورٍ، وذَنْبَهُمْ: مَفْعُولُه.
فَصْلٌ: يَجُوزُ في الاسْمِ الفَضْلَةِ الذي يَتْلُو الوَصْفَ العَامِلَ أن يُنْصَبَ بهِ، وأَنْ يُخْفَضَ بإِضَافَتِهِ وقَدْ قُرِئَ {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}(38) ، و {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}([11]) بالوَجْهَيْنِ، وأمَّا مَا عَدَا التَّالِيَ([12]) فيَجِبُ نَصْبُهُ، نَحْوُ: (خَلِيفَةً) مِن قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}([13]).
وإذَا أُتْبِعَ المَجْرُورُ فَالوَجْهُ جَرُّ التَّابِعِ علَى اللَّفْظِ؛ فتَقُولُ: (هَذَا ضَارِبُ زَيْدٍ وعَمْرٍو) ويَجُوزُ نَصْبُهُ بإِضْمَارِ وَصْفٍ مُنَوَّنٍ أو فِعْلٍ اتِّفَاقاً، وبالعَطْفِ علَى المَحَلِّ عِنْدَ بَعْضِهِم([14]) ، ويَتَعَيَّنُ إِضْمَارُ الفِعْلِ إن كانَ الوَصْفُ غَيْرَ عَامِلٍ؛ فنَصْبُ (الشَّمْسَ) فِي {وَجَاعِلُ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ}([15]) بإِضْمَارِ جَعَلَ لا غَيْرَ، إلاَّ إِنْ قُدِّرَ (جَاعِلُ) علَى حِكَايَةِ الحَالِ.


([1]) ذَكَرَ أَبُو حَيَّانَ أنَّ هذهِ الصِّيَغَ الخَمْسَةَ يَنْقَاسُ اشْتِقَاقُهَا مِن مَصْدَرِ كُلِّ فِعْلٍ ثُلاثِيٍّ مُتَعَدٍّ، نَحْوُ ضَرَبَ، يَجُوزُ لكَ أن تَقُولَ: ضَرَّابٌ، ومِضْرَابٌ، وضَرُوبٌ، وضَرِيبٌ، وضَرِبٌ.
وقَدْ وَرَدَت أَلْفَاظٌ على إِحْدَى هذهِ الصِّيَغِ معَ أنَّ الفِعْلَ المُسْتَعْمَلَ مَزِيدٌ علَى الثَّلاثَةِ، نَحْوُ: دَرَّاكٌ، ومِعْوَانٌ، ومِهْوَانٌ، ومِعْطَاءٌ، ونَذِيرٌ، وزَهُوقٌ.

([2]) 372-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ القُلاخِ – بضَمِّ القَافِ وآخِرُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ – ابْنِ حَزَنِ بْنِ جَنَابٍ، الذي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ:
أَنَا القُلاخُ بْنُ جَنَابِ بْنِ جَلاَ = أَخُو خَنَاثِيرَ أَقُودُ الجَمَلاَ
وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*وَلَيْسَ بِوَلاَّجِ الخَوَالِفِ أَعْقَلاَ*
اللُّغَةُ: (أَخَا الحَرْبِ)؛ أي: مُعَالِجَهَا الذي يُلازِمُهَا ولا يَفِرُّ مِنْهَا، وذلك كما تَقُولُ: فُلانٌ أَخُو البِرِّ، وأَخُو الإِحْسَانِ، وأَخُو العَرَبِ. (جِلالَهَا) الجِلالُ – بكَسْرِ الجِيمِ – جَمْعُ جُلٍّ، بالضَّمِّ، وأَرَادَ بهِ مَا يُلْبَسُ في الحَرْبِ مِن الدُّرُوعِ ونَحْوِهَا. (وَلاَّجٍ) كَثِيرُ الوُلُوجِ؛ أي: الدُّخُولِ. (الخَوَالِفِ) جَمْعُ خَالِفَةٍ، وهي في الأصْلِ عَمُودُ الخَيْمَةِ، والمُرَادُ مِنْهُ هنا نَفْسُ الخَيْمَةِ، مِن إِطْلاقِ اسْمِ الجُزْءِ وإِرَادَةِ الكُلِّ. (الأَعْقَلُ) هو الذي تَصْطَكُّ رُكْبَتَاهُ مِن الفَزَعِ.
الإعْرَابُ: (أَخَا) حَالٌ مِن ضَمِيرِ مُتَكَلِّمٍ وَاقِعٍ في بَيْتٍ سَابِقٍ على بَيْتِ الشَّاهِدِ، وهو قَوْلُهُ:
فَإِنْ تَكُ فَاتَتْكَ السَّمَاءُ فَإِنَّنِي = بِأَرْفَعِ مَا حَوْلِي مِنَ الأَرْضِ أَطْوَلاَ
مَنْصُوبٌ بالألِفِ نِيَابَةً عَن الفَتْحَةِ؛ لأنَّهُ مِن الأسْمَاءِ السِّتَّةِ، وأَخَا: مُضَافٌ و(الحَرْبِ) مُضَافٌ إليْهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (لَبَّاساً) حَالٌ ثَانِيَةٌ مِن ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ الذي ذَكَرْنَاهُ، مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وفيهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ هو، وهو فَاعِلُهُ. (إِلَيْهَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بلَبَّاسٍ. (جِلالَهَا) جِلالَ: مَفْعُولٌ بهِ للَبَّاسٍ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، ولَبَّاسَ: مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلى الحَرْبِ مُضَافٌ إليهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (وَلَيْسَ) الوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، لَيْسَ: فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، واسْمُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى أَخِي الحَرْبِ. (بِوَلاَّجٍ) البَاءُ حَرْفُ جَرٍّ زَائِدٌ مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، وَلاَّجٍ: خَبَرُ لَيْسَ مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى آخِرِهِ مَنَعَ ظُهُورَهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ حَرْفِ الجَرِّ الزَّائِدِ، ووَلاَّجٍ: مُضَافٌ و(الخَوَالِفِ) مُضَافٌ إلَيْهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (أَعْقَلاَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حَالاً مِن اسْمِ لَيْسَ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، ويَجُوزُ أن يَكُونَ خَبَراً ثَانِياً للَيْسَ، فهو أَيْضاً مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَعْتاً لوَلاَّجٍ أو مَعْطُوفاً علَيْهِ بحَرْفِ عَطْفٍ مُقَدَّرٍ، فهو مَجْرُورٌ بالفَتْحَةِ نِيَابةً عَنِ الكَسْرَةِ؛ لأنَّهُ لا يَنْصَرِفُ للوَصْفِيَّةِ ووَزْنِ الفِعْلِ، أو هو مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ لأنَّ تَابِعَ خَبَرِ لَيْسَ المَجْرُورِ بالبَاءِ الزَّائِدَةِ يَجُوزُ فِيهِ الجَرُّ تَبَعاً للَفْظِ الخَبَرِ، ويَجُوزُ فيهِ النَّصْبُ تَبَعاً لمَوْضِعِهِ كما في قَوْلِ الشَّاعِرِ:
*فَلَسْنَا بِالجِبَالِ وَلاَ الحَدِيدَا*
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (لَبَّاساً جِلالَهَا) حيثُ أَعْمَلَ صِيغَةَ المُبَالَغَةِ، وهي قَوْلُهُ: (لَبَّاساً) إِعْمَالَ الفِعْلِ واسْمِ الفَاعِلِ، فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ بهِ، وهو قَوْلُهُ: (جِلالَهَا) لاعْتِمَادِهِ على مَوْصُوفٍ مَذْكُورٍ هو قَوْلُهُ: أَخَا الحَرْبِ، ومِثْلُهُ قَوْلُ شَاعِرِ الحَمَاسَةِ:
فَيَا لَرِزَامِ رَشِّحُوا بِي مُقَدَّماً = إِلَى الحَرْبِ خَوَّاضاً إِلَيْهَا الكَتَائِبَا
خَوَّاضٌ: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لخَائِضٍ، وفيهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ إلى مُقَدَّمٍ، والكَتَائِبُ: مَفْعُولٌ بهِ لخَوَّاضٍ بسَبَبِ كَوْنِهِ مُعْتَمِداً علَى مَوْصُوفٍ وهو قَوْلُهُ: (مُقَدَّماً).

([3]) 373- هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، مِن كَلِمَةٍ رَثَى فِيهَا أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيِّ، وهو زَوْجُ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، والذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدْرُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*إِذَا عَدِمُوا زَاداً فَإِنَّكَ عَاقِرُ*
اللُّغَةُ: (ضَرُوبٌ) صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لضَارِبٍ. (نَصْلِ السَّيْفِ) حَدُّهُ وشَفْرَتُهُ، وقَدْ يُطْلَقُ النَّصْلُ على السَّيْفِ كُلِّهِ، ولكنَّهُ لا يُرَادُ هَهُنَا، لئَلاَّ تَلْزَمَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ. (سُوقَ) جَمْعُ سَاقٍ. (سِمَانِهَا) جَمْعُ سَمِينَةٍ ضِدُّ الهَزِيلَةِ، والضَّمِيرُ البَارِزِ يَعُودُ إلى الإِبِلِ. (عَاقِرُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ العَقْرِ، وهو الذَّبْحُ، ويُطْلَقُ على مَنْ يَقْطَعُ قَوَائِمَ البَعِيرِ ليَتَمَكَّنَ مِن ذَبْحِهِ.
المَعْنَى: يَصِفُ أَبَا أُمَيَّةَ الذي يَرْثِيهِ بالجُودِ والكَرَمِ في وَقْتِ العُسْرَةِ الذي تَبِينُ فيهِ الأنَانِيَّةُ في أَكْثَرِ النُّفُوسِ فتُمْسِكُ عَن مَعُونَةِ المُحْتَاجِينَ، وتَجْمُدُ الأَيْدِي فلا تَبِضُّ بقَطْرَةٍ، وذَكَرَ أنَّهُ لا يَكْتَفِي بالقَلِيلِ مِن الجُودِ، ولكنَّهُ يَبْذُلُ بأَوْسَعِ مَعَانِي البَذْلِ.
الإعْرَابُ: (ضَرُوبٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: أنت ضَرُوبٌ، أو: هو ضَرُوبٌ، مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ. (بنَصْلِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بضَرُوبٍ، ونَصْلِ: مُضَافٌ و(السَّيْفِ) مُضَافٌ إليْهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (سُوقَ) مَفْعُولٌ بهِ لضَرُوبٍ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وسُوقَ مُضَافٌ وسِمَانِ مِن (سِمَانِهَا) مُضَافٌ إليْهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وسِمَانَ: مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلى الإبِلِ مُضَافٌ إليْهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (إذا) ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزَّمَانِ خَافِضٌ لشَرْطِهِ مَنْصُوبٌ بجَوَابِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (عَدِمُوا) عَدِمَ: فِعْلٌ مَاضٍ، ووَاوُ الجَمَاعَةِ فَاعِلُهُ. (زَاداً) مَفْعُولٌ بهِ لعَدِمَ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُمْلَةُ الفِعْلِ المَاضِي وفَاعِلِهِ ومَفْعُولِهِ في مَحَلِّ جَرٍّ بإِضَافَةِ (إِذَا) إِلَيْهَا. (فإِنَّكَ) الفَاءُ وَاقِعَةٌ في جَوَابِ إِذَا، إنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ يَنْصِبُ الاسْمَ ويَرْفَعُ الخَبَرَ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعْرَابِ، وكَافُ المُخَاطَبِ اسْمُهُ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (عَاقِرُ) خَبَرُ إِنَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، والجُمْلَةُ مِن إِنَّ واسْمِهِ وخَبَرِهِ لا مَحَلَّ [لَها] مِن الإعْرَابِ جَوَابُ إِذَا.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (ضَرُوبٌ سُوقَ سِمَانِهَا) حَيْثُ أَعْمَلَ صِيغَةَ المُبَالَغَةِ، وهي قَوْلُهُ: (ضَرُوبٌ) إِعْمَالَ الفِعْلِ واسْمِ الفَاعِلِ، فنَصَبَ بهَا المَفْعُولَ بهِ وهو قَوْلُهُ: (سُوقَ سِمَانِهَا) واسْمُ المُبَالَغَةِ هُنَا مُعْتَمِدٌ على مُخْبَرٍ عَنْهُ مَحْذُوفٍ، فإِنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هو ضَرُوبٌ، أو نَحْوُهُ.

([4]) 374-هذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ، ومَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ قِطْعَةٌ مِن بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، والعُلَمَاءُ يَرْوُونَ البَيْتَ بتَمَامِهِ هكَذَا:
فَتَاتَانِ أَمَّا مِنْهُمَا فَشِبِيهَةٌ = هِلاَلاً، وَأُخْرَى مِنْهُمَا تُشْبِهُ البَدْرَا
وقدْ وَجَدْتُ فِي شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ هذَا البَيْتَ بِرَوِيٍّ آخَرَ، وأنا أَسُوقُهُ إلَيْكَ معَ بَيْتٍ آخَرَ لتُدْرِكَ أنَّ النُّحَاةَ غَيَّرُوا فيهِ بَعْضَ التَّغْيِيرِ:
فَتَاتَانِ أَمَّا مِنْهُمَا فَشَبِيهَةٌ = هِلاَلاً، وَأُخْرَى مِنْهُمَا تُشْبِهُ الشَّمْسَا
فَتَاتَانِ فِي سَعْدِ السُّعُودِ وُلِدْتُمَا = وَلَمْ تَلْقَيَا يَوْماً هَوَاناً وَلاَ نَحْسَا
اللُّغَةُ: (فَتَاتَانِ) تَثْنِيَةُ فَتَاةٍ، وهي الجَارِيَةُ الحَدِيثَةُ السِّنِّ، والغُلامُ فَتًى، وتُصَغَّرُ الفَتَاةُ علَى فُتَيَّةٍ، ويُصَغَّرُ الفَتَى علَى فُتَيٍّ، وتُجْمَعُ الفَتَاةُ علَى فَتَيَاتٍ، ويُجْمَعُ الفَتَى علَى فِتْيَانٍ، ومِنَ العَرَبِ مَن يَقُولُ: فِتْوَانٌ. والأصْلُ في هذهِ المَادَّةِ فَتَاءُ السِّنِّ، وهو الشَّبَابُ، يُقَالُ: قَدْ فَتِيَ يَفْتَى – مِثْلُ رَضِيَ يَرْضَى – فهو فَتِيُّ السِّنِّ بَيِّنُ الفَتَاءِ – بالفَتْحِ والمَدِّ – . (هِلاَلاً) الهِلالُ: اسْمٌ للقَمَرِ في لَيْلَتَيْنِ مِن أَوَّلِ الشَّهْرِ أو ثَلاثِ لَيَالٍ، سَمَّوْهُ بذلكَ؛ لأنَّ النَّاسَ يُهَلِّلُونَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ؛ أي: يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم بالدُّعَاءِ. (البَدْرَ) هو القَمَرُ لَيْلَةَ تَمِّهِ وكَمَالِهِ.
الإعْرَابُ: (فَتَاتَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: هما فتَاتانِ، أو أَنْتُمَا فَتَاتَانِ، مَرْفُوعٌ بالألفِ نِيَابةً عن الضَّمَّةِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى، والنُّونُ عِوَضٌ عن التَّنْوِينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. (أَمَّا) حَرْفُ شَرْطٍ وتَفْصِيلٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرَابِ. (مِنْهُمَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ يَقَعُ صِفَةً لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَقَعُ مُبْتَدَأً، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: أَمَّا وَاحِدَةٌ كَائِنَةٌ مِنْهُمَا. (فَشَبِيهَةٌ) الفَاءُ زَائِدَةٌ وُجُوباً فِي خَبَرِ المُبْتَدَأِ، شَبِيهَةٌ: خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفيهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ هي، وهو فَاعِلُهُ. (هِلاَلاً) مَفْعُولٌ به لشَبِيهَةٍ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ . (وأُخْرَى) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، أُخْرَى: صِفَةٌ لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَقَعُ مُبْتَدَأً، مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ. (مِنْهُمَا) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لأخْرَى. (تُشْبِهُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي. (البَدْرَا) مَفْعُولٌ به لتُشْبِهُ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، والألفُ للإطْلاقِ، وجُمْلَةُ تُشْبِهُ وفَاعِلِهِ المُسْتَتِرِ فيهِ ومَفْعُولِهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو مَوْصُوفُ أُخْرَى، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: ووَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تُشْبِهُ البَدْرَ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (فَشَبِيهَةٌ هِلاَلاً) حيثُ أَعْمَلَ صِيغَةَ المُبَالَغَةِ وهي قَوْلُهُ: (شَبِيهَةٌ) إِعْمَالَ الفِعْلِ واسْمِ الفَاعِلِ، فنَصَبَ بها المَفْعُولَ بهِ، وهو قَوْلُهُ: (هِلاَلاً)، واسْمُ المُبَالَغَةِ هُنَا مُعْتَمِدٌ علَى مُخْبَرٍ عنْهُ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: أمَّا فَتَاةٌ مِنْهُمَا فهي شَبِيهَةٌ هِلاَلاً.
وقدْ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ في هذا المَوْضِعِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
حَتَّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ = بَاتَتْ طِرَاباً وبَاتَ اللَّيْلُ لَمْ يَنَمِ
جعَلَ قَوْلَهُ: (كَلِيلٌ) صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ, وقَوْلَهُ: (مَوْهِناً) مَنْصُوباً بكَلِيلٍ، واعْتَرَضَهُ قَوْمٌ بأنَّ المَوْهِنَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وادَّعَى ابْنُ هِشَامٍ لتَصْحِيحِ كَلامِ سِيبَوَيْهِ – معَ تَسْلِيمِهِ بأنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ- أَنَّهُ مَفْعُولٌ بهِ علَى حَدِّ قَوْلِهِم: (أَتْعَبْتَ يَوْمَكَ).

([5]) 375- هذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ زَيْدِ الخَيْلِ، وهو الذي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ زَيْدَ الخَيْرِ، ومَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدْرُ بَيْتٍ مِن الوَافِرِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*جِحَاشُ الكِرْمِلَيْنِ لَهَا فَدِيدُ*
اللُّغَةُ: (مَزِقُونَ) جَمْعُ مَزِقٍ – بفَتْحٍ فكَسْرٍ – وهو صِيغَةُ المُبَالَغَةِ لمَازِقٍ الذي هو اسْمُ فَاعِلٍ مِن المَزْقِ، وأَصْلُهُ شَقُّ الثَّوْبِ ونَحْوُه، ويُسْتَعْمَلُ في مَزْقِ العِرْضِ على المَجَازِ. (الجِحَاشُ) جَمْعُ جَحْشٍ. (الكِرْمِلَيْنِ) تَثْنِيَةُ كِرْمِلٍ – بكَسْرَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُكُونٌ – وهو مَاءٌ بجَبَلٍ مِن جَبَلَيْ طَيِّئٍ. (الفَدِيدُ) الصَّوْتُ.
المَعْنَى: يَقُولُ عن قَوْمٍ تَوَعَّدُوهُ بالشَّرِّ: بَلَغَنِي أنَّهُم يَثْلِبُونَنِي ويَنَالُونَ مِنِّي، ويَقْطَعُونَ عِرْضِي شَتْماً وسِبَاباً، ثُمَّ [أَخْبَرَ] عَنْهُم أنَّهُم عِنْدَهُ [بمَنْزِلَةِ] حَمِيرِ مَوْضِعٍ بعَيْنِهِ سَمَّاهُ الكِرْمِلَيْنِ، وأنَّ حَدِيثَهُم عَنْهُ يُشْبِهُ ما تُحْدِثُهُ هذه الحَمِيرُ مِن الصِّيَاحِ والجَلَبَةِ عِنْدَ وُرُودِ المَاءِ.
الإعْرَابُ: (أَتَانِي) أَتَى: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ على الألفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ، والنُّونُ للوِقَايَةِ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفْعُولٌ بهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (أنَّهُم) أنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، وضَمِيرُ الغَائِبِينَ اسْمُهُ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (مَزِقوُنَ) خَبَرُ أَنَّ مَرْفُوعٌ بالوَاوِ نِيَابَةً عَن الضَّمَّةِ؛ لأنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ. (عِرْضِي) عِرْضِ: مَفْعُولٌ بهِ لمَزِقُونَ مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى مَا قَبْلَ يَاءِ المُتَكَلِّمِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المُنَاسَبَةِ، وهو مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليْهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وأنَّ ومَا دَخَلَت علَيْهِ في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَرْفُوعٍ فَاعِلُ أَتَى. (جِحَاشُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ والتَّقْدِيرُ: هُم جِحَاشُ، مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وجِحَاشُ: مُضَافٌ و(الكِرْمِلَيْنِ) مُضَافٌ إليهِ مَجْرُورٌ باليَاءِ نِيَابَةً عَن الكَسْرَةِ لأنَّهُ مُثَنًّى. (لها) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. (فَدِيدُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وجُمْلَةُ المُبْتَدَأِ المُؤَخَّرِ وخَبَرِهِ المُقَدَّمِ علَيْهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، حَالٌّ مِن جِحَاشِ الكِرْمِلَيْنِ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: أَتَانِي كَوْنُهُم مَزِقِينَ عِرْضِي، هُمْ جِحَاشُ الكِرْمِلَيْنِ حَالَ كَوْنِهَا ذَاتَ فَدِيدِ؛ أي: صَوْتٍ وصِيَاحٍ وجَلَبَةٍ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (مَزِقُونَ عِرْضِي) حيثُ أَعْمَلَ جَمْعَ صِيغَةِ المُبَالَغَةِ وهو قَوْلُهُ: (مَزِقُونَ) فإنَّهُ جَمْعُ مَزِقٍ – بفَتْحٍ فكَسْرٍ – ومَزِقٌ هَذَا مُبَالَغَةُ اسْمِ الفَاعِلِ، وقَدْ أَعْمَلَ هذَا الجَمْعَ إِعْمَالَ مُفْرَدِهِ – وبالتَّالِي إِعْمَالَ الفِعْلِ واسْمِ الفَاعِلِ؛ِ فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ، وهو قَوْلُه: (عِرْضِي) واسْمُ المُبَالَغَةِ هنا مُعْتَمِدٌ على مُخْبَرٍ عَنْهُ وهو اسْمُ إِنَّ.
ومِن إِعْمَالِ فَعِلٍ – بفَتْحٍ فكَسْرٍ – قَولُ لُبَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ، وهو مِن شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ (1/57):
أَوْ مِسْحَلٌ شَنِجٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ = بِسَرَاتِهِ نَدَبٌ لَهَا وَكَلُومُ
فقَدْ نَصَبَ قَوْلَهُ: (عِضَادَةَ سَمْحَجٍ) بقَوْلِهِ: (شَنِجٌ) الذي هو صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ.
ومِن ذلك قَوْلُ الآخَرِ:
حَذِرٌ أُمُوراً لاَ تَضِيرُ وَآمِنٌ = مَا لَيْسَ مُنْجِيَهُ مِنَ المِقْدَارِ
ومِن تَعَدُّدِ الشَّوَاهِدِ الدَّالَّةِ علَى إِعْمَالِ (فَعِلٍ) بفَتْحٍ فكَسْرٍ- عَمَلَ الفِعْلِ تَعْلَمُ أنَّهُ لا يَضِيرُ سِيبَوَيْهِ أن يَكُونَ قد اسْتَشْهَدَ على هذا الإِعْمَالِ – أو مَثَّلَ له – بالبَيْتِ الأخِيرِ، وأنَّهُ قيلَ عَن هذا البَيْتِ: إنَّهُ مَصْنُوعٌ، فقَدْ ذَكَرَ مَعَهُ مِن الشَّوَاهِدِ مَا يُؤَيِّدُ رَأْيَهُ.

([6]) سُورَةُ (الأَحْزَابُ)، الآيَةُ: 35.

([7]) سُورَةُ (الزُّمَرُ)، الآيَةُ: 38.

([8]) سُورَةُ (القَمَرُ)، الآيَةُ: 7.

([9]) 376- هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَنْتَرَةَ بْنِ شَدَّادٍ العَبْسِيِّ، مِن مُعَلَّقَتِهِ المَشْهُورَةِ، ومَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الكَامِلِ، وصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
*الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمْهُمَا*
اللُّغَةُ: (الشَّاتِمَيْ عِرْضِي) الشَّاتِمَيْ: مُثَنَّى شَاتِمٍ، وشَاتِمٌ: اسْمُ فَاعِلٍ فِعْلُهُ (شَتَمَ يَشْتُمُ شَتْماً) مِن بَابِ نَصَرَ، والشَّتْمُ: الرَّمْيُ بالمَكْرُوهِ مِن القَوْلِ، والعِرْضُ – بالكَسْرِ – مَا يَصُونُهُ المَرْءُ عَن أن تَتَنَاوَلَهُ الأَلْسُنُ. (والنَّاذِرَيْنِ)؛ أي: اللَّذَيْنِ أَوْجَبَا علَى أَنْفُسِهِمَا، يُرِيدُ أنَّهُمَا يَتَوَعَّدَانِهِ حينَ يَغِيبُ عَن وَجْهِهِمَا، فأمَّا إذَا حَضَرَ فلا جَرَاءَةَ لَهُمَا على ذلك.
الإعْرَابُ: (الشَّاتِمَيْ) نَعْتٌ لابْنَي ضَمْضَمٍ المَذْكُورِ في بَيْتٍ مُتَقَدِّمٍ على بَيْتِ الشَّاهِدِ، وهو قَوْلُهُ:
وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ = لِلحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ
مَجْرُورٌ باليَاءِ نِيَابَةً عن الكَسْرَةِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى، والشَّاتِمَيْ مُضَافٌ وعِرْضِ مِن (عِرْضِي) مُضَافٌ إليهِ مَجْرُورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ يَاءِ المُتَكَلِّمِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ المُنَاسِبَةِ لليَاءِ، وعِرْضِ: مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (وَلَمْ) الواوُ واوُ الحَالِ. لَمْ: حَرْفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ. (أَشْتُمْهُمَا) أَشْتُمْ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بلَمْ وعَلامَةُ جَزْمِهِ السُّكُونُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، وضَمِيرُ الغَائِبَيْنِ العَائِدُ إلَى ابْنَيْ ضَمْضَمٍ مَفْعُولٌ بهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، والجُمْلَةُ مِن الفِعْلِ المُضَارِعِ وفَاعِلِهِ ومَفْعُولِهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ حَالٌ. (والنَّاذِرَيْنِ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ، النَّاذِرَيْنِ: مَعْطُوفٌ على الشَّاتِمَيْ، مَجْرُورٌ باليَاءِ نِيَابَةً عَنِ الكَسْرِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى، والنُّونُ عِوَضٌ عَن التَّنْوِينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. (إِذَا) ظَرْفٌ تَضَمَّن مَعْنَى الشَّرْطِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (لَمَ) حَرْفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ (الْقَهُمَا) أَلْقَ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بلَمْ وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ الألِفِ، والفَتْحَةُ قَبْلَهَا دَلِيلٌ عَلَيْهَا، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، وضَمِيرُ الغَائِبَيْنِ العَائِدُ إلى ابْنَيْ ضَمْضَمٍ مَفْعُولٌ به مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وجَوَابُ إِذَا على هذا مَحْذُوفٌ، والأحْسَنُ أنْ تَجْعَلَهَا ظَرْفِيَّةً لا غَيْرَ، فَلا جَوَابَ لَهَا. (دَمِي) دَمِ: مَفْعُولٌ بهِ للنَّاذِرَيْنِ مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ يَاءِ المُتَكَلِّمِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المُنَاسَبَةِ، ودَمِ: مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُهُ: (والنَّاذِرَيْنِ دَمِي) حيثُ أَعْمَلَ مُثَنَّى اسْمِ الفَاعِلِ – وهو قَوْلُهُ: (النَّاذِرَيْنِ) – عَمَلَ المُفْرَدِ، فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ، وهو قَوْلُهُ: (دَمِي)، وهذا المُثَنَّى مُقْتَرِنٌ بأَلْ فلا حَاجَةَ بهِ إلى الاعْتِمَادِ علَى شَيْءٍ ممَّا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ وأَوْضَحْنَاهُ في شَرْحِ الشَّوَاهِدِ السَّابِقَةِ.

([10]) 377- هذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ طَرَفَة بْنِ العَبْدِ البَكْرِيِّ، ومَا أَنْشَدَهُ المُؤَلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الرَّمَلِ، وصَدْرُهُ قَوْلُهُ:
*ثُمَّ زَادُوا أَنَّهُمْ فِي قَوْمِهِمْ*
اللُّغَةُ: (ثُمَّ زَادُوا – البَيْتَ) وَصَفَ قَوْمَهُ قَبْلَ هذا البَيْتِ بالإقْدَامِ والجُرْأَةِ والصَّبْرِ على قِتَالِ الأَعْدَاءِ، وغَيْرِ ذَلكَ مِن أَفْعَالِ الشَّجَاعَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ لَهُم مَزِيداً علَى ذلك مِنْ خِلالِ المُرُوءَةِ، وذلك أنَّهُم يَأْخُذُونَ بالعَفْوِ عَن الزَّلاَّتِ والصَّفْحِ عَن الذُّنُوبِ، وأنَّهُم – معَ مَا لَهُم مِن خِصَالِ الشَّرَفِ – لا يَفْخَرُونَ؛ لأنَّ الفَخْرَ إِعْجَابٌ وخِفَّةٌ. وغُفُرُ – بضَمَّتَيْنِ – جَمْعُ غَفُورٍ الذي هو مُبَالَغَةُ غَافِرٍ، وفُخُرُ -بضَمَّتَيْنِ أَيْضاً – جَمْعُ فَخُورٍ الذي هو مُبَالَغَةُ فَاخِرٍ، ويُرْوَى (غَيْرُ فُجُرْ) بضَمِّ الفَاءِ والجِيمِ – مِن الفُجُورِ، والفُجُورُ: الكَذِبُ، أو هو اسْمٌ جَامِعٌ لكُلِّ خَصْلَةٍ مِن خِصَالِ الشَّرِّ، والرِّوَايَةُ الأُولَى أَشْهَرُ وأَعْرَفُ، وإِضَافَةُ الذَّنْبِ إلى ضَمِيرِهِم مِن الإضَافَةِ لأَدْنَى مُلابَسَةٍ؛ لأنَّهُم إنَّمَا يَغْفِرُونَ ذَنْبَ مَن يَذْهَبُ إلَيْهِم، أو هو على تَقْدِيرُ مُضَافٍ بَيْنَ المُتَضَايِفَيْنِ؛ أي: غُفُرٌ ذَنْبَ قَوْمِهِم.
الإعْرَابُ: (ثُمَّ) حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعْرَابِ. (زَادُوا) زَادَ: فِعْلٌ مَاضٍ، ووَاوُ الجَمَاعَةِ فَاعِلُهُ. (أَنَّهُمْ) أنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ، وضَمِيرُ الغَائِبِينَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ. (فِي) حَرْفُ جَرٍّ. (قَوْمِهِمْ) قَوْمِ: مَجْرُورٌ بفي وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، وقَوْمِ: مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ مُضَافٌ إليهِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حَالٌ مِن اسْمِ إِنَّ. وابْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ جَعَلَ الجَارَّ والمَجْرُورَ مُتَعَلِّقاً بزَادُوا، بِنَاءً على ما ذَهَبَ إليه مِن أنَّ (فِي) الجَارَّةَ هنا بمَعْنَى عِنْدَ. (غُفُرٌ) خَبَرُ أَنَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ. (ذَنْبَهُمُ) ذَنْبَ: مَفْعُولٌ بهِ لغُفُرٍ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ مُضَافٌ إليهِ. (غَيْرُ) خَبَرٌ ثَانٌ لأنَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وغَيْرُ: مُضَافٌ و(فُخُرْ) مُضَافٌ إليهِ مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وسَكَّنَهُ لأجْلِ الوَقْفِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ) حيثُ أَعْمَلَ جَمْعَ صِيغَةِ المُبَالَغَةِ، وهو قَوْلُهُ: (غُفُرٌ) فإنَّهُ جَمْعُ غَفُورٍ، وغَفُورٌ مُبَالَغَةُ غَافِرٍ، وقدْ أَعْمَلَ هذا الجَمْعَ إِعْمَالَ مُفْرَدِهِ، وبالتَّالِي إِعْمَالَ الفِعْلِ واسْمِ الفَاعِلِ، فنَصَبَ بهِ المَفْعُولَ وهو قَوْلُهُ: (ذَنْبَهُمُ) وصِيغَةُ المُبَالَغَةِ هنا مُعْتَمِدَةٌ على مُخْبَرٍ عَنْهُ مَذْكُورٍ وهو اسْمُ أَنَّ.
واعْلَمْ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أن يَكُونَ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً أو جَمْعَ مُؤَنَّثٍ سَالِماً وأَنْ يَكُونَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ، فمِن جَمْعِ اسْمِ الفَاعِلِ جَمْعَ التَّكْسِيرِ قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ الهُذَلِيِّ:
مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ = حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُهُ: (عَوَاقِدٌ حُبُكَ النِّطَاقِ) فإنَّ عَوَاقِدَ جَمْعُ تَكْسِيرٍ مُفْرَدُهُ عَاقِدَةٌ، وقَدْ نَصَبَ بهذا الجَمْعِ قَوْلَهُ: (حُبُكَ النِّطَاقِ) ومِن إِعْمَالِ جَمْعِهِ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً} ومِن إِعْمَالِ جَمْعِهِ جَمْعَ المُؤَنَّثِ السَّالِمَ قَوْلُهُ تَبَارَكَت كَلِمَتُهُ: (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) فإنَّ كَاشِفَاتٍ جَمْعُ كَاشِفَةٍ جَمْعُ مُؤَنَّثٍ سَالِمٌ وقَدْ نَصَبَ بهِ ضُرَّهُ، وقَدِ اجْتَمَعَ إِعْمَالُ جَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ وجَمْعِ التَّكْسِيرِ في قَوْلِ العَجَّاجِ بْنِ رُؤْبَةَ:
وَرَبِّ هَذَا البَلَدِ المُحَرَّمِ = وَالقَاطِنَاتِ البَيْتَ غَيْرِ الرُّيَّمِ
*أَوَالِفاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحِمَى*
القَاطِنَاتُ: جَمْعُ قَاطِنَةٍ جَمْعَ المُؤَنَّثِ السَّالِمَ، وقَدْ نَصَبَ بهِ البَيْتَ، وأَوَالِفُ: جَمْعُ آلِفَةٍ جَمْعَ التَّكْسِيرِ، وقَدْ نَصَبَ بهِ مَكَّةَ.
وأنت تَعْلَمُ أنَّ التَّثْنِيَةَ والجَمْعَ بأَنْوَاعِهِ – نَعْنِي سَوَاءٌ أَكَانَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ أم كانَ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً أم كانَ جَمْعَ مُؤَنَّثٍ سَالِماً – مِن خَصَائِصِ الأسْمَاءِ، فكَانَ مِن حَقِّ المُثَنَّى والمَجْمُوعِ مِن أَسْمَاءِ الفَاعِلِينَ ألاَّ يَعْمَلَ؛ لأنَّهُ بالتَّثْنِيَةِ والجَمْعِ بَعُدَ شَبَهُهُ بِالفِعْلِ، لَكِنَّا لا نَعْلَمُ خِلافاً بَيْنَ النُّحَاةِ في جَوَازِ إِعْمَالِ المُثَنَّى والمَجْمُوعِ مِن أَسْمَاءِ الفَاعِلِينَ، وكَيْفَ يَخْتَلِفُونَ في جَوَازِ إِعْمَالِهِ معَ أنَّ إِعْمَالَهُ قَدْ وَرَدَ صَرِيحاً في أَفْصَحِ كَلامٍ وهو القُرْآنُ الكَرِيمُ، كما وَرَدَ فيمَا لا يُحْصَى مِن الأبْيَاتِ المَعْرُوفِ قَائِلُوهَا.
ونحنُ نَسْتَدِلُّ بجَوَازِ إِعْمَالِ المُثَنَّى والمَجْمُوعِ مِن أَسْمَاءِ الفَاعِلِينَ على أنَّ شَبَهَ الفِعْلِ الذي عَمِلَ بسَبَبِهِ هو شَبَهُهُ بهِ في المَعْنَى وهو الدَّلالَةُ على الحَدَثِ – ولَيْسَ شَبَهُهُ هو مَجِيئَهُ فِي الغَالِبِ على زِنَةِ المُضَارِعِ، ووَجْهُ الاسْتِدْلالِ بذلك على ما اخْتَرْنَاهُ هو أنَّ التَّثْنِيَةَ والجَمْعِ – وخُصُوصاً جَمْعَ التَّكْسِيرِ – يُبْعِدَانِ مُوَازَنَتَهُ للمُضَارِعِ، فلو كَانَت مُوَازَنَتُهُ للمُضَارِعِ هي المُعْتَبَرَةَ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ لكانَت التَّثْنِيَةُ والجَمْعُ سَبَباً وَاضِحاً للقَوْلِ بعَدَمِ جَوَازِ الإعْمَالِ، لكنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلى ذلك أَحَدٌ، وممَّا يُؤَكِّدُ ما اخْتَرْنَاهُ مِن وَجْهِ الشَّبَهِ أنَّ أَمْثِلَةَ المُبَالَغَةِ عَمِلَت حَمْلاً علَى اسْمِ الفَاعِلِ معَ بُعْدِ زِنَتِهَا على زِنَةِ المُضَارِعِ.
ونُرِيدُ أن نَتَوَصَّلَ مِن هذا الكَلامِ إلى القَوْلِ بعَدَمِ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ مَن اشْتَرَطَ لعَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ ألاَّ يَكُونَ مُصَغَّراً، وألا يَكُونَ مَوْصُوفاً؛ بحُجَّةِ أنَّ ذلك يُبْعِدُ شَبَهَهُ بالفِعْلِ؛ لأنَّ التَّصْغِيرَ والوَصْفَ لم يُزِيلاَ دَلالَتَهُ على الحَدَثِ.
وخُلاصَةُ القَوْلِ في اسْمِ الفَاعِلِ المُصَغَّرِ أنَّ للنُّحَاةِ في جَوَازِ إِعْمَالِهِ ثَلاثَةَ مَذَاهِبَ:
الأوَّلُ: وهو رَأْيُ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ – أنَّهُ لا يَجُوزُ إِعْمَالُهُ مُطْلَقاً، نَعْنِي سَوَاءٌ أكَانَ مُكَبَّرُهُ قَدْ وَرَدَ عَن العَرَبِ أم لم يَكُنْ مُكَبَّرُهُ وَارِداً، مِثْلُ كُمَيْتٍ الذي هو مِن جِهَةِ القِيَاسِ تَصْغِيرُ أَكْمَتَ أو كَمْتَاءَ تَصْغِيرَ تَرْخِيمٍ، ولَمْ يُسْمَعِ الأَكْمَتُ ولا الكَمْتَاءُ.
والقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ إِعْمَالُ المُصَغَّرِ مُطْلَقاً، ويُنْسَبُ إلى الكِسَائِيِّ، ويُنْسَبُ إلَى جُمْهُورِ الكُوفِيِّينَ إلا الفَرَّاءَ، وقالَ بهِ النَحَّاسُ أَيْضاً – وتَمَسَّكَ الكُوفِيُّونَ بأنَّ السَّبَبَ الذي مِن أَجْلِهِ عَمِلَ اسْمُ الفَاعِلِ هو دَلالَتُهُ على الحَدَثِ، والتَّصْغِيرُ لَمْ يَذْهَبْ بهذه الدَّلالَةِ، وتَمَسَّكَ النَّحَّاسُ بقِيَاسِ المُصَغَّرِ على المَجْمُوعِ، وإذَا كُنَّا جَمِيعاً نُجِيزُ عَمَلَ المَجْمُوعِ والمُثَنَّى معَ قِيَامِ مَا هو مِن خَصَائِصِ الأسْمَاءِ فِيهِمَا وَجَبَ ألاَّ نُنْكِرَ عَمَلَ المُصَغَّرِ.
والثَّالِثُ: ويُنْسَبُ إلى المُتَأَخِّرِينَ- التَّفْصِيلُ، فإنْ كانَ المُصَغَّرُ لم يُسْتَعْمَلْ مُكَبَّرُهُ عَمِلَ، وإنْ سُمِعَ مُكَبَّرُهُ كضُوَيْرِبٍ وقُوَيْتِلٍ وسُوَيِّرٍ – تَصْغِيرُ ضَارِبٍ وقَاتِلٍ وسَائِرٍ – لَمْ يَعْمَلْ.
وخُلاصَةُ القَوْلِ في عَمَلِ اسْمِ الفَاعِلِ المَوْصُوفِ أنَّ للنُّحَاةِ في جَوَازِ إِعْمَالِهِ ثَلاثَةَ مَذَاهِبَ أَيْضاً:
المَذْهَبُ الأوَّلُ: وهو ما رَآهُ جُمْهُورُ البَصْرِيِّينَ مِن النُّحَاةِ – أنَّ اسْمَ الفَاعِلِ المَوْصُوفَ لا يَعْمَلُ مُطْلَقاً – نَعْنِي سَوَاءٌ أَذُكِرَ المَعْمُولُ في الكَلامِ بَعْدَ اسْمِ الفَاعِلِ وقَبْلَ الوَصْفِ، - وحَاصِلُهُ أن يَتَوَسَّطَ المَعْمُولُ بَيْنَ اسْمِ الفَاعِلِ ووَصْفِهِ – أم ذُكِرَ المَعْمُولُ بَعْدَهُمَا جَمِيعاً، أم ذُكِرَ المَعْمُولُ قَبْلَهُمَا جَمِيعاً – وهُم يُؤَوِّلُونَ ما وَرَدَ مِن كَلامِ العَرَبِ مُخَالِفاً لذلك بتَقْدِيرِ فِعْلٍ يَعْمَلُ فِيما يُظَنُّ أنَّهُ مَعْمُولٌ لاسْمِ الفَاعِلِ. وذلك تَكَلُّفٌ لا دَاعِيَ لهُ.
والمَذْهَبُ الثَّانِي: - ويُنْسَبُ إلى الكِسَائِيِّ وَحْدَهُ أَحْيَاناً، ويُنْسَبُ إليه وإلى سَائِرِ الكُوفِيِّينَ أَحْيَاناً أُخْرَى – وخُلاصَتُهُ أنَّ اسْمَ الفَاعِلِ المَوْصُوفَ يَعْمَلُ مُطْلَقاً – سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ المَعْمُولُ أم تَأَخَّرَ أم تَوَسَّطَ.
والقَوْلُ الثَّالِثُ:- ونَسَبَهُ ابْنُ مَالِكٍ بقَوْلِهِ: (وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا) ولم يُعَيِّنْهُ – وخُلاصَتُهُ أنَّهُ يَجُوزُ إِعْمَالُ اسْمِ الفَاعِلِ المَوْصُوفِ إذا تَقَدَّمَ المَعْمُولُ على الوَصْفِ، ولا يَجُوزُ إذا تَقَدَّمَ الوَصْفُ على المَعْمُولِ، وفي القُرْآنِ الكَرِيمِ {وَلاَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً} وآمِّينَ: جَمْعُ آمٍّ – بتَشْدِيدِ المِيمِ – اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُهُ (أَمَّ يَؤُمُّ) بمَعْنَى قَصَدَ، والبَيْتُ الحَرَامُ: مَفْعُولٌ بهِ لآمِّينَ، وجُمْلَةُ يَبْتَغُونَ فَضْلاً نَعْتٌ لآمِّينَ، فقَدْ عَمِلَ جَمْعُ اسْمِ الفَاعِلِ المَوْصُوفِ في المَفْعُولِ بهِ السَّابِقِ على الوَصْفِ، وادِّعَاءُ أنَّ لهذا المَعْمُولِ عَامِلاً مَحْذُوفاً يُفَسِّرُهُ آمِّينَ تَكَلُّفٌ لا دَاعِيَ لهُ.

([11]) سُورَةُ (الزُّمَرُ)، الآيَةُ: 38. وقدْ قُرِئَ فِي هذهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ برَفْعِ كَاشِفَاتٍ مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ وإِضَافَتِهِ إلى ضُرِّهِ، كما قُرِئَ برَفْعِ كَاشِفَاتٍ مُنَوَّناً ونَصْبِ ضُرِّهِ على أنَّهُ مَفْعُولٌ بهِ لكَاشِفَاتٍ، وكَاشِفَاتٌ: جَمْعُ كَاشِفَةٍ الذي هو اسْمُ فَاعِلٍ مُؤَنَّثٌ، وهو مُجَرَّدٌ مِن أَلْ، وقَدِ اعْتَمَدَ على المُبْتَدَأِ الذي هو قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: هُنَّ.

([12]) غَيْرُ التَّالِي: يَشْمَلُ شَيْئَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: المَعْمُولُ المَفْصُولُ مِن اسْمِ الفَاعِلِ بالظَّرْفِ أو الجَارِّ والمَجْرُورِ، فالظَّرْفُ نَحْوُ قَوْلِكَ: (زَيْدٌ ضَارِبٌ اليَوْمَ بَكْراً)، والجَارُّ والمَجْرُورُ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
وثَانِيهُمَا المَفْعُولُ الثَّانِي والمَفْعُولُ الثَّالِثُ إذا كانَ فِعْلُ اسْمِ الفَاعِلِ يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ أو ثَلاثَةً وأَضَفْتَهُ إلى الأوَّلِ مِنْهُمَا، نَحْوُ قَوْلِكَ: (هُو ظَانُّ زَيْدٍ قَائِماً) و(هذا مُعْطِي زَيْدٍ دِرْهَماً) و(هَذَا مُعْلِمُ زَيْدٍ بَكْراً قَائِماً). وقد اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في نَاصِبِ هذا المَنْصُوبِ، فذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ نَاصِبَهُ فِعْلٌ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ اسْمُ الفَاعِلِ، وذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ إلى أنَّ نَاصِبَهُ اسْمُ الفَاعِلِ نَفْسُهُ، وهذا هو الذي يَدُلُّ عليْهِ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ:
*وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي*
كمَا اخْتَلَفُوا في الوَجْهِ الأَحْسَنِ بالنِّسْبَةِ للمَعْمُولِ التَّالِي للعَامِلِ، أهو الجَرُّ بالإضَافَةِ أم هو النَّصْبُ؟ فظَاهِرُ كَلامِ سِيبَوَيْهِ أنَّ النَّصْبَ أَعْلَى، وذَهَبَ الكِسَائِيُّ إلى أنَّ النَّصْبَ والجَرَّ سَوَاءٌ، وقِيلَ: الجَرُّ أَوْلَى؛ لأنَّهُ أَخَفُّ.

([13]) سُورَةُ (البَقَرَةُ)، الآيَةُ: 30. وقد تَقَدَّمَ بَيَانُ هذه الآيَةِ الكَرِيمَةِ في الكَلِمَةِ السَّابِقَةِ.

([14]) مِن مَجِيءِ التَّابِعِ مَنْصُوباً قَوْلُ رَجُلٍ مِن عَبْدِ القَيْسِ وهو مِن شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ:
فَبَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُهُ أَتَانَا = مُعَلِّقَ وَفْضَةٍ وَزِنَادَ رَاعِي
فقَدْ نَصَبَ (زِنَادَ رَاعٍ) وهُو مَعْطُوفٌ علَى (وَفْضَةٍ) المَجْرُورِ بإِضَافَةِ (مُعَلِّقَ) إليهِ. ونَظِيرُهُ قَوْلُ الآخَرِ:
هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا = أَوْ عَبْدَ عَمْرٍو أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
فقَدْ نَصَبَ (عَبْدَ عَمْرٍو) وهو مَعْطُوفٌ بأو على (دِينَارٍ) المَجْرُورِ بإِضَافَةِ (بَاعِثُ) إليهِ.

([15]) سُورَةُ (الأَنْعَامُ)، الآيَةُ: 96.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


432 - فَعَّالَ اوْ مِفْعَالَ اوْ فَعُولُ = فِي كَثْرَةٍ عِنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
433 - فَيَسْتَحِقُّ مَا لَهُ مِنْ عَمَلْ = وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ
(فَعَّالَ اوْ مِفْعَالَ اوْ فَعُولُ = فِي كَثْرَةٍ عِنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ)
أي: كثيرًا ما يُحَوَّلُ اسم ُالفاعلِ إلى هذه الأمثلةِ لقصدِ المبالغةِ والتكثيرِ (فَيَسْتَحِقّ مَا) كانَ (لَهُ مِنْ عَمَلٍ) قبلَ التحويلِ بالشروطِ المذكورةِ كقولِه [من الطويل]:
699 - أَخَا الحَرْبِ لبَّاسًا إِلَيْهَا جِلَالَها = وَلَيْسَ بِوَلَّاجِ الخَوَالِفِ أَعْقَلاَ
وحكَى سيبويهِ "أمَّا العسلُ فأنَا شَرَّابٌ" وكقولِ بعضِ العربِ: "إنه لمُنْحَارٌ بَوَائِكَهَا" حكَاه أيضًا سيبويهِ وكقولِه [من الطويل]:
700 - ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السيفِ سُوقَ سِمَانِهَا = إِذَا عَدِمُوا زَادًا فَإِنَّكَ عَاقِرُ
وكقول،ه [من الطويل]:
701 - عَشِيَّةَ سُعْدَى لَوْ تَرَاءَتْ لِرَاهِبٍ = بِدُومَةَ تَجْرٌ دُونَه وَحَجِيجُ
قَلَى دِينَهُ وَاهْتَاجَ لِلشَّوْقِ إِنَّهَا = عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَانَ العَزَاءِ هَيُوجُ
(وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلْ)
كقولِه [من الطويل]:
702 - فَتَاتَانِ أَمَّا مِنْهُمَا فَشَبِيهَةٌ = هِلاَلاً وَأُخْرَى مِنْهُمَا تُشْبِهُ البَدْرَا
وكقوله [من الوافر]:
703 - أَتَانِي أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي = جِحَاشُ الكِرْمِلَيْنِ لَهَا فَدِيدُ
وقولُه [من الكامل]:
704 - حَذِرٌ أُمُورًا لاَ تَضِيرُ وَآمِنٌ = مَا لَيْسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأَقْدَارِ
أنشدَه سيبويهِ، والقَدْحُ فيه مِنْ وضعِ الحاسدينَ ومما استدلَّ به سيبويهِ أيضًا على إعمالِ فَعِلَ قولُ لبيدً [من الكامل]:
705 - أَوْ مِسْحَلٌ شَنِجٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ = بِسَرَاتِهِ نَدِبٌ لَهَا وَكُلُومُ
تنبيهٌ: أَفْهَمَ قولَه: "عَنْ فاعلٍ بَدِيلُ" أن هذه الأمثلةَ لا تُبْنَى مِنْ غيرِ الثلاثيِّ، وهو كذلك إلا ما نَدَرَ وقالَ في (التسهيلِ) وربَّما بُنِيَ "فَعَّال" و"مِفْعَالٌ" و"فَعِيلٌ" و"فَعُولٌ" مِنْ "أَفْعَلَ" يشيرُ إلى قولِهم "دَرَّاك" و"سَأَار" مِنْ "أَدْرَكَ" و"أَسْأَرَ" إذا أبقَى في الكأسِ بقيَّةً و"مِعْطَاء" و"مِهْوَان" مِنْ "أَعْطَى" و"أَهَانَ" و"سَمِيع" و"نَذِير" من "أَسْمَعَ" و"أَنْذَرَ" و"زَهُوق" مِنْ "أَزْهَقَ" اهـ.
434 - وَمَا سِوَى المُفْرَدِ مِثْلُهُ جُعِلْ = فِي الحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ
(وَمَا سِوَى المُفْرَدِ) وهو المثُنَّى والمجموعُ (مِثْلُهُ جُعِلْ) أي: جُعِلَ مثلَ المفردِ (فِي الحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ) فمِنْ إعمالِ المثَنَّى قولُه [من الكامل]:
وَالشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا = وَالنَّاذِرَيْنِ إِذَا لَمْ أَلْقَهُمَا دَمِي
ومِنْ إعمالِ المجموعِ قولُه [من الرمل]:
706 - ثُمَّ زَادُوا أَنَّهُمْ فِي قَوْمِهِم = غُفُرٌ ذَنْبَهُمْ غَيْرُ فُخُرْ
وقولُه [من الرجز]:
707 - أَوَالِفَا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحِمَي
وقولُه [من الكامل]:
708 - مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدُ حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ
ومُنه {وَالذَّاكِرِينَ اللَّه كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتٍ} {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ}.
435 - وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَاِل تِلْوًا وَاخْفِضِ = وَهُوَ لنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي
(وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَاِل تِلْوًا وَاخْفِضِ). بِالإضافةِ وقد قُرِيءَ بالوجهينِ {إِنَّ اللَّه بَالِغُ أَمْرِه} {هَلْ هُنْ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} (وَهُوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ) أي: ما سوى التِّلوِ (مُقْتَضِي)، نحوُ: (وَجَاعِلُ اللَّيْلَ سَكَنًا) على تقديرِ حكايةِ الحالِ {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} و"هذا مُعْطِي زيدٍ درهمًا ومُعْلِمُ بكرٍ عمرًا قائمًا".
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: يتعيَّنُ في تلوِ غيرِ العاملِ الجرُّ بالإضافةِ كما أَفْهَمَه كلامُه وأما غيرُ التلوِ فلا بدَّ مِنْ نصبِه مطلقًا، نحوُ: "هذا مُعْطِي زَيدٍ أَمْسِ درهمًا ومعُلْمٌ بكرٍ أمسِ خالدًا قائمًا" والناصبُ لغيرِ التلوِ في هذينِ المثالينِ ونحوِهما فعلٌ مضمرٌ، وأجازَ السِّيرَافِيُّ النصبَ باسمِ الفاعلِ لأنَّهُ اكتسبَ بالإضافةِ إلى الأوَّلِ شبهًا بمصحوبِ الألفِ واللامِ وَبالمنوَّنِ، ويُقَوِّي مَا ذهبَ إليه قولُهم: "هو ظَانٌّ زيدٍ أمسِ قائمًا" فـ "قائمًا" يتعيَّنُ نصبُه بـ "ظَانٍّ" لأن ذلك لو أُضْمِرَ له ناصبٌ لَزِمَ حَذْفُ أَوَّلِ مفعوليه وثاني مفعوليْ "ظَانّ" وذلك ممتنعٍ ؛ إذ لا يجوزُ الاقتصارُ على أحدِ مفعوليْ "ظنَّ" وأيضًا فهو مقتضٍ له فلا بدَّ مِنْ عمَلِه فيه قياسًا على غيرِه مِنْ المقتضياتِ ولا يجوزُ أن يعمَلَ فيه الجرُّ ؛ لأنَّ الإضافةَ إلى الأوَّلِ منعَتِ الإضافةَ إلى الثاني فتعيَّنَ النصبُ للضرورةِ.
الثاني: ما ذكَرَه مِنْ جوازِ الوجهينِ هو في الظاهرِ أما المضمرُ المتَّصِلُ فيتعيَّنُ جرُّه بالإضافةِ، نحوُ: "هذا مكرمك" وذهب الأخفش وهشام إلى أنَّهُ في مَحَلُّ نصبٍ كالهاءِ مِنْ نحوِ: "الدرهمُ زيدٌ مُعْطِيكَهُ" وقد سبَقَ بيانُه في بابِ الإضافةِ. الثالثُ: فُهِمَ مِنْ تقديمِه النصبَ أنَّهَ أَوْلَى وهو ظاهرُ كلام ِسيبويهِ لأنَّهُ الأصلُ، وقالَ الكِسَائِيُّ: همَا سواءٌ، وقيلَ: الإضافةُ أَوْلَى للخِفَّةِ.
436 - وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الذِي انْخَفَضْ = كـ "مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ"
(وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الذِي انْخَفَضْ) بإضافةِ الوصفِ العاملِ إليه (كَمُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ) ومالٍ (مَنْ نَهَضْ) فالجرُّ مراعاةً لللفظِ جَاهٍ والنصبُ مراعاةً لمَحَلِّه ومنه قولُه [من البسيط]:
709 - هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا أَوْ عَبْدَ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
فـ "عبد" نُصِبَ عطفًا على مَحَلِّ "دينارٍ" وهو اسمُ رجلٍ، قالَ الناظمُ: ولا حاجةَ إلى تقديرِ ناصبٍ غيرِ ناصبِ المعطوفِ عليه، وإنْ كانَ التقديرُ قولَ سيبويهِ، وعلى قولِه: فهل يقدَّرُ فِعْلٌ لأنَّهُ الأصلُ في العملِ أو وصفٌ مُنَوَّنٌ لأجلِ المطابقةِ؟ قولانِ: ولو جرَّ "عبدَ ربٍّ" لجازَ.
فإنْ كانَ الوصفُ غيرَ عاملٍ تعيَّنَ إضمارُ فِعْلٍ للمنصوبِ، نحوُ: {وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ والْقَمَرَ حُسْبَانًا} إذا لم يَرِدْ حكايةُ الحالِ أي: وجعَلَ الشمسَ والقمرَ حسبانًا.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 12:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


عمَلُ صِيَغِ المبالَغَةِ
432- فَعَّالٌ أوْ مِفْعَالٌ أوْ فَعُولُ = فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
433- فَيٍَسْتَحِقُّ مَا لَهُ مِنْ عَمَلِ = وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ
مِمَّا يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ (صِيَغُ المبالَغَةِ)، وهيَ كلُّ اسمٍ حُوِّلَ للمُبالَغَةِ والتكثيرِ في الفعْلِ مِنْ صيغةِ (فَاعِلٍ) إلى إِحْدَى الصِّيَغِ المذكورةِ، وهيَ خَمْسٌ:
1- فَعَّالٌ: بتشديدِ العينِ؛ نحوُ: القائدُ الناجحُ ليسَ بِهَيَّابٍ عندَ الفَزَعِ. ومنهُ ما حكاهُ سِيبوَيْهِ: أمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ. فـ(شَرَّابٌ) صيغةُ مبالَغَةٍ، وقدْ عَمِلَتْ عمَلَ الفعْلِ، فَفِيها ضميرٌ مُسْتَتِرٌ هوَ الفاعلُ، والمفعولُ (الْعَسَلَ).
2- مِفْعَالٌ: بكسْرِ الميمِ؛ نحوُ: الكريمُ مِنْحَارٌ إِبِلَهُ لِضَيْفِهِ.
3- فَعُولٌ: بفَتْحِ الفاءِ؛ نحوُ: المؤمِنُ شَكورٌ رَبَّهُ على نِعَمِهِ.
والتحويلُ إلى هذهِ الثلاثِ بكثرةٍ.
4- فَعِيلٌ: بكَسْرِ العينِ وبعْدَها ياءٌ؛ نحوُ: المؤمنُ رحيمٌ بالضُّعفاءِ.
5- فَعِلٌ: بكسْرِ العينِ مِنْ غيرِ ياءٍ؛ نحوُ: لا تَكُنْ جَزِعاً عندَ الشدائدِ. والتحويلُ إلى هَذَيْنِ بقِلَّةٍ.
وهذهِ الصِّيَغُ لا تُصَاغُ إلاَّ مِنْ مَصْدَرِ فِعْلٍ ثُلاثيٍّ مُتَعَدٍّ، ما عَدَا صيغةَ (فَعَّالٍ)، فتُصاغُ مِن الْمُتَعَدِّي واللازِمِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثَِيمٍ}.
وَهِيَ لا تَجْرِي على حركاتِ مُضارِعِها وسَكَنَاتِهِ بالرغْمِ مِن اشتمالِها على حُروفِهِ الأصليَّةِ؛ ولهذا حُمِلَتْ على اسمِ الفاعلِ لا على الفعْلِ، بالشروطِ المذكورةِ في اسمِ الفاعِلِ.
وهذا معنى قولِهِ: (فَعَّالٌ أوْ مِفْعَالٌ أوْ فَعولُ.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ صِيغةَ (فَعَّالٍ) و(مِفْعَالٍ) و(فَعُولٍ) تُغْنِي عندَ إرادةِ الكثرةِ عنْ صِيغةِ (فَاعِلٍ)؛ أيْ: عن اسمِ الفاعِلِ، وأنَّ هذهِ الصيَغَ تَسْتَحِقُّ ما يَستَحِقُّهُ (فَاعِلٌ) مِن العمَلِ عندَ استيفاءِ الشروطِ المذكورةِ في اسمِ الفاعِلِ، ثمَّ بَيَّنَ أنَّ استعمالَ صِيغَتَيْ (فَعيلٍ، وفَعِلٍ) قليلٌ في المبالَغَةِ.
المُثَنَّى والجمْعُ مِن اسمِ الفاعِلِ وصِيَغِ المُبَالَغَةِ
عَمَلُ المُفْرَدِ
434- وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جُعِلْ = فِي الْحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ
أيْ أنَّ غيرَ المفرَدِ - مِن اسمِ الفاعلِ وأمثلةِ المبالَغَةِ - مثلُ المفرَدِ في العملِ والشروطِ، فيَدْخُلُ في ذلكَ المثنَّى والجمْعُ، سواءٌ كانَ الجمْعُ جمْعَ مُذَكَّرٍ سالِماً أوْ جَمْعَ مُؤَنَّثٍ أوْ جمْعَ تكسيرٍ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}، فـ ( آمِّينَ ) اسمُ فاعلٍ، وهوَ جمْعُ مذَكَّرٍ سالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (آمٌّ)، وقدْ عَمِلَ عَمَلَ المفرَدِ فنَصَبَ المفعولَ بهِ ( الْبَيْتَ الْحَرَامَ )، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ}، فلفْظُ الجَلالَةِ منصوبٌ بـ ( الذَّاكِرِينَ )، وهوَ جمْعُ: ذَاكِرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ. وقولُهُ تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ}، فـ ( أَبْصَارُهُمْ ) فاعِلٌ لـ ( خُشَّعاً )، وهوَ جَمْعُ: خَاشِعٍ. ومِنْ أمثلةِ جَمْعِ صِيَغِ المبالَغَةِ قَوْلُ الشاعِرِ:
ثمَّ زَادُوا أنَّهُم فِي قَوْمِهم = غُفُرٌ ذَنْبَهم غَيْرُ فُخُرِ
فأَعْمَلَ الشَّاعِرُ جَمْعَ صِيغةِ المبالَغَةِ (غُفُرٌ)، وهوَ جَمْعُ (غَفُورٍ)، عَمَلَ المفرَدِ، فنَصَبَ المفعولَ بهِ (ذَنْبَهُم)، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ.

جوازُ إضافةِ اسمِ الفاعلِ إلى مفعولِهِ أوْ نَصْبِهِ لَهُ
435- وَانْصِبْ بِذِي الإْعْمَالٍ تِلْواً وَاخْفِضِ = وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي
تَقَدَّمَ أنَّ اسمَ الفاعلِ يَعْمَلُ عَمَلَ الفعْلِ بشَرْطَيْنِ، وهما: كَوْنُهُ للحالِ أو الاستقبالِ معَ اعتمادِهِ على شيءٍ ممَّا تَقَدَّمَ.
وذَكَرَ هُنَا أنَّ وُجودَ الشرطَيْنِ المذكورَيْنِ لا يُوجِبُ عَمَلَ اسمِ الفاعلِ، بلْ يَجوزُ إضافتُهُ إلى مَفعولِهِ، بشَرْطِ أنْ يَقَعَ بعدَهُ فلا يَفْصِلَ بينَهما فاصلٌ، فتقولُ: هذا كَاتِبٌ الدرسَ أوْ كاتِبُ الدرسِ، ومنهُ قولُهُ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}، فقدْ قرأَ حَفْصٌ بالإضافةِ، وقرأَ البَاقُونَ بالتنوينِ ونَصْبِ (أَمْرَهُ) على المفعوليَّةِ. قالَ مَكِّيٌّ: (وَهُمَا لُغتانِ في إثباتِ التنوينِ في اسمِ الفاعلِ إذا كانَ بمعنى الحالِ أو الاستقبالِ وحَذْفِهِ، وقدْ مَضَى لهُ نَظائرُ).
فإنْ كانَ مفعولُهُ غيرَ تالٍ لهُ، بأنْ فَصَلَ بينَهما فاصلٌ، وَجَبَ نصْبُهُ؛ لتعَذُّرِ الإضافةِ بسببِ الفصْلِ؛ نحوُ: هذا كَاتِبٌ اليومَ الدرسَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.

فإنْ كانَ لاسمِ الفاعلِ المُسْتَوْفِي للشروطِ مَفعولانِ أوْ ثلاثةٌ، وأُضِيفَ إلى واحدٍ منها، وَجَبَ تَرْكُ الباقِي مَفعولاً بهِ مَنصوباً كما كانَ؛ نَحْوُ: أَنَا ظَانُّ خَالِدٍ مُسَافِراً، أَأَنْتَ مُخْبِرُ عِصَامٍ السفرَ قَريباً؟
وهذا مَعْنَى قولِهِ: (وانْصِبْ بذِي الإعمالِ.. إلخ)؛ أيْ: وانْصِبْ بذي الإعمالِ؛ أيْ: صاحِبِ الإعمالِ، وهوَ اسمُ الفاعلِ المُسْتَوْفِي للشروطِ، (تِلْواً)؛ أيْ: مفعولَهُ الذي يَتْلُوهُ ويَقَعُ بعدَهُ، أوْ جُرَّهُ بإضافتِهِ إليهِ، فإنْ كانَ اسمُ الفاعلِ يَتطلَّبُ أكثرَ مِنْ مفعولٍ، وأُضيفَ إلى الأوَّلِ، نُصِبَ ما عَدَاهُ.

حُكْمُ تابِعِ معمولِ اسمِ الفاعلِ المنصوبِ والمجرورِ
436- وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ = كَمُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ
تَقَدَّمَ أنَّ اسمَ الفاعلِ المُسْتَوْفِي للشروطِ يَصِحُّ أنْ يُنَوَّنَ ويُنْصَبَ ما بعدَهُ، أوْ يُحْذَفَ تنوينُهُ ويُضافَ إلى ما بعدَهُ. فإذا جاءَ تابِعٌ مِن التوابِعِ للمفعولِ بهِ المنصوبِ مُبَاشَرَةً وَجَبَ في هذا التابِعِ النصْبُ مُراعاةً لِلَفْظِ المتبوعِ المنصوبِ؛ نحوُ: لَسْتُ بِمُصَاحبٍ العاصيَ والمُنَافقَ. فيَتَعَيَّنُ نصْبُ المعطوفِ، وهوَ كلمةُ (المنافِقَ) تَبَعاً للمعطوفِ عليهِ؛ لأنَّهُ منصوبٌ باسمِ الفاعلِ.
أمَّا عندَ جَرِّ المتبوعِ بالإضافةِ - وهوَ المرادُ بهذا البيتِ - فيَجوزُ في التابِعِ وَجهانِ:
الأوَّلُ: النصْبُ حَمْلاً على الْمَحَلِّ؛ لأنَّ المضافَ إليهِ وإنْ كانَ مجروراً لكنَّهُ مفعولٌ بهِ في الأصْلِ قبلَ الإضافةِ.
الثاني: الْجَرُّ مُراعاةً لِلَّفْظِ؛ نحوُ: لَسْتُ بمُصَاحبِ الفاسقِ والمُنَافِقَ، بجَرِّ المعطوفِ عليهِ، وهوَ (الفاسقِ)؛ لإضافةِ اسمِ الفاعلِ إليهِ، وأمَّا المعطوفُ، وهوَ (المنافِقَ)، فيَجوزُ فيهِ الْجَرُّ والنصْبُ على ما تَقَدَّمَ.
وهذا معنى قولِهِ: (واجْرُرْ أو انْصِبْ.. إلخ)؛ أيْ: إذا جاءَ تابِعٌ للاسمِ المجرورِ بعدَ اسمِ الفاعلِ جازَ فيهِ الجرُّ والنصْبُ. ثمَّ ذكَرَ المثالَ: (مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ)، والأصْلُ: مَنْ نَهَضَ مُبْتَغِي جَاهٍ ومالاً، فـ(مَن): اسمٌ موصولٌ مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وجُملةُ (نَهَضَ) صِلَةٌ، و(مُبْتَغِي): خبرٌ مُقَدَّمٌ، وهوَ مضافٌ إلى (جَاهٍ)، و(مالاً): مَعْطُوفٌ على (جَاهٍ) باعتبارِ أصْلِهِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
صيغ, إعمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir