دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجنايات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م, 06:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب جنايات

كتابُ الْجِناياتِ

وهي عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ به بشَرْطِ القَصْدِ، وشِبْهُ عَمْدٍ، وخَطَأٌ.
( فالعَمْدُ أن يَقْصِدَ مَن يَعْمَلُه آدَمِيًّا مَعصومًا فيَقْتُلُه بما يَغْلِبُ على الظنِّ موتُه به، مثلَ أن يَجْرَحَه بما له مَوْرٌ في البَدَنِ , أو يضرِبَه بحَجَرٍ كبيرٍ ونحوِه , أو يُلْقِيَ عليه حائطًا أو يُلْقِيَه من شاهِقٍ أو في نارٍ , أو ماءٍ يُغرِقُه , ولا يُمْكِنُه التخَلُّصُ منهما , أو يَخْنُقَه , أو يَحْبِسَه ويَمْنَعَه الطعامَ أو الشرابَ , فيموتَ من ذلك في مُدَّةٍ يَموتُ فيها غالبًا , أو يَقْتُلَه بسِحْرٍ أو بِسُمٍّ، أو شَهِدَتْ عليه بَيِّنَةٌ بما يُوجِبُ قَتْلَه , ثم رَجَعُوا وقالوا: عَمَدْنا قَتْلَه. ونحوَ ذلك .
و ( شِبْهُ العَمْدِ ) أن يَقْصِدَ جِنايةً لا تَقْتُلُ غالبًا ولم يَجْرَحْه بها، كمَن ضَرَبَه في غيرِ مَقْتَلٍ بسَوطٍ , أو عصًا صغيرةٍ أو لَكزةٍ ونحوِه .
و ( الخَطأُ ) أن يَفعلَ ما له فِعلُه، مِثلَ: أن يَرْمِيَ صيدًا أو غَرَضًا أو شخصًا فيُصيبَ آدَمِيًّا لم يَقْصِدْه، وعَمْدُ الصبيِّ والمجنونِ.


  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

كتابُ الجِنَايَاتِ

جمعُ جِنَايَةٍ، وهي لغةً: التَّعَدِّي على بَدَنٍ أو مالٍ أو عِرْضٍ. واصْطِلاحاً: التعدِّي على البَدَنِ بما يُوجِبُ قِصَاصاً أو مالاً، ومَن قَتَلَ مُسْلِماً عَمْداً عُدْوَاناً، فَسَقَ وأَمْرُهُ إلى اللَّهِ؛ إنْ شاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَ له، وتَوْبَتُه مَقْبُولةٌ، (وهي)؛ أي: الجنايةُ، ثلاثةُ أَضْرُبٍ: (عَمْدٌ يَخْتَصُّ القَوَدُ به)، والقَوَدُ: قَتْلُ القاتلِ بِمَن قَتَلَه. (بشرطِ القَصْدِ)؛ أي: قصدِ الجَانِي الجِنَايَةَ. (و) الضربُ الثاني: (شِبْهُ عَمْدٍ، و) الثالثُ: (خَطَأٌ)؛ رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما. (فـ) القَتْلُ (العَمْدُ أنْ يَقْصِدَ مَن يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا معصوماً، فيَقْتُلُه بما يَغْلِبُ على الظنِّ موتُه به)، فلا قِصَاصَ إنْ لم يَقْصِدْ قَتْلَه، ولا إنْ قَصَدَه بما لا يَقْتُلُ غالباً، وللعَمْدِ تِسْعُ صُوَرٍ: إحداها: ما ذَكَرَه بقَولِهِ: (مِثْلُ أنْ يَجْرَحَهُ بما له مَوْرٌ)؛ أي: نُفُوذٌ (في البَدَنِ)؛ كسِكِّينٍ وشَوْكَةٍ، ولو بِغَرْزِهِ بإِبْرَةٍ ونحوِها، ولو لم يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قادِرٌ جُرْحَه.
الثانيةُ: أنْ يَقْتُلَه بِمُثَقَّلٍ؛ كما أشارَ إليه بقولِهِ: (أو يَضْرِبَهُ بِحَجَرٍ كبيرٍ ونحوِهِ) كلُتٍّ وسَنْدَانٍ، ولو في غيرِ مَقْتَلٍ، فإنْ كانَ الحَجَرُ صغيراًَ، فليسَ بِعَمْدٍ، إلاَّ إنْ كانَ في مَقْتَلٍ أو حالَ ضَعْفِ قُوَّةٍ؛ مِن مَرضٍ أو صِغَرٍ أو كِبَرٍ أو حَرٍّ أو بردٍ ونحوِهِ، أو يُعِيدُهُ به، (أو يُلْقِيَ عليه حائطاً) أو سَقْفاً ونحوَهما، (أو يُلْقِيَهُ مِن شاهِقٍ) فيموتُ.
الثالثةُ: أنْ يُلْقِيَه بِجُحْرِ أَسَدٍ أو نحوِه، أو مكتوفاً بِحَضْرَتِهِ، أو في مَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ، أو يُنْهِشَهُ كَلْباً أو حَيَّةً، أو يُلْسِعَه عَقْرَباً مِن القواتلِ غَالِباً.
الرابعةُ: ما أشارَ إليه بقولِهِ: (أو) يُلْقِيَه (في نارٍ أو ماءٍ يُغْرِقُه، ولا يُمْكِنُه التخلُّصُ مِنهما)؛ لِعَجْزِهِ أو كَثْرَتِهِما، فإنْ أَمْكَنَه فهَدَرٌ.
الخامسةُ: ذَكَرَها بقولِهِ: (أَوْ يَخْنُقَه) بحبلٍ أو غيرِهِ، أو يَسُدَّ فَمَه وأنفَه، أو يَعْصِرَ خِصْيَتَيْهِ زَمَناً يموتُ في مِثْلِهِ.
السادسةُ: أَشَارَ إليها بقولِهِ: (أو يَحْبِسَه ويَمْنَعَ عنه الطعامَ أو الشرابَ؛ فيموتَ من ذلك في مُدَّةٍ يموتُ فيها غالباً) بشرطِ تَعَذُّرِ الطلبِ عليه، وإلاَّ فهَدَرٌ.
السابعةُ: ما أشارَ إليها بقولِهِ: (أو يَقْتُلَه بِسِحْرٍ) يَقْتُلُ غالباً.
الثامنةُ: المذكورةُ في قَوْلِهِ: (أو) يَقْتُلَه (بِسُمٍّ)؛ بأنْ سَقَاهُ سُمًّا لا يَعْلَمُ به، أو يَخْلِطَه بطعامٍ ويُطْعِمَه له، أو بطعامٍ أَكَلَه، فيَأْكُلُه جَهْلاً.
ومتَى ادَّعَى قاتلٌ بِسُمٍّ أو سِحْرٍ عَدَمَ عِلْمِهِ أنه قاتلٌ، لم يُقْبَلْ.
التاسعةُ: المُشارُ إليها بقولِه: (أو شَهِدَتْ عليه بَيِّنَةٌ بما يُوجِبُ قَتْلَه) مِن زِناً أو رِدَّةٍ لا تُقْبَلُ معَها التوبَةُ، أو قَتْلِ عَمْدٍ، (ثُمَّ رَجَعُوا)؛ أي: الشهودُ بعد قَتْلِه، (وقالوا: عَمَدْنَا قتلَه) فيُقادُ بهذا كلِّه، (ونحوُ ذلك)؛ لأنَّهم تَوَصَّلُوا إلى قتلِه بما يَقْتُلُ غالباً.
ويَخْتَصُّ بالقِصَاصِ مُبَاشِرٌ لِلْقَتْلِ عالِمٌ بأنَّه ظُلْمٌ، ثُمَّ وَلِيٌّ عالِمٌ بذلكَ، وبَيِّنَةٌ وحاكِمٌ عَلِمُوا ذلكَ.
(وشِبْهُ العَمْدِ أنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لا تَقْتُلُ غالباً، ولم يَجْرَحْهُ بِها، كمَن ضَرَبَه في غيرِ مَقْتَلٍ بِسَوْطٍ أو عَصاً صغيرةٍ) ونحوِها، (أو لَكَزَه ونحوُه) بِيَدِهِ، أو أَلْقَاهُ في ماءٍ قليلٍ، أو صاحَ بعاقلٍ اغْتَفَلَه، أو بصغيرٍ على سَطْحٍ، فماتَ.
(و) قتلُ (الخَطَأِ: أنْ يَفْعَلَ ما له فِعْلُه، مثلُ أنْ يَرْمِيَ صَيْداً، أو) يَرْمِيَ (غَرَضاً، أو) يَرْمِيَ (شَخْصاً) مُبَاحَ الدمِ؛ كحَرْبِيٍّ وزَانٍ مُحْصَنٍ، (فيُصِيبَ آدَمِيًّا) فِعْلُهُ، فسَقَطَتْ مِنه السِّكِّينُ على إنسانٍ فقَتَلَه، (و) كذا (عَمْدُ الصبيِّ والمجنونِ)؛ لأنَّه لا قَصْدَ لهما؛ كالمُكَلَّفِ المُخْطِئِ، فالكَفَّارَةُ في ذلك في مالِ القاتلِ، والدِّيَةُ على عاقِلَتِهِ كما سَيَأْتِي، ويُصَدَّقُ إنْ قالَ: كنتُ يومَ قَتَلْتُهُ صغيراً أو مجنوناً. وأَمْكَنَ.
ومَن قَتَلَ بِصَفِّ كُفَّارٍ مَن ظَنَّهُ حَرْبِيًّا، فبانَ مُسْلِماً، أو رَمَى كُفَّاراً تَتَرَّسُوا بمسلمٍ، وخِيفَ علينا إنْ لم نَرْمِهِم، ولم يَقْصِدْهُ، فقَتَلَه؛ فعليه الكفَّارَةُ فقطْ؛ لقولِهِ تعالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، ولم يَذْكُرِ الدِّيَةَ.


  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

كتاب الجنايات([1])

جمع جناية([2]) وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض([3]) واصطلاحا التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا([4]) ومن قتل مسلما عمدًا عدوانا فسق([5]) وأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له([6]).
وتوبته مقبولة([7]) و(هي) أي الجناية ثلاثة أضرب([8]) (عمد يختص القود به)([9])
والقود: قتل القاتل بمن قتله([10]) (بشرط القصد) أي أن يقصد الجاني الجناية([11]) (و) الضرب الثاني (شبه عمد([12]) و) الثالث (خطأ)([13]) روي ذلك عن عمر وعلي، رضي الله عنهما([14]) (فـ) القتل (العمد أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما([15]) فيقتله بما يغلب على الظن موته به)([16]).
فلا قصاص إن لم يقصد قتله، ولا إن قصده بما لا يقتل غالبا([17]) وللعمد تسع صور([18]) إحداها: ما ذكره بقوله (مثل أن يجرحه بما له مور) أي نفوذ (في البدن) كسكين وشوكة([19]) ولو بغرزه بإبرة ونحوها([20])
ولو لم يداو مجروح قادر جرحه([21]) الثانية: أن يقتله بمثقل([22]) كما أشار إليه بقوله (أو يضربه بحجر كبير ونحوه) كلت وسندان([23]) ولو في غير مقتل([24]) فإن كان الحجر صغيرا فليس بعمد([25]) إلا إن كان في مقتل([26]).
أو حال ضعف قوة من مرض، أو صغر، أو كبر، أو حر أو برد ونحوه([27]) أو يعيده به([28]) (أو يلقي عليه حائطا) أو سقفا ونحوهما([29]) (أو يلقيه من شاهق) فيموت([30]) الثالثة أن يلقيه بجحر أسد، أو نحوه([31]) أو مكتوفا بحضرته([32]) أو مضيق بحضرة حية([33]).
أو ينهشه كلبا أو حية([34]) أو يلسعه عقربا من القواتل غالبا([35]) الرابعة ما أشار إليها بقوله (أو) يلقيه (في نار أو ماء يغرقه، ولا يمكنه التخلص منهما) لعجزه أو كثرتهما([36]) فإن أمكنه فهدر([37]) الخامسة: ذكرها بقوله (أو يخنقه) بحبل أو غيره([38]).
أو يسد فمه وأنفه([39]) أو يعصر خصيتيه زمنا يموت في مثله([40]) السادسة: أشار إليها بقوله (أو يحبسه ويمنع عنه الطعام أو الشراب، فيموت من ذلك في مدة يموت فيها غالبا) بشرط تعذر الطلب عليه([41]) وإلا فهدر([42]) السابعة ما أشار إليها بقوله (أو يقتله بسحر) يقتل غالبا([43]).
الثامنة: المذكورة في قوله (أو) يقتله بـ (سم)([44]) بأن سقاه سما لا يعلم به([45]).
أو يخلطه بطعام ويطعمه له([46]) أو بطعام أكله فيأكله جهلا([47]) ومتى ادعى قاتل بسم، أو بسحر عدم علمه أنه قاتل لم يقبل([48]).
التاسعة: المشار إليها بقوله: (أو شهدت عليه بينة بما يوجب قتله) من زنا أو ردة لا تقبل معها التوبة([49]) أو قتل عمد (ثم رجعوا) أي الشهود بعد قتله.
(وقالوا: عمدنا قتله) فيقاد بهذا كله([50]).
(ونحو ذلك)([51]) لأنهم توصلوا إلى قتله بما يقتل غالبا([52]) ويختص بالقصاص مباشر للقتل، عالم بأنه ظلم([53]) ثم ولي عالم بذلك([54]) فبينه وحاكم علموا ذلك([55]).
(وشبه العمد أن يقصد جناية لا تقتل غالبا، ولم يجرحه بها([56]) كمن ضربه في غير مقتل، بسوط أو عصى صغيرة) ونحوها([57]) (أو لكزه ونحوه) بيده([58]) أو ألقاه في ماء قليل([59]) أو صاح بعاقل اغتفله([60]) أو بصغير على سطح فمات([61]).
(و) قتل (الخطأ: أن يفعل ما له فعله([62]) مثل أن يرمي ما يظنه صيدا أو) يري (غرضا([63]) أو) يرمي (شخصا) مباح الدم، كحربي، وزان محصن (فيصيب آدميا) معصوما (لم يقصده) بالقتل فيقتله([64]) وكذا لو أراد قطع لحم أو غيره مما له فعله، فسقطت منه السكين على إنسان فقتله([65]).
(و) كذا (عمد الصبي والمجنون) لأنه لا قصد لهما، فهما كالمكلف المخطئ([66]).
فالكفارة في ذلك في مال القاتل، والدية على عاقلته، كما يأتي([67]) ويصدق إن قال: كنت يوم قتلته صغيرا أو مجنونا وأمكن([68]) ومن قتل بصف كفار من ظنه حربيا فبان مسلما([69]) أو رمى كفارا تترسوا بمسلم، وخيف علينا إن لم نرمهم ولم يقصده فقتله، فعليه الكفارة فقط لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ولم يذكر الدية([70]).




([1]) أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل فيه الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ} وقال صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم» الحديث والإجماع حكاه غير واحد، ولولا عقوبة الجناة والمفسدين، لأهلك الناس بعضهم بعضا، ولفسد نظام العالم ولا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالا وعظة، لمن يريد أن يفعل مثل فعله.
([2]) فمن ارتكب ذنبا فهو جان.
([3]) وفي العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان.
([4]) أو كفارة أي سماها الفقهاء بذلك، وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا، وسرقة، وخيانة، وإتلافا.
([5]) لاقترافه كبيرة من كبائر الذنوب بالإجماع، خلافا للخوارج الذين كفروه بذلك.
([6]) لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فهو داخل تحت المشيئة بل كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة إذا لم يتب منه .
وأما إذا تاب، فقد قال تعالى: في الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ} وليس القتل بأعظم من الكفر، وإذا صحت من الكفر فمن القتل أولى وآية النساء تدل على شدة الوعيد.
([7]) عند جمهور العلماء، لعموم الأدلة، خلافا للمعتزلة الذين يقولون: من ارتكب هذا الذنب لم تقبل توبته، لكن لا يسقط حق المقتول في الآخرة، بمجرد التوبة، كسائر حقوقه، بل يأخذ المقتول من حسنات القاتل، بقدر مظلمته، أو يعطيه الله من عنده، وكذا القصاص أو العفو، لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفر ما بينه وبين الله، بل يبقى حق المقتول.
وقال ابن القيم: التحقيق أن القتل، تتعلق به ثلاثة حقوق، حق لله، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا أسلم القاتل نفسه طوعا إلى الولي، وندما وخوفا من الله، وتاب توبة نصوحا، سقط حق الله بالتوبة، وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح، أو العفو، وبقي حق المقتول، يعوضه الله يوم القيامة، عن عبده التائب، ويصلح بينه وبينه.
([8]) أكثر أهل العلم يرون القتل ينقسم إلى ثلاثة عمد وخطأ، وهذان مجمع عليهما، والثالث وهو: شبه العمد، قال به جمهور العلماء، ويأتي تفصيل ذلك.
([9]) فلا يثبت في غيره، قال ابن رشد: اتفقوا على أن الذي يجب به القصاص هو العمد، وقال الوزير: اتفقوا على أن من قتل نفسا مؤمنة، مكافئة له في الحرية، ولم يكن المقتول ابنا للقاتل، وكان قتله متعمدا، متعديا بغير تأويل، واختار الولي القتل، فإنه يجب لقوله {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}.
([10]) مأخوذ من قود الدابة، لأنه يقاد بحبل ونحوه إلى القتل بمن قتله، فيمكن أولياء المقتول من القاتل، فإن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا عفوا، وإن أحبوا أخذوا الدية.
([11]) فإن لم يقصد القتل فلا قصاص، لقوله صلى الله عليه وسلم «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
([12]) ويسمى بخطأ العمد، وعمد الخطأ ويأتي.
([13]) أي في الفعل، أو بدار حرب من يظنه حربيا، ونحو ذلك، وهذا تقسيم أكثر أهل العلم.
([14]) أي أن الجناية ثلاثة أضرب، فالعمد والخطأ اثنان، مجمع عليهما كما تقدم، والثالث شبه العمد، قال ابن رشد: اختلفوا هل بينهما وسط، وهو الذي يسمونه شبه العمد، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار، وبإثباته قال عمر، وعلي، وعثمان، وغيرهم، ولا مخالف لهم من الصحابة.
([15]) أي والقتل، وهو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس العمد، فهو الذي يختص به القود بلا نزاع، وأخرج الخطأ في الحكم، ويشترط في القتل العمد، القصد في الفعل، وعصمة الآدمي المقتول.
([16]) قال في الإنصاف: بلا نزاع سواء كان المقتول به محددا، أو غير محدد، وقال الخرقي أن يقصد ضربه بمحدد، أو شيء الغالب أن يتلف.
([17]) لأن عدم القصد لا يوجب القود، وحصول القتل بما لا يغلب على الظن موته به، يكون اتفاق لسبب أوجب الموت غيره.
([18]) معلومة بالاستقراء وتأتي مفصلة.
([19]) أي: مثل أن يجرحه، بما له دخول وتردد في البدن، من حديد وغيره، كسكين وحربة وسيف، ونحو ذلك أو يغرزه بمسلة ونحوها، من الحديد والنحاس، والرصاص، والزجاج، والذهب والفضة، والخشب، والعظام مما يحدد ويجرح، إذا جرح به جرحا كبيرا فمات، فهو قتل عمد، قال الموفق: لا اختلاف فيه بين العلماء فيما علمناه، والنفوذ وهو المروق ليس بمراد، إذ لو دخلت الحديدة ونحوها في البدن، فقد حصل المور ولو لم تنفذ.
([20]) كشوكة من كل محدد صغير، أو جرحه جرحا صغيرا في غير مقتل، فمات في الحال فقتل عمد فيه القصاص، لأن المحدد، لا يعتبر فيه غلبة الظن، في حصول القتل به، وهو مذهب أبي حنيفة، والوجه الثاني: لا قصاص قاله ابن حامد، لأن الظاهر أنه لم يمت منه، ولأنه لا يقتل غالبا أشبه العصا، والسوط.
وقال الأصحاب: إن بقي متألما بغرز الجاني، بنحو إبرة، من كل محدد صغير، في مقتل كالفؤاد، والخاصرة، والخصيتين، حتى مات، ففيه القود، لأن الظاهر أنه مات بفعل الجاني، وقيل: لا يجب به القصاص، لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا، كان شبهة في درء القصاص، فالله أعلم.
([21]) أي ولو لم يداو المجروح جرحه، في حال قدرته على مداواته، حتى يموت أو يموت في الحال، لأن الظاهر موته بفعل الجاني، وكذا لو فصده، فترك شد فصاده، ذكره الموفق محل وفاق، ومن قطع أو بط سلعة خطرة من مكلف، بلا إذنه فمات، فعليه القود.
([22]) أي كبيرة فوق عمود الفسطاط، أو بما يغلب على الظن موته به لثقله.
([23]) وعقب فاس أو كوذين، واللت بضم اللام نوع من أكبر السلاح، أو هو الذي يقال له الدبوس، و«السندان» الآلة المعروفة من الحديد الثقيلة، التي يعمل عليها الحداد صناعته، فيموت به، فعمد.
([24]) أي ولو كان ضربه بحجر كبير ونحو، في غير مقتل، فمات فعمد، لأن ذلك مما يقتل غالبا.
([25]) وكذا لو كانت الخشبة صغيرة، أو لكزه باليد في غير مقتل، ولا في حال ضعف، ففيه الدية، لكونه لا يقتل غالبا، وإن صغر جدا، كالضربة بالقلم، أو الإصبع في غير مقتل ونحوه، أو مسه بالكبير ولم يضربه به، فلا قود ولا دية.
([26]) أي إلا إن كان ضربه بالحجر الصغير، ونحو، في مقتل، أو لكزه في مقتل، فعمد فيه القود، لأن ذلك الفعل يقتل غالبًا.
([27]) أي إلا إن كان ضربه بالحجر الصغير، ونحوه، في حال ضعف قوة المجني عليه، ومن مرض أو صغر، أو كبر، أو حر مفرط، أو برد شديد ونحوه كإعياء فمات، ففيه القود، لأن ذلك الفعل يقتل غالبا.
([28]) أي أو يعيد الضرب بما لا يقتل غالبا، كالعصا، والحجر الصغير، حتى يموت، فعمد فيه القود.
([29]) كصخرة أو خشبة عظيمة فيموت، فعمد فيه القود، وإن لم يلقه عليه أحد فهدر.
([30]) ففيه القود لأنه يقتل غالبا، وإن قال: لم أقصد قتله، لم يصدق، لأنه خلاف الظاهر.
([31]) كنمر، وعبر بعضهم بزبية أسد، وهي حفرة يصاد فيها الأسد وغيره، فيفعل به الأسد ونحوه ما يقتل مثله، فعليه القود، لأنه إذا تعمد الإلقاء فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا، وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا فلا قود لأن السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله.
([32]) أي أو يلقيه مكتوفا بحضرة أسد ونحوه فيقتله، لأن الأسد يأخذ الآدمي المطلق فكيف بالمكتوف.
([33]) أي أو يلقيه في مضيق بحضرة حية، فنهشته فمات، لأنها تمنع عن نفسها بالنهش عادة.
([34]) ينهشه بالمعجمة والمهملة كلبا أو سبعا، وهو الحيوان المفترس، أو ينهشه حية من القواتل فمات.
([35]) أي أو يلسعه بضم أوله، عقربا من العقارب القواتل غالبا فيموت، فعليه القود، لأن ما ذكر مما يقتل غالبا، فكان عمدا محضا، وإن كان ما ذكر من إنهاش الكلب، أو الحية ونحو ذلك، لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز، أو سبع صغير، أو كلب صغير، أو كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة، فأكله سبع، أو نهشته حية فمات، فشبه عمد، يضمنه بالدية على عاقلته.
([36]) أي يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص من الماء والنار، لعجزه عن التخلص منهما، لمرض أو ضعف أو صغر، أو لكثرتهما أو لكونه مربوطا، أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو ذلك فمات فعمد وكذا لو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا، وسد المنافذ حتى ضاق به النفس، أو دفنه حيا ونحو ذلك فعمد.
([37]) أي فإن أمكنه التخلص من الماء، ولبث فيه اختيارا حتى مات فهدر، أو أمكنه التخلص من النار، ولبث فيها حتى مات فلا قود.
([38]) في عنقه ثم يعلقه فيموت في الحال، أو بعد زمن، كما يفعل بنحو اللصوص أو وهو على الأرض أو يخنقه بيديه أو غير ذلك، مما يمنع خروج نفسه، أو شيء يضعه على فيه وأنفه فيموت.
([39]) زمنا يموت في مثله عادة فيموت، أو يغمه بوسادة.
([40]) أي يعصر خصيتيه عصرا يقتله غالبا، فمات في مدة يموت في مثلها غالبا فعمد، لأنه يقتل غالبا، فيقتل به في نحو تلك الصور، وإن كان في مدة لا يموت مثله فيها غالبا فشبه عمد، إلا أن يكون يسيرا إلى غاية، بحيث لا يتوهم الموت فيه فمات فهدر.
([41]) فعليه القود، وكذا لو منعه الدفاء، في الشتاء ولياليه الباردة حتى مات، لأن هذا يقتل غالبا، وهذا يختلف باختلاف الناس، والزمان، والأحوال فإذا عطشه في شدة الحر مات في الزمن القليل، وإن كان ريان والزمن بارد أو معتدل، لم يمت إلا في زمن طويل، فيعتبر هذا فيه.
([42]) أي وإن لم يتعذر عليه الطلب، وتركه حتى مات فهدر، لأنه المهلك لنفسه، وإن كان منعه الطعام أو الشراب، أو التدفئة في مدة لا يموت فيها غالبا فعمد الخطأ وكذا إن شككنا لم يجب القود، ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية، وكان لا يقدر فيه على طعام وشراب، أو أخذ دابته فهلك بذلك، أو هلكت دابته فعليه ضمان ما تلف.
([43]) فهو عـمد إذا كان الساحر يعلـم ذلك أشبه مـا لـو قتلـه بمحدد، وإن
قال: لم أعلمه قاتلا، لم يقبل قوله، فهو كسم حكما، وإذا وجب قتله بالمسحر وقتل، كان قتله به حدا، قاله ابن البناء، وصححه في الإنصاف، وقدم الموفق وغيره، يقتل قصاصا، لتقديم حق الآدمي، وتجب دية المقتول في تركة الساحر.
وأما المعيان الذي يقتل بعينه، فقال ابن نصر الله: ينبغي أن يلحق بالساحر، الذي يقتل بسحره غالبا، فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها، ويفعله باختياره وجب به القصاص لأنه فعل به ما يقتل غالبا، وإن فعله بغير قصد الجناية، فيتوجه أنه خطأ، وقال ابن القيم: إن كان ذلك بغير اختياره، بل غلب على نفسه، لم يقتص منه، وعليه الدية، وإن عمد ذلك، وقدر على رده، وعلم أنه يقتل به، ساغ للوالي أن يقتله، بمثل ما قتل به، فيعينه إن شاء، كما أعان هو المقتول، وأما قتله بالسيف فلا، لأنه غير مماثل للجناية.
قال: وسألت شيخنا عن القتل بالحال، هل يوجب القصاص؟ فقال: للولي أن يقتله بالحال، كما قتل به، وقال: في الولي والصوفي إذا قتلا معصوما، بحالهما المحرمة المكروهة لا المباحة ونحوها، المبيحين لذلك، كحال غيبوبة عن إدراك أحوال الدنيا، فعليهما القود، بمثل حالهما، القاتل له منها كهما من مثلهما، كقتل العائن بعين مثله، بخلاف الساحر، فبالسيف لكفره به في مفصل عنقه، فإن لم يوجد عائن، ولا صوفي كذلك، فهل يحبسان حتى يموتا، كالممسك أو يوجد مثلهما احتمالات، ذكر نحوه في الإنصاف.
([44]) أي قاتل، والسم بفتح السين، عند الأكثر، وبضمها وكسرها قيل عامية.
([45]) فمات فعليه القود، إن كان ذلك السم، مثله يقتل غالبا.
([46]) فمات، فعليه القود، إن كان مثله يقتل غالبا.
([47]) أي أو يخلط السم بطعام أكله، فيأكله جهلا فمات، فقود، لأن اليهودية التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، وبشر بن البراء فمات، فاعترفت بخلطها بالسم، فقتلها رواه أبو داود وغيره، وإن علم آكل السم، أو شاربه ونحوه، وهو بالغ عاقل، فلا ضمان، وإن خلطه بطعام نفسه، فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان.
([48]) لأن السم يقتل غالبا، كما لو جرحه، وقال: لم أعلم أنه يموت، وإن كان ما سقاه له، أو أطعمه ونحوه، لا يقتل غالبا، فشبه عمد.
([49]) كأن شهد اثنان فأكثر على ردة شخص، حيث امتنعت التوبة، هذا المذهب ونظره في الاختيارات بأن المرتد إنما يقتل، إذا لم يتب، فيمكن المشهود عليه التوبة، كما يمكنه التخلص إذا ألقي في النار، ولعل المراد، بأن ارتد بسب الله ورسوله، ونحو ذلك، بخلاف ما تقبل فيه التوبة، إذ يمكنه دفعها بالتوبة، وكأن يشهد عليه أربعة فأكثر بزنا محصن، ونحو ذلك مما يوجب القتل، فيقتل بشهادتين.
([50]) أي برجوع شهود ما يوجب قتله، مـن زنـا أو ردة، أو قتـل عمد أو
يقول الحاكم: علمت كذبهما، وعمدت قتله، أو يقول ذلك الولي، فكل ذلك عمد محض، موجب للقصاص، إذا كملت شروطه، وهو مذهب الشافعي، لقول علي لرجلين شهدا على رجل أنه سرق، فقطعه، ثم رجعا، فقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما وغرمهما دية يده، وعمدنا بفتح الميم كقصدنا.
([51]) أي مما يوجب القتل، فقتل بذلك، ثم ندم ورجع، واعترف بتعمد ما يوجب القتل، فعليه القصاص.
([52]) أي لأن من تقدم ذكرهم، توصلوا إلى قتل ذلك الشخص، بما يقتل غالبا فوجب القصاص، عند جمهور العلماء.
([53]) وتعمد القتل ظلما، فاختص لمباشرته القتل عمدا ظلما بلا إكراه، واختار الشيخ: أن الدال على المقتول ليقتل ظلما، يلزمه القود إن تعمد وعلم الحال، ولعل المراد إذا تعذر تضمين المباشر، وإلا فهو الأصل، وإن لم يتعمد الدال فعليه الدية، واختار أن الآمر بالقتل بغير حق، لا يرث من المقتول شيئا، لأن له تسببا في القتل.
([54]) أي ثم يختص بالقصاص، ولي عالم بأن قتله ظلم، لأنه باشر القتل عمدا عدوانا، وإن وكل فباشر وكيله عالما، فعليه القصاص، وإلا فعلى الوالي.
([55]) أي فتختص بينة شهدت بقتله، واعترفت بأنه ظلم، وحاكم علم كذبهما وحكم بقتله، لتسبب الجميع في القتل ظلما، حيث علموا ذلك، ونص ابن عقيل في مناظرته، أن الحاكم لا قصاص عليه.
([56]) أي والضرب الثاني: شبه العمد، ويسمى خطأ العمد، وعمد الخطأ وذلك أن يقصد جناية إما لقصد العدوان عليه، أو قصد التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالبا، ولم يجرحه بها فيقتله، قصد قتله أو لم يقصده، سمي بذلك لأنه قصد الفعل، وأخطأ في القتل، قال ابن رشد: من قصد ضرب رجل بعينه بآلة لا تقتل غالبا، كان حكمه مترددا بين العمد والخطأ فشبهه للعمد من جهة قصد ضربه، وشبهه للخطأ من جهة ضربه بما لا يقصد به القتل.
([57]) كحجر صغير، إلا أن يصغر جدا، كقلم وإصبع، في غير مقتل، أو يمسه بالكبير بلا ضرب، فلا قصاص ولا دية.
([58]) أي أو لكز شخصا بيده، في غير مقتل، أو لكمه في غير مقتل فمات.
([59]) فمات أو سحره بما لا يقتل غالبا فمات، وكذا سائر ما لا يقتل غالبا.
([60]) فمات، وإن لم يغتفله فلا شيء عليه.
([61]) أو ذهب عقله، أو صاح بمعتوه فمات، فشبه عمد، تجب في كل من تلك الأمثلة ونحوها الكفارة، في مال الجاني، للآية والدية على عاقلته للآية أيضا، وخبر الهذليتين المتفق عليه، وهو مذهب جماهير أهل العلم، ولأبي داود وغيره: عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه.
([62]) أي والضرب الثالث: قتل الخطأ؛ وهو نوعان، أحدهما: أن يفعل ماله فعله، فيؤول إلى إتلاف إنسان معصوم.
([63]) فيقتل إنسان معصوم الدم، فعليه الكفارة، والدفع على العاقلة، قال الموفق: بغير خلاف نعلمه، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئا فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه؛ وقال صلى الله عليه وسلم «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان».
([64]) وفي الإقناع: أو شخصا، ولو معصوما أو بهيمة، ولو محترمة، فيصيب آدميا معصوما، لم يقصده بالفعل، فهو خطأ وقدمه الموفق وغيره، وهو مفهوم المنتهى، كما هو مفهوم قوله: أن يفعل ماله فعله، وقوله: أن يرمى شخصا مباح الدم، فإنه إذا فعل ما ليس له فعله، أو غير معصوم الدم كأن رمي شخصا معصوما أو بهيمة محترمة، فعمد نص عليه، وما مشي عليه الموفق والمجد أظهر، لأنه لم يقصده بالفعل، والله أعلم.
([65]) فعليه الكفارة، وعلى عاقتله الدية، لما تقدم.
([66]) في الحـكم بخلاف السكـران، اختيـارا على القـول به وتقدم واتفقوا
على أن القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه باتفاق أن يكون عاقلا بالغا، مختارا للقتل فخرج ما تقدم، وفي الإنصاف: أما الصبي والمجنون، فلا قصاص عليهما، بلا نزاع، وأما إن قتله وهو عاقل ثم جن، لم يسقط عنه، سواء ثبت ذلك ببينة أو إقرار، ويقتص منه في حال جنونه.
([67]) في باب الديات قريبا، موضحا، إن شاء الله تعالى، والفرق بين هذين: أن الدية مغلظة في شبه العمد، مخففة في الخطأ والفاعل آثم في شبه العمد، غير آثم في الخطأ، فافترقا لذلك، وإن كانا اشتركا في وجوب الكفارة، في مال الجاني، ووجوب الدية على العاقلة.
([68]) وذلك بأن احتمل أن يكون القتل حال صغره، أو عهد له حال جنون.
([69]) وجبت الكفارة فقط، للآية.
([70]) وترك ذكرها في هذا القسم، مع ذكرها في الذي قبله، والذي بعده، ظاهر في أنها غير واجبة، وهذا ظـاهر المذهب، وعـنه: تجـب، وهو قول مالك
والشافعي لقوله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ولأنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته.
قال الشيخ: هذا في المسلم الذي هو بين الكفار معذور، كالأسير والمسلم، الذي لا تمكنه الهجرة، والخروج من صفهم، فأما الذي يقف في صف قتالهم باختياره، فلا يضمن بحال، لأنه الذي عرض نفسه للتلف بلا عذر.


  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 11:05 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ الجِنَايَاتِ
.....................................................................
قوله ـ رحمه الله تعالى ـ: «الجنايات» جمع جناية، وهي لغة: التعدي على البدن، أو المال، أو العرض.
واصطلاحاً: التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً، أو مالاً، فهي أخص من معناها لغة، فمن اغتابك فهو جانٍ لغة، ومن أخذ مالك فهو جانٍ لغة؛ فالتعدي على العرض أو المال لا يدخل في الجناية في هذا الباب، فالجناية اصطلاحاً إنما هي التعدي على البدن خاصة بما يوجب قصاصاً فيما إذا كان عمداً، أو مالاً فيما إذا كان خطأ.
وقد قسم العلماء الجناية إلى ثلاثة أضرب: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
وفي القرآن الكريم قسمها الله إلى قسمين: عمد، وخطأ، لكن جاءت السنَّة بإثبات شبه العمد، في قصة المرأتين من هذيل اللتين اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن دية جنينها غرة، عبد أو وليدة، وأن ديتها على العاقلة[(1)].
فهذا القتل ليس عمداً ولا خطأً، ولكنه وسط بينهما؛ لأنك إن نظرت إلى تعمد الفعل ألحقته بالعمد، وإن نظرت إلى أن الجناية لا تقتل ألحقته بالخطأ، فجعله العلماء مرتبة بين مرتبتين، وسمَّوْه شبه العمد[(2)]، قال في الروض: «روي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما»[(3)]، أي: كون الجناية تنقسم إلى ثلاثة أقسام.

وَهِيَ عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ بِشَرْطِ القَصْدِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ،............
قوله: «وهي عمد يختص القود به» القود: القصاص، وسُمي بذلك؛ لأنه يقاد القاتل برُمَّته إلى أولياء المقتول بحبل ويقتل، والمعنى أنه لا قصاص إلا في العمد، أما الخطأ وشبه العمد فلا قصاص فيهما، ودليل ذلك قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى}} [البقرة: 178] ، وقال تعالى: {{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}} [المائدة: 45] ، وهذا وإن كان مكتوباً على أهل التوراة، لكنَّه شرعٌ لنا، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم لأنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ حينما كسرت الربيِّعُ بنت النضر ـ رضي الله عنها ـ ثنيَّةَ امرأة من الأنصار، فطالبوا بالقصاص، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «كتاب الله القصاص» [(4)]، ومعلوم أن القصاص في السن إنما جاء بما شرع في التوراة، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل ذلك شريعةً لنا.
والعمد فيه ثلاثة حقوق:
الأول: حق الله، وهذا يسقط بالتوبة.
الثاني: حق أولياء المقتول، ويسقط بتسليم نفسه لهم.
الثالث: حق المقتول، وهذا لا يسقط؛ لأن المقتول قد قُتل وذهب، ولكن هل يؤخذ من حسنات القاتل، أو أن الله تعالى بفضله يتحمَّل عنه؟ الصواب: أن الله بفضله يتحمل عنه إذا علم صدق توبة هذا القاتل.
وقوله: «يختص القود به» أي: العمد، ويختص أيضاً بأنه لا كفارة فيه؛ لأنه أعظم من أن تكفره الكفارة.
قوله: «بشرط القصد» أي: قصد الجناية، وقصد المجني عليه، فلا بُد من القصدين، فلو لم يقصد الجناية، بأن حرك سلاحاً معه فثار السلاح وقتله، فهنا ليس بعمد؛ لأنه لم يقصد الجناية، ولو أنه قصد الرمي على شاخص فإذا هو إنسان، فهذا ليس بعمد؛ لأنه لم يقصد شخصاً يعلمه معصوماً فقتله.
قوله: «وشبه عمد» هذا النوع الثاني من أنواع الجناية، فهو ليس عمداً محضاً، ولا خطأً محضاً، لكنه بينهما؛ وذلك لأن الجاني قصد الجناية لكن بشيء لا يقتل غالباً، فشبه العمد أن يقصد جناية لا تقتل غالباً، مثل ما لو ضرب إنساناً بالمهفَّة[(5)] فمات، فهذا ليس بعمد محض؛ لأن الجناية لا تقتل، وليس بخطأ؛ لأنه قصد الجناية.

وَخَطَأٌ، فَالْعَمْدُ أَنْ يَقْصِدَ مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيّاً مَعْصُوماً فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ،.....
قوله: «وخطأ» هذا النوع الثالث، وهو ألاّ يقصد الجناية، أو يقصد الجناية لكن لا يقصد المجني عليه، مثل أن تنقلب الأم على ابنها وهي نائمة فتقتله، أو يرى صيداً فيرميه فيصيب آدمياً.
قوله: «فالعمد أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به» هذا تعريف العمد.
وأفادنا المؤلف بقوله: «أن يقصد» أنه لا بد أن يكون للقاتل قصد، فأما الصغير والمجنون فإن عمدهما خطأ؛ لأنه ليس لهما قصد صحيح، أما المجنون فظاهر، وأمَّا الصغير فهو وإن كان له قصد، لكنه قصد لا يكلف به.
وقوله: «من يعلمه آدمياً معصوماً» فإن قصد من يظنه غير آدمي، أو من يظنه آدمياً غير معصوم، فقتل معصوماً فليس بعمد؛ لأنه لم يقصد الجناية على معصوم، مثل أن يرى شاخصاً من بعيد فظن أنه جذع نخلة فرماه، فهذا ليس بعمد؛ لأنه لم يقصد الآدمي.
مثال ثانٍ: رأى إنساناً وهو في أرض حرب، فظن أنه حربي فرماه فقتله، فإذا هو غير حربي، فهذا ليس بعمد؛ لأنه لم ينوِ قتل المعصوم.
مثال ثالث: لو رمى شخصاً يظن أنه هو المرتد ردَّة لا تقبل معها التوبة، كردَّة من سب الله ـ على المشهور من المذهب ـ لكن تبين أنه غيرُه، فهذا ليس بعمد.
مثال رابع: لو رمى شخصاً يظنه الزاني المحصن، والزاني المحصن غير معصوم؛ لأنه يرجم حتى يموت، فتبين أنه ليس هو الزاني المحصن، فهذا ليس بعمد.
ويلاحظ أنَّ هذا إذا وافق أولياء المقتول على ذلك، أما لو قالوا: إنّك قصدتَه، فقال: لم أقصده، فالقول قول أولياء المقتول؛ لأن القصد نية خفية، والشرع لا يحكم إلا بالظاهر، والظاهر أنه قصد، ودعواه أنه لم يقصد، أو أنه ظنه غير آدمي دعوى غير مقبولة منه؛ لأننا لو قبلنا ما ادعاه لكان كل من قتل نفساً بغير حق يقول: أنا لم أقصد، أوْ لم أظنه آدمياً معصوماً، أو ما أشبه ذلك.
وقوله: «فيقتله» فلو قصد الجناية بما يقتل غالباً لكن المجني عليه سَلِم، بأن ضَرَبه بالفأس على رأسه يريد قتله حتى انفلق، لكنه عُولج حتى برئ فهذا ليس بقتل عمد؛ لأنه لا بد أن يقتله.
وقوله: «بما يغلب على الظن موته به» هذا أهم، أي: أن تكون الجناية بما يغلب على الظن أنها تقتل، مثل أن يضربه بالساطور على رأسه، وقال: أنا ما ظننت أنه يموت! فهذا لا يقبل؛ لأن هذا يغلب على الظن أنه يموت به.
ولو ضربه بالمهفة، وقُدِّر أنه نائم ففزع ومات، فليس بعمد؛ لأن المهفة لا يغلب على الظن أن يموت بها، فانتبه للشروط التي هي الضابط في قتل العمد؛ لأجل أن تنزل عليها الصور التي ذكرها المؤلف؛ لأن من الصور التي ذكرها المؤلف صوراً لا تنطبق على هذه القاعدة، فينظر فيها، ثم ذكر المؤلف تسع صور فقال:
«مثل أن يجرحه بما له مَوْرٌ في البدن» هذه الصورة الأولى «أن يجرحه» الفاعل هو القاتل أو الجاني، والمفعول به هو المجني عليه، أي مثل أن يجرح الجاني المجني عليه.

مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ فِي الْبَدَنِ، أَوْ يَضْرِبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ وَنَحْوِهِ،.........
وقوله: «بما له مور» ، فسَّره في الروض[(6)] فقال: أي: «نفوذ في البدن» مثل لو بطَّه برأس الدبوس فهذا له مور في البدن، وهو عند المؤلف عمد؛ لكنه على القاعدة لا ينطبق على العمد؛ لأن القاعدة: «أن يقتله بما يغلب على الظن موته به» وهذا لا يغلب على الظن موته به، اللهم إلاّ إذا بطَّه في مقتل، كما لو بطَّه في الفؤاد، أو في الوريد، أو ما أشبه ذلك، أما لو بطَّه في مكان متطرف من البدن، فليس هذا بعمد في الواقع، وما أكثر الجروح التي تصيب الرِّجل، من مسمار، أو زجاجة، أو نحو ذلك، ولا يقول الناس: إن هذا يقتل.
فلو قال قائل: هو لا يقتل، ولكنه تعفن وفسد شيئاً فشيئاً، حتى قضى عليه، فماذا نقول؟ نقول: العبرة بالأصل، وهنا ما مات من الجرح نفسه، ولكنه مات من التسمم وفساد الجرح، فإن جَرَحَهُ بما له مور في البدن، فقيل له: داوِ الجرح؛ حتى لا ينزل الدم، فقال المجني عليه: لا، بل سأدعه ينزل حتى يُقتل الرجل، فالمذهب أن هذا عمد من الجاني، ويقولون: «وإن لم يداوِ مجروحٌ جرحه»، فإن قال الجاني: أنا سأداويك على نفقتي الخاصة، فقال المجني عليه: لا، بل دعه يثعب دماً حتى تُقتل، فهنا يرون أنه عمد، لكن الحقيقة أن هذا سفه من المجني عليه؛ لأن هناك أشياء نعلم أنها إذا عولجت برئت، فأنت الذي جنيت على نفسك، فهذا لا نُمكِّنه من أن يُبقي جرحه يثعب دماً حتى يموت.
الصورة الثانية: قوله: «أو يضربه بحجر كبير ونحوه» مثل ما لو ضربه بمطرقة كبيرة، وقال: أنا لا أدري أنها تقتل، فنقول: هذا غير صحيح، بل هذا مما يقتل غالباً فيُقْتل به، حتى لو ضربه بها في غير مقتل، ولهذا صرح في الروض[(7)] فقال: «ولو في غير مقتل» فمات فإنه عمد يُقتل به.
وأفادنا المؤلف بقوله: «أو يضربه بحجر كبير» أنه لو ضربه بحجر صغير فهو شبه عمد، إلا إذا قتله بحجر صغير في مقتل، مثل إن ضربه على الكِلى، أو على الكبد، أو ما أشبه ذلك مما يكون سبباً للقتل، فهنا يكون ذلك عمداً.
ومعرفة كون الحجر يقتل أو لا يقتل يرجع في ذلك إلى العرف، فمتى قالوا: إن هذا الحجر يقتل لو ضرب به الإنسان ولو في غير مقتل، فيكون القتل بهذا الحجر عمداً.
مسألة: لو قتله بسوط من كهرباء؟ فيُنظر إن كان من طاقة كبيرة تقتل غالباً فهو عمد، وإن كان من طاقة صغيرة لا تقتل غالباً فليست بعمد، والطاقة الصغيرة مثل مائة وعشرة، والطاقة الكبيرة مثل مائتين وعشرين، أو ثلاثمائة ونحوه.

أَوْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطاً، أَوْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ فِي نَارٍ، أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُهُ وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا، أَوْ يَخْنِقَهُ أَوْ يَحْبِسَهُ وَيَمْنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ فَيَمُوتَ مِنْ ذلِكَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِيهَا غَالِباً،.....................
قوله: «أو يلقي عليه حائطاً» بأن قال له: اجلس تحت هذا الجدار واستظل به، فجاء وجلس، وذهب الآخر من وراء الجدار وألقاه عليه، فيكون هذا عمداً؛ لأنه يقتل غالباً.
ولو ألقى عليه سقفاً، فيُنظر فيه، فإن كان سقفاً مما يقتل غالباً فإنه عمد، وإن كان مما لا يقتل غالباً فليس بعمد.
قوله: «أو يلقيه من شاهق» أي: مرتفع، كأن يصعد شخصٌ وآخرُ على منارة، ثم يقول له: تعال وانظر إلى الأرض، أقريبة هي أم بعيدة؟ فلما نظر الآخر دفعه وألقاه إلى الأرض، فهذا عمد، فإن قال: أنا لا أدري أنه سيموت، قلنا: إنَّ هذا مما يقتل غالباً، فإن رماه من مكان أبعد فإنه عمدٌ من باب أولى، مع أنهم يقولون: إن الهر إذا سقط من مكان قريب مات، ولو سقط من مكان بعيد لم يمت، لكن الآدمي بخلاف الهر.
قال في الروض[(8)]: «الثالث من الصور أن يلقيه بجُحر أسد أو نحوه»، جحر الأسد هو مكانه الذي يأوي إليه، فلو أن إنساناً ألقى شخصاً في جحر أسد فأكله، فإنه يكون عمداً.
فإن قال الذي ألقاه في الجحر: أليس إذا اجتمع متسبِّب ومباشر فالضمان على المباشر؟ فالجواب نعم، ولكن إذا تعذر إحالة الضمان على المباشر فيكون على المتسبب، وهنا يتعذر إحالة الضمان على المباشر، وهو الأسد فيكون الضمان على المتسبب.
قال في الروض[(9)]: «أو مكتوفاً بحضرته»، أي: بحضرة الأسد، ومعنى مكتوفاً ـ أي: مربوطة يداه إلى كتفيه ـ فإنه في هذه الحال يكون عمداً، وقد ذكروا قصة جحدر بن مالك حين أخذه الحجاج بن يوسف الثقفي في جناية ـ زعم أنها جناية ـ فقال له: لن أقتلك، ولكن سآتي بأسد وأحبسه عن الطعام خمسة عشر يوماً، وسأعطيك سيفاً، وأقيد يدك الأخرى، فأجاع الأسد لمدة خمسة عشر يوماً، ثم أطلقه وأطلق جحدر بن مالك، فانقضّ الأسد على جحدر من شدة الجوع، لكن جحدر رفع السيف أثناء انقضاض الأسد، فوضعه في نحره ومات الأسد ولم يمت جحدر، ذكر هذا في حواشي مغني اللبيب، والقصة طويلة، والشاهد أنه إذا ألقاه مكتوفاً بحضرة الأسد فهو عمد.
لكن لو فعل مثل قصة جحدر، فهل يكون عمداً مع أنه أعطاه السيف؟ في الحقيقة لولا أنه كان قوياً، وشجاعاً، وقوي البدن أيضاً، لما قدر على الأسد الذي قد جُوِّع لمدة خمسة عشر يوماً، ثم أطلق.
الرابعة: قوله: «أو في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما» فإن ألقي في نارٍ أو ماءٍ ويمكنه التخلص منهما فهدر، وليس بعمد.
الخامسة: قوله: «أو يخنقه» أي: يكتم نفسه، سواء بحبل، أو بتثبيت مادة تكتم النفس، أو ما أشبه ذلك.
فالخنق يعتبر عمداً، والغريب أنه قال في الروض[(10)]: «أو يعصر خصيتيه» فهل هذا من الخنق؟ نعم.
ولو وضع يده على فمه دون أنفه فليس بخنق؛ لأنه يمكنه التنفس، وكذلك لو وضع يده على أنفه دون فمه فليس بخنق، لكن لو وضع يده على أنفه وفمه فهذا خنق.
السادسة: قوله: «أو يحبسه ويمنع عنه الطعام أو الشراب فيموت من ذلك في مدة يموت فيها غالباً» فإذا حبسه ولم يعطه ماءً ولا طعاماً، حتى مات في مدة يموت فيها غالباً، فهذا عمد، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي سقتها...» [(11)] فهذا من صور العمد.
والمدة التي يموت فيها غالباً تختلف في الحر والبرد، فيرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، فإذا قالوا: إن بقاء الإنسان في هذا المكان، وفي هذا الزمان، يعتبر مدة يموت في مثلها غالباً قلنا: إنه عمد.
فإذا حبسه ومنعه عن الطعام والشراب في مدة يموت فيها غالباً، فهذا من صور العمد؛ لأن الإنسان إذا حبس عن الطعام والشراب فإنه يموت، وقال بعض أهل العلم: «ومثله لو حبسه في الشمس في أيام الصيف حتى مات، أو حبسه في ليالي البرد في أيام الشتاء فمات، وهذا صحيح، وهذه الصورة وإن كانوا لم يقولوها لكننا ننزلها على الضابط.
قال في الروض[(12)]: «بشرط تعذر الطلب عليه وإلاّ فهدر» أي: بشرط أن يتعذر الطلب على المحبوس، فإن كان لا يتعذر عليه الطلب، بحيث لو طلب الطعام أو الشراب لوجده، فليس بعمد وهدر، كما قلنا فيما لو ألقاه في نارٍ أو ماءٍ يغرقه ويمكنه التخلص.

أَوْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ، أوْ بِسُمٍّ، أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنةٌ بِمَا يُوجبُ قَتْلَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا، وَقَالُوا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ، وَنَحْوَ ذلِكَ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لاَ تَقْتُلُ غَالِباً وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا، كَمَنْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ مَقْتلٍ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصَا صَغِيرَةٍ،................
السابعة: قوله: «أو يقتله بسحر» والسحر عبارة عن عزائم، وعقد، ورقى، وأدوية، يتوصل بها إلى ضرر المسحور في بدنه، أو عقله.
فإذا وضع رجل السحر لشخص حتى أثَّر فيه ومات، فإن هذا يكون قتلاً عمداً؛ لأن السحر يقتل مثله غالباً، ولكن تقدم لنا أن الساحر يجب أن يقتل حداً، فهذا الساحر وجب قتله لسببين: الأول: قتله لحقِّ الله ـ عزّ وجل ـ إذا لم نقل بكفره، الثاني: قتله لحق أولياء المقتول، فهنا تعارض عندنا حقان حق أولياء المقتول، وحق الله عزّ وجل، فأيهما يقدم؟
الجواب: يقدم حق أولياء المقتول، فإذا قال أولياء المقتول: ما دام أن الرجل سيقتل فنحن نريد الدية فلهم ذلك، وإن قالوا: نريد أن نقتله ونشفي صدورنا منه فلهم ذلك.
وعلى هذا فنقول لأولياء المقتول بالسحر: إن شئتم أعطيناكم هذا الساحر فاقتلوه أنتم قصاصاً، وإن شئتم قَتَلَه وليُّ الأمر حداً، ولكم الدية.
فإن سحره حتى ذهب بعقله فهنا عليه الدية، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في دية المنافع.
الثامنة: قوله: «أو بِسُمٍّ» أي: أو يقتله بسُمٍّ، وذلك بأن يضع له السُّم في ماء، أو في طعام ويسقيه إياه وهو لا يعلم، فإن علم أن فيه سُمّاً وأكله، أو شربه، فهو هدر، لكن إن كان لا يعلم فيكون الذي وضع له السم قاتلاً عمداً.
فإن قتله بزجاج وضعه داخل الطعام فإنه عمد؛ لأنه يقتل غالباً، حتى أن بعض الناس إذا لم يقتل الهرة بالسم قتلها بالزجاج؛ لأنه أحياناً إذا وُضع له السم وأكله تقيأه وسلم منه، لكن إن وضع له الزجاج، فإن تقيأه لم يسلم، وإن ابتلعه لم يَسْلم.
التاسعة: قوله: «أو شهدت عليه بينة بما يوجب قتله» لم يقل: بما يبيح قتله، وبينهما فرق.
قوله: «ثم رجعوا وقالوا: عمدنا قتله» فإذا شهدوا بما يوجب قتله، كأن شهدوا بأنه زنا وهو محصن ـ وزِنا المحصن يوجب الرجم ـ فحَكَم القاضي بشهادتهم، ورُجم هذا المشهود عليه، ثم رجعوا وقالوا: نحن راجعون عن شهادتنا، ومتعمدون لقتله، فهنا يكون قتله عمداً.
وأما لو شهدوا بما يبيح قتله ولا يوجبه فإنه ليس بعمد؛ لأنه يمكنه التخلص من ذلك، مثل أن يشهدوا عليه بردة تقبل فيها التوبة؛ لأنه من الممكن أن المشهود عليه يتخلص بالعودة إلى الإسلام.
مثال آخر: شهدوا عليه بأنه جحد فريضة الصلاة، فهذه ردة تبيح القتل ولا توجبه، فمن الجائز أن يقول الرجل: أنا تبت إلى الله، وأُقر إقراراً من قلبي بأن الصلوات الخمس واجبة، فهنا يرتفع القتل عنه.
قوله: «ونحو ذلك» الإشارة في «ذلك» إلى ما سبق، أي: ونحو هذه الصور، فالمسألة ليست محصورة، والواجب أن نرجع إلى الضابط، ونقول في العمد: «هو أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به».
قوله: «وشبه العمد أن يقصد جناية لا تقتل غالباً» فالعمد وشبه العمد يشتركان في القتل، لكنهما يختلفان في أن العمد تقتل الجناية فيه غالباً، وشبه العمد لا تقتل غالباً، لكن اشترط المؤلف شرطاً فقال:
«ولم يجرحه بها» وقيده بهذا القيد؛ لأنه إن جرحه بها ولو كانت لا تقتل غالباً صار عمداً، مثاله: قول المؤلف:
«كمن ضربه في غير مقتل بسوط، أو عصا صغيرة» فإن ضربه في غير مقتل، كأن ضربه في طرف، أو على رأسه بسوط، أو عصا صغيرة، فنقول: هذا ليس بعمد بل شبه عمد، ودليله قصة المرأتين من هذيل اللتين اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن دية المرأة على العاقلة، وقضى بدية الجنين غرة عبد أو أمة» [(13)] قال أهل العلم: هذا الحديث هو الأصل في إثبات شبه العمد؛ لأن الجناية متعمدة، لكن الآلة التي حصل بها القتل لا تقتل غالباً.

أَوْ لَكَزَهُ، وَنَحْوَهُ[(14)]، وَالخَطَأُ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، مِثْلُ أَنْ يَرْمِيَ مَا يَظُنُّهُ صَيْداً، أَوْ غَرَضاً، أَوْ شَخْصاً، فَيُصِيبَ آدميّاً لَمْ يَقْصِدْهُ، وَعَمْدُ الْصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
قوله: «أو لكزه» إذا لكزه في مقتل فإنه عمد؛ لأنه يقتل غالباً، وموسى عليه السلام وكز القبطي فمات، قال تعالى: {{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}} [القصص: 15] ، وكان موسى عليه السلام رجلاً شديداً قوياً، لمّا رأى الإسرائيلي يقاتل القبطي، وكزه فقضى عليه، ومات، ولهذا قال: {{رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}} [القصص: 33] .
والفرق بين العمد وشبه العمد:
أولاً: يشتركان في قصد الجناية، ويختلفان في الآلة التي حصلت الجناية بها.
ثانياً: العمد فيه قصاص، وشبه العمد ليس فيه قصاص.
ثالثاً: دية العمد على القاتل، ودية شبه العمد على العاقلة.
رابعاً: العمد ليس فيه كفارة، وشبه العمد فيه كفارة.
أما التغليظ في الدية فإن المشهور من مذهب الحنابلة أنهما سواء.
قوله: «والخطأ أن يفعل ما له فعله» (ما) اسم موصول بمعنى الذي، وإن شئت فقل: إنها نكرة موصوفة، أي: أن يفعل شيئاً له فعله.
قوله: «مثل أن يرمي ما يظنه صيداً» كرجل أراد أن يرمي الصيد فأصاب إنساناً، فَرَمْيُ الصَّيْدِ له فِعْلُهُ، لكن إن كانت الحكومة قد منعت ذلك فليس له فعله؛ لأن الله أوجب علينا طاعة ولي الأمر في غير المعصية، ومنع الصيد في زمنٍ معين أو مكان معين ليس بمعصية، فيجب علينـا طـاعـتـه فيـه، وأنا أعتبر أن منع الدولة من المنع الشرعي الواجب اتباعه إذا لم يكن معصية، فإذا رمى صيـداً لـم نُمنع منه شرعاً فأصاب إنساناً فإنه خطأ، والخطأ هنا في القتل لا في الآلة؛ لأن الآلة تقتل غالباً
قوله: «أو غرضاً» الغرض هو الهدف، فلو نصب غرضاً يرمي إليه، فلما أطلق الرصاص أصاب إنساناً ولم يقصده، فإنه يكون خطأ، وتوجد مراماة بالأحجار، بأن ينصبوا لهم نِيشاناً أي: خشبة يغرزونها في الأرض، ثم يترامون عليها، وقد وقعت قصة في ذلك، وهي أن أحدهم لمَّا أطلق الحجر، فإذا بالثاني قريب مما يُسمَّى بالنِّيشان، فضربه على رأسه وتوفي، فهذا القتل خطأ، حتى لو كان الحجر الذي رُمي به كبيراً فإنه خطأ؛ لأنه لم يقصد.
وعلم من قوله: «أن يفعل ما له فعله» أنه لو فعل ما ليس له فعله بجناية تقتل غالباً فهو عمد، مثال ذلك: أن يرمي شاة فلان فيصيبه هو، فعلى رأي المؤلف يكون عمداً.
مثال آخر: أراد أن يرمي الرطب على النخلة فأصاب صاحب الثمرة، فيكون عمداً على ظاهر كلام المؤلف.
لكن هذا الظاهر فيه نظر، بل نقول: إذا فعل ما ليس له فعله فأصاب آدمياً، فإما أن يكون ما قصده مساوياً للآدمي أو دونه، فإن كان مساوياً للآدمي فهو عمد بلا شك، مثل أن يرمي شخصاً يظنه فلاناً معصوم الدم، فأصاب شخصاً آخر، وقال: أنا ما علمت أن هذا فلان، كما لو أصاب أخاه ـ أي: أخا القاتل ـ فإنه سيندم؛ لأنه لم يُرِد قتله، لكنه أراد قتل معصوم مساوٍ للمقتول، فالحرمة واحدة، فنقول: هذا أراد قتل مسلم فأصاب مسلماً، فهو قتل عمد؛ لأنه أراد هتك حرمة المؤمن.
ولو أن رجلاً رمى الرطب على النخلة ليأكل منها فأصاب إنساناً نقول: القتل عمد على المذهب! لكن الصحيح أنه ليس بعمد؛ لأنه لا شك أن هذا الرجل لو علم أن على النخلة شخصاً معصوماً لم يقتله، وحرمة التمر ليست كحرمة الآدمي، ولو أراد قتل شاة فقتل صاحبها فالقتل على كلام المؤلف عمد، والصواب أنه ليس بعمد؛ لأن حرمة الشاة ليست كحرمة الآدمي.
فالصواب أن يقال: أن يفعل ما له فعله فيصيب آدمياً، أو يفعل ما ليس له فعله فيصيب من حرمته دون حرمة الآدمي.
فإن رمى معصوماً غير مسلمٍ فأصاب مسلماً فالظاهر أنه يعتبر عمداً، صحيحٌ أنه لا يقتل به؛ لأنه لا يقتل مسلم بكافر، لكن الحرمة والاحترام للمعصوم كالاحترام للمسلم.
وقد يقال ليس بعمد؛ لأن حرمة غير المسلم ليست كحرمة المسلم.
قوله: «أو شخصاً» أي: شخصاً مباح الدم، كزانٍ محصن وحربي، وما أشبه ذلك.
قوله: «فيصيب آدمياً لم يقصده» وقد سبق.
قوله: «وعمد الصبي والمجنون» هذا النوع الثاني من الخطأ، فإذا تعمد الصبي أو المجنون القتل فهو خطأ، أما المجنون فظاهر؛ لأن من شروط العمد القصد، والمجنون لا قصد له.
وأما الصبي ـ والمراد به هنا من دون البلوغ، كمن عمره أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، وكمن عمره خمس عشرة سنة إلاّ ثلاثة أيام ـ فعمده خطأ؛ لحديث: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ»[(15)].
والنائم يمكن أن يقتل، فبعضهم يمشي وهو نائم، وذُكر لنا أن بعض الناس وهو نائم يخرج إلى الوادي شمال البلد، وهو واضع رأسه على كتفه، وبعضهم يقوم يشرب ثم يرجع وهو لا يعلم، فعمد النائم ـ أيضاً ـ يعتبر من الخطأ؛ لأنه لم يقصد، ومن شروط العمد القصد.
وعمد السكران على المذهب عمد؛ لأنه لا يعذر به، وكل أقوال السكران وأفعاله معتبرة، ولهذا يقع طلاقه، ويصح إقراره، وعتقه، وإيقافه، فلو أن سكراناً قال: جميع زوجاتي طوالق، وجميع عبيدي أحرار، وجميع أملاكي وقف، وفي ذمتي لفلان ألف مليون! فالمذهب أنه يصح، فتطلق جميع زوجاته، ويصبح عبيده كلهم أحراراً، وماله كله وقفاً، ويلزمه لفلان ألف مليون.
لكن الصحيح أن السكران لا يؤاخذ بأقواله فلا يقع عتقه، ولا طلاقه، ولا وقفه، ولا إقراره.
كذلك أفعال السكران موضع خلاف، فمن العلماء من قال: يؤاخذ بأفعاله؛ لأن الفعل أقوى من القول؛ إذ إن كون السكران يجترئ على الفعل معناه أن هناك إرادة بخلاف القول، وعلى هذا القول يكون قتله عمداً.
لكن الصحيح أنه لا يؤاخذ بفعله أيضاً، إلاّ إذا قال: إنه سيسكر لأجل أن يقتل، يعني أنه عرف أنه لو ذهب إلى فلان وقتله وهو صاحٍ أنه سيقتل به، فأراد أن يسكر لأجل أن يقتل هذا الرجل، فهذا لا شك أنه عمد؛ لأنه قصد الجناية قبل أن يسكر.
والفرق بين الخطأ وقسيميه:
يشترك الخطأ وشبه العمد في أمور، ويفترقان في أمور، فيشتركان في التالي:
أولاً: أنه لا قصاص فيهما.
ثانياً: أن فيهما الدية.
ثالثاً: أن الدية على العاقلة.
ويختلفان في التالي:
أولاً: أن شبه العمد قصد، والخطأ ليس بقصد.
ثانياً: أن دية شبه العمد مغلظة، ودية الخطأ غير مغلظة.
ثالثاً: أن شبه العمد فيه إثم، والخطأ لا إثم فيه.
ويفارق الخطأ العمد في التالي:
أولاً: أن العمد فيه قصاص، والخطأ لا قصاص فيه.
ثانياً: العمد ديته مغلظة، والخطأ مخففة
ثالثاً: العمد ديته على القاتل، والخطأ على العاقلة.
رابعاً: العمد لا كفارة فيه، والخطأ فيه كفارة.
خامساً: العمد فيه إثم عظيم، والخطأ لا إثم فيه.
وأنا أدعو إلى معرفة الفوارق والجوامع؛ لأن من أهم ما يكون أن يعرف الإنسان الفروق بين مسائل العلم، والوجوه التي تجتمع فيه، حتى يميز ويفرق.


[1] أخرجه البخاري في الديات/ باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد (6910)، ومسلم في القسامة/ باب دية الجنين (36/1681) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[2] وقد روى أبو داود (4547)، والنسائي (4791)، وابن ماجه (2627) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» . وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/256).
[3] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/166). أما ما روي عن عمر رضي الله عنه فقد أخرجه أبو داود في الديات/ باب في دية الخطأ شبه العمد (4550) وأعُلَّ بالانقطاع، كما في نصب الراية (4/357)، وأما أثر علي فأخرجه أبو داود في الديات/ باب دية الخطأ شبه العمد (4551) وفي إسناده عاصم بن ضمرة، قال في نصب الراية (4/357): فيه مقال، ولكن له شاهد أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17222) عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علي به.
[4] أخرجه البخاري في التفسير/ باب تفسير قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}} (4500)، ومسلم في القسامة/ باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها (24/1675) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ واللفظ للبخاري.
[5] المهفَّة: عصا صغيرةٌ من جريد النخل في طرفه ريش من الخوص يستخدم للترويح عن حرارة الجو.
[6] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/167).
[7] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/168).
[8] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/169).
[9] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/169).
[10] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/171).
[11] أخرجه البخاري في المساقاة/ باب فضل سقي الماء (2365)، ومسلم في السلام/ باب تحريم قتل الهرة (151/2242) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[12] الروض مع حاشية ابن قاسم (7/171).
[13] سبق تخريجه ص(5).
[14] قال في الروض: (أو ألقاه في ماء قليل... إلخ) (7/175).
[15] أخرجه أبو داود في الحدود/ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً (4398)، والنسائي في الطلاق/ باب من لا يقع طلاقه من الأزواج (6/156)، وابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041)، وصححه ابن حبان (142)، والحاكم (2/59) ووافقه الذهبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جنايات, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir