دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الديات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 02:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الديات

كتابُ الدِّيَاتِ
كلُّ مَن أَتْلَفَ إِنسانًا بِمُباشَرَةٍ أو سَبَبٍ لَزِمَتْهُ دِيَتُه، فإن كانت عَمْدًا مَحْضًا ففي مالِ الجاني حالَّةٌ، وشِبْهُ العَمْدِ والخطأُ على عاقِلَتِه، وإن غَصَبَ حُرًّا صغيرًا فنَهَشَتْه حَيَّةٌ أو أصابَتْهُ صاعقةٌ أو ماتَ بِمَرَضٍ , أو غَلَّ حُرًّا مُكَلَّفًا وقَيَّدَه فماتَ بالصاعقةِ أو الْحَيَّةِ وَجَبَت الدِّيَةُ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


كتابُ الدِّيَاتِ
جمعُ دِيَةٍ، وهي المالُ المُؤَدَّى إلى مَجْنِيٍّ عليه، أو وَلِيِّهِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ، يُقالُ: وَدَيْتُ القتيلَ. إذا أَعْطَيْتَ دِيَتَه.
(كلُّ مَن أَتْلَفَ إنساناً بِمُبَاشَرَةٍ أو سَبَبٍ)؛ بأنْ أَلْقَى عليه أَفْعًى أو أَلْقَاهُ عليها، أو حَفَرَ بِئْراً مُحَرَّماً حَفْرُها، أو وَضَعَ حَجَراً أو قِشْرَ بِطِّيخٍ أو ماءً بِفِنَائِه أو طريقٍ أو بالَتْ بها دَابَّتُه ويَدُهُ عليها ونحوِ ذلكَ -(لَزِمَتْهُ دِيَتُه، سواءٌ كانَ مُسْلِماً أو ذِمِّيًّا أو مُسْتَأْمَناً أو مُهَادَناً؛ لقولِهِ تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، (فإنْ كانَتِ) الجِنَايَةُ (عَمْداً مَحْضاً، فـ) الدِّيَةُ (في مالِ الجانِي)؛ لأنَّ الأصلَ يَقْتَضِي أنَّ بَدَلَ المُتْلَفِ يَجِبُ على مُتْلِفِهِ، وأَرْشَ الجنايةِ على الجانِي، وإنما خُولِفَ في العاقِلَةِ لكَثْرَةِ الخَطَأِ، والعامدُ لا عُذْرَ له، فلا يَسْتَحِقُّ التخفيفَ. وتكونُ (حالَّةً) غيرَ مُؤَجَّلَةٍ؛ كما هو الأصلُ في بَدَلِ المُتْلَفَاتِ، (و) دِيَةُ (شِبْهِ العَمْدِ والخَطَأِ على عاقِلَتِهِ)؛ أي: عاقِلَةِ الجانِي؛ لحديثِ أبي هُرَيْرَةَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِها، فقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومَن دَعَا مَن يَحْفِرُ له بِئْراً بِدَارِهِ، فماتَ بِهَدْمٍ لم يُلْقِهِ أحدٌ عليه، فهَدَرٌ، (وإنْ غَصَبَ حُرًّا صغيراً)؛ أي: حَبَسَه عَن أهلِهِ (فنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ) فماتَ، (أو أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ)؛ وهي نارٌ تَنْزِلُ من السماءِ فيها رَعْدٌ شديدٌ -قالَه الجَوْهَرِيُّ- فماتَ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ، (أو ماتَ بمرضٍ) وَجَبَتِ الدِّيَةُ؛ جَزَمَ به في (الوَجِيزِ) و(مُنْتَخَبِ الآمِدِيِّ)، وصَحَّحَهُ في (التصحيحِ)، وعنه: لا دِيَةَ عليه. نَقَلَهَا أبو الصَّقْرِ، وجَزَمَ بها في (المُنَوّرِ) وغيرِهِ، وقَدَّمَهَا في (المُحَرَّرِ) وغيرِه، قالَ في (شَرْحِ المُنْتَهَى): على الأَصَحِّ. وجَزَمَ بها في (التنقيحِ)، وتَبِعَه في (المُنْتَهَى) و(الإقناعِ). (أو غَلَّ حُرًّا مُكَلَّفاً وقَيَّدَهُ، فماتَ بالصاعقةِ أو الحَيَّةِ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ)؛ لأنَّه هَلَكَ في حالِ تَعَدِّيهِ بِحَبْسِهِ عن الهَرَبِ مِن الصاعقةِ والبَطْشِ بالحيَّةِ أو دَفْعِهَا عنه.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


كتاب الديات([1])
جمع دية([2]) وهي المال المؤدى([3]) إلى مجنى عليه أو وليه بسبب جناية([4]) يقال: وديت القتيل، إذا أعطيت ديته([5]) (كل من أتلف إنسانا بمباشرة([6]) أو سبب) بأن ألقى عليه أفعى، أو ألقاه عليها([7]).
أو حفر بئرا محرما حفره([8]) أو وضع حجرا، أو قشر بطيخ، أو ماء بفنائه أو طريق([9]) أو بالت بهما دابته ويده عليها([10]) ونحو ذلك (لزمته ديته)([11]) سواء كان مسلمًا، أو ذميًا، أو مستأمنًا أو مهادنا([12]).
لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}([13]) (فإن كانت) الجناية (عمدا محضا فـ) الدية (في مال الجاني)([14]) لأن الأصل يقتضي أن بدل المتلف يجب على متلفه([15]) وأرش الجناية على الجاني([16]) وإنما خولف في العاقلة لكثرة الخطأ([17]) والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف([18]) وتكون (حالة) غير مؤجلة([19]) كما هو الأصل في بدل المتلفات([20]).
(و) دية (شبه العمد، والخطأ على عاقلته) أي عاقلة الجاني([21]) لحديث أبي هريرة: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها، متفق عليه([22]) ومن دعا من يحفر له بئرا بداره فمات بهدم لم يلقه أحد عليه فهدر([23]) (وإن غصب حرا صغيرا) أي حبسه عن أهله (فنهشته حية) فمات([24]).
(أو أصابته صاعقة) وهي نار تنزل من السماء فيها رعد شديد، قاله الجوهري([25]) فمات وجبت الدية([26]) (أو مات بمرض) وجبت الدية([27]) جزم به في الوجيز، ومنتخب الآمدي، وصححه في التصحيح([28]) وعنه لا دية عليه، نقلها أبو الصقر، وجزم بها في المنور، وغيره([29]) وقدمها في المحرر وغيره([30]) قال في شرح المنتهى: على الأصح([31]) وجزم بها في التنقيح، وتبعه في المنتهى والإقناع([32]).
(أو غل حرا مكلفا وقيده، فمات بالصاعقة، أو الحية وجبت الدية)([33]) لأنه هلك في حال تعديه، بحبسه عن الهرب من الصاعقة، والبطش بالحية أو دفعها عنه([34]).


([1]) الأصل في وجوبها: الكتاب والسنة والإجماع، في مال القاتل، أو على عاقلته وسيأتي مفصلا.
([2]) مخففة، وأصلها ودي والهاء بدل من الواو، كالعدة من الوعد.
([3]) أي والدية في الأصل مصدر، مسمى به المال المؤدى.
([4]) شبه عمد، أو خطأ أو عمد عفي فيه عن القصاص إلى الدية.
([5]) أي فهي مصدر: وديت القتيل أديه دية، إذا أديت ديته، وائتديت إذا أخذت الدية ويقال الدية مصدر، ودي القاتل المقتول، إذا أعطى وليه المال، الذي هو بدل النفس.
([6]) أي لإتلافه.
([7]) أي أتلف إنسانا، بأن ألقى عليه حية فقتله، أو ألقاه على حية فقتله، فعليه ضمانه، لأنه تلف بعدوانه، كالمباشرة، وكذا لو طلبه بسيف مجرد، ونحوه، فتلف في هربه، أو روعه، بأن شهره في وجهه، فمات أو ذهب عقله، فعليه ضمانه، لأنه تلف بعدوانه، فأشبه ما لو جنى عليه.
([8]) أي حفر الحافر للبئر، بأن يكون في فنائه، أو فناء غيره، أو طريق ضيق، وكذا في واسع لغير مصلحة المسلمين، أو ملك غيره بغير إذنه، فعليه ضمانه فإن حفرها بحق، كفي ملكه، أو موات، أو طريق واسع، لمصلحة المسلمين لم يضمن.
([9]) أي أو وضع حجرا في طريق فتلف به إنسان، أو وضع قشر بطيخ، أو خيار، أو باقلا ونحوه في طريق، أو وضع ماء بفنائه، وهو ما اتسع حول داره، أو وضعه بطريق فتلف به إنسان، لزمته ديته، وهو مذهب الشافعي، وعليه جمهور الأصحاب، وفي الترغيب، إن رش الطريق لذهاب الغبار، فمصلحة عامة، يعني فلا يضمن ما تلف به.
([10]) أي أو بالت دابته بفنائه، أو بطريق ويده عليها، راكبا كان أو ماشيا، أو قائدا فتلف به إنسان ضمنه، وقال الموفق وغيره: قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف ببول الدابة في الطريق، وصوبه في الإنصاف، كما لو سلم على غيره، أو أمسك يده حتى مات، لعدم تأثيره، ولأنه لا يمكنه التحرز منه، كما لو أتلفت برجلها لا ما أتلفت بيدها أو فمها، لأنه يمكنه حفظها.
([11]) أي ونحو ما تقدم ما لو رمى شخص من منزله، أو من غيره، حجرا أو غيره، مما يمكن التلف به، أو حمل بيده رمحا، جعله بين يديه، أو خلفه، أو وقع على نائم بفناء جدار فأتلف إنسانا، لزمته ديته فيما تقدم، ونحوه.
([12]) وحكي الموفق وغيره: إجماع العلماء على ذلك في الجملة.
([13]) فعبر تعالى عن الذمة بالميثاق، ولكتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، وذكره الدية.
([14]) حالة، قال في الإنصاف: بلا نزاع، وقال الموفق: أجمع أهل العلم على أن دية العمد، تجب في مال القاتل، لا تحملها العاقلة، وهذا يقتضيه الأصل، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
([15]) ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني، فيجب أن يختص بضررها.
([16]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يجني جان إلا على نفسه».
([17]) فإن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة، على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا، لأنه معذور.
([18]) أي عنه بتحمل عاقلته، وهو قد وجب عليه القصاص، فمع العفو عنه اختص بتحمل الدية، ودون عاقلته، فداء عن نفسه، أو طرفه، أو جرحه.
([19]) كالقصاص، وأرش أطراف العبد.
([20]) فتجب حالة، كما يجب بدل المتلفات حالا، ولأن القاتل، عمدا عدوانا غير معذور، بخلاف شبه العمد.
([21]) أما دية شبه العمد، فهو ظاهر المذهب، ومذهب الشافعي، وأصحاب الرأي وغيرهم: للخبر الآتي، ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصا، فوجبت ديته على العاقلة، كالخطأ وأما دية الخطأ فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أنها على العاقلة، وقال الموفق وغيره: لا نعلم خلافا أنها على العاقلة، اهـ وكذا ما جرى مجرى الخطأ كانقلاب النائم على إنسان فيقتله، وحفر البئر تعديا، فيقع فيه فيموت به، كل ذلك ونحوه على العاقلة، مؤجلة بلا خلاف ثلاث سنين كما يأتي.
([22]) فدل الحديث: على أن شبه العمد والخطأ على العاقلة، وقضى عمر وعلي بها على العاقلة، في ثلاث سنين، قال الموفق: ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعا.
([23]) لعدم التعدي عليه، وكذا لو أمره يصعد شجرة، فسقط منها ومات فهدر.
([24]) وجبت الدية، جزم به في الإقناع والمنتهى، وغيرهما.
([25]) أي أو حبس حرا صغيرا، فأصابته صاعقة.
([26]) جزم به غير واحد، لأنه منعه من الهرب، ومثل الصغير المجنون، وقال الشيخ: ومثل نهش الحية وإصابة الصاعقة، كل سبب يختص البقعة، كالوباء، وانهدام سقف عليه، ونحوهما.
([27]) أي: أو مات المغصوب بمرض، أو مات فجأة، وجبت الدية في أحد الوجهين، لأنه تلف في يده العادية.
([28]) لابن نصر الله.
([29]) أي لا دية على من غصب حرا صغيرا فنهشته حية، أو أصابته صاعقة، أو مات بمرض، ويدخل فيها ما مثل به الشيخ، وظاهر كلام الشيخ وجوبها.
([30]) أي قدمها المجد في المحرر، وغيره من الأصحاب.
([31]) أي قاله صاحب المنتهى في شرحه له، وأما شرح منصور، فذكر فيه أنه نص عليه، وعلله بأن الحر لا يدخل تحت اليد، وأنه لا جناية إذا.
([32]) وعبارته: وإن مات بمرض أو فجأة، لم يضمن، والمنتهى أو غصب صغيرا فتلف بحية، أو صاعقة فالدية، لا إن مات بمرض، أو فجأة.
([33]) وهو قول الجمهور.
([34]) وظاهره: أنه لو غله من غير قيد، أو قيده من غير غل، لا يضمن، وعبر في الفروع بـ «أو» وهي أظهر، وأقرب إلى تعليلهم في القيد، فإنه يحبس عن الهرب، سواء كان مغلولا، أولا.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 10:40 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ الدِّيَاتِ

كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَاناً بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ،
قوله: «الديات» جمع دية، وهي المال المؤدى إلى المجني عليه أو ورثته بسبب الجناية، أي: الجناية بالمعنى الاصطلاحي، وهي التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً، وبناءً على ذلك فإن الدية قد تكون للنفس، وقد تكون للأعضاء، وقد تكون للمنافع؛ والقاعدة العامة في وجوب الدية هي ما ذكره المؤلف ـ رحمه الله ـ بقوله:
«كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته» سواء كانت الدية للبدن، أو لجزء منه، أو للمنافع، فإن اجتمع مباشران فعليهما الدية، وإن اجتمع متسببان فعليهما الدية، وإن اجتمع متسبب ومباشر، فإن كان المباشر يمكن تضمينه فعلى المباشر وحده، وإن كان لا يمكن تضمينه فعلى المتسبب وحده.
مثال المباشرة: أن يأخذ الإنسان آلة تقتل، فيقتل بها هذا الإنسان، سواء عمداً أو خطأ، أو يلقيه من شاهق.
ومثال السبب: أن يحفر حفرة في طريق الناس، فيقع فيها الناس، فهذا لم يباشر لكنه تسبب، فيكون الضمان عليه.
ومثال المباشرين: أن يشترك اثنان في قتل شخص، فعليهما الدية.
ومثال المتسببين: أن يشترك اثنان في حفر حفرة في الطريق، فعليهما الدية.
ومثال اجتماع المباشر والمتسبب: شخص حفر حفرة، ووقف شخص آخر عليها، فجاء إنسان فدفعه فيها حتى سقط ومات، فالضمان على المباشر وهو الدافع؛ لأنه أقوى صلة بالجناية من المتسبب.
وكذلك لو أن شخصاً أعطى إنساناً سكيناً بدون مواطأة على القتل، فقتل بها إنساناً، فالضمان على المباشر، فإن كان المباشر لا يمكن تضمينه فعلى المتسبب، كما لو أن رجلاً ألقى إنساناً مكتوفاً بحضرة الأسد، فأكله الأسد، فعندنا مباشر ومتسبب، المباشر هو الأسد، والمتسبب هو الذي ألقى الرجل مكتوفاً بحضرة الأسد، فالضمان هنا على المتسبب؛ لأن المباشر لا يمكن تضمينه، كذلك إذا كان المباشر غير معتدٍ، وكان المتسبب هو المعتدي، وكانت المباشرة مبنية على ذلك السبب، فإن الضمان يكون على المتسبب، وذلك مثل لو شهد جماعة على شخص بما يوجب قتله، فقتله السلطان، ثم بعد ذلك رجعوا، وقالوا: عمدنا قتله، فهنا المباشر السلطان والمتسبب هم الشهود، لكن المباشر قد بنى مباشرته على مسوِّغ شرعي، وهو شهادة الشهود، ولا يمكنه أن يتخلص من هذه الشهادة الموجبة للقتل، وهذا السبب هو الذي أقر على نفسه بالجناية، فيكون الضمان على المتسبب، فهاتان حالتان.
والحال الثالثة: إذا كان المباشر لا يمكن تضمينه؛ لعدم تكليفه، فالضمان يكون على المتسبب، كمن أمر غير مكلف بالقتل، فالضمان على الآمر؛ لأنه هو السبب، وهنا المباشر غير مكلف فلا يمكن تضمينه؛ لأنه لا قصد له، ولولا أمر هذا الإنسان ما قتل.
فهذه ثلاث مسائل، وإن كانت المسألة الأولى والأخيرة داخلاً بعضها في بعض؛ لأن كلاًّ من المسألتين يقال فيها: لا يمكن إحالة الضمان على المباشر، إلاَّ أن الفرق بينهما هو أنَّ عدم إحالة الضمان على المباشر في المسألة الأخيرة، لا لقصور فيه، ولكن لأنه مبنيٌّ على سبب أقوى، بخلاف الأولى فإن المباشر فيها ـ وهو السبُع ـ لا يمكن تضمينه بحال من الأحوال، لكن غير المكلف، كالصبي، والمجنون يمكن تضمينهما؛ لأن عمدهما خطأ، لكن لما كان السبب قوياً مؤثراً في قصدهما صار العمل بالسبب.
والخلاصة أن القاعدة في موجب الدية، إما مباشرة أو سبب، وهذه القاعدة يتفرع عليها المسائل التالية:
الأولى: أن يجتمع مباشران، فعليهما الدية.
الثانية: أن يجتمع متسببان فعليهما الدية.
الثالثة: أن يجتمع متسبب ومباشر، فالضمان على المباشر، إلا في ثلاث مسائل:
الأولى: أن لا يمكن إحالة الضمان على المباشر بأي حال من الأحوال، بأن كان المباشر غير أهل للتضمين كالمثال الأول.
الثانية: إذا كانت المباشرة مبنية على سبب يسوغ شرعاً العمل به، كالمثال الثاني.
الثالثة: إذا كانت المباشرة مبنية على السبب، وكان لهذا السبب تأثير قوي فيها، مع عدم صحة القصد منها، كالمثال الثالث.
فإن كان الذي قتل كالآلة، بأن أخذه إنسان وضرب به إنساناً آخر فمات، فالضمان على الإنسان الذي جعله كالآلة؛ لأن هذا الذي أُخِذ وضرب به الآخر حتى مات كالآلة، فكأنه عصا ليس له أي اختيار، وسبق لنا أنه لو أكره إنساناً على القتل فالضمان عليهما، على المذهب، وقيل: على المكرَه، وقيل: على المكرِه.

فَإِنْ كَانَتْ عَمْداً مَحْضاً فَفِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً. وَشِبْهُ العَمْدِ وَالخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وإِنْ غَصَبَ حُرّاً صَغِيراً فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، أَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ، أَوْ غَلَّ حُرّاً مُكَلَّفاً وَقَيَّدَهُ، فَمَاتَ بالصَّاعِقَةِ، أَوِ الْحَيَّةِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ.
قوله: «فإن كانت» أي: الجناية.
قوله: «عمداً» خرج به الخطأ.
قوله: «محضاً» خرج به شبه العمد؛ لأن شبه العمد، وإن كان عمداً إلا أن صاحبه لا يقصد القتل؛ لأنه جنى بما لا يقتل غالباً.
ومراد المؤلف عمداً محضاً وعدواناً؛ لأن ما كان بحق فإنه لا قصاص فيه ولا دية.
قوله: «ففي مال الجاني» أي: أن الدية في مال الجاني.
قوله: «حالة» أي: غير مؤجلة، فتخالف دية شبه العمد والخطأ بأنها حالة في مال الجاني، فالعاقلة لا يجب عليها حمل شيء منها.
مثاله: رجل قتل إنساناً عمداً محضاً، واختار أولياء المقتول الدية، فوجبت الدية، فالذي يقوم بدفع الدية هو الجاني، ولا يلزم عاقلته أن يؤدوا عنه، فإن تبرعوا بالأداء عنه جاز ولا مانع.
وقوله: «حالة» باعتبار وضعها، فإذا كان القاتل فقيراً فإنها تبقى في ذمته حتى يوسر الله عليه، كسائر ديونه.
وفي هذه الحال هل يجوز أن ندفع عنه من الزكاة؟
الجواب: نعم؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: {{وَالْغَارِمِينَ}} وهو غارم، ولكن يجب أن يتوب إلى الله مما صنع، فإذا علمنا توبته فإننا نقضي دينه من الزكاة.
قوله: «وشبه العمد والخطأ» بالرفع، ويجوز أن نقول: «شبهِ» بالكسر بناءً على أن المضاف حُذف، وأن التقدير «ودية شبه العمد»، ولكنَّ المشهور أنه إذا حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه، كما قال ابن مالك:
وما يَلِي المضافَ يأتي خَلَفا
عنه في الإعراب إذ ما حُذِفا
وربَّما جَرُّوا الذي أبْقَوْا كما
لو كان قَبلَ حَذْفِ ما تقدَّما
قوله: «على عاقلته» «العاقلة» اسم فاعل من العقل، والعقل الدية، وسُميت عقلاً؛ لأنه جرت العادة أن الإبل المؤداة يؤتى بها إلى مكان أولياء المقتول، وتُناخ وتعقل بعُقلها، ولهذا تسمى الدية عقلاً، والمؤدون لها يسمون عاقلة.
والدليل على أن دية شبه العمد والخطأ على العاقلة ما ثبت في الصحيحين «في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ديتها على العاقلة»[(35)]، أي: عاقلة القاتلة، فهذا دليل أثري.
وأما الدليل النظري: فهو أنه لمَّا كان الخطأ بغير قصد من الفاعل، كان من المناسب أن يخفَّف عنه في أداء الدية، وهو يتحمل الكفَّارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ لأن الكفارة حق لله تعالى، فهي عبادة يُلزم بها المكلف، وأما الدية فهي عبارة عن غرم كغرامة الأموال، فخفِّف عن هذا القاتل الذي لم يقصد القتل بأن حُمِّلته العاقلة، وهذا ـ والله أعلم ـ هو سرُّ تعبير القرآن حيث قال تعالى: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}} [النساء: 92] ولم يقل: «يسلِّمها» بل قال: {{مُسَلَّمَةٌ}} بالبناء للمفعول؛ لأن الذي سيسلم هذه الدية هم العاقلة.
قوله: «وإن غصب حراً» هذا من باب التسامح والتساهل في العبارة؛ لأن الحر لا يغصب، حيث إن اليد لا تثبت عليه، ولا تثبت اليد إلاَّ على الأموال، والحر ليس بمالٍ، حتى لو غصب وباعه الغاصب، فلا يصح البيع، لكن العبد يغصب؛ لأنه مال، لكن المؤلف يريد أنه إذا قهر حراً.
قوله: «صغيراً» أي: لم يبلغ، ومثله المجنون؛ لأن كلاً منهما ليس له قصد، ولا يتمكن من الامتناع.
قوله: «فنهشته حية» يعني إذا أكره الحرَّ الصغيرَ، وجاء به إلى بيته، واستخدمه كرهاً، فنهشته في البيت حية، فعليه ديته؛ لعدوانه عليه بإكراهه على أن يبقى في هذا المكان.
أمَّا لو كانت الحية أمامه فالأمر ظاهر، لكن لو لم تكن أمامه، بأن جاءت من خارج البيت، ونهشت هذا الصبي، فمات فإنه يضمن؛ لأنه معتدٍ بقهره واستيلائه عليه، ولولا أنه قهر هذا الصبي، أو هذا المجنون، حتى كان في هذا المكان لما أصيب بهذه الحية.
قوله: «أو أصابته صاعقة» كذلك لو أصابته صاعقة، قال الجوهري: هي نار تنزل من السماء فيها رعدٌ شديد.
والآن العلم الحديث يشهد لذلك، فإن الصاعقة عبارة عن كتلة كهربائية شديدة الحرارة، تنزل على هذا المكان، وتحرقه في لحظة، حتى أني قرأت في بعض المجلات أن الطاقة في الصاعقة الواحدة، لو تجتمع جميع مولدات الأرض كلها بأعلى طاقاتها ما ساوت هذه الصاعقة التي يخلقها الله بلحظة.
وهذه الصاعقة كان الناس يقولون: إنها حديدة تنزل من السماء، ويقولون: نحن شاهدنا ذلك، ولكن هذا ليس بصحيح، وإنما هي نار محرقة؛ ولهذا أحياناً تسقط على الأشجار فتشتعل ناراً، وتسقط على الحيوان، ويشاهد فيه لسعات من هذه النار، ولكن يظهر لي ـ والله أعلم، إن صح ما نُقل من أنهم وجدوا حديداً ـ أنها لمَّا ضربت الأرض انصهر الحديد واجتمع وأخرجُوه، وليست الصاعقة هي البرق، بل إنها تنزل مع البرق، وقد يكون برقٌ بلا صاعقة.
فهذا الطفل لمَّا غصبه الرجل، وأكرهه على الجلوس في بيته أنزل الله عليه صاعقة، وأهلكته، فالضمان على هذا القاهِر الذي أكرهه على الجلوس في بيته، ولا يقول: هذا هلك بفعل الله بآفة سماوية، ليس لي فيها دخل! بل نقول له: أنت اعتديت على هذا وحبسته في هذا المكان.
قوله: «أو مات بمرض» أي: الصغير الذي حبسه هذا الإنسان لو مرض ومات فإنه يضمنه، وهذا إذا كان عبداً فظاهر أنه يضمنه؛ لأنه غاصب، وضمان العبيد ضمان مالٍ يضمنه الغاصب بكل حال، لكنه حر، فإذا مات بمرض فإنَّه يضمنه، مع أنهم يقولون: إن اليد لا تستولي على الحر، ولا ضمان له، ولهذا قيده بعض أهل العلم بأن المراد مات بمرض يختص بتلك البقعة، وهذا صحيح، أما لو مات موتاً عادياً بغير سبب يختص بهذه البقعة، فلا وجه لضمانه؛ لأن اليد لا تثبت عليه، لكن إذا مات بمرض يختص بتلك البقعة، مثل لو قهره وذهب به إلى أرض وَبِيئة، فمرض ومات، فلا شك أنه هو السبب في جلبه إلى هذه الأرض التي مات فيها بسبب الوباء.
وعلى هذا فإطلاق كلام المؤلف مرجوح، والصواب إذا مات بمرض يختص بتلك البقعة؛ لأنه هو السبب في مجيئه لهذه البقعة الموبوءة، وهذا إذا كان حراً، أما إن كان عبداً فإنه يضمنه مطلقاً؛ لأن ضمان العبد ضمان أموال، فإذا استولى عليه ضمن منافعه، وضمن نقصه إن نقص بمرض، وضمن كل آفة تحدث عليه؛ لأن استيلاءه عليه محرم.
فإن شككنا في سبب موت الحر، هل مات بسبب كونه في هذه البقعة، أو بسبب آخر خارجي؟ فالأصل عدم الضمان.
قوله: «أو غلَّ حراً مكلفاً وقيده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت الدية» الصغير تقدم أنه بمجرد قهره وحبسه يضمنه إذا مات بالحية، أو بالصاعقة، أو بمرض يختص بالبقعة، أمَّا المكلَّف فذكر أنه لا بدَّ من أمرين: الأول: أن يغلّه، الثاني: أن يقيده.
فالغل في اليد، والقيد في الرِّجل، فإذا أخذ حراً وغلَّه وقيَّده وحبسه، ثم جاءت حية ونهشته فإنه يضمنه، وكذلك إذا أصابته صاعقة فإنه يضمنه؛ لأن سبب الموت اختص بهذه البقعة، فإن مات بمرض فظاهر كلام المؤلف أنه لا ضمان؛ لأنه قال: «فمات بالصاعقة أو الحية» ولكن الصحيح أنه إن مات بمرض يختص بتلك البقعة فإنه يضمنه؛ لأنه لا فرق بين الصغير وبين المكلف الذي غلَّه وقيده؛ لأنه إذا غلَّه وقيده فإنه لا يستطيع أن يتخلص، ولا أن يدافع عن نفسه، فكان حكمه حكم الصغير.
وهذه الأمثلة في مسألة الصغير، أو المكلف هي من باب السبب، لا من باب المباشرة.


[35] سبق تخريجه ص(5).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الديات, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لعبة الحياة ريهام الصياد المنتدى العام 1 24 شوال 1430هـ/13-10-2009م 11:53 AM


الساعة الآن 02:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir