دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 11:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الحقيقة

مسألة: الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ له ابتداء، وَهِيَ لُغَوِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ، وَوَقَعَ الْأُولَيَانِ، وَنَفَى قَوْمٌ إمْكَانَ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقَاضِي وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وُقُوعَهَا، وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَتْ مُطْلَقًا، وَقَوْمٌ إلَّا الْإِيمَانَ، وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ , وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَالْإِمَامَيْنِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وُقُوعُ الْفَرْعِيَّةِ لَا الدِّينِيَّةِ، وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَا لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


الثاني عشر: قلتم في حد الحقيقة: (ابتداء) مكان (أول)، ما السر فيه؟
. . .
تعريف الحقيقة:
وأما تبديلنا في تعريف الحقيقة لفظ الأول (بالابتداء) فلاختلاف العلماء في الأول هل من شرطه أن يكون له ثان؟ وليس كذلك لفظ المبتدأ: فلو قلنا فيما وضع له أولاً لأوهم عند من يرى أن الأول ما له ثانٍ، أن الحقيقة تستلزم المجاز ولا قائل بذلك.
وإنما الخلاف في العكس وهو استلزام المجاز للحقيقة فكان لفظ الابتداء أحسن.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً فَخَرَجَ عَنْهَا اللَّفْظُ الْمُهْمَلُ، وَمَا وُضِعَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ، وَالْغَلَطُ كَقَوْلِك خُذْ هَذَا الْفَرَسَ مُشِيرًا إلَى حِمَارٍ، وَالْمَجَازُ (وَهِيَ لُغَوِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ بِاصْطِلَاحٍ، أَوْ تَوْقِيفٍ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ (وَعُرْفِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا أَهْلُ. الْعُرْفِ الْعَامِّ كَالدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالْحِمَارِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ الْخَاصُّ كَالْفَاعِلِ لِلِاسْمِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النُّحَاةِ (وَشَرْعِيَّةٌ) بِأَنْ وَضَعَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ (وَوَقَعَ الْأُولَيَانِ)، أَيْ: اللُّغَوِيَّةُ، وَالْعُرْفِيَّةُ بِقِسْمَيْهَا جَزْمًا وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ الْأُولَتَانِ بالفوقانية مُثَنَّى الْأَوَّلَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَالْكَثِيرُ الْأُولَى كَمَا ذَكَره النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فَمُثَنَّاهُ الْأُولَيَانِ بالتحتانية مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ (وَنَفَى قَوْمٌ إمْكَانَ الشَّرْعِيَّةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى مُنَاسَبَةً مَانِعَةً مِنْ نَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ. (وَ) نَفَى (الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وُقُوعَهَا) قَالَا وَلَفْظُ الصَّلَاةِ مَثَلًا مُسْتَعْمَلٌ فِي الشَّرْعِ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَيْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لَكِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ أُمُورًا كَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ (وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَتْ مُطْلَقًا وَقَوْمٌ) وَقَعَتْ (إلَّا الْإِيمَانَ) فَإِنَّهُ فِي الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَيْ: تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ التَّلَفُّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ الْقَادِرِ كَمَا سَيَأْتِي (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) فِي وُقُوعِهَا (, وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَالْإِمَامَيْنِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيُّ (وَابْنُ الْحَاجِبِ وُقُوعُ الْفَرْعِيَّةِ) كَالصَّلَاةِ (لَا الدِّينِيَّةِ) كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ (وَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ) الَّذِي هُوَ مُسَمَّى مَا صَدَقَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ (مَا)، أَيْ: شَيْءٌ (لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ) كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاةِ (وَقَدْ يُطْلَقُ)، أَيْ: الشَّرْعِيُّ (عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَالْمُبَاحِ)، وَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ مِنْ النَّوَافِلِ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، أَيْ: تُنْدَبُ كَالْعِيدَيْنِ.
وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمِهِ لَمْ تَصِحَّ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِوَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بَدَلُ الْمُبَاحِ الْوَاجِبُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا يُقَالُ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّيْءَ، أَيْ: أَبَاحَهُ وَشَرَعَهُ، أَيْ: طَلَبه وُجُوبًا، أَوْ نَدْبًا وَلَا يَخْفَى مُجَامَعَةُ الْأُولَى لِكُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: الحقيقةُ: لفظٌ مُسْتَعْمَلٌ فيما وُضِعَ له ابتداءٌ.
ش: قولُه: (لَفْظٌ) جِنْسٌ يَشْمَلُ الحقيقةَ والمجازَ والمُسْتَعْمَلَ والمُهْمَلَ، خَرَجَ بـ (المُسْتَعْمَلِ): المُهْمَلِ، واللفظُ قبلُ الاستعمالِ.
وقولُه: (فيمَا وُضِعَ له) إمَّا أنْ يكونَ من تمامِ الفَصْلِ، لإخراجِ ما ذَكَرْنَا، وإمَّا أنْ يكونَ فَصْلاً برأَسِه؛ ليَخْرُجَ اللفظُ المُسْتَعْمَلَ فيما لم يُوضَعْ له، كالوَضْعِ الجديدِ، فإنَّ واضِعَ اللُّغَةِ لم يَضَعْه، والمُسْتَعْمَلُ في غيرِ ما وُضِعَ له غَلَطاً، والمَجَازُ الخَالِي عن الوَضِعِ.
وقولُه: (ابتداءً) خَرَجَ المجازُ بأنواعِه، فإنَّه وإنْ كانَ مَوْضوعاً فليسَ موضوعاً وَضْعاً أوليًّا، وإنَّما عَبَّرَ بالابتداءِ دُونَ الأوَّلِ، كما عَبَّرَ به ابنُ الحَاجِبِ، للخلافِ في أنَّ الأوَّلَ هل يَسْتَلْزِمُ ثانياً؟ وإنْ قلنا: يَسْتَلْزِمُه، لَزِمَ أنَّ الحقيقةَ تَسْتَلْزِمُ المجازَ، ولا قائلٌ بذلك وإنَّما اخْتَلَفُوا في عَكْسِه، وهو اسْتِلْزَامُ المجازِ الحقيقةَ، فلهذا أَتَى المُصَنِّفُ بما يُزِيلُ هذا الإيهامُ، ولم يَحْتَجْ أنْ يَقُولَ: في اصطلاحِ التَّخَاطُبِ، كما قالَ غيرُه ليَدْخُلَ الحقيقتَيْنِ: الشَّرْعِيَّةُ والعُرْفِيَّةُ، وإلاَّ فهما مُسْتَعْمَلانِ في وَضْعٍ ثانٍ يَصُدُقُ عليه أنَّه وُضِعَ ابتداءً، ولم يَرِدْ بالوَضْعِ الوَضْعُ الأصْلِيُّ وهو اللُّغَوِيُّ، ولو أَرَادَهُ لاحْتاجَ إلى هذا القَيْدِ لا مَحَالَةَ، بل أَرَادَ بالوَضْعِ المُبْتَدَأِ بما يَكُونَ أولاً بالنِّسْبَةِ إلى الاصطلاحِ الذي يَقَعُ به التَّخَاطُبُ، لا مَا يَكُونُ أولاً باختيارِ اللُّغَةِ، فإنَّ الوَضْعَ الأوَّلَ أَعَمٌّ من الوَضِعِ باعتبارِ اللُّغَةِ، فلهذا اسْتُغْنِيَ عن قَيْدِ التَّخَاطُبِ، وقد ضَايَقَ الأَصْفَهَانِيُّ شَارِحَ (المحصولِ) في قيدِ الأَوَلِيَّةِ، وقالَ: إنَّه غيرُ محتاجٍ إليه، فإنَّه إنَّما احْتَرَزَ به عن المجازِ، ولا حاجَةَ إلى الاحترازِ فإنَّ لَفْظَةَ الوَضْعِ تُخْرِجُهُ؛ لأنَّ المجازَ إنْ قُلْنَا: إنَّه غيرُ موضوعٍ، فذاكَ، وإنْ قلنَا: موضوعٌ، فهو غيرُ الوَضْعِ المُعْتَبَرِ في الحقيقةِ، وهو استعمالُ العُرْفِ ذلك النَّوْعُ، لا استعمالَ آحادِ النَّوْعِ بخلافِ الوَضْعِ في الحقيقةِ، وزَادَ صاحبُ (المِنْهَاجِ) (مِن غيرِ تَأْويلٍ في الوَضْعِ) ليَحْتَرِزَ به عن الاستعارَةِ، فإنَّها مُسْتَعْلَمَةٌ فيما وُضِعَتْ له ولَيْسَتْ بحقيقةٍ، لسَدِّهِ دَعْوَى المُسْتَعَارِ مَوْضُوعاً للمُسْتَعَارِ له على ضَرْبٍ من التأويلِ.
ص: (وهي لُغَوِيَّةٌ، وعُرْفِيَّةٌ، وشَرْعِيَّةٌ).
ش: لأنَّ الحقيقةَ لا بُدَّ لها من وَضْعٍ، والوَضْعُ لا بُدَّ له من وَاضِعٍ، فوَاضِعُها إنْ كانَ وَاضِعُ اللُّغَةِ، فلُغَوِيَّةٌ كالأسدِ للحيوانِ المُفْتَرِسِ، أو الشَّرِعِ، فشَرْعِيَّةٌ، كالصَّلاةِ للعِبَادَةِ المَخْصُوصَةِ، أو العُرْفِ المُتَعَيَّنِ أو المُطْلَقِ، فعُرْفِيَّةٌ، فالعُرْفِيَّةُ المُطْلَقَةُ، كالدَّابَةِ لذواتِ الأَرْبَعِ، والخَاصِّ كاصطلاحِ النُّحَاةِ والأصوليِّينَ.
ووجْهُ الحَصْرِ أنَّ اللفظَ إنْ كانَ مَوْضُوعاً في أصْلِ اللُّغَةِ لمعنًى واسْتَمَرَّ من غيرِ طُرُوءِ نَاسِخٍ عليه، فهو الحقيقةُ اللُّغَوِيَّةُ، وإنْ طَرَأَ عليه نَاسِخٌ نَقَلَهُ إلى اصْطِلاحٍ آخَرَ، فإنْ كانَ النَّاقِلُ الشَّرْعَ، فهي الشَّرْعِيَّةُ، أو العُرْفَ، فهي العُرْفِيَّةُ، فثَبَتَ أنَّ اللُّغَوِيَّةَ أَصْلُ الكُلِّ.
وقد مَنَعَ الأَصْفَهَانِيُّ إِدْخَالَ الثلاثَةِ في حدٍّ واحدٍ من جِهَةِ اختلافِ معنَى الوَضْعِ فيها، فإنَّ الوَضْعَ في اللُّغَوِيَّةِ بمعنَى الاصطلاحِ، وهو تَعْلِيقُ لفظٍ بمعنًى.
وأمَّا في الشرعيَّةِ والعرْفيَّةِ، فليسَ بهذا المعنَى، إذ لم يُنْقَلْ عن الشَّرْعِ لَفْظُ الصلاةِ بإزاءِ معنَاها الشرْعِيِّ، بل غَلَبَ اسْتِعْمَالُه لها بإزاءِ المعنَى الشرعيِّ، بحيثُ صَارَتِ الحقيقةُ اللغويَّةُ مَهْجُورَةً، وكذلك العرفيَّةُ إنَّما اشْتَهَرَتْ بكَثْرَةِ الاستعمالِ دونَ الوَضْعِ، قالَ: وحينَئذٍ إنْ خَصَّصْنا لَفْظَ الوَضْعِ في الحدِّ بالاصطلاحِ، خَرَجَتِ الشرعيَّةُ والعرْفيَّةُ، وإنْ لم نَخُصُّه، لَزِمَ الاشتراكُ، وهو ما تُصَانُ الحدودُ عنه، قالَ: فيَجِبُ أنْ تُحَدَّ لهما حدًّا غيرَ حدِّ اللغويَّةِ، بأنْ يُقالَ: المُسْتَعْمَلُ فيما يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُه، ولكَ أنْ تقولَ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الشَارِعَ اسْتِعْمَلَ ولم يَضَعْ، فإنَّ الوَضْعَ: تَعْلِيقُ لفظٍ بمعنًى، وذلك مُتَناولٌ لها، إلاَّ أنَّ سببَ نَقْلِه إلى المعنَى في اللُّغَةِ إعلامِه بالوَضْعِ والاصْطِلاحِ، وفي الشَّرْعِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِه، كَثْرَةٌ تَقُومُ مَقامَ الوَضْعِ ابتداءً.
ص: (ووَقَعَ الأَوْلَيانِ، ونَفَى قَوْمٌ إمكانُ الشَّرْعِيَّةِ، والقَاضِي وابنُ القُشَيِّرِ=: وقوعُها، وقالَ قومٌ: وَقَعَتْ مُطْلَقاً، وقومٌ: إلاَّ الإيمانَ، وتَوَقَّفَ الآمِدِيُّ، والمُخْتَارُ وِفَاقاً لأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، والإمامَيْنِ، وابنُ الحاجِبِ ـ وقوعُ الفَرْعِيَّةِ لا الدِّينِيَّةِ).
ش: لا خلافَ في وقوعِ اللغويَّةِ والعرفيَّةِ، وأمَّا الشرعيَّةِ ففي (المحصولِ): اتَّفَقُوا على إمكانِها؛ يعني: أنَّ الاسمَ اللُّغَوِيَّ يَجُوزُ أنْ يَنْقُلُه الشَّرْعُ إلى معنًى آخَرَ، فيَصِيرُ اللَّفْظُ في ذلك المعنَى حقيقةً شرعيَّةً، لكن في شَرْحِه للأصْفَهَانِيِّ عن شَرْحِ المُعْتَمَدِ لأَبِي الحُسَيْنِ عن قومٍ أنَّهم مَنَعُوا إمْكانِها، وعليه اعْتَمَدَ المُصَنِّفُ.
لكنِ الذي رَأَيْتُه في (المُعْتَمَدِ) لأَبِي الحُسَيْنِ لَمَّا حَكَى عن قومٍ من المُرْجِئَةِ أنَّهم نَفُوا الحقائقَ الشرعيَّةَ؛ أي: وقوعَها، قالَ: وبعضُ عِلَلِهم تَدُلُّ على أنَّهم أَحَالُوا ذلكَ، هذا لَفْظُه، وحينَئذٍ فلم يُصِرِّحُوا به، نَعَمْ.
قالَ بعضُهم: مَن يَقُولُ بأنَّ دلالَةَ الألفاظِ طَبِيعِيَّةٌ، لا يقولُ بالجوازِ هنا؛ لأنَّ الاسمَ عندَه واجبٌ للمُسَمَّى، وأمَّا وقوعُها ففيه مذاهبَ:
أحدُها: إنْكَارُه مُطْلَقاً، وهو قولُ القاضِي أَبِي بَكْرٍ، وابنِ القُشَيِّرِيِّ وغيرِهما، ونَقَلَه المَاوَرْدِيُّ في (الحاوِي) عن الجُمْهُورِ، وزَعَمُوا أنَّ لَفْظَ الصلاةِ والصومِ وغيرِهما في الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلٌ في المعنَى اللُّغَوِيِّ، وهو الدُّعاءُ والإمْساكُ، لم يُنْقَلْ أصْلاً، وأنَّها بَاقِيَةُ على أوضاعِها، لكنَّ الشارِعَ شَرَطَ في الاعتدادِ بها أُمُوراً أُخْرَى، نحوَ: الركوعِ، والسجودِ، والكفِّ عن الجِمَاعِ، والنِّيَّةِ، فهو مُتَصَرِّفٌ بوَضْعِ الشَّرْطِ لا بتَغْييرِ الوَضْعِ.
والثاني: إثباتًُها مُطْلَقاً، وهو قولُ المُعْتَزِلَةِ، وقالُوا: نَقَلَ الشارعُ هذه الألفاظَ من الصلاةِ والصومِ وغيرِهما من مُسَمِّيَاتِها اللُّغَوِيَّةِ، وابتداءُ= وَضْعِها لهذه المعانِي الشَّرْعِيَّة من غيرِ مُرَاعَاةِ النَّقْلِ إلى المجازِ اللغويِّ، فلَيْسَتْ حقائقٌ لُغَوِيَّةٌ ولا مَجازاتٌ عنها، وكذلك قالُوا: الإيمانُ لُغَةً: التصديقُ، ونَقَلَه الشَّرْعُ إلى العِبَاداتِ من غيرِ مُنَاسَبَةٍ، ولهذا قالَ ابنُ الحَاجِبِ، وأَثْبَتَ المُعْتَزِلَةُ الدِّينِيَّةِ أيضاً، فدَلَّ على أنَّهم يَثْبُتُونَ شَرْعِيَّةً غيرَ دِينَيِّةٍ، وقَصْدِهم من هذا أنَّ مُرْتَكِبَ الكبيرَةِ ليسَ مُؤْمِناً ولا كَافِراً.
والثالثُ: التَّفْصِيلُ بينَ الإيمانِ وغيرِه، وهو الذي اخْتارَهُ الشيخُ أَبُو إسحاقَ في (شَرْحِ اللُمَعِ) أنَّ الإيمانَ مَبْقِيٌّ على مَوْضوعِه في اللُّغَةِ، وأنَّ الألفاظَ التي ذَكَرْنَاها من الصلاةِ والصيامِ والحجِّ وغيرِ ذلك، منقولَةٌ.
قالَ: وليسَ من ضرورةِ النَّقْلِ أنْ يَكُونَ في جميعِ الألفاظِ، وإنَّما يكونُ على حَسَبِ ما يَقُومُ عليه الدليلُ.
والرابعُ: الوَقْفُ، وإليه مِيلَ الآمِدِيُّ. والمختارُ عندَ المُصَنِّفِ ـ وِفَاقاً لِمَنْ ذَكَرَه ـ الوقوعُ في فُرُوعِ الشريعَةِ فقطْ كالصومِ والصلاةِ، دونَ أُصُولِه كالإيمانِ، والمُرادِ بـ (الدِّينِيَّةِ) كما قاله في (المُسْتَصْفَى): ما نَقَلَه الشَّرْعُ إلى أَصْلِ الدِّينِ كالإيمانِ والكُفْرِ والفِسْقِ.
ثمَّ في كلامِ المُصَنِّفِ أَمْرَانٍ:
أحدُهما: أنَّ هذا الذي اخْتَارَهُ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلى أنَّه عينُ قولِه: (وقَومٌ إلاَّ الإيمانَ) فما الفارقُ بينَهما؟ وإنَّما يَظْهَرُ التَّغَايُرُ بينَهما بالتقريرِ الذي سنَذْكُرُه في مَذَهْبِ الإمامَيْنِ، والقائلُ الأوَّلُ يقولُ: إنَّ الشرعَ أَبْقَى الإيمانَ على موضوعِه اللُّغَوِيُّ، ونَقَلَ ما عَدَاهُ من الفروعِ نَقْلاً كُلِّيًّا إلا على مُلاحَظَةِ أُسْلُوبِ اللُّغَةِ بوَجْهٍ، وحِكَايَتُه هكذا تُؤْخَذُ من نَقْلِ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ من كتابِ (تَعْظِيمِ قَدْرِ الصلاةِ)، عن أَبِي عُبَيْدٍ، وتصيرُ المذاهبُ خَمْسَةً.
الثاني: ما أَطْلَقَه في نَقْلِ مذهبِ الإمامَيْنِ، فيه نَظَرٌ، أمَّا إمامُ الحرمَيْنِ فإنَّه قالَ: ثَبَتَ منها نوعانٍ:
أحدُهما: قَصْرُ التَّسْمِيَةِ على بعضِ مُسَمِيَاتِها، فإنَّ الصلاةَ لُغَةً: الدُّعاءُ، وقَصَرَهُ الشَّرْعُ على دُعاءٍ مَخْصُوصٍ.
والثاني: التَّجَوُّزُ، كإطلاقِها على الأفعالِ من السجودِ ونحوِه مجازاً من الدُّعاءِ؛ لأنَّ الدَّاعِيَ خَاضِعٌ وكذا السَّاجِدُ، قالَ: فالمُثْبَتُ للنَّقْلِ إنْ أَرَادَ القَصْرَ النَّحْوِيُّ فلا معنَى لإنْكَارِه، وإنْ أَرَادَ غيرَه فبَاطِلٌ، هذا كلامُه، ولم يُفَصِّلْ بينَ شَرْعِيَّةٍ ولا أَصْلِه.
وأمَّا الإمَامُ الرَّازِيُّ فإنَّه اخْتَارَ أنَّ الشَّرْعَ لم يَنْقُلْهَا عن معناها اللُّغَوِيِّ، لكنَّه لم يَسْتَعْمِلْها في حَقِيقَتِها اللُّغَوِيَّةُ، وإلاَّ تَبَادَرَ الذِّهْنُ إليها بل في مَجَازِهَا اللُّغَوِيُّ، فإنَّ العَرَبَ تَكَلَّمُوا بالمَجَازِ كما تَكَلَّمُوا بالحقيقةِ، ومن مجازِهِمْ تَسْمِيَةُ الشيءِ باسمِ أَجْزَائِه، والصلاةُ كذلِكَ، فإنَّ الدُّعاءَ جُزْؤُها، فكَأَنَّ الإمامَ يَقولُ: إنَّها مُفَسِّرَةٌ على مَجَازِها اللُّغَوِيُّ، كما أنَّ القَاضِي يَقُولُ: إنَّها مُفَسِّرَةٌ على حَقَيقَتِها اللُّغَوِيَّةُ، واشْتَرَكَ المَذْهَبَانِ في إذا لم يَخْرُجْ بها عن أسْلُوبِ العَرَبِ، ولم يَفْصِلْ الإمامُ بينَ فَرْعِيَّةٍ ولا دِينِيَّةٍ أيضاً، بل صَرَّحَ بالتَّسْوِيَّةِ في عبارتِه، قُلْنَا: لم لا يَكْفِي فيها المجازُ؟ وهو تَخْصِيصُه الألفاظُ المُطْلَقَةُ ببَعْضِ مَوارِدُها، فإنَّ الإيمانَ والصلاةَ والصومَ، كانَتْ مَوضوعَةٌ لمُطْلَقُ التَّصْدِيقِ والدُّعاءِ والإمْساكِ، ثم خَصَّتْ في الشَّرْعِ بتَصْدِيقٍ مُعَيَّنٍ ودُعَاءٍ مُعَيَّنٍ وإمْسَاكٍ مُعَيَّنٍ إلى آخِرِه، والفَرْقُ بينَ مَذْهَبِه ومَذْهَبِ إمامُ الحرمَيْنِ، أنَّ إمامَ الحرمَيْنِ يقولُ: إنَّ الشَّرْعَ غيرُ وَضْعِ اللغةِ على الهَيْئَةِ السَّابِقَةِ، والإمامُ الرَّازِيُّ يقولُ بعَدَمِ التَّغْييرِ، وإنْ لم يَخْرُجْ عن طَرِيقِهم، وكلامُه في الأدلَّةِ غيرُ مُصَرَّحٍ بذلك، لكنَّه قريبٌ في المعنَى منه، هذا تحريرُ النَّقْلِ عن الإمامَيْنِ، فاجْتَنِبْ ما وَقَعَ للنَّاقِلِينَ عنهما.
وقالَ الأَصْفَهَانِيُّ بعدَ حِكَايَتِه المَذَهبَيْنِ الأولَيْنِ: والثالثُ: اخْتِيارُ المُصَنِّفُ وإمامُ الحرمَيْنِ، أنَّه مَنْقُولٌ شَرْعاً لكنْ إلى مَعَانٍ هي مجازاتٌ لُغَوِيَّةٌ، يعنِي مِن بابِ التَّعْبِيرِ بالجُزْءِ عن الكُلِّ في الصلاةِ؛ لأنَّ الصلاةَ جُزْؤُهَا الدُّعَاءُ، قالَ: وهو يُخَالِفُ القَولَيْنِ الأولَيْنِ.
أمَّا مذهبُ القَاضِي؛ فلأنَّه يَقُولُ: ما نَقَلَتْ أَصْلاً.
وأمَّا مذهبُ المُعْتَزِلَةِ؛ فلأنَّهم لم يَشْتَرِطُوا في النَّقْلِ كونُ المَنْقُولِ إليه مَجَازاً لُغَوِيًّا، والحاصلُ أنَّ الألفاظَ المُتَدَاولِةُ شَرْعاً، وقد اسْتُعْمِلَتْ في غيرِ مَعَانِيها اللُّغَوِيَّةِ، هل هي بَاقِيَةٌ على أَوْضَاعِها اللُّغَوِيَّةِ، ولم تَنْقُلْ - وهو قولُ القاضِي - أو نَقَلَها إلى غيرِ مَعانِيها؟ والقائِلُونَ به اخْتَلَفُوا: فمِنْهم مَن قالَ: إلى مَجَازَتِها اللُّغَوِيَّةِ كما اختارَ الإمَامَانِ، ومنْهُم مَن قالَ: إلى غيرِ معانِيها على الإطلاقِ، وهو قولُ المُعْتَزِلَةِ، فتَحَصَّلَ أنَّ المُثْبِتِينَ للحقيقةِ الشَّرْعِيَّةِ، هُم المُعْتَزِلَةُ؛ لأنَّهم لم يَشْتَرِطُوا في النَّقْلِ المُنَاسَبَةَ.
وأمَّا الإمامانِ ومَن وَافَقَهُمَا، فاشْتَرَطُوا المُنَاسَبَةَ لمَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةُ، فتَكُونُ عندَهُم في انتفاءِ النَّقْلِ مجازاتٌ لُغَوِيَّةٌ بسبَبِ عَدَمِ اشْتِهَارِها، ثمَّ غَلَبَتْ في المعانِي الشرعيَّةِ لكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِها في الشَّرْعِ، فصَارَتْ حقيقةٌ عُرْفِيَّةٌ لهم.
وفائدةُ هذا أنَّا إذا وَجْدَنَاهَا في كلامِ الشارعِ مُجَرَّدَةً عن القَرِينَةِ مُحْتَمِلَةٍ للمعنَى اللُّغَوِيِّ والشَرْعِيِّ، فعلامُ تُحْمَلُ.
وأمَّا في استعمالِ حَمْلَةِ الشَّرْعِ فتُحْمَلُ على الشرعِيِّ بلا خلافٍ؛ لأنَّ الحقيقةَ اللغويَّةَ مهجورةٌ عندَهم، فلا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ عندَ اسْتِعْمَالِهم قَصْدَها الْبَتَّةَ، ويَنْبَغِي تَنْزِيلُ إطلاقِ المُصَنِّفِ على ما ذَكَرْنَا، وبهذا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ لكَ فََسَادُ ما وَقَعَ في الشَّرْحِ في هذه المسألَةِ.
ص: (ومعنَى الشرعِيِّ: ما لم يُسْتَفَدْ اسمُه إلاَّ من الشرْعِ، وقد يُطْلَقُ على المَنْدُوبِ والمُبَاحِ).
ش: الحقيقةُ الشرعيَّةُ هي: اللفْظَةُ التي اسْتُفِيدَ وَضْعُها لمعنًى من جِهَةِ الشَّرْعِ، فخَرَجَ بالقَيْدِ الأخيرِ: الحقائقُ اللُّغويَّةُ والعُرْفِيَّةُ، ودَخَلَ فيه المَنْقُولُ الشرعيُّ، وهو اللفْظُ الموضوعِ لمعنًى، ثمَّ نُقِلَ في الشَّرْعِ إلى معنًى ثانٍ لمُنَاسَبَةٍ بينَهُما، وغَلَبَ اسْتِعْمَالُه في الثاني، والمَوْضُوعاتِ المُبْتَدِأَةِ الشرعيِّةِ، وهي الألفاظُ التي وَضَعَها الشارِعُ للمَعَانِي الشرعيَّةِ من غيرِ اعتبارِ نَقْلٍ من اللُّغَةِ أو من غيرِ اعتبارِ المُنَاسَبَةِ، قالَ الصَّفِيُّ الهِنْدِيُّ: وأَقْسَامُها المُمْكِنَةُ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُها: أنْ يَكُونَ اللفظُ والمعنَى مَعْلُومَيْنِ عندَ أهلِ اللُّغَةِ، لكنَّهم لم يَضَعُوا ذلك الاسمَ بذلك المعنَى.
وثانيها: أنْ يكونَا مَجْهُولَيْنِ.
والثالثُ: أنْ يكونَ اللفظُ مَعْلُوماً لهم دونَ المعنَى.
ورابِعُها: عَكْسُه.
قالَ: والمَنْقُولَةُ الشرعيَّةُ، من هذه الأقسامِ إنَّما هي الأوَّلُ والثالثُ. قالَ: والأَشْبَة= وقوعُ هذه الأقسامِ كلِّها.
تَفْرِيعاً على القولِ بالحقَيقَةِ الشرعيَّةِ، وصَرَّحَ الأَصْفَهَانِيُّ بأنَّ النِّزَاعَ في الأقْسَامِ كُلِّها، وهو ظاهرٌ كلامُ (المحصولِ)، والتحقيقُ أنَّ هذا التفسيرَ الشرعيِّ وشمولَه لهذه الأقسامِ، إنَّما يَصِحُّ على مذهبِ المُعْتَزِلَةِ، وكذلك صَرَّحَ أَبُو الحُسَيْنِ في (المُعْتَمَدِ) بأنَّه ذَكَرَ هذا التفسيرُ، ثم قالَ: فيَدْخُلُ فيه كذا إلى آخَرِه.
أمَّا إذا قًُلْنَا بأنَّها مَجازاتٌ لُغَوِيَّةٌ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ ذلك اللفظُ والمعنَى من حيثُ هو مجازٌ لُغَوِيٌّ، فعَلَمَها أهلُ اللًُّغَةِ، لاسْتِحَالَةِ نَقْلِ الشَّرْعِ لَفْظَةً لُغَوِيَّةً إلى معنًى هو مجازً لُغَةً، ولا يَعْلَمُها أهلُ اللُّغَةِ، ولا يَخْفَى بعدَ هذا ما على المُصَنِّفِ في هذا التفسيرِ من التقديمِ إنْ كانَ حَقُّه تَقْدِيمَ هذا على ما قبلَه؛ لأنَّ التصديقَ مسبوقٌ بالتَّصَوُّرِ، وحيثُ ذَكَرَ الشَّرْعِيَّ فليَذْكُرُ الدِّينِيَّ، وقد سَبَقَ تَفْسِيرُه.
وقولُه: (يُطْلَقُ) هذا بالنَّسْبَةِ إلى عُرْفِ الفُقَهاءِ لا الأصُوليِّينِ، لكنْ قد يَتَوَقَّفُ في إطْلاقِه على المباحِ، ولهذا قالَ إمامُ الحرمَيْنِ في (الأساليبِ): الذي يَعْنِيهِ الفَقِيهُ بالشرعيِّ هو: الواجبُ والمندوبُ.
وقالَ النَّوَوِيُّ في صلاةِ الجَمَاعَةِ من (الرَّوْضَةِ) قولُهم: لا تُشْتَرَطُ الجَماعَةُ في النوافلِ المُطْلَقَةِ؛ أي: لا تُسْتَحَبُّ، فلو صَلاَّهَا جَماعَةٌ جَازَ، ولا يُقالُ: مَكْرُوهَةٌ.

  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: الحقيقة لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداء.
ش: لو صدر الحد بالقول لكن أولى، فإنه لا يتناول المهمل، فهو جنس أقرب.
وخرج بقوله: (مستعمل) المهمل، واللفظ قبل الاستعمال، فإنه لا يوصف بأنه حقيقة ولا مجاز.
وقوله (فيما وضع له) يحتمل، أن يكون من تمام الفصل، ويحتمل أن يكون فصلاً مستقلاً، لإخراج الوضع الجديد، فإنه ليس من وضع واضع اللغة، والأعلام، إن قلنا: إنها ليست حقيقة، والمستعمل في غير ما وضع له غلطاً.
وقوله: (ابتداء) أخرج المجاز، فإنه موضوع وضعاً ثانياً.
وإنما عدل عن قول ابن الحاجب (أولاً) للخلاف في أن الأول هل يستلزم ثانياً؟ فإن قلنا: يستلزمه، لزم أن الحقيقة تستلزم المجاز، ولا قائل به، إنما اختلفوا في عكسه.
ولم يقل المصنف (في اصطلاح التخاطب به) كما عبر به غيره، لإدخال الحقيقة الشرعية والعرفية، فإنهما باعتبار الوضع اللغوي مستعملان في وضع ثان، لأنه لم يقيد الوضع باللغوي، بل أطلقه فتناول الشرعي والعرفي، وهما مستعملان فيهما في وضع أول.
وقال الأصفهاني في(شرح المحصول)، لا يحتاج لقيد الأولية، لأنا وإن قلنا بوضع المجاز، فإن المراد به اعتبار العرب ذلك النوع، لا استعمال آحاد النوع، فهو غير الوضع المعتبر في الحقيقة.
ص: وهي لغوية وعرفية وشرعية ووقع الأوليان ونفى قوم إمكان الشرعية، والقاضي وابن القشيري، وقوعها، وقال قوم: وقعت مطلقاً، وقوم: إلا الإيمان، وتوقف الآمدي، والمختار وفاقاً لأبي إسحاق الشيرازي، والإمامين وابن الحاجب وقوع الفرعية لا الدينية ومعنى الشرعي ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع وقد يطلق على المندوب والمباح.
ش: الحقائق ثلاث: اللغوية، والعرفية، والشرعية، ودخل في العرفية العامة، وهي المنقولة، عن موضوعها الأصلي إلى غيره بالاستعمال العام، إما بتخصيص الاسم ببعض مسمياته كالدابة فإنها موضوعة في اللغة لكل ما يدب، فخصها العرف العام بذات الحافر، وإما باشتهار المجاز بحيث يستنكر معه استعمال الحقيقة كإضافة الحرمة إلى الخمر، وهي في الحقيقة مضافة إلى الشرب، فهذان قسمان ذكرهما في (المحصول).
والخاصة وهي التي نقلها عن موضوعها الأصلي قوم مخصوصون، كاصطلاح النحاة على الرفع والنصب والجر وغيرها من اصطلاح أصحاب العلوم. فأما الأوليان: وهما اللغوية والعرفية فهما واقعتان ـ قال الشارح: بلا خلاف ـ وهو مسلم في العرفية الخاصة، أما العرفية العامة فأنكرها قوم كالشرعية وفي الشرعية مذاهب.
أحدها: منع إمكانها، حكاه في (شرح المعتمد) لأبي الحسين عن قوم كذا في (شرح المحصول) للأصفهاني معترضاً به على قول (المحصول): اتفقوا على إمكانها، لكن قال الشارح: الذي رأيته في (المعتمد) لأبي الحسين لما حكي عن قوم من المرجئة نفي الحقيقة الشرعية، أي: وقوعها، قال: وبعض عللهم تدل على أنهم أحالوا ذلك.
قال الشارح: وحينئذ فلم يصرحوا به، نعم قال بعضهم: من يقول بأن دلالة اللفظ طبعية لا يقول بالجواز هنا، لأن الاسم عنده واجب للمسمى. انتهى.
الثاني: وهو قول القاضي أبي بكر وابن القشيري: نفي وقوعها والألفاظ المستعملة في الشرع لمعان لم تعهدها العرب باقية على مدلولها اللغوي، والأمور الزائدة على المعنى اللغوي بشروط معتبرة فيه، وحكاه الماوردي في (الحاوي) عن الجمهور.
الثالث، وهو قول المعتزلة: وقوعها مطلقاً، أي: أن الشارع ابتدأ وضع لفظ الصلاة والصوم وغيرهما للمعاني الشرعية من غير نقل لها من اللغة، فليست مجازات لغوية.
الرابع: وقوعها إلا الإيمان، فإنه باق على مدلوله اللغوي، قاله الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع).
الخامس: الوقف، وإليه ميل الآمدي.
السادس: الوقوع في فروع الشريعة كالصلاة والصوم دون أصولها، وهي المراد بالدينية، كالإيمان والكفر والفسق، واختاره المصنف، وفي نقله ذلك عن أبي إسحاق الشيرازي نظر، لأنه لم يستثن الدينية مطلقاً، بل الإيمان فقط، كما تقدم في (شرح اللمع) له، وعن الباقين نظر من وجهين.
أحدهما: أنهم لم يفرقوا بين الفروع والدينية.
والثاني: أن مقتضى كلامه أنهم أثبتوها في الفروع مطلقاً من غير أن يكون مجازات لغوية، كما تقول به المعتزلة على الإطلاق، وليس كذلك بل راعوا فيها الوضع اللغوي، وقالوا: إنها مجازات لغوية اشتهرت فصارت حقائق شرعية، فإطلاق لفظ الصلاة على ذات الأركان مجاز لغوي حقيقة شرعية، لا أنها مخترعة، بل سبق لها استعمال في اللغة مجازي.
ثم بين أن الحقيقة الشرعية هي التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع، هذه العبارة هي المحررة.
وأما قول المصنف: (ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع) فإن مقتضاه حصرها في ألفاظ ابتكرها الشرع لا يعرفها أهل اللغة، وليس كذلك، وقد ذكر الصفي الهندي أنها على أربعة أقسام.
أحدها: أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم كذلك للمعنى كـ (الرحمن).
الثاني: أن يكونا غير معلومين لهم أصلاً كأوائل السور عند من يجعلها أسماء لها وللقرآن.
الثالث: أن يكون اللفظ معلوماً لهم دون المعنى، كالصلاة والصوم ونحوهما.
والرابع: عكسه، ومثل له بالأب، فإن معناه معروف عند العرب، وهو العشب، لكنهم لا يعرفون هذا اللفظ.
كذا قيل، وفيه نظر، والأقسام الأربعة واقعة، كما قال الصفي الهندي: إنه الأشبه ولعل مراد المصنف بالاسم التسمية، أي: لم تعرف التسمية بها لهذا المعنى الخاص، إلا من الشرع وإن كان ذلك الاسم معهوداً في اللغة، وكان ينبغي تقديم تعريف الشرعية على ذكر حكمها، لأن الحكم على الشيء فرع تصوره.
ثم ذكر المصنف أن الاسم الشرعي لا يختص بالواجب، بل يطلق أيضاً على المندوب والمباح.
وقال الشارح: هذا بالنسبة إلى عرف الفقهاء لا الأصوليين، لكن قد يتوقف في إطلاقه على المباح، ولهذا قال إمام الحرمين في (الأساليب): الذي يعنيه الفقيه بالشرعي هو الواجب والمندوب.
وقال النووي في صلاة الجماعة من (الروضة): معنى قولهم: لا تشرع الجماعة في النوافل المطلقة: لا تستحب، فلو صلاها جماعة جاز، ولا يقال مكروه، انتهى.
قلت: الظاهر أن الخلاف في إثبات الحقيقة الشرعية يأتي في ألفاظ الأحكام الخمسة، وأن كلام إمام الحرمين والنووي في نفي الحكم وهو المشروعية، فلا يقال: شرع كذا وكذا، إلا في الواجب والمندوب فقط، وأما استعمال الشارع له لفظاً مبتكراً أو مجازاً لغوياً فليس كلامهما فيه والله أعلم.
تنبيه: قوله: الأوليان بضم الهمزة، وبالياء المثناة من تحت، تثنية أولى.
وإن قلت: الأولتان بفتح الهمزة، وتشديد الواو، وبالتاء المثناة من فوق، فهو تثنية أولة وهي لغة قليلة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحقيقة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir