دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الحقيقة والمجاز

الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ

651 اَلْأَوَّلُ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةْ = فِي الاِصْطِلاَحِ فِي الَّذِي تُوضَعُ لَهْ
652 وَغَيْرِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَلَى = وَجْهٍ يَصِحُّ وَإِرَادَةٍ جَلاَ
653 عَدَمَهَا فَهْوَ الْمَجَازُ الْمُفْرَدُ = فَالْزَمْ عَلاَقَةً وَكُلٌّ عَدَدُ
654 يُعْزَى لِعُرْفٍ وَلِشَرْعٍ وَلُغَةْ = وَالْعُرْفُ عَمَّ أَوْ فَخَصَّ مُبْلِغَهْ
655 كَدَابَةِ الْأَرْبَعِ وَالْإِنْسَانِ = وَالْفِعْلِ لِلَّفْظِ وَلِلْحِدْثَانِ
656 كَذَا الصَّلاَةِ لِلسُّجوُدِ وَالدُّعَا = وَأَسَدٍ لِسَبُعٍ وَالشُّجَعَا
657 وَمَنْ يَزِدْ "تَحْقِيقًا" اَوْ "تَأْوِيلاَ" = فِي الْحَدِّ زَادَ فِيهِمَا تَطْوِيلاَ
658 ثُمَّ الْمَجَازُ الْمُرْسَلُ الْعَلاَقَةُ = لاَ شَبَهٌ وَغَيْرُهُ اسْتِعَارَةُ
659 وَغَالِبًا تُطْلَقُ فِي اسْتِعْمَالِ سِمْ = مُشَبَّهٍ بِهِ لِمُشْبَهٍ رُسِمْ
660 فَالطَّرَفَانِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ لَهْ = وَالْمُسْتَعَارُ اللَّفْظُ ثُمَّ الْمُرْسَلَةْ
661 كَالْيَدِ فِي الْقُدْرَةِ وَالتَّسْمِيَةِ = بِالْجُزْءِ، أَوْ بِالْكُلِّ، أَوْ بِالْآلَةِ
662 أَوْ سَبَبٍ، مُسَبَّبٍ، حَالٍ، مَحَلْ = مُجَاوِرٍ، آلَ لَهُ، عَنْهُ انْتَقَلْ(*)
663 وَالاِسْتِعَارَةُ فَتَحْقِيقِيَّةُ = وَهْيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَثْبَتُوا
664 إِنْ حُقِّقَ الْمَعْنِيْ بِهَا فِي الْحِسِّأَوْ = عَقْلٍ وَمَنْ جَعَلَهَا عَقْلاً أَبَوْا
665 مِنْ كَذِبٍ تُمَازُ بِالتَّأْوِيلِ ثُمْ = إِنْ لَمْ تُشَبْ وَصْفًا فَلاَ تَأْتِي عَلَمْ
666 وَاشْرُطْ لَهَا قَرِينَةً فَوَاحِدَا = كَـ"أَسَدٍ يَرْمِي تَرَى" فَصَاعِدَا
667 كَـ"إِنْ تَعَافُوا الْعَدْلَ وَالْإِيمَانَا = فَإِنَّ فِي أَيْمَانِنَا نِيرَانَا"
668 أَوْ يُسْتَدَلَّ بِمَعَانٍ تَلْتَئِمْ = وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ تَنْقَسِمْ
669 إِلَى الْوِفَاقِيَّةِ أَنْ يَجْتَمِعَا = فِي مُمْكِنٍ وَذِي الْعِنَادِ امْتَنَعَا
670 وَمَا بِضِدٍّ وَالنَّقِيضِ اسْتُعْمِلاَ = ذَاتُ تَهَكُّمٍ وَتَمْلِيحٍ جَلاَ
671 وَبِاعْتِبَارِ جَامِعٍ قِسْمَيْنِ = فَدَاخِلٌ أَوْ لَيْسَ فِي الطَّرْفَيْنِ
672 فَإِنْ خَفَى غَرِيبَةٌ وَإِنْ بَدَا = عَامِيَّةٌ إِلاَّ بِتَصْرِيفٍ شَدَا
673 وَبِاعْتِبَارِ ذِي الثَّلاَثِ سِتَّةُ = أَوَّلُ هَذِي كُلُّهَا حِسِّيَّةُ
674 أَوْ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ اَوْ قَدِ اخْتَلَفْ = أَوْ غَيْرُ حِسِّيْ بِفُرُوعِهِ الطَّرَفْ
675 كَمِثْلِ "عِجْلاً" "نَسْلَخُ" "الْمُطَّلِعَةْ = شَمْسٌ" وَ"مِنْ مَرْقَدِنَا" لِلْأَرْبَعَةْ
676 "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" لِلْمُخْتَلِفِ = كَذَا "طَغَى الْمَاءُ" لِعَكْسِهِ يَفِي
677 وَبِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ فَاسْمُ الْجِنْسِ = أَصْلِيَّةٌ كَأَسَدٍ وَحَبْسِ
678 وَتَبَعِيَّةٌ سِوَاهُ فَالَّذِي = فِي الْفِعْلِ وَالْمُشْتَقِّ لِلْأَصْلِ خُذِ
679 وَمَا يَكُونُ شَبَهًا فِي الْحَرْفِ = فَذُو تَعَلُّقٍ بِهِ فَقُلْ فِي
680 "نَطَقَتِ الْحَالَةُ" لِلدَّلاَلَةْ = بِالنُّطْقِ أَوْ "نَاطِقَةٌ ذِي الْحَالَةْ"
681 وَالدَّوْرُ فِي قَرِينَةِ الْمَذْكُورِ = لِلْفَاعِلِ الْمَفْعُولِ وَالْمَجْرُورِ
682 وَبِاعْتِبَارٍ آخَرٍ مُطْلَقَةُ = إِنْ لَمْ يُقَارِنْ فَرْعٌ اَوْ فَصِفَةُ
683 وَإِنْ بِمَا لاَءَمَ مَا لَهُ اسْتُعِيرْ = تَجْرِيدٌ اَوْ مِنْهُ فَتَرْشِيحًا يَصِيرْ
684 وَرُبَّمَا يَجْتَمِعَانِ وَالْأَجَلْ = مُرَشَّحٌ ثُمَّتَ مَبْنَاهُ حَصَلْ
685 عَلَى تَنَاسِي شَبَهٍ فَيُدَّعَى = اَلْمَنْعُ وَاسْتِوَاءُ طَرْفَيْهِ مَعَا
686 أَمَّا الْمُرَكَّبُ فَمَا يُسْتَعْمَلُ = فِيمَا بِمَعْنَى الْأَصْلِ قَدْ يُمَثَّلُ
687 مُبَالَغًا وَسُمِّيَ التَّمْثِيلاَ = مُطْلَقًا اوْ سَالِكًا السَّبِيلاَ
688 فَإِنْ فَشَا كَذَاكَ الاِسْتِعْمَالُ = فَمَثَلٌ تَغْيِـيرُهُ مُحَالُ
689 وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ فِي كِلَيْهِمَا= لِذِي تَحَقُّقٍ وَفَرْضٍ قُسِّمَا


فَصْلٌ

690 قَدْ يُضْمَرُ التَّشْبِيهُ فِي النَّفْسِ فَلاَ = يُذْكَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَوَاتِهِ خَلاَ
691 مُشَبَّهًا ثُمَّ لِهَذَا يُثْبَتُ = مَا اخْتَصَّ بِالْآخَرِ ذَا الْقَرِينَةُ
692 فَسَمِّ ذَا التَّشْبِيهَ بِالْمَكْنِيَّةْ= عَنْهَا وَذَا الْإِثْبَاتَ تَخْيِيلِيَّةْ



فَصْلٌ

693 وَالاِسْتِعَارَةُ لَدَى يُوسُفَ أَنْ = تَذْكُرَ مَا مِنْ طَرْفَيِ التَّشْبِيهِ عَنْ
694 مُرِيدًا الْآخَرَ بِادِّعَاءِ = دُخُولِ مَا شُبِّهَ بِاقْتِفَاءِ
695 فِي جِنْسِ مُشْبَهٍ بِهِ وَقَسَّمَا = إِلَى مُصَرَّحٍ وَمَكْنِيٍّ فَمَا
696 يُنْوَى مُشَبَّهٌ فَقَطْ مُصَرَّحَهْ = وَعَكْسُهَا الْمَكْنِيُّ قَوْلٌ رَجَّحَهْ
697 وَالتَّبَعِيَّةَ إِلَيْهَا رَدَّا = وَشَيْخُنَا يَقُولُ:عَكْسٌ أَجْدَى
698 وَفِي الْحَقِيقِيَّةِ تَمْثِيلٌ دَخَلْ= لَدَيْهِ وَالتَّخْيِيلَ عَكْسَهُ جَعَلْ


فَصْلٌ

699 اَلْحُسْنُ فِي اسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِ = بِحَسَبِ الْمَكْنِيِّ، وَالتَّمْثِيلِ
700 وَذِيالْكِنَايَةِ وَذِي التَّحْقِيقِ أَنْ = يَرْعَى الَّذِي فِي وَجْهِ تَشْبِيهٍ زُكِنْ
701 وَلاَ يُشَمَّ رِيحُهُ لَفْظًا وَأَنْ = يَجْلُوْ وَلاَ يَكُونُ كَالْإِلْغَازِ عَنْ
702 فَلاَ يُقَالُ "أَسَدٌ" لِأَبْخَرَا = وَإِنْ قَوِيْ التَّشْبِيهُ حَتَّى صَيَّرَا
703 طَرْفَيْهِ كَالْوَاحِدِ مِثْلُ الْعِلْمِ= وَالنُّورِ فَاسْتِعَارَةٌ ذُو حَتْمِ


خَاتِمَةٌ

704 قَدْ يُطْلَقُ الْمَجَازُ فِيمَا غُيِّرَا = إِعْرَابُهُ بِزَيْدٍ اَوْ حَذْفٍ عَرَا
705 "لَيْسَ كَمِثْلِهِ" يُرِيدُ الْمِثْلاَ= وَكَـ"اسْأَلِ الْقَرْيَةَ" يَعْنِي الْأَهْلاَ


(*) ابن الصباغ المكناسي:
يا سائلاحصر العلاقات التي = وضع المجاز بها يسوغ ويجمل
خذها مرتبة وكل مقابل = حكم المقابل فيه حقا يحمل
عن ذكر ملزوم يعوض لازم = وكذا بعلته يعاض معلل
وعن المعمم يستعاضمخصص = وكذاك عن جزء ينوبالمكمل
وعنالمحلينوب ما قد حله = والحذفللتخفيف مما يسهل
وعن المضاف إليه نابمضافه = والضدعن أضدادهمستعمل
والشبه فيصفةتبين وصورة = ومن المقيدمطلققد يبدل
والشيء يسمى بالذيقدكانه = وكذاك يسمى بالبديلالمبدل
وضعالمجاورفي مكان جاره* = وبهذه حكم التعاكسيكمل
واجعل مكان الشيءآلتهوجئ = بمنكرقصد العموم فيحصل
ومعرفعن مطلق وبه انتهت= ولجلها حكم التداخل يشمل


* لعلها : في مكان مجاور


  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 10:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


الحقيقة والمجاز
[الأول الكلمة المستعملة = في الاصطلاح في الذي توضع له
وغيره مع قرينة على = وجه يصح وإرادة جلا
عدمها فهو المجاز المفرد = فالزم علاقة وكل عدد
يعزى لعرف ولشرع ولغة = والعرف عم أو فحص مبلغه
كدابة الأربع والإنسان = والفعل للفظ وللحدثان
كذا الصلاة للسجود والدعا = وأسد لسبع والشجعا
ومن يزد تحقيقا أو تأويلا = في الحد زاد فيهما تطويلا]
هذا هو القصد الثاني من علم البيان والمقصود المجاز وذكر الحقيقة لأنها أصله. فالحقيقة الكلمة المستعملة في معنى وضعت له في اصطلاح التخاطب، فخرج بالمستعملة المهملة وبما بعده الغلط والمجاز وبقولنا في اصطلاح التخاطب المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير الذي يقع به التخاطب كالصلاة إذا استعملها المخاطب بعرف الشرع في الدعاء فإنها تكون مجازًا لاستعمالها في غير ما وضع له شرعًا وإن وضع له لغة، والمجاز مفرد ومركب، فالأول الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب على وجه تصح معه قرينة عدم إرادته فقولي وغيره بالجر أي والمستعملة في غير الذي وضعت له في الاصطلاح إلخ. فخرج المهملة فليست حقيقة ولا مجازًا والحقيقة وما له معنى آخر باصطلاح آخر كالصلاة في العبادة والغلط لأنه ليس على وجه يصح، والكناية لفقد قرينة عدم
[شرح عقود الجمان: 91]
الإرادة، وزاد السكاكي في حد الحقيقة والمجاز لفظ التأويل والتحقيق فقال: ألحقيقة الكلمة المستعملة فيما وضعت له من غير تأويل، والمجاز الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بالتحقيق وأتى بذلك ليخرج من الأول الاستعارة ويدخلها في الثاني بناء على أنها مجاز لغوي لأنها مستعملة فيما وضعت له لكن بالتأويل، وهو إدعاء دخول المشبه في جنس المشبه به بجعل أفراده قسمين متعارفًا وغير متعارف بالتحقيق ورد بأن لفظ الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بتأويل فلا حاجة إلى زيادة في الحد لأنه تطويل والحدود تصان عن التطويلات وهذا معنى قولي ومن يزد تحقيقا إلخ. وهو مذكور في التلخيص في أواخر الباب في فصل عقده لمناقشات مع السكاكي ولا بد للمجاز من العلاقة ليخرج الغلط، وكل من الحقيقة والمجاز ينقسم إلى لغوي وشرعي وعرفي خاص متعين ناقله كالنحوي والصرفي وعرفي عام. فالأول كالأسد للسبع حقيقة لغوية والشجاع مجازًا لغويًا. والثاني كالصلاة للعبادة المخصوصة حقيقة شرعية والدعاء مجازًا شرعيًا. والثالث كالفعل للفظ المخصوص حقيقة عرفية خاصة أي نحوية ومطلق الحدث مجازًا نحويًا. والرابع حقيقة عرفية عامة والإنسان مجازًا عرفيًا عامًا.
[ثم المجاز المرسل العلاقة = لا شبه وغيره استعارة
وغالبا يطلق في استعمال سم = مشبه به لمشبه رسم
فالطرفان المستعار منه له = والمستعار اللفظ ثم المرسلة
كاليد في القدرة والتسمية = بالكل أو بالجزء أو بالآلة
أو سبب مسبب حال محل = مجاور آل له عنه انتقل]
المجاز أقسام عقلي وتقدم في المعاني وتغييري وسيأتي في خاتمة هذا الباب وخال عن الفائدة وذكره في الإيضاح والتبيان كاطلاق المقيد على المطلق كاستعمال المرسن في أنف إنسان مجازا، وهو موضوع لمعنى الأنف مع قيد أن يكون مرسونا ومرسل واستعارة، فالمرسل ما علاقته المصححة له غير المشبهة والاستعارة ما علاقته المشابهة، فهي اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي لعلاقة المشابهة كأسد في قولنا رأيت أسدا يرمي، وكثيرًا ما نطلق الاستعارة على فعل المتكلم: أي استعمال اسم المشبه به في المشبه ويكون حينئذ بمعنى المصدر والطرفان حينئذ أي المشبه به والمشبه مستعار منه ومستعار له واللفظ أي لفظ المشبه به مستعار ومثال المرسل كاليد في النعمة والقدرة وأصلها الجارحة أطلقت عليهما لأن النعمة منها تصدر والقدرة بها تكون، ومن استعمالها في النعمة حديث الصحيحين أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدا: أي أكثركن عطاء، ومنه في القدرة كقوله يد الله فوق أيديهم، وكاستعمال الجزء في الكل إذا كان له مزيد اختصاص بالمعنى الذي قصد بالكل كإطلاق العين على الربيئة أي الرقيب وهي جزؤه ومثل له في الإيضاح بقوله تعالى: {قم الليل} فأطلق القيام وهو جزء الصلاة عليها لأنه أظهر أركانها، وعكسه أعني استعمال الكل في الجزء كالأصابع في الأنامل من قوله تعالى {يجعلون أصابعهم في آذانهم} وكحديث مسلم «قسم الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» أي الفاتحة وتسمية الشيء باسم آلته نحو واجعل لي لسان صدق في الآخرين أي ثناء حسنا واللسان آلته أو سببه نحو رعينا الغيث أي النبات الذي سببه الغيث أو مسببه نحو أمطرت السماء نباتا أو حاله أي ما يحل في ذلك الشيء نحو: وأما اللذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله
[شرح عقود الجمان: 92]
أي في الجنة التي تحل فيها الرحمة أو محله أي ما يحل فيه ذلك الشيء نحو: فليدع ناديه أي أهل ناديه الحال فيه وهو المجلس أو مجاوره كإطلاق الراوية على المزادة وهي للبعير أو ما يئول إليه نحو إني أراني أعصر خمرا أي عصير يئول إلى الخمر أو ما كان عليه نحو: وآتوا اليتامى أموالهم أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتم بعد البلوغ فهذه عشر علاقات وذكرت علاقات أخر ترجع إليها:
[والاستعارة فتحقيقية = وهي مجاز لغوي أثبتوا
إن حقق المعنى بها في الحس أو = عقلي ومن جعلها عقلا أبوا
من كذب تماز بالتأويل ثم = إن لم تشب وصفا فلا تأتي علم
واشرط لها قرينة فواحدا = كأسد يرمي ترى فصاعدا
كإن تعافوا العدل والإيمانا = فإن في أيماننا نيرانا]
الاستعارة لها أقسام باعتبارات وتقدم على ذلك أن الأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا لأعم منهما فأسد في قولك رأيت أسدا يرمي موضوع للسبع لا للشجاع ولا لمعنى أعم منهما كالحيوان الجريء مثلا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما وهذا معلوم بالنقل عن أئمة اللغة قطعا فإطلاقه على الشجاع إطلاق على غير ما وضع له مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له، وقيل مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد إدعاء دخوله في جنس المشبه به فكان استعمالها فيما وضعت له فتكون حقيقة لغوية ليس فيها غير نقل الاسم وحده وليس نقل الاسم المجرّد استعارة لأنه لا بلاغة فيه بدليل الأعلام المنقولة فلم يبق إلا أن تكون مجازًا عقليًا وردّ بأن هذا الادعاء لا يقتضي كونها مستعملة فيما وضعت له للعلم بأن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي مستعمل في الرجل الشجاع والموضوع له هو السبع فقولي وهي مجاز إلخ. معترض وقولي إن حقق إلخ معترض بينه وبين قولي من جعلها عقلا أبوا. ثم إن الاستعارة قد تقيد بالتحقيقية، وهي ما تحقق معناها حسا أو عقلا، فالأول كقولك رأيت أسدا يرمي فإن أسدا هنا تحقيقية لأن معناه وهو الرجل الشجاع أمر محقق حسي، والثاني نحو أبديت نورا أي حجة فإن الحجة عقلية لا حسين فإنها تدرك بالعقل ومنه اهدنا الصراط المستقيم أي الدين الحق وهو أمر محقق عقلا وأصله الطريق الجادة فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له وتفارق الكذب بالتأويل ونصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر والقرينة إما أمر واحد كقولك رأيت أسدا يرمي أو أكثر كقول بعض العرب:
فإن تعافوا العدل والإيمانا = فإنا في أيماننا نيرانا
أي سيوفا تلمع كشعل النيران فتعلق قوله تعافوا بكل واحد من العدل والأيمان فرينة على أن المراد بالنيران السيوف لدلالته على أن جواب هذا الشرط تحاربون وتلجئون إلى الطاعة بالسيوف وقد يستدل بمعان ملتئمة أي مرتبطة بعضها ببعض يكون الجميع قرينة لا كل واحد وهو معنى قولي في أول الأبيات الآتية * أو يستدل بمعان تلتئم * كقوله:
وصاعقة من نصله ينكفي بها = على أرؤس الأقران خمس سحائب
استعار السحاب لأنامله وجمل القرينة صاعقة من نصل سيفه على رءوس الأقران ثم عدد الأنامل ولا تكون الاستعارة علما لأنها تقتضي إدخال المشبه في جنس المشبه به بجعل أفراده قسمين
[شرح عقود الجمان: 93]
متعارفًا وغير متعارف ولا يمكن ذلك في العلم لأنه يقتضي التشخيص ومنع الاشتراك وهو ينافي الجنسية لاقتضائها العموم وتناول الأفراد، فإن تضمنت نوع وصفية كحاتم علم يتضمن الوصف بالجود ومادر بالبخل وسحبان بالفصاحة جاز أن يشبه شخص بها فيتأول فيها الوضع للجود والبخل والفصاحة سواء في ذلك الرجل المعهود أو غيره:
[أو يستدل بمعان تلتئم = وباعتبار الطرفين تنقسم
إلى الوفاقية أن يجتمعا = في ممكن وذي العناد امتنعا
وما بضد والنقيض استعملا = ذات تهكم وتلميح حلا]
تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين إلى وفاقية بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنا نحو أو من كان ميتا فأحييناه: أي ضالا فهديناه استعار الإحياء من جعل الشيء حيا للهداية التي هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء وعنادية وهي ما لا يمكن اجتماعهما في شيء كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه: أي نفع ذلك الموجود كالمعدوم وعكسه أعني استعارة الموجود لمن عدم وفقد وبقيت آثاره الجميلة التي تحيي ذكره واجتماع الوجود والعدم في شيء واحد ممتنع ومن العنادية التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أو نقيض نحو: فبشرهم بعذاب أليم أي أنذرهم استعيرت البشارة وهي لإخبار بما يسر للإنذار الذي هو ضده بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكم والاستهزاء وكقولك رأيت أسدا وأنت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة.
[وباعتبار جامع قسمين = فداخل أو ليس في الطرفين
وإن خفى غربية وإن بدا = عامية إلا بتصريف شدا]
تنقسم الاستعارة باعتبار الجامع: أي ما قصد اشتراك الطرفين فيه إلى ما هو داخل في مفهوم الطرفين كحديث «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متن فرسه فالتمس القتل والموت» رواه مسلم من حديث أبي هريرة الهيعة الصياح الذي يفزع منه استعار الطيران للعدو والجامع بين العدو والطيران قطع المسافة بسرعة وهو داخل فيهما إلا أنه في الطيران قوي وما هو غير داخل كاستعارة الأسد للرجل الشجاع لأن الشجاعة عارض للأسد لا داخل في مفهومه. وتنقسم أيضًا باعتباره إلى عامية مبتذلة وهو ما يظهر الجامع فيها نحو رأيت أسدا يرمي وخاصية غريبة، وهي ما لا يظهر إلا بدقة كقوله يصف فرسا بأنه مؤدب:
* وإذا احتبى قربوسه بعنانه * شبه هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السرج أي مقدمه ممتدًا إلى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثوب موقعه من ركبة المحتبى ممتدًا إلى جانب ظهره ثم استعار الاحتباء وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب لوقوع العنان في قربوس السرج فجاءت الاستعارة غريبة، وقد يتصرف في العامة بما يجعلها غريبة كقوله:
* وسالت بأعناق المطي الأباطح * استعار سيلان السيول الواقعة في الأباطح لسير الإبل سيرا حثيثا في غاية السرعة المشتمل على لين وسلاسة وأصل تشبيه السير السريع بالسيل معروف ظاهر وإنما حسنه إسناد الفعل إلى الأباطح دون المطي وأعناقها حتى أفاد أن الأباطح امتلأت من الإبل.
[وباعتبار ذي الثلاث ستة = أول هذى كلها حسية
[شرح عقود الجمان: 94]
أو جامع عقلي أو قد اختلف = أو غير حسي بفرعه الطرف
كمثل عجلا نسلخ المطلعه = شمس ومن مرقدنا للأربعة
فاصدع بما تؤمر للمختلف = كذا طغى الماء بعكسه يفي]
تنقسم الاستعارة باعتبار الثلاثة: المستعار منه وله والجامع ستة أقسام، لأنهما إما حسيان أو عقليان أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس، فهي أربعة والجامع في الثلاثة الأخيرة عقلي لا غير لما تقدم في التشبيه، وفي الأول إما حسي أو عقلي أو مختلف، فالأول كقوله تعالى: فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار. فالمستعار منه ولد البقرة والمستعار له الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حلى القبط والجامع الشكل، فإن ذلك الحيوان كان على شكل ولد البقرة والجميع حسي مدرك بالبصر. والثاني كقوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإن المستعار منه معنى السلخ الذي هو كشط الجلد عن الشاة مثلاً والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله كترتيب ظهور اللحم على الكشط وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل والترتب أمر عقلي، وبيان ذلك أن الظلمة هي الأصل والنور طارئ عليها يسترها بضوئه فإذا غربت الشمس فقد سلخ النهار من الليل أي كشط وأزيل عنه كما يكشط الشيء عن الشيء الطارئ عليه الساتر له فجعل ظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمنزلة ظهور المسلوخ بعد سلخ إهابه عنه. والثالث نحو رأيت شمسا أي إنسانا كالشمس في حسن الطلعة وهي حسي ونباهة الشأن وهي عقلية فالطرفان حسيان وكذا بعض الجامع وبعضه عقلي. والرابع نحو: من بعثنا من مرقدنا المستعار منه الرقاد أي النوم والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والكل عقلي. والخامس نحو: فاصدع بما تؤمر المستعار منه كسر الزجاجة وهو حسي والمستعار له التبليغ والجامع التأثير وهما عقليان. والسادس نحو: إنا لما طغى الماء المستعار له كثرة الماء، وهو حسي والمستعار منه النكير والجامع الاستعلاء وهما عقليان:
[وباعتبار اللفظ فاسم الجنس = أصلية كاسد وحبس
وتبعية سواه فالذي = في الفعل والمشتق للأصل خذ
وما يكون شبها في الحرف = فذو تعلق به فقل في
نطقت الحالة للدلالة = بالنطق أو ناطقة ذي الحالة
والدور في قرينة المذكور = للفاعل المفعول والمجرور]
تنقسم الاستعارة باعتبار اللفظ إلى أصلية وهي ما كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس كاستعارة أسد للرجل الشجاع وحبس للمنع من الشيء، وتبعية بأن لا يكون اسم جنس كالفعل والمشتق منه وهو اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وغير ذلك والحرف ووجه التسمية أن الاستعارة مبناها على التشبيه وهو وصف والأصل فيما يوصف الحقائق والذوات دون معاني الأفعال والصفات ودون الحروف فإذا وقعت فيها فالتشبيه في الأفعال والصفات بمعنى المصدر وفي معاني الحروف بمتعلق معناها قال السكاكي والطيبي والمراد بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر بها عنها عند تفسير معانيها كقولنا من معناها ابتداء الغاية وفي معناها الظرفية فقولك نطقت الحال بكذا أو الحال ناطقة بكذا التشبيه فيه للنطق بجعل دلالة الحال مشبها ونطق الناطق مشبهًا به ووجه التشبيه إيضاح
[شرح عقود الجمان: 95]
المعنى وإيصاله للذهن ثم استعير للدلالة لفظ النطق ثم اشتق من النطق المستعار الفعل والوصف فالاستعارة في المصدر أصلية وفيهما تبعية وقوله تعالى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به أعني ترتب علة الالتقاط الغائية عليه فجرت الاستعارة أولاً في العلية والغرضية وتبعيتها في اللام فصار حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه العلية وصار متعلق معنى اللام هو العلية والغرضية ومثله: لدوا للموت وابنوا للخراب، شبه ترتب الموت على الولادة والخراب على البناء بترتب عليته الغائية عليه على حد ما ذكر، وقرينه التبعية في الأفعال والصفات تعود تارة إلى الفاعل كما في نطقت الحال أو الحال ناطقة بكذا لأن النطق الحقيقي لا يسند إلى الحال وتارة إلى المفعول كقول ابن المعتز:
جمع الحق لنا في إمام = قتل البخل وأحيا السماحا
أي أزال البخل وأظهر السماح والقتل والإحياء الحقيقان لا يتعلقان بهما والقرينة جعلهما مفعولين.
والثاني كقول كعب:
نقريهم لهذميات نقد بها = ما كان خلط عليهم كل زراد
اللهذميات الطعنات بالأسنة وهو قرينة على أن نقريهم استعارة وهو مفعول ثان والزراد ناسج الدروع، أو الأول والثاني معا كقول الحريري:
واقوى المسامع إما نطقت = بيانا يقود الحرون الشموسا
وتارة إلى المجرور نحو فبشرهم بعذاب أليم فقوله بعذاب قرينة على أن بشر استعارة وتارة إلى الجميع الفاعل والمفعول الأول والثاني والمجرور بمعنى أن كلا منها قرينة مستقلة كقوله:
تقرى الرياح رياض الحزن مزهرة = إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا
فائدة: كثر الاستشهاد في فنون متعددة بقولهم لدوا للموت وابنوا للخراب وهذا اللفظ رواه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن ملكا بباب السماء ينادي كل يوم لدوا للموت وابنوا للخراب» وروى أيضًا عن ابن الزبير مرفوعًا «ما من صباح يصبح على العباد إلا وصارخ يصرخ لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب» وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي ذر أنه قال «تلدون للموت وتبنون للخراب» وفيها عن مجاهد أوحى الله تعالى إلى آدم لد للفناء وابن للخراب وروى أحمد في الزهد عن عبد الواحد بن زياد قال قال عيسى ابن مريم «يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب» وروى الثعلبي في تفسيره عن كعب قال صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال أتدرون ما يقول؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول لدوا للموت وابنوا للخراب:
[وباعتبار آخر مطلقة = إن لم يقارن فرع أو فصفة
وإن بما لاءم ماله استعير = تجريدا ومنه فترشيحا يصير
وربما يجتمعان والأجل = موشح ثمت مبناه حصل
على تناسى شبه فيدعى = المنع واستواء طرفيه معا]
تنقسم الاستعارة باعتبار آخر غير طرفين والجامع واللفظ إلى ثلاثة أقسام. مطلقة، وهي ما لم تقرن بصفة ولا تفريع والمراد بالصفة المعنوية لا النعت النحوي الذي هو أحد التوابع نحو عندي أسد
[شرح عقود الجمان: 96]
ومجردة، وهي ما قرن بما يلائم المستعار له كقوله:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا = غلقت بضحكته رقاب المال
أي كثير العطاء استعار الرداء له لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه ثم وصفه بالغمر الذي يناسب العطاء تجريدًا للاستعارة والقرينة ما بعده، ومرشحة وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه نحو أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم فرع عليها ما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة وقوله صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره» رواه الترمذي استعير الزرع للحمل وقرن بما يلائمه وهو السقي بالماء، وقد يجتمع التجريد والترشيح وهو قسم رابع كما نبه عليه الشيخ بهاء الدين كقوله:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف = له لبد أظفاره لم تقلم
فقوله شاكي السلاح تجريد لأنه وصف بما يلائم المستعار له وهو الشجاع وما بعده تشريح لأنه يلائم المستعار منه وهو الأسد الحقيقي والترشيح أبلغ من الإطلاق ومن التجريد ومن جمع التجريد والترشيح كذا قاله الشيخ سعد الدين واقتصر الشيخ بهاء الدين على الثاني لاشتماله على تحقيق المبالغة في التشبيه لأن الاستعارة مبالغة فيه وترشيحها بما يلائم المستعار منه تحقيق لذلك وتقوية له ومبني الترشيح على تناسي التشبيه وإدعاء أن المستعار له نفس المستعار منه لا شيء يشبه به ولذلك يبنى على علو القدر ما يبنى على علو المكان في قول أبي تمام مدحًا:
ويصعد حتى يظن الجهول = بأن له حاجة في السماء
استعار الصعود لعلو القدر والارتقاء في مدارج الكمال ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان والارتقاء إلى السماء من ظن الجهول أن له حاجة في السماء ومثله قول ابن الرومي:
شافهتم البدر بالسؤال عن السأمر = إلى أن بلغتم زحلا
وقول بشار:
أتتني الشمس زائرة = ولم تك تبرح الفلكا
وصح التعجب في قول ابن العميد:
قامت تظللني من الشمس = نفس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب = شمس تظللني من الشمس
والنهي عنه في قول الآخر:
لا تعجبوا من بلى غلالته = قد زر أزراره على القمر
[أما المركب فما يستعمل = فيما بمعنى الأصل قد يمثل
مبالغًا وسمى التمثيلا = مطلقا أو سالكا السبيلا
فإن فشا كذاك الاستعمال = فمثل تغييره محال
والمستعار منه في كليهما = لدى تحقق وفرض قسما]
المجاز المركب هو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه تمثيل بأن يكون وجهه منتزعا من متعدد للمبالغة في التشبيه كأن يقال للمتردد في أمر إني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى شبه صورة
[شرح عقود الجمان: 97]
تردده في ذلك الأمر تردد من قام ليذهب فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى فاستعمل في الصورة الأولى الكلام الدال على الصورة الثانية ووجه التشبيه وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى منتزع من عدة أمور ويسمى هذا المجاز التمثيل على سبيل الاستعارة والتمثيل مطلقًا بدون قولنا على سبيل الاستعارة ومتى فشا استعمال المجاز المركب على سبيل الاستعارة سمي مثلاً ولأجل كون المثل تمثيلا فشا استعماله على سبيل الاستعارة لا تغير الأمثال لأن الاستعارة يجب أن تكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه فلو غير المثل لما كان لفظ المشبه به فلا يكون استعارة فلا يكون تمثيلاً ولهذا لا يلتفت في الأمثال إلى مضاربها تذكيرًا وتأنيثًا وإفرادًا وتثنية وجمعا بل إنما ينظر في مواردها كما يقال للرجل الصيف ضيعت اللبن بكسر تاء الخطاب لأنه في الأصل لامرأة، ثم نبهت من زيادتي على أن المستعار منه في التمثيل، والمثل قد يكون محققا واقعا، وقد يكون مقدرا مفروضا، فالأول من التمثيل كقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا} شبه استظهار العبد بالله تعالى ووثوقه بحمايته والنجاة من المكاره باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلي من مكان مرتفع يؤمن انقطاعه ومن المثل كقوله صلى الله عليه وسلم «إن من البيان لسحرا» يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة. والثاني من التمثيل كقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض} الآية، مثلت حال التكليف في صعوبتها وثقل حملها بحال معروضة ومن المثل كقولهم طارت به العنقاء أي طالت غيبته وليس للعنقاء عمل فيه ذكر ذلك الطيبي.
فصل
[قد يضمر التشبيه في النفس فلا = يذكر شيء من أدلة خلا
مشبها ثم لهذا يثبت = ما اختص بالآخر ذا القرينة
فسم ذا التشبيه بالمكنية = عنها وذا الإثبات تخييليه]
هذا الفصل في الاستعارة التي ليست بتحقيقية وهي التخييلية والمسكنية وهما عند صاحب التلخيص حقيقتان لغويتان غير داخلتين في قسم المجاز لأنها لم تستعمل في المشبه به وذلك أن يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه ويدل على ذلك التشبيه المضمر في النفس بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به فيسمى ذلك التشبيه المضمر استعارة بالكناية ومكنيا عنها لأنه لم يصرح به بل دل عليه بذكر خواصه ويسمى إثبات ذلك الأمر المختص بالمشبه به للمشبه استعارة تخييلية لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به وبه يكون كمال المشبه به وقوامه في وجه الشبه لتخييل أن المشبه من جنس المشبه به كقوله: * وإذا المنية أنشبت أظفارها * شبه في نفسه المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار فأثبت لها الأظفار التي لا يكمل ذلك الاغتيال في السبع بدونها تحقيقًا للمبالغة في التشبيه فتشبيه المنية بالسبع استعارة بالكناية وإثبات الأظفار لها تخيلية وكل من لفظي الأظفار والمنية حقيقة مستعملة في معناها الموضوع له وليس في الكلام مجاز لغوي وكقوله:
ولئن نطقت بشكر برك مفصحا = فلسان حالي بالشكاية أنطق
شبه الحال بإنسان متكلم في الدلالة على المقصود وهو استعارة بالكناية فأثبت لها اللسان الذي به
[شرح عقود الجمان: 98]
قوام الدلالة في الإنسان وهي تخييلية.
فصل
[والاستعارة لدى يوسف أن = يذكر ما من طرف التشبيه عن
مريدا الآخر بإدعاء = دخول ما شبه باقتفاء
في جنس مشبه به وقسما = إلى مصرح ومكني فما
ينوي مشبه فقط مصرحه = وعكسها المكني قول رجحه
والتبعية إليها ردا = وشيخنا يقول عكس أجدى
وفي الحقيقة تمثيل دخل = لديه والتخييل عكسه جعل]
هذا الفصل فيه مذهب السكاكي في الاستعارة وأقسامها فعنده أن الاستعارة أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الآخر المتروك مدعيًا دخول المشبه به في جنس المشبه كما تقول في الحمام أسد وأنت تريد الرجل الشجاع مدعيا أنه من جنس الأسود فتثبت له ما يخص المشبه به وهو اسم جنسه وكما تقول أنشبت المنية أظفارها تريد بالمنية السبع بإدعاء السبعية لها فتثبت لها ما يخص السبع المشبه به وهو الأظفار وتسمى المشبه به مذكورًا أو متروكًا مستعارًا منه واسم المشبه مستعارًا والمشبه به مستعارا له، ثم قسم الاستعارة إلى مصرح بها ومكني عنها. وفسر الأولى بأن يكون المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به والمحذوف المشبه. والثانية بالعكس بأن يكون المذكور المشبه والمحذوف المشبه به على أن المراد بالمنية في أنشبت المنية أظفارها هو السبع بإدعاء السبعية بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواصه إليها فقد ذكر المشبه وهو المنية وأراد المشبه به وهو السبع ورد ذلك بأن لفظ المشبه فيها وهو المنية مستعمل فيما وضع له قطعا وهو الموت وإضافة الأظفار قرينة تشبيهها بالسبع المضمر في النفس وهو ينافي تفسيره الاستعارة بذكر أحد الطرفين مرادا به الآخر واختار السكاكي رد التبعية إلى المكني عنها: أي جعلها قسما منها يجعل قرينتها مكنيًا عنها وجعل التبعية قرينة المكني عنها ففي نطقت الحال جعل القوم نطقت استعارة عن دلت بقرينة الحال وهو حقيقة وهو يجعل الحال استعارة بالكناية عن المتكلم ونسبة النطق إليها قرينة الاستعارة وإنما اختار ذلك إيثارًا للضبط وتقليل الأقسام ورد بأنه إن قدر التبعية حقيقية لم تكن تخييلية لأنها مجاز عنده حيث جعلها من أقسام المصرحة المفسرة بذكر المشبه به وإرادة المشبه وحينئذ لا تكون المكني عنها مستلزمة للتخييلية وذلك باطل بالإنفاق إذ لا توجد مكنية بدون تخييلية قطعا وإن قدرها مجازًا فتكون استعارة ضرورة ويحتاج إلى القول بها وعدها في القسام وقال شيخنا العلامة الكافيجي لو قيل برجوع الاستعارة بالكناية إلى التبعية كان أولى لكونها أظهر من الكناية وأما المصرحة فجعل السكاكي منها تحقيقية وتخييلية وفسر التحقيقية بما تقدم منت تفسيرها وعد منها التمثيل ورد بأنه مستلزم للتركيب المنافي للأفراد فلا يصح عدة من الاستعارة التي هي من أقسام المجاز المترد وفسر التخييلية بضد تفسير التحقيقية وهو ما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محضة كلفظ الأظفار فاته لما شبه المنية بالسبع في الاغتيال أخذ الوهم في تصويرها بصورة السبع فاخترع لها صورة مثل صورة أظفاره ثم أطلق عليها لفظ الأظفار فتكون تصريحية لا مكنية لأنه أطلق
[شرح عقود الجمان: 99]
اسم المشبه وهو الأظفار المحققة على المشبه به وهو صورة وهمية شبيهة بصورة الألفاظ المحققة والقرينة إضافتها إلى المنية فالتخييلية عنده قد تكون بدون المكنية وهو مخالف لتفسير غيره على ما فيه من التعسف بكثرة الاعتبارات التي لا حاجة إليها ولا دليل عليها.
فصل
[الحسن في استعارة التخييل = بحسب المكني والتمثيلي
وذي الكناية وذي التحقيق أن = يرعى الذي وجه تشبيه ركن
ولا يشم ريحه لفظا وإن = يجلو ولا يكون كالألغاز عن
فلا يقال أسد لأبخرا = وإن قوى التشبيه حتى صبرا
طرفيه كالواحد مثل العلم = والنور فاستعارة ذو حتم]
هذا فصل في شرائط حسن الاستعارة فالتخييلية حسنها بحسب المكني عنها لأنها لا تكون إلا تابعة لها وليس لها في نفسها تشبيه بل هي حقيقة فحسنها تابع لحسن متوبعها. وأما التحقيقية والتمثيلية فحسنها برعاية جهات حسن التشبيه بأن يكون وجه الشبه شاملاً للطرفين والتشبيه وافيا بإفادة الغرض ونحو ذلك وأن لا تشم رائحة التشبيه من جهة اللفظ لأنه يبطل الغرض من الاستعارة بإدعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لما في التشبيه من الدلالة على أن المشبه به أقوى من المشبه وأن يكون الشبه جليًا لئلا تصير الاستعارة ألغازًا وتعمية كما لو قيل رأيت أسدا مراد به إنسان أبخر فان وجه التشبيه بين الطرفي خفي فيتعين التشبيه حينئذ ولا تحسن الاستعارة، فإن قوى الشبه بين الطرفين حتى اتحدا كالعلم والنور والشبهة والظلمة تعينت الاستعارة ولم يحسن التشبيه لئلا يصير كتشبيه الشيء بنفسه فيقال عند فهم مسئلة حصل في قلبي نور ولا يقال علم كالنور فالأقسام ثلاثة: ما يحسن فيه التشبيه والاستعارة، وما يتعين فيه التشبيه، وما يتعين فيه الاستعارة. وأما الاستعارة بالكناية فكالتحقيقية أيضًا في أن حسنها برعاية جهات التشبيه لأنها تشبيه مضمر وقد تقدم أن الترشيحية أبلغ من التجريدية والمطلقة فالترشيح من شرائط حسن الاستعارة وقد ذكر الطيبي في هذا الفصل وتقدم أيضًا أن الغريبة أحسن من القريبة والتفصيلية أحسن من الإجمالية وذكره الطيبي هنا وزاد أن تكون التخييلية مؤكدة بمعنى المشاكلة كقوله تعالى {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} أكد بقوله يد الله بعد التخييل لمعنى المشاكلة في يبايعونك وأن يكون في الكلام عدة استعارات نحو فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، استعار القرية للأهل على سبيل الكناية والذوق للكسوة على التحقيقية وعدل عن كساها لأن الإذاقة أقوى في الإدراك من اللمس واللباس للجوع.
خاتمة
قد يطلق المجاز فيما غيرا = إعرابه يزيد أو حذف عرا
ليس كمثله يريد المثلا = وكاسأل القرية يعني الأهلا]
قد يطلق المجاز على كلمة تغير إعرابها بزيادة لفظ أو حذفه نحو: ليس كمثله شيء: أي ليس مثله لأن
[شرح عقود الجمان: 100]
المقصود نفى أن يكون شيء مثله تعالى لا نفى أن يكون شيء مثل مثله فالأصل فيه النصب خبر ليس فتغير إلى الجر بزيادة الكاف وقوله تعالى {واسأل القرية} وأصله الجر فتغير إلى النصب بسبب حذف المضاف. قال في الإيضاح فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغيير الإعراب كقوله تعالى {أو كصيب} إذ أصله كمثل ذوي صيب لدلالة ما قبله عليه وقوله تعالى {فبما رحمة لئلا يعلم} فلا توصف الكلمة بالمجاز.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحقيقة, والمجاز

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir