22/631 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ فَشَرِبَ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: ((أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ)).
وَفِي لَفْظٍ: فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِم الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ العَصْرِ فَشَرِبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا,أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ) سَنَةَ ثَمَانٍ مِن الهِجْرَةِ, قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ العَاشِرِ مِنْهُ (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ) بِضَمِّ الكَافِ فَرَاءٍ آخِرَهُ مُهْمَلَةٌ، وَالغَمِيمُ بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ (فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ فَشَرِبَ) لِيُعْلِمَ النَّاسَ بِإِفْطَارِهِ، (ثُمَّ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ العُصَاةُ, أُولَئِكَ العُصَاةُ. وَفِي لَفْظٍ: فَقِيلَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِم الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ العَصْرِ فَشَرِبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ, وَأَنَّ لَهُ الإِفْطَارَ وَإِنْ صَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ, وَخَالَفَ فِي الطَّرَفِ الأَوَّلِ دَاوُدُوَالإِمَامِيَّةُ فَقَالُوا: لا يُجْزِئُ المُسافِرَ الصَّوْمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وَلقَوْلِهِ:((أُولَئِكَ العُصَاةُ)). ولقَوْلِهِ: ((لَيْسَ مِن البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)).
وَخَالَفَهُم الجَمَاهِيرُ فَقَالُوا: يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ؛ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَالآيَةُ لا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى عَدَمِ الإِجْزَاءِ. وَقَوْلُهُ: ((أُولَئِكَ العُصَاةُ)) إنَّمَا هُوَ لِمُخَالَفَتِهِمْ لِأَمْرِهِ بِالإِفْطَارِ وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ, وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ. وَأَمَّا حَدِيثُ:((لَيْسَ مِن البِرِّ)) فَإِنَّمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ, نَعَمْ يَتِمُّ الِاسْتِدْلالُ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَفْطَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِم الصِّيَامُ,فَالَّذِينَ صَامُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ.
وَأَمَّا جَوَازُ الإِفْطَارِ وإنْ صَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ فَذَهَبَ أَيْضاً إلَى جَوَازِهِ الجَمَاهِيرُ, وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ القَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الحَدِيثِ وَهَذَا إذَا نَوَى الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ,وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِيهِ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمِهِ فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الإِفْطَارُ, وَأَجَازَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ؛ لأَنَّهُ مُسَافِرٌ.
وَأَمَّا الأَفْضَلُ فَذَهَبَتِ الهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِلْمُسَافِرِ حَيْثُ لا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ وَلا ضَرَرَ, فَإِنْ تَضَرَّرَ فَالفِطْرُ أَفْضَلُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ: الفِطْرُ أَفْضَلُ مُطْلَقاً. وَاحْتَجُّوا بِالأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ قَالَ: لا يُجْزِئُ الصَّوْمُ. قَالُوا: وَتِلْكَ الأَحَادِيثُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى المَنْعِ لَكِنَّ حَدِيثَ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الآتِيَ, وَقَوْلَهُ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)) أَفَادَ بِنَفْيِهِ الجُنَاحَ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ لا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلا أَفْضَلُ, وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الصَّوْمَ الأَفْضَلُ أَنَّهُ كَانَ غَالِبَ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْفَارِهِ, وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لا بُدَّ مِن الدَّلِيلِ عَلَى الأَكْثَرِيَّةِ, وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ المَنْعِ بِأَنَّهُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الصَّوْمُ وَالإِفْطَارُ سَوَاءٌ؛ لِتَعَادُلِ الأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ, وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ:سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. وَظَاهِرُهُ التَّسْوِيَةُ.
23/632 - وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَجِدُ فِيَّ قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هِيَ رُخْصَةٌ مِن اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَأَصْلُهُ فِي المُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَ.
(وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ) هُوَ أَبُو صَالِحٍ أَوْ أبو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بِالحَاءِ المُهْمَلَةِ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ, يُعَدُّ فِي أَهْلِ الحِجَازِ,رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌوَعَائِشَةُ وغيرُهما, مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أَجِدُ فِيَّ قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِن اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي المُتَّفَقِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ, أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَ).
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: ((صُمْ إنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إنْ شِئْتَ)).فَفِي هَذَا اللَّفْظِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَتَقَدَّمَ الكَلامُ فِي ذَلِكَ.
وَقَد اسْتَدَلَّ بِالحَدِيثِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ؛وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَأَقَرَّهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي السَّفَرِ فَفِي الحَضَرِ بِالأَوْلَى, وَذَلِكَ إذَا كَانَ لا يَضْعُفُ بِهِ عَنْ وَاجِبٍ وَلا يَفُوتُ بِسَبَبِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ, وَبشَرْطِ فِطْرِهِ العِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ.
وَأَمَّا إنْكَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلا يُعَارِضُ هَذَا, إلاَّ أَنَّهُ عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ عَنْهُ وَهَكَذَا كَانَ فَإِنَّهُ ضَعُفَ آخِرَ عُمُرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ العَمَلَ الدَّائِمَ وَإِنْ قَلَّ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ.