دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المقدمة


الْحَمْدُ لِلَّهِ, وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
(أَمَّا بَعْدُ) :
فَإِنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ -عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ- قَدْ اعْتَنَى بِالْكَلَامِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا, كَالْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ, وَمَنْ قَبْلَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْأُمَّةِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَهَمِّ الْعُلُومِ وَأَنْفَعِهَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مُخْتَصَرًا نَافِعًا جَامِعًا لِمَقَاصِد الْفَوَائِدِ, وَمَانِعًا مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ الْفَرَائِد. وَكَانَ الْكِتَابُ الَّذِي اعْتَنَى بِتَهْذِيبِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ, أَبُو عُمَرَ بْنُ الصَّلَاحِ -تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ- مِنْ مَشَاهِيرِ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّلَبَةِ لِهَذَا الشَّأْنِ, وَرُبَّمَا عُنِيَ بِحِفْظِهِ بَعْضُ الْمَهَرَةِ مِنَ الشُّبَّانِ: سَلَكْتُ وَرَاءَهُ, وَاحْتَذَيْتُ حِذَاءَهُ, وَاخْتَصَرْتُ مَا بَسَطَهُ, وَنَظَمْتُ مَا فَرَطَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ خَمْسَةً وَسِتِّينَ, وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ النَّيْسَابُورِيَّ, شَيْخَ الْمُحَدِّثِينَ. وَأَنَا -بِعَوْنِ اللَّهِ- أَذْكُرُ جَمِيعَ ذَلِكَ, مَعَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْمُلْتَقَطَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ, الْمُسَمَّى (بِالْمَدْخَلِ إِلَى كِتَابِ السُّنَنِ). وَقَدِ اخْتَصَرْتُهُ أَيْضًا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا النَّمَطِ, مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ, وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ, وَعَلَيْهِ الِاتِّكَالُ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 04:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد تفضل أستاذنا الإمام العظيم، المصلح الحكيم، الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر، واختارني عضوًا في لجنة المناهج في علوم التفسير والحديث، للمعاهد الدينية، مع إخوان كرام، من أعلام الأزهر وأساطينه، ومع رئيس من أفذاذ العلماء الذين أنجبهم الأزهر الشريف، وهو شيخي وأستاذي العلامة الكبير الشيخ إبراهيم الجبالي.
وقد قامت اللجنة بما ندبت إليه بعون الله وتوفيقه، يحوطها رئيسها بعنايته وإرشاده، ويعينها بعلمه وحكمته، فوضعت المناهج لعلوم التفسير والحديث في بضعة عشر مجلسًا، في شهري جمادى الأولى وجمادى الثانية سنة 1355.
فكان مما اختارته في علم مصطلح الحديث كتاب (اختصار علوم الحديث) تأليف الحافظ بن كثير (701- 774هـ) وقررت دراسته كله في كلية أصول الدين، ودراسة بعض أنواعه في كلية الشريعة، وهي الأنواع (1- 28 و30 و21 و32 و34- 36 و39و 40و 61و 62).
وهو كتاب فذ في موضوعه ألفه إمام عظيم من الأئمة الثقات المتحققين بهذا الفن، ونسخه نادرة الوجود، وكنا نسمع عنه في الكتب فقط، ثم رآه الأخ الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة المدرس بالحرم المكي، حينما كان بالمدينة المنورة في سنة 1346هـ وكانت نسخته موجودة بمكتبة شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت، تحت رقم 57 مصطلح، وهي نسخة قديمة مكتوبة في طرابلس الشام سنة 764 منقولة عن نسخة أخرى قوبلت على نسخة صحيحة معتمدة قرئت على المصنف وعليها خطه، كما أثبت ذلك ناسخها رحمه الله، ثم رآها بعد ذلك الأخ الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع، من كبار أعيان مكة المكرمة، في سنة 1352 فأشار على صديقه الشيخ مصطفى ميرو الكتبي بنشر الكتاب، فوافق على ذلك، وكلفا بعض الأخوان من أهل العلم في المدينة المنورة نسخه ومقابلته على الأصل. ثم طبع في المطبعة الماجدية بمكة سنة 1353، بتصحيح الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وكتب له مقدمة نفيسة وترجمة للمؤلف، وعلق عليه بعض تعليقات مفيدة.
ولما وافقت اللجنة على اختيار الكتاب للدراسة، ولم يجد الطلاب منه نسخًا من طبعة مكة، وتعسر الوصول إليها مع تكرار الطلب: أشار عليَّ بعض الإخوان أن نسعى في إعادة طبعه بمصر. ورغبوا إلي أن أصححه وأكتب عليه شبه شرح لأبحاثه مع تحقيق بعض المسائل الدقيقة في علم المصطلح. فبادرت إلى النزول عند إرادتهم. ووفق لنا الأخ الفاضل محمود أفندي توفيق الكتبي بمصر وأجاب إلى طبع الكتاب.
وقد قمت بتصحيحه والتعليق عليه كما التزمت، بعون الله وتوفيقه، وحرصت على أكثر الحواشي التي كتبها الأخ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة. ورمزت إليها بحرف (ح) ورمزت إلى ما كتبت بحرف (ش) أو تركت من غير رمز إليه.
وأحب أن أشير هنا إلى فائدة هذا العلم الذي سمي بهذا الاسم المتواضع (مصطلح الحديث) وأثره في العلوم الشرعية والتاريخية وغيرها من سائر الفنون التي يرجع في ثباتها إلى صحة النقل والثقة به.
فإن المسلمين اشتدت عنايتهم- من عهد المصدر الأول- بحفظ أسانيد شريعتهم من الكتاب والسنة، بما لم تعن به أمة قبلهم، فحفظوا القرآن ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترا، آية آية، وكلمة كلمة، وحرفًا حرفًا، حفظًا في الصدور، وإثباتًا بالكتابة في المصاحف، حتى رووا أوجه نقطه بلهجات القبائل، ورووا طرق رسمه في الصحف، وألفوا في ذلك كتبا مطولة وافية. وحفظوا أيضًا عن نبيهم كل أقواله وأفعاله وأحواله، وهو المبلغ عن ربه، والمبين لشرعه، والمأمور بإقامة دينه. وكل أقواله وأفعاله وأحواله بيان للقرآن. وهو الرسول المعصوم، والأسوة الحسنة. يقول الله تعالى في صفته: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} . ويقول: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} . ويقول أيضًا: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} . وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهته قريش فذكر ذلك للرسول فقال: ((أكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق)) . وأمر المسلمين في حجة الوداع بالتبليغ عنه أمرًا عامًا. فقال: ((وليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)) . وقال: ((فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع)) .
ففهم المسلمون من كل هذا أنه يجب عليهم أن يحفظوا عن رسولهم كل شيء، وقد فعلوا وأدوا الأمانة على وجهها، ورووا الأحاديث عنه، إما متواترة باللفظ والمعنى، وإما متواترة في المعنى فقط، وإما مشهورة وإما بالأسانيد الصحيحة الثابتة، مما يسمى عند العلماء (الحديث الصحيح) و(الحديث الحسن).
واجتهد علماء الحديث في رواية كل ما رواه عنه الرواة، وإن لم يكن صحيحا عندهم، ثم اجتهدوا في التوثق من صحة كل حديث وكل حرف رواه الرواة، ونقدوا أحوالهم ورواياتهم، واحتاطوا أشد الاحتياط في النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل الشخصية مما يؤثر في العدالة عند أهل العلم. أما إذا اشتبهوا في صدقه، وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه فقد رفضوا روايته، وسموا حديثه (موضوعا) أو (مكذوبا)، وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث، مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب.
وكذلك توثقوا من حفظ كل راو وقارنوا رواياته بعضها ببعض وبروايات غيره، فإن وجدوا منه خطأ كثيرا وحفظًا غير جيد، ضعفوا روايته، وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في صدقه، خشية أن تكون روايته مما خانه فيه الحفظ.
وقد حرروا القواعد التي وضعوها لقبول الحديث، وهي قواعد هذا الفن، وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطًا لدينهم. فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وإن أعرض عنها- في هذه العصور المتأخرة- كثير من الناس، وتحاموها بغير علم منهم ولا بينة.
وقلدهم فيها العلماء في أكثر الفنون النقلية، فقلدهم علماء اللغة، وعلماء الأدب، وعلماء التاريخ، وغيرهم. فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده، كما تراه في كتب المتقدمين السابقين، وطبقوا قواعد هذا العلم عند إرادة التوثق من صحة النقل في أي شيء يرجع فيه إلى النقل، فهذا العلم في الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية، وهو جدير بما وصفه به صديقي وأخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة من أنه (منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار).
ومع هذا فقد ابتدع بعض المتقدمين بدعة سيئة، هي عدم الاحتجاج بالأحاديث، لأنها تسمى في اصطلاحات بعض الفنون (ظنية الثبوت)، أي أنها لم تثبت بالتواتر الموجب للقطع في النقل، وكان هذا تباعًا لاصطلاح لفظي لا أثر له في القيمة التاريخية لإثبات صحة الرواية، فما كل رواية صادقة يثق بها العالم المطلع المتمكن من علمه بواجب في صحتها والتصديق بها واطمئنان القلب إليها أن تكون ثابتة ثبوت التواتر الموجب للعلم البديهي وإلا لما صح لنا أن نثق بأكثر النقول في أكثر العلوم والمعارف. وكانت هذه الفئة التي تذهب هذا المذهب الرديء فئة قليلة محصورة مغمورة، لا أثر لقولها في شيء من العلم.
ولكن نبغ في عصرنا هذا بعض النوابغ ممن اصطنعتهم أوربا وادخرتهم لنفسها من المسلمين، فتبعوا شيوخهم من المستشرقين- وهم طلائع المبشرين- وزعموا كزعمهم أن كل الأحاديث لا صحة لها ولا أصل، وأنها لا يجوز الاحتجاج بها في الدين، وبعضهم يتخطى القواعد الدقيقة الصحيحة، ثم يذهب يثبت الأحاديث وينفيها بما يبدو لعقله وهواه، من غير قاعدة معينة، ولا حجة ولا بينة. وهؤلاء لا ينفع فيهم دواء، إلا أن يتعلموا العلم ويتأدبوا بأدبه، ثم الله يهدي من يشاء.
وأما الطعن في الأحاديث الصحيحة جملة الشك في صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما هو إعلان بالعداء للمسلمين ممن عمد إليه علم ومعرفة، أو جهل وقصر نظر ممن قلد فيه غيره ولم يعرف عواقبه وآثاره، فإن معنى هذا الشك والطعن: أنه حكم على جميع الرواة الثقات من السلف الصالح رضي الله عنهم بأنهم كاذبون مخادعون مخدوعون، ورمي لهم بالفرية والبهتان، أو بالجهل والغفلة، وقد أعاذهم الله من ذلك وهم يعلمون يقينًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) وقال: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). فالمكذب لهم في روايتهم إنما يحكم عليهم بأنهم يتقحمون في النار تقحمًا، وأنهم لم يكونوا على شيء من الخلق أو الدين. فإن الكذب من أكبر الكبائر، ثم هو من أسوأ الأخلاق وأحطها، ولن تفلح أمة يفشو فيها الكذب، ولو كان في صغائر الأمور، فضلا عن الكذب في الشريعة، وعلى سيد الخلق وأشرف المرسلين. وقد كان أهل الصدر الأول من المسلمين- في القرون الثلاثة الأولى- أشرف الناس نفسًا وأعلاهم خلقًا، وأشدهم خشية لله، وبذلك نصرهم الله، وفتح عليهم الممالك، وسادوا كل الأمم والحواضر، في قليل من السنين، بالدين والخلق الجميل، قبل أن يكون بالسيف والرمح.
أحمد محمد شاكر

تقديم الكتاب
بقلم الأستاذ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة

إن علم أصول الحديث وقواعد اصطلاح أهله لابد منه للمشتغل برواية الحديث، إذ بقواعده يتميز صحيح الرواية من سقيمها، ويعرف المقبول من الأخبار والمردود، وهو للرواية كقواعد النحو لمعرفة صحة التراكيب العربية، فلو سمي منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار، لكان اسما على مسمى.
هذا- وقد كتب العلماء فيه من عصر التدوين إلى يومنا هذا نفائس ما يكتب: من ذلك ما نجده في أثناء مباحث (الرسالة) للإمام الشافعي، وفي ثنايا (الأم) له، وما نقله تلاميذ الإمام أحمد في أسئلتهم له ومحاورته معهم وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه، ورسالة الإمام أبي داود السجستاني إلى أهل مكة في بيان طريقته في سننه الشهيرة، وما كتبه الحافظ أبو عيسى الترمذي في كتابه (العلل المفرد)، في آخر جامعه، وما بثه في الكلام على أحاديث جامعه في طيات الكتاب: من تصحيح وتضعيف وتقوية وتعليل. وللإمام البخاري التواريخ الثلاثة، ولغيره من علماء الجرح والتعديل من معاصريه ومن بعدهم بيانات وافية لقواعد هذا الفن، تجيء منتشرة في تضاعيف كلامهم. حتى جاء من بعدهم فجرد هذه القواعد في كتب مستقلة، ومصنفات عدة، أشار إلى أشهرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فاتحة شرحه لنخبة الفكر فقال:
فمن أول من صنف ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي (الحسن ابن عبد الرحمن الذي عاش إلى قريب سنة 360) في كتابه المحدث الفاصل، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري (محمد بن عبد الله بن البيع صاحب المستدرك على الصحيحين والإكليل والمدخل إليه في مصطلح الحديث وتاريخ نيسابور المتوفى سنة 405)، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد الله الصوفي صاحب حلية الأولياء والمستخرج على البخاري وغيرهما المتوفى سنة 430) فعمل على كتابه مستخرجًا وأبقى أشياء للمتعقب، وجاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي (أحمد بن علي بن ثابت صاحب تاريخ بغداد وغيره، المتوفى سنة (463) فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه (الكفاية) وفي آدابها كتابا سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع)، وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردًا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر ابن نقطة (محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 629): كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه. ثم جاء بعدها بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض (بن موسى اليحصبي الأندلسي المتوفى سنة 544) كتابا سماه (الإلماع) وأبو حفص الميانجي جزءًا سماه (ما لا يسع المحدث جهله)... إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق المتوفى سنة 643) فجمع لما تولى تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية –كتابه المشهور (علوم الحديث) الشهير بـ (مقدمة ابن الصلاح) فهذب فنونه، وأملاه شيئًا بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك ومقتصر، ومعارض له ومنتصر. اهـ. كلام الحافظ رحمه الله تعالى.
فقد ظهر لك بشهادة الحافظ ابن حجر أن كتاب ابن الصلاح رحمه الله جمع شتات الكتب وعيونها، من كتب الخطيب الذي هو عائل علماء الفن بعده وغيرها ممن تقدمه وتأخر، ومبلغ عناية العلماء بها نظمًا وشرحا واختصارًا، فممن نظمها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806، نظمها في كتابه (ألفية الحديث) وشرحها هو بنفسه، وكذلك شرحها بعده السخاوي. وللحافظ العراقي المذكور شرح على كتاب ابن الصلاح، وممن اختصرها الإمام النووي الشافعي صاحب المجموع والروضة في فقه الشافعية وشرح صحيح مسلم وغيرها من الكتب النافعة، اختصرها في كتاب سماه (التقريب) شرحه السيوطي في كتاب سماه (تدريب الراوي).
ثم جاء الإمام ابن كثير الفقيه الحافظ المفسر- الذي ستقف على تاريخ حياته فيما بعد- فاختصرها في رسالة لطيفة سماها (الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث) بعبارة سهلة فصيحة، وجمل مفهومة مليحة، واستدرك على ابن الصلاح استدراكات مفيدة، يبدؤها بقوله (قلت)، فسهل على طالب الفن تناوله في رسالة وسط- وخير الأمور أوساطها- لم يختصرها اختصارًا مضغوطًا مختلا، ولا أطالها تطويلا منتشرا مشوشًا، فكانت خطوة أولى ومرحلة ابتدائية، يدرسها الطالب، فيرتقي منها إلى دراسة أصلها وما بعده من كتب الأئمة، حتى ينتهي إلى التحقيق، فيدلي بدلوه مع الدلاء، ولقد كان للإمام ابن كثير حياة علمية حافلة بالجهد في التحصيل والتصنيف، في عصر مملوء بالأكابر من علماء النقل والعقل: كما ستقف على ذلك في تلخيص سيرته من كلام ثقات المؤرخين من أهل عصره ومن بعدهم، إن شاء الله تعالى.

محمد عبد الرزاق حمزة.

ترجمة المؤلف
بقلم الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة
نسبه وميلاده وشيوخه ونشأته:
هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن الشيخ أبي حفص شهاب الدين عمر. خطيب قريته، ابن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع القرشي البصروي الأصل، الدمشقي النشأة والتربية والتعليم.
ولد بمجدل القرية من أعمال مدينة بُصرى شرق دمشق سنة إحدى وسبعمائة، وكان أبوه خطيبًا، ومات أبوه في الرابعة من عمره، فرباه أخوه الشيخ عبد الوهاب، وبه تفقه في مبدأ أمره.
ثم انتقل إلى دمشق سنة 706 في الخامسة من عمره، وتفقه بالشيخ برهان الدين إبراهيم عبد الرحمن الفزازي الشهير بابن الفركاح، المتوفى سنة 729، وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم، ومن أحمد بن أبي طالب المعمر أكثر من مائة سنة الشهير بابن الشحنة وبالحجار المتوفى سنة 730، ومن القاسم بن عساكر، وابن الشيرازي، وإسحق بن الآمدي، ومحمد بن زراد، ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكي المزي صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة، المتوفى سنة 742، وبه انتفع وتخرج، وتزوج بابنته، وقرأ على شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728 كثيرًا، ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه، وعلى الشيخ الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن قايماز، المتوفى سنة 748 وأجاز له من مصر أبو موسى القرافي، والحسيني، وأبو الفتح الدبوسي، وعلي بن عمر الواني، ويوسف الختي، وغير واحد.
وقال الحافظ شمس الدين الذهبي في المعجم المختص: (الإمام المفتي المحدث البارع. فقيه متفنن. ومفسر نقال، وله تصانيف مفيدة).
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: (اشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله، وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في حياته. وانتفع الناس بها بعد وفاته، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم وإنما هو من محدثي الفقهاء. وأجاب السيوطي عن ذلك فقال: (العمدة في علم الحديث على معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلا، وأما العالي والنازل ونحو ذلك: فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة) اهـ.
وقال المؤرخ الشهير أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن سيف الدين المعروف بابن تغري بردى الحنفي في كتابه المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي: (الشيخ الإمام العلامة عماد الدين أبو الفداء.. لازم الاشتغال، ودأب وحصل وكتب. وبرع في الفقه والتفسير والحديث. وجمع وصنف ودرس وحدث وألف، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك، وأفتى ودرس إلى أن توفى).
واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير. وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى، وإنما نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشاب الذي مضى ولا زائل هذا المشيب المكدر

وتلامذته كثيرة: منهم، ابن حجي، وقال فيه: (أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما أعرف أني اجتمعت به، على كثرة ترددي إليه، إلا واستفدت منه).
وقال ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب: (الحافظ الكبير عماد الدين، حفظ التنبيه وعرضه سنة 18، وحفظ مختصر ابن الحاجب وكان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية، وينظم نظمًا وسطًا، قال فيه ابن حبيب: سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير).
مؤلفاته من كتب مطولة ورسائل مختصرة:
ومن مؤلفاته:
1_ تفسير القرآن الكريم. وهو من أفيد كتب التفسير بالرواية، يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالأحاديث المشهورة في دواوين المحدثين بأسانيدها، ويتكلم على أسانيدها جرحًا وتعديلاً، فيبين ما فيها من غرابة أو نكارة أو شذوذ غالبًا، ثم يذكر آثار الصحابة والتابعين. قال السيوطي فيه (لم يؤلف على نمطه مثله).
2- والتاريخ المسمى (بالبداية والنهاية) ذكر فيه قصص الأنبياء والأمم الماضية على ما جاء في القرآن الكريم والأخبار الصحيحة، ويبين الغرائب والمناكير والإسرائيليات، ثم يحقق السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي إلى زمنه، ثم ينتقل إلى الفتن وأشراط الساعة والملاحم وأحوال الآخرة.
قال ابن تغري بردى: وهو في غاية الجودة اهـ وعليه يعول البدر العيني في تاريخه.
3- وكتاب (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) جمع فيه كتابي شيخيه المزي والذهبي، وهما (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) و(ميزان الاعتدال في نقد الرجال)، مع زيادات مفيدة في الجرح والتعديل.
4- وكتاب (الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن) وهو المعروف بجامع المسانيد، جمع فيه بين مسند الإمام أحمد والبزار وأبي يعلى وابن أبي شيبة مع الكتب الستة: الصحيحين والسنن الأربعة، ورتبه على الأبواب.
5- (طبقات الشافعية) مجلد وسط، ومعه مناقب الشافعي.
6- وخرج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية.
7- وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي.
8- وشرع في شرح البخاري، ولم يكمله.
9- وشرع في كتاب كبير في الأحكام- لم يكمل، وصل فيه إلى الحج.
10- واختصر كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث- وهو هذا- قال الحافظ العسقلاني: وله فيه فوائد.
11- ومسند الشيخين –يعني أبا بكر وعمر.
12، 13- السيرة النبوية مطولة، مختصرة، ذكرها في تفسيره في سورة الأحزاب في قصة غزوة الخندق.
14- كتاب (المقدمات) ذكره في مختصر مقدمة ابن الصلاح وأحال عليه.
15- مختصر كتاب المدخل للبيهقي، كما ذكره في مقدمة هذه الرسالة.
16- رسالة في الجهاد –وهي مطبوعة.
وفاته:
قال صاحب المنهل الصافي: توفي في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة.
قال الحافظ ابن حجر: وكان قد أضر- يعني فقد بصره- في آخر حياته، رحمه الله ورضي عنه.

مُقَدِّمَةٌ
قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ, مُفْتِي الْإِسْلَامِ, قُدْوَةُ الْعُلَمَاءِ, شَيْخُ الْمُحَدِّثِينَ, الْحَافِظُ الْمُفَسِّرُ, بَقِيَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ, عِمَادُ الدِّينِ, أَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ الْقُرَشِيُّ الشَّافِعِيُّ, إِمَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ بِالشَّامِ الْمَحْرُوسِ, -فَسَّحَ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ, وَبَلَّغَهُ فِي الدَّارَيْنِ أَعْلَى قَصْدِهِ وَمُرَامِهِ-:
الْحَمْدُ لِلَّهِ, وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
(أَمَّا بَعْدُ):
فَإِنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ -عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ- قَدِ اعْتَنَى بِالْكَلَامِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا, كَالْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ, وَمَنْ قَبْلَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْأُمَّةِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَهَمِّ الْعُلُومِ وَأَنْفَعِهَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مُخْتَصَرًا نَافِعًا جَامِعًا لِمَقَاصِد الْفَوَائِدِ, وَمَانِعًا مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ الْفَرَائِد. وَكَانَ الْكِتَابُ الَّذِي اعْتَنَى بِتَهْذِيبِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ, أَبُو عُمَرَ بْنُ الصَّلَاحِ -تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ- مِنْ مَشَاهِيرِ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّلَبَةِ لِهَذَا الشَّأْنِ, وَرُبَّمَا عُنِيَ بِحِفْظِهِ بَعْضُ الْمَهَرَةِ مِنَ الشُّبَّانِ: سَلَكْتُ وَرَاءَهُ, وَاحْتَذَيْتُ حِذَاءَهُ, وَاخْتَصَرْتُ مَا بَسَطَهُ, وَنَظَمْتُ مَا فَرَطَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ خَمْسَةً وَسِتِّينَ, وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ النَّيْسَابُورِيَّ, شَيْخَ الْمُحَدِّثِينَ. وَأَنَا -بِعَوْنِ اللَّهِ- أَذْكُرُ جَمِيعَ ذَلِكَ, مَعَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْمُلْتَقَطَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ, الْمُسَمَّى (بِالْمَدْخَلِ إِلَى كِتَابِ السُّنَنِ). وَقَدِ اخْتَصَرْتُهُ أَيْضًا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا النَّمَطِ, مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ, وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ, وَعَلَيْهِ الِاتِّكَالُ.



توفي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مساء يوم الثلاثاء 13 رمضان سنة 1364، 21 أغسطس 1945، رحمه الله.
توفي أستاذنا العلامة الكبير الشيخ إبراهيم الجبالي ليلة الاثنين 17 صفر سنة 1370، 27 نوفمبر 1950 بالقاهرة، رحمه الله.
رأيت -في هذه الطبعة الثانية- أن أعدل عن هذا، فأجعل الشرح كله من فمي وأحذف هذين الرمزين، كما بينت ذلك في مقدمة هذه الطبعة.
رواه أحمد في المسند (رقم 6510 ج2 ص 162) بإسناد صحيح، ورواه أيضًا أبو داود والحاكم وغيرهما بمعناه.
رواه البخاري وغيره انظر فتح الباري ج1 ص 146.
رواه البخاري وغيره أيضًا (انظر الفتح ج3 ص 459).
ما وضع بين قوسين فمن زيادتنا توضيحا لكلام الحافظ ابن حجر.
نقلا عن كتاب (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي) نسخة مخطوطة بمكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة، للمؤرخ الشهير أبي المحاسن جمال الدين يوسف بن سيف الدين المعروف بابن تغري بردي الأتابكي الظاهري، صاحب النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، المولود سنة 812 والمتوفى في شهر ذي الحجة سنة 874، ومن (الدرر الكامنة) للحافظ ابن جدر العسقلاني المتوفي سنة 852 ومن (ذيل التذكرة للحافظ أبي المحاسن الحسيني) ومن ذيل (الطبقات) لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911، ومن (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) لعبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089 ج6 ص 238، ومن (الرد الوافر) لابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة 842.
هو مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر – ابن عساكر المتوفى سنة 723.
هو إسحاق بن يحيى الآمدي شيخ الظاهرية، عفيف الدين، المتوفى سنة 725 هـ.


  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 04:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفيه من خليقته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:-
الكتاب (اختصار لعلوم الحديث)، (علوم الحديث) كما هو معروف لابن الصلاح، الذي لم شتات هذا الفن، وجمع ما تفرق في المؤلفات قبله، وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة (النزهة) المصنفات التي ألفت في هذا العلم، وذكر أن من أول ما كتب كتاب (المحدث الفاصل) للرامهرمزي، وهو من أول ما كتب حقيقة مما يجمع أكبر قدر ممكن في وقته؛ لأن العلوم كما تعرفون يبدأ التأليف فيها شيئًا فشيئًا حتى تكمل وتنضج.
كانت علوم الحديث مبثوثة في مؤلفات المتقدمين، وكثير منها إنما كان نتيجة استقراء لصنيع المتقدمين، فلم الشتات الرامهرمزي في (المحدث الفاصل)، ثم جاء بعده الحاكم فصنف كتابه (معرفة علوم الحديث)، وهو أوسع من كتاب الرامهرمزي بالنسبة لعدد الأنواع، ثم بعده جاء القاضي عياض فألف كتابه (الإلماع) وهو -وإن كان في طرق التحمل والأداء وكيفية كتابة الحديث وضبطه- إلا أنه نافع في بابه.
وعلى كل حال من فضول القول أن أسترسل في هذا المجال لأني بين يدي طلبة علم يعرفون هذه الكتب بل كثير منهم رجع إليها.

ابن الصلاح جمع ما تفرق في هذه الكتب، وفي غيرها من مؤلفات الخطيب الذي لا يخلو فن ونوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتابًا مستقلًا، حتى قال ابن نقطة -كما هو معروف- : "جميع من أتى بعد الخطيب بالنسبة لعلوم الحديث فهو عيال على كتبه".
اعتنى من جاء بعد ابن الصلاح بكتاب ابن الصلاح، كان كما قال الحافظ: "لا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومنتصر، أو معارض له ومنتصر..." إلى آخر كلامه -كما هو معروف-.
اختصره النووي في كتابين، في التقريب، والإرشاد، اختصره أيضًا الحافظ ابن كثير في الكتاب الذي بين أيدينا، ونظمه الحافظ العراقي في ألفيته الشهيرة، ونظمه الخويني في منظومة تبلغ الألف و الخمسمائة بيت، لكن لم تبلغ مبلغ ألفية العراقي ولم تدانيها.
أيضًا السيوطي له ألفية في هذا الفن، أصلها ألفية العراقي، وكثير من أنصاف أبياتها مأخوذ بحروفه من ألفية العراقي، ولهذا يقول فيها:


واقرأ كتابًا تدري منه الاصطلاح = كهذه أو أصلها وابن الصلاح


يقصد بأصلها: ألفيه العراقي، كما هو معروف.

وما زال التأليف والتصنيف في علوم الحديث مستمرا إلى وقتنا هذا، كثير ممن ينتسب إلى العلم ألفوا؛ فجمال الدين القاسمي له كتاب جيد في الباب، اسمه (قواعد التحديث)، والشيخ طاهر الجزائري له كتاب أيضًا نفيس لخص فيه كثيرا من الكتب التي تمت إلى هذا العلم بصلة، اسمه (توجيه النظر).
وما زالت الكتابة جارية على سنن المتقدمين، ممن ألف وكتب في هذا الفن، ثم بعد ذلكم جاءت الدعوات إلى نبذ قواعد المتأخرين، والاستفادة من مناهج المتقدمين، وهي في ظاهرها دعوة طيبة، لكن يلاحظ عليها أنها تلقى على عموم الطلاب بما في ذلك صغار المتعلمين، وهذا النوع من الطلبة لا يستوعب مثل هذا الكلام، وهذا فيه تضييع له حقيقة، نعم من تأهل عليه أن يسلك مسالك المتقدمين، لكن متى يتأهل طالب العلم لكي يترك قواعد المتأخرين، وسلوك المسلك الذي سلكوه؟ ؛ لأن قواعد المتأخرين صحيح أنها أغلبية، وفي الأمثلة ما يخرج عنها، لكنها تضبط العلم، وتحصره حتى يتأهل الطالب لمحاكاة المتقدمين.
ونظير ذلك لو قيل لصغار الطلاب: اجتهدوا في مسائل الفقه، وخذوا من الكتاب والسنة مباشرة، واتركوا التقليد، وأنتم رجال، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك والشافعي كلهم رجال، عليكم بالكتاب والسنة.
نعم الأصل الكتاب والسنة، كما أن الأصل في بابنا كلام المتقدمين من أهل العلم في هذا الشأن، الأصل الكتاب والسنة صحيح ، لكن الطالب المبتدئ هو في الحقيقة في حكم العامي، والعامي فرضه التقليد، سلوا أهل الذكر، فإذا تأهل الطالب لينظر في الكتاب والسنة وعرف ما يعينه ويساعده على الاستنباط من الكتاب والسنة مباشرة، لا يسعه أن يقلد أحدًا، لكن متى يكون هذا؟ إذا تأهل.
والكلام فيما بين أيدينا من علوم الحديث كذلك، إذا تأهل، وصارت لديه أهلية الحكم بالقرائن له أن ينبذ قواعد المتأخرين ويحاكي المتقدمين ، وليس انتقادي لهذه الدعوة من أصلها وأساسها ، هي دعوة طيبة ترجع بالطالب إلى المصدر الرئيسي في هذا الباب فالعمدة والمعول على أهل هذا الشأن لكن نوجه الانتقاد إلى: توجيه هذه الدعوة إلى أصناف المتعلمين صغارهم وكبارهم ، بمثل ما يقال: على الطالب المبتدئ أن يتفقه على مذهب، ثم بعد ذلك ينظر في مسائل هذا المذهب، على سبيل المثال عندنا إما أن يعتمد (زاد المستقنع) أو (دليل الطالب) أو (عمدة الفقه) أو غيرها من الكتب والمتون المعروفة، ثم بعد ذلك إذا تأهل وصارت لديه أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها والموازنة بينها واعتماد القول الصحيح والراجح وترك المرجوح، هذا هو الأصل في التعلم، أما أن يقال لطالب مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة، هذا تضييع حقيقة.

هذا مجمل ما يمكن أن أقوله في هذه المقدمة، بقي أن أشير إلى أن هذا الكتاب طبع مرارًا، وكانت طبعته الأولى في المطبعة الماجدية بمكة، وقد أسماه طابعه عبد الرزاق حمزة: (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير، وهذه التسمية ليست من الحافظ رحمه الله، إنما كتابه (اختصار علوم الحديث) لكن الشيخ سماه بهذا الاسم؛ لما ساد بين أهل العلم من السجع في عناوين الكتب، وإلا فالكتاب اسمه (اختصار علوم الحديث).
الشيخ أحمد شاكر اعتنى بالكتاب، واطلع على طبعة الشيخ عبد الرزاق حمزة، والكتاب قد اشتهر وانتشر وذاع صيته بعد طبعه وعرف عند طلبة العلم، بين أوساط طلبة العلم باسم (الباعث الحثيث) فالشيخ رحمه الله أراد أن يجمع بين هذه التسمية الحديثة وبين تسمية المؤلف، فاعتنى بالكتاب وعلق عليه، وسمى تعليقه (الباعث الحثيث: شرح اختصار علوم الحديث) فأبقى على تسمية المؤلف، واستفاد من تسمية الشيخ عبد الرزاق حمزة؛ لأن الخطأ إذا انتشر يصعب تغييره، فإذا أمكن توجيهه فهو المطلوب، فالشيخ رحمه الله من نباهته عمل هذا العلم، فسمى تعليقاته (الباعث الحثيث: شرح اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير.
يبقى أن بعض الناس قد يفهم أن (الباعث الحثيث) للحافظ ابن كثير مع ذلك؛ لأن عندنا مضاف ومضاف إليه : (شرح اختصار علوم الحديث) لابن كثير، من الذي لابن كثير؟ المضاف أو المضاف إليه؟ المضاف إليه، ولابد من قرينة تدل على ذلك، وإلا ما تؤخذ من السياق؛ لأن الوصف إذا تعقب متضايفين فلابد من قرينة تدل على أن الوصف للمضاف أو المضاف إليه، {ويبقى وجه ربك ذو الجلال}، {تبارك اسم ربك ذي الجلال} إذا كان الإعراب بالحروف فأمره سهل.
لكن الإشكال إذا كان الإعراب بالحركات، ويزداد الإشكال إذا كان المضاف مجرورا مثل المضاف إليه، (مررت بغلام زيد الفاضل) هذا مشكل، الوصف لأيهما؟ لزيد أو لغلامه؟
نحتاج إلى قرينة تدل على المراد، وهذا استطراد، لكن هو تنبيه؛ لأنه يخفى على كثير من المتعلمين، يظن أن (الباعث) للحافظ ابن كثير. والكلام في مبادئ العلم العشرة طرق مرارا وكُرر فلا أظن أن الإخوة المستمعين بحاجة إليه والأشرطة في شرح (النخبة) وشرح نظمها وغيرها ، حتى هذا الكتاب سجل له أشرطة يمكن الرجوع إليها ، لا سيما وأن الوقت قصير ، ستة أيام لا تفي بشرح كل ما في الكتاب فضلا عن الاستطرادات التي قد يحتاج إليها ، ولذا فإن الكتاب يُقرأ لكن ينتقى التعليق على بعض المسائل التي قد تخفى على طلاب العلم ، وأما التعليق على جميع ما ذكر في الكتاب قد يحتاج إلى وقت طويل، ووقت الدورة لا يستوفي ، فنبدأ بعون الله تعالى.

مقدمة الحافظ رحمه الله
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد، فيقول المؤلف رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين: قال شيخنا الإمام العلامة مفتي الإسلام ...
الشيخ: هذا ما هو بالمؤلف؛ هذا أحد تلاميذ المؤلف ممن كتب الكتاب ونسخه، إنما كلام المؤلف رحمه الله يبدأ من قوله: ( الحمد لله ...)

القارئ: قدوة العلماء، شيخ المحدثين، الحافظ المفسر، بقية السلف الصالحين، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الشافعي، إمام أئمة الحديث والتفسير بالشام المحروس، فسح الله للإسلام والمسلمين في أيامه، وبلغه في الدارين أعلى قصده ومرامه:
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد..،
فإن علم الحديث النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام، قد اعتنى بالكلام فيه جماعة من الحفاظ قديمًا وحديثًا، كالحاكم والخطيب، ومن قبلهما من الأئمة، ومن بعدهما من حفاظ الأمة.
ولما كان من أهم العلوم وأنفعها، أحببت أن أعلق فيه مختصرًا نافعًا، جامعًا لمقاصد الفوائد، ومانعًا من مشكلات المسائل الفرائد.
ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشيخ الإمام العلامة: أبو عمرو بن الصلاح، تغمده الله برحمته من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشان، وربما عني بحفظه بعض المهرة من الشبان، سلكت وراءه واحتذيت حذاءه، واختصرت مابسطه، ونظمت ما فرقه، وقد ذكر من أنواع الحديث خمسة وستين، وتبع في ذلك الحاكم أبا عبد الله الحافظ النيسابوري شيخ المحدثين.
وأنا -بعون الله- أذكر جميع ذلك، مع ما أضيف إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير: أبي بكر البيهقي، المسمى بـ (المدخل إلى كتاب السنن)، وقد اختصرته أيضًا بنحو من هذا النمط، من غير وكس ولا شطط، والله المستعان وعليه التكلان.
الشيخ: من غير زيادة ولا نقص، (وكس) يعني: نقص، و(الشطط) : المجاوزة في القدر.

تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان.


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 04:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

الشيخ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.
نبدأ بشرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير رحمه الله,الذي اختصر فيه كتاب علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح.
وابن الصلاح هذا هو أحد علماء الحديث,كانت
ولادته في سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
ونشأ في بيئة صالحة معروفة بالعلم,وتفقه على أبيه,وبرع في علم الحديث وفي علوم أخرى.
فلم يقصر نفسه على علم الحديث فقط,وأخذ عن بعض العلماء المشاهير؛كأبي المظفر السمعاني, وابن قدامة صاحب (المغني) وغيرهم من العلماء.
وكان محل ثناء من قبل العلماء قاطبة,يصفونه بالصلاح والزهد والعبادة, ووصفه ابن كثير بأنه كان على طريقة السلف التي هي طريقة بعض المحدثين في زمانه, ويؤكد ذلك الذهبي رحمه الله,فيصفه بأنه كان سلفيا حسن المعتقد, ولا ريب؛ فإن علم الحديث يدل صاحبه على الطريق الصحيح الذي فيه تعظيم نصوص الشرع, والوقوف معها حيث وقفت,وعدم الخوض في علم الكلام.
توفي رحمه الله في سنة ثلاث وأربعين وستمائة,
وترك عدة مؤلفات نافعة وجيدة,من جملتها شرح لصحيح مسلم, لكن الذي يظهر أنه لم يتمه, ومن جملة ذلك أيضا كتاب آخر في طبقات الشافعية,وكتب أخرى, من أهمها هذا الكتاب الذي هو (علوم الحديث) الذي صنفه رحمه الله, واتكأ عليه كل من جاء بعده من العلماء, ما بين مختصر وناظم ومعلق ومحشي وشارح لذلك الاختصار, وشارح لذلك النظم, وهلم جرا.
فهو أول من قعد علوم الحديث بهذه الصفة؛ لأنه جاء وعلوم الحديث شتات في كتب الخطيب البغدادي, وفي كتب غيره, ولكن من أهمها كتب الخطيب البغدادي, فجمع شتات تلك الكتب, ووضعه على صفة أنواع سنرى إن شاء الله ونسمع في كلام الحافظ ابن كثير تعداده لهذا العلوم, وهذه الأنواع, التي ذكرها ابن الصلاح, وما لابن كثير عليه من ملاحظات, وهي ملاحظات كما يسمى فنية في تقسيم بعض الأنواع إلى أقسام, وكان الأولى أن يضم بعضها إلى بعض أو العكس, وهكذا.
أما ابن كثير فهو الإمام المشهور, المفسر المحدث المؤرخ البارع,كنيته أبو الفداء, ويلقب بعماد الدين.
وهو: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي, ولد رحمه الله كما يخبر هو من نفسه في سنة إحدى وسبعمائة, وتوفي في سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
وطلب العلم على أيدي خلق كثير, من أهمهم وممن تأثر بهم شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة, والحافظ جمال الدين يوسف بن زكي المزي المتوفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة,صاحب كتاب (تهذيب الكمال) و (تحفة الأشراف), ومن جملتهم الحافظ الذهبي المتوفى في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة,هؤلاء من أهم شيوخه,وغيرهم كثير.
ومن جملة من تتلمذ عليه والده.
فوالده رحمه الله كان من أهل العلم,وكان رجلا صالحا, وكان خطيبا في بلدته,بل وخطيبا مفوها مؤثرا يجتمع الناس عليه, وكان لخطبه تأثير بالغ, أحبه الناس لأجلها, ووالده من تلاميذ النووي.
وكان بيته بيت علم, وأسرته أسرة صالحة, فوالدته كانت حافظة لكتاب الله, ووالده سوى حفظ كتاب الله -كما قلت- أيضا هو من أهل العلم, وممن تتلمذ عليه ابن كثير,ثم إنه تزوج بابنة شيخه جمال الدين المزي, وكانت حافظة لكتاب الله أيضا هذه الزوجة, وحفظت القرآن على والدتها, فوالدتها كانت أيضا من الحافظات لكتاب الله, فهكذا يكون تأثير هذه البيوت على هذا النشأ, وله من زوجته أربعة أولاد,من جملتهم عمر, وكان من أشهر أولاده, ومن الذين لهم نصيب أيضا في العلم, لكن شهرته كشهرة والده.
القارئ : الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين,نبينا محمد بن عبد الله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد..,
قال المصنف رحمه الله تبارك وتعالى:
الحمد لله, وسلام على عباده الذين اصطفى,أما بعد..,
فإن علم الحديث النبوي, على قائله أفضل الصلاة والسلام,قد اعتنى بالكلام فيه جماعة من الحفاظ قديما وحديثا,كالحاكم والخطيب,ومن قبلهما من الأئمة ومن بعدهما من حفاظ الأمة,ولما كان من أهم العلوم وأنفعها, أحببت أن أعلق فيه مختصرا نافعا جامعا لمقاصد الفوائد, ومانعا من مشكلات المسائل الفرائض.
قال: ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشيخ الإمام العلامة أبو عمرو بن الصلاح,تغمده الله برحمته, من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشأن, وربما عني بحفظه بعض المهرة من الشبان,سلكت وراءه,واحتذيت حذاءه, واختصرت ما بسطه, ونظمت ما فرطه.
وقد ذكر من أنواع الحديث خمسة وستين, وتبع في ذلك الحاكم أبا عبد الله الحافظ النيسابوري, شيخ المحدثين, وأنا بعون الله أذكر جميع ذلك مع ما أضيف إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي, المسمى بـ (المدخل إلى كتاب السنن) وقد اختصرته أيضا بنحو من هذا النمط,من غير وكس ولا شطط.والله المستعان,وعليه التكلان.
قال : ذكر تعداد أنواع الحديث:
صحيح, حسن, ضعيف, مسند, متصل, مرفوع, موقوف. مقطوع .مرسل. منقطع. معضل. مدلس. شاذ. منكر. ماله شاهد. زيادة الثقة. الأفراد.المعلل. المضطرب. المدرج. الموضوع. المقلوب.
معرفة من تقبل روايته, معرفة كيفية سماع الحديث وإسماعه, وأنواع التحمل من إجازة وغيرها,معرفة كتابة الحديث وضبطه, وكيفية رواية الحديث وشرط أدائه,آداب المحدث. آداب الطالب.
معرفة العالي والنازل. المشهور. الغريب. العزيز. غريب الحديث ولغته. المسلسل. ناسخ الحديث ومنسوخه. المصحف إسنادا ومتنا. مختلف الحديث. المزيد في الأسانيد. الخفي المرسل. معرفة الصحابة. معرفة التابعين. معرفة أكابر الرواة عن الأصاغر.
المدبج ورواية الأقران. معرفة الإخوة والأخوات, رواية الأبناء عن الآباء, عكسه, من روى عنه اثنان متقدم ومتأخر، من لم يرو عنه إلا واحد. من له أسماء ونعوت متعددة, المفردات من الأسماء. معرفة الأسماء والكنى. من عرف باسمه دون كنيته. معرفة الألقاب. المؤتلف والمختلف. المتفق والمختلف. نوع مركب من اللذين قبله.نوع آخر من ذلك.
من نسب إلى غير أبيه. معرفة الأنساب التي يختلف ظاهرها وباطنها, معرفة المبهمات. تواريخ الوفيات.
معرفة الثقات والضعفاء. من خلط في آخر عمره. معرفة الطبقات. معرفة الموالي من العلماء والرواة. معرفة بلدهم وأوطانهم.
قال: فهذا تنويع الشيخ أبو عمرو وتركيبه رحمه الله.
قال : وليس بآخر الممكن في ذلك؛فإنه قابل للتنويع إلى مالا يحصى؛ إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم وأحوال متون الحديث وصفاتها.
قال : قلت : وفي هذا كله نظر,بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر؛ إذ يمكن إدماج بعضها في بعض, وكان أليق مما ذكره.
قال : ثم إنه قد فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض, وكان اللائق ذكر كل نوع إلى جانب ما يناسبه.
قال : ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب,وربما أدمجنا بعضها في بعض؛ طلبا للاختصار والمناسبة, وننبه على مناقشات لابد منها إن شاء الله تعالى.

الشيخ :الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..,
كما رأيتم وسمعتم, أن الحافظ ابن كثير رحمه الله ذكر السبب الدافع له إلى هذا المختصر, وأنه أحب أن يؤلف كتابا مختصرا ينتفع منه طلاب العلم جميعا, فعمد إلى كتاب ابن الصلاح هذا الذي كان في الأصل ابن الصلاح ألفه حينما كان يدرس بالمدرسة الأشرفية, التي أنشأها الملك الأشرف دارا للحديث, جعل ابن الصلاح مدرسا فيها, فألف ابن الصلاح كتابه الذي عرف بالمقدمة.
وذكر ابن الصلاح هذه الأنواع التي عدها ابن كثير,وأشار ابن كثير رحمه الله إلى بعض الذين ألفوا قبل ابن الصلاح,وهذا يدعونا إلى الإشارة إلى من هو أول من ألف؟ وهل يعتبر هذا التأليف تأليفا مستقلا, أو جاء عرضا في ثنايا بعض المؤلفات الأخرى ؟
حقيقة الكلام في علم الحديث,كلام الأئمة فيه كان في السابق منثورا, إما على صفة أسئلة توجه لبعضهم, أو لمناسبات معينة,كأن يرد ذكر لبعض الأحاديث أو لغير ذلك من المناسبات التي تجعل الإمام يتكلم عن مسألة من المسائل,كالمرسل مثلا أو التدليس أو الشذوذ, أو غير ذلك من الأشياء.
ثم جاء الإمام الشافعي - رحمه الله - فألف كتابه (الرسالة), وكتاب (الرسالة) في الأصل هو في أصول الفقه, ولكنه تضمن بعض مباحث علوم الحديث, مثل كلامه - رحمه الله - عن الآحاد, ومثل كلامه عن زيادات الثقات, وعن الشذوذ,وعن المرسل, وغير ذلك من الأنواع التي هي من مباحث علم المصطلح.
ثم جاء بعد ذلك مسلم بن الحجاج, فألف كتابه الصحيح, وجعل له مقدمة طويلة, هذه المقدمة تعتبر مما كتب في مصطلح الحديث, فقد تضمنت عدة أمور,كلها يستشهد بها,ويتكأ عليها, ويعتمد من جاء بعد ذلك ممن ألف.
ثم جاء بعد ذلك أبو داود السجستاني, فلما ألف كتابه (السنن) كان وجه إليه سؤال من أهل مكة عن سننه, فكتب لهم رسالة عرفت بـ: رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سنته, هذه الرسالة تضمنت أيضا بعض مباحث علم المصطلح.
ثم جاء الترمذي أبو عيسى, فألف كتابه المشهور (الجامع) وفي آخر الجامع هذا كتب كتابا ألحق بالجامع, هو كتاب (العلل المفردة), وهذا الكتاب تضمن أيضا الكثير من مباحث علم المصطلح, شرحه الحافظ ابن رجب رحمه الله في (شرح علل الترمذي) شرحا بديعا, لا يصلح لطالب علم أن يكف عنه, بل ينبغي لطلبة العلم أن يقرؤوا هذا الشرح؛ ليروا ما فيه من درر الفوائد.
وهكذا توالى كلام العلماء في هذه المسائل,ككلام لابن خزيمة نجده مبثوثا في صحيحه, أو لابن حبان في مقدمة صحيحه,أو مقدمة المجروحين ومقدمة الثقات, نجد الكلام مبثوثا,يختلف قلة وكثرة.
إلى أن جاء القاضي عبد الرحمن بن خلاد, المعروف بالرامهرمزي, المتوفى في ستين وثلاثمائة. فألف كتابه المشهور (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) فيعتبر هذا المؤلف أول ما ألف في علم المصطلح.. تأليفا مستقلا أعني, وإلا فقد سبقه ما أشرت إليه كالشافعي ومسلم وغيرهما, ولكن كلامهما ذاك جاء منثورا في كتب لم يقصدوا تأليفها مفردة في مصطلح الحديث, لكن أول من أفرده بالتصنيف هو القاضي عبد الرحمن بن خلاد المعروف بالرامهرمزي.
ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فألف كتابه : (معرفة علوم الحديث) وعدد أنواعا من علوم الحديث في كتابه, وعليها اعتمد كثيرا ابن الصلاح في تعداده لهذه الأنواع, ولكن ينقصه أيضا أشياء كملها ابن الصلاح من كتب أخرى, لكن عمدة ابن الصلاح في الإسهاب في كثير مما ذكره هي كتاب للخطيب البغدادي الذي جاء بعد الحاكم, فألف عدة كتب, بل لا يكاد فن من فنون المصطلح إلا وتجد الخطيب البغدادي مصنفا فيه,ألف كتاب (الكفاية في علم الرواية), وألف كتاب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع), وألف كتاب (السابق واللاحق), وألف كتاب (الفقيه والمتفقه), وألف كتاب (الرحلة في طلب الحديث),وألف كتاب (شرف أصحاب الحديث)...
إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة التي ألفها الخطيب البغدادي, وما أكثرها,كل كتاب يعتبر عبارة عن نوع أو أكثر من أنواع علوم الحديث.
الخطيب البغدادي متوفى في سنة ثلاث وستين وأربعمائة, أبو نعيم الأصبهاني متوفى في سنة ثلاثين وأربعمائة, فهو قبل الخطيب البغدادي,كان قد عمل مستخرجا على كتاب شيخه أبي عبد الله الحاكم (معرفة علوم الحديث) وقابل الخطيب البغدادي أيضا البيهقي, المتوفى في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة, ألف الكتاب الذي أشار إليه ابن كثير, ألف كتاب (المدخل إلى السنن) يعني: سننه الكبرى, وهذا الكتاب فيه كثير من مباحث علم المصطلح, لكنه لم يقصد بالتأليف في مصطلح الحديث, وإنما أراد أن يقدم بين يدي سننه بهذه المقدمة التي سماها المدخل.
كذلك أيضا مقدمة كتابه (معرفة السنن والآثار) فيه مباحث جيدة ورائعة في فن مصطلح الحديث.
فكل هذه الكتب هي من الكتب التي استفاد منها ابن الصلاح في تأليفه لهذا الكتاب الذي اختصره ابن كثير, الخطيب البغدادي, عدة أناس كالقاضي عياض وكالميانجي وغيرهما. لكن هؤلاء تقريبا هم أشهر من اعتمد عليه ابن الصلاح لما جاء ابن الصلاح رحمه الله وألف هذه المقدمة,كما ذكرت هي التي أصبحت عمدة لمن جاء بعده, لا تكاد تجد أحدا ممن ألف في المصطلح بعد ابن الصلاح إلا وتجد له أدنى صلة بكتاب ابن الصلاح.
فالنووي مثلا اختصر المقدمة في كتابه (التقريب) جاء السيوطي فشرح التقريب هذا في كتابه (تدريب الراوي), ابن كثير اختصر المقدمة في كتابه هذا, العراقي نظم مقدمة ابن الصلاح في منظومته المعروفة بألفية العراقي, وشرحها في شرح طبع باسم (فتح المغيث), والظاهر أن هذه التسمية ليست من الحافظ العراقي نفسه,وعمل أيضا حاشية على مقدمة ابن الصلاح وهي المسماة (التقييد والإيضاح).
جاء بعد ذلك الحافظ ابن حجر فوجد أن شيخه العراقي قد انتقد وأحش على مقدمة ابن الصلاح, وانتقد عليه بعض الأشياء, فجاء ابن حجر فاستدرك بعض الأشياء على ابن الصلاح,واستدرك أشياء على شيخه العراقي, وذلك في كتابه (النكت على كتاب ابن الصلاح).
جاء بعد ذلك تلميذه السخاوي فشرح ألفية العراقي في كتابه (فتح المغيث في شرح ألفية الحديث), ثم كما ذكرت لكم جاء السيوطي فألف (تدريب الراوي) الذي شرح فيه تقريب النووي, ونظم أيضا مقدمة ابن الصلاح في ألفية, وهي المعروفة بألفية السيوطي, وشرحها أيضا نفس السيوطي بشرح, لكنه لم يكمله وإنما أكمله بعد ذلك الترمذي.
على كل حال المؤلفات في علم الحديث كثيرة, لكن كل من جاء بعد ابن الصلاح -كما قلت لكم- نجد أنه يتصل بكتاب ابن الصلاح, وهذا دليل على أهمية هذا الكتاب, وإلا لو لم يكن كذلك لما حظي بهذا الاهتمام من قبل هؤلاء العلماء.
تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 04:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)


الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد.
ودرس هذا اليوم إن شاء الله تعالى نبتدئ به في التعليق على كتاب الحافظ ابن كثير كتاب.. التعليق على كتاب الحافظ ابن كثير الذي وسمه بـ (اختصار علوم الحديث), علوم الحديث أو كتاب علوم الحديث أصله لابن الصلاح الإمام المعروف, وابن الصلاح رحمه الله تعالى تولى تدريس مادة الحديث في إحدى مدارس دمشق, فرأى أن يقدم لذلك بدروس تتعلق بمصطلح الحديث, أو بعلوم الحديث, ولكنه لم يجد كتابًا مجموعًا مهذبًا مختصرا مرتبا مما ألف قبله؛ فإن التأليف قبل ابن الصلاح كان على طريقة أئمة السلف رحمهم الله تعالى, وهو التأليف عن طريق الإسناد, يبوب العالم للموضوع الذي يريد بكلمة من عنده ثم يسوق ما تحت هذا الباب من نصوص للعلماء.
فرأى ابن الصلاح رحمه الله تعالى أن يجمع هذا ويهذبه ويرتبه, ويجعله على شكل, أو على طريقة أنواع بعلوم الحديث ثم يمليه على طلبته, فجاء الكتاب المعروف المشهور بعلوم الحديث, وهو مشهور أيضًا بمقدمة ابن الصلاح, فهو مشهور بهذين الاسمين.
وقد رأيت لبعض الباحثين كلامًايقول فيه: إن اسم مقدمة ابن الصلاح هذا اخترعه بعض طابعي الكتاب. وهذا الكلام ليس بدقيق هذا الاسم الذي هو مقدمة ابن الصلاح, أطلق عليه من قبل ورأيته في شرح ملا علي القاري, فمثل هذا الكلام لم يتمعن فيه صاحبه.
والكتاب مشهور بعلوم الحديث, واشتهر أخيرًا عندنابمقدمة ابن الصلاح.
هذا الكتاب لما ألفه مؤلفه رحمه الله تعالى فرح به الناس في العالم الإسلامي كله, ويدلك هذا على أن العالم الإسلامي في ذلك الوقت بحاجة إلى كتاب مختصر مرتب, يقدم لهم علوم الحديث بأسلوب سهل.
لما خرج هذا الكتاب تلقاه العلماء بالقبول, فاشتغلوا عليه العلماء؛ منهم من اختصره كالنووي, وابن دقيق العيد, وابن كثير, ومنهم من اختصر بعض مختصراته كالنووي مثلًا, اختصر كتابه المختصر, وكالذهبي اختصر كتاب ابن دقيق العيد الذي هو الاقتراح اختصره بالموقظة, ومنهم من نظمه مثل العراقي, والسيوطي,ومنهم من وضع عليه نكتًا وفوائد.
واشتغل عليه الناس بحيث يمكن أن يقال: يعني إنه من الكتب النوادر التي كثرت عليها المؤلفات, إذا كنا نعرف مثلًا يقولون لصحيح البخاري أكثر من مائة شرح, أو نحو ذلك فإنه كتاب ابن الصلاح رحمه الله ملحق بهذه الكتب, التي كثر التأليف عليهاوبلغ العشرات,كلها تدور حول كتاب ابن الصلاح.
ومن هذه الكتب كتاب الحافظ ابن كثير الذي سندخل فيه إن شاء الله تعالى هذا اليوم, ابن كثير معروف عندنا, ليس بحاجة إلى التعريف, فهو يعني من العلماء المشهورين, ومن العلماء الذين وصفوا بالموسوعات, العالم ما معنى كونه موسوعة؟
يعني: اشتغل بعدد من الفنون؛ فله الكتاب المشهور في التاريخ الذي هو البداية والنهاية، وله الكتاب المشهور في التفسير, الذي هو تفسير القرآن العظيم المعروف، وأيضا في الحديث اشتغل بهذا الكتاب، وله الكتاب المعروف أيضًا جامع المسانيد، وكتب في الرجال في الجرح والتعديل, واشتغل أيضًا بالفقه؛ له كتاب الأحكام الكبير.
فهو من العلماء الموسوعات, الذين اشتغلوا بعدة فنون، وصار إمامًا في كل فن, وهو رحمه الله عاش في القرن الثامن, ولد سنة إحدى وسبعمائة للهجرة, وتوفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وتتلمذ على أئمة, فضلا من أشهرهم ابن تيمية رحمه الله,وأيضًا المزي, الذي كان له لهذا الرجل الذي هو المزي أثر كبير في عصره بالنسبة للسنة النبوية,بأنه رحمه الله ليس من العلماء الذين وصفوا بأنهم موسوعات, وإنما هو من الذين اشتغلوا بالتخصص فليس له كتب، أوليس اشتغال إلا بالحديث, فتخرج به أئمة؛ منهم الذهبي, وابن تيمية, وجمع.
المهم أن ابن كثير تتلمذ على المزي, وتزوج أيضًا بابنته,صاهره، وأيضًا تتلمذ على الذهبي, وعلى أئمة كثيرين, هذا هو مؤلف هذا الكتاب.
أما عمله في الكتاب سنقرأ ماذا سيعمل في الكتاب, ولكن أحب أن أشير إلى نقطة مهمة في شخصية ابن كثير وفي اشتغاله بعلم الحديث، وفي قيامه باختصار كتاب ابن الصلاح دليل عظيم على أهمية الاشتغال بعلم المصطلح, أو بعلوم الحديث, وعلوم الحديث إذا أطلقت تشتمل على شيئين:
الشيء الأول: ما يعرف عندنا بمصطلح الحديث، مصطلح الحديث ما هو ؟
معناه: معرفة مصطلحات أهل الحديث, فإذا قالوا كلمة ماذا يريدون بها؟ ما معناهاعندهم ؟ فإذا قالوا مثلا: هذا الحديث مرسل.
ماذا يريدون به؟ إذا قالوا: هذا الحديث موصول.ماذا يريدون به؟ إذا قالوا: فلان مدلس.ماذا يريدون بهذه الكلمة؟ إذا قالوا: هذا الحديث منكر.
ماذا يعنون بمنكر ؟ إذا قالوا هذا الحديث مثلا: مسلسل,هذا الحديث معلق, هذا الحديث منقطع.
ماذا يريدون بهذه الكلمات؟.
هذا هو مصطلح الحديث.
وكذلك يضم علوم الحديث, يضم جانبًا آخر, أو يتضمن جانبًا آخر، أو جزءًا آخر وهو مهم، وهو الأمور أو هذا الجانب هو الأمور المتعلقة بقواعد النقد, الأمور المتعلقة بالقواعد, يعني: مثلا نحن نقول مثلا: عندنا مصطلح تعارض الوصل والإرسال,نشرح كلمة تعارض، ونشرح كلمة وصل, ونشرح كلمة إرسال, هذا الأمر يتعلق بأي شيء ؟ بالمصطلح، أو بالقواعد؟
هذا الشرح يتعلق بالمصطلح, في جانب آخر ما الحكم إذا تعارض وصل وإرسال ؟ فهذا الأمر يتعلق بالقاعدة, يعني: جانب آخر. وهما جانبان متميزان, فإذا قيل: مصطلح الحديث, فالمراد به معرفة المصطلح, ماذا يريد به أئمة الحديث ؟ وعندنا جانب آخر الذي هو جانب قواعد النقد.
وطالب العلم أول ما يبتدئ به بأي النوعين ؟ أول ما يبتدئ به، أو أيهما أسهلهما ؟ بلا إشكال الجانب المتعلق بالمصطلح, ويبتدئ به الشخص في كتب علوم الحديث مثل كتاب ابن الصلاح مخلوطة الأمور, ليس هناك شيء يقال: هذا مصطلح, وهذا قاعدة, لكن أنا أريد أن يتصور طالب العلم ما الذي يأخذه في هذا الفن ؟ غرضي من هذا الكلام هو أن في شخصية ابن كثير رحمه الله تعالى دليل واختصاره لكتاب ابن الصلاح، واشتغاله بفن المصطلح دليل عظيم على ضرورة الاشتغال بهذا العلم, وأن ما يقال من أن علم الحديث الذي هو نقد السنة من العلوم التي يقولون: طبخت واحترقت.
بعض العلماء قسم العلوم إلى ثلاثة أقسام: منها ما طبخ ولم ينضج,فهو بحاجة إلى أي شيء ؟ إلى مزيد طبخ.
ومنها ما طبخ ونضج,فهو بحاجة إلى أي شيء ؟ إلى الاستفادة منه.
ومنها ما طبخ ونضج واحترق, وجعل من العلوم التي طبخت ونضجت واحترقت؛ علم نقد السنة.
لكن الشاهد ما هو هنا؟
هو انظروا إلى أثر علم مصطلح الحديث, أو أثر علوم الحديث على الحافظ ابن كثير, وعلى يعني المسلمين عامة في شخصية ابن كثير ما الذي أريده هنا؟ نحن نعرف أن كتب التفسير ابتداء من الكتب الجوامع, مثل جامع البيان, ومثل تفسير ابن أبي حاتم، وهذه التفاسير التي جمعت كل شيء,كل ما قيل في التفسير بالمأثور، ثم تلتها كتب مثل الثعالبي أو الثعلبي وكتاب البغوي والبيضاوي, كتب.. والزمخشري, وكتب في التفسير كثيرة جدًّا من الأشياء التي اشتهرت بها هذه الكتب في العصور المتأخرة بكل أسف أنها محشوة بأي شيء؟
بالأحاديث الضعيفة والموضوعة, ومحشوة أيضًا, دخلها موضوع خطير, وهو المتعلق بأي شيء؟ بالإسرائيليات, ما هو الجديد في هذا الأمر؟ انظروا في نهاية القرن.. أو في منتصف القرن الثامن, يقوم إمام ويقوم بجهد كبير جدا في سبيل تنقيه علم التفسير من هذه الأمور التي دخلت عليه, من هو هذا الإمام؟
هو ابن كثير رحمه الله تعالى, هو ابن كثير، ونحن نعرف أن من أهم مميزات تفسيره نقده للمرويات, ولهذا أولًا قام بحذف شيء كثير جدًا من التفسير, مما وضع قبله من قبل ابن جرير, وغيره.
وثانيا: يورد بعض الأحاديث، وبعض المرويات, ثم يقوم بنقد هذه المرويات, نعم بقي في تفسيره أشياء تحتاج إلى نقد، ولكنه رحمه الله تعالى قدم هذا الجهد, ما الذي جعله يقوم بهذا ؟ ما الذي جعله يتولى هذا الامر؟
إنما هو اشتغاله بعلوم الحديث, وأنت الآن خذ أي مؤلف مثلا تدرك لأول وهلة من قراءتك لكتابه إن كان مهتمابالتصحيح والتضعيف، أو كان غير مهتما بذلك, فهو يجمع ويستدل بأحاديث ربما تكون موضوعة.
فالقول بأن الناس، أو بأن الاشتغال بعلوم الحديث انتهى دوره, هذا كلام خطير لا ينبغي أن يلتفت له؛ فالناس في كل زمان بحاجة إلى رجال وإلى علماء في كل فن, حتى لو كان انتهى هذا العلم, أو طبقت قواعده؛ لأن المستفتى, أو السائل لو قال لك: ما حكم, أو هذا الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما درجته ؟ هل يمكن أن تقول له:ترى ابن معين تكلم فيه اذهب فانظر ماذا قال ؟ ما يمكن هذا,ولا يعرف هو ابن معين, ولا يعرف الكتب.
إذن الناس بحاجة إلى من يوجههم في كل فن, ومن هذه الفنون التي هم بحاجة إليها, ولا سيما في الوقت الحاضر هو علم نقد السنة, أوما نعرفه باسم علوم الحديث, ولا سيما في هذا الوقت الذي انتشرت فيه الكتب، وطبعت فيه, وسهل الوصول إلى الحديث في أماكنه، واطلعنا على شيء كثير من كلام العلماء, فهو بحاجة إلى مقارنة, العلماء يختلفون, العلماء لهم مصطلحات؛ قد يقول الإمام: هذا حديث صحيح. ولا يريد به الصحة المطلقة, وقد يقول: حديث ضعيف. وقد يقول شيئًا ولا يريد به, يعني: كلامه مقيد, من الذي يستطيع أن يميز هذا من هذا ؟
إنما هو المشتغل, المشتغل بنقد السنة, وقل, أولا يخلو علم من علوم الشرع, أو من العلوم المتعلقة بالشرع, حتى العلوم اللغوية والنحوية من الحاجة إلى علم مصطلح الحديث: اللغة، النحو، التفسير، الفقه, أصول الفقه,كل هذه العلوم محتاجة, أو يحتاج صاحبها إلى علوم الحديث.
حتى لا تستغربون أن يكون النحو بحاجة إلى علوم الحديث, نحن نعرف أنه قام بعض العلماء رحمهم الله تعالى من النحاة بتقعيد قواعد, أو بتأكيد قواعد مختلف فيها استدلالًا بأي شيء ؟ بالحديث, ولكن هذه الأحاديث التي استدل بها هي بحاجة إلى أي شيء ؟ إلى نقد, وإلى تمييز ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و من يتمعن قليلا في فتح الباري للحافظ ابن حجر, سيجد نماذج من الاستدلال بالحديث في علوم, اترك علم الفقه هذا واضح لا إشكال فيه، أو التفسير, التفسير مثلا نقل إلينا شيء كثير من التفسير بالمأثور, هو بلا شك بحاجة نقد, لكن العلوم الأخرى التي قد القارئ لا يتصور أنها بحاجة إلى علوم الحديث علم اللغة، علم النحو, البلاغة, الأمثال, علوم كثيرة بحاجة إلى علم مصطلح الحديث.
والآن بعد هذه المقدمة ندخل في الكتاب, والكتاب كما هو معروف بالنسبة لهذه الدروس يعتبر هو اختصار.
تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المقدمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir