قال المؤلفون: ((وأمَّا الشرْطُ)، فالتقييدُ بهِ يكونُ للأغراضِ التي تؤَدِّيها معاني أدواتِ الشرْطِ، كالزمانِ في متى وأيَّانَ، والمكانِ في أينَ وأنَّى وحيْثُما، والحالِ في كيْفَما. واستيفاءُ ذلكَ وتحقيقُ الفرْقِ بينَ الأدواتِ يُذْكَرُ في علْمِ النَّحْوِ. وإنَّما يُفَرَّقُ ههنا بينَ إنْ وإذا ولوْ لاختصاصِها بمزايا تُعَدُّ منْ وجوهِ البلاغةِ، فإنْ وإذا للشرْطِ في الاستقبالِ، ولوْ للشرْطِ في المضِيِّ. والأصْلُ في اللفظِ أنْ يَتْبَعَ المعنى، فيكونَ فِعْلًا مضارعًا معَ إنْ وإذا، وماضيًا معَ لوْ، نحوُ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ}، وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ، {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
والفرْقُ بينَ إنْ وإذا أنَّ الأصلَ عدَمُ الجزْمِ بوقوعِ الشرْطِ معَ إنْ، والجزْمُ بوقوعِه معَ إذا؛ ولهذا غَلَبَ استعمالُ الماضي معَ إذا، فكأنَّ الشرْطَ واقعٌ بالفعْلِ بخلافِ إنْ، فإذا قُلْتَ: إنْ أَبْرَؤُ منْ مرَضِي أتَصَدَّقْ بألْفِ دينارٍ، كُنْتَ شاكًّا في البُرْءِ. وإذا قُلْتَ: إذا بَرِئْتُ منْ مرَضِي تَصدَّقْتُ، كُنْتَ جازمًا بهِ أوْ كالجازمِ. وعلى ذلكَ فالأحوالُ النادرةُ تُذْكَرُ في حيِّزِ إنْ، والكثيرةُ في حَيِّزِ إذا. ومنْ ذلكَ قولُه تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصْبِهْمُ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}، فلكَوْنِ مجيءِ الحسنةِ محَقَّقًا؛ إذ المرادُ بها مُطْلَقُ الحسنةِ الشاملِ لأنواعٍ كثيرةٍ كما يُفْهَمُ من التعريفِ بأل الجنسيَّةِ، ذُكِرَ معَ إذا، وعُبِّرَ عنهُ بالماضي. ولكَوْنِ مجيءِ السيِّئةِ نادرًا؛ إذ المرادُ بها نوعٌ مخصوصٌ كما يُفْهَمُ من التنكيرِ وهوَ الجدْبُ، ذُكِرَ معَ إنْ وعُبِّرَ عنهُ بالمضارعِ. ففي الآيةِ مِنْ وَصْفِهِم بإنكارِ النِّعَمِ وشِدَّةِ التحامُلِ على موسى عليهِ السَّلامُ ما لا يَخْفَى.
ولوْ للشرطِ في المضِيِّ؛ ولذا يَلِيها الفعْلُ الماضي، نحوَ: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ}.
وممَّا تَقَدَّمَ يُعْلَمُ أنَّ المقصودَ بالذاتِ من الجملةِ الشرطيَّةِ هوَ الجوابُ، فإذا قُلْتَ: إن اجْتَهَدَ زيدٌ أكْرَمْتُهُ، كُنْتَ مُخْبِرًا بأنَّكَ ستُكْرِمُهُ، ولكنْ في حالِ حصولِ الاجتهادِ لا في عمومِ الأحوالِ.
ويَتفرَّعُ على هذا أنَّها تُعَدُّ خبريَّةً أوْ إِنشائيَّةً باعتبارِ جوابِها).(دروس البلاغة)