107 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةً، فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاهُ.
وَلأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَحْوُهُ، وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ ضعيفٌ.
لأنَّهُ مِن روايةِ الحارِثِ بنِ وَجِيهٍ، قالَ أَبُو دَاوُدَ: حديثُه مُنْكَرٌ، وهو ضعيفٌ.
وقالَ التِّرْمِذِيُّ: غريبٌ، لا نَعْرِفُه إلاَّ مِن حديثِ الحارِثِ، وهو شيخٌ ليسَ بذاكَ.
وقالَ الشَّافِعِيُّ: هذا الحديثُ ليسَ بثابتٍ. وقالَ البَيْهَقِيُّ: أَنْكَرَه أهلُ العلمِ بالحديثِ، مثلُ البُخَارِيِّ، وأبي داودَ، وغيرِهما.
وأمَّا حديثُ عَائِشَةَ عندَ الإمامِ أحمدَ، ففيه راوٍ مجهولٌ، وجَهالَةُ الراوِي من غيرِ الصحابةِ تُوجِبُ ضعفَ الحديثِ.
ومعَ هذا الضَّعْفِ، وبعدَ بيانِ ابنِ حَجَرٍ في التلخيصِ الحَبِيرِ له قالَ: وفي البابِ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً: ((مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا، فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا)). وقالَ: إسنادُه صحيحٌ، أَخْرَجَه أَبُو دَاوُدَ (249)، وابنُ ماجهْ (2599)، لكن قِيلَ: إن الصوابَ وَقْفُه على عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. اهـ.
قلتُ: ولا يَضُرُّ وَقْفُه؛ حيثُ له حُكْمُ الرفعِ؛ لأنه مِمَّا لا مجالَ للرأيِ فيه. واللَّهُ أعلَمُ.
مُفرداتُ الحديثِ:
- جَنَابَةً: قالَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ: تُطْلَقُ على المعنَى الحُكْمِيِّ الذي يَنْشَأُ عنِ الْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ أو الإنزالِ.
- أَنْقُوا: نَقِيَ الشيءُ نَقَاوَةً ونَقَاءً: نَظُفَ، فهو نَقِيٌّ.
- البَشَرَ: بفتحِ الباءِ الموحَّدَةِ التحتيَّةِ، وفتحِ الشينِ المعجمةِ، بعدَها راءٌ: ظاهِرُ الجلدِ، مُفْرَدُه بَشَرَةٌ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- وُجُوبُ الغُسْلِ مِن الجَنَابَةِ والتأكيدُ فيه؛ لأنَّه لا يَصِحُّ معَ الحَدَثِ صَلاةٌ، ولا نَحْوُها مِن العباداتِ التي تَتَوَقَّفُ صِحَّتُها على الطهارةِ.
2- وجوبُ تَعْمِيمِ الجسمِ بالماءِ، فلا تَكْمُلُ الطهارةُ بتركِ شيءٍ منه، ولو قليلاً لا يُدْرِكُه الطَّرْفُ.
3- ذلكَ أنَّ اللَّذَّةَ قد عَمَّتْ جميعَ البَدَنِ، واهْتَزَّ لها، فكذلك الماءُ لا بُدَّ أنْ يُصِيبَ جميعَ أجزائِه كما أنَّ جَلْدَ الزاني يَعُمُّ بَدَنَه؛ لحصولِ اللَّذَّةِ في جميعِ البدنِ.
4- في تعميمِ البَدَنِ بالغُسْلِ دليلٌ على تَعَلُّقِ الأحكامِ بعِلَلِها، وأنَّ الجنابةَ نَتيجةُ خُروجِ السُّلالةِ من جميعِ البَدَنِ، كما قالَ تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}. [السجدة:8] فصارَ التطهيرُ شاملاً لجميعِ البدنِ.
5- وجوبُ تَرْوِيَةِ أصولِ الشعَرِ، وإيصالِ الماءِ إلى ما تَحْتَها من البَّشَرَةِ.
6- وجوبُ إنقاءِ البَشَرَةِ؛ وذلك بتبليغِ الماءِ إليها، وهو يَدُلُّ على استحبابِ ذلك في بَقِيَّةِ البدنِ؛ للتحقُّقِ من وصولِ الماءِ إلى كلِّ جُزْءٍ منه.
7- قولُه: ((إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةً)). إمَّا أنْ يُحْمَلَ على ظاهرِه؛ فيكونَ معناه أنَّ كلَّ شَعَرَةٍ تحتَها جُزْءٌ لطيفٌ مِن البَدَنِ لَحِقَتْه الجنابةُ، فلا بُدَّ مِن رَفْعِها بإصابةِ الماءِ هذا الجزءَ، وإمَّا أنْ يُحْمَلَ على المبالغةِ، فتكونَ المبالغةُ جائزةً، لا سيَّما في مواطنِ الحَثِّ والاهتمامِ.
8- قالَ العلماءُ: يَجِبُ على المُغْتَسِلِ من الحَدَثِ الأكبرِ أنْ يُوصِلَ الماءَ إلى مَغابِنِه وجميعِ بَدَنِه، فيَتَفَقَّدَ أصولَ شَعَرِه وغَضَارِيفَ أُذُنَيْهِ وتحتَ حَلْقِهِ، وإِبِطَيْهِ، وعُمْقَ سُرَّتِه، وبينَ أَلْيَتَيْهِ، وطَيَّ رُكْبَتَيْهِ، ويَكْفِي الظنُّ في الإسباغِ.