دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > الورقات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 09:38 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المقدمة

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ(وَرَقَاتٌ)تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مِنْ أُصُولِ الفِقْهِ.


  #2  
قديم 12 ذو القعدة 1429هـ/10-11-2008م, 11:40 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي شرح الورقات للعلامة : جلال الدين محمد بن أحمد المحلي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ، الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْدُ:
(1) (هَذِهِ وَرَقَاتٌ)قَلِيلَةٌ (تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ) يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُبْتَدِئُ وَغَيْرُهُ.


  #3  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 02:16 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي

بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
وبِهِ نَستعينُ:
الحمدُ للهِ كما يَلِيقُ بكمالِ وَجهِهِ وعِزِّ جَلالِهِ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ عُدَّةٌ للقائِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
حمدًا للهِ سبحانَهُ، والصلاةُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فإنَّهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيَّ إشارةٌ كريمةٌ أَمْرُها حُكْمٌ، وطاعَتُها غُنْمٌ، بتَعليقٍ على كتابِ (الوَرَقاتِ) في أُصُولِ الفِقْهِ، المنسوبِ إلى العَلاَّمةِ (إمامِ الحرَمَيْنِ أبي المَعالِي)، يكونُ مَبسوطًا بضَرْبِ الأَمثلةِ، والإشارةِ إلى الأَدِلَّةِ، وإيضاحِ المُشْكِلِ، وتقييدِ المُهْمَلِ والمُغْفَلِ.
فبَادَرْتُ إلى الامتثالِ على حينِ فُتورٍ مِن الْهِمَّةِ، وقُصورٍ مِن الْحَظِّ، مُستعينًا باللهِ تعالى، ورَاجِيًا مِنْ يُمْنِ المُشِيرِ عَلَيَّ بذلكَ وسَعْدِ جَدِّهِ، أنْ أُوَفَّقَ لِمَا يَقَعُ منهُ بِمَحَلِّ الرِّضَى، ومُقْتَضَى القَصْدِ.
(1) (الوَرَقَاتُ)جَمْعُ وَرَقَةٍ، وهوَ جَمْعُ قِلَّةٍ؛ لأنَّهُ جَمْعُ سَلامةٍ، وجُموعُ السلامَةِ عندَ (سِيبَوَيْهِ) مِنْ جُمُوعِ القلَّةِ، قَصَدَ بذلكَ التقليلَ للتسهيلِ على الطالِبِ والتنشيطِ لِحِفْظِها.
- وقدْ جاءَ مِثلُ هذا في الكتابِ العزيزِ، فقالَ تعالى في فَرْضِ صومِ رَمضانَ على أَحَدِ قَوْلَي المفسِّرينَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، فوَصَفَ الشهرَ الكاملَ بأيَّامٍ مَعدوداتٍ للتسهيلِ على الْمُكَلَّفِينَ.
تَرجمةُ الإمامِ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
إمامُ الحرَمَيْنِ هوَ أبو الْمَعالِي عبدُ الملِكِ ابنُ الشيخِ أبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ يُوسُفَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ يُوسفَ بنِ مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبُ بضياءِ الدِّينِ، وُلِدَ في ثامِنَ عَشَرَ المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسعةَ عشرَ وأَرْبَعِمِائَةٍ، وتُوُفِّيَ بقَريَةٍ مِنْ أعمالِ نَيْسَابورَ يُقالُ لها: بشتنقانَ، ليلةَ الأربِعاءِ سَنَةَ ثمانٍ وسبعينَ وأربعِمِائَةٍ، جاوَرَ بِمَكَّةَ والمدينةِ أَربعَ سِنينَ يُدَرِّسُ العلْمَ ويُفْتِي، فَلُقِّبَ إمامَ الحرَمَيْنِ.

انتهَتْ إليهِ رِياسةُ العلْمِ بنَيْسَابورَ، وبُنِيَتْ لهُ المدرسةُ النِّظامِيَّةُ بها، ولهُ التصانيفُ الْمُفيدةُ التي لمْ يُسْبَقْ إلى مِثْلِها، ومنها فيما اشْتُهِرَ هذا الكتابُ؛ الذي قَلَّ حَجْمُهُ، وعَظُمَ نَفْعُهُ، وظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ، احْتَوَى على مَسائلَ خَلَتْ عنها الْمُطَوَّلاتُ، وفوائدَ لا تُوجَدُ في كثيرٍ مِن الْمُخْتَصَرَاتِ.


  #4  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 02:21 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ربِّ يَسِّرْ يَا كَرِيمُ]
الحمدُ للهِ الّذي خَلَقَ العالمَ منْ غيرِ اقْتباس، وأرْسلَ سيِّدَ الأوَّلينَ والآخرينَ رحمةً لجميعِ النَّاسِ، فأوضَحَ الكتابَ والسُّنَّةَ وأباحَ الاجتهادَ والقِيَاسَ؛ شفقةً لأمَّةٍ لمْ تجتمعْ على مخالفةِ الحقِّ بالانْعِكَاسِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليْهِ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ وعدَدَ الأنْفَاسِ، صلاةً وسلاماً دائميْنِ لاَ ارتيابَ فيهمَا ولاَ الْتِبَاسَ.
وعلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأزْواجِهِ المطهَّرِينَ مِنَ الأَرْجَاسِ، وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أمَّا بعــد:
فقدْ سألنِي بعضُ الإخوانِ- حَفِظهُ اللهُ تعالى - أنْ أشرَحَ لَه (الورقاتِ)، الَّتي للإمامِ العالمِ العلاَّمةِ إمامِ الحرميْنِ أبي المعالِي عبدِ اللهِ بنِ الشَّيْخ أبي محمَّدٍ ضياءِ الدِّينِ شرْحاً متوسِّطاً، واضحاً بالأمثالِ والأدلَّةِ، منْ غيرِ إشكالٍ وألفاظٍ غريبةٍ، ولاَ لغاتٍ عنِ الأفهامِ بعيدةٍ، ولاَ إيراداتٍ غامضةٍ.
فإنَّ هذهِ الأشياءَ مِمَّا تُشْكِلُ على المبتدِي، ويَسْبِقُ عَمَّا بهِ يهتدِي، وإنَّمَا قصدتُ بهِ التَّذكرةَ للمُنتهي وإيضاحاً للمُبتدِي.
وإنِ اضْطُرِرْتُ إلى إيرادٍ آتي بهِ واضحاً على ما ستراهُ إنْ شاءَ اللهُ - تعالى - في موْضِعِهِ ظَاهراً.
معَ أنَّ الخَواطرَ كليلةٌ والهمومَ كثيرةٌ، والاستعداداتِ قليلةٌ.
فأجبتُهُ؛ حياءً لكثرةِ سؤلِهِ، راغباً منَ اللهِ الإجابةَ لدعائِهِ.
وسألتُ اللهَ الكريمَ الإفاضةَ منْ بحرِ إحسانِهِ؛ إذْ لاَ ملجأَ في الأمورِ إلاّ إليْهِ، ولا اتِّكالَ في الإِنعامِ إلاَّ عليهِ.
وأسْألُ النَّاظرَ إليهِ أنْ يَعْذِرَ فيمَا عساهُ أنْ يَعْثُرَ عليهِ؛ لأنَّ الآراءَ مُخْتلفةٌ والأقلامَ لمْ تكُنْ عنْ كِتابٍ مُرْتفعةً.
وسمَّيْتُهُ بـ: (الأَنْجُمِ الزَّاهِرَاتِ عَلى حَلِّ أَلْفاظِ الوَرَقاتِ)
ومَا توفيقي إلاَّ باللهِ، عليهِ توكَّلتُ وهوَ حسبِي ونعمَ الوكيلُ.
أقولُ وباللهِ التَّوفيقُ:
(1) إنَّمَا صدَّرَ كتابَهُ -بعدَ البسملةِ- بالحمدِ:
- اقتداءً بالكتابِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّهُ تعالى ذكرَ الحمدَ بعدَ البسملةِ في الفاتحةِ وغيرِهَا.
وأمَّا السُّنَّةُ فقدْ حثَّ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- عَلَى البَسْمَلَةِ والحمدِ في الابتداءِ فقالَ عليهِ السَّلامُ: ((كلُّ أمْرٍ ذِي بالٍ- أيْ: شأنٍ مُهمٍّ-لاَ يُبْتَدا فيهِ ببسمِ اللهِ فهوَ أبترُ)) أيْ: قليلُ البركةِ، رواهُ ابنُ عبَّاسٍ، وفي روايةٍ لهُ: ((فهوَ أَجْذَمُ)).
وفي روايةٍ: ((بالحمدُ للهِ فهوَ أقْطعُ)) رواهُ أبو هريرةَ.
والمعنى واحدٌ.
ولهذَا جرتْ سُنَّةُ السَّلفِ والخلفِ بتصديرِ الحمدِ في أوائلِ تصانيفِهِمْ.
وقد اختلفُوا في (اللاَّمِ) الدَّاخِلَةِ على الحمدِ:
- فذهبَ الأكثرونَ إلى أنَّهَا للاستغراقِ؛ لأنَّ الحمدَ لهُ - تعالى - حقيقةٌ على جميعِ أفعالِهِ.
- ويجوزُ أنْ تكونَ للعَهْدِ وهوَ: (حمدُهُ تعالى نفسَهُ حينَ خَلَقَ الخَلْقَ، أوْ حمدُ الملائكةِ، أو الأنبياءِ - عليهمُ السَّلامُ -).
وعلى القوْليْنِ: الحمدُ هوَ: الثَّناءُ باللِّسانِ على المحمودِ مطْلقًا، سواءٌ كانَ عنْ نعمةٍ أوْ غيرِهَا، فعلى هذَا: هوَ أعمُّ منَ الشُّكْرِ؛ إذِ الشُّكْرُ لاَ يكونُ إلاّ مقابِلاً للنِّعْمَةِ فقطْ.
والشُّكْرُ أعمُّ منْ وجهٍ آخرَ؛ لأنَّهُ ثناءٌ باللِّسانِ والقلبِ والجوارحِ، والحمدُ باللِّسانِ فقطْ.
فكانَ كلٌّ منهُمَا عامًّا منْ وجهٍ، وخاصًّا منْ آخرَ، وذلكَ بحسَبِ الموْرِدِ والمُتعلَّقِ:-

-فموردُ الحمدِ واحدٌ وهوَ (اللِّسانُ) ومتعلَّقُهُ مُتعدِّدٌ؛ لكونهِ عنْ نِعْمةٍ وغيرِهَا.
-وموْرِدُ الشُّكْرِ متعدِّدٌ وهوَ (اللِّسان)ُ و(القلبُ) و(الجوارحُ)، ومتعلَّقُهُ واحدٌ وهوَ النِّعَمُ.
وإنَّمَا أُضِيفَ الحمدُ للهِ دونَ سائرِ أسمائِهِ تعالى؛ لأنَّهُ اخْتَصَّ بهِ تعالى دونَ غَيْرِهِ؛ لأنَّ المخلوقينَ تشاركُهُ في غيرِهِ (كالسَّميعِ) و(البصيرِ) وغيرِهِمَا، وإنْ كانتْ في غيرِهِ تعالى مَجَازًا.
وكذَا لوْ قُلْتَ:(الكريمُ) أوِ (الرَّحيمُ) فقدْ أثبتَّ لهُ تعالى صفةً واحدةً.
بخلافِ إذَا قُلْتَ: (يَا اللهُ) فهوَ جامعٌ لجميعِ أسمائِهِ وصفاتِهِ؛ لدلالتِهِ على الرُّبوبيَّةِ.

وَإِنْ سَقَطَ منْهُ حَرْفٌ فَهُوَ: (للهِ)، وإنْ سَقَطَ حرفَانِ لَهُ، وإنْ سَقَطَ ثلاثةٌ فهوَ هُوَ.
وهوَ غايةُ المقصودِ بخلافِ سائِرِ الأسماءِ.
وأمَّا الرَّبُّ:

-فيُطْلَقُ ويرادُ بهِ المالكُ؛ لأنَّ ربَّ الشَّيْءِ مالكُهُ كربِّ الدَّارِ وغيرِهَا.
-ويطلقُ على المُصْلِحِ - أيْضًا - فيقالُ: (رَبَّ الأَدِيمَ) أيْ: أَصْلَحَهُ.
-ويُطلقُ على المُرَبيِّ.
وفي الجملةِ لاَ تُطْلَقُ لفظةُ (الرَّبِّ) منْ غيرِ إضافَةٍ إلاّ على اللهِ - تعالى - دونَ غيرِهِ.
وأَمَّا مُضافًا فيجوزُ إطلاقُهَا على غيرِهِ؛ كقولِهِ تعالى حكايةً عنْ يُوسُفَ عليْهِ السَّلامُ: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}[يوسف:23].
- وكذلكَ قَوْلُهُمْ: (ربُّ النَّاقةِ) و(الدَّارِ) وغيرُ ذلكَ.
و العَالَمِينَ جمْعُ (عالَم)ٍ، وهوَ: مَا سِوَى اللهِ تعالى منْ سائِرِ المخْلُوقاتِ.
- وقيلَ: مَا فِيهِ حَيَاةٌ، وقيلَ: غيرُ ذلكَ
(2) أقولُ: لمَّا أثْنى على اللهِ -تعالى- سَأَلَهُ الصَّلاَةَ على رسولِهِ صلى الله عليه وسلم لأنَّ الصَّلاةَ مِنَ اللهِ: الرَّحمةُ، ومنَ الملائكةِ: الاسْتغْفارُ، ومنَ الآدميِّينَ: التَّضَرُّعُ والدُّعَاءُ.
وإنَّمَا أَعْقَبَ الصَّلاةَ بعْدَ الحَمْدِ؛ لكثرةِ اقترانِ اسمِهِ عليْهِ السَّلامُ معَ اسْمِهِ تعالى، ولهذَا جَرَتِ السُّنَّةُ منَ السَّلَفِ والخَلَفِ بإِتْباعِ الصَّلاةِ بعْدَ الحمدِ في تصانيفِهِمْ - رحمهُمُ اللهُ تعالى
وإنَّمَا سُمِّيَ مُحَمَّدًا؛ لكثرةِ خصالِهِ الحميدَةِ.
ونبيًّا لنبوَّتِهِ، وهوَ الارتفاعُ على سائِرِ الخَلْقِ أوْ لإِنبائِهِ وهوَ الإخبارُ للنَّاسِ عنِ اللهِ تعالى.

وأمَّا الآلُ: فأصْلُهُ أهلٌ لتصغيرِهِ على (أُهَيْلٍ)؛ لأنَّ التَّصغيرَ يرُدُّ الأشْياءَ إلى أصْلِهَا؛ لأنَّ الهاءَ قُلِبَتْ همزةً؛ لقربِ مخرجِهِمَا، ثمَّ قُلِبَتِ الهمزةُ ألفًا؛ لانفتاحِ مَا قبْلَهَا فصارَ (آل).
وفيهِ دليلٌ على جوازِ إضافةِ (الآلِ) إلى مُضْمَرٍ، وبهِ قالَ جمهورُ العلماء.ِ
وأنكرَهُ الكِسائيُّ والنَّحَّاسُ والزَّبيدِيُّ وقالُوا: لاَ يجوزُ إضافتُهُ إلاَّ إلى مُظْهَرٍ فلاَ يُقالُ إلاّ آلُ محمَّدٍ.
واخْتلفُوا في (الآلِ) على ثلاثةِ أقْوالٍ:
-فذهبَ الشَّافِعيُّ وأصْحابُه إلى أنَّهُمْ بنُو هاشمٍ وبنُو المُطَّلِبِ.
-وقالَ الأزهريُّ وغيرُهُ منَ المُحقِّقِينَ: همْ جميعُ الأُمَّةِ، وهوَ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ في (شرحِ مسلمٍ).
-وقيلَ: أهلُ بيتِهِ وعِتْرَتُهُ والصَّحابَةُ: جمْعُ صاحبٍ وهوَ: (كلُّ مُسْلِمٍ رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ولوْ ساعةً)، وَبِهِ قالَ جمهورُ العلماءِ.
- وقيلَ: (منْ طالَتْ صُحْبَتُهُ).
وهوَ الرَّاجِحُ عندَ الأُصُوليِّينَ واللهُ أعْلَمُ.

(3) أقولُ: لمَّا فَرَغَ أوَّلاً مِنَ الثَّناءِ على اللهِ، والصَّلاةِ على رسولِهِ، وآلِهِ وصَحْبِهِ أَشَارَ إلى مَا هُوَ بصددِهِ فقالَ:
(وَبَعْدُ...) أيْ: أقولُ - بعْدَ الحمدِ والصَّلاةِ - مَا تَشْتَمِلُ عليْهِ هذهِ الوَرَقَاتُ، وهيَ جمْعُ قلَّةٍ؛ لأنَّها جَمْعُ وَرَقَةٍ.
وإنَّمَا حَصَرَ الأصولَ في ورقاتٍ قليلةٍ؛ تسْهيلاً للْمُبْتَدِي بِهِ، وتذكرةً للمُنْتَهِي عنْهُ.


  #5  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 02:41 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني (الحطاب)

بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سيِّدِنَا محمَّدٍ.
قالَ الشَّيْخُ الإمامُ العالِمُ العلامةُ، البحرُ الفهَّامةُ، مُفتي المسلمينَ ببلدِ اللَّهِ الأمينِ، أبو عبدِ اللَّهِ محمَّدُ ابنُ الشَّيْخِ العلامةِ محمَّدٍ الحطَّابِ نَفَعَ اللَّهُ بهِ آمينَ:
الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى سيِّدِنا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجْمَعِينَ.
وبعدُ:فإنَّ كتابَ (الوَرَقَاتِ في عِلْمِ أُصولِ الفِقْهِ) للشَّيْخِ الإمامِ العلامةِ صاحبِ التَّصانِيفِ المُفيدةِ أبِي المَعَالِي عبدِ المَلِكِ إمامِ الحرمَيْنِ، كتابٌ صَغُرَ حَجْمُهُ، وَكَثُرَ عِلْمُهُ، وَعَظُمَ نَفْعُهُ، وظَهرَتْ بركتُهُ، وقدْ شَرَحَهُ جماعةٌ منَ العلماءِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُمْ، فمنْهُمْ مَنْ بَسَطَ الكلامَ عليْهِ، ومنْهُمْ مَن اخْتَصَرَ ذلكَ.

وَمِنْ أَحْسَنِ شُرُوحِهِ شَرْحُ شَيْخِ شُيُوخِنَا، العلامةِ المُفيدِ جلالِ الدِّينِ أبِي عبْدِ اللَّهِ محمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ المَحَلِّيِّ الشَّافِعِيِّ؛ فإنَّهُ كثيرُ الفوائدِ والنُّكَتِ.
وقدِ اشْتَغَلَ بهِ الطَّلَبَةُ وانتفعُوا بهِ؛ إلا أنَّهُ لِفَرْطِ الإيجَازِ قاربَ أنْ يكونَ منْ جُملةِ الألغازِ، فَلا يُهْتَدَى لفوائِدِهِ إلا بِتَعَبٍ وعنايَةٍ.
وقدْ ضعُفَتِ الهِمَمُ فِي هذا الزَّمَانِ، وكَثُرَتْ فيهِ الهُمُومُ والأَحْزَانُ، وقَلَّ فيهِ المُسَاعِدُ مِنَ الإخْوانِ، فاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تعالَى فِي شَرْحِ (الوَرَقَاتِ) بعبارةٍ واضحَةٍ، منبِّهَةٍ علَى نُكَتِ الشَّرْحِ المذكورِ وفوائِدِهِ.
بحيثُ يكونُ هذَا الشَّرْحُ شَرْحًا (للورقاتِ) وَللِشَّرْحِ المذكورِ، ويحصلُ بذلكَ الانْتِفَاعُ للمبتدئِ وغيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
ولا أَعْدِلُ عنْ عبارةِ الشَّرْحِ المذكورِ إلا لِتغييرِهَا بأوضحَ منهَا، أَوْ زيادةِ فائدةٍ.
وسمَّيتُهُ: (قرَّةَ العينِ بشرحِ ورقاتِ إمامِ الحرميْنِ).
واللَّهُ المسئولُ فِي بلوغِ المأمُولِ، وهُوَ حسبِي ونِعْمَ الوكيلُ.
وَلْنُقَدِّمِ التعريفَ بالمصنِّفِ عَلَى سبيلِ الاختصَارِ فَنَقُولُ:
هُوَ الشَّيْخُ، رئِيسُ الشَّافعيَّةِ، وأحَدُ أصحَابِ الوجُوهِ، وصَاحِبُ التصانِيفِ المُفِيدَةِ، أَبُو المَعَالِي، عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الجُوَيْنيُّ؛ بِضَمِّ الجِيمِ وَفَتْحِ الوَاوِ وَسُكُونِ اليَاءِ المُثَنَّاةِ التَحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ، نِسْبَةً إِلَى جُوَيْنٍ، وَهُوَ نَاحِيَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ نَوَاحِي نِيسَابُورَ، يُلَقَّبُ بضِيَاءِ الدِّينِ.
وُلِدَ فِي المُحَرَّمِ منْ سَنَةِ تِسْعَ عَشرَةَ وأربعِ مِائَةٍ.
وتُوفِّيَ بقرْيَةٍ مِنْ أعمالِ نِيسَابُورَ يُقالُ لَهَا: بِنْشقَالُ.
ليلةَ الأربعاءِ الخامِسِ والعِشرِينَ، مِنْ شَهْرِ ربِيعٍ الثانِي، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسبعِينَ وأَرْبَعِ مِائَةٍ.
وجاوَرَ بمكةَ والمدينةِ أَرْبَعَ سِنِينَ، يُدَرِّسُ العِلْمَ وَيُفْتِي، فَلُقِّبَ بِإِمَامِ الحَرَمَيْنِ، وانتهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ العِلْمِ بَنِيسَابُورَ، وبُنِيَتْ لَهُ المَدْرَسَةُ النِّظَامِيَّةُ.
وَلَهُ التَصَانِيفُ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا.
تَغَمَّدَهُ اللَّهُ برَحْمَتِهِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ، آمِينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أُصَنِّفُ، وكَذَا ينبغِي أَنْ يُجْعَلَ متعلَّقُ التَّسميَةِ مبدأَ مَا جُعِلَتِ التَّسْمِيَةُ لَهُ.
فَيُقَدِّرُ الآكِلُ: (بِسْمِ اللَّه)ِ آكُلُ، والقَارئُ:(بِسْمِ اللَّهِ أَقْرَأُ)؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ أَبْتَدِئُ؛ لإِفادَتهِ تَلَبُّسَ الفِعلِ كلِّهِ بالتسمِيَةِ، وأبتدِئُ لا يُفيدُ إلا تَلبُّسَ ابتدَائِهِ وتقديرَ المتعلَّقِ متأخِّرًا؛ لأَنَّ المقصُودَ الأهَمَّ البَدَاءةُ (بِاسْمِ اللَّه)ِ تَعَالَى، ولإفَادَةِ الحَصْرِ.
وابتدَأَ المُصَنِّفُ (بالبسمَلَةِ) اقتدَاءً بالقرآنِ العظِيمِ، وعمَلاً بحديثِ:((كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فَهُوَ أَبْتَرُ))رَوَاهُ (الخَطِيبُ) فِي كِتَابِ (الجَامِعِ) بِهَذَا اللَّفْظِ.
واكْتَفَى (بِالبَسْمَلَةِ) عَنِ (الْحَمْدَلَةِ): إِمَّا لأَنَّهُ حَمِدَ بِلِسَانِهِ وذَلِكَ كافٍ.
أَوْ لأنَّ الـمُرَادَ (بِالحَمْدِ) مَعْنَاهُ لُغَة: وَهُوَ الثَّنَاءُ، وَالبَسْمَلَةُ متضَمِّنَةٌ لِذَلِكَ، أَوْ لأنَّ المُرَادَ بِالحَمْدِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى.
- وَفي روَايَةٍ فِي (مُسْنَد) الإمَامِ (أَحْمَدَ):
((كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ؛ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ: أَقْطعُ)) عَلَى التَّرَدُّدِ.
وَقَدْ وَرَدَ الحَدِيثُ بروايَاتٍ متعدِدَةٍ.
قَالَ (النَّوَوِيُّ): (هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فلَمَّا اكْتَفَى بِالبَسْمَلَةِ عَنِ الْحَمْدَلَةِ؛ قَالَ:
(1) (هَذِهِ وَرَقَاتٌ) قليلةٌ؛ كَمَا يُشْعِرُ بِذلِكَ جَمْعُ السَّلامَةِ؛ فَإِنَّ جُمُوعَ السلامَةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِنْ جُمُوعِ القِلَّةِ، وعَبَّرَ بِذَلِكَ تَسْهِيلاً عَلَى الطَّالِبِ وَتَنْشِيطًا لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي فرضِ صومِ شهرِ رمضانَ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، فوصَفَ الشَّهْرَ الكامِلَ بأنَّهُ أيَّامٌ معدوداتٌ؛ تسهِيلاً عَلَى المُكَلَّفِينَ وتنشيطًا لَهُمْ.
وقِيلَ: إِنَّ المرادَ فِي الآيَةِ بالأيَّامِ المعدوداتِ: عاشوراءُ، وثلاثةُ أيَّامٍ مِنْ كلِّ شهرٍ؛ فإنَّ ذلكَ كانَ واجبًا أوَّلَ الإسلامِ، ثمَّ نُسِخَ.
والإشارَةُ بِـ(هذِهِ) إلَى حاضرٍ في الذِّهْنِ الخارجِ إنْ كانَ أتَى بها بعد التَّصنيفِ وإلا فهي إشارةٌ إلَى ما هو حاضرٌ في الذِّهنِ.
وَهَذِهِ الوَرَقَاتُ (تَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ) جَمعُ: فَصْلٍ، وَهُو:َ اسْمٌ لطائفةٍ مِنَالمَسائِلِ تشترِكُ فِي حُكْمٍ، وتلْكَ الفُصُولُ (مِنْ) عِلْمِ (أُصُولِ الفِقْهِ) ينتِفعُ بِهِ المبتَدِئُ وغَيرُهُ.


  #6  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 02:48 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ منْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ

مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ:
فهذا شَرْحٌ وَجِيزٌ على(ورقاتِ إمامِ الحَرَمَيْنِ في أُصُولِ الفقهِ):رَاعَيْتُ فيهِ سُهُولةَ الأسلوبِ، وإيضاحَ العبارةِ بإيرادِ الأمثلةِ.
وأصلُ هذا الشرحِ دُرُوسٌ أَلْقَيْتُهَا على بعضِ الطلبةِ في المسجدِ، فَرَغَّبَ إِلَيَّ عَدَدٌ من الإِخْوَةِ أَنْ أَقُومَ بِطِبَاعَتِهَا، فاعْتَذَرْتُ لهم بكَثْرَةِ شُرُوحِ (الورقاتِ) وَحَوَاشِيهَا، ولكنَّهُم أَلَحُّوا عَلَيَّ مُبْدِينَ بعضَ المَزَايَا، فاسْتَعَنْتُ باللهِ تعالى في تَلْبِيَةِ هذا الطَّلَبِ.

وأُصُولُ الفقهِ عِلْمٌ جليلٌ غزيرُ الفائدةِ، يَتَمَكَّنُ مُتَعَلِّمُهُ من القُدْرةِ على استنباطِ الأحكامِ الشرعيَّةِ من النصوصِ، على أُسُسٍ سليمةٍ، وقواعدَ صَحِيحَةٍ.
وعِلْمُ الفقهِ قائمٌ على الأُصُولِ، ولا يُمْكِنُ للفَقِيهِ أنْ يَعْرِفَ الأحكامَ الشرعيَّةَ العَمَلِيَّةَ إلاَّ بعدَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الفقهِ، وكذا المُحَدِّثُ، والمُفَسِّرُ.
والعالِمُ بالأُصُولِ يَشْعُرُ بالثقةِ والاطمئنانِ؛ لِمَا دَوَّنَهُ فُقَهَاءُ الإسلامِ، وأنَّ ذلكَ مَبْنِيٌّ على قواعدَ وأُسُسٍ سليمةٍ.
وأَوَّلُ مَنْ أَلَّفَ في أُصُولِ الفقهِ وجَمَعَهُ كَفَنٍّ مُسْتَقِلٍّ الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ؛ المولودُ سنةَ 150 هـ، والمُتَوَفَّى سنةَ 204 هـ.

ذَكَرَهُ الأَسْنَوِيُّ في(التمهيدِ) ص45، وحَكَى الإِجْمَاعَ فيهِ.
ثمَّ تَتَابَعَ العلماءُ بالتأليفِ، ما بينَ مُخْتَصِرٍ ومُطَوِّلٍ، ومَنْثُورٍ ومنظومٍ، حتَّى صَارَ فَنًّا مُسْتَقِلاًّ؛ رُتِّبَتْ أَبْوَابُهُ، وَحُرِّرَتْ مَسَائِلُهُ، وصارَ (كالتوحيدِ والفقهِ والحديثِ).
ومُؤَلِّفُ هَذِهِ الوَرَقَاتِ هوَ شيخُ الشافعيَّةِ أَبُو المَعَالِي عبدُ الملكِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يُوسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، نِسْبَةً إلى جُوَيْنَ منْ نواحِي نَيْسَابُورَ.

وُلِدَ سنةَ 419 هـ، وَتَفَقَّهَ على وَالِدِهِ فِي صِبَاهُ، وَرَحَلاَ إلى بغدادَ ثمَّ إلى مَكَّةَ، وَجَاوَرَ بها أَرْبَعَ سِنِينَ، فَلُقِّبَ بإمامِ الحَرَمَيْنِ، وذَهَبَ إلى المدينةِ فَأَفْتَى ودَرَّسَ، ثمَّ عادَ إلى نَيْسَابُورَ، فَبَنى لهُ الوزيرُ نِظَامُ المُلْكِ المدرسةَ النِّظَامِيَّةَ، فَدَرَّسَ فيها، وكانَ يَحْضُرُ دُرُوسَهُ أَكَابِرُ العُلَمَاءِ.
وكانَ أبو المَعَالِي في بدايَةِ أَمْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ أهلِ الكلامِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ من المُعْتَزِلَةِ، والأشاعرةِ.
وكانَ كثيرَ المُطَالَعَةِ لِكُتُبِ أبي هَاشِمٍ المُعْتَزِلِيِّ، قليلَ المعرفةِ بالآثارِ، فَأَثَّرَ فيهِ مجموعُ الأَمْرَيْنِ، لكنَّهُ رَجَعَ عنْ ذلكَ إلى مذهبِ السَّلَفِ، كما نَقَلَ ذلكَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في مواضعَ من (الفَتَاوَى) (انْظُر الفَهَارِسَ مج 2 ص 494).
وقدْ وَرَدَ عنْ أبي المَعَالِي ما يَدُلُّ على رُجُوعِهِ؛ حيثُ صَرَّحَ بِعَقِيدَتِهِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
وقالَ في (رِسَالتِهِ النِّظَامِيَّة)ِ: (والذي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا، وَنَدِينُ للهِ بهِ عَقْدًا، اتِّبَاعُ سَلَفِ الأُمَّةِ؛ فَالأَوْلَى الاتِّبَاعُ، والدليلُ السَّمْعِيُّ القاطعُ في ذلكَ أنَّ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وهوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ)... [انْظُرْ سِيرَةَ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ 18/468].
ماتَ أبو المَعَالِي سنةَ 478 هـ بِنَيْسَابُورَ رَحِمَهُ اللهُ، ولهُ عِدَّةُ مُؤَلَّفَاتٍ في أُصُولِ الدِّينِ والفقهِ والخلافِ وأُصُولِ الفقهِ.
وَكَتَبَهُ:

عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الْفَوْزَانُ


  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 02:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح فضيلة الشخ: عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرغ)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابـه ومن والاه.
أما بعد …
فمن المعلوم أن الله سبحانه شرّف العلم وأهله وأمر جل وعلا نبيه عليـه الصلاة والسلام بأن يطلب منـه أن يزيده علماً، قال الله سبحانه: {وقل رب زدني علماً}.
-وقال جل وعلا: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
- وقال سبحانه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم}
- وقال جل وعلا:{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
وثبت بالصحيحين وغيرهما من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من يُرِد الله به خيراً يُفقهه في الدين)).
- وروى الإمام البخاري وغيره من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((مـن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين))
-قال عليه الصلاة والسلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلّمه)) فالقرآن هو أصل العلم وأساسه.
-وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من تعلم القرآن وعلمه أنه من خير الناس ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وغيرهم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رجلاً قدم من المدينة عليه وهو بدمشق.فقال: (ما أقدمك ياأخي).قال: (حديث بلغني أنك تحدّث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام).
قال: (أما جئت لحاجة).قال: (لا).
قال: (أما قدمت لتجارة؟) قال: (لا).
قال: (ما جئت إلا في طلب هذا الحديث؟) قال: (نعم).

قال: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع -في لفظ: بما يطلب- وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).

فالعلم فضله عظيم،فعلى الإنسان أن يبذل ما يستطيع من جهده ووقته في سبيل هذا العلم، ولا سيما في حداثة سنه.


وقد روى الإمام البخاري في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: (تفقهوا قبل أن تسوّدوا). قال أبو عبد الله: (وبعد أن تسوَّدوا).
وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم، فإذا تفقّه الإنسان قبل أن يسوّد، قبل أن يكون صاحب منصب يشغله منصبه هذا عن العلم، وصاحب رياسة تشغله عن العلم، عليه أن يتفقه؛ لأنه إذا تسوّد وتروّس انشغل بهذا عن العلم، واستنكف عن العلم في الكثير الغالب، وينبغي للإنسان أن يعتني بهذا، ولا يتساهل ويتعجّل التصدر وهو في حداثة سنّه، بل عليه أن يستزيد.
-وقال الإمام الشافعي رحمه الله في هذا المعنى: (إذا تصدّر الحدث فاته علمٌ كثير).
فالحدث -يعني - صغير السن إذا تصدر للعلم ولم يكن طالباً، بل كان معلماً، إذا تصدر في حداثة سنه يفوته علم كثير؛ لأن الأولى به أن يستزيد من العلم قدر استطاعته ولا يتعجل التصدر، وعليه أن يبذل -كما تقدم- ما يستطيع من جهد ووقت في سبيل ذلك، وليعلم أن العلم لا ينال بالراحة أبداً.
ولهذا ساق الإمام مسلم ابن الحجاج رحمه الله في (صحيحه) في (مواقيت الصلاة)، حديث، عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في مواقيت الصلوات الخمس، وساق له طرقاً خمسة.
ثم ساق بإسناده عن يحيى بن أبي كثير الطائي أنه قال:(لا يُستطاع العلم براحة الجسم)، وقد ذكر هذا الأثر الحافظ ابن حجر في كتابه (الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف) بلفظ:(لا يستطاع العلم براحة الجسد) والذي في (الصحيح) المطبوع: (براحة الجسم)؛ فلعل هذا في بعض نسخ (صحيح مسلم) والمعنى واحد.
قال الإمام النووي نقلاً عن بعض أهل العلم في سبب إدخال الإمام مسلم لهذه الجملة بعد هذه الأحاديث والطرق مع أنه لا مناسبة بين هذا وبين مواقيت الصلاة، قال: (كأن الإمام مسلم رحمه الله أعجبه سياقه لهذه الطرق؛ فنبه طالب العلم أنه لا يستطاع هذا العلم، ولا ينال براحة الجسم، وأن هذا الأمر ما حصل له براحة وسهولة، وإنما حصل له بتعب وجهد بذله في هذا).

وإن مما يلاحظ على بعض الطلبة، أنهم لا يطلبون العلم على أسس، ولا يطلبون العلم على الطريقة التي كان أهل العلم في السابق يسلكونها، وإني أنصح كل طالب علم، أن يسلك الطريقة التي تمكنه من الوصول إلى العلم، وتجعله في مصافّ أهل العلم، أما التساهل وعدم طلب أسس العلم، وعدم التدرج في العلم؛ فإنه لا يكوّن علماء، ولا يستفيد من فعل هذا ولا يكون عالماً حقيقة.

وقد قال أبو عمر ابن عبد البر في كتابه المعروف (جامع بيان العلم): (طلب العلم درجات ومناقل ورتب، لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملةً فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل، ومن تعداه مجتهداً زل).
فأول العلم، حفظ كتاب الله عز وجل، وتفهمه وكل ما يعين على فهمه، فواجب طلبه معه، وأيضاً العلم متلازم الأبواب كتلازم الأرقام، فلا تصل إلى أحد الأرقام دون المرور بما قبله.
وقد ذكر ابن عبد البر أيضاً عن يونس بن يزيد قال: قال لي ابن شهاب:(يا يونس لا تكابر العلم، فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة؛ فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي).
ويقول بعضهم في هذا:




الــيـوم شـيء وغـداً مثلــه =مـن دُرر الـعلـمالـتي تلتقط
يحـصـلالـمـرء بها حـكمة =وإنما السيل اجتماع النقط

فالعلم شيئاً فشيئاً.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (العلم أكثر من أن يحاط به فخذوا منه أحسنه).
وقال الحافظ ابن الجوزي في (نصيحته لولده)-النصيحة المعروفة المسماة (بلفتة الكبد إلى نصيحة الولد)- قال فيها: (فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل
- فيتشاغل بحفظ القرآن وتفسيره.
- وبحديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
-وبمعرفة سيرته وسير أصحابه والعلماء بعدهم؛ ليتخير مرتبة الأعلى فالأعلى.
-ولا بد من معرفة ما يقيم به لسانه من النحو، ومعرفة طَرفٍ مستعملٍ من اللغة.
-والفقه أصل العلوم.
- والتذكير حلواؤها وأعمها نفعاً).
والعلوم كثيرة منها:
علوم شرعية: وهي التي وردت النصوص في فضلها والحث على طلبها،أما ما عداها من العلوم العربية فإنها مساعدة لها ولا بد لطالب العلم منها.
أما العلوم الدنيوية: فإن الإنسان إذا طلبها لحاجة المسلمين إليها، فإنه يثاب على ذلك ويؤجر عليه وإنما الأعمال بالنيات.
والعلوم الشرعية منها:
-علم التفسير وما يتعلق به.
- وعلم الحديث والمصطلح.
-وعلم الفقه والأصول أصول الفقه.
-وكذلك أصول الدين علم التوحيد والعقائد، هذه هي أصول العلوم الشرعية.
أما العلوم العربية المساعدة لها:
فإنهم ذكروا أنها اثنا عشر علماً: علم اللغة والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والقوافي، وقوانين الكتابة، وقوانين القراءة، وعلم إنشاء الرسائل والخُطب، وعلم المحاضرات، ومنه التواريخ، هذه يسمونها بعلوم العربية.
والإنسان إذا حفظ متناً في كل علم؛ فإنه يرسخ العلم في ذهنه ويبقى معه، وقد اشتهرت عبارات في حفظ المتون، وأنها مفيدة مثل قولهم: (من حفظ المتون حاز الفنون، ومن حفظ الأصول ضمن الوصول، من لم يتقن الأصول حرم الوصول)؛ فالإنسان عليه أن يعتني بالعلوم، وأن يتدرج فيها.
ويعتني أيضاً بالحفظ،فإن الحفظ مهم، أما عدم الحفظ كما هو حال الأكثر الآن؛ فإنه لا ينبغي؛ لأن الإنسان إذا حفظ متناً في كل علم واعتنى به يبقى هذا العلم دائماً معه.
لهذا ينسب للخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله أنه قال:

ليس بعلم ما حوى القِمطْرُ= ما العلم إلا ما حواه الصدرُ
ويُنسب أيضاً إلى منصور الفقيه أنه قال:

عـلـمـي مـعـي حيث ما يممت أحملـه =بـطـنـي وعـاءلـه لا بـــطــن صنـدوق
إن كـنت في البيت كـان العلم فيه معي =أوكنت في السوق كان العلم في السوق
وذكر بعضهم عن أفلاطون الفيلسوف المعروف أنه قال: (الفضائل مُرّة الأوائل، حلوة العواقب، والرذائل حلوة الأوائل، مرة العواقب)، ذكر هذا الإمام الشوكاني في كتابه: (أدب الطلب).
ذكرتُ هذه المقدمة وقصدي منها أن طالب العلم يكون طلبه للعلم على أساس وعلى قاعدة، من أجل أنه لا يمر عليه وقت يسير إلا وهو معدود في عداد العلماء، وأهل العلم على الحقيقة.
أما ما يسلكه بعض من ينتسب إلى العلم من قراءة المطوّلات، ومن البدء بالأمهات الكبار، من كتب الحديث، والتفسير، وغير ذلك فإن هذا لا يحصل شيئاً، تجد بعض الناس إذا سألته في أي كتاب يقرأ؟
يقول: أنا أقرأ في (فتاوى شيخ الإسلام) ابن تيمية.
وآخر يقول: أنا أقرأ في (المغني) لابن قدامة.
وآخر يقول: أنا أقرأ في (فتح الباري) للحافظ ابن حجر، مع أن هذا قد لا يُحسن قراءة القرآن نظراً، لا بد أن يعتني طالب العلم بكتاب الله جل وعلا عناية فائقة، وليعلم أنه أصل العلم وأساس العلم، ثم بعد ذلك يتدرج في العلوم، ويحفظ مختصراً، أو أكثر في كل فن.
قد يقول البعض إن هذا فيه مشقة وفيه تعب؟!

الجواب:نعم، ولن يستطيع الإنسان العلم، ولن يُحصل العلم؛ إلا بتعب ومشقة.
ولهذا يقول بعضهم: (أعط العلم كُلك عساه يعطيك بعضه) لا بد من التعب، ولا بد من بذل الجهد، والإنسان عليه ألا يُذهب وقته وجهده في قراءة المُطولات، وهو لم يعرف الأصول ولم يضبطها، إن اعتنى بالمختصرات والمتون وضبطها؛ فإن العلم باقٍ معه، فإذا سُئل أجاب، وإذا أراد أن يبحث عرف كيف يبحث.
أما من يتخبط في قراءة كتب أهل العلم على غير أساس، وعلى غير هدى؛ فإنه وإن قرأ ما قرأ من المطولات وغيرها، لن يُحصل علماً.
لا بد من أساس يبني عليه الإنسان، ولا بد من إخلاص النية، وأن يطلب الإنسان العلم لوجه الله سبحانه، لا يطلب العلم للدنيا، ولا للشهادات، ولا يطلب العلم للعلم، إنما يطلبه لوجه الله.
أما قول أحمدشوقي:

اطلب العلم لذات العلم لا =لــشــهـادات وآراب أُخـَرْ
هذا غير صحيح،الإنسان يطلب العلم لوجه الله سبحانه، ولينفي عن نفسه الجهل، كما قال الإمام أحمد، وليعلم إخوانه ويرشدهم، وليفتيهم إذا سألوه، وما أشبه ذلك، وحتى إذا دعى إلى الله وإذا نصح الناس ووجههم، يكون على بينة وعلى بصيرة مما يقول، ومما يتكلم به.

لا بد من إخلاص النية، ولا بد من تقوى الله في هذا قد قال الله سبحانه:{واتقوا الله ويعلمكم الله}.نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول، والعمل، إنه سميع مجيب. والكتاب الذي سيتم شرحه إن شاء الله هو: (كتاب الورقات في أصول الفقه) لإمام الحرمين الجويني، وهذا متن مشهور، فهو متن مختصر ذكر فيه أبو المعالي شيئاً من أبواب الأصول، وإن لم يذكر شيئاً آخر، لكنه يعتبر كالمقدمة في هذا الفن.
وأبو المعالي من كبار علماء الشافعية، وأبوه كذلك من كبار علماء الشافعية، ويقال له (إمام الحرمين) لُقب بهذا لمجاورته بمكة أربع سنين، فإنه طلب العلم على والده، وتوفي والده وله عشرون سنة، ثم رحل إلى بغداد، ثم رحل بعد ذلك إلى مكة، وجاور فيها أربع سنين، يعتني بالعلم، ويجمع طرق المذهب.
وبعض أهل العلم قال: (إنه جاور في المدينة أيضاً) وهذا سبب تلقيبه بإمام الحرمين.
قال اليافعي في كتابه (مرآة الجنان) : (إنه جاور بمكة أربع سنين يُدَرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، وأقبل على التحصيل، ولهذا قيل له (إمام الحرمين)).
قال: (قلت: هكذا قيل إنه لُقب بهذا اللقب بهذا السبب، وكأنه صار متعيناً في الحرمين متقدماً على علمائهما، مفتياً فيهما، ويحتمل أنه لُقب بذلك على وجه التفخيم له، كما هو العادة في قولهم: (ملك البحرين)، و(قاضي الخافقين).

ونسبته ونسبةإمامته إلى الحرمين؛ لشرفهما توصلاً إلى الإشارة إلى شرفه، وفضله، وبراعته).
قد ذكر بعضهم، أنه أمّ في الحرمين؛ لكنه قول لم يذكره أكثر من ترجم له، والظاهر عدم صحة هذا، والأمر فيه سهل.
وإمام الحرمين يقال له أبو المعالي نسبة إلى أخذه بمعالي الأمور، وهو عبد الملك ابن أبي محمد، واسمه عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني السندسي الطائي، النيسابوري،وقد توفي سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة، وقد كان أقبل على علم الكلام، واعتنى به، ثم إنه رجع إلى مذهب السلف.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في المجلد الرابع من (الفتاوى)، قال في مفصّل الاعتقاد: (وهذا إمام الحرمين ترك ما كان ينتحله ويقرّره، واختار مذهب السلف، وكان يقول: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو أني عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ، ما اشتغلت به).
وقال عند موته: (لقد خضت البحر الخِضم، وخلّيت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت فيما نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور).
وذكر في موضع قبل هذا أن الشيخ أبا جعفر الهَمْداني حضر مرّة والأستاذ أبو المعالي يذّكر على المنبر قال: (كان الله ولا عرش، ونفى الاستواء على ما عُرف من قوله، وإن كان في آخر عمره رجع عن هذه العقيدة ومات على دين أمه، وعجائز نيسابور).
قال: (فقال الشيخ أبو جعفر: يا أستاذ، دعنا من ذكر العرش)، يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع، (أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا؟
ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه معنىً يطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا)؟
فصرخ أبو المعالي، ووضع يده على رأسه وقال: (حيّرني الهمداني) أو كما قال ونزل. الاشتغال بعلم الكلام لا ينبغي، وعلى الإنسان أن يطلب العقيدة، وعلم التوحيد، من كتب أهل السنة والجماعة، ويترك كتب الكلام، ويترك هذا العلم، ويأخذ بنصيحة إمام الحرمين وغيره من أهل العلم الذين تكلموا عن هذا الموضوع.
وعلى ذكر إمام الحرمين قد ذكر الإمام اللكنوي في كتابه: (الفوائد البهية في تراجم الحنفية) قال: (فائدة:(إمام الحرمين) لقب لإمامين كبيرين، حنفي وشافعي:
- فالحنفي:أبو المظفر يوسف القاضي الجرجاني

- والثاني هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني) كما سبق.
ومتن (الورقات) متن مختصر جداً، تكلم فيه أبو المعالي على خمسة عشر باباً من أبواب أصول الفقه، تكلم على:
أقسام الكلام.
والأمروالنهي.
والعام والخاص.
والمجُملوالمُبين.
والظاهروالمؤول.
والأفعال-يعني أفعال النبي عليه الصلاة والسلام-.
والناسخ والمنسوخ.
والإجماع.
والأخبار.
والقياس.
والحظروالإباحة.
وترتيب الأدلة.
والمفتي والمستفتي.
وأحكام المجتهدين) وقد طبع هذا المتن عدة مرات.
قال عنه الإمام الحطّاب في (قُرة العينين): (كتابٌ صَغُر حجمه وكَثُر علمه، وعظم نفعه وظهرت بركته).
ولهذا المتن شروح، منها:
- شرح الإمام جلال الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلّي الشافعي المتوفى سنة أربع وستين وثمان مئة.
(شرح المحلي)هذا، هو أشهر شروح (متن الورقات) وقد طبع هذا الشرح عدة مرات، واعتنى به جماعة من العلماء، وكتبوا عليه شروحاً، وحواشي وتعليقات.
فمن الحواشي التي وضعت على هذا الشرح -(شرح المحلّي)-:
- (حاشية الدمياطي): وهو أحمد بن محمد الدمياطي، طُبعت هذه الحاشية في مصر، بدون تاريخ طبعة قديمة، ثم أُعيد طبعها، بعد ذلك، طُبعت الطبعة الثالثة، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وألف.
-وكذلك يوجد حاشية تسمى (النفحات على شرح الورقات) تأليف أحمد بن عبد اللطيف الخطيب الجاوي الشافعي، طُبعت في مصر، سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف، في مائة وأربع وثمانين صفحة، وهي أكبر الحواشي التي على هذا المتن.
- وفيه أيضاً:(قُرة العينين في شرح ورقات إمام الحرمين) هذا شرح مستقل، لكنه ذكر في مقدمته أنه وقف على (شرح المحلّي) وجعل كتابه هذا شرحاً عليه.
-وكذلك فيه تعليقات تسمى: (الثمرات على الورقات) تأليف: خضر بن محمد اللَّجْمي أو اللُّجَمي، طُبعت في سوريا.
- وكذلك فيه شرح لشهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري الشافعي، المتوفى سنة ثنتين وتسعين وتسعمئة، هذا شرح على شرح جلال الدين المحلي.
وقد طبع هذا الشرح بهامش (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول) للإمام الشوكاني.
-من الشروح شرح طُبع حديثاً اسمه: (الأَنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات) لشمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني الشافعي، هذا طُبع بتقديم وتعليق وتحقيق الدكتور عبد الكريم بن علي النملة.
- وأيضاً من الشروح:(قُرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين) للشيخ العلامة محمد بن محمد الرعيني المعروف بالحطّاب المالكي.
و(الحطَّاب) هذا هو صاحب (مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل).
-وفيه أيضاً شرح مختصر اسمه:(التعليقات على متن الورقات) للشيخ عبد الرحمن بن حمد الجطيلي رحمه الله.
- وشرح آخر:(شرح الورقات في أصول الفقه) للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان وقد طبع من سنوات قريبة.
- ويوجد أيضاً شرح على هذا المتن للشيخ محمد الصالح العثيمين، وهو مسجّل في أشرطة قد فرّغ في أوراق، وطبع على الآلة الكاتبة.
- وكذلك لشيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، حفظه الله شرح على هذا المتن مسجّل على أشرطة وفرغ، وطبع على الآلة الكاتبة.
وقد نظـم هذا المتن بعض علماء الشافعيةوهو شرف الدين العمريطي يحيى بن نور الدين أبي الخير بن موسى العمريطي الشافعي الأنصاري، نسبة إلى بلد عَمْريط بالفتح من نواحي القاهرة.
وهذا من علماء الشافعية قد اشتهر بالنظم، له عدة منظومات:
منها: (الدُرّة البهيّة في نظم الآجرومية) وهو نظم مطبوع.

- و(نهاية التدريب في نظم غاية التقريب) في فقه الشافعية.
-و(نظم التحرير) نَظَمَ متن الورقات وسمّى نظمه بـ(تسهيل الطرقات في نظم الورقات).
وقد طبع لهذا النظم شرح، وهذا الشرح قد طبع قديماً، واسم هذا الشرح (لطائف الإشارات على تسهيل الطرقات لنظم الورقات في الأصول الفقهيات) وصاحب هذا الشرح هو الشيخ عبد الحميد بن محمد علي قُدْس الشافعي.
هذا شيء مما يتعلق بهذا المتن.
والإنسان إذا عرف شروح أي متن من المتون العلمية؛ فإنه يستفيد منها بلا شك، يقرأ فيها، أو في ما تيسّر منها، وينظر في أقربها وأنفعها حتى يعتني به، وحتى يكرره مما يساعده على فهم هذا المتن.
وإمام الحرمين له مؤلفات كثيرة غير الورقات:
فمما طُبع من مؤلفاته:
- (البرهان في أصول الفقه) كتاب مطبوع في مجلدين
-وكذلك كتاب (الغياثي) يُسمى (غياث الأمم في التياث الظُّلم).
-و(الدرّة المضيئة فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية).
-وكذلك طبع له (الإرشاد من القواطع الأدلة في أصول الاعتقاد).
- وكذلك (الشامل في أصول الدين).
- و(العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية).
- و(شفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل).
-و(الكافية في الجدل).
- و(لُمع الأدلة).
- و(مغيث الخلق في اختيار الحق).
هذه مؤلفات لإمام الحرمين مطبوعة.
وله مؤلفات أُخرى مخطوطة:
من أشهرها:(نهاية المطلب في دراية المذهب) كتاب كبير جدّاً في مذهب الإمام الشافعي، ويقوم بتحقيقه الدكتور عبد العظيم الديب الذي اعتنى بمؤلفات هذا الإمام، وطبع شيئاً منها.
والفن الذي تبحث فيه (الورقات):كما تعلمون هو فن أصول الفقه.
وقد ذكر العلماء أن كل فن من الفنون له مبادئ عشرة:
يحسن بطالب العلم أن يعرفها قبل بداية قراءته في الفن الذي يريد معرفته والقراءة فيه، وقدجمعها بعض أهل العلم في قوله:

إنمــــــبــــــادئ كـــــل فـــــن عشره= الحــد والــــمــوضــوع ثــم الــــثــمــره
وفـــضـــلـــه ونـــســبــةٌ والــــواضـــعُ= الاســم الاســتـمـداد حـكـم الشارعِ
مــســائل والــبــعــض بــــالـــبــــعــض اكتفى= ومن درى الجميع حاز الشرف
هذه المبادئ العشرة لكل فن من الفنون.
وأولها:(الحد)والمراد بالحد هو التعريف، فإذا قيل حد هذا أو تعريف هذا فالمعنى واحد.
والحد في اللغة: هو الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، ويُجمع على حدود، ومنتهى كل شيء حده.
وأصل الحد هو:المنع، هذا أصله، والفصل بين الشيئين.
-ومنه سُميت المرأة مُحدِّة إذا امتنعت من الزينة.
-وسميت العقوبة حدّاً لما فيها من المنع من مواقعة المحظور.
-وسُمي البواب حداداً لأنه يمنع من ليس من أهل الدار من الدخول إليها.
-وسموا الحديد بهذا الاسم لأنه يمنع من وصول السلاح إلى المتحصّن به.
-وسميت حدود الدار والأرض، لأنها تمنع أن يدخل في البيع ما ليس من المبيع.
أما تعريفه في الاصطلاح: فعرّفه القاضي أبو يعلى في كتابه (العُدة) بأنه: الجامع لجنس ما فرقه التفصيل المانع من دخول ما ليس من جملته فيه.
وبعضهم يقول في تعريفه هو: الوصف المحيط الكاشف عن ماهيّة الشيء.
فالحد هو: الذي يوضح لك الشيء المحدود، يكشف لك عن ما هيته، وعن حقيقته.
فلو سأل سائل فقال: ما حدّ أصول الفقه؟
يُقال إن عنوان هذا الفن مركب من كلمتين: أصول، وفقه، فعلى هذا يكون له تعريفان:

-تعريف باعتبار الإضافة.
-وتعريف باعتبار اللقب.
التعريف الإضافي المراد به: تعريف كل واحد من المضاف والمضاف إليه.
ما هو المضاف؟ كلمة أصول، والمضاف إليه: فقه.
فأصول: هذه الكلمة لها معنيان: معنىً في اللغة، ومعنىً في الاصطلاح.
أما الأصل في اللغة: قيل في معناه كلام كثير، أشهره أنه: أسفل الشيء.
الأصل هو: أسفل الشيء.

وقيل:إنه ما منه الشيء.
وقيل:ما يُفتقر إليه ولا يفتقر إلى غيره.
وقيل:ما يتفرع عنه غيره.
وقيل:ما يستند وجود ذلك الشيء إليه. وقيل غير ذلك.
وإمام الحرمين ذكر في (الورقات) أن الأصل: ما يُبنى عليه غيره، وهذا من معانيه.
أما في الاصطلاح: فلكلمة أصل في الاصطلاح معانٍ:
-تطلق هذه الكلمة ويراد بها: الدليل، في مثل قولهم: (الأصل في وجوب الصلاة: قوله سبحانه:{وأقيموا الصلاة}).
-الأصل في وجوب الصيام: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} فالأصل هنا بمعنى الدليل، إذا قالوا: (الأصل في وجوب كذا) يعني الدليل على وجوب كذا.
-ويُطلق أيضاً ويُراد به: الراجح، مثل: (الأصل عدم الحذف) أي: الراجح عدم الحذف.
-والأصل في الكلام: الحقيقة، أي: الراجح عند السامع، وفي الإطلاق في الكلام الحقيقة لا المجاز.
-وتطلق هذه الكلمة في الاصطلاح ويراد بها: القاعدة الكلية، أو القاعدة المستمرة، مثل: (الأصل أن النص مُقدم على الظاهر) أي: القاعدة في ذلك.
ومثل: (إباحة أكل الميتة للمضطر على خلاف الأصل) أي: على خلاف القاعدة المستمرة.
-ويطلق الأصل ويراد به: الشيء المستصحب، مثل:(من تيقن الطهارة وشك في الحدث، يقال: الأصل في الطهارة) يعني الشيء المستصحب، والحال المستصحب بقاء الطهارة؛ فالإنسان يستصحب الطهارة حتى يثبت فيتيقن حدوث نقيضها؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
-وبعضهم ذكر من معانيه: الصورة المقيس عليها، وهذا موضع خلاف بين الأصوليين.
المهم أن نعرف أن كلمة أصول لها معنى في اللغة وهو على ما ذكره المؤلف كما سيأتي إن شاء الله.
الأصل ما يُبنى عليه غيره، أما في الاصطلاح: فقد عرفتم أن هذه الكلمة تطلق ويراد بها عدة معان، بحسب سياق الكلام.
ثم الكلمة الثانية كلمة فقه.
الفقه له معنيان:معنى في اللغةومعنىً في الاصطلاح
أما معناه لغة: فقد قال في (القاموس): (الفقه بالكسر: العلم بالشيء والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لشَرَفِه، وفَقه كَكَرُم وفرِح فهو فقيه، وفَقُه، يُجمع على فقهاء، وهي- يعني المرأة- فقيهة وفَقِهَة) ليس الفقه خاص بالرجال، بل من النساء فقيهات.
هذا هو المشهور أن الفقه في اللغة: الفهم.
- منه قوله سبحانه:{وإن من شيء إلا يُسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
-وقوله جل وعلا: {فما لهـولاء القوم لا يكادون يفقـهون حديثاً}.
-وقوله سبحانه عن نبيه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أنه قال:{واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي} ومنه قول قوم شعيب، لشعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:{ما نفقه كثيراً مما تقول}-ما نفهم-.
فهذه الآيات الأربع، المراد بالفقه فيها الفهم.
- ومن أهل العلم من فسرّ الفقه في اللغة: بأنه فهم الأشياء الدقيقة.
وقد ذهب إلى هذا الإمام الشيرازي في (شرح اللُّمع) فقال: (الفقه في اللغة: ما دقّ وغَمُض، ومنه يقال: فَقِهْتُ معنى كلامه، لأنه قد يدق ويغمض، ولا يقال فقهت أن السماء فوقي والأرض تحتي، وأن الماء رطب والتراب يابس).
ورجّح هذا القرافي في شرح (تنقيح الأصول)، ولكن ليس في اللغة العربية ما يدل على هذا المعنى.
وما ذكره الشيرازي عن السماء والأرض إلى آخره، هذا يتعلق بالمحسوسات، والفقه يتعلق بالمعاني.
- وقيل: في معنى الفقه في اللغة إنه: فهم غرض المتكلم من كلامه.
ورُدّ هذا بأنه قد يوصف بالفقه من دون أن يوجد كلام، يقال فُلان يفقه الخير والشر، وليس في ذلك كلام.
- وبعضهم أيضاً فسّر الفقه بأنه: العلم، كما ذكره ابن سيده في (المحكم).
قال: (الفقه عبارة عن الفهم والعلم)، ولكن ذكر بعضهم أن إضافةالعلم إلى الفهم لا تدل على المغايرة بل هما شيء واحد، وهذا هو الظاهر؛ فالمشهور في تعريف الفقه هو في اللغة: الفهم، والفَهْم بالفتح والتسكين فَهْم، وبعضهم يقول: فِهم بالكسر وهي لغة ضعيفة.

أما تعريف الفقه في الاصطلاح:فإن الفقهاء عرّفوه بتعريفات كثيرة:
منها:تعريف الكاساني في (بدائع الصنائع) من علماء الحنفية.
قال: (الفقه هو: علم الحلال والحرام وعلم الشرائع والأحكام).
-عرفه ابن الحاجب المالكي في (مختصره) المشهورفقال: (الفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال).
- وعرفه جماعة من علماء الشافعية بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية).
- وعرفه علماء الحنابلة بقولهم إنه: (معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة) هذا تعريف صاحب (الروض)كما هو مشهور.
فـ(معرفة الأحكام): يخرج غير الأحكام.
و(الشرعية): يخرج العقلية واللغوية، وغير ذلك.
و(الفرعية): يخرج الأحكام الأصولية.

و(بالاستدلال بالفعل): يعني أن الإنسان يعرف الحكم في الحال ومستحضر للدليل وعارف له، وقد لا يكون فقيهاً بالفعل، وعارفاً للحكم بالفعل، لكن بالقوة القريبة.
ما هي القوة القريبة؟
القوة القريبة:المكتبة والكتب، أو سؤال الفقهاء.

قد تُسْأل عن مسألة فلا تعرف حكمها، ولكنك تذهب إلى كتب أهل العلم، وتراجع فيها وتعرف الحكم، وهذا المقام لا يصلح له كل أحد، لا بد أن الإنسان يكون عارفاً بكتب أهل العلم، والأقوال التي تذكرها، أما أن الإنسان يذهب تلقائياً يبحث في أي: كتاب، ثم يخبر من سأله بالجواب، هذا خطأ، لا بد من معرفة قبل ذلك، لأنك قد تقف على قولٍ مرجوح في هذا الكتاب، وتُفتي به؛ فتقع في خطأ، فالإنسان إذا أفتى فُتياً؛ فإنه مسؤول عن هذه الفُتيا، ويتحمل ما يترتب عليها، الإنسان عليه أن يعرف الكتب وما يتعلق بها، ويعرف أيضاً مدلول كلام أهل العلم، هذا ما يتعلق بتعريف هاتين الكلمتين: أصول وفقه.
عرفنا الأصول في اللغة والاصطلاح، وعرفنا الفقه في اللغة والاصطلاح.
لكن تعريف أصول الفقه باعتباره اسماً، أو لقباً لهذا العلم المخصوص، لأن أصول الفقه، هذه الكلمة صارت في حكم المفرد، اسماً أو لقباً لهذا العلم.
اختلفوا في معنى هذه الكلمة، وهذا الاختلاف سببه يرجع إلى اختلافهم في موضوع أصول الفقه كما سيأتي.
فقيل في: تعريف أصول الفقه:
- ما قاله الكمال ابن الهمام من علماء الحنفية: إنه: إدراك القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الفقه.
-وعرّفه ابن الحاجب المالكي بقوله: (العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية).
-وعرفه الرازي في (المحصول) بقوله: (أصول الفقه: مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها).
-وعرفه البيضاوي في (منهاج الوصول) بأنه: (معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد).
-عرفه صاحب (قواعد الأصول) من علماء الحنابلة بأنه: (معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد وهو المجتهد).
فأصول الفقه هو:معرفة دلائل الفقه، معرفة أدلته من حيث الإجمال -أما التفصيل فهذا موضعه علم الفقه- وكيفية الاستفادة منها -كيفية الاستنباط منها-، وحال المستفيد وهو المجتهد، ذكروا ما يتعلق بالاجتهاد وأحكامه في هذا الفن.
-وعرفه صاحب (كشاف اصطلاحات الفنون) أنه: (العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه على وجه التحقيق).
هذا ما يتعلق بالفقرة الأولى وهي أطول الفقرات، ما يتعلق بحد هذا العلم.
الفقرة الثانية أو المبدأ الثاني من مبادئ الفنون ومن مبادئ أصول الفقه:-
الموضوع:موضوع كل علم هو:الشيء الذي يبحث في ذلك العلم عن أحواله العارضة في ذاته.
فمثلاً: بدن الإنسان بالنسبة لعلم الطب، يُبحث فيه عن أحوال البدن، من حيث الصحة والمرض، وكذلك الكلمة في علم النحو، يبحث في علم النحو عن أحوالها من حيث الإعراب والبناء.
والمراد بالعارض الذاتي للشيء، ما يَعرض لذاته؛ فعندما نقول: موضوع أصول الفقه الأدلة لا نريد بذلك الأدلة نفسها، بل أعراضها الذاتية، أي: ما يعرض لها من الأحوال؛ لأن نفس الأدلة تُعد مسلَّمة الثبوت؛ فالقرآن مثلاً هو معجزة ومُسلَّم ثبوته، لا إشكال في هذا، لكن علم أصول الفقه لا يبحث في ذات الدليل، عندنا نص من الكتاب أو السنة، لا نبحث في ذات النص القرآني أو النبوي، وإنما نبحث في الأشياء التي تعرض له.
مثل: (العام والخاص، والمشترك والمؤول، والحقيقة والمجاز) فهذه كلها من عوارض الأدلة الذاتية، فيوصل العلم بها إلى إثبات الأحكام لأفعال المكلفين، فإذا ورد عندنا نص قد يكون نصاً عاماً قد يكون خاصاً، وقد يكون مُؤولاً، إلى غير ذلك من الأشياء التي تعرض للنص.
فالموضوع:موضوع أصول الفقه، وكذلك في كل الفنون -موضوع كل علم-: (هو الشيء الذي يُبحث في ذلك العلم عن أحواله العارضة لذاته) الأشياء التي تعرض، أما ذات النص فإنه ليس محل البحث.
وقد اختلف الأصوليون في تحديد موضوعه على أربعة مذاهب:
القول الأول:أن موضوع أصول الفقه هو الأدلة السمعية.
من حيث إثبات الأحكام الشرعية بجزئياتها، بطريق الاجتهاد، بعد الترجيح في حال التعارض، هذا مذهب الجمهور.
أن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة السمعية، وبهذا نعلم أن علم أصول الفقه موضوعه يشمل:
- الأدلة المتفق عليها كالكتاب والسنة.
- والأدلة المختلف فيها.
- ويشمل الترجيح بين الأدلة عند تعارضها.
- ويشمل الاجتهاد وما يتعلق به.
القول الثاني:أن موضوع أصول الفقه، الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة، وهي الأحكام التكليفيه من:
-الوجوب.
-والندب.
- والحرمة.
-والكراهة.
- والإباحة.
والأحكام الوضعية من:
-السببية
- والشرطية
-والمانعية
- والصحة والفساد.
وذهب إلى هذا بعض علماء الحنفية، ولكنه خلاف المشهور، لأن معنى هذا الكلام إذا قلنا موضوع أصول الفقه: الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة، أن الأصول ينحصر في الأحكام التكليفية والوضعية، وما عداها ليس من هذا.
وقيل: إن موضوعه (الأدلة والأحكام الشرعية) يعني هذا القول الثالث جمع بين القولين الأولين، قال هذا صدرالشريعة من علماء الحنفية.
وقال بعضهم: إن موضوعه الأدلة، والمرجحات، وصفات المجتهد، وأحوال الأدلة.
قال بهذا بعض علماء الشافعية وفيه زيادة على القول المختار الذي ذهب إليه الجمهور، هذا ما يتعلق بموضوعه.

فإذا قال شخص هذا العلم المسمى بعلم أصول الفقه، أي: شيء يبحث؟
تقول يبحث عن الأدلة، أدلة الأحكام؛ لأن الدليل إذا ورد:
-قد يكون خاصّاً.

- وقد يكون عامّاً.
-وقد يكون مؤولاً.
-وقد يكون ناسخاً.
-وقد يكون منسوخاً.
لا بد من معرفة الأشياء التي تعرض لهذا الدليل.
أما أن الإنسان يأخذ بنص ويعمل به، ولا ينظر إلى العوارض التي ترد على الأدلة، هل وردت عليه أو لا؟
هذا يُفسد أكثر مما يُصلح،ويقع في مخالفات، والإنسان إذا كان نصف فقيه، يُفسد الأديان، كما قال بعض الحكماء: (يُفسد الأبدان نصف طبيب، ويفسد اللسان نصف نحوي، ويفسد الأديان نصف فقيه) لا بد أن الإنسان يكون متمكناً في هذا العلم حتى يكون مصيباً بما يفتي به، وبما يقول.
المبدأ الثالث: ثمرته:
ما هي الثمرة التي نجنيها من هذا العلم؟
هي ثمار كثيرة في الواقع.
-فمن ثمار علم أصول الفقه، العلم بأحكام الله تعالى، المتضمنة للفوز بسعادة الدارين.
قال في (فصول البدائع) في الكلام على ثمرة هذا العلم، قال: (معرفة الأحكام الربانية، بقدر الطاقة الإنسانية، لينال بالسير على موجبها السعادة الدنيوية، والكرامات الأخروية) فالإنسان إذا سار على موجب الأحكام الربانية بقدر طاقته فإنه يكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
- وكذلك من ثمراته:أنه يكوّن ملكة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة.
الإنسان العارف لأصول الفقه، يكون عنده ملكة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة، ويتمكن في معرفته لهذا العلم من الاجتهاد في النوازل، والقضايا الجديدة، وإصدار أحكام لها، على ما يظهر له من الأدلة.
- وكذلك يطمئن الإنسان إلى ما نُقل إليه من أحكام، في كتب الأئمة المتقدمين، قد تطّلع على فتوى لهذا العالم، في هذه المسألة، إذا عرفت الأصول، وأن هذا الكلام مطابق لها، تطمئن إلى هذا الحكم وتثق بهذا العالم.
- وكذلك يحصل به الرد على الفرق الضالة، التي تنتسب إلى الإسلام لحصول الأصولي على ملكة الحجاج عن الحق، ومجادلة أهل الباطل، وبه يظهر كمال هذه الشريعة، وقدرتها على إيجاد أحكام لما يجدّ من حوادث، وأنها في غنىً عن جميع المبادئ، والقوانين التي يضعها البشر.
- وكذلك من ثمراته:أن الإنسان يتمكن من الترجيح بين الأقوال المتعارضة بحسب النظر في الأدلة، ويخرج بهذا من دائرة التقليد الأعمى المذموم شرعاً.
فإذا كان الإنسان عارفاً بأصول الفقه، وجد أقوالاً متعارضة في مسألة من المسائل، كيف يُرجّح هذا على هذا؟
يرجح تقليداً من غير نظر!، هذا غير مرغوب فيه ولا ينبغي، بل يكون الترجيح بحسب الأدلة، وأن هذا القول أقرب إلى الأدلة، وإلى قواعد الشرع من هذا، ولا يتمكن الإنسان من هذا؛ إلا إذا كان عالماً بهذا الفن.
فعلم أصول الفقه هو الذي يكوّن المجتهد المبدع، والفقيه المثمر المنتج، وفيه رد على من يقول بأن باب الاجتهاد قد أغلق، وهذا قول باطل، بل باب الاجتهاد لم يُغلق، ولكن ليس كل إنسان يصل إلى هذه الدرجة، وهذه الرتبة.
الذين قالوا إن باب الاجتهاد قد أغلق، قصدوا بهذا قطع أو سد الباب على من ينصبون أنفسهم ويجتهدون في إصدار أحكام، وهم لم يصلوا إلى درجة الاجتهاد، قصدوا هذا، ولكن من المعلوم أن باب الاجتهاد لم يغلق، ولكنه لا يُفتح، ولا يكون إلا لمن كان أهلاً لأن يجتهد، ليس كل أحد يستطيع، وإن كان هناك من يدّعي الاجتهاد، ويأتي بأقوال غريبة مخالفة للشرع، هذا ليس محل البحث هنا، إنما باب الاجتهاد مفتوح في حق من أهّل نفسه وكونها؛ فإنه يقدر على أن يجتهد في بعض المسائل.
والذي يرغب في دراسة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، دراسة صحيحة، فإن علم الأصول يمكنه من ذلك، يمكنه من معرفة أسرار الأحكام، ومعرفة الأحكام، ويوصله ويوقفه على الأحكام التي تفيدها هذه النصوص، والتي تؤخذ من هذه النصوص، وبهذا نعلم أن ثمرة هذا العلم وفائدته فائدة وثمرة كثيرة، مما يجعل الإنسان يعتني بهذا العلم.

أما فضله:فإن فضله يظهر مما سبق، وفضله أيضاً يظهر من:
أنه من أشرف العلوم الدينية؛ لأنه يتعلق:
- بكتاب الله تعالى.
- وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
- والإجماع.
- والقياس.
والمتعلق يشرف بشرف المتعلَق، ففضله بفضل موضوعه، وفضل غايته، وما يستفاد منه كما سبق.
أما نسبته إلى العلوم:فقد قال الغزالي في (المستصفى):
(اعلم أن العلوم تنقسم:
- إلى عقلية:
كالطب، والحساب، والهندسة.
- وإلى دينية: كالكلام، والفقه، والأصول، وعلم الحديث، وعلم التفسير) فهو من العلوم الدينية.
ونسبته:قال بعضهم: نسبته للعلوم أنه أصل للفروع والأحكام الشرعية هو أصل لها، وهو فرع بالنسبة لعلم العقائد الدينية.
أما الفقرة السادسة وهي المتعلقة بواضع هذا العلم:
فإن المشهور أن الإمام الشافعي محمد بن إدريس رحمه الله تعالى هو أول من وضع هذا الفن وهذا العلم في كتاب مستقل وألّف فيه كتابه المعروف بـ(الرسالة).
ولهم في هذا أقوال:
-قال بعضهم: (أن الإمام أبا حنيفة هو أول من وضع علم أصول الفقه في كتاب الرأي له، وتلاه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن).
- وقال بعض المالكية: (إن الإمام مالكاً هو أول واضع له، في ثنايا كتابه (الموطأ)).
والقول الثالث:(أن الإمام الشافعي هو أول من صنف فيه استقلالاً).
بل قال بعضهم: (إنه هو المبتكر لهذا العلم بلا نزاع، وأول من صنّف فيه بالإجماع) قال هذا الإسنوي في كتابه (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول).وقيل: غير ذلك.
المهم أن المشهور في هذا كالمجمع عليه أن الإمام الشافعي رحمه الله يعتبر هو الواضع الأول لعلم الأصول.
ومما يدل على هذا ويوضحه:
أن كتب الأصول:
منها:ما أُلف على طريقة علماء الكلام.
ومنها:ما أُلف على طريقة الحنفية.
طريقة الحنفية: أن الأصول والقواعد تستخرج من الفروع، فلو كان الإمام أبو حنيفة وصاحباه، أول من صنف في هذا لم يكن لهم كذلك، هذا مما يرجح أن الإمام الشافعي رحمه الله هو أول واضع لهذا العلم، وكتابه (الرسالة) قد طبع طبعات كثيرة من أحسنها طبعة الشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله، فإنه طبع هذا الكتاب سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة وألف، وقد مكث في تحقيقه والاعتناء به قريباً من ثلاث سنوات كما ذكر ذلك في المقدمة، وهو كتاب عظيم.
وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يُعظم الإمام الشافعي.
قال بعضهم: (إنه حج مع أبي عبدالله أحمد بن حنبل، وسكن معه في بيت واحد، ثم إن الإمام أحمد خرج مبكراً وذهب إلى الحرم، وتبعه صاحبه هذا، وبحث عنه في المجالس التي في الحرم، في مجلس سفيان ولم يجده، وفي غيره، ثم وجده عند شاب حتى انتهى إليه.
وقال له: يا أبا عبد الله، تترك مجلس سفيان، وهو يروي عن الزهري، وعن غيره، تترك هذا وتجلس عند هذا الشاب.
فقال نعم، إنه إن فاتك حديث في علو أدركته في نزول، أما ما عند هذا الشاب فلا أظن أنك تدركه عند غيره).
قال بعضهم:(إنا كنا نحب أن نردّ على أهل الرأي؛ فلم نحسن أن نرد عليهم حتى جاء الشافعي، وعلمنا كيف نرد عليهم).
والإمام الشافعي له مقامه العظيم في الدين.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (كان الإمام الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، لأنه تكلّم على القرآن، وعلى السنة، وبين أشياء كثيرة لم تكن معلومة عند أكثر المحّدثين).
فالحديث وحده بدون أصول الفقه، وبدون الفقه، ربما أوقع صاحبه في أشياء لم ترد في الشريعة، ولهذا كان الإمام أحمد يُعظم الإمام الشافعي تعظيماً شديداً، من أجل أنه استفاد منه فوائد كثيرة في هذا، وقد نصح جماعة بكتاب (الرسالة) وأمرهم بقراءته، حتى يستفيدوا الفهم من النصوص والاستنباط منها، هذا ما يتعلق بواضع هذا الفن.
واسمه:يسمى بعلم أصول الفقه.
وبعضهم قال:(إن من أسمائه أصول الشرع).
وبعضهم يسميه:(مع علم الفقه بعلم الدراية).
أما استمداده:
لو قال شخص: (أصول الفقه هذا مستمد من أي علم؟
الجواب: أنه اشتهر عند الأصوليين أن استمداده من ثلاثة فنون.
قال ابن بَرهان بفتح الباء، في كتابه: (الوصول إلى الأصول).
وأمَّا أصله، ومادته:يعني أصول الفقه
فا علم أن هذا الفن يُستمد من ثلاثة علوم:
- علم اللغة.
- وعلم الفقه.
- وعلم الكلام.
هذه العلوم هي التي استُمد منها هذا العلم.
أما وجه استمداده من اللغة:قال ابن برهان: فهو أنَّا بيّنَّا أن هذه أدلة الأحكام، وكتاب الله جل وعلا عربي، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عربية؛ فيحتاج الإنسان أن يعرف قدْراً صالحاً من اللغة العربية، ليتمكن به من معرفة معنى كلام الله تعالى، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا يشترط عليه بحكم نظره في هذا الفن، أن يعرف غرائب اللغة، وشواذها، ونوادرها، حتى يصير كالأصمعي، والخليل، والمبرّد، لا يلزم هذا، وإنما وجه الاستمداد من اللغة أن القرآن عربي والسنة عربية، فالذي لا يعرف اللغة العربية كيف يعرف معنى الكتاب والسنة وكيف يستنبط منهما؟)
وأما وجه استمداده من الفقه:
فهو أن أصول الفقه جُمل أدلة الأحكام الشرعية؛ فلا بد له من هذا الفن، أن يعرف قدراً صالحاً من الفقه يتمكن به من إيضاح المسائل، وضرب الأمثلة، إذا أراد أن يوضح مسائل أصول الفقه لا بد أن يعرف المسائل الفرعية، حتى يتم بها التمثيل، والتقريب لهذا الفن.
وأما وجه استمداده من علم الكلام:
فهو أن هذا الفن يفتقر إلى الميز بين الحجة والبرهان والدليل، وهذا يقرر في فن الكلام، وكذلك بعض المسائل المتعلقة التي تذكر في الأصول مأخوذة من هذا.
وبعضهم ذكر أن استمداد أصول الفقه:
-من الكتاب.
- والسنة.
- والإجماع.
- والقياس.
- وما سواها من الأدلة يرجع إليها.
كما أنه أيضاً يوجد مصادر أخرى للأصول، سبق الكتاب، والسنة، وكذلك علوم القرآن، علوم الكتاب، وعلوم السنة، وبعض الأشياء التي تذكر في فن المنطق، لكن المشهور مثل ما سبق أن استمداده من هذه العلوم الثلاثة وإن كان يستمد من غيرها، لكن الأكثر هذه الثلاثة.
أما حكم تعلم هذا الفن؟
فالمشهور عند أهل العلم أنه فرض كفاية.
وفرض الكفاية: (هو الذي إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين) ولا يقال إذا قام به البعض، لأن البعض قد يكفي، وقد لا يكفي، والإثم لا يسقط إلا بقيام من يكفي.
فلهذا الأدق في تعريفه، يعني تعريف فرض الكفاية أنه: (هو الذي إذا قام به من يكفى سقط الإثم عن الباقين).
وقال بعض أهل العلم:
(إنه فرض عين) لكن هذا القول محمول في حق:
-من أراد الاجتهاد.
- أو من أراد الفتوى.
- أو من أراد القضاء.
وفرض كفاية على غيرهؤلاء.
قال ابن حمدان في (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي): (وهذا أولى) يعني أنه لا يجب، ولا يكون فرض عين؛ إلا في هذه الأحوال الثلاثة.
أما مسائله:
فهي ما يذكر في كل باب من أبوابه، قال الآمدي في (الإحكام): (وأما مسائله فهي: أحوال الأدلة المبحوث عنها فيه مما عرّفناه).
وبعضهم يقول: (إن مسائله قضاياه).
- كالأمر يقتضي الوجوب.
- والنهي يقتضي التحريم.
فهي ما يذكر في كل باب من أبوابه، وهي تختلف باختلاف وجهات النظر، في تحديد الموضوع الذي يبحثه علم الأصول.
والمسائل بشكل عام في كل علم هي:المطالب التي يُبرهن عليها في العلم.
مسائل كل علم هي:المطالب التي يبرهن عليها في العلم، ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها.
-كمسائل العبادات.
- والمعاملات.
- ونحوها؛ للفقه.
ومسائل:
- الأمر، والنهي.
- والعام والخاص.

- والإجماع.
- والقياس ونحوها لأصول الفقه.
هذه المبادئ العشرة التي يذكرها أو بعض الأصوليين في أوائل كتبهم، وهي مهمة ومفيدة، حتى يكون الإنسان على بصيرة من العلم الذي يتعلمه.
لكن هل يبدأ طالب العلم بتعلم الفقه، أو بتعلم أصول الفقه؟
لهم في هذا قولان:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (المسودة): (وتقديم معرفته يعني أصول الفقه أولى عند ابن عقيل وغيره، وعند القاضي أبي يعلى تقديم الفروع أولى لأنها الثمرة المرادة من الأصول).

-قال ابن برهان في (الوصول إلى الأصول): (من الواجب على كل من اشتغل بالفقه أن يصرف صدراً من زمانه إلى معرفة أصول الفقه، ليكون على ثقة مما دخل فيه، قادراً على فهم معانيه).
-وقال في (الكوكب المنير): (والأولى، وقيل يجب تقديمها أي: تقديم تعلم أصول الفقه عليه -أي: على تعلم الفقه- لِيَتمكن بمعرفة الأصول، استفادة معرفة الفروع).
- وقال ابن حمدان في (صفة الفتوى): (قد أوجب ابن عقيل وغيره تقديم معرفته على الفروع).
ولهذا ذكره القاضي، وابن أبي موسى، وابن البنا، وأبو بكر عبد العزيز، في أوائل كتبهم الفروعية، يعني كتاب في الفروع، في أوله ذكر للأصول، مما يدل على أنه يُبدأ به قبل الفقه، والأمر في هذا واسع.
لكن الإنسان عليه أن يجتهد في هذا وفي هذا؛ لأن علم الفقه مرتبط بالأصول، والفقيه محتاج إليه حتى يعرف مأخذ أهل العلم، ووجه استنباط هذا الحكم، من هذا الدليل، وحتى يُرجح بين الأقوال، حتى يحصل له ما سبق في ذكر ثمار وفوائد هذا الفن.
هذه كالمقدمة لمتن (الورقات).


  #8  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 10:32 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي العناصر

عناصر المقدمة:
مقدمة في علم أصول الفقه:


المبادئ العشرة لعلم أصول الفقه:


1- حده:


تعريف (أصول الفقه) باعتباره مركبًا إضافيًّا:


أولاً: (الأصل)


تعريف (الأصل) لغةً


إطلاقات كلمة (الأصل) في الاصطلاح:


الإطلاق الأول: بمعنى الدليل، كقولهم: الأصل في وجوب الصلاة قوله سبحانه: (وأقيموا الصلاة)


الإطلاق الثاني: بمعنى الراجح، كقولهم: الأصل عدم الحذف


الإطلاق الثالث: بمعنى القاعدة الكلية نحو: الأصل تقديم النص على الظاهر


الإطلاق الرابع: بمعنى الشيء المستصحب، كقولهم: الأصل الطهارة، لمن تيقن الطهارة وشك في الحدث


الإطلاق الخامس: بمعنى الأصل المقيس عليه، وهذا موضع خلاف بين الأصوليين


ثانيًا: (الفقه):


الفقه لغةً: هو الفهم


ذكر شواهد ذلك


هذا التعريف هو المشهور


مناقشة تعريف ثانٍ للفقه لغة: بأنه فهم الأشياء الدقيقة


مناقشة تعريف ثالث للفقه لغة بأنه: فهم غرض المتكلم من كلامه


مناقشة تعريف رابع للفقه لغة بأنه: العلم


تعريف (الفقه) اصطلاحًا


تعريف الكاساني الحنفي: هو علم الحلال والحرام وعلم الشرائع والأحكام


تعريف ابن الحاجب المالكي: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال


تعريف الشافعية للفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية


تعريف الحنابلة للفقه: هو معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة


بيان محترزات هذا التعريف


تعريف (أصول الفقه) باعتباره لقبًا على هذا الفن:


اختلاف العلماء في تعريف (أصول الفقه)


سبب الاختلاف: اختلافهم في موضوع أصول الفقه


تعريف الكمال بن الهمام


تعريف ابن الحاجب المالكي


تعريف الرازي


تعريف البيضاوي


تعريف صاحب (كشاف اصطلاحات الفنون)


التعريف المختار: معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد وهو المجتهد


هذا التعريف لصاحب قواعد الأصول من علماء الحنابلة


شرح هذا التعريف


2 - موضوعه


3 - ثمرته


4 - فضله


5 - نسبته


6 - واضعه


7 - اسمه


8 - استمداده


9 - حكم تعلمه


10 - مسائله


أهمية علم أصول الفقه


تأريخ التأليف في أصول الفقه


أول من ألف في أصول الفقه الإمام الشافعي


تطور التأليف في علم أصول الفقه


مسألة: هل يبدأ طالب العلم بتعلم الفقه، أو بتعلم أصول الفقه؟


القول الأول: أن تقديم تعلم أصول الفقه أولى، وهو قول ابن عقيل وغيره


القول الثاني: أن تقديم معرفة الفروع أولى؛ لأنها الثمرة المرادة من الأصول، وهو قول القاضي أبي يعلى


فائدة: الأمر في هذه المسألة واسع، لكن الإنسان عليه أن يجتهد في هذا وفي هذا، لأن علم الفقه مرتبط بالأصول


التعريف بمتن (الورقات)


موضوع كتاب (الورقات)


مميزات كتاب الورقات


منزلته بين كتب أصول الفقه


ثناء الإمام الحطاب على متن الورقات


شروح الورقات


الشرح الأول: (شرح المحلي)


شرح المحلي هو أشهر شروح متن الورقات


عناية العلماء بشرح المحلي


الشرح الثاني: (شرح المارديني)


سبب تأليف المارديني شرحه على الورقات


اسم شرح المارديني على الورقات: (الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات)


الشرح الثالث: (شرح الحطاب)


سبب تأليف الحطاب شرحه على شرح المحلي لكتاب الورقات


منهج الحطاب في شرحه


اسم شرح الحطاب: (قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين)


الشرح الرابع: (الثمرات على الورقات) تأليف: خضر بن محمد اللجمي


الشرح الخامس: (شرح شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي)


الشرح السادس: (التعليقات على متن الورقات) للشيخ عبد الرحمن بن حمد الجطيلي رحمه الله


الشرح السابع: (شرح الورقات في أصول الفقه) للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان


سبب تأليف الفوزان شرحه على الورقات


منهج الفوزان في شرحه للورقات


نظم الورقات


نظم العمريطي للورقات


اسم نظم العمريطي


شرح ابن قُدْس الشافعي لنظم العمريطي


التعريف بمؤلف الورقات


ترجمة أبي المعالي الجويني صاحب كتاب الورقات


اسمه ونسبه


لقبه: (إمام الحرمين)


سبب تلقيبه بإمام الحرمين


فائدة: إمام الحرمين لقب لإمامين كبيرين، حنفي وشافعي:


فالحنفي: أبو المظفر يوسف القاضي الجرجاني

والشافعي هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني


مولده


نشأته وحياته


عقيدته


وفاته

مؤلفات إمام الحرمين

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المقدمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir