دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النوع السابع والعشرون: آداب المحدث

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالعِشْرُونَ : آدَابُ المُحَدِّثِ
وَقَدْ أَلَّفَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ: (الجَامِعُ لِآدَابِ الشَّيْخِ وَالسَّامِعِ).
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مُهِمَّاتٌ فِي عُيُونِ الأَنْوَاعِ المَذْكُورَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِلحَدِيثِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسِينَ سَنَةً, وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْبَعِينَ سَنَةً, وَقَدْ أَنْكَرَ القَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ, بِأَنَّ أَقْوَامًا حَدَّثُوا قَبْلَ الأَرْبَعِينَ, بَل قَبْلَ الثَّلَاثِينَ. مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ, ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ, وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِهِ أَحْيَاءٌ.
قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَلَطَ.
وَقَدِ اسْتَدْرَكُوا عَلَيْهِ بِأَنْ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ حَدَّثُوا بَعْدَ هَذَا السِّنِّ, مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ, وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى, وَخَلقٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ, وَقَدْ حَدَّثَ آخَرُونَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ, مِنْهُمْ: الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ, وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ, وَأَبُو إِسْحَاقَ الهُجَيْمِيُّ, وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ -أَحَدُ الأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ-, وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ.
لَكِنْ إِذَا كَانَ الاعْتِمَادُ عَلَى حِفْظِ الشَّيْخِ الرَّاوِي, فَيَنْبَغِي الاحْتِرَازُ مِنِ اخْتِلَاطِهِ إِذَا طَعَنَ فِي السِّنِّ.
وأَمَّا إذا كانَ الاعتِمادُ على حِفظِ غَيْرِه وخَطِّهِ وضَبْطِه، فهَهُنا كُلَّمَا كانَ السِّنُّ عَاليًا كانَ الناسُ أَرْغَبَ في السَّماعِ عَلَيْهِ، كما اتَّفَقَ لشَيْخِنا أبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَبْسِيِّ الحَجَّارِ، فإنه جَاوَزَ المائَةَ مُحَقِّقًا، سَمِعَ على الزُّبَيْدِيِّ سَنَةَ ثَلاثِينَ وسِتِّمِائةٍ صَحِيحَ البُخَارِيِّ، وأَسمَعَهُ في سَنَةِ ثَلاثِينَ وسَبْعِمِائةٍ، وكانَ شَيْخًا كَبِيرًا عَامِّيًّا لا يَضْبِطُ شَيئًا، ولا يَتَعَقَّلُ كَثِيرًا مِنَ المعانِي الظاهِرَةِ، ومعَ هذا تَدَاعَى الناسُ إلى السَّمَاعِ مِنهُ عِندَ تَفَرُّدِه عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، فَسَمِعَ منه نَحْوٌ مِن مِائةِ أَلفٍ، أو يَزِيدُونَ. قالوا: وينبغِي أَنْ يَكُونَ المُحَدِّثُ جَمِيلَ الأخلاقِ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ صَحِيحَ النِّيَّةِ، فإن عَزَبَتْ نِيَّتُهُ عنِ الخَيْرِ، فليَسْمَعْ، فإنَّ العِلمَ يُرْشِدُ إليه، قال بَعضُ السَّلَفِ: طَلَبْنَا العِلمَ لِغَيْرِ اللهِ، فأَبَى أَنْ يَكُونَ إلا للهِ. وقالُوا: لا يَنْبَغِي أَنْ يُحَدِّثَ بحَضْرَةِ مَن هُو أَوْلَى سِنًّا أو سَماعًا، بل كَرِهَ بَعْضُهُمُ التحديثَ لِمَنْ في البلَدِ أَحَقُّ منه، ويَنْبَغِي له أن يَدُلَّ عليه، ويُرْشِدَ إليه، فإن الدينَ النصيحةُ.
قالوا: لا يَنْبَغِي عَقْدُ مَجْلِسِ التحديثِ، وليَكُنِ المُسْمِعُ علَى أَكْمَلِ الهَيْئَاتِ، كمَا كانَ مالكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- إذا حَضَرَ مَجْلِسَ التَّحْدِيثِ تَوَضَّأَ، ورُبَّمَا اغْتَسَلَ، وتَطَيَّبَ، ولَبِسَ أَحْسَنَ ثِيابِهِ، وعَلاهُ الوَقَارُ والهَيْبَةُ، وتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ وزَبَرَ مَن يَرْفَعُ صَوْتَهُ.
ويَنْبَغِي افتِتاحُ ذَلِكَ بقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ القُرآنِ تَبَرُّكًا وتَيَمُّنًا بتِلاوَتِهِ، ثم بَعْدَهُ التَّحْمِيدُ الحَسَنُ التامُّ، والصلاةُ علَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
قال الخطيبُ: ويَرْفَعُ صَوْتَهُ بذَلِكَ، قالَ الخَطِيبُ: وإذا مَرَّ بصَحَابِيٍّ تَرَضَّى عَنْهُ.
وحَسُنَ أن يُثْنِيَ علَى شَيْخِه كما كانَ عَطَاءٌ يقُولُ: حَدَّثَنِي الحَبْرُ البَحْرُ ابنُ عَبَّاسٍ، وكانَ وَكِيعٌ يَقُولُ: حَدَّثَنِي سُفيانُ الثَّوْرِيُّ أَمِيرُ المؤمنينَ في الحديثِ، ويَنْبَغِي أَلَّا يَذْكُرَ أَحَدًا بلَقَبٍ يَكْرَهُهُ، فأما لَقَبٌ يَتَمَيَّزُ به فلا بَأْسَ.

  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 12:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر


النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ


(آدَابُ) [1] الْمُحَدِّثِ:
وَقَدْ أَلَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ: "الْجَامِعُ لِآدَابِ الشَّيْخِ وَالسَّامِعِ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مُهِمَّاتٌ فِي عُيُونِ[2]الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِلْحَدِيثِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ، بِأَنَّ أَقْوَامًا حَدَّثُوا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ، بَلْ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ. مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِهِ أَحْيَاءٌ.
قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَلَطَ.
وَقَدِ اسْتَدْرَكُوا عَلَيْهِ بِأَنْ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ حَدَّثُوا بَعْدَ هَذَا السِّنِّ، مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَخَلْقٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ حَدَّثَ آخَرُونَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهُمْ: الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الهُجَيْمِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ -أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ-، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ.
لَكِنْ إِذَا كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِفْظِ الشَّيْخِ الرَّاوِي، فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنِ اخْتِلَاطِهِ إِذَا طَعَنَ فِي السِّنِّ.
وأَمَّا إذا كانَ الاعتِمادُ على حِفظِ غَيْرِه وخَطِّهِ وضَبْطِه، فهَهُنا كُلَّمَا كانَ السِّنُّ عَاليًا كانَ الناسُ أَرْغَبَ في السَّماعِ عَلَيْهِ، كما اتَّفَقَ لشَيْخِنا أبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَبْسِيِّ الحَجَّارِ، فإنه جَاوَزَ المائَةَ مُحَقِّقًا، سَمِعَ على الزُّبَيْدِيِّ سَنَةَ ثَلاثِينَ وسِتِّمِائةٍ صَحِيحَ البُخَارِيِّ، وأَسمَعَهُ في سَنَةِ ثَلاثِينَ وسَبْعِمِائةٍ، وكانَ شَيْخًا كَبِيرًا عَامِّيًّا لا يَضْبِطُ شَيئًا، ولا يَتَعَقَّلُ كَثِيرًا مِنَ المعانِي الظاهِرَةِ، ومعَ هذا تَدَاعَى الناسُ إلى السَّمَاعِ مِنهُ عِندَ تَفَرُّدِه عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، فَسَمِعَ منه نَحْوٌ مِن مِائةِ أَلْفٍ، أو يَزِيدُونَ[3].
قالوا: وينبغِي أَنْ يَكُونَ المُحَدِّثُ جَمِيلَ الأخلاقِ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ صَحِيحَ النِّيَّةِ، فإن عَزَبَتْ نِيَّتُهُ عنِ الخَبْرِ[4]، فلْيَسْمَعْ، فإنَّ العِلْمَ يُرْشِدُ إليه، قال بَعضُ السَّلَفِ: طَلَبْنَا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فأَبَى أَنْ يَكُونَ إلا للهِ. وقالُوا: لا يَنْبَغِي أَنْ يُحَدِّثَ بحَضْرَةِ مَن هُو أَوْلَى سِنًّا أو سَماعًا، بل كَرِهَ بَعْضُهُمُ التحديثَ لِمَنْ في البلَدِ أَحَقُّ منه، ويَنْبَغِي له أن يَدُلَّ عليه، ويُرْشِدَ إليه، فإن الدينَ النصيحةُ[5].
قالوا: لا يَنْبَغِي عَقْدُ مَجْلِسِ التحديثِ، ولْيَكُنِ المُسْمِعُ علَى أَكْمَلِ الهَيْئَاتِ، كمَا كانَ مالكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- إذا حَضَرَ مَجْلِسَ التَّحْدِيثِ تَوَضَّأَ، ورُبَّمَا اغْتَسَلَ، وتَطَيَّبَ، ولَبِسَ أَحْسَنَ ثِيابِهِ، وعَلاهُ الوَقَارُ والهَيْبَةُ، وتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ وزَبَرَ مَن يَرْفَعُ صَوْتَهُ[6].
ويَنْبَغِي افتِتاحُ ذَلِكَ بقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ القُرآنِ تَبَرُّكًا وتَيَمُّنًا بتِلاوَتِهِ، ثم بَعْدَهُ التَّحْمِيدُ الحَسَنُ التامُّ، والصلاةُ علَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
قال الخطيبُ: ويَرْفَعُ صَوْتَهُ بذَلِكَ، قالَ الخَطِيبُ: وإذا مَرَّ بصَحَابِيٍّ تَرَضَّى عَنْهُ.
وحَسُنَ أن يُثْنِيَ علَى شَيْخِه كما كانَ عَطَاءٌ يقُولُ: حَدَّثَنِي الحَبْرُ البَحْرُ ابنُ عَبَّاسٍ، وكانَ وَكِيعٌ يَقُولُ: حَدَّثَنِي سُفيانُ الثَّوْرِيُّ أَمِيرُ المؤمنينَ في الحديثِ، ويَنْبَغِي أَلَّا يَذْكُرَ أَحَدًا بلَقَبٍ يَكْرَهُهُ، فأما لَقَبٌ يَتَمَيَّزُ به فلا بَأْسَ[7].


[1]وقع بياض بالأصل يسع كلمة (آداب) فأضفناها إلى السياق، ومن عنوان هذا الباب في مقدمة ابن الصلاح.

[2] في نسخة (غضون).

[3] وأنا رأى أن مثل هذا السماع لا قيمة له، بل هو تكلف وغلو في طلب علو السند، من غير وجهه الصحيح، فما قيمة السماع من رجل يوصف بأنه (عامي) ، لا يضبط شيئًا، ولا يتعلق كثيرا من المعاني الظاهرة؟

[4] في الأصل في الخبر! وهو خطأ.

[5] وذهب ابن دقيق العيد إلى أنه لا يرشد إلى صاحب الإسناد العالي إذا كان جاهلا بالعلم، لأنه قد يكون في الرواية عندما يوجب خللا، وهذا قيد صحيح.

[6] كان مالك رحمه الله إذا رفع أحد صوته في مجلس الحديث انتهره وزجره، ويقول: (قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}، فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته).

[7]لا بأس أن يذكر الشيخ من يروي عنه بلقب، مثل (غندر)، أو وصف، نحو (الأعمش)، أو حرفة، مثل (الحناط)، أو بنسبته إلى أمه، مثل (ابن علية)، إذا عرف الراوي بذلك، ولم يقصد أن يعيبه، وإن كره الملقب به ذلك.
فائدة:
كان الحفاظ من العلماء المتقدمين، رضي الله عنهم، يعقدون مجالس لإملاء الحديث. وهي مجالس عامة، فيها علم جم، وخير كثير، ومن آدابها أنه يجب على الشيخ أن يختار الأحاديث المناسبة للمجالس العامة، وفيها من لا يفقه كثيرا من العلم، فيحدثهم بأحاديث الزهد ومكارم الأخلاق ونحوها. وليتجنب أحاديث الصفات، لأنه لا يؤمن عليهم الخطأ والوهم والوقوع في التشبيه والتجسيم، ويجتنب أيضُا الرخص والإسرائيليات، وما شجر بين الصحابة من الخلاف، لئلا يكون ذلك فتنة للناس. ثم يختم مجلس الإملاء بشيء من طرف الأشعار والنوادر. كعادة الأئمة السالفين- رضي الله عنهم.
وإذا كان الشيخ المملي غير متمكن من تخريج أحاديثه التي يمليها، إما لضعفه في التخريج، وإما لاشتغاله بأعمال تهمه، كالإفتاء أو التأليف، استعان على ذلك بمن يثق به من العلماء الحفاظ.
وهذا الإملاء سنة جيدة، اتبعها السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم انقطع بعد الحافظ ابن الصلاح المتوفى سنة 643. قال السيوطي في التدريب: (ص176): (وقد كان الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ أبي الفضل العراقي، فافتتحه سنة 756، فأملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلسا إلى سنة موته، سنة 806 ثم أملى ولده إلى أن مات، سنة 286 ستمائة مجلس وكسرا. ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى أن مات سنة 852، أكثر من ألف مجلس. ثم درس تسعة عشر سنة، فافتتحه أول سنة 878، فأمليت ثمانين مجلسا، ثم خمسين أخرى).
وقد انقطع الإملاء بعد ذلك، إلا فيما ندر؛ لندرة العلماء الحفاظ، وندرة الطالبين الحريصين على العلم والرواية.
وقد رأيت بعض أمالي الحافظ ابن حجر، مخطوطة في بعض المكاتب، ويا ليتنا نجد من يطبعها وينشرها على الناس.
واعلم أنه قد أطلق المحدثون ألقابا على العلماء بالحديث:
فأعلاها: (أمير المؤمنين في الحديث)، وهذا لقب لم يظفر به الأفذاذ النوادر، الذين هم أئمة هذا الِشأن، والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وإسحاق ابن راهويه، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني، رضي الله عنهم جميعا.
ثم يليه: (الحافظ)، وقد بين الحافظ المزي الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه (الحافظ)، فقال: (أقل ما يكون أن تكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم: أكثر من الذين لا يعرفهم، ليكون الحكم للغالب). فقال له التقي السبكي: (هذا عزيز في هذا الزمان، أدركت أنت أحدا كذلك؟)، فقال: (ما رأينا مثل الشيخ الدمياطي، ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين الثريا من الثرى؟!) فقال السبكي: (كان يصل إلى هذا الحد؟)، قال: (ما هو إلا كان يشارك مشاركة جيدة في هذا، أعني في الأسانيد، وكان في المتون أكثر، لأجل الفقه والأصول).
وقال أبو الفتح بن سيد الناس: (أما المحدث في عصرنا، فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواته، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك، حتى عرف فيه خطه، واشتهر ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه، طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله- فهذا هو الحافظ).
وسأل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلاني شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي فقال: (ما يقول سيدي في الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان استحق أن يسمى حافظًا؟ وهل يتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها المزي وأبو الفتح في ذلك، لنقص زمانه أم لا؟) فأجاب: (الاجتهاد في تلك يختلف باختلاف غلبة الظن في وقت ببلوغ بعضهم للحفظ، وغلبته في وقت آخر، وباختلاف من يكون كثير المخالطة الذي يصفه بذلك).
وكلام المزي فيه ضيق، بحيث لم يسم ممن رآه بهذا الوصف إلا الدمياطي.
وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل، بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق. ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كان شيوخهم التابعين أو أتباع التابعين وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين: فكان الأمر في ذلك الزمان أسهل، باعتبار تأخر الزمان. فإن اكتفى بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه أو طبقة أخرى، فهو سهل لمن جعله فيه ذلك دون غيره، من حفظ المتون والأسانيد، معرفة أنواع علوم الحديث كلها، ومعرفة الصحيح من السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن.
بخلاف ما ذكر من جميع ما ذكر، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول عمر، انتفاء الموانع.
وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة. فإن صح كان المراد رتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وجد في زمانه من يوصف بالحفظ، وكم من حافظ وغيره أحفظ منه. نقل ذلك كله السيوطي في التدريب (ص7-8).
وأدنى من (الحافظ) درجة يسمى (المحدث) قال التاج السبكي في كتابه: (معيد النعم) فيما نقله في التدريب: (ص6): ((من الناس فرقة ادعت الحديث، فكان قصارى أمرها النظر في مشارق الأنوار للصاغاني، فإن ترفعت فإلى مصابيح البغوي، وظنت أنها بهذا القدر تصل إلى درجة المحدثين! وما ذلك إلا بجهلها بالحديث، فلو حفظ من ذكرناه هذين الكتابين عن ظهر قلب، وضم إليهما من المتون مثليهما: لم يكن محدثا، ولا يصير بذلك محدثا، حتى يلج الجمل في سم الخياط! فإن رامت بلوغ الغاية في الحديث -على زعمها- اشتغلت بجامع الأصول لابن الأثير، فإن ضمت إليه كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، أو مختصره المسمى بالتقريب للنووي، ونحو ذلك، وحينئذ ينادى من انتهى إلى هذا المقام: محدث المحدثين، وبخاري العصر! وما ناسب هذه الألفاظ الكاذبة فإن ذكرناه لا يعد محدثًا بهذا القدر. إنما المحدث: من عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالي والنازل، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، وسمع الكتب الستة، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن البيهقي، ومعجم الطبراني، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أول درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وكتب الطباق، ودار على الشيوخ، وتكلم في العلل والوفيات والأسانيد: كان في أول درجات المحدثين، ثم يزيد الله من يشاء ما يشاء)).
ودون هذين من يسمى (المسند) -بكسر النون- وهو الذي يقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها، من غير معرفة بعلومها أو إتقان لها، وهو الرواية فقط. وقد وصف التاج السبكي هؤلاء الرواة فقال: (ومن أهل العلم طائفة طلبت الحديث، وجعلت دأبها السماع على المشايخ، ومعرفة العالي من المسموع والنازل، وهؤلاء هم المحدثون على الحقيقة، إلا أن كثيرا منهم يجد نفسه في تهجي الأسماء والمتون، وكثرة السماع، من غير فهم لما يقرؤونه، ولا تتعلق فكرته بأكثر من أني حصلت جزء ابن عرفة عن سبعين شيخا. وجزء الأنصاري عن كذا كذا شيخا. وجزء لطرفة، ونسخة ابن مسهر، وأنحاء ذلك!! وإنما كان: السلف يسمعون فيقرؤون، فيرحلون، فيفسرون، ويحفظون فيعلمون)
وأما عصرنا هذا فقد ترك الناس فيه الرواية جملة، ثم تركوا الاشتغال بالأحاديث إلا نادرًا وقليل أن نرى منهم من هو أهل لأن يكون طالبا لعلوم السنة، وهيهات أن تجد من يصح أن يكون محدثا. وأما الحفظ فإنه انقطع أثره، وختم بالحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ثم قارب السخاوي والسيوطي أن يكونا حافظين، ثم لم يبق بعدهما أحد. ومن يدري؟ فلعل الأمم الإسلامية تستعيد مجدها، وترجع إلى دينها وعلومها، ولا يعلم الغيب إلا الله. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ).


  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 12:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 12:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)


القارئ: " ( النوع السابع والعشرون ) ".
الشيخ: ولن نعلق عليها؛ لأنها واضحة، لكن ما نريد أن نتركها دون قراءةمنها ما يتعلق بآداب طالب العلم عمومًا، ومنها مع شيخه ومع العلم نفسه، ومنها ما يتعلق بالمحدث

القارئ: " النوع السابع والعشرون(آداب المحدث)
وقد ألف الخطيب البغدادي في ذلك كتابًا سماه "الجامع لآداب الشيخ والسامع" وقد تقدم لذلك مهمات في غضون الأنواع المذكورة، قال ابن خلاد وغيره: ينبغي للشيخ أن لا يتصدى للحديث إلا بعد استكمال خمسين سنة. وقال غيره: أربعين سنة. وقد أنكر القاضي عياض ذلك،بأن أقوامًا قد حدثوا قبل الأربعين، وقبل الثلاثين منهم: مالك بن أنس، وازدحم الناس عليه، وكثير من مشايخه أحياء.
قال ابن خلاد: وإذا بلغ الثمانين أحببت له أن يمسك؛ خشية أن يكون قد اختلط، وقد استدركوا عليه بأن جماعة من الصحابة وغيرهم حدثوا بعد هذا السن، منهم: أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعبد الله بن أبي أوفى، وخلق من بعدهم، وقد حدث آخرون بعد استكمالهم مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة، وأبو قاسم اللغوي، وأبو إسحاق، والجيمي، والقاضي أبو الطيب الطبري أحد أئمة الشافعية، وجماعة كثيرون.

لكن إذا كان الاعتماد على حفظ الشيخ الراوي،وينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن، وأما إذا كان اعتماده على حفظ غيره وخطه وضبطه فههنا كلما كان السن عاليًا كان الناس أرغب في السماع عليه، كما اتفق لشيخنا أبي العباس أحمد بن أبي طالب عن الحجار؛ فإنهم جاوزوا المائة محققا، سمعها الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة صحيح البخاري، وأسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان شيخا كبيرا عاميًا لا يضبط شيئا، ولا يتعقل كثيرًا من المعاني الظاهرة، ومع هذا تداعى الناس إلى السماع منه عند تفرده عن الزبيدي، وسمع منه لحظ من مائة ألف أو يزيدون، قالوا: وينبغي أن يكون المحدث جميل الأخلاق، حسن الطريقة، صحيح النية، فإن عذبت نيته عن الخير فليسمع؛ فإن العلم يرشد إليه، قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. وقالوا: لا ينبغي أن يحدث بحضرة من هو أولى سننًا أو سماعا، بل كره بعضهم التحديث لمن في البلد أحق منه، وينبغي له أن يدل عليه ويرشد إليه؛ فإن الدين النصيحة، قالوا: لا ينبغي عقد مجلس التحديث، وأن يكون المسمع على أكمل الهيئات، كما كان مالك -رحمه الله- إذا حضر مجلس التحديث توضأ واغتسل، وتتطيب ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة،وتمكن في جلوسه، وزجر من يرفع صوته.
الشيخ:
قالوا: لا ينبغي عقد مجلس التحديث، بدون (لا)
نحذف اللا .
فهي قلبت المعنى قد أفسدت المعنى
القارئ: قالوا: ينبغي عقد مجلس التحديث، وليكن المسمع على أكمل الهيئات، كما كان مالك -رحمه الله- إذا حضر مجلس التحديث توضأ، وربما اغتسل وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه، وزجر من يرفع صوته، وينبغي افتتاح ذلك بقراءة شيء من القرآن تبركًا وتيمنًا بتلاوته، كما.. ثمبعده التحميد الحسن التام، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليكن القارئ حسن الصوت جيد الأداء فصيح العبارة، وكلما مر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطيب: ويرفع صوته بذلك، وإذا مر بصحابي ترضى عنه، وحسن أن يثني على شيخه، كما كان عطاء يقول: حدثني الحبر البحر ابن عباس، وكان وكيع يقول: حدثني سفيان الثوري وأمير المؤمنين بالحديث. وينبغي ألا يذكر أحدًا بلقب يكرهه، فأما لقب يتميز به فلا بأس.
الشيخ: هذه آداب المحدث، وسيذكر بعدها آداب طالب الحديث، وكثير منها كما ذكرت لا تتعلق بعلم الرواية فقط، أو علم الحديث، وإنما تصلح لعموم طالب العلم، وبالنسبة للأمر الأول الذي هو لا يتصدى للحديث إلا بعد استكمال الخمسين سنة أو بعد أربعين أو نحو هذه الأمور،أومتى يقطع التحديث؟ هذه أمور اقترحت فيما بعد,بعد عصر الرواية، ولا أثر لها في نقل السنة، العبرة بأي شيء؟ العبرة بالضبط والإتقان وحاجة الناس وعلو الإسناد ونحو ذلك، فمتى كان مثلًا بالنسبة لقطع التحديث لا ضابط له،ابن أبي عروبة اختلط -رحمه الله- وسنه قريب من الخمسين أو دون الخمسين.

ومن العلماء من تجاوز المائة وعقله صحيح؛ إذن ليست العبرة بالسن، وهذا هو الواقع أي أنه لا سن محدد لا بابتداء التحديث ولا لقطع التحديث، وإنما ذلك راجع إلى طبيعة كل شخص، هذا ما يتعلق بالنسبة لقضية الشيخ هذاعامي كبير لا يتعقل كثير من المعاني، هذا ينبئك على ما تقدم، مع هذا سمع منه كم من شخص؟ يقول: سمع منه مائة ألف أو يزيدون، وهذا ينبئك عن قضية التسامح في شروط الراوي بعد عصر الرواية، بعد أن دونت الكتب وضبطت، وهذا التسامح يعتبر معقول مقبول،ليس فيه شيء إلا أنه عامي لا يضبط.

ولكن ذكر.. الذهبي -رحمه الله- مشددا على نفسه أنهم تسامحوا في الأخذ عن أناس، يعني: ليسوا من أهل الخير، وفي سلوكهم شيء، وهو ينص على أنه إنما حملنا على هذا شرف الرواية، أي: يعتب على نفسه
بعض الأمور هذه ذهبت مثل العقد ومجلس التحديث هذا ذهب الآن، مجالس الإملاء ومجالس التحديث هذه كانت في السابق موجودة، ثم تنقرض ثم تحيى، مثلًا العراقي قبل وقته كانت انقرضت، ثم أحياها العراقي أو أحياها ابن حجر،شيخه العراقي، ثم يقولون: بعد ابن حجر انقرضت
إملاء ابن حجر -رحمه الله- أكثر من ألف مجلس يملي إملاء، يقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، إلى أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إلى صاحب النص، ثم انقرض.
والآن ما يوجد هذا هذه إرشادات وتوجيهات،كانت في وقتهم يحتاجون إليها -رحمهم الله تعالى- لكن يبقى قضايا لا تتعلق بعلم السنة فقط، مثل التهيؤ لمجلس العلم، ومثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مر، والترضي عن الصحابة، واختيار قارئ حسن الصوت، ومثل الثناء على العلماء إذا مروا، هذه أمور مشتركة في العلوم كلها، ولا تتعلق بالرواية فقط، ومثل كذلك ألا يحدث بحضرة منهو أولى منه سننًا وسماعًا،الإفتاء مثله، ينبغي إذا كان بحضرة من هو أعلى منه،أو أكبر منه سننًاينبغي أن يحيل إليه ما يرد إليه، أو كان في البلد شخص مثلًا في العلم الفلاني مجيب له، إذا جاء الطالب يرشده إليه يقول: اذهب إلى الشيخ الفلاني وخذ عنه.

تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السابع, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir