النَّوْعُ السَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ
وَلِمُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ تَصْنِيفٌ فِي ذَلِكَ.
تَفَرَّدَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, مِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ, وَعُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ, وَمُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ الأَنْصَارِيُّ, وَمُحَمَّدُ بْنُ صَيْفِيٍّ الأَنْصَارِيُّ, وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمَا وَاحِدٌ, وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا اثْنَانِ, وَوَهْبُ بْنُ خَنْبَشٍ, وَيُقَالُ: هَرِمُ بْنُ خَنْبَشٍ. واللهُ أَعْلَمُ.
وَتَفَرَّدَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ. وَكَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ (أَبِيهِ). وَكَذَلِكَ شُتَيْرُ بْنُ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وعبدُ الرحمنِ بنُ أَبِي لَيْلَى عنْ أَبِيه.
وَكَذَلِكَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ, تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ, وَعَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعْدٍ المُزَنِيِّ, وصُنَابِحِ بْنِ الأَعْسَرِ, وَمِرْدَاسِ بْنِ مَالِكٍ الأَسْلَمِيِّ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ صَحَابَةٌ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدِ ادَّعَى الحَاكِمُ فِي الإِكْلِيلِ أَنَّ البُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجَا فِي صَحِيحَيْهِمَا شَيْئًا مِنْ هَذَا القَبِيلِ.
قَالَ: وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ, وَنُقِضَ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ, وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُهُ, فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ. وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ حَدِيثَ (يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ) وَبِرِوَايَةِ الحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بنِ تَغْلِبَ، ولَمْ يَرْوِ عَنْه غَيْرُهُ.
وحديثَ: (إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ). ورَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ الأغرِّ المُزْنِيِّ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلبِي) ولم يَرْوِ عنه غَيْرُ أَبِي بُرْدَةَ. وحَدِيثَ رِفَاعَةَ بنِ عَمْرٍو، ولم يَرْوِ عنه غَيْرُ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ. وحَدِيثَ أَبِي رِفَاعَةَ، ولم يَرْوِ عنه غيرُ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ العَدَوِيِّ، وغيرُ ذلك عِندَهُما.
ثم قال ابنُ الصَّلاحِ: وهذا مُصَيَّرٌ مِنهُم، إلى أنَّهُ تَرْتَفِعُ الجَهَالَةُ عَنِ الرَّاوِي برِوايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ.
قلت: وأمَّا رِوايةُ العَدْلِ عنْ شَيْخٍ، فهل هي تَعْديلٌ أم لا؟ في ذلك خِلافٌ مشهورٌ. ثالِثُها: إنِ اشتَرَطَ العَدالَةَ في شيُوخِهِ -كمالكٍ ونَحْوِه- فتعديلٌ، وإلا فلا.
وإذا لم نَقُل إنه تَعْدِيلٌ، فلا تَضُرُّ جَهالَةُ الصَّحابِيِّ؛ لأنهم كُلُّهُم عُدولٌ، بخلافِ غَيرِهم، فلا يَصِحُّ ما استدرَكَ به الشيخُ أبو عَمْرٍو -رَحِمَهُ اللهُ-؛ لأن جميعَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُم صَحَابَةٌ، واللهُ أَعْلَمُ.
أما التابعونَ فقد تَفَرَّدَ -فيما نَعْلَمُ- حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عن أَبِي العُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ، عن أبيهِ بحديثِ: (أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلا في اللبَّةِ؟ فقال: أمَا لو طَعَنْتَ في فَخِذِهَا لأَجْزَأَ عَنْكَ ).
ويُقالُ: إِنَّ الزُّهْرِيَّ تَفَرَّدَ عَنْ نَيِّفٍ وعِشرِينَ تَابِعِيًّا، وكذلك تفرَّدَ عَمْرُو بنُ دِينارٍ، وهِشامُ بنُ عُرْوَةَ، وأَبُو إسحاقَ السَّبِيعِيُّ، ويَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عن جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
وقال الحاكِمُ: وقَدْ تَفَرَّدَ مَالِكٌ عَن زُهَاءِ عَشَرَةٍ مِن شُيوخِ المدينةِ، (لم يَرْوِ عَنهُم غَيرُه).