دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 صفر 1430هـ/14-02-2009م, 09:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الإحرام سننه وواجباته

بابٌ

الإحرامُ نِيَّةُ النُّسُكِ، سُنِّ لِمُريدِه غُسْلٌ أو تَيَمُّمٌ لعَدَمٍ وتَنظيفٌ، وتَطَيُّبٌ، وتَجَرُّدٌ من مَخِيطٍ، ويَحْرُمُ في إزارٍ ورِداءٍ أَبْيَضَيْنِ، وإحرامٌ عَقِبَ رَكعتينِ ونِيَّتُه شَرْطٌ


  #2  
قديم 19 صفر 1430هـ/14-02-2009م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...............

  #3  
قديم 19 صفر 1430هـ/14-02-2009م, 12:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ الإحرامِ

لُغَةً: نِيَّةُ الدُّخولِ في التحريمِ؛ لأنَّه يُحَرِّمُ على نفسِه بنِيَّتِه ما كانَ مُباحاً له قبلَ الإحرامِ مِن النكاحِ والطِّيبِ ونحوِهِما، وشَرْعاً: (نِيَّةُ النُّسُكِ)؛ أي: نيَّةُ الدُّخُولِ فيه لا نيَّةُ أن يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ.
(سُنَّ لمُرِيدِه)؛ أي: مُرِيدِ الدُّخولِ في النُّسُكِ مِن ذَكَرٍ وأُنْثَى (غُسْلٌ) ولو حائضاً ونُفَسَاءَ؛ (لأنَّ النبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ) روَاهُ مُسْلِمٌ. وأَمَرَ عَائِشَةَ أن تَغْتَسِلَ لإهلالِ الحَجِّ وهي حائِضٌ. (أو تَيَمُّمٌ لعدمٍ)؛ أي: عدمِ الماءِ أو تَعَذُّرِ استعمَالِه لنحوِ مرضٍ. (و) سُنَّ له أيضاً (تَنَظُّفٌ) بأَخْذِ شَعْرٍ وظُفْرٍ وقَطْعِ رائحةٍ كريهةٍ لئَلاَّ يَحْتَاجَ إليه في إحرامِه فلا يَتَمَكَّنُ منه. (و) سُنَّ له أيضاً (تَطَيُّبٌ) في بَدَنِه بمِسْكٍ أو بخورٍ أو ماءِ وَرْدٍ ونَحْوِها لقَوْلِ عَائِشَةَ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لإحرَامِه قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ولحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ، وقَالَت: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وَبِيصِ المِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وهو مُحْرِمٌ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
وكُرِهَ أن يَتَطَيَّبَ في ثَوْبِه، وله استِدامَةُ لُبْسِه ما لم يَنْزِعْه فإن نَزَعَه فليسَ له أن يَلْبَسَهُ قبلَ غَسْلِ الطِّيبِ مِنْه، ومتَى تَعَمَّدَ مَسَّ ما على بدنِه مِن الطِّيبِ أو نَحَّاهُ عَن مَوْضِعِه ثُمَّ رَدَّه إليه أو نَقَلَه إلى موضعٍ آخَرَ فَدَى، لا إن سَالَ بعَرَقٍ أو شمسٍ. (و) سُنَّ له أيضاً (تَجَرُّدٌ مِن مَخِيطٍ) وهو كُلُّ ما يُخَاطُ على قَدْرِ الملبوسِ عليه كالقميصِ والسَّرَاوِيلِ؛ لأنَّهُ عليه السَّلامُ تَجَرَّدَ لإهْلالِهِ. رواه التِّرْمِذِيُّ. (و) سُنَّ له أيضاً أن (يُحْرِمَ في إِزَارٍ ورِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ) نظيفَيْنِ ونعلَيْنِ لقَوْلِه عليه السَّلامُ: ((وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ ورِدَاءٍ ونَعْلَيْنِ)) رواه أَحْمَدُ.
والمرادُ بالنعلَيْنِ التَّاسُومَةُ، ولا يَجُوزُ له لُبْسُ السرْمُوزَةِ والجُمْجُمِ. قالَه في (الفُرُوعِ). (و) سُنَّ (إحرامٌ عَقِبَ ركْعتَيْنِ) نفلاً أو عَقِبَ فريضةٍ؛ لأنَّهُ عليه السَّلامُ أَهَلَّ دُبُرَ صَلاةٍ. رواه النَّسَائِيُّ. (ونيَّتُه شرطٌ) فلا يَصِيرُ مُحْرِماً بمُجَرَّدِ التجَرُّدِ أو التلبِيَةِ مِن غيرِ نيَّةِ الدُّخُولِ في النُّسُكِ لحديثِ ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).


  #4  
قديم 19 صفر 1430هـ/14-02-2009م, 12:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

باب الإحرام([1])
لغة: نية الدخول في التحريم([2]) لأَنه يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحًا له قبل الإحرام، من النكاح، والطيب، ونحوهما([3]) وشرعًا: (نية النسك) أي نية الدخول فيه([4]) لا نية أَن يحج أَو يعتمر([5]).
(سن لمريده) أي لمريد الدخول في النسك، من ذكر وأُنثى (غسل) ([6]) ولو حائضًا ونفساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس – وهي نفساء – أَن تغتسل. رواه مسلم([7]).
وأَمر عائشة أَن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض([8]) (أَو تيمم لعدم) أي عدم الماء([9]) أو تعذر استعماله لنحو مرض([10]) (و) سن له أيضًا (تنظف) بأخذ شعر، وظفر، وقطع رائحة كريهة([11]) لئلا يحتاج إليه في إحرامه، فلا يتمكن منه([12]). (و) سن له أيضًا (تطيب) في بدنه([13]).
بمسك، أَو بخور([14]) أو ماء ورد، ونحوها([15]) لقول عائشة: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أَن يحرم، ولحله قبل أَن يطوف بالبيت([16]). وقالت: كأني أنظر إلي وبيص المسك، في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه([17]).
وكره أن يتطيب في ثوبه([18]) وله استدامة لبسه([19])، ما لم ينزعه، فإن نزعه فليس له أَن يلبسه قبل غسل الطيب منه([20]) ومتى تعمد مس ما على بدنه من الطيب([21]) أَو نحاه من موضعه، ثم رده إليه([22]) أو نقله إلى موضع آخر فدى([23]) لا إن سال بعرق أَو شمس([24]) (و) سن له أيضًا (تجرد من مخيط) ([25]).
وهو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه([26]) كالقميص، والسراويل([27]) لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله، رواه الترمذي([28]) (و) سن له أيضًا أن (يحرم في إزار ورداء أبيضين) نظيفين، ونعلين([29]).
لقوله عليه اسلام «وليحرم أحدكم في إزار، ورداء، ونعلين» رواه أحمد([30]). والمراد بالنعلين: التاسومة([31]). ولا يجوز له لبس السرموزة، والجمجم، قاله في الفروع([32]) (و) سن (إحرام عقب ركعتين) نفلاً، أَو عقب فريضة([33]).


لأنه عليه السلام أَهل دبر الصلاة، رواه النسائي([34]) (ونيته شرط) ([35]) فلا يصير محرمًا بمجرد التجرد، أو التلبية، من غير نية الدخول في النسك([36]) لحديث ((إنما الأعمال بالنيات)) ([37]).


([1]) والتلبية، وما يتعلق بهما.
([2]) كأن الرجل يحرم على نفسه النكاح والطيب، وأشياء من اللباس، كما يقال «أشتى» دخل في الشتاء، و«أربع» إذا دخل في الربيع، حكاه ابن فارس وغيره، ومنه – في الصلاة - «تحريمها التكبير» وقال الجوهري وغيره: الحرم بالضم الإحرام، وأحرم بالحج.
([3]) كتقليم الأظفار، وحلق الرأس، وأشياء من اللباس، ونحو ذلك مما سيأتي بيانه.
([4]) فلا ينعقد بدونها، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقيل: مع التلبية، أو سوق الهدي، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره الشيخ وغيره، وقاله الشافعي، وجماعة من المالكية.
([5]) فإن ذلك لا يسمى إحرامًا، وكذا التجرد، وسائر المحظورات، ليس داخلاً في حقيقته، بدليل كونه محرمًا بدون ذلك، ولا يصير محرمًا بترك المحظورات، عند عدم النية، فذات الإحرام مع النية، وجودًا وعدمًا، قال الشيخ: ولا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه، من قصد الحج ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول، أو عمل يصير به محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين.
([6]) فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه، رواه الترمذي وحسنه، وكان ابن عمر يتوضأ أحيانًا، ويغتسل أحيانًا، والغسل أفضل، وللحاكم وغيره عنه: من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم؛ ولأنه أعم، وأبلغ في التنظيف، والمراد منه تحصيل النظافة، وإزالة الرائحة، قال الشيخ: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه في الحج، إلا ثلاثة أغسال، عند الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك – كالغسل لرمي الجمار، والطواف. والمبيت بمزدلفة – فلا أصل له، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة، لا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا أحمد، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة، إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها، فيغتسل لإزالتها.
وقال: فتركه الاغتسال للمبيت، والرمي، والطواف سنة، والقول بخلاف ذلك خلاف السنة. اهـ. واستحب بعض الحنفية أن يجامع أهله، أو جاريته، إن كان تحصينًا للفرج، وحفظًا للنظر، ولا خلاف أن الجماع مباح قبل الإحرام بطرفة عين، وينعقد الإحرام بلا خلاف.
([7]) وغيره، فدل على سنية غسلها، وسنية الاغتسال مطلقًا، لأن النفساء إذا أمرت به، مع أنها غير قابلة للطهارة، فغيرها أولى، ولا يضر حدث بين غسل وإحرام، بل يحصل له المسنون، وفيه صحة إحرام النفساء، ومثلها الحائض، وأولى منهما الجنب، وهو إجماع، ولفظه: أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال ((اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي)).
([8]) متفق عليه، ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعًا «النفساء، والحائض، تغتسل وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت» والحكمة فيه التنظف، وقطع الرائحة الكريهة، وتخفيف النجاسة.
([9]) ولو قال: لعذر. لكان أشمل.
([10]) وخوف وعطش وتقدم، وقيل: لا يستحب له التيمم؛ اختاره الموفق، والشارح، وغيرهما، وصوبه في الإنصاف.
([11]) لقول إبراهيم: كانوا يستحبون ذلك. رواه سعيد.
([12]) أي مما يحتاج إليه، من نحو ظفر، لأن الإحرام يمنع من ذلك، ولأنه عبادة، فسن فيه، كالجمعة، وقال الشيخ: إن احتاج إليه فعل، وليس من خصائص الإحرام، ولم يكن له ذكر، فيما نقله الصحابة، لكنه مشروع بحسب الحاجة.
([13]) ولو امرأة، سواء كان بما تبقى عينه كالمسك، أو أثره كالعود، والبخور، وماء الورد، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقال الشيخ: إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يأمر به الناس، وظاهره: كراهة تطييب ثوبه كما سيأتي، وهو المذهب، قاله في المبدع.
([14]) بفتح الموحدة: ما يتبخر به من الألوَّة وغيرها. وإن كان يبقى أثره، أو تبقى عينه، كالمسك، طيب معروف.
([15]) من أنواع الطيب الذي يبقى أثره أو عينه، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
([16]) رواه البخاري وغيره، والمراد أنها كانت تطيبه عند إرادته فعل الإحرام، لأجل دخوله فيه، ولهما عنها: عند إحرامه، قبل أن يحرم. أي يدخل في الإحرام، والمراد بدنه، لا ثيابه، لما يأتي من النهي عنه.
([17]) فدل على تخصيص البدن بالطيب، واستحبابه، واستدامته، ولو بقي لونه ورائحته، بلا نزاع، «والوبيص» بفتح الواو، وكسر الموحدة، آخره صاد مهملة، البريق واللمعان، يقال: وبص وبيصًا. برق ولمع، وقيل: الوبيص زيادة على البريق. والمراد به التلألؤ، فدل على وجود عين باقية، لا الريح فقط، قال ابن القيم: ومذهب الجمهور: جواز استدامة الطيب، للسنة الصحيحة: أنه كان يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه. اهـ. ولأنه غير متطيب بعد الإحرام، وحديث صاحب الجبة عام حنين، سنة ثمان، وحديث عائشة عام حجة الوداع، سنة عشر، فهو ناسخ، ويستحب لها خضاب بحناء، لحديث ابن عمر: من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء.
([18]) أي كره لمريد الإحرام أن يتطيب – بأي نوع من أنواع الطيب – في ثوبه، إزاره، أو ردائه، وحرمه الآجري.
([19]) ولو بقي لونه ورائحته، عند جمهور العلماء، من الصحابة، والتابعين، قال ابن القيم: للسنة الصحيحة.
([20]) أي من الثوب المطيب، لأن الإحرام يمنع الطيب ولبس المطيب، دون الاستدامة، لقوله ((لا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه ورس أو زعفران)).
([21]) فعلق الطيب بها فدى، لاستعماله الطيب.
([22]) يعني بعد إحرامه فدى.
([23]) لأنه ابتداء للطيب، فحرم فعله، ووجبت الفدية.
([24]) فلا فدية، لحديث عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها. رواه أبو داود.
([25]) قبل نية إحرام، ليحرم عن تجرد، ويجوز أن يعقد إحرامه قبل تجرده، لكن إن استدام لبس المخيط – ولو لحظة فوق المعتاد من وقت خلعه – فدى، لأن الاستدامة كالابتداء، قال الشيخ: والتجرد من اللباس واجب في الإحرام، وليس شرطًا فيه، فلو أحرم وعليه ثياب، صح ذلك، بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباتفاق أئمة أهل العلم، وعليه أن ينزع اللباس المحظور. اهـ. ويخلعه ولا يشقه، ولا فدية، لأن يعلى بن أمية أحرم في جبة، فأمره صلى الله عليه وسلم بخلعها، متفق عليه، ولأبي داود: فخلعها من رأسها. ولم يأمره بشق، ولا فدية.
([26]) لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم ((لا يلبس القميص)) ويأتي.
([27]) والبرنس، والقباء، والدرع، ونحوه مما يصنع – من لبد ونحوه – على قدر الملبوس عليه، وإن لم يكن فيه خياطة، والحكمة أن يبعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل، وليتذكر أنه محرم في كل وقت، فيكون أقرب إلى استذكاره، وأبلغ في مراقبته، وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر به البعث يوم القيامة، والناس حفاة عراة، مهطعين إلى الداعي، بل تعظيمًا لبيت الله الحرام، وإجلالاً وإكرامًا، كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب، القاصد إلى عظيم من الخلق، إذا قرب من ساحته، خضوعًا له، فكذا لزم القاصد إلى بيت الله، أن يحرم قبل الحلول إجلالاً، متخليًا عن نفسه، فارغًا من اعتبارها.
([28]) أي تجرد من لباسه لإحرامه، ولأمره بنزع الجبة كما تقدم.
([29]) سواء كان الإزار والرداء جديدين، أو لبيسين، وكونهما نظيفين، لأنا أحببنا له التنظف في بدنه، فكذلك في ثيابه، فالرداء على كتفه، والإزار في وسطه، ويجوز في ثوب واحد، والإزار هو هذا اللباس المعروف، الذي يشد على الحقوين فما تحتهما، وهو «الميزر» والرداء ما يرتدي به على المنكبين، وبين الكتفين، من برد، أو ثوب ونحوه، يجعل نصفه على كتفيه، قال الشيخ: يجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة، من القطن، والكتان، والصوف، ويستحب في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهو أفضل، لحديث ((خير ثيابكم البياض)) وقال: السنة أن يحرم في إزار ورداء، سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين، باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز، إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيض، وغير الأبيض من الألوان الجائزة، وإن كان ملونًا. وقال الموفق: ولو لبس إزارًا موصلاً، أو اتشح بثوب مخيط، كان جائزًا.
([30]) وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي ما في معناه إن شاء الله تعالى.
([31]) بالمثناة فوق، فسين مهملة فواو، مشهورة، وتعرف – بنجد والحجاز – بالنعال ذوات السيور.
([32]) السرموزة، هو البابوج معرب، والجمجم بضم الجيمين هو المداس، معرب أيضًا.
([33]) نص عليه، وفاقًا لأبي حنيفة، قال ابن بطال: هو قول جمهور العلماء، وقال البغوي: عليه العمل عند أكثر العلماء، وذكر النووي استحبابه قول عامة العلماء، وقال الترمذي: والذي يستحبه أهل العلم أن يحرم دبر الصلاة.
([34]) وعن أنس: صلى الظهر ثم ركب راحلته، وعن ابن عباس: صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين. وقال الشيخ: إذا كان وقتها، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه.
وقال ابن القيم: ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر. اهـ. وإن لم يتفق له بعد فريضة، وأراد أن يصلي، فلا يركعهما وقت نهي، للنهي عنه، وليستا من ذوات الأسباب.
([35]) كالنية في الوضوء وغيره، فإن قيل: تقدم أن الإحرام نية النسك، فكيف يقال: النية شرط في النية؟ قيل: لما كان التجرد هيئة تجامع نية النسك، ربما أطلق عليها، فاحتيج إلى التنبيه على أن تلك الهيئة ليست كافية بنفسها، بل لا بد معها من النية، فينوي بها نسكًا، كما تقدم.
([36]) بل لا بد من النية، ونية النسك كافية نص عليه، وهو مذهب مالك، والشافعي، وعنه: لا بد من النية مع التلبية، كما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو سوق الهدي، وفاقًا لأبي حنيفة وغيره، واختاره الشيخ وغيره، وتقدم، وحكي وجوبه عن الشافعي، وحكي اشتراطه مع التلبية عن مالك وغيره، «والتجرد» يعني من المخيط «والتلبية» يعني بالحج أو العمرة.
([37]) أي: إنما العمل بحسب ما نواه العامل. وتقدم، والاعتبار بما نواه، لا بما سبق لسانه إليه وفاقًا، وقال ابن المنذر: أجمع عليه كل من يحفظ عنه من أهل العلم.


  #5  
قديم 12 ربيع الثاني 1432هـ/17-03-2011م, 12:24 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ الإِحْرَامِ


الإِحْرَامُ: نِيَّةُ النُّسُكِ.
قوله: «الإحرام» مأخوذ من التحريم، ومعنى أحرم أي: دخل في الحرام، كأنجد، أي: دخل في نجد، ولهذا يقال للتكبيرة الأولى من الصلاة تكبيرة الإحرام؛ لأنه بها يدخل في التحريم، أي: تحريم ما يحرم على المصلي، أما المراد به هنا فقوله:
«نية النسك» ، يعني نية الدخول فيه، لا نية أنه يعتمر، أو أنه يحج، وبين الأمرين فرق، فمثلاً إذا كان الرجل يريد أن يحج هذا العام، فهل نقول إنه بنيته هذه أحرم؟
الجواب: لا؛ لأنه لم ينو الدخول في النسك.
وكذلك نريد أن نصلي العشاء، فهل نحن بنيتنا هذه دخلنا في الصلاة، وحرم علينا ما يحرم على المصلي؟
الجواب: لا، إذاً، نية الفعل لا توثر، لكن نية الدخول فيه هي التي تؤثر، وسميت نية الدخول في النسك إحراماً؛ لأنه إذا نوى الدخول في النسك حرم على نفسه ما كان مباحاً قبل الإحرام، فيحرم عليه مثلاً: الرفث، والطيب، وحلق الرأس، والصيد، وغير ذلك.
سُنَّ لِمُرِيدِهِ غُسْلٌ أَوْ تيمُّمٌ لِعَدَمٍ وَتَنَظُّفٌ، وتَطَيَّبٌ، وَتَجَرُّدٌ مِنْ مَخِيْطٍ فِي إِزارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضينِ وَإِحْرامٌ عَقِبَ رَكْعتَينِ.....
قوله: «سن لمريده» ، السَّانُّ هو الرسول عليه الصلاة والسلام.
والسنة في اللغة: الطريقة.
وفي الشرع: أقوال النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأفعاله، وتقريراته.
وفي اصطلاح الأصوليين: هي ما أمر به لا على وجه الإلزام.
وقوله: «لمريده» ، أي: لمريد النسك.
قوله: «غسل» وذلك لثبوته عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعلاً وأمراً.
أما فعله فإنه صلّى الله عليه وسلّم تجرد لإهلاله واغتسل[(1)].
أما أمره فإن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- امرأة أبي بكر رضي الله عنه، نفست في ذي الحليفة، أي: ولدت ابنها محمد ابن أبي بكر، فأرسلت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)) [(2)]، ومعنى ((استثفري)) أي: تحفَّظي، فالشاهد من هذا قوله: ((اغتسلي)) ، فأمرها أن تغتسل مع أنها نفساء لا تستبيح باغتسالها هذا الصلاة، ولا غيرها مما يشترط له الطهارة.
وقوله: «سن لمريده» مريد اسم فاعل مضاف، واسم الفاعل بمنزلة الموصول، بل إن النحويين يقولون: إن (الـ) في اسم الفاعل موصولة، قال ابن مالك رحمه الله:
وصفة صريحة صلة أل[(3)].
فعلى هذا تكون كلمة «مريد» عامة للذكور، والإناث، وللجنب، وغير الجنب، وللحائض، والنفساء، وللصغير، والكبير، فكل من أراد النسك فليغتسل.
وقوله: «غسل» إذا أطلق الغسل، فالمراد به شرعاً ما يشبه غسل الجنابة، فمثلاً إذا قلنا: يجب للجمعة الغسل، أي: غسل كغسل الجنابة، يسن للإحرام غسل، أي: كغسل الجنابة.
مسألة: هل يجزئ الغسل لو اغتسل في بلده ثم لم يغتسل عند الإحرام؟
الجواب: في هذا تفصيل، إذا كان لا يمكنه الاغتسال عند الميقات كالذي يسافر بالطائرة فلا شك أن ذلك يجزئه لكن يجعل الاغتسال عند خروجه إلى المطار.
وإن كان في سيارة نظرنا فإن كانت المدة وجيزة كالذين يسافرون إلى مكة عن قرب أجزأه وإن كانت بعيدة لا يجزئه، لكن لا حرج عليه أن يغتسل في بيته، ويقول: إن تهيأ لي الاغتسال عند الميقات فعلت، وإلا اكتفيت بهذا.
قوله: «أو تيمم لعدم» ، «أو» : هذه عاطفة، على «غسل» أي: أو أن يتيمم لعدم الماء، أو تعذر استعماله للمرض ونحوه، فيتيمم بدلاً عن الغسل، وهذا ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ[(4)] بناءً على أن التيمم يحل محل طهارة الماء الواجبة والمستحبة.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: إلى أن الطهارة المستحبة إذا تعذر فيها استعمال الماء، فإنه لا يتيمم لها؛ لأن الله ـ عزّ وجل ـ ذكر التيمم في طهارة الحدث فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] . فإذا كان الشرع إنما جاء بالتيمم في الحدث، فلا يقاس عليه غير الحدث؛ لأن العبادات لا قياس فيها، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه تيمم للإحرام، وعليه فنقول: إن وجد الماء وأمكنه استعماله فعل، وإن لم يمكنه فلا تيمم على هذا القول، وهذا أقرب للصواب.
وقوله: «أو تيمم لعدم» هذا فيه قصور، ولو قال: «أو تيمم لعذر» لكان أشمل، فيشمل من عُدم الماء، ومن خاف ضرراً باستعماله.
قوله: «وتنظف» ، إذا قال العلماء تنظف، فليس المراد تنظيف الثياب، ولا تنظيف البدن إذا قرن به الغسل؛ لأن تنظيف البدن يحصل بالغسل، ولكن المراد بالتنظيف أخذ ما ينبغي أخذه، مثل: الشعور التي ينبغي أخذها كالعانة، والإبط، والشارب، وكذلك الأظافر فيسن أن يتنظف بأخذها.
ولكن هل ورد في هذا سنة؟
الجواب: لا، فيما نعلم وإنما عللوا ذلك حتى لا يحتاج إلى أخذها في الإحرام، وأخذها في الإحرام ممتنع، وبناءً على هذا نقول: إذا لم تكن طويلة في وقت الإحرام ولا يخشى أن تطول في أثناء الإحرام، فيحتاج إلى أخذها، فإنه لا وجه لاستحباب ذلك؛ لأن العلة خوف أن يحتاج إليها في حال الإحرام ولا يتمكن، فإذا زالت هذه العلة زال المعلول وهو الحكم؛ «لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً».
قوله: «وتطيب» ، أي ويسن أن يتطيب عند الإحرام، ودليل ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تطيب لإحرامه، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «كنت أطيب النبي صلّى الله عليه وسلّم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» [(5)]، والطيب مستحب كل وقت، فهو كالسواك إذا أمكن الإنسان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» [(6)].
وقوله: «وتطيب» أطلقه المؤلف، والمراد التطيب في البدن؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يطيب عند الإحرام رأسه، ولحيته، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محرم» [(7)]، مفارقه يعني مفارق رأسه؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يبقي الشعر، ويفرقه فرقتين من الخلف ومن الأمام، وكان يسدل شعره أول ما قدم المدينة؛ لأنه فعل اليهود وهم أهل الكتاب، والفرق فعل المشركين وهم كفار ومشركون، ثم كره السدل، وصار يفرق[(8)].
الشاهد قولها: «كأني أنظر إلى وبيص المسك» ، والوبيص هو اللمعان، والوبيص كالبريق لفظاً ومعنى، وهذه العبارات تقع في كلام العلماء، فيقولون: كذا ككذا لفظاً ومعنى، أي: في وزن الكلمة ومعناها.
أما تطييب الثوب، أي: ثوب الإحرام فإنه يكره، لا يطيب، لا بالبخور ولا بالدهن، وإذا طيبه، فقال بعض العلماء: إنه يجوز أن يلبسه إذا طيبه قبل أن يعقد الإحرام لكن يكره[(9)].
وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس)) [(10)]، فنهى أن نلبس الثوب المطيب، وهذا هو الصحيح، ولهذا حرم بعض العلماء من أصحابنا كالآجري تطييب ثياب الإحرام، قال: لأن تطييبها لا فائدة منه، إذا حرمنا عليه لباسها، بل هو إضاعة للمال.
والمذهب يكره إن لبسها قبل أن يعقد الإحرام، وأما إذا عقد الإحرام فلا يجوز أن يلبسها؛ لأن الثياب المطيبة لا يجوز لبسها في الإحرام.
مسألة: إذا تطيب في بدنه فوضع الطيب على رأسه ولحيته، ثم سال الطيب من الموضع الذي وضعه فيه نازلاً إلى أسفل، فهل هذا يؤثر أو لا؟
الجواب: لا يوثر؛ لأن انتقال الطيب هنا بنفسه، وليس هو الذي نقله؛ ولأن ظاهر حال النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، أنهم لا يبالون إذا سال الطيب؛ لأنهم وضعوه في حال يجوز لهم وضعه.
مسألة: إذا كان المحرم سوف يتوضأ، وإذا طيب رأسه فسوف يمسح رأسه بيديه، وإذا مسح رأسه بيديه لصق شيء من الطيب بيديه، فهل نقول أعدَّ لنفسك خرقة تضعها في يدك، إذا أردت أن تمسح رأسك حتى لا تمس الطيب؟!
الجواب: لا، بل هذا تنطع في الدين ولم يرد، وكذا لا يمسح رأسه بعود أو جلد، إذاً يمسحه بيده وسوف يعلق الطيب بيده، فعلى المذهب أنه يجب عليه أن يغسل يديه من هذا الطيب فوراً؛ وذلك حتى يذهب ريحه.
لكن الذي يظهر لي أن هذا مما يعفى عنه، فالمحرم لم يبتدئ الطيب، وهذا طيب مأمور به، والمشقة في غسل يده غسلاً تذهب معه الرائحة، لا ترد به الشريعة.
قوله: «وتجرُّدٌ من مخيط» يعني يسن التجرد من المخيط، لمن أراد الإحرام، والتجرد من المخيط يعني خلعه، والمراد بالمخيط ما يلبس عادة، كالقميص والسراويل، والمقصود أن يكون تجرده في إزار ورداء أبيضين، وإلا فتجرده من المخيط واجب والمؤلف تبع غيره في العبارة، ولو قال: «تجرده من ملبوس محظور» لكان أولى.
ويشترط في هذا التجرد ألا يستلزم كشف العورة أمام الناس، فإن استلزم ذلك كان حراماً، ولكن ماذا يصنع؟
نقول: البس الإزار أولاً، ثم اربطه على نفسك، ثم اخلع القميص، ثم البس الرداء؛ لأنه لو تجرد من المخيط الذي هو القميص قبل أن يتزر، انكشفت عورته.
قوله: «في إزار ورداء أبيضين» ، أي: يكون لبسه في حال الإحرام إزاراً ورداء أبيضين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)) [(11)].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليحرم أحدكم في إزار ورداء)) ، يشمل الإزار المخيط الذي خيط بعضه ببعض، والإزار المطلق الذي يلف على البدن لفاً، كلاهما جائز، وعلى هذا فلو خاط المحرم الإزار فهو جائز، ولو التف به التفافاً فهو جائز، ولو وضع فيه جيباً للنفقة وغيرها فهو جائز، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقيد وإذا لم يقيد فما سمي إزاراً فهو إزار.
وقوله: «أبيضين» لأنها خير الثياب، وهل يسن أن يكونا جديدين أو يشترط؟
الجواب: لا يشترط، لكن كلما كانت أنظف فهو أحسن؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما سألوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً، فقال: ((إن الله جميل يحب الجمال)) [(12)]. وهذه السنة سنة لجميع الرجال، وإنما كانت على هذا الوجه من أجل اتفاق الناس على هذا اللباس، حتى لا يفخر أحد على أحد؛ لأنه لو أطلق العنان للناس لتفاخروا، وصار هذا يلبس ثوباً جميلاً جداً، وهذا ثوباً رديئاً، واختلف الناس، ولم تظهر الوحدة الإسلامية، وصار بعض الناس إذا رأى الذي يفوق ثيابه اشتغل قلبه، وقال: كيف؟ هذا عليه كذا وأنا علي كذا!! ثم ربما ذهب يستدين، ليلبس مثل ما يلبس الغير، ولهذا كان من الحكمة أن يكون الناس في لباس الإحرام على حد سواء، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يغالي في ثياب الإحرام، بل يكون من جنس الناس.
قوله: «وإحرام عقب ركعتين» الواو حرف عطف، و «إحرام» معطوف على «غسل» ، أي: وسن لمريد الإحرام، إحرام عقب ركعتين.
ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أهل دبر الصلاة)) [(13)]، و ((أهل)) بمعنى أحرم فيسن أن يصلي ركعتين ليحرم بعدهما، ولكن الدليل الذي استدل به الأصحاب ـ رحمهم الله ـ لا يتعين أن تكون هذه الصلاة خاصة بالإحرام، ولا صلاة مسنونة؛ بل أهل دبر صلاة مفروضة، ولا نعلم هل النبي صلّى الله عليه وسلّم قصد أن يكون إهلاله بعد الصلاة؟ أو أهل؛ لأنه لما صلى ركب، فأهل عند ركوبه؟ فيه احتمال.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إلى أن ركعتي الإحرام لا أصل لمشروعيتهما، وأنه ليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن كان في الضحى، فيمكن أن يصلي صلاة الضحى ويحرم بعدها، وإن كان في وقت الظهر، نقول: الأفضل أن تمسك حتى تصلي الظهر، ثم تحرم بعد الصلاة، وكذلك صلاة العصر.
وأما صلاة مستحبة بعينها للإحرام، فهذا لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو الصحيح.
مسألة: إذا توضأ ثم صلى ركعتين سنة الوضوء، فهل سنة الوضوء مشروعة؟
الجواب: نعم مشروعة، وعلى هذا فنقول: أنت إذا اغتسلت وتوضأت فصلِّ ركعتين سنة الوضوء، ولكن يبقى النظر إذا كان ليس من عادته في غير هذا المكان أن يصلي ركعتي الوضوء، فأراد أن يصلي هنا، أليس سوف يشعر في نفسه أن هذه الصلاة من أجل الإحرام؟ أو على الأقل من أجل الاشتراك بين الإحرام والوضوء؟
الجواب: هذا هو الظاهر، ولذلك نقول: إذا كان سيبقى الإنسان في الميقات حتى يأتي وقت الفريضة، فالأفضل أن يهل بعد الفريضة.

وَنِيته شَرْطٌ................
قوله: «ونيته شرط» أي: نية النسك، أي: نية الدخول في النسك شرط، فلا بد أن ينوي الدخول في النسك، فلو لبى بدون نية الدخول، فإنه لا يكون محرماً بمجرد التلبية، ولو لبس ثياب الإحرام بدون نية الدخول، فإنه لا يكون محرماً بلبس ثياب الإحرام، فإن التلبية تكون للحاج وغيره، ولبس الإزار والرداء يكون للمحرم وغيره.
ودليل اشتراط النية قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(14)]، والتلبية قد تكون في غير الحج، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا قال: ((لبيك إن العيش عيش الآخرة)) [(15)]، فإذا رأيتم ما يعجبكم من الدنيا من قصور، أو سيارات، أو بنين، أو زوجات، أو غيرها فقولوا: ((لبيك إن العيش عيش الآخرة)) ، انظر: كيف صد الإنسان نفسه بقول: لبيك، إجابة لله -عزّ وجل-حتى لا تذهب نفسه مع الدنيا، ثم قال: ((إن العيش عيش الآخرة)) يعني أن هذا العيش الذي أمامي ليس بشيء.
مسألة: هل يجب أن ينوي معيناً من عمرة أو حج أو قران؟
الجواب: له أن يحرم إحراماً مطلقاً، بأن ينوي نية مطلقة وله أن يحرم بما أحرم به فلان، وهذا يقع أحياناً، يكون الإنسان جاهلاً ولا يدري بماذا يحرم؟ فيقول لبيك بما لبَّى به فلان، وحينئذٍ يتعين عليه أن يسأل فلاناً قبل أن يطوف حتى يعين النية قبل الطواف.


[1] أخرجه الترمذي في الحج/ باب ما جاء في الاغتسال عن الإحرام [830]؛ وابن خزيمة [2595]؛ والدارقطني [2/220]؛ والبيهقي [5/32] عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ.
وقال الترمذي: «حسن غريب».
[2] أخرجه مسلم في الحج/ باب صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلّم [1218] عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[3] ألفية ابن مالك.
[4] وهو المذهب.
[5] أخرجه البخاري في الحج/باب الطيب عند الإحرام [1539]؛ ومسلم في الحج/ باب الطيب للمحرم عند الإحرام [1189] عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[6] أخرجه أحمد [3/128، 199]؛ والنسائي في عشرة النساء/ باب حب النساء [7/61] عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ. قال الحافظ في «التلخيص» [3/116]: «إسناده حسن».
[7] أخرجه البخاري في اللباس/ باب الطيب في الرأس واللحية [5923]؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب الطيب قبل الإحرام في البدن [1189] [44].
[8] أخرجه البخاري في اللباس/ باب الفرق [5917]؛ ومسلم في الفضائل/ باب صفة شعره صلّى الله عليه وسلّم [2336] عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[9] وهو المذهب.
[10] أخرجه البخاري في الحج/ باب ما لا يلبس المحرم من الثياب [1542]؛ ومسلم في الحج/ باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، [1177] عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[11] أخرجه الإمام أحمد [2/34]، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وقال الحافظ في «التلخيص [998]: رواه ابن المنذر في الأوسط وأبو عوانة في صحيحه بسند على شرط الصحيح.
[12] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب تحريم الكبر [91] عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
[13] سيأتي تخريجه ص[102].
[14] أخرجه البخاري في بدء الوحي/ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [1]؛ ومسلم في الإمارة/ باب قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنية)) [1907] عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.
[15] أخرجه ابن أبي شيبة [4/107] عن عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ وأخرجه الحاكم [1/465]؛ والبيهقي [7/48] عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإحرام, سننه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir