دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو الحجة 1429هـ/11-12-2008م, 11:41 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ترتيب المفاهيم

مَسْأَلَةٌ: الْغَايَةُ قِيلَ مَنْطُوقٌ، وَالْحَقُّ مَفْهُومٌ ويَتْلُوهُ الشَّرْطُ، فَالصِّفَةُ الْمُنَاسِبَةُ فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ غَيْرُ الْعَدَدِ فَالْعَدَدُ، فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ أَفَادَتْهُ الِاخْتِصَاصَ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَبُو حَيَّانَ، والِاخْتِصَاصُ الْحَصْرُ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ حَيْثُ أَثْبَتَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ الْحَصْرَ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (وَالْحَقُّ) أَنَّهُ (مَفْهُومٌ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَادُرِ الشَّيْءِ إلَى الْأَذْهَانِ أَنْ يَكُونَ مَنْطُوقًا (يَتْلُوهُ) أَيْ الْغَايَةَ (الشَّرْطُ) إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ. وَفِي رُتْبَةِ الْغَايَةِ إنَّمَا فَسَيَأْتِي قَوْلٌ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ أَيْ بِالْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ فَصْلُ الْمُبْتَدَأِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْغَايَةِ تَلِي مَرْتَبَةَ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ (فَالصِّفَةُ الْمُنَاسِبَةُ) تَتْلُو الشَّرْطَ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِهِ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ (فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ) عَنْ الْمُنَاسَبَةِ (غَيْرُ الْعَدَدِ) مِنْ نَعْتٍ وَحَالٍ وَظَرْفٍ وَعِلَّةٍ غَيْرِ مُنَاسِبَاتٍ فَهِيَ سَوَاءٌ تَتْلُو الصِّفَةَ الْمُنَاسِبَةَ (فَالْعَدَدُ) يَتْلُو الْمَذْكُورَاتِ لِإِنْكَارِ قَوْمٍ لَهُ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ) آخِرُ الْمَفَاهِيمِ (لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ) فِي فَنِّ الْمَعَانِي (أَفَادَتْهُ الِاخْتِصَاصَ) أَخْذًا مِنْ مَوَارِدِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ (وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَبُو حَيَّانَ) فِي ذَلِكَ (الِاخْتِصَاصِ) الْمُفَادِ (الْحَصْرُ) الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (حَيْثُ أَثْبَتَهُ وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ الْحَصْرَ) وَإِنَّمَا هُوَ قَصْدُ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَإِنَّ الْخَاصَّ كَضَرْبِ زَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ الضَّرْبِ قَدْ يُقْصَدُ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَيَأْتِي بِأَلْفَاظِهِ فِي مَرَاتِبِهَا. وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ كَالْخُصُوصِ بِالْمَفْعُولِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ فَيُقَدَّمُ لَفْظُهُ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ نَحْوُ زَيْدًا ضَرَبْت فَلَيْسَ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ مَا فِي الْحَصْرِ مِنْ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي {إيَّاكَ نَعْبُدُ} لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَائِلِيهِ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمَامِ وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ الْحَصْرُ لِخَارِجٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ لِدَعْوَى الْبَيَانِيِّينَ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مَسْأَلَةٌ: الغايةُ قيلَ: مَنْطُوقٌ: والحقُّ مَفْهومٌ).
ش: ذَهَبَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلى أنَّ الحُكْمَ في الغايةِ منطوقٌ، وادَّعَى أنَّ أهلَ اللُغَةِ وقَّفُونَا= على ما يَقُومُ مُقامَ نَصِّهِم، على أنَّ تَعْلِيقَ الحُكْمِ بالغايةِ موضوعٌ للدَّلالَةِ على أنَّ ما بعدَها خلافُ ما قبْلَها؛ لأنَّهم اتَّفَقُوا على أنَّ الغايةَ ليسَتْ كلاماً مُسْتَقِلاًّ، فإنَّ قولَه: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وقولَه: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، لا بُدَّ فيه من إضْمَارٍ لضَرُورَةِ تتْمِيمِ الكلامِ، وذلك الضميرُ إمَّا ضِدَّ ما قَبْلَه أو غَيْرَه، والثاني باطِلٌ؛ لأنَّه ليسَ في الكلامِ ما يَدُلُّ عليه، فتَعَيَّنَ الأوَّلُ، فتقديرُه: حتى يَطْهُرْنَ فاقْرَبُوهُنَّ، وحتى تُنْكَحَ فتَحِلُّ.
قالَ: والإضْمارُ بمنزلَةِ المَلْفوظِ به؛ فإنَّه إنَّما يَضْمُرُ لسَبْقِه إلى فِهْمِ العارفِ باللسانِ، وعلى ذلك جَرَى صاحبُ (البَدِيعِ) من الحَنَفِيَّةِ، فقالَ: هو عندَنا من قَبِيلِ دلالَةِ الإشارَةِ، لا المفهومُ، ومن هذا يُعْلَمُ أنَّ كلامَ ابنِ الحاجبِ في النَّقْلِ عن القَاضِي يَقْتَضِي أنَّه مَفْهُومٌ، ليسَ بجَيِّدٍ، وكلامُ القَاضِي في التَّقْرِيبِ مُصَرَّحٌ بما ذَكَرْنَا، لكنْ الجمهورُ على أنَّه مفهومٌ، ومَنَعُوا وَضْعَ اللُغَةِ لذلك.
ص: (ويَتْلُوهُ الشَّرْطُ، فالصِّفَةُ المُناسبَةِ، فمُطْلَقُ الصفَةِ غيرَ العَدَدِ، فالعَدَدُ. فتَقْدِيمُ المَعْمُولِ لِدَعْوَى البَيَانِيِّينَ إفَادَتُه الاخْتصاصُ، وخَالَفَهُم ابنُ الحاجِبِ وأَبُو حَيَّانَ).
ش: لمَّا فَرَغَ من بَيانِ كونِه حُجَّةً بينَ مَراتِبِها قُوَّةً وضَعْفاً، فإنَّه لم يُرَتِّبْها فيما سَبَقَ عندَ إيِرادِها، ومن فوائدِه الترْجِيحُ به عندَ التعارضِ، فأقْواها بعدَ مفهومِ الحَصْرِ بإلاَّ، مفهومُ الغايةِ، ولهذا قيلَ بأنَّه مَنْطُوقٌ، كالقَاضِي، ويَلْتَحِقُ به مَفْهُومُ (إنَّما)، فإنَّ فيها هذه المُرَجَّحَاتِ كما سَيَأْتِي، ذَكَرَ ذلك المُصَنِّفُ في شَرْحِه لِلْمُخْتَصَرِ، فجَعَلَ أعْلاهَا (مَا) (وإلاَّ) ثمَّ مَفْهومُ (إنَّما) والغايةُ، ثمَّ حَصْرُ المُبْتَدَأِ في الخبَرِ، ثمَّ الشرْطُ انْتَهَى، وتَقْدِيمِه حَصْرُ المُبْتَدَأ في الخبْرِ على الشرْطِ تَابَعَ فيه الغَزَالِيُّ، وإنَّما أَخَّرَ هنا الشرْطَ على الغايةِ؛ لأنَّه لم يقُلْ أَحَدٌ: إنَّه بالنُّطْقِ، فكانَ دُونَ ما قَبْلَه، وقَدَّمَه على الصِّفَةِ؛ لأنَّه قالَ به بعضَ مَن لا يَقُولُ بها كابْنِ سُرَيْجٍ.
ثمَّ الصفَةُ المُنَاسَبَةِ؛ لأنَّها مُتَّفَقٌ عَلَيْهِا عندَ القائلِ بالصفَةِ.
ثمَّ مُطْلَقُ الصفَةِ غيرَ العدَدِ، واقْتَضَى كلامُه أنَّ بَقِيَّةَ أقْسَامِ الصفَةِ من العِلَّةِ والظرْفِ والحالِ على السواءِ، ويَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أعْلاهَا العِلَّةُ لدَلالَتِهَا على (إنَّما)، فهي قريبةٌ من النصِّ.
ثمَّ العَدَدُ، ثمَّ تَقْدِيمُ المَعْمُولِ، وإنَّما أَخَّرَهُ؛ لأنَّه لا يُفِيدُ في كلِّ صُوَرِه وأَحْوالِه، ولأنَّ المَحْفوظَ فيه عن القائلِ به لفْظُ الاخْتصاصِ لا الحَصْرُ، وكذا قالَهُ البيانِيُّونَ، وخَالَفَ ابنُ الحَاجِبِ وأَبُو حَيَّانَ، أمَّا ابنُ الحَاجِبِ فقالَ في شَرْحِ (المُفَصَّلِ): إنَّ الاخْتصاصَ الذي يَتَوَهَّمَهُ كثيرٌ من الناسِ في تَقْدِيمِ المَعْمُولِ وَهْمٌ، والتمَسُّكُ فيه مثلَ قولِه تعالى: {بَلْ اللهَ فَاعْبُدْ} ضعيفٌ؛ لأنَّه قد جَاءَ {فَاعْبُدِ اللهَ} واعْبُدِ اللهَ؛ أي: لو كانَ التقديمُ مُفيداً للحَصْرِ، لكَانَ التأْخِيرُ مُفِيداً عَدَمُه، لكونِه نَقِيضُه، وفيما قالَه نَظَرٌ؛ لأنَّه ليسَ عَدَمِ إفادتِه التأْخِيرِ الحَصْرُ لعَدَمِ الحَصْرِ، ليَكُونَ سَبَباً في إفادةِ التقديمِ الحَصْرُ، بل تَأْخِيرُ المَفْعُولِ غيرُ مُسْتَلْزِمٍ للحَصْرِ ولا لِعَدَمِه، والحاصلُ أنَّ القَصْدَ إنْ تَعَلَّقَ بعِبَادَةِ اللهِ تعالى فقطْ أَخَّرَ المَفْعُولَ، وإنْ تَعَلَّقَ بعِبَادَتِه وعَدَمِ عِبَادَةِ غَيْرِه قُدِّمَ، وأمَّا قولُه: {فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً} فـ {مُخْلِصاً} أَغْنَى عن إفِادَةِ الحَصْرِ في الآيةِ الأولى.
وأمَّا أَبُو حَيَّانَ فَرَدَ في أوَّلِ تَفْسِيرِه على مَن يَدَّعِي الاخْتصاصُ، ونَقَلَ عن سِيبَوَيْهِ، أنَّ التَّقْدِيمَ للاهْتمَامِ والعنايةُ لا للاخْتصاصِ، فإنَّه قالَ: فإنَّهم يُقَدِّمونَ الذي شأنَه أهَمُّ، وَهُم ببَيَانِه أَغْنَى، وأنَّه ذَكَرَ أنَّ الاهْتمامَ والعنَايَةَ في التقْدِيمِ والتأْخيرِ سواءٌ في مثالِ: ضَرَبْتَ زَيداً وزَيداً ضَرَبْتَ، وإذا قَدَّمْتَ الاسْمَ فهو عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ كما كانَ ذلك يَعْنِي تَأْخِيرُه عَرَبِيًّا جَيِّداً، وذلك قولُه: زَيدٌ ضَرَبْتَ، والاهْتَمامُ والعنايةُ هنا في التقْدِيمِ والتأْخِيرِ سواءٌ مثلُه في: ضَرَبَ زَيدٌ عَمْراً، وضَرَبَ عَمْراً زَيدٌ، انْتَهَى، وهذا لا حُجَّةَ فيه، فإنَّ سِيبَوَيْهِ ذَكَرَهُ في بابِ الفاعِلِ الذي يَتَعَدَّاهُ فِعْلُه إلى مَفْعُولٍ، قالَ: وذلك كقولِهم: ضَرَبَ زيداً عبدُ اللهِ، ثمَّ قالَ: كأنَّهم يُقَدِّمُونَه إلى آخِرَهُ وهذا ليسَ مَحَلُّ النِّزاعِ؛ لأنَّ الكلامَ في تَقْدِيمِ المَعْمولِ على العاملِ لا في تَقْدِيمِه على الفاعلِ، فإنَّ قُلْتَ: فقد ذَكَرَهُ في بابِ ما يَكُونُ الاسمُ فيه مَبْنِيًّا على الفِعْلِ، قالَ: وذلك قولُك: زَيداً ضَرَبْتَ، فالاهْتِمامُ والعنايةُ هنا في التقديمِ والتأخيرِ سواءٌ، مثلُه في: ضَرَبَ زَيدٌ عَمْراً، وضَرَبَ عَمْراً زَيدٌ.
قلتُ: إنْ كانَ هذا مَحَلَّ النِّزاعِ فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّه إنَّما ذَكَرَهُ من الجِهَةِ التي شَابَهُ بها تَقْدِيمَ الفَاعِلِ على المفعولِ، أو العكسِ في المثالَيْنِ، وليسَ فيه من هذه الجَهَةِ إلاَّ الاهتمامُ، ولا يَبْقَى ذلك الذي اخْتَصَّ به إذا تَقَدَّمَ على العامِلِ وهي الحَصْرُ، ويُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلامِ سِيبَوَيْهِ أنَّ الاهتمامَ والعنايةَ في التقديمِ والتأخيرِ سواءٌ بالنِّسْبَةِ إلى الإسْنادِ، والواقعُ في الكلامِ ورَبْطُ الفِعْلِ بالفاعلِ والمفعولِ، لا بالنِّسْبَةِ إلى ما يَلْمَحُ من معنٍى آخَرَ زائِدٍ على ذلك، وفي كلامِه ما يُشِيرُ إلى ذلك، حيثُ قالَ: كأنَّهم يُقَدِّمُونَ الذي شَأْنَه أَهَمُّ لهم وهُم بِبَيَانِه أَعْنَى، وإنْ كَانَا جَمِيعاً يَهُمَّانِهم، فانْظُرْ كيفَ أَثْبَتَ زِيادَةَ معنًى في التقْدِيمِ، وأَتَى بأَفْعَلِ التفْضِيلِ؟ فإنَّ أنْزَلْتَ كلامَه الأوَّلُ= والثاني على هذا التقديرِ، وجُعِلَتُ اسْتِواءُ التقديمِ والتأخيرِ بالنسبةِ إلى الإسنادِ الحاصلِ، وأنَّ ذلك لا تَتَغَيَّرُ دلالَتُه عندَ التقديمِ والتأخيرِ، إلاَّ أنَّ التقديمَ يُفيدُ زيادةً في الاهتمامِ، ـ عَرَفْتَ أنَّه ليسَ في كلامِه هذا ما يَمْنَعُ من إفادَةِ الاخْتِصاصِ عندَ تأخيرِ العاملِ، فإنَّا لا نَمْنَعُ أنَّ التقْدِيمَ والتأْخِيرَ، سواءٌ بالنسبةِ إلى رَبْطِ الفِعْلِ بالفاعِلِ والمفعولِ، وإنَّما المُدَّعِي قَدْرٌ زائدٌ على ذلك، ومن العَجَبِ أنَّ أَبَا حَيَّانَ ذَكَرَ كلامَ سِيبَوَيْهِ عَقِبَ كلامِه الأوَّلِ، مُؤَيِّداً له به مُقَرِّراً بها امْتِناعُ الاخْتصاصُ.
وممَّا اسْتَدَلَّ به بعضُ المتأَخِّرينَ على عَدَمِ إفادةِ الحَصْرِ وقوعُ الأمْرَيْنِ في القرآنِ، نحوَ: {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا}. وقالَ تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِكَ}. ونَظَائِرُها كمَا سَبَقَ في:{فَاعَبْدِ اللهَ} {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ}. ولَحْنُ كلٍّ منها فصيحٌ في بابِه، ولا يَكادُ التقْديمُ فيه يقومُ مُقامَ التأخِيرِ ولا العكسُ، بل فيها ما يَرْشُدُ إلى الاخْتِصاصِ، فإنَّ قولَه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. لا يَمْنَعُ أنْ يَقْرَأَ بغَيرِ الاسْمِ، وقولُه: {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا}. تَمَنَعُ أنَّها تَجْرِي إلاَّ بِاسْمِه.
وقالَ صاحبُ (الفَلَكِ الدَائِرِ): الحقُّ أنَّه لا يَدُلُّ على الاخْتصاصِ إلاَّ بالقَرائِنِ، وإلاَّ فقد كَثُرَ في القرائنِ التصْريحُ به معَ عَدَمِه، كقَولِه: {إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} ولم يَكُنْ ذلك مُخْتَصًّا به، فقد كانَتْ حواءٌ كذلك.
ص: (والاخْتصاصُ الحَصْرُ، خِلافاً للشيخِالإمامِ حيثُ أثْبَتَهُ، وقالَ: ليسَ هو الحَصْرُ).
ش: اشْتَهَرَ في كلامِ البَيَانِيِّينَ أنَّ تقديمَ المعْمولِ يُفِيدُ الاخْتصاصَ، ويَفْهَمُ كثيرٌ من الناسِ من الاخْتصاصِ الحَصْرَ، فإذا قُلْتَ: زَيداً ضَرَبْتُ، يكونُ معناهُ: مَا ضَرَبْتُ إلاَّ زَيداًَ.
وخَالَفَهم والِدُ المُصَنِّفِ وقالَ: الفُضَلاءُ لم يَذْكُرُوا في تَقْدِيمِ المعْمولِ إلاَّ لفْظَ الاخْتصاصِ، منهم الزَّمَخْشَرِيُّ في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وغيرُها، والحقُّ أنَّهما مُتَغَايرانِ، والفرْقُ بينَهما أنَّ الاخْتِصاصَ افْتعالٌ من الخُصوصيَّةِ، والخصوصُ مُرَكَّبٌ من شَيْئَيْنِ: أحدُهما عامٌّ مُشْتَرِكٌ بينَ أشياءٍ.
والثاني: معنى يَنْضَمُّ إليه بفَصْلِه عن غيرِه كضَرْبِ زَيدٍ، فإنَّه أَخَصُّ من مُطْلَقِ الضرْبِ، فإذا قُلْتَ: ضَرَبْتُ زَيداً، أَخْبَرْتَ بضَرْبٍ عامٍّ، وَقَعَ منك على شَخْصٍ خاصٍّ، فصَارَ ذلك الضَّرْبُ المُخْبِرُ به خاصًّا لمَا انْضَمَّ إليه مِنْكَ ومِن زَيْدٍ، وهذه المعانِي الثلاثةُ، أعْنِي: مُطْلَقُ الضَرْبِ، وكونَه واقعاً مِنْكَ، وكونَه واقعاً على زَيدٍ ـ قد يكونُ مَقْصودُ المُتَكَلِّمِ لها ثَلاثَتُها على السواءِ، وقد يُرَجِّحُ قصْدَه لبَعضِها على بعضٍ، ويُعْرَفُ ذلك بما ابْتَدَأَ كلامَه، فإنَّ الابْتِداءَ بالشيءِ يَدُلُّ على الاهتمامِ به، فإذا قُلْتَ: زَيدٌ ضَرَبْتُ، عُلِمَ أنَّ خُصوصَ الضرْبِ على زيدٍ هو المقصودُ، ولا شَكَّ أنَّ الكُلَّ مُرَكَّبٌ من خاصٍّ وعامٍّ من جهَتَيْنِ، فقد يُقْصَدُ من جِهَةِ عُمُومِه، وقد يُقْصَدُ من جِهَةِ خُصوصِه، فقَصْدُه من جِهَةِ خُصُوصِه هو الاخْتصاصُ، وأنَّه هو الأهَمُّ عندَ المُتَكَلِّمِ، وهو الذي قَصَدَ إفادَتَه السَامِعَ من غيرِ تَعَرُّضٍ ولا قَصْدٍ لغَيْرَهِ بإثباتٍ ولا نَفْيٍ، وأمَّا الحَصْرُ فمَعْنَاه: إثباتُ المَذْكورِ= ونَفْيُ غيرِه، وهو زائدٌ على الاخْتصاصِ، وإنَّما جَاءَ هذا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} للعِلْمِ بأنَّه لا يَعْبُدُ غيرَ اللهِ، لا من موضوعِ اللفْظِ، ألاَّ تَرَى أنَّ بَقِيَّةَ الآياتِ لم يَطَّرِدُ فيها ذلك، فإنَّ قولَه تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ} لو جَعَلَ في معنَى: ما يَبْغُونَ إلاَّ غيرَ دِينِ اللهِ، وهَمْزَةُ الإنْكارِ داخلِةٌ عليه، لَزِمَ أنْ يَكونَ المُنْكَرُ الحَصْرَ، لا مُجَرَّدٌ بَغَْيهِم غيرِ دينِ اللهِ، ولا شَكَّ أنَّ مُجَرَّدَ بَغْيهِم غيرِ دِينِ اللهِ مُنْكَرٌ، وكذلك بَقِيَةُ الآياتِ إذا تَأَمَّلْتَها. انْتَهى مُلخصًّا.
وحاصلُه: أنَّ الاخْتصاصَ في إعْطاءِ الحُكْمِ للشيءِ والسُّكوتِ عمَّا عَدَاهُ، الحَصْرُ: إعطاءُ الحُكْمِ للشيءِ والتعَرُّضُ لنَفْيهِ عمَّا عَدَاهُ، ففِي الاخْتِصاصِ قضِيَّةٌ واحِدَةٌ، وفي الحَصْرِ قَضِيَّتَانِ، وقد يَحْتَجُّ للتغَايُرِ بقولِه تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}. فإنَّه لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ بحَصْرِ رحْمَتِه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ حَصْرُها.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: الغاية قيل منطوق والحق مفهوم.
ش: ذهب القاضي أبو بكر إلى أن دلالة الغاية على نفي الحكم عما بعدها منطوق فإنهم اتفقوا على أن الغاية ليست كلاماً مستقلاً، فإن قوله تعالى {حتى تنكح زوجاً غيره} وقوله {حتى يطهرن} لابد فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام، وذلك المضمر إما ضد ما قبله أو غيره.
والثاني باطل، لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه، فتعين الأول، فيقدر حتى يطهرن فاقربهن، وحتى تنكح فتحل، قال: والإضمار بمنزلة الملفوظ، فإنه إنما يضمر لسبقه إلى فهم العارف باللسان، انتهى.
والحق الذي عليه الجمهور أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك.
ص: يتلوه الشرط فالصفة المناسبة فمطلق الصفة غير العدد فالعدد فتقديم المعمول لدعوى البيانيين إفادته الاختصاص وخالفهم ابن الحاجب وأبو حيان.
ش: لما فرغ من بيان كونها حجة، شرع في بيان مراتبها في القوة والضعف، وفائدته الترجيح عند التعارض، فأقواها مفهوم الغاية ولهذا قيل: إنه منطوق، ثم مفهوم الشرط، وقدم على مفهوم الصفة، لأنه قال به بعض من لا يقول بمفهوم الصفة، كابن سريج، ثم مفهوم الصفة المناسبة، وقد جعلها في (المستصفى) من قبيل دلالة الإشارة لا المفهوم، ثم مطلق الصفة غير العدد، واقتضى كلامه استواء بقية أقسام مفهوم الصفة من العلة والظرف والحال.
قال الشارح: وينبغي أن يكون أعلاها العلة، لدلالتها على الإيماء فهي قريب من المنطوق، انتهى.
ثم مفهوم العدد، ثم تقديم المعمول، وإنما أخره لأنه لا يفيد في كل صورة، ولأن البيانيين لم يصرحوا بأنه للحصر، وإنما قالوا: للاختصاص، وفي كونه بمعناه نزاع يأتي، وخالف في دلالته على ذلك ابن الحاجب، واحتج على ذلك في شرح المفصل بأنه لو دل على الحصر لدل تأخيره على عدمه، وهو غير لازم، فتأخيره لا يدل على حصر، ولا عدمه، وكذلك أبو حيان، فنقل في أول تفسيره عن سيبويه أنه قال: كأنهم يقدمون الذي شأنه أهم لهم, وهم ببيانه أعني، ولم يذكر المصنف هنا مرتبة بقية أدوات الحصر، كأنه اكتفى بقوله: (فيما تقدم وأعلاها لا عالم إلا زيد، ثم ما قيل منطوق أي بالإشارة ثم غيره) ولكن ذاك إنما فيه بيان مراتبها في أنفسها، وليس فيه بيان مرتبتها مع غيرها من المفاهيم، وقال في شرح المختصر: إن أعلاها (ما) و(إلا) ثم مفهوم (إنما) والغاية ثم حصر المبتدأ في الخبر، وهو في تقديم ذلك على الشرط متابع للغزالي.
ص: والاختصاص: الحصر، خلافاً للشيخ الإمام حيث أثبته وقال: ليس هو الحصر.
ش: تقدم عن علماء البيان أن تقديم المعمول يدل على الاختصاص والذي يفهمه أكثر الناس من ذلك الحصر، وخالف في ذلك الشيخ الإمام السبكي، وقال: إنه غيره، فالاختصاص افتعال من الخصوص، وهو مركب من عام مشترك بين أشياء، ومعنى ينضم إليه يفصله عن غيره، كضربت زيداً، فإنه أخص من مطلق الضرب، لما انضم إليه منك ومن زيد، فمطلق الضرب ووقوعه منك: وكونه واقعاً على زيد قد يقصدها المتكلم على السواء، وقد يرجح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به.
فإذا قلت: زيداً ضربت، علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود، فهو الأهم الذي قصد إفادته من غير قصد غيره بإثبات ولا نفي، والحصر وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن غيره زائد على ذلك، وإنما جاء هذا في {إياك نعبد} للعلم بأنه لا يعبد غير الله لا من موضوع اللفظ انتهى.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المفاهيم, ترتيب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir