دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 04:15 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التصديق بما صحَّ من كرامات الأولياء

وَنُؤْمِنُ بما جاءَ من كَرَامَاتِهِم، وَصَحَّ عن الثقاتِ من رِواياتِهِم.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَنُؤْمِنُ بما جاءَ من كَرَامَاتِهِم، وَصَحَّ عن الثقاتِ من رِوَايَاتِهِم.



(1) هذا بَحْثٌ عظيمٌ، وهو بحثُ الكراماتِ، فالكرامةُ هي الخارِقُ للعادةِ، فإنْ كانتْ على يَدِ نَبِيٍّ فهي معجزةٌ، مثلَ معجزةِ القرآنِ، فالإنسُ والجِنُّ عَجَزُوا عن أنْ يَأْتُوا بمثلِهِ، وهي أعظمُ المعجزاتِ، ومثلَ معجزةِ عَصَا مُوسَى، والتسعِ الآياتِ، ومثلَ إحياءِ الموتَى لعيسَى ابنِ مَرْيَمَ؛ وإنْ جَرَتِ الخارقةُ على يَدِ رَجُلٍ صالِحٍ فهو كَرَامَةٌ من اللَّهِ أَجْرَاهَا على يَدِهِ، ولَيْسَ من عِنْدِهِ، مثلَ ما حَصَلَ لأصحابِ الكهفِ، وما حَصَلَ لِمَرْيَمَ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} (آل عِمْرَان: 37) فكَانَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا وهي تَتَعَبَّدُ اللَّهَ ولم تَخْرُجْ من المحرابِ، وكذلكَ ما حَصَلَ من كراماتٍ لهذهِ الأُمَّةِ، وقد ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ طَرَفًا منها في كتابِهِ: ((الفرقانِ)).
أَمَّا إذا جَرَى الخارقُ على يَدِ كاهنٍ أوْ ساحرٍ فهذا خارِقٌ شيطانيٌّ، يَجْرِي على يَدِهِ من أجلِ الابتلاءِ والامتحانِ، فقدْ يَطِيرُ في الهواءِ ويَمْشِي على الماءِ ويعملُ أَعْمَالًا خارقةً للعادةِ، وهي مِن أعمالِ الشياطينِ.
والضَّابِطُ أَنَّنَا نَنْظُرُ إلى عَمَلِهِ، فإنْ كَانَ مُوَافِقًا للإسلامِ، فما يَجْرِي على يدِهِ كرامةٌ، وإِلاَّ فهو من خِدْمَةِ الشياطينِ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} (الأنعام: 128)، فالجِنِّيُّاسْتَمْتَعَ بالإِنْسِيِّ بالخضوعِ لَهُ وطَاعَتِهِ، والإنسيُّ اسْتَمْتَعَ بالجِنِّيِّ لِأَنَّهُ يَخْدِمُهُ ويُحْضِرُ لَهُ ما يُرِيدُ، قَالَ تَعَالَى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام: 128، 129)، فهذهِ خوارقُشيطانيَّةٌ، فالفارقُ بينَها وبينَ الكرامةِ: الإيمانُ والعملُ الصالحُ, وهذا هو مَذْهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، أَمَّا مَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ حَصَلَ عندَهُ بسببِ فَهْمِ الخوارقِ خَلْطٌ كثيرٌ، فالْمُعْتَزِلَةُ وَمَن نَحَا نَحْوَهُم من العَقْلاَنِيِّينَ إلى يَوْمِنَا هذا يُنْكِرُونَ الكراماتِ، حتَّى إِنَّ غُلاَتَهُمْ يُنْكِرُونَ بعضَ المعجزاتِ، ويقولونَ: هذهِ لا يُثْبِتُهَا العَقْلُ؛ لأَنَّهُم يُقَدِّمُونَ عُقُولَهُمْ.
الصنفُ الثاني: وهم القُبُورِيُّونَ والصُّوفِيُّونَ، غَلَوْا في إثباتِ الكراماتِ حتى أَثْبَتُوهَا لأولياءِ الشيطانِ، فيُثْبِتُونَهَا لِمَنْ لا يُصَلِّي ولا يَصُومُ إذا جَرَى على يدِهِ خارقٌ للعادةِ، وهيَ خوارقُ شيطانيَّةٌ، وَمَنهم مَن يَغْلُو في الْوَلِيِّ الصالحِ ويَتَّخِذُهُ إِلَهًا معَ اللَّهِ كما حَدَثَ للقُبُورِيِّينَ، فلو قَرَأْتَ كتابَ الشَّعْرَانِيِّ المُسَمَّى (طبقاتُ الأَوْلِيَاءِ) لَرَأَيْتَ العَجَبَ العُجَابَ والحكاياتِ الباطلةَ، فالْوَلِيُّ عندَهُم خَرَجَ عن التكاليفِ ولا يَحْتَاجُ إلى العِبَادةِ.
فالإنسانُ مَهْمَا بَلَغَ من الصلاحِ والعِبَادةِ فإِنَّهُ لا يَخْرُجُ عن العبوديَّةِ؛ لا المَلاَئِكَةُ، ولا الأَوْلِيَاءُ، ولا الأَنْبِيَاءُ، حَتَّى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (واللَّهُ إِنِّي لاَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ). وهو سَيِّدُ البشرِ وخيرُ مَن مَشَى على الأَرْضِ، ويقولُ اللَّهُ لَهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 99) فما أَحَدٌ بَلَغَ ما بَلَغَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وما خَرَجَ عن عبادةِ اللَّهِ، حتى المَسِيحُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيهِ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فأَمَّا الَّذِينَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} النساء: (172، 173). فهذا بَحْثٌ عَظِيمٌ يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ، وَبِخَاصَّةٍ فِي أوقاتِ الجهلِ والخرافةِ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم ).

ش: فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، و [ كذلك الكرامة ] في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين. ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما، فيجعلون المعجزة للنبي، والكرامة للولي. وجماعها: الأمر الخارق للعادة. فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى. وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده، فإنه الذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي. وكذلك قال نوح عليه السلام، فهذا أول أولي العزم، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وهذا خاتم الرسل، وخاتم أولي العزم، وكلاهما تبرأ من ذلك، وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب، كقوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها، وتارة بالتأثير، كقوله تعالى: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً الآيات، وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية، كقوله تعالى: وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق الآية. فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله، فيعلم ما علمه الله [ إياه ]، ويستغني عما أغناه عنه، ويقدر على ما أقدر عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة، أو لعادة أغلب الناس. فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الانواع.
ثم الخارق: إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين، كان من الأعمال الصالحة المأمور بها ديناً وشرعاً، إما واجب أو مستحب، وإن حصل به أمر مباح، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكراً، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، كان سبباً للعذاب أو البغض، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها: بلعام بن باعورا، لاجتهاد أوتقليد، أو نقص عقل أوعلم، أو غلبة حال، أو عجز أو ضرورة.
فالخارق ثلاثة أنواع: محمود في الدين، ومذموم، ومباح. فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة، وإلا فهو كسائرالمباحات التي لا منفعة فيها. قال أبو علي الجوزجاني: كن طالباً للاستقامة، لا طالباً للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة.
قال الشيخ السهروردي في عوارفه: وهذا أصل كبير في الباب، فإن كثيراً من المجتهدين المتعبدين سمعوا بالسلف الصالحين المتقدمين، وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات، فنفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك، ويحبون أن يرزقوا شيئاً منه، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب، متهماً لنفسه في صحة عمله، حيث لم يحصل له خارق، ولو علموا بسر ذلك لهان عليهم الأمر، فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك باباً، والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة - يقيناً، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا، والخروج عن دواعي الهوى. فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة، فهي كل الكرامة.
ولا ريب أن للقلوب من التأثير أعظم مما للأبدان، لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحاً، وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسداً. فالأحوال يكون تأثيرها محبوباً لله تعالى تارة، ومكروهاً لله أخرى.
وقد تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن. وهؤلاء يشهدون بواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني، ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله له، ولا يعلمون أنه في الحقيقة إنما الكرامة لزوم الاستقامة، وأن الله تعالى لم يكرم عبداً بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه، وهو طاعته وطاعة رسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه. وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأما ما يبتلي الله به عبده، من السر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء - فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه، وشقي بها قوم إذا عصوه، كما قال تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا. ولهذا كان الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام:
قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة.
قسم يتعرضون بها لعذاب الله.
وقسم يكون في حقهم بمنزلة المباحات، كما تقدم.
وتنوع الكشف والتأثير باعتبار تنوع كلمات الله. وكلمات الله نوعان: كونية، ودينية:
فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر. قال تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. وقال تعالى: وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته. والكون كله داخل تحت هذه الكلمات، وسائر الخوارق.
والنوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله، وهي أمره ونهيه وخبره، وحظ العبد منها العلم بها، والعمل، والأمر بما أمر الله به، كما أن حظ العباد عموماً وخصوصاً العلم بالكونيات والتأثير فيها، أي بموجبها. فالأولى تدبيرية كونية، والثانية شرعية دينية. فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية، وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية. وقدرة الأولى التأثير في الكونيات، إما في نفسه كمشيه على الماء، وطيرانه في الهواء، وجلوسه في النار، وإما في غيره، بإصحاح وإهلاك، وإغناء وإفقار. وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات، إما في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطناً وظاهراً، وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية.
فإذا تقرر ذلك، فاعلم أن عدم الخوارق علماً وقدرة لا تضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيئاً من الكونيات -: لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له، فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، فإن الخارق قد يكون مع الدين، وقد يكون مع عدمه، أو فساده، أو نقصه. فالخوارق النافعة تابعة للدين، خادمة له، كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين، وكذلك المال النافع، كما كان السلطان والمال [ النافع ] بيد النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر. فمن جعلها هي المقصودة، وجعل الدين تابعاً لها، ووسيلة إليها، لا لأجل الدين في الأصل -: فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب، أو رجاء الجنة، فإن ذلك ما هو مأمور به، وهو على سبيل نجاة، وشريعة صحيحة. والعجب أن كثيراً ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفاً من النار أو طلباً للجنة - يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا ! !
ثم إن الدين إذا صح علماً وعملاً فلا بد أن يوجب خرق العادة، إذا احتاج إلى ذلك صاحبه. قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب. وقال تعالى: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً. وقال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً * وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً * ولهديناهم صراطاً مستقيماً. وقال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ قوله إن في ذلك لآيات للمتوسمين. رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري. وقال تعالى، فيما يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبد يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه.
فظهر أن الاستقامة حظ الرب، وطلب الكرامة حظ النفس. وبالله التوفيق.
وقول المعتزلة في إنكار الكرامة: ظاهر البطلان، فإنه بمنزلة إنكار المحسوسات. وقولهم: لو صحت لأشبهت المعجزة، فيؤدي إلى التباس النبي صلى الله عليه وسلم بالولي، وذلك لا يجوز! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة، وهذا لا يقع، ولو ادعى النبوة لم يكن ولياً، بل كان متنبئاً كذاباً، وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبىء، عند قول الشيخ: وأن محمداً عبده المجتبى ونبيه المصطفى.
ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا: أن الفراسة ثلاثة أنواع:
إيمانية، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده، وحقيقتها أنها خاطر يهجم، على القلب، يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة، ومنها اشتقاقها، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيماناً فهو أحد فراسة. قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان. انتهى.
وفراسة رياضية، وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان، ولا على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع، ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبادة الرؤساء والأظناء ونحوهم.
وفراسة خلقية، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم، واستدلوا بالخلق على الخلق، لما بينهما من الإرتباط، الذي اقتضته حكمة الله، كالإستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبره على كبره، وسعة الصدر على سعة الخلق، وبضيقه على ضيقه، وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه، ونحو ذلك.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 04:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال بعدها: "ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم" هذا نتكلم عنه (بنقسم) الكلام عليه بين الدرس هذا إن شاء الله والدرس القادم؛ لأنه يطول الكلام على كرامات الأولياء , قال: "ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم"

يريد رحمه الله أن أهل السنة والجماعة , وأهل الحديث والأثر , والمتابعين للسلف الصالح يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة، وما صحت به الرواية من كرامات الأولياء , وهم يصدقون بكرامات الأولياء ولا ينفونها، وما صح عن الثقات من الروايات من بيان كراماتهم , فإنهم يصدقون بذلك ويعتقدونه ويؤمنون به؛ لأن هذا من فضل الله جل وعلا عليهم؛ لأن في التصديق به تصديقًا لما أخبر الله جل وعلا به في القرآن، وأخبر به النبي r في السنة.

ويريد بذلك مخالفة طوائف ممن.. من العقلانيين الذين أنكروا الكرامات، كرامات الأولياء , ويخص بالذكر منهم المعتزلة؛ فإنهم أنكروا كرامة الأولياء، وقالوا: ليس لولي كرامة؛ لأنه لو صح أن يكون لولي كرامة لاشتبهت كرامات الأولياء بمعجزات الأنبياء، وحينئذ تشتبه الكرامة بالنبوة، ويشتبه الولي بالنبي، وهذا قدح في النبوة وقدح في الشريعة.
ونذكر هنا مسائل:

الأولى:
كرامات الأولياء، جمع كرامة، والكرامة في اللغة إكرام، من الإكرام وهو ما يؤتى المكرم من هبة وعطية , وهي في باب الكرامة من الله جل وعلا , وفي الاصطلاح عرفت الكرامة، كرامة الولي بأنها أمر خارق للعادة جرى على يدي ولي, وكونه خارقًا للعادة يخرج به ما ينعم الله جل وعلا به من النعم على عباده , مما لا يدخل في كونه خارقًا للعادة.

فأهل الإيمان يُنعم عليهم بنعم كثيرة، وهي إكرام من الله جل وعلا , لكن لا تدخل في حد الكرامة؛ فالكرامة ضابطها أنها أمر خارق للعادة , والعادة هنا، خارق للعادة، أي عادة؟ عادة أهل ذلك الزمان، فقد يكون خارق لعادة أناس في القرن الثاني , وهو ليس خارقا لعادتنا في هذا الزمن، مثلاً أن ينتقل من بلد إلى بلد في ساعة، من الشام إلى مكة، أو إلى القدس في ساعة، ويصلي هنا … إلى آخره، أو أن يُحجب عن بعض المكروه أو أن يكون عنده علم بحال أناس بالتفصيل يسمع كلامهم ويرى صورتهم في بلدٍ بعيدٍ عنه، هو في الجزيرة ويرى حالهم في الشام، أو في مصر أو في خراسان، أو ما أشبه ذلك , هذه في زمن مضى كانت خوارق لعادة أهل ذلك الزمان، لكنها بالنسبة لأهل هذا الزمان ليست بخارقٍ مطلقًا.

لهذا تضبط العادة في تعريف الكرامة، خارق للعادة، بأنها عادة أهل ذلك الزمان , والمعجزة أيضًا أو الآية والبرهان للنبي وخوارق السحرة والكهنة كما سيأتي فيها خرق للعادة، لكن مع اختلاف الخارق واختلاف العادة كما سيأتي إن شاء الله تعالى , يعني جرى على يدي ولي.
وقوله: "جرى" يعني: أنه أُكرم به الولي فجرى على يديه، وقد يكون أعطي القدرة , وقد يكون الولي أحس بالشيء وجرى على يديه دون قدرة منه، إما من الملائكة أو بسببٍ شاءه الله جل وعلا , وآخر جملة على يدي ولي، يخرج منها ما جرى على يدي الأنبياء فهي أمر خارق للعادة، لكنه ليس على يدي ولي، وإنما على يدي نبي، وكذلك خوارق السحرة والكهنة والمشعوذين فهي شيطانية، ليست إيمانية، ولذلك لا تدخل في التعريف.

المسألة الثانية:
الأصل في كرامات الأولياء من القرآن قول الله جل وعلا: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [، وقوله جل وعلا: أيضًا: ] وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)).

ومن الواقع فإنه تواتر النقل عن الصحابة وعن التابعين ومن تبعهم، وعن الأمم السالفة , تواتر النقل بما لا يكون معه مجال للتكذيب , ولا للرد بنقل عدد كبير يختلفون في أماكنهم ويختلفون في لغاتهم بحصول هذه الكرامات، فيكون معه النقل متواترًا , ويكون دليلاً من الأدلة في هذه المسألة , فإذًا حصول الكرامات دل عليه القرآن والسنة، ودل عليه التواتر في النقل عن الأمم السالفة، وعن هذه الأمة.

المسألة الثالثة:
الكرامة تبع للولاية، والأولياء جعلهم الله جل وعلا هم أهل الإيمان والتقوى، قال: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [، فالولي الذي يعطى الكرامة هو الموصوف بهذين الوصفين: الإيمان والتقوى , فلو جرى الخارق على يدي من لم يوصف بالإيمان والتقوى فليس هو من الكرامة؛ لأن الله جل وعلا جعل الولاية في أهل الإيمان والتقوى , وهم الذين يُعطَون الكرامة.

وههنا سؤال هل المبتدع أو الضال أو العاصي يعطي كرامة؟
والجواب عن ذلك: أن الأولياء كما قرر أهل العلم على فئتين:

الفئة الأولى: السابقون.
والفئة الثانية: المقتصدون.

فليس للظالم لنفسه المقيم على المعصية حظ في الكرامة، لكن قد تجري الكرامة على يدي من عنده بدعة أو معصية أو ظلم لنفسه؛ وذلك راجع لأسباب:
الأول: أن يكون ليس هو المراد بها؛ وإنما يكون هذا المبتدع أو الظالم لنفسه في جهاد مع الكافر، في جهاد مع العدو الكافر، فيعطيه الله جل وعلا الكرامة لا لذاته، ولكن لما يجاهد عليه وهو الإسلام والإيمان ورد الكفر، فيكون إعطاؤه الكرامة لا يغتر بها؛ لأنها ليست لشخصه، وإنما هي للدليل على ظهور الإيمان والإسلام على الكفر والإلحاد والشرك ونحو ذلك.
السبب الثاني: أن يكون في إعطائه الكرامة، أو أن يكون إعطاؤه الكرامة لحاجته إليها في إيمانه، أو في دنياه , فتكون سببًا له في استقامة أو في خير , فلهذا من جرى على يديه شيء من ذلك فينظر في نفسه , إن كان من أهل الإيمان والتقوى فيحمد الله جل وعلا ويثني عليه , ويلازم الاستقامة على ما أكرمه الله جل وعلا به، وإن كان من أهل البدعة أو المعصية أو الظلم للنفس، فيعلم أن في ذلك إشارة له أن يلازم سنة النبي r والإيمان والتقوى؛ حتى تكون البشرى له في الدنيا والأخرى، وإلا يكون قد قامت عليه حجة ونعمة من الله رآها ثم أنكرها.

المسألة الرابعة والأخيرة:
في هذا الدرس. الكرامة، كرامة الأولياء، هي أمر خارق للعادة، وتشترك مع مخاريق السحرة والكهنة في أنها أمر خارق للعادة، وكذلك معجزات الأنبياء والآيات والبراهين هي أمر خارق للعادة، فخرق العادة في نفسه ليس مُثْنَىً عليه؛ فقد تخرق العادة لمبطل، وقد تخرق العادة لصالح، يعني لرجل صالح، وقد تخرق العادة لكاهن، ساحر، وقد تخرق العادة لولي صالح , ولهذا وجب أن يكون ثم فرقان في خرق العادة عند من حصلت له، وعند الناس، هل خرقت العادة لمؤمن تقي، أو لمبطل غير متابع للسنة؟ من السحرة والكهنة وأشباههم.
فنعلم حينئذ الفرقان البين، بين كرامة الولي، وخرق العادة له , وأنها خرق إيماني، خرق من الله جل وعلا لإكرامه وكرامته، وبين خرق العادة للساحر والكاهن والمشعوذ، وأنها خارق شيطاني؛ لأن الشياطين لها قدرة في خرق عادة، لكن ثم فرق بين خارق العادة للشياطين، وخارق العادة للأولياء، والفارق بينهما أن خارق العادة للأولياء هذا من الله جل وعلا أولاً، وأثر من متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام ثانيًا، والثالث: أنه خرق لعادة أهل الزمان، فهو في جنسه أعظم وأرفع من جنس خوارق السحرة.
وأما خوارق السحرة فهي أولا: من الشيطان مخاريق شيطانية.

والثاني: هي نتجت من التقرب للشياطين، والتعاون معهم حتى خدمتهم الشياطين، كما قال جل وعلا في سورة الأنعام لما ذكر حشر الجن والإنس يوم القيامة، قال: [ وَيَوْمَ نحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ]* فاستمتع الإنسي بالشيطان الجني، واستمتع الشيطان الجني بالإنسي، فهذا تقرب وهذا خَدَم , لهذا منشؤها من جهة الشيطان , الثاني أنها متابعة للمعصية والبدعة والشرك… إلى آخره، التي هي مخاريق السحرة.
الثالث: أنها محدودة، وفي الغالب أنها تخييل وليست حقيقة، والشيطان هو الذي يتمثل وليس من أعطي الخارق أو من جرى الخارق على يديه في ظاهرها الناس، أنه هو الذي انتقل، مثلاً وجد في الشام ووجد في مكة في نفس الوقت , وجد في مصر في القرية الفلانية ووجد في القرية الفلانية، هذا لا يمكن أن يكون، فهو إذًا من الشيطان.

قال بعضهم مثلا , مثلما قال عبدالوهاب الشعراني في ترجمة أحد من ادّعى أنهم مجاذيب ومجانين وأولياء، قال في ترجمته: وكان رحمه الله، يعني في الثناء عليه، يخطب الجمعة في سبع قرى في مصر , وهذا خارق عند الناس، كيف أهل القرية هذه والقرية هذه والقرية هذه كلهم يخطب فيهم هذا؟ ويكون الشيطان تمثل به وخدمه؛ حتى يغوي الناس , وبالإضافة لذلك هو مجنون ومجذوب وما شابه ذلك.
فإذًا الشياطين تخدم الساحر والكاهن، لكن أكثر ذلك تخييل، كما قال جل وعلا: ] يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [ , فثم تفصيل للكلام على هذه المسائل المهمة في مسائل نأتي إليها إن شاء الله تعالى في الدرس القادم , نكتفي بهذا القدر.

نعم (غير مسموع) الفرق بين خوارق الأولياء ومعجزات الأنبياء يأتي إن شاء الله والمذاهب فيه، والخلاف إلى آخره، نعم.

سؤال: هذا سؤال عن الهاتف الجوال والرد عليه في أثناء الدرس، وترك الهاتف الجوال على النغمة المزعجة، وكذا النداء الآلي؟
جواب: أولاً: الذي ينبغي يعني في الدروس أن يترك هذا، إلا لمن كان ينتظر شيئًا مهمًا وليس فيه إزعاج، يمكن يرتب نفسه، لكن الأصل هو إعانة نفسه والآخرين على الإنصات , ولا شك أن تمام الأدب في عدم إشغال الآخرين بذلك.

سؤال: يقول: ألا يقصد المؤلف رحمه الله بقوله: "أهل الخير والأثر" من ذكروا في حديث: ((خير القرون قرني))؟
جواب: هذا قد يرد، لكن لا يسمى الصحابة أهل الأثر؛ لأن التقسيم بين أهل الأثر وأهل النظر، هذا إنما أتى بعد ذلك، فلا نقول: إن في الصحابة أهل أثر وأهل نظر , وإنما هذا نشأ في القرن الثاني، في أوائل القرن الثاني في مدرسة المدينة أهل الرأي، والكوفة الرأي... إلى آخره، فانقسم أهل العلم إلى مدرستين: مدرسة النظر والفقه، ومدرسة الفقه والأثر.

سؤال: تكثر المراثي والأشعار فيمن يموت من العلماء وغيرهم , ويحصل من المبالغة في ذكر المحاسن والتباكي عليه، فثم سؤالين - يعني: سؤالان - فثم سؤالان:
الأول هل هذا من النياحة؟
الثاني: يرد في كثير منها بعض الألفاظ الشركية أو قريب منها والمبالغة الشديدة… إلى آخره، وذكر أمثلة من ذلك, وأظنه يقول: القصائد كانت في رثاء الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وثم مدخل لأهل البدع؟
جواب: لا شك أن ما رثي به سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله تعالى فيه قسم من حق هو طيب، وجزى الله الراثين خيرًا , والعلماء يرثون العلماء , والشعراء يرثون أهل العلم ومن في فقدهم على الإسلام والمسلمين الأثر.
لكن القسم الثاني من تلك المراثي كما ذكر من الأمثلة، فيها من الغلو ووسائل الشرك ونداء الميت ما فيها، وهذا مما يبين لك غربة التوحيد، وأن الناس لا يصح أن يقولوا: التوحيد علمناه، والحمد لله الناس على الفطرة ولا يحتاجون للعقيدة والتوحيد , هذا في موت سماحة الشيخ لما سير بجنازته من الناس من تمسح به، وألقى عليه غترة، وسمح من الجهلة، ومن.. ولما جاءت القصائد فيه من يشار إليهم من ناداه في قصيدته: يا أبا عبد الله؟ (وإيش؟) غوث الملاهيف...

الـوجـه الـثـانـي

... ويعني ونحوه من المبالغات، وهذا يدلك على أن رسالة الشيخ رحمه الله في حياته والدعوة التي أقامها في ملازمة السنة وترك البدع، ورد وسائل الشرك ووسائل البدع فيمن هو أفضل من الشيخ رحمه الله، هو النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي... إلى آخره , الشيخ أقام حياته لتقرير السنة والرد على البدع ووسائل الشرك، فيأت من يجعل، يغلو فيه إما لغرض صالح أو لغرض غير صالح أيضًا.
لا شك أن هذا ذنب وإثم على ما قاله، ويجب عليه التوبة وسحب هذه القصائد، وأن يراجعها أهل العلم إذا كان فيها شيء منكر وجب عليه أن.. وهذه نتبرأ منها , نحن نتبرأ ممن غلا في مدح الأولياء، الصحابة، في مدح النبي r، غلا فيه الغلو الذي أوصله إلى مقام لم يجعله الله جل وعلا له، فكيف بمن هو دون النبي عليه الصلاة والسلام ودون الصحابة من العلماء والأولياء، ومثل سماحة الشيخ رحمه الله تعالى؟!
لا شك أن الواجب الإنكار، ولا نقر شيئًا من ذلك ونبرأ منه، وليس لأهل البدع حجة في ذلك؛ لأن أهل التوحيد فيهم جهلة أيضًا، مثلما في أهل البدع جهلة فمن أهل البدع جهلة يبالغون في المدح.. وإلى آخره، ويطرون، كذلك في المنتسبين إلى التوحيد وإلى أهل التوحيد وإلى أهل العقيدة فيهم من يجهل كثيرًا، فيخطئ ويتجاوز.
وذكرني هذا حينما رأيت بعض الأشياء، ذكرني هذا بحياة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عاش حياته للعقيدة وللتوحيد ولنصرة السنة، ولرد البدع ووسائل الشرك والغلو في الأموات، ثم بعد ذلك جنازته صلي عليها الظهر وظلت تمشي إلى المقبرة والناس يلقون عمائمهم ويلقون أرديتهم على جثمان شيخ الإسلام تبركًا به، فما حياته إذًا؟ هؤلاء الجهلة الكثيرون حتى ولو انتسبوا إلى الثقافة وإلى العلم، هؤلاء الجهلة بحاجة إلى أن يدرسوا العقيدة ويعلمون ما يحل وما يحرم، ويريد أن يرثي إماما وعالمًا، مثل سماحة الشيخ ويقع في الإثم ويجعل الإثم أيضًا ينتشر في الأمة والبدعة ووسائل الشرك، فبدل أن نسير بدعوته وما عاش في حياته له نخالفه بعد وفاته؟!

وهذا لا شك أنه مما يَسرُّ الشيطان ويأنس له , والغلو شر، الغلو شر، وهدي الصحابة في ذلك هو الهدي الكامل، فكم المراثي في أبي بكر، وكم المراثي في عمر، وفي عثمان، وكم المراثي في ابن عمر وابن عباس، اجمعوها أليس في زمنهم من الشعراء والعلماء من فيه، لكنها قليلة؛ محافظة لا لأنهم لا يستحقون، لكن خشية من الغلو.
وأحيانًا بعض المسائل يعامل فيها الإنسان الناس بنقيض القصد؛ حتى لا يتوسعوا في الشرك والبدع , ولهذا ينبغي عليكم جميعا أن تستدلوا بما حصل من هذه التجاوزات على غربة التوحيد، ويعطي كم دليلاً على أنه في هذا البلد , والذين هم قريبون من الشيخ ويعلمون دعوته , ويعلمون الكتب التي شرحها أو درسها، وفتاويه التي يرد فيها على أقل البدع وعلى أقل وسائل الشرك كيف أن الناس يخالفونه وهم عاشوا معه سنين عددًا؟!
فما أشد الغربة وما أشد حاجة الناس إلى التوحيد والعقيدة والعلم الصحيح، والالتزام بالسنة , أسأل الله جل وعلا أن يرفع درجة شيخنا في عليين، وأن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يجعله مع الأئمة السابقين ممن أحبهم واقتفى أثرهم؛ إنه سبحانه على كل شيء قدير , [كلام ليس له فائدة علمية].

سؤال: يقول: ما رأيكم فيما جاء في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد في اتهام لأبي حنيفة وبالقول عليه بخلق القرآن... إلى آخره؟
جواب: هذا سؤال جيد، وهذا موجود في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وعبد الله بن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تنسب لأبي حنيفة وهو منها براءة في خلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات... إلى آخره، مما هو منها براء، وبعضها انتشر في الناس ونقل لبعض العلماء، فحكموا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنه كان العهد قريبًا من عهد أبي حنيفة، وكانت الأقوال تنقل قول سفيان، قول وكيع، قول سفيان الثوري، قول سفيان بن عيينة، قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة , فكانت الحاجة في ذلك الوقت باجتهاد عبد الله بن الإمام أحمد، كانت الحاجة قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نقل.
ولكن بعد ذلك الزمان - كما ذكر الطحاوي - أجمع أهل العلم على ألا ينقلوا ذلك، وعلى ألا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، وهذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي، يعني في عهد بعض أصحاب الإمام أحمد ربما تكلموا، وفي عهد الخطيب البغدادي نقل نقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد ذلك، حتى وصلنا إلى استقرار منهج السلف في القرن السادس والسابع الهجري، وكتب في ذلك رسالة ابن تيمية الرسالة المشهورة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، وفي كتبه جميعًا يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل [ويترحم عليه]* وينسبه إلى شيء واحد، وهو القول بالإرجاء، إرجاء الفقهاء، دون سلسلة الأقوال التي نسبت إليه؛ لأنه يوجد كتاب أبي حنيفة (الفقه الأكبر) وتوجد رسائل له تدل على أنه كان في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة، في مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
وهكذا درج العلماء على ذلك، كما قال الإمام الطحاوي، إلا كما ذكرت لك بعض من زاد، غلا في الجانبين، إما غلا من أهل النظر في الوقيعة في أهل الحديث وسماهم حشوية وسماهم جهلة، ومن غلا أيضًا من أهل.. من المنتسبين للحديث والأثر , فوقع في أبي حنيفة رحمه الله , أو وقع في الحنفية كمدرسة فقهية , أو بالعلماء , والمنهج الوسط هو الذي ذكره الطحاوي وهو الذي عليه أئمة السلف، لما جاء الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أصّل هذا المنهج في الناس، وألا يذكر أحد من أهل العلم إلا بالجميل , وأن ينظر في أقوالهم وما رجحه الدليل فيؤخذ به , وألا يتابع عالم فيما أخطأ فيه وفيما زل، بل نقول: هذا كلام العالم وهذا اجتهاده , والقول الثاني هو الراجح.
ولهذا ظهر بكثرة في المدرسة، مدرسة الدعوة ظهر القول الراجح والمرجوح، والراجح والمرجوح، وربّي عليه أهل العلم في هذه المسائل تحقيقًا لهذا الأصل، حتى أتينا إلى أول عهد الملك عبد العزيز رحمه الله لما دخل مكة وأراد العلماء طباعة كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة الجليل عبدالله بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى رئيس القضاة إذ ذاك في مكة , فنزع هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يطبع؛ لأنه من جهة الحكمة الشرعية كان له وقته وانتهى، ثم هو اجتهاد، السياسة الشرعية ورعاية مصالح الناس أن ينزع وألا يبقى.
وليس هذا فيه خيانة للأمانة، بل الأمانة ألا نجعل الناس يصدون عما ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة؛ لأجل نقول: نقلت في ذلك وطبع الكتاب بدون هذا الفصل وانتشر في الناس والعلماء على أن هذا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد.
حتى طبع مؤخرًا في رسالة علمية أو في بحث علمي , وأدخل هذا الفصل وهو موجود في المخطوطات معروف، أدخل هذا الفصل من جديد، يعني أرجع إليه وقالوا: إن الأمانة تقتضي إثباته... إلى آخره , وهذا لا شك أنه ليس بصحيح، بل صنيع العلماء , علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال، وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك.
ولما طبع كنا في دعوة عند فضيلة الشيخ الجليل، الشيخ صالح الفوزان في بيته، كان داعيًا لسماحة الشيخ عبدالعزيز رحمه الله، وطرحت عليه أول ما طبع الكتاب، طبعة كتاب السنة الطبعة الأخيرة هذه (اللي) في مجلدين، إدخال هذا الفصل، أو هذا الباب فيما ذكر في أبي حنيفة في الكتاب، وأن الطبعة الأولى كانت خالية من هذا وصنيع المشايخ، فقال رحمه الله تعالى في مجلس الشيخ صالح، قال لي: (اللي) صنعه المشايخ هو المتعين، ومن السياسة الشرعية أن يحذف، وإيراده ليس مناسبا , وهذا هو الذي عليه منهج العلماء.
زاد الأمر حتى صار هناك تآليف يطعن في أبي حنيفة وبعضهم يقول: أبو جيفة، ونحو ذلك , وهذا لا شك أنه ليس من منهجنا وليس من طريقة علماء الدعوة ولا علماء السلف؛ لأننا لا نذكر العلماء إلا بالجميل، إذا أخطؤوا فلا نتابعهم في أخطائهم وخاصة الأئمة هؤلاء الأربعة؛ لأن لهم شأنًا ومقامًا لا ينكر.
نكتفي بهذا القدر، أسأل الله لكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مـجـلـس آخــر

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.., ثم بعض الأسئلة بين يدينا:
سؤال: أحيانًا يكون الشخص على طريقٍ طويل وتكون الأرض يابسة، فإذا بال الشخص تطاير الرذاذ إلى أسفل ملابسه، فهل هذا يعفى عنه؟ لأنه يشق التحرز منه؟
جواب: لا يعفى عن ذلك؛ لأن الأرض إذا كانت يابسة، يعني صلبة، فإنه يسن أن يحركها حتى تكون رخوة , ولهذا يقول الفقهاء في آداب التخلي، يقولون: ويرتاد لبوله مكانًا رخوا , يعني أنت من أراد البول فلا بد أن يبحث عما يأمن معه تطاير الرشاش، والنبي عليه الصلاة والسلام مرةً أتى سباطة قومٍ فبال قائماً، قالوا العلماء: لأنها تكون.. تشرب البول ومعها يؤمن تطاير الرشاش.
ومن الكبائر ألا يستبرئ المرء من البول، كما جاء في الحديث المتفق على صحته: مر النبي r بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول))، وفي اللفظ الآخر: ((كان لا يستبرئ من البول))، وهذا يعني أنه كان يتساهل، فإذا كانت الأرض يابسة، طينية يابسة , فإذا بال عليها واندفع البول بقوة فتطاير الرشاش عليه، وهو يمكنه أن يحركها وحتى تصير تشرب البول، أو تصير رخوة فهو مقصر لا شك، مقصر في ذلك , وهذا يظهر إذا كان يستديم هذا الأمر، يعني دائماً يفعل ذلك ولا يبالي فهذا أو العياذ بالله من الكبائر، فواجب التنبيه لهذا ومثل هذه المسألة لا، ليست مما يشق التحرز فيه، ولا تدخل في القاعدة مما يشق التحرز منه أبدًا.

سؤال: البنت الصغيرة أو الولد الصغير الشباب إذا خرج فيهم الشيب وولدوا هكذا , فهل يجوز تغيير هذا الشيب بالسواد؟
جواب: الجواب: أن تغيير الشيب بالسواد في الصحيح من أقوال أهل العلم: إنه لا يجوز، سواء أكان المغير شابًا أم كهلاً , يعني المغير شعره شابًا أم كهلاً، أم كان طاعنًا في السن , كحال والد أبي بكر فإنه كان طاعنًا في السن , وقال النبي r في حقه: ((غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد)).
من أهل العلم من قال: هذا يحمل على من لا يناسبه التغيير بالسواد , وهو الشخص الذي طعن في السن وتجعد جلده بحيث لا يناسبه السواد، فيكون مثلة.
والقول الصحيح كما ذكرنا أنه لا يجوز التغيير بالسواد لآحاد الناس , لعامة الناس , لا يجوز التغيير بالسواد، سواء أكانوا شبابًا أم غير ذلك؛ لما روى الإمام أحمد ومالك في الموطأ وجماعة، أن النبي r قال: ((يكون من أمتي أقوام يصبغون بالسواد كحواصل الطير , لا يريحون ريح الجنة)) , أو كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام.
والحديث اختلف في صحته , والصواب أنه صحيح، والمقصود من ذلك أن تغيير الشيب بسوادٍ خالص لا يكون، بعض أهل العلم استثنى حالتين في جواز التغيير بالسواد وهذا.. والقول قريب وله ما يدل له من الأصول:
الحالة الأولى: للإمام لولي الأمر.
والثانية: في الحرب؛ حتى يكون أهيب للعدو.
وإلا فالقاعدة والأصل (اللي) دلت عليه الأدلة أن التغيير بالسواد لا يجوز , فإذا كان كذلك لهذه الحالة الشاب والبنت (اللي) فيهم شيب يغيرونه بغير السواد، بما هو دون السواد، أخف من السواد بلون الحناء , بلون يناسب حناء خفيف، أو الحناء الكثيف أو يخلط الحناء بالكتم؛ ليكون قريبا من السواد، لكن ليس سوادًا خالصًا.

سؤال: يقول: هل في هذه الكلمة محظور شرعي , وهي صورة لقطعة من الذرة ومكتوب عليها: هذه من خيرات الطبيعة؛ حيث إنها تنتشر دعاية لمثل هذا في الشوارع؟
جواب: هذا صحيح رأيناه في الشوارع، وهذه الكلمة كلمة فيها سوء؛ لأن الخير من الله جل وعلا والطبيعة مطبوعة، ليست طابعة للأشياء، فعيلة بمعنى مفعولة، هي مطبوعة , طبعها الله جل وعلا وجعلها على هذا النحو من سننه , فالله جل وعلا هو الذي جعل سنته أن الماء ينزل وأن الأرض تنبت , وأن الأرض تتنوع ما ينتج منها , ولهذا هذه الكلمة فيها مخالفة فينبغي، بل يجب تجنبها؛ حفظًا لنعم الله جل وعلا على عباده.

سؤال: يقول: استمعنا إلى شرح فضيلتكم على بلوغ المرام في باب الغسل , وأشكل علينا في عدم الموالاة، قولكم: إنه يجوز غسل الرأس ثم يجوز له النوم ثم بعد الاستيقاظ يجوز له أن يغسل بقية البدن , نرجو تفصيل ذلك.
جواب: الموالاة هذه في الوضوء، الموالاة واجبة في الوضوء، أما في الترتيب والموالاة هذا في الوضوء لدلالة الدليل عليه، أما الغسل فلا يجب فيه ترتيب ولا يجب فيه موالاة.
ومعنى الموالاة، ألا يؤخر غسل عضوٍ حتى ينشف الذي قبله، بل يوالي بين هذا وهذا , والغسل إذ لم تجب فيه الموالاة ولم يجب فيه التتابع فله أن يفرقه، فإذا مثلما ذكر السائل إذا كان عليه مشقة أن يغتسل مثلاً في الفجر أن يغسل رأسه إما لبرد أو لعارض , أو لما يختار هو فله أن يغسل رأسه قبل أن ينام , وإذا قام غسل بقية البدن واستدفأ، وهذا نص عليه أهل العلم وموجود في كتبهم كما هو معروف , المقصود أن الأصل أن الله جل وعلا، أو أن الأدلة دلت على أن الموالاة واجبة، وأنه لا يجوز تأخير غسل عضوٍ حتى ينشف الذي قبله، بل يجب عليه أن يوالي بين الأعضاء في الوضوء، أما الغسل فهو باقٍ على الأصل وهو أنه يجوز فيه التفريق ولا تجب فيه الموالاة.

سؤال: في قوله تعالى: ] فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [ هل إذا غلب على الظن عدم الانتفاع يجوز السكوت عن المنكر؟
جواب: هذه المسألة اختلف فيها العلماء، قد ذكرت لكم الخلاف في أظن في شرح الواسطية أو في بعض المواضع , والآية استدل بها جماعة من العلماء , منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية شيخ الإسلام , ومنهم ابن عبد السلام وفي القواعد وجماعة , وذكر هذا أيضًا ابن رجب عن بعض أهل العلم في شرحه على الأربعين.
والآية فيها دليل على أن الذكرى مأمور بها إذا كانت ستنفع؛ لأن الله قال: ] فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [، أمر بالتذكير إذا كانت الذكرى ستنفع هل يدخل هنا في النهي عن المنكر أم أن هذا في التذكير بما ينفع الناس؟ ظاهر كلمة الذكرى أنها تشمل الأمر بالمعروف وتشمل النهي عن المنكر؛ لأن التذكير يشمل هذا وهذا في القرآن والسنة.
لهذا قال طائفة من العلماء ممن سمينا ومن غيرهم: إنه يجوز , أو للمرء أن يترك الإنكار إذا غلب على الظن عدم الانتفاع، كذلك يجوز له ألا يُذكِّر إذا غلب على الظن عدم الانتفاع، وأما إذا غلب على الظن الانتفاع بالإنكار، أو الانتفاع بالذكرى فهنا يجب عليه أن ينكر ويجب عليه أن يأمر بالمعروف بحسب الحال. هذه مسألة.
والجمهور أو هذا قول، الجمهور على خلاف ذلك، وهو أن الأحاديث دلت على أن المنكر إذا رؤي وجب تغيره, لهذا قالوا: سواء غلب على الظن أو لم يغلب على الظن فلا بد منه؛ حفاظًا على ما أوجب الله جل وعلا , ولهذا قال I لما ذكر حال أهل القرية: ] وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [، فدل هذا على أن المعذرة مطلوبة وألا يسكت عن المنكر , لكن هذا لا يدل على الوجوب.
وحال الصحابة في كثير من أحوالهم، وخاصة لما دخلوا على الولاة , ولاة بني أمية، والأمراء فيما سكتوا عنه وفيما لم ينكروه، قال ابن عبد السلام ويلمح إليه كلام ابن تيمية أيضًا: إنهم أخذوا بأنه غلب على ظنهم أنهم لا ينتفعون بذلك، لعلم المخاطب، لعلم الواقع في المنكر لعلمه، ولأجل أنه يعلم أنه لو أنكر عليه فإنه لن يستجيب.

المقصود من ذلك أن العلماء لهم في هذا ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجب الإنكار مطلقًا كما أمر النبي r.
القول الثاني: إنه يجب مع غلبة الظن , وإذا لم يغلب على الظن فإنه يجوز له أن ينكر.
والقول [الثاني]*: وهو المتوسط بينهما أنه لا يجب، ولكن يستحب إذا غلب على الظن عدم الانتفاع، وهذا معناه أن الإنسان لا يُؤَّثم نفسه فيما غلب على الظن عدم الانتفاع.
وهذا يحصل الذي يغلب في المسائل التي يغلب فيها الظن عدم الانتفاع مثل المنكرات المنتشرة، مثل مثلاً حلق اللحى، ومثل الإسبال، ومثل كشف المرأة لوجهها، ونحو ذلك، ومثل رؤية الصور في المجلات , صورة النساء المحرمة في المجلات ونحو ذلك , , مثل هذه يغلب على الظن من الناس عدم الانتفاع مطلقًا، أو عدم الانتفاع في وقتها، يعني بحسب الحال، لكن إذا غلب على الظن والله أنه إذا قال إذا وعظه أمره ونهاه أنه ينتهي ولو في الوقت نفسه فهذا يتعين عليه، يعني دخلت المسألة مثل غيرها مع القدرة، لكن إذا كان يظن أنه إذا قال له: لا تحلق لحيتك، أو هذا حرام , أنه لن ينتفع فهو لا يُوجب عليه حينئذ ويسلم من الإثم، المقصود السلامة من الإثم في مثل هذه الحال , والله المستعان، كلٌ في هذا الباب مقصر، نسأل الله أن يعفو عنا وعنكم. نكتفي بهذا , (إيش) هذا؟

سؤال: هذا يسأل عن نشرة فيها اسم لبعض الشركات، يقول: هل في هذا ما ينكر؟
جواب: يعني هو أعرف بما كتب، لكن هذا فيه تكلف، يعني الإنكار في مثل هذا فيه تكلف؛ لأن الكلمة لا تقرأ على النحو الذي ذكر , نعم.

القارئ: الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم، ونؤمن بأشراط الساعة.

الشيخ: ذكرنا أربع مسائل، كذا؟ مشكلة التفريق [كلام ليس له فائدة علمية].
المسألة الخامسة:
كرامات الأولياء ترجع إلى نوعين: ترجع إلى القدرة، وترجع إلى التأثير , والقدرة والتأثير قد يكونان في الأمور الكونية، وقد يكونان في الأمور الشرعية.
مثال القدرة في الأمور الكونية: أن يقدره الله جل وعلا على ما لم يُقدر عليه غيره من الناس، بأن يسمع ما لم يسمعوا، أو أن يَقِدر من حيث المشي أو القدرة البدنية على ما لم يقدروا، أو أنه يغلب بما لم يقدرُ عليه الواحد في العادة، يعني أنه راجع إلى قدرة، يعني الكونيات إلى قدرٍ في السماع في الآلات، في السمع أو في البصر أو في القوى [والأركان]*.
وهذا له مثال أو له أمثلة؛ فمن القدرة في السمعيات سماع سارية كلام عمر t وهو في المدينة حيث كان يخطب, فقال: يا سارية الجبل الجبل. يعني الزم الجبل، وسارية كان في بلاد فارس وسمع الكلام، وهذا لا شك قدرة في السماع خارقة للعادة أوتيها، وكذلك هي من جهة عمر t قدرة في الإبصار؛ حيث إنه أبصر ما لم يبصره غيره، فقال: يا سارية الجبل الجبل. فنظر إلى سارية ونظر إلى الجبل ونظر إلى العدو , وكأن الجميع أمامه، فلهذا قال: الزم الجبل. هذه قدرة في الآلات في السمع وفي البصر.
كذلك قد تكون القدرة في القوى، يعني هذه في الكونيات، قد تكون القدرة في القوى بأن يغلب ما لا يغلبه مثله، وبأن يمشي مثلاً على الماء مثلما حصل لسعدٍ ومن معه، سعد بن أبي وقاص، ومثل أن ينوم نومة طويلة كأصحاب الكهف لا يتغير فيها البدن ولا يتأثر فيها، أكثر من ثلاثمائة وتسع سنين، وهكذا.
ومثل إحياء الفرس , يعطى قوة فيمسح على الفرس أو يأمره بأن يحيى فيحيى له فرسه. ومثل أن يدخل في النار فلا تؤثر فيه، أو فلا تأكله النار.
المقصود هذه القدرة راجعة إلى قدر في الكونيات يكرم الله جلَّ وعلا بها العبد بحيث تكون فيما يحصل له في ملكوت الله جل وعلا.
النوع الثاني: من القدرة، قدرة في الشرعيات، ونقصد بالشرعيات يعني المسائل الدينية، فيكون عنده قدرة بأن يستقبل من العلم والدين ما لا يستقبله غيره، إما من جهة الحفظ، حفظ الشريعة، أو الفهم الذي يؤتيه الله جل وعلا من خصه من أوليائه، أو ما شابه ذلك، فعنده قدرة [في فهم الشرعيات , وفي فهم مراد الله , وفي الحفظ] * وفيما أعطي بمزيد عن عادة أمثاله، وهذا يكون بالإكرام , إذا خرج عن مقتضى العادة، صار خارقًا للعادة في حال بعض الناس.

أما القسم الثاني فهو في التأثير، التأثير قد يكون أيضًا في الكونيات، وقد يكون التأثير في الشرعيات، يعني تأثير يرجع إلى تأثير في الكون بأن يؤثر في المكان الذي هو فيه , أو في أبصار الناس بألا يروه مثلما حصل مثلاً للحسن البصري رحمه الله تعالى؛ حيث دخل عليه بعض الشُّرَط لطلبه فلم يروه، دخلوا وداروا في المكان وهو جالس في وسط الدار فلم يروه، وأشباه ذلك مما فيه تأثير في قدر الآخرين.
الأول قدرة في نفسه، والتأثير يكون في قُدَر الآخرين، التأثير في خصائص الأشياء، التأثير في خاصية الهواء , في خاصية الماء، ونحو ذلك، فهذا قد يؤتيه الله جل وعلا بعض أوليائه لحاجتهم إليه كما ذكرنا.
وفيه قدرة تأثير في الشرعيات، يعني أن يؤثر فيما هو مطلوب شرعًا، إذا عَلَّم فإنه يقع تعليمه موقع النفع أكثر من غيره، يعني بشيء لا يستطاع عادة، يكون فيه أمر زائد عن العادة , له قبول , والكلام يقع موقعه أكثر مما اعتاده الناس في أمثال أهل العلم.
كذلك التأثير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أمر ونهى فإنه يؤثر التأثير البالغ بحيث لا يُعَارض، ومثل أن يؤثر في الناس في هدايتهم إذا وعظ إذا قال لفلان من الناس افعل كذا أطاعه، إذا وعظ رق قلب الواعظ، إذا أمر بالتوبة أُطِيع، ونحو ذلك مما هو خارج العادة؛ لأن الناس من عادتهم أن يُطيعوا ولا يُطيعوا.
هذا التقسيم ذكره شارح الطحاوية في هذا الموقع، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة قسمه في الواسطية كما تعلمون إلى أن الخوارق التي تجري على يدي الولي وتسمى كرامة، تارة تكون في العلوم والمكاشفات، وتارة تكون في القدرة والتأثيرات، فجعل القدرة والتأثير بابًا واحدًا وجعل العلم والمكاشفة، جعله بابًا آخر , وهذا تقسيم أيضًا ظاهر، وهي تقاسيم باعتبارات مختلفة.

المسألة السادسة:
ذكرنا لكم أن الخوارق ثلاثة أقسام:
ـ خارق للعادة جرى على يدي نبي ورسول , وهذا يسمى آية وبرهان ومعجزة.
ـ وخارق للعادة جرى على يدي ولي وهذا يسمى كرامة.
ـ وخارق للعادة جرى على يدي شيطان أو عاص أو مبتدع أو من ليس مطيعًا لله ومتقيًا له، فهذا يسمى حالاً شيطانيًا.
فالفرق بينها؛ بين هذه الثلاثة أشياء واضح:
أولاً: أن الأمر الخارق للعادة بحسب من يضاف إليه، فإذا أضيف إلى النبي صار اسمه آية وبرهانًا ومعجزًا، وإذا أضيف إلى الولي فإنه يسمى كرامة، وإذا أضيف إلى أصحاب الكهانة والسحر والشعوذة فيسمى حالاً شيطانيًا.
الثاني: أن خرق العادة الذي يجري للولي لا يكون مصحوبًا بدعوى النبوة، فقد يجري للولي أحوالاً.. يجري أحوال عظيمة للأولياء، لكنها مع عدم دعوى النبوة، فإذا ادعى مع تلك الأحوال النبوة صار شيطانًا، وصار ما يساعد به إنما هو من جهة الشياطين والسحرة وأشباه ذلك.
الثالث: أن ما تخرق به العادة للنبي أوسع بكثير وأعظم مما تخرق به العادة للولي، فخرق العادة للولي محدود بالنسبة لخرق العادة للنبي، وخرق العادة للسحرة والكهنة والشياطين وأهل الشعوذة وأهل العصيان الذين يدعون الأحوال هذه ليست خرقًا للعادة في الحقيقة، ولكنها قدرة مما أعطى الله الشيطان أن يوهم به الناس، وأن يضل الناس به من جهة التخييل تارة , ومن جهة تصوره وتشكله في صور وأشكال تارة أخرى.
أما الأول وهو خرق العادة بالنسبة للأنبياء، فالأنبياء يخرق الله جل وعلا لهم العادة، أي عادة الجن والإنس في زمانهم؛ حتى يكون ما يعطوه آية وبرهانًا؛ لأن الساحر والكاهن قد يعارض النبي بما أعطي من خارقٍ للعادة , بما يمكن للشياطين أن تمد به هذا الساحر والكاهن... إلى آخره، لكن جعل الله جل وعلا الخارق للعادة بما لا يمكن للإنس ولا للجن لو اجتمعت أن يعطوا ذلك، كما قال جل وعلا: ] قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [.
فالقرآن آية وبرهان , وهكذا آية موسى u، الآيات التي أوتيها موسى لا تستطيعها السحرة ولا الكهنة، وكذلك ما أعطى الله جل وعلا عيسى من الآيات، وكذلك كل نبي ورسول لا يستطيعه أهل زمانه من الإنس والجن لو اجتمعوا، فإنهم لا يستطيعون ذلك , ولهذا صار مثلاً حمل الشيء الكبير العظيم من بلدٍ إلى بلد لا يدخل ضمن معجزات الأنبياء، كما حصل في قصة سليمان u: ] قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ [، هذا حمل لمدة، مدة أن يقوم بالمقام، ] قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [، فصار جلب هذا الشيء من مكان إلى مكان، من اليمن إلى أرض سليمان u في فلسطين، صار جلبه ليس من آيات الأنبياء ولا من براهين الأنبياء , فصار في حق الذي أوتي علمًا من الكتاب كرامة.
عليه السلام:] قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ [.
هذا حمل لمدة، مدة أن يقوم بالمقام:] قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [.
فصار جلب هذا الشيء من مكان إلى مكان من اليمن إلى أرض سليمان (u) في فلسطين، صار جلبه ليس من آيات الأنبياء , ولا من براهين الأنبياء. فصار في حق الذي أوتي علمًا من الكتاب كرامة.
وما قالت به الجن هذا مما يقدرون عليه , فخرق الجن للعادة بما لا يستطيع البشر قصارى ما عندهم , أن يأتوا به قبل أن يقوم من هذا المقام، يعني: ذلك الجني الذي قال تلك الكلمة، وهذا الذي أكرم، أكرم بأن يدعو فيؤتى بالعرش إلى سليمان (u وهذا من جهة: هو كرامة لمن أعطي , ومن جهة أخرى هو أيضًا آية لسليمان (u) بالنظر إلى تسخير هذا الإنس والجن له , مما لا يسخر معه الإنس والجن والطير لغير نبي من الأنبياء.

المقصود من ذلك: أن خارق النبي آية وبرهان؛ لأنه يخرق عادة الجن والإنس في ذلك الزمان , أما خارق الولي فهو محدود بالنسبة إلى خارق النبي؛ لأنه تخرق له العادة التي لا يستطيعها الإنس ولا بعض الجن؛ لأن اجتماع الإنس والجن هذا خاص, يعني لو أرادوا أن يحدث شيء , هذا لا يمكن؛ لأن معجزة النبي أكبر وأعظم، وأما الولي فإنه بحسب من هو فيهم؛ لأنها كرامة , وليست آية ولا برهانًا على رسالةٍ ولا نبوة , بل هو خاص بما يكرم به هو.

أما الثالث: وهو خوارق الشياطين والسحرة بما يولون به أولياء الشياطين من الإنس، فهذه محدودة , قد تكون تخييلاً، يعني تصوير للعين، وقد تكون تشكلاً، لكن تشكل من الجني في صورة إنسي، أو في صور حيوان، أو ما أشبه ذلك. لهذا قد يظهر الجني في صورة إنسان، في صورة العبد الصالح , ويكون في مكان آخر، مثلما قال ابن تيمية –رحمه الله- إنه يقول في موضع: كان وقع بأصحابي شدة. قال: فرأوا صورتي عندهم , فاستغاثوا بي , ثم أخبروني , فأعلمتهم أني لم أبرح مكاني، يعني: في دمشق , هم كانوا خارج دمشق، وإنما هذا جني تصوّر بصورتي حتى تستغيثوا بي.

وهذا مما أقدر الله عليه الجن، لكن لا يقلبون الحال، لكن يتشكلون في صورة , ينظر إليها الإنسي , أن هذا هو صورة فلان من قبيل التشكل، لكن ليس ثم مادة وقلب حقيقة، لكن قد يدخلون في جسد حيوان، قد يدخلون في جسد إنسان، هذه مسألة التلبس مسألة أخرى، لكن من حيث التشكيل والتصوير هذا من جهة التخييل , أو من جهة إظهار الشيء بدون حقيقة مادية؛ لأنهم هم ليس لهم مادة، يعني: مثل مادة الإنسان , لهذا صار [ما يعطاه][1] صاحب الخوارق الشيطانية هذا ليس بكرامة، وإنما هو من جهة الشيطان، ولا يعطيه الله –جلا وعلا- على ذنبه ومعصيته واستعانته بالشياطين، فيستعين بالشياطين على ذلك.

الفرق الرابع بين هذه الثلاث: أن كرامة الولي لا تبلغ جنس آية النبي، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، يعني: أهل الحديث؛ لأنها لا تبلغ جنسها , وإن شركتها , يعني: اشتركت معها في الصورة , فلا تبلغ جنسها، يعني: قد يكون يدخل النار فلا يحترق، وإبراهيم (u)دخل نارًا النار , فلم تضره , أو صارت بردًا وسلامًا عليه، لكن لا يشتركان في الجنس , وإن اشتركوا في النوع، يعني: إن اشتركوا في، لكن أن هذه قدرها ليس كقدر هذا، وصفة النار هذه ليست كصفة النار هذه، وصفة ما يحصل للولي ليس كصفة ما يعطاه النبي.

وأما الأشاعرة وطائفة فإنهم قالوا: تتساوى الكرامة بآية وبرهان النبي والمعجزة من حيث الجنس، لكن الفرق بينهما أن النبي يقول: أنا نبي.
وأما الولي فيقول: أنا تابع للنبي. والأول –مثلما ذكرت لك- هو المتعين؛ لأن الله –جلا وعلا- فرق بين ما يعطيه النبي من خرق العادة , وما يعطيه غيره , فقد قال فيما [يعطيه][2] للنبي:] قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [. وأما ما يعطيه الإنسي فإنه قد يكون محدودًا، مثلاً أصحاب الكهف ناموا تلك النومة , فلم يتأثروا ثلاثمائة وتسع سنين، فيمن يعيش أكثر من ذلك وقد يكون، وهذا أقل مما يحصل للأنبياء في جنس ما يعطون.

المسألة السابعة:
أنكرت المعتزلة وجماعات كرامات الأولياء , وقالوا: إن إثبات كرامات الأولياء يعود على معجزات الأنبياء بالإبطال؛ لأن الجميع خرق للعادة، وما عاد على معجزات الأنبياء بالإبطال فهو باطل , والجواب عن ذلك أن الله –جلا وعلا- أثبت هذه الأنواع الثلاث،أثبت الآيات والبراهين التي يؤتيها للأنبياء، وأثبت (Y) كرامات الأولياء، وأثبت –جلا وعلا- مخاريق السحرة، وتخييلات السحرة.
فكل هذه في القرآن وفي السنة، وكلها تشترك في أنها أمور خارقة للعادة، فعدم الإيمان هو رد للقرآن فيما دل عليه، وقد لا تكون الدلالة عندهم قطعية , ولذلك لا تدخل المسألة في الكفر، لكن ظاهر أن القرآن فيه هذا وهذا، فمثلاً مريم –عليها السلام- أم عيسى أعطيت أشياء , وليست بنبية؛ لأنه ليس في النساء نبية , كما هو معلوم، وأيضًا امرأة عمران:] كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنًّ اللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [.
وكذلك قصة أصحاب الكهف، هؤلاء جميعًا ليسوا بأنبياء، المقصود من ذلك أن جنس الكرامة هذا ثابت في القرآن وفي السنة , وقصه الله –جلا وعلا- فنفي الكرامة لأنها خارق للعادة هذا رد لما أثبته الله جلا وعلا، الله –جلا وعلا- فرق بين هذا وهذا، وأما أنها تشتبه مع خارق الأنبياء فهذا ليس بصحيح , كما ذكرنا لك من الفروق السابقة،بأن ثم فرق؛بأنه ثمة فروق ما بين كرامات الأولياء وما بين معجزات الأنبياء.
وطرد المعتزلة هذا الباب، فقالوا: كل الخوارق الشيطانية, وكل الخوارق التي تجري للعقل والسحر، والأشياء هذه, كل هذه مما يدخل في باب خرق العادة , لا نؤمن به ويرد , وكله جريًا منهم على هذا الأصل , وهو أنه يعود على آيات الأنبياء , بالإبطال.

المسألة الثامنة:
مما يشتبه بالكرامة الإعانة الخاصة من الله -جلا وعلا- لبعض عباده، فقد يعين الله -جلا وعلا- بعض العباد بأشياء , يفرج بها عنهم الهم والكرب والضيق، لكن لا تدخل في باب الكرامة؛ لأنها ليست أمورًا خارقة للعادة، فثم فرق بين نعم الله ,المتجددة مما ينجي الله مثلاً به عبده من حادث، أو من مرض أو نحو ذلك، ولا يكون هذا الإنجاء من الخوارق للعادة. فلذلك يفرق ما بين جنس النعم التي يعطيها الله –جلا [وعلا- خاصة العبادة][3]، وما بين الكرامات، فليس كل ما ينعم الله –جلا وعلا- به على العبد من الأمور العظيمة كرامة، بل الكرامة ضابطها أنها أمر خارق للعادة , جرى على يدي ولي.

ولهذا أصحاب الطرق والذين يريدون صرف وجوه الناس إليهم قد يعظمون ذكر بعض الإنعام , حتى يجعلوه كرامةً، فيغرون الناس بأنهم أولياء , وأنهم أكرموا بكذا وكذا.. إلى آخره، والله –جلا وعلا- ينعم على عباده بأنواع النعم الدينية والشرعية الكونية، وهذه الأنواع من الإنعام , هذه ليست دائمًا مما تخرق به العادة , لهذا نقول: الكرامة مما تخرق به العادة.

المسألة التاسعة:
الكرامة إذا أعطاها الله -جلا وعلا- الولي فإنه ليس معنى ذلك أنه مفضل وأعلى منزلة على من لم يعط الكرامة، فالكرامة إكرام وإنعام من الله -جلا وعلا- للعبد؛ لأجل حاجته إليها , وقد تكون حاجته إليها دينية , وقد تكون حاجته إليها كونية دنيوية , لهذا قلّت الكرامات عند الصحابة، فالمدون من الكرامات بالأسانيد الثابتة عن الصحابة أقل بكثير مما يروى عن التابعين، وهكذا فيمن بعدهم؛ لأن المرء إذا قوي إيمانه قوي يقينه , فإنه قد يترك للابتلاء لا للتفريج، كما قال النبي عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح الذي في الصحيحين: ((يبتلى الرجل على قدر دينه، أشد الناس بلاءً الأنبياء , ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه)).

وهذا يدل على أن الله –جلا وعلا- قد يختار للولي الصالح وللعبد الصالح الذي تعظم منزلته في ولاية الله –جلا وعلا- وإكرامه ومحبته له، في أن يتركه للابتلاء , وأن يتركه لغير هذه الأمور الخارقة للعادة، فتكون إذن هذه الخوارق للعادة وهذه الكرمات لحاجته إليها، ولأنه قد يصيبه ضعف في الإيمان لو لم يعطه؛ لأن بعض الناس قد يكون عند عبادات عظيمة , وقيام ,وصلاة , وصيام , ثم إذا أصابته شدة ولم يفرج عنه؛ فإنه قد يعود على قلبه بالضعف في إيمانه، فيكرمه الله –جلا وعلا- لأجل ضعفه , لا لأجل كماله.

ولهذا فإن باب الكرامة ليس معناه تفضيل من جرت له، فقد يكون مفضلاً , وقد لا يكون، فليست بمجردها، ليست الكرامة بمجردها دليلاً عند السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، بل الإيمان بالكرامات –كرامات الأولياء- لأجل وجودها، وأن الله –جلا وعلا- يكرم بها عباده , وأن الأدلة دلت على ذلك , وليست لأجل تفضيل من حصلت له الكرامة، فقد يكون أقل درجة بكثير ممن لم تحصل له الكرامة.

إذا كان كذلك فإنه حينئذ من دوّنت عنه الكرامات لا يلزم أن يكون أعلم , ولا أفضل , ولا أن يُقتدى به , ولا أن تؤخذ أقواله، لأجل أنه حصلت منه الكرامة، بل لم يزل الصالحون إذا صلت لهم مثل هذه الأنواع من الكرامات، لم يزالوا يكتمونها , ولا يشيعونها؛ لأنها قد تكون في حقهم من الفتنة , وهم لعلمهم بالله –جلا وعلا- وما يستحقه -Y- من الطاعة والإنابة والإقبال عليه، ألا يفتنوا الناس بذلك، وهذا من أسباب أن المنقول عن الصحابة من الكرامات قليل جدًا، وعند التابعين أكثر، ثم هكذا كلما ضعف الناس , كلما أحبوا , إذا حصل لهم أي شيء أن ينشروه , وألا يكتموه , لهذا نقول: الواجب على الناس أن لا يعتقدوا فيمن حصل له إكرام أو كرامة، أن لا يعتقدوا فيه، بل يقولون: هذا دليل على إيمانه وتقواه , إذا كان متحققًا بالإيمان والتقوى , وهذا دليل على محبة الله –جلا وعلا- له , وهو يسأل لنفسه الثبات ويحرص على ذلك.
وهم أيضًا لا يأمنون عليه الفتنة، وإذا مات على هذه الحال أيضًا من الصلاح والطاعة؛ فإنه يرجى له الخير , ولا تتعلق القلوب به , أو يستغاث به , أو يؤتى لقبره , ويستنجد به ,أو يطلب منه تفريج الكربات , أو يراءى وهو في غيبته في حال الحياة ونحو ذلك، كما يفعله ضلال أصحاب الطرق الصوفية , ومن يعتقدون فيه , ممن ينتسبون للأولياء، وربما لم يكونوا منهم.
لهذا فالواجب على المؤمن ألا يتحدث بهذه، إلا إذا رأى ثم حاجة دينية لذلك، أما إذا كانت لأجل إظهار منزلته أو لإظهار إكرام الله –جلا وعلا- له ونحو ذلك، فهذا الأفضل كتمانها , سيما إذا كان مع إظهارها والتحدث بها فتنة , قد تصيب البعض، وإذا كان في مثل هذه الأزمنة التي يظهر فيها الجهل، ويتعلق الناس بمن ظهر عليهم الصلاح، لأجل الاعتقاد فيهم؛ فإنه يجب على المؤمن أن يصد وسائل الشر , وأن يسد ذرائع الشرك والغلو , التي منها ذكر الكرامات وتداول ذلك.

المسألة العاشرة:
مما يتصل بالكرامة من المبحث مبحث الفراسة؛ لأن الفِرَاسة الإيمانية بها يعلم صاحب الفراسة ما في نفس الآخرين، والفراسة لفظ جاء في السنة: ((اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله)). والحديث حسنه جماعة من أهل العلم , وهو في الترمذي وفي غيره.
هذه الفراسة عرفت بأنها شيء من العلم , يلقى في روع المؤمن، به يعلم حال من أمامه , إما حاله الإيماني، وإما حاله في الصدق والكذب، وإما بمعرفة ما في نفسه , ويجول في خاطره , ولهذا عرفت الفراسة بأنها نور –يعني: أيضًا- بأنها نور يقذفه الله في قلب بعض عباده , بها يعلم مخبئات ما في صدور بعض الناس , والعلماء قسموا الفراسة إلى أقسام،أشهرها ثلاثة:
الأول:
الفراسة الإيمانية وهي التي قد يدخلها بعضهم في باب الكرامة وليست منها.

والقسم الثاني:
فراسة رياضية، يعني: تحصل بالترويض , وبالتعود وبالتخفيف ما في النفس من العلائق، وهي التي يحصل فيها دربة عند بعض أصحاب الطرق.

والثالث:
فراسة خَلْقية، وهذه ليست راجعة إلى استبطان ما في النفوس، ولكن باعتبار الظاهر، ينظر إلى الخلق , فيستدل بشكل الوجه على الخُلُق، يستدل بشكل العينين على مزاج صاحبها، يستدل بشكل البدن , أو شكل اليد , أو تقاطيع الوجه على حاله من جهة الأخلاق , وهذه اعتنى بها كثير من الناس، وصنف فيها مصنفات عند جميع الأمم من الأمم السابقة بأمة الإسلام، وفي أمة الإسلام أيضًا؛ لأنها فراسة خلقية.
ويقولون: إنه ثم ترابط ما بين الخَلْق والخُلق , ومن الأئمة الذين اعتنوا بهذا الباب وتعلموه الشافعي –رحمه الله- , وصنف طائفة من أصحاب الشافعي في الفراسة، مصنفات الفراسة الخلقية , المقصود من ذلك أن الفراسة –وهي النوع الأول الفراسة الإيمانية , ليست من الكرامة؛ لأنها أقرب ما تكون إلى الإلهام، والإلهام قد يكون خارقًا للعادة , وقد لا يكون، فجنس الفراسة الإيمانية ليست من جنس الكرامات، وقد يكون من أنواع الفراسة ما يكون فيه خرق للعادة، فيكون كالعلوم والمكاشفات التي يجريها الله –جلا وعلا- على يدي أوليائه.

الحادي عشر:
كرامات الأولياء , ما أدري ذكرتها أو لا , لكن على كل حال نؤكد عليها إن كانت ذكرت , كرامات الأولياء قد تجري للمجوع , لا للأفراد، وهذا في حال الجهاد، سواءٌ أكان جهادًا علميًا، أم كان جهادًا بدنيًا، يعني: بالسنان , فقد يكرم الله -جلا وعلا- الأمة المجاهدة، جماعة المجاهدين من أهل العلم –يعني: من الجهاد باللسان- بقوة في التأثيرات الشرعية وبالنصر على من عاداهم بالملكة والحجة , وبما يعلمون به مواقع الحجج , وما في نفوسهم بما يكون أقوى من قدرهم في العادة.

قد يكرمهم الله -جلا وعلا- بذلك، وإن لم يكونوا من الملتزمين بالسنة، قد يكون كما ذكر بعض أهل البدع يعطى قوة، وينتصر على عدوه من النصارى مثلاً، أو من اليهود، أو من الملاحدة في أبواب المناظرات , ويكشف له من مخبئات صدر الآخر , ما لا يكون لأفراد الناس، ويكشف له من الحجة والقوة في التأثير على الناس ما يدخل في باب التأثير في الكونيات والشرعيات، كما ذكرت لك سابقًا.

وكذلك في أبواب الجهاد بالسيف، جهاد الأعداء، فقد يؤتى طائفة من المسلمين من أهل البدع والذنوب والمعاصي، قد يعطون بعض الكرامات؛ إذا جاهدوا الأعداء، وهذا ينظر فيه إلى المجموع لا إلى الفرد، والمجموع أراد نصرة القرآن والسنة ودين الله -جلا وعلا- ضد من هو كافر بالله (Y)، وضد من هو معارض لرسالة الرسل، أو من يريد إذلال الإسلام وأهل الإسلام، فيعطى هؤلاء بعض الكرامات , وهي لا تدل على أنهم صالحون , وعلى أن معتقد الأفراد أنه معتقد صالح صحيح، بل تدل على أن ما معهم من أصل الدين والاستجابة لله والرسول في الجملة أنهم أحق بنصر الله وبإكرامه في هذا الموطن؛ لأنهم يجاهدون أعداء الله –جلا وعلا- , وأعداء رسوله (r).

ولهذا لا يغتر بما يذكر عن بعض المجاهدين , أنهم حصلت لهم كرامات وكرامات وكرامات، وهذه الناس فيها لهم أنحاء، منهم من يكذب , ويقول: هؤلاء عندهم وعندهم من البدع والخرافات و.. إلى آخره، وبالتالي الكرامة لا تكون لهم , فينفي وجود هذه الكرامات، ومن الناس من يصدق بها , ويجعل هذا التصديق دليلاً على أنهم صالحون، وأنه لا أثر للبدعة, وأن الناس يتشددون في مسائل السنة والبدعة.

وأما أهل العلم المتبعون للسلف كما قرر ذلك ابن تيمية بتفصيل في كتابه "النبوات"، فإنهم يعلمون أن المجاهد قد يعطى كرامة , ولو كان مبتدعًا، لا لذاته , ولكن لما جاهد له، وهو جاهد لرفع راية الله –جلا وعلا- ضد ملاحدة، وضد كفرة،وضد نصارى،وضد يهود،وضد وثنيين، وهذا يستحق الإكرام؛ لأنه بذل نفسه في سبيل الله –جلا وعلا-، والبدع ذنوب , والجهاد طاعة من أعظم الأعمال قربة , ومعلوم أن الحسنات تذهب ما يقابلها من السيئات، فقد تكون في حق البعض حسنة الجهاد أعظم من سيئة بعض البدع والذنوب، بل الجهاد سبب لتكفير الذنوب والآثام , كما قال –جلا وعلا-:
] هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [ الآية.
فمن أعظم أسباب مغفرة الذنوب الجهاد، ومن أعظم أسباب تحقيق ولاية الله –جلا وعلا- ومحبته أن يجاهد العبد، لكن هذا يكون في موازنة الحسنات والسيئات، والله –جلا وعلا- أعلم بنتيجة هذه الموازنة.

المقصود من ذلك أن أهل السنة والجماعة يقررون أن الكرامة هي للولي الصالح، كما قال –تعالى-: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [.
وقد يعطي الله –جلا وعلا- الكرامة لجمع من المسلمين , أو لفردٍ في جمع في المسلمين، لأجل ما ذكرت لك من الحال , إذا كان على غير التقوى والإيمان ومتابعة السنة أو الأخذ ببعض البدع.
ولهذا لا يغتر مغتر بما يحدث من ذلك , ويزن الأمور بموازينها، فمن نفى مطلقًا فهو متجن؛ لأنه لا علم له بذلك، ومن قبل مطلقًا , وجعلها دليلاً على صلاح وطاعة , وأنه لا أثر للعقائد , ولا أثر للسنة في مثل هذه المسائل، هذا أيضًا تجنى على الشرع، وتجنى على نفسه، والعلم يقضي بما ذكرته لك في ذلك.

المسألة الأخيرة:
وهي الثانية عشر الواجب على المؤمنين أن يسعوا في الإيمان

(الوجه الثاني)

المسألة الأخيرة:
وهي الثانية عشر الواجب على المؤمنين أن يسعوا في الإيمان وفي شعبه امتثالاً للأوامر , واجتنابًا للنواهي , طلبًا لمرضاة الله -جلا وعلا-، وأن يبذلوا أنفسهم في الجهاد بأنواعه، الجهاد في العلم، والجهاد في العلم، والدعوة أو الجهاد بالسيف والسنان إذا جاء وقته، أو إذا حضره المؤمن , أن يسعوا فيه طلبًا لرضا ربهم -جلا وعلا-، وألا يلتفت العبد مهما بذل، ألا يلتفت إلى حصول الكرامة , أو عدم حصول الكرامة، فمن الناس من تعلقت قلوبهم بالكرامات، بل بما هو دونها من الرؤى , وربما الأحلام , ومن القصص والحكايات والأخبار، وأثر ذلك على إيمانهم سلبًا أو إيجابًا، ضعفًا أم زيادة.

وهذه الأمور نؤمن بها، يعني: مسائل الكرامات، نؤمن بها؛ لأنها جاءت في النصوص، لكن العبد لا يتطلبها لا يبحث عنها، كما ذكرت لكم ربما كان الأكمل في حقه ألا تحصل له الكرامة، وربما كان الأكمل في حقه أن يبتلى، وربما كان الأكمل في حقه أن يذل , ولا يعرف ما يقضي الله –جلا وعلا- به في هذه المسائل , ومن نظر في سيره , من نعتقد فيهم أنهم من أفضل أهل زمانهم إيمانًا , وتقوى , ومتابعة للسنة , وأمر بالمعروف , ونهي عن المنكر , ومجاهدة لأعداء الله، حصل لهم من الابتلاء والفتنة ما حصل، كما حصل لإمام أهل السنة والجماعة شيخ الإسلام إمام أهل والسنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل، وكل ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.

فالجميع حصل لهم من البلاء والسجن والفتنة والصد والإيذاء ما حصل لهم , ومع ذلك هم أكمل ممن هم دونهم , ممن حصل لبعض من الكرامات , فيما نقل بأسانيد ثابتة، بل ابن القيم –رحمه الله- طيف به في دمشق -وهو العالم الإمام- على حمارٍ ظهره إلى السماء , ووجهه إلى الأرض تنكيلاً به، ومع ذلك ما ضره لا في وقته , ولا فيما بعده ,فالتراجم طافحة بالثناء عليه؛ لأن هذه مسائل من الابتلاء التي يبتلي بها الله –جلا وعلا- بعض عباده كيف يشاء.

فالمقصود من هذا أن الميزان هو متابعة السنة، الإيمان تحقيق الإيمان , والتقوى متابعة طريقة السلف الصالح , قد يحصل معه إكرام , وقد لا يحصل معه، يحصل معه ضد ذلك من الابتلاء إيذاء , وقد يكون المبتلى أكمل ممن لم يبتل، فالعبرة بلزوم منهج السلف الصالح وطريقة السلف الصالح، فقد يبتلى من هو من أهل البدع , وقد يبتلى من هو من أهل السنة، وقد يبتلى العاصي المذنب، وقد يبتلى التقي الناصح، وهكذا...

فإذن الميزان هو كتاب الله –جلا وعلا- وسنة رسوله (r)، وملازمة طريقة السلف الصالح في ذلك. أسأل الله –جلا وعلا- أن يجعلنا من أوليائه، وأن يغفر لنا ذنوبنا , وإسرافنا في أمرنا، وأن يكفر عنا الخطايا والآثام، وأن يمنّ علينا بالسداد في الأقوال والأعمال، إنه –سبحانه- على كل شيء قدير،وهو بالعفو جدير (Y) وتقدست أسماؤه، لا إله لنا سواه , ولا رب لنا غيره، لا إله إلا الله الحليم العظيم، وصلى الله وسلم بارك على نبينا محمد.

سؤال: يقول: أشكل عند قول الطحاوي: " حب الصحابة دين وإيمان ". وذلك من جهة تسمية حب الصحابة إيمان، والحب عمل القلب , وليس هو التصديق , فيكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان؟!
جواب: هذا مشكل، وقد ذكر الشارح أنه مشكل على أصل الشيخ، وهذا ظاهر أنه مشكل، وما من أحد يخالف السنة إلا ويقع في التناقض؛ لأن الميزان الذي لا يختلف هو الكتاب والسنة، أما الرأي فيختلف ,الإنسان يرى رأيًا اليوم , وغدًا يبدو له شيء آخر، ما يلتزمه , في كل كلمة يلتزمه , إذا جاء في التعريف يلتزمه , إذا جاء في الوصف، ثم يخالفه في سنن كلامه، وهكذا.

ولهذا بعض أهل البدع حتى في مسائل الصفات إذا جاءوا يتكلمون مثلاً عن الاستواء على العرش، لو تحقق هو من نفسه لوجد أن نفسه تغلبه إلى أن الله –جلا وعلا- مستوٍ على عرشه بذاته , بائن من خلقه , حتى وهو يتكلم فعلاً، لكن إذا أراد أن يقرر المسألة ذهب إلى ما تعلمه، فثم فرق ما بين الشيء الفطري , وهو التسليم لكلام الله –جلا وعلا- وكلام رسوله , وما يأتي في باب التعليم تارة.
ولهذا نبهناكم مرارًا إلى غلط قول من يقول: إن أكثر المسلمين أشاعرة، أو أكثر المسلمين ليسوا من أهل السنة والجماعة. يعني: إنما أكثر المسلمين أشاعرة , أو أكثر المسلمين ماتريدية أو نحو ذلك , والقليل هم من يتبعون منهج السلف الصالح , هذا غلط غلط كبير، بل أكثر المسلمين في المسائل الغيبية على الطريقة المرضية، لكن ليس أكثر العلماء؛ لأن العلماء هم الذين عندهم ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة , وما يخالف الفطرة.

أو لو تسأل أي عامي في البلاد , التي هي بلاد لنصرة المذاهب المخالفة لطريقة السلف، إما للأشعرية أو الماتريدية، بحسب اختلاف البلدان، وتأخذ عامي وتسأله عن الاستواء على العرش، ما يستحضر إلا ما يدل عليه الظاهر , وما يؤمن به، إلا إذا أتى أحد من العلماء وعلمه أن هذه تأويلها كذا وكذا، فيذهب إلى كلام العالم والإمام بالظاهر في الصفات , ما يستحضر إن الرحمة الله لا يوصف بالرحمة، ما يستحضر إن الله لا يوصف بالرضا، لو تسأل عامي , الله يرضى؟ فيقول: نعميرضى , في القرآن الله يغضب؟ يقول: نعم، يغضب.
فلذلك عامة الناس حتى في مسائل الإيمان، العمل وتسأل عامة الناس، هل العمل من الإيمان؟ أكثر المسلمين يقولون لك: نعم العمل من الإيمان , كذلك مسائل القدر ما عندهم مبحث الجبر , ولا يعرفون الجبر الداخلي , لا الظاهري الذي هو الكسب عند الأشاعرة، ما يستحضر هذه مسائل مخالفة للفطرة , ومخالفة لظاهر النصوص، والناس لا يستوعبونها إلا بالدرس والتعليم.

ولهذا ميزة هدي السلف الصالح وميزة طريقة أئمة الحديث أنهم على ظاهر القرآن والحديث، وهذا هو الذي يسع الذكي والبليد والعامي وغير العامي والعالم وغير العالم، يسع الجميع؛ لأنها سهلة ميسورة، وإنما قصرنا في المسائل , وكثر الكلام؛ لأجل كثرة المخالفين , وحماية للشريعة مثل: الإعداد بالسلاح , عندنا مال كثير , نحتاج فيه إلى بناء مساجد، فنذهب نبني المساجد، لكن إذا دهمنا عدو وجهناه للعدو، أخرنا بناء المساجد؛ لئلا يقضي على ما هو موجود من الدين والمساجد.

فلهذا النفوس –نفوس المسلمين- هي على ظاهر الكتاب والسنة، ما عندهم التأويل والعقلانيات.. إلى آخره، فأكثر المسلمين على طريقة السلف في الاعتقاد، لكن.. أما العلماء فهذه هي المصيبة، وهم الذين تعلموا منذ نشأوا , دخلوا في مدارس تعلمهم الأشعرية بقوانينها، دخلوا في مدارس تعلمهم دين الخوارج، أو دين الرافضة أو.. إلى آخره، فأخذوا منها شيئًا فشيئًا بالتعليم وبالقصد.
ولهذا كما جاء في الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه , أو يمجسانه , أو ينصرانه)). المقصود من ذلك أن المعلم قد يكون أعظم من الأبوين- أعظم في التأثير- أو المربي أو الذي تخالطه , ولهذا احرص تمام الحرص على أن يسلم القلب من مخالفة الكتاب والسنة في الاعتقاد بالأعمال , والذنوب فهي على باب الغفران , كما قال ابن القيم –رحمه الله- في النونية:

فوالله ما خوِف الذنوب فإنها لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب تحكيم هذا الوحي والقرآن

تحكيم ليس معناه الدولة (اللي) تحكم فقط.. لا , أنت أيضًا تحكم الوحي والقرآن في المسائل، فتعتقد ما في القرآن , وتعتقد ما في السنة.

فالمقصود من ذلك: أن الإشكال الذي وقع فيه الطحاوي يبيّن لك أن بعض العلماء حتى من الذين ربما أصّلوا شيئًا مخالفًا للسنة , مثلما أصل في مسألة الإيمان شيئًا , بيّنا عدم صحة ذلك، هو يخالفه , نحن نقول: إشكال , لكن هو في الواقع مخالف، وهو الصحيح أن حب الصحابة إيمان , وحب الصحابة عمل القلب، وأدخله في الإيمان، حب الصحابة إيمان. خلاص واضح أن هذا العمل إيمان؟! ولهذا قال الشارح: وهذه الكلمة مشكلة على أصل الشيخ , كما ذكره السائل.

سؤال: هل تقاس الرؤية الصالحة على الكرامة؟ هل هي من الكرامة أم لا؟
جواب:الرؤية الصالحة ليست أمرا خارقا لعادةٍ , الرؤية الصالحة تحصل لآحاد الناس , ليست خارقة لعادة البشر , ولا لعادة بعض الجن , فهي رؤية يضربها الملك , فهي رؤية صالحة , وليس لها دخل في الكرامة.

سؤال: وهل هي مما قد يحتاج إليه المؤمن أو يهمه؟
جواب: لا، المؤمن لا يتعلق قلبه بالرؤى، إذا رأى رؤيا صالحة أو رؤيت له حمد الله –جلا وعلا-، ولازم الطاعة؛ حتى لا يفتن، وإذا رأى رؤيا هو لا تسره، أو فيها سوء النسبة له , فيعمل ما أوصى به النبي (r،) أنه ينفث عن يساره ثلاثًا، ويستعيذ بالله –جلا وعلا- من شرها، وينقلب على جنبه الآخر؛ فإنها لا تضره.

سؤال: امرأة عليها قضاء من رمضان الماضي , وفرطت، ثم ولدت قبل شهرين , وهي الآن لا تستطيع القضاء بسبب خوفها على ولدها الرضيع، فما الواجب عليها؟
جواب: الواجب عليها أن تصوم، أن تقضي الآن، فإذا كانت لا تستطيع لأجل خوفها؛ فإنه يجب عليها الكفارة لأجل التأخير؛ لأنها مفرطة , هي تعرف أنها حامل , وتعرف متى يتولد، فهي مفرطة في هذا الباب، وعليها الكفارة تطعم عن كل يوم مسكين.

سؤال: هل العاصي يعطى كتابه بيمينه، أم بشماله؟
جـواب: لا، العاصي يعطى كتابه بيمينه، أما الذي يعطى كتابه يوم القيامة بشماله فهو الكافر , يعطى كتابه بشماله وراء ظهره، أما المؤمن فيعطى كتابه باليمين، سواء كان من السابقين , أم من المقتصدين , أم ممن ظلم نفسه، ثم يأتي بعد ذلك الحساب والوزن، ثم تأتي المجازاة.

سؤال: الإمام إذا التفت إلى المصلين، هل يخص جهة اليمين دون جهة الشمال. أم لا؟
جواب: إذا كان المقصود في السلام، السلام هو إذا سلم في الصلاة؛ فإنه يسلم عن يمينه , ثم عن شماله، ويكون تسليمه عن الشمال أبلغ في الالتفاف , كما جاء في السنة، عن الشمال يكون أبلغ في الالتفاف،ثم إذا انفتل إليهم فالأفضل أن يقابلهم، يعني: يجعل وجهه تلقاء الناس، وإذا جعل الناس عن شماله وقابل من هو على يمين الصف , فهذا أيضًا سائغ؛ لورود الأثر به.

سؤال: تريد إحدى الأخوات طلب العلم عند أحد المشايخ، لكن ليس عندها محرم، فقيل لها: عليك بالرضاعة من إحدى زوجات الشيخ لتحرمي عليه , مع العلم أن عمرها كان اثنين وعشرين عامًا , أفتونا مأجورين؟!
جواب: إن المسائل هنا مسائل بحث، ما هي مسائل فتوى؛ لأن هذه مسائل تعليم، ما نفتي، يعني: ما تسمعه مني ليس فتوى، إنما هنا مجالس تعليم للبحث، بحث المسائل , ونعلم ما في المسائل من أقوال.. إلى آخره، لتنمية كيف يبحث طالب العلم , ما هو مجال فتوى، ليس هذا الدرس، أو الأسئلة هذه مقام فتوى، إنما هي مقام بحث وتعليم.

أما هذه المرأة التي تريد أن ترضع وهي كبيرة، فالرضاع الذي ينشر الحرمة هو ما كان في الحولين، وكان خمس رضعات مشبعات فأكثر، أما رضاع الكبير؛ فإنه لا ينشر الحرمة، فقد صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: ((إنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم)). والرضاع ما كان في الحولين خمس رضعات محرمات، كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات، ثم نسخت إلى خمس رضعات محرمات. وقد قال أيضًا عليه الصلاة و السلام كما في الصحيح: ((لا تُحرِّم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان)).

فالمقصود أن عامة أهل العلم على أن الرضاع الذي ينشر الحرمة هو ما كان في الحولين , ثم أن يكون خمس رضعات فأكثر، والرضعة أن تكون مشبعة , يأخذ ثدي المرأة التي فيها اللبن الذي ثاب عن حمل، يأخذ ويلتقمه فيمتصه حتى يشبع , ثم يتركه ثم ثانية حتى يتركه، يعني: خمس رضعات مختلفة.
أما رضاع الكبير فلا ينشر الحرمة , وما جاء في الصحيح من قصة سالم مولى أبي حذيفة؛ فإنها عند جمهور أهل العلم خاصة به، لأجل حاله , وثم رواة عن الإمام أحمد واختارها أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية، أن قصة سالم ليست خاصة به، بل هي خاصة بكل من كانت حاله مثل حال سالم، وحال سالم أنه كان نشأ في ذلك البيت , فزوجة الرجل تعتبر أمه، يعني هو يعتبرها أمه؛ لأنها ربته , ونشأ فيها , ومنذ نشأتها فحتى كبر، والبنات أيضًا عنده , هو نشأ في البيت , كأنهن أخواته، يعني: ما يحس هو بالأجنبية، ما يحس بعدم أو بأن النساء أجنبيات عنه، فقال: ((أرضعنه عليه الصلاة و السلام تحرمن عليه)).

وذلك لأجل طول الملابسة شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أيضًا على ما جاء في الدليل، أظنه أيضًا هو مذهب ابن حزم، أنه إذا كانت في مثل هذه الحال؛ فإن الرضاع الكبير ينشر الحرمة، واحد عاش في بيت من صغره إلى أن كبر، كبر ,ثم لما كبر احتيج إلى أنه يبقى في البيت، فيكون الرضاع للكبير في هذه الحالة (غير مسموع) لكن هذا ليس بالقول الراجح، القول الراجح: أنه.. أن الرضاع المحرم هو ما أنبت اللحم , وأنشز العظم، وهو ما كان في السنتين، وأما رضاع الكبير فلا يحرم مطلقًا.

سؤال: يقول: لقد رأيت في محلات بيع أمام المسجد الحرام المسجد النبوي أناساً يبيعون ما أدري أيش –عطار، سميت بجنة الفردوس وجنة النعيم، ما حكم هذه التسميات؟(غير مسموع)
ـ أحد الجالسين:(غير مسموع)
الشيخ:في عطورات كده
ـ أحد الجالسين: (غير مسموع)
جواب: على العموم سواء كانت عطورات أم لا، هذه التسميات (غير مسموع) مغالطة، فيها مغالطة , هي ليست بجنة الفردوس , وليست جنة النعيم , واستخدام هذه الأسماء الشرعية في مثل الدعايات التجارية أو في البضائع , هذا من امتهان الأسماء الشرعية , فلا يجوز.

سؤال: أنا أنظر إلى النساء في صور ومجلات وغيرها , فما كفارة ذلك؟
جـواب: النظر إلى النساء وإلى الصور المستحسنة من أعظم أسباب قسوة القلب وعدم حصول حلاوة الإيمان ولا لذة الطاعة، بل هو وسيلة وخطوة من خطوات الشيطان؛ ليضل المسلم حتى يقع في الفاحشة، وهذا مشاهد , ومن وقع في بعض الفواحش ممن ينتسب إلى الخير، يعني: وقع , وزلت به القدم , ثم تاب واستغفر , وسيلتها التساهل، التساهل في رؤيتها في المجلات، أو في رؤيتها في الأجهزة، والواجب على العبد أن يمتثل قول الله –جلا وعلا-:
] قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [. فالعبد إذا لم يغض بصره؛ فإنه يسلب حلاوة الإيمان، إذا وقع في النظرة الأولى , النظرة الأولى ليس فيها شيء , أما إذا تعمد تكرار النظر , وتتبع العورات ,وتعمد التلذذ بالنظر، هذا إذا أصابه في قلبه زيغ، أو أصابه في قلبه قسوة , فهو الحسيب على نفسه , لهذا الواجب على كل مؤمن أن يحذر من هذا البلاء , وهو تكرار النظر والاسترسال مع ما في المجلات , أو ما في التليفزيون , أو ما في الأجهزة والفضائيات والفيديو.. وإلى آخره، ومن أحسن الكلام الذي يحضرني في هذا الباب ما ذكره ابن القيم في سر قول النبي (r) في خطبة الكسوف , لما كسفت الشمس، فإنه عليه الصلاة و السلام قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا)).ثم قال عليه الصلاة و السلام: ((إن الله يغار أن يزني عبده أو أن تزني أمته…)) إلى آخر خطبته عليه الصلاة و السلام.

قال: ابن القيم: ذكر موقع الزنا في خطبة كسوف الشمس؛ لعظم المشابهة بينهما، فكما أن انكساف الشمس سببه ذهاب الضياء، فإن انكساف القلب وذهاب الضياء والنور فيه سببه الزنا , وهذه مناسبة صحيحة وعظيمة، فإن وقوع هذه الفواحش كما أنه يؤثر على الفرد بانكساف قلبه والنور الذي فيه؛ فإنه أيضًا يؤثر على المجتمع بالذنوب والمعاصي التي يكون معها البلاء من الله جلا وعلا.

لهذا الواجب على كل أحد أن يترك النظر طلبًا لمرضاة الله -جلا وعلا- , النظر محرم، ومن ترك النظر وجد في قلبه الحلاوة، حلاوة الإيمان، وخاصة أهل العلم وطلبة العلم، فإن أعظم ما يؤثر على فهم الكتاب والسنة وفقه الكتاب والسنة هو أن ينشغل القلب بالصور على أنواعها، عشق الصور والتطلع إلى الصورة والتساهل في ذلك هذا مرتع وخيم، وقد يكون خطوة من خطوات الشيطان؛ لتوقع العبد في الفاحشة، فالواجب على من وقع في ذلك التوبة إلى الله –جلا وعلا-، وأن لا يسترسل مع نفسه في هواها، وأن يعلم أن حلاوة الإيمان أعظم من لذة سريعة تذهب، والإيمان إذا ذهبت حلاوته فكيف يبنيها؟! لا الصلاة تكون خاشعة، ولا القلب يكون ملتذًا بذكر الله –جلا وعلا- , فيعيش بجسده , لا بقلبه وبروحه، وكثرة الاستغفار والتوبة والعزم على عدم العود، هذا من الأسباب التي يطهر الله –جلا وعلا- بها القلب مما علق به، والله المستعان.

سؤال: هل تصح هذه العبارة: كرامات الأولياء معجزات الأنبياء، ومعجزات الأنبياء كرامات الأولياء؟
جواب: هذه ما أدري مين اللي قالها! لكنها عبارة حلوة، وكرامات الأولياء معجزات الأنبياء لو قال: كرامات الأولياء معجزات للأنبياء، أو كرامة الولي معجزة للنبي , يعني: من حيث الجنس، فربما صحت، يعني: باعتبار جميع الأولياء.

كرامات جميع الأولياء ما حصلت لهم إلا باتباعهم لهذا النبي، فكل أنواع الخوارق التي حصلت للولي الأول والولي الثاني والعاشر والمائة، كل أنواع هذه الخوارق والكرامات في مجموعها هي معجزة للنبي؛ لأنه ما حصلت لهم إلا بالاتباع، قال: ومعجزات الأنبياء كرامات الأولياء. هذا عكس الكلمة السابقة، فهي إيضاحها على ما ذكرت لك، إذا كان المقصود أن كرامات جميع الأولياء هي معجزة وآية وبرهان للنبي الذي اتبعوه , فهذا صحيح ,أنا اقرأ هذا للفائدة لا للإقرار لما فيه.

سؤال: يقول تبيّن في هذه الليلة أن هناك أحد الناس –هداهم الله- يقوم بسرقة أجهزة التسجيل أثناء الصلاة، فنرجوا التنبيه على الأخوة بعدم ترك مسجلاتهم بعد اليوم حتى لا تتعرض للسرقة.
جـواب: هذا له شقان , المعلومة جاتكم أنا ما أدري عن صحتها من عدمه , لكن –إن شاء الله- إن هو متنبه، لكن الثانية كفائدة , لا يقال: إن هذا سرقة , السرقة لها شروطها الشرعية، ما أخذ من حرز وعلى وجه الخفاء، أما إذا كان الشيء موضوع وأخذ أمام الناس , موضوع وأخذ، هذا لا يسمى سرقة , ولا يسمى من أخذه سارقًا , وليس عليه حد السرقة، كما هو معلوم، قد يكون اختلاسًا، قد يكون غصبًا، يعني: بحسب الحال، لكنه سرقة لا، هذه يتساهل فيها الناس، يقول: سرق كذا، وسرق كذا , حتى لو أنه في جيبه قال: فلان سرق من جيبي كذا. وما اسمها هي بسرقة، السرقة لها حدودها الشرعية , ولها شروطها، وليست كل غصب سرقة، وليست كل اختلاس سرقة، وليس كل نهب أيضًا سرقة، فالسرقة شيء , والنهب شيء , والاختلاس شيء، ويعني: فرقوا بين الألفاظ الشرعية.

سؤال: يقول: بأنه يجوز أكل الجزء المقطوع من المصيد الهارب، كالغزال مثلاً وهو هارب لم يقتل، هل يجوز أن نقيس الضب عليه إذا كان هاربًا ثم دخل حجره فتمكن من قطع عكرة الضب… إلى آخره؟
جواب: أما المسألة الأولى: فهي مسألة علمية، وهي أن ما أبين من حيٍ فهو، إيش؟ فهو كميتته , ما أبين من حي فهو كميتته، إلا، إلا إيش؟ إلا الطريدة، ما أبين من حي يعني: واحد بيقطع شيء من خروف وهو قائم، يعني: الخروف بيقطع بعضه وبيأكله، ما أبين منه فهو كميتته , هذا ميتته تحل؟ لا تحل.
فإذن ما أبين منه فلا يحل، قالوا: إلا الطريدة. الطريدة مثلما ذكر يطرد شيء فلا يتمكن منه إلا بقطع شيء منه، فهذا يستثنى من ذلك، أما مسألة الضب فلا أدري. نكتفي بهذا القدر، ونراكم –إن شاء الله- على خير حال، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله حق حمده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لمجده، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد..,
فأسأل الله Y أن يجعلنا دائماً وإياكم من وفق في قوله وعمله , وزاده العلم بصيرةً في دينه , وكان حجة له، لا حجة عليه، كما نسأله سبحانه الثبات على الدين وعلى العلم النافع، وأن يوفقنا إلى ما فيه رضاه , وأن يجنبنا ما يسخطه ويأباه؛ إنه سبحانه جواد كريم. نجيب عن بعض الأسئلة:

سؤال: قال: شخص انتهت مدة مسحه بعد صلاة العصر، ثم لما جاء المغرب شك، هل خلع خفيه وتوضأ، أم مسح على المسح السابق؟ فماذا يعمل؟
جواب: من القواعد المقررة أنه عند طروء الشك يبنى على اليقين، والبناء على اليقين أصل من أصول الشريعة فيما اشتبه على الإنسان علمه، فيرجع إذا شك إلى ما لا شك فيه، وهذا داخل تحت عدة أحاديث عن النبي r، منها قوله: ((فليطرح الشك في الصلاة وليبني على ما استيقن))، ومنها أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) , والقاعدة الفقهية: اليقين لا يزول بالشك.

فهنا إذا تيقن خروج مدة المسح، وشك هل تطهر أم لم يتطهر؟ فالأصل ما تيقن وهو أنه خرجت المدة ولم يتوضأ؛ لأنه على الصحيح إذا انتهت المدة فإن الذي مسح يجب عليه أن يخلع الخفين أو الجوربين وأن يتوضأ من جديد، فإذًا في حالة هذا السائل فإنه يجب عليه أن يعيد، إذا كان صلى المغرب على هذه الحال، فيجب عليه أن يعيد؛ لأنه يبني على اليقين.

سؤال: هل ثبت أن الرسول r قرأ في صلاة العيد بالجمعة و ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [؟
جواب: لا أعلم هذا أنه جاء في العيد الجمعة و ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [، وإنما سنة النبي r في صلاة العيد في القراءة والجمعة يعني في أغلب الأمر أن يقرأ بسبّح والغاشية، وقرأ بغيرها في صلاة العيد وفي صلاة الجمعة، لكن هذا قراءة الجمعة في الركعة الأولى , وقراءة ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ في الركعة الثانية رواها مسلم في الصحيح، في أواخر أحاديث القراءة في الجمعة، وهي سنة في صلاة الجمعة، أما صلاة العيد فلعل من قرأ إن كان أحد قرأ بها بناها على القياس، لكن الذي جاء هو قراءة سبّح والغاشية، وربما اجتمعا يعني الجمعة والعيد في يومٍ واحدٍ فقرأ رسول الله r بهما، يعني بسبّح والغاشية.
أما الجمعة في الأولى و ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ في الثانية فهذه إنما هي في صلاة الجمعة؛ لأن الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته في القراءة في صلاة الجمعة ثلاث سنن: الأولى: سبّح والغاشية، والثانية: الجمعة والمنافقون، وهاتان أكثر , وسبّح أكثر والغاشية، ثم يليها الجمعة والمنافقون، ثم أنه قرأ أيضًا الجمعة و ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [ , فهذه ثلاث سنن عنه عليه الصلاة والسلام في قراءة الجمعة.

سؤال: ما معنى قوله: "منه بدأ وإليه يعود"؟
جواب: قول طائفة من السلف في القرآن الكريم الذي هو كلام الله Y: منه بدأ وإليه يعود , يعني منه Y بدأ قولاً وكلاماً وتنزيلاً، فلما تكلم به سمعه منه جبريل u، فبلغه جبريل نبينا محمدا r كما سمع , وقولهم: وإليه يعود , يعني في آخر الزمان حين لا يعمل بالقرآن , فيكرم الله جل وعلا كلامه أن يبقى في الأرض ولا ثم من يعمل به، فيسري على القرآن في ليلةٍ من الأوراق، من الصحف ومن الصدور، فلا يبقى منه في الأرض آية، فهذا معنى قولهم: منه بدأ وإليه يعود.

سؤال: يقول: هل ورد نهي عن حلق العلم يوم الجمعة؟
جواب: نعم، هذا جاء في حديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , أن النبي r نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة , وهذا عند أكثر أهل العلم على الكراهة , ومحله أن يكون الناس يستعدون لسماع الخطبة قبل الصلاة، ثم هم يتحلقون وهذا التحلق النهي عنه لعدة تعليلات:

الأول: أن التحلق والناس ينتظرون الخطيب سبب لقطع الصفوف، والتعليل الثاني أن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة سبب للحديث من المتحلقين في غير قراءة القرآن والذكر , وتفريغ القلب والنفس لسماع الموعظة، وسماع الخطبة التي هي فرض في صلاة الجمعة , وليس النهي مطلقًا عن التحلق في كل أجزاء يوم الجمعة.

فلو كان ثم حلقة علم بعد الفجر فلا بأس، بحيث لا تطول حتى تشغل الناس عن صلاة الجمعة، أو كانت حلقة بعد صلاة الجمعة، أو كانت حلقة بعد العصر، فهذا لا بأس به؛ لأن المقصود من الحديث الحسن الذي رواه أبو داود وغيره السابق هو التحلق كما هو لفظ الحديث قبل الصلاة يوم الجمعة.

ولهذا كان من عمل شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ذكره عنه من ترجم له، أنه كانت له حلقة عظيمة في التفسير يلقيها بعد صلاة الجمعة، يعني بعد أن يفرغ الناس من راتبة الجمعة وينتهون فيبدأ تدريس في التفسير يوم الجمعة , قالوا: وفسر سورة نوحٍ مدة سنة , يعني كل يوم بعد صلاة الجمعة , المقصود على هذا يحمل النهي، وأن لو كان هناك في مسجد إقبال على الطاعة وناس يأتون إلى المسجد من الصباح الباكر , أو من بعد الفجر , أو من طلوع الشمس، فهنا يكون النهي واردا يعني عن التحلق؛ لأنه يشغل الناس عما أتوا له.

سائل: عفا الله عنك يا شيخ.
الشيخ: نعم.
ـ بعضهم يستأنس بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيتحدث بعد إنهاء الخطبة خطيب الجمعة، ويصلون في الناس خطيبا.
ـ لا، الموعظة ليست كذلك، العلم غير الموعظة؛ لأن خطبة الجمعة المقصود منها الموعظة كما ثبت في الصحيح , أن النبي r كان يخطب الجمعة يعظ الناس , ولهذا قال جمع من أهل العلم: إن الموعظة واجبة أو ركن في صلاة الجمعة، في خطبة الجمعة؛ لأنها هي المقصودة، النبي r كان يعظ الناس، ومثلها الوصية بالتقوى وأشباه ذلك، فإذا كان الحديث بعد الفراغ من الصلاة للموعظة والتذكير فهذا ليس بجيد إذا كان يعتاد، أما إذا كان لمناسبة أو لحضور عالمٍ يستفاد من علمه وكان الأمر لمامًا، فهذا ربما فعله بعض أهل العلم، لكن الأصل أن النبي r لا يعظ الناس بعد الجمعة ولا صحابته أيضًا لا يعظون، أما العلم فالعلم في كل وقت، والعلم ليس موعظة بالمعنى الخاص، وإن كان موعظةً بالمعنى العام.

... سقط... قراءة بعض الأشياء بعد صلاة الجمعة، مثل الزمن الأول كان يقرأ أخبار الفتوح، كان يقرأ أخبار، أو أوامر ولي الأمر ونحو ذلك، كان يقرأها الأئمة يعني في القرن الثاني والثالث، يقرؤونها بعد صلاة الجمعة لحضور الناس. نكتفي بهذا القدر , سمِّ الله:




* الصواب: ] وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ[ .

* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .

* لعل الشيخ يقصد الثالث وليس الثاني .

* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .

* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .
[1] غيرمسموع من الشريط

[2] غيرمسموع من الشريط

[3] غير مسموع من الشريط




  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الإيمان بكرامات الأولياء
قال رحمه الله: [ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم] . قوله: (ونؤمن بما جاء من كراماتهم)؛ وهذا من أصول أهل السنة والجماعة، فإنهم يؤمنون بكرامات الأولياء، وجمهور المتكلمين لا يثبتون كرامات الأولياء، وموجب ذلك عندهم أنهم جعلوا دليل النبوة هو المعجزة، والمعجزة هي الآيات، ولا شك أنها دليل، بل قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ..}[الإسراء:101]، فلا شك أن هذه دلائل، لكن دليل النبوة ليس مقصوراً عليها، فلما جعل جمهور المتكلمين دليل النبوة مقصوراً على المعجزات منعوا كرامات الأولياء حتى لا تختلط الكرامة بالمعجزة. ولا شك أن هذا مخالف حتى لنظام العقل؛ لأن الكرامة تكون لولي، ومعلوم أنه يمتنع على الولي أن يدعي النبوة، فلو ادعى النبوة، أو استعمل ما أوتي من الكرامة على نوع من الالتفات إلى شخصه، لكان هذا مسقطاً لولايته، إذ استعمل ما أوتيه من الكرامة على وجه من الغلط المخالف للسنة والشريعة، فمثل هذه الشبهة لا ينبغي الالتفات إليها. ......

الكرامة ليست من شرط الولاية
والكرامة كما هو متقرر ليست ملازمة لمقام الولاية، فليس من شرط الولي أن يؤتى كرامة، وليس من أوتي كرامة من الأولياء يكون أولى وأفضل ممن لم يؤتَ، بل قد تكون الكرامة فضلاً وقد تكون معالجةً، وقد تكون تثبيتاً من الله سبحانه وتعالى لهذا الولي، ويكون غيره من الأولياء لما معهم من مقامات الإيمان لا يحتاجون إلى مثل هذه الكرامة، وهذا مما نص عليه بعض أئمة السنة كـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: (إن بعض الكرامات قد تكون فضلاً ورفعةً، وبعضها قد يكون تثبيتاً لنوع من النقص الذي اقترن بحال الولي، فيثبت بمثل هذا). فالقصد أن الولاية لا تستلزم الكرامة، فليس من شرط الولي أن يؤتى كرامة، بل الجماهير من الصحابة ما أوتوا كرامةً، ومن غلط كثير من أئمة الصوفية حتى بعض الفضلاء منهم، أنهم يلتفتون إلى طلب مقام الكرامة، وهذا الالتفات والتحري لا شك أنه لم يكن من هدي السلف الأول، ولم يكن من هدي الصحابة، وأئمة الإسلام من أهل العلم، بل هو مخالف للسنة والأثر. وهذه الخوارق التي تقع لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توزن بميزان الشرع، فإن كانت لولي فإنها تسمى كرامةً، وإن كانت لغير ولي فهي من الخوارق الشيطانية.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التصديق, بما

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir