دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 11:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المجاز

وَالْمَجَازُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ بِوَضْعٍ ثَانٍ لِعَلَاقَةٍ، فَعُلِمَ وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ، لَا الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، قِيلَ مُطْلَقًا، وَالْأَصَحُّ لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ، وَهُوَ وَاقِعٌ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ وَالْفَارِسِيِّ مُطْلَقًا، وَلِلظَّاهِرِيَّةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ لِثِقَلِ الْحَقِيقَةِ، أَوْ بَشَاعَتِهَا، أَوْ جَهْلِهَا، أَوْ بَلَاغَتِهِ، أَوْ شُهْرَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ غَالِبًا عَلَى اللُّغَاتِ خِلَافًا لِابْنِ جِنِّي، ولا معتمدًا حيث تستحيل الحقيقة خلافًا لأبي حنيفة، وَهُوَ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ، قِيلَ وَمِنْ الْإِضْمَارِ، وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا، وقد يكون بِالشَّكْلِ، أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ قَطْعًا، أَوْ ظَنًّا لَا احْتِمَالًا، وَبِالضِّدِّ وَالْمُجَاوَرَةِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ، وَالْكُلِّ لِلْبَعْضِ، وَالْمُتَعَلِّقِ لِلْمُتَعَلَّقِ وَبِالْعُكُوسِ، وَمَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَفِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ والنقشواني، وَمَنَعَ الإمام الْحَرْفَ مُطْلَقًا، وَالْفِعْلَ وَالْمُشْتَقَّ إلَّا بِالتَّبَعِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْأَعْلَامِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ وَيُعْرَفُ بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ إلى الفهم لَوْلَا الْقَرِينَةُ، وَصِحَّةُ النَّفْيِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ، وَجَمْعُهُ عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ، وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ، وَالْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، وَالْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ فِي نَوْعِ الْمَجَازِ، وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَالْمَجَازُ) الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ (اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) فِيمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا (بِوَضْعٍ ثَانٍ) خَرَجَ الْحَقِيقَةُ (لِعَلَاقَةٍ) بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا خَرَجَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ كَفَضْلٍ وَمَنْ زَادَ كَالْبَيَانِيِّينَ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا مَشَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا (فَعُلِمَ) مِنْ تَقْيِيدِ الْوَضْعِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ بِالثَّانِي (وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ) لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ ذَلِكَ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ سَبْقُهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ كَالْعَكْسِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْوُجُوبِ (الْمُخْتَارُ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَقِيلَ يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِلَّا لَعَرِيَ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ. (قِيلَ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ) تَفْصِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ اخْتَارَهُ مَذْهَبًا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ) وَيَجِبُ لِمَصْدَرٍ الْمَجَازِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ إلَّا إذَا سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً كَالرَّحْمَنِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ وَحَقِيقَتُهَا الرِّقَّةُ وَالْحُنُوُّ الْمُسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ فِيهِ:
سَمَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا >< وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا
أَيْ ذَا رَحْمَةٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ أَيْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لِجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَاقِعٌ) فِي الْكَلَامِ (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إسْحَاقَ الإسفراييني (وَ) أَبِي عَلِيٍّ (الْفَارِسِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا وُقُوعَهُ (مُطْلَقًا) قَالَا وَمَا يُظَنُّ مَجَازًا نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي فَحَقِيقَةٌ (وَ) خِلَافًا (لِلظَّاهِرِيَّةِ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) قَالُوا لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ وَكَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْكَذِبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا كَذِبَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ الْمُشَابَهَةُ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ.
(وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْأَصْلِ (لِثِقَلِ الْحَقِيقَةِ) عَلَى اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمَوْتِ مَثَلًا (أَوْ بَشَاعَتِهَا) كَالْخِرَاءَةِيُعْدَلُ عَنْهَا إلَى الْغَائِطِ وَحَقِيقَتُهُ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ (أَوْ جَهْلِهَا) لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلْمُخَاطَبِ دُونَ الْمَجَازِ (أَوْ بَلَاغَتِهِ) نَحْوُ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ شُجَاعٍ (أَوْ شُهْرَتِهِ) دُونَ الْحَقِيقَةِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَإِخْفَاءِ الْمُرَادِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَخَاطِبِينَ الْجَاهِلِ بِالْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَكَإِقَامَةِ الْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ وَالسَّجْعِ بِهِ دُونَ الْحَقِيقَةِ (وَلَيْسَ الْمَجَازُ غَالِبًا عَلَى اللُّغَاتِ خِلَافًا لِابْنِ جِنِّي) بِسُكُونِ الْيَاءِ مُعَرَّبُ كِنِّي بَيْنَ الْكَافِ وَالْجِيمِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ غَالِبٌ فِي كُلِّ لُغَةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ تَقُولُ مَثَلًا رَأَيْت زَيْدًا وَضَرَبْته وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ بَعْضُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ وَلَا مُعْتَمَدًا حَيْثُ تَسْتَحِيلُ الْحَقِيقَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَأَلْغَيْنَاهُ كَصَاحِبَيْهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَبْدِ يُولَدُ لِمِثْلِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ
(وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ) فَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ أَوْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَإِلَيْهِ فَالْأَصْلُ أَيْ الرَّاجِحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِيهِ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ أَوَّلًا مِثَالُهُمَا رَأَيْت الْيَوْمَ أَسَدًا وَصَلَّيْت أَيْ حَيَوَانًا مُفْتَرِسًا وَدَعَوْت بِخَيْرٍ أَيْ سَلَامَةٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ الرَّجُلَ الشُّجَاعَ وَالصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ.
(وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ (أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ) فَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فِي آخَرَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ الْمَنْقُولِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَغْلَبِ أَوْلَى وَالْمَنْقُولُ لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ قَبْلَ النَّقْلِ وَبَعْدَهُ لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمُشْتَرَكُ لِتَعَدُّدِ مَدْلُولِهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا إلَّا إذَا قِيلَ بِحَمْلِهِ عَلَيْهِمَا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَالْأَوَّلُ كَالنِّكَاحِ حَقِيقَةُ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْآخَرِ وَالثَّانِي كَالزَّكَاةِ حَقِيقَةُ فِي النَّمَاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ مُحْتَمِلٌ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً وَمَنْقُولًا شَرْعِيًّا: (قِيلَ وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ أَوْلَى (مِنْ الْإِضْمَارِ) فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لِأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِضْمَارٌ أَوْ نَقْلٌ وَإِضْمَارٌ فَقِيلَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّقْلِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْإِضْمَارِ لِكَثْرَةِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِ النَّقْلِ إلَى قَرِينَةٍ وَقِيلَ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ لِأَنَّ قَرِينَتَهُ مُتَّصِلَةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ وَإِنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ الْمَشْهُورِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ هَذَا ابْنِي أَيْ عَتِيقٌ تَعْبِيرًا عَنْ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ فَيُعْتَقُ أَوْ مِثْلُ ابْنِي فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَقُ وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا}. فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ أَخْذَهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا فَإِذَا أُسْقِطَتْ صَحَّ الْبَيْعُ وَارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَقَالَ غَيْرُهُ نُقعلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا وَالْإِثْمُ فِيهَا بَاقٍ.
(وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ. فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ أَوْ تَخْصِيصٌ وَنَقْلٌ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مِمَّا لَمْ يُتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}. فَقِيلَ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ لِعَدَمِ حِلِّهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَى الْمُسْتَجْمِعِ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فَمَا شَكَّ فِي اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا يَحِلُّ وَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَوْلَوِيَّةِ التَّخْصِيصِ مِنْ الْمَجَازِ الْأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُسَاوِي لِلْإِضْمَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَمَنْ ذَكَرَ الْمَجَازَ قَبْلَ النَّقْلِ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ سَلَامَةُ الْمَجَازِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ. وَقَدْ تَمَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْعَشَرَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي تَعَارُضِ مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مَا وَطْؤُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا تَحْرُمُ وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْوُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} وَيَلْزَمُ الثَّانِي التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ تَحِلُّ لِلرَّجُلِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ. وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا أَوْ فِي الْقِصَاصِ نَفْسِهِ حَيَاةٌ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْمُقْتَصِّينَ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ الَّذِي صَارَ عَدُوًّا لَهُمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ وَمِثَالُ الثَّالِثِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوُ {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} وَمِثَالُ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ فِيهَا عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ نُقِلَتْ إلَيْهَا شَرْعًا.
قد يكون المجاز بالشكل إلخ
) وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ مِنْ حَيْثُ الْعَلَاقَةُ (بِالشَّكْلِ) كَالْفَرَسِ لِصُورَتِهِ الْمَنْقُوشَةِ (أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ) كَالْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ دُونَ الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِظُهُورِ الشَّجَاعَةِ دُونَ الْبَخَرِ فِي الْأَسَدِ الْمُفْتَرِسِ (أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَطْعًا) نَحْوُ {إنَّك مَيِّتٌ} (أَوْ ظَنًّا) كَالْخَمْرِ لِلْعَصِيرِ (لَا احْتِمَالًا) كَالْحُرِّ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ كَالْعَبْدِ لِمَنْ عَتَقَ فَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِقَاقِ (وَبِالضِّدِّ) كَالْمَفَازَةِ لِلْبَرِيَّةِ الْمُهْلِكَةِ (وَالْمُجَاوَرَةِ) كَالرَّاوِيَةِ لِظَرْفِ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ مَا يَحْمِلُهُ مِنْ جَمَلٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَالْكَافُ زَائِدَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ بِمَعْنَى مِثْلِ فَيَكُونُ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ وَهُوَ مُحَالٌ. وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ (وَالنُّقْصَانِ) نَحْوُ {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا فَقَدْ تَجَوَّزَ أَيْ تَوَسَّعَ وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى ذَلِكَ حَدُّ الْمَجَازِ السَّابِقُ. وَقِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي نَفْيِ الْمِثْلِ وَسُؤَالَ الْقَرْيَةِ فِي سُؤَالِ أَهْلِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ (وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ) نَحْوُ لِلْأَمِيرِ يَدٌ أَيْ قُدْرَةٌ فَهِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْيَدِ بِحُصُولِهَا بِهَا (وَالْكُلِّ لِلْبَعْضِ) نَحْوُ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ أَيْ أَنَامِلَهُمْ (وَالْمُتَعَلِّقِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (لِلْمُتَعَلَّقِ) بِفَتْحِهَا نَحْوُ {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أَيْ مَخْلُوقُهُ وَرَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ (وَبِالْعُكُوسِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ كَالْمَوْتِ لِلْمَرَضِ الشَّدِيدِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ لَهُ عَادَةً وَالْبَعْضِ لِكُلٍّ نَحْوُ فُلَانٌ يَمْلِكُ أَلْفَ رَأْسٍ مِنْ الْغَنَمِ وَالْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا نَحْوُ {بِأَيِّكُمْ الْمَفْتُونُ} أَيْ الْفِتْنَةُ وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قِيَامًا (وَمَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ) كَالْمُسْكِرِ لِلْخَمْرِ فِي الدَّنِّ
(وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْإِسْنَادِ) بِأَنْ يُسْنَدَ الشَّيْءُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} أُسْنِدَتْ الزِّيَادَةُ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ سَبَبًا لَهَا عَادَةً (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي نَفْيِهِمْ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَجَازَ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْهُ فِي الْمُسْنَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَمَعْنَى زَادَتْهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ازْدَادُوا بِهَا وَعَلَى الثَّانِي زَادَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إطْلَاقًا لِلْآيَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِإِسْنَادِ فِعْلِهِ إلَيْهَا (وَ) قَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ (فِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ والنقشواني) مِثَالُهُ فِي الْأَفْعَالِ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} أَيْ يُنَادِي {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} أَيْ تَلَتْهُ وَفِي الْحُرُوفِ {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} أَيْ مَا نَرَى (وَمَنَعَ) الْإِمَامُ الرَّازِيُّ (الْحَرْفَ مُطْلَقًا) أَيْ قَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ مَجَازُ إفْرَادٍ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ ضُمَّ إلَى مَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَمَجَازُ تَرْكِيبٍ قَالَ النَّقْشَوَانِيُّ مِنْ أَيْنَ أَنَّهُ مَجَازُ تَرْكِيبٍ بَلْ ذَلِكَ الضَّمُّ قَرِينَةُ مَجَازِ الْإِفْرَادِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلِأَصْلُبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أَيْ عَلَيْهَا (وَ) مَنَعَ أَيْضًا (الْفِعْلَ وَالْمُشْتَقَّ) كَاسْمِ الْفَاعِلِ فَقَالَ لَا يَكُونُ فِيهِمَا مَجَازٌ (إلَّا بِالتَّبَعِ) لِلْمَصْدَرِ فَوَاضِحٌ أَصْلُهُمَا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَلَا مَجَازَ فِيهِمَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالتَّجَوُّزِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْعَكْسُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِمَا وَبِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَقَّ يُرَادُ بِهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِ وَكَأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا قَالَهُ نَظَرَ إلَى الْحَدِيثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ (وَلَا يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْأَعْلَامِ) لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُرْتَجَلَةً أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ كَسُعَادَ أَوْ مَنْقُولَةً لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ كَفَضْلٍ فَوَاضِحٌ أَوْ لِمُنَاسَبَةٍ كَمَنْ سَمَّى وَلَدَهُ بِمُبَارَكٍ لِمَا ظَنَّهُ فِيهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فَكَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ زَوَالِهَا (خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ كَالْحَارِثِ فَقَالَ إنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الصِّفَةُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ مَوْضُوعًا لَهَا وَهَذَا خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا أَوْلَى.
(وَيُعْرَفُ الْمَجَازُ أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلَّفْظِ (بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ) مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ (لَوْلَا الْقَرِينَةُ) وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ وَسَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّبَادُرَ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تُعْرَفُ بِهِ الْحَقِيقَةُ (وَصِحَّةُ النَّفْيِ) كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْحِمَارِ عَنْهُ (وَعَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ) فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَطَّرِدَ كَمَا فِي {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا فَلَا يُقَالُ وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ أَيْ صَاحِبَهُ أَوْ يَطَّرِدَ لَا وُجُوبًا كَمَا فِي الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الْجَوَازِ أَنْ يُعَبِّرَ فِي بَعْضِهَا بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ اطِّرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْبِيرِ الْحَقِيقِيِّ بِغَيْرِهَا (وَجَمْعُهُ) أَيْ جَمْعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ (عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ) كَالْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ مَجَازًا يُجْمَعُ عَلَى أُمُورٍ بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً فَيُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ.
(وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَجَنَاحِالذُّلِّ أَيْ لِينِ الْجَانِبِ وَنَارِ الْحَرْبِ أَيْ شِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ كَالْعَيْنِ الْجَارِيَةِ (وَتَوَقُّفِهِ) فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) نَحْوُ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ حَيْثُ تَوَاطَئُوا وَهُمْ الْيَهُودُ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى مَنْ وَكَلُوا بِهِ قَتْلَهُ وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ ظَنًّا أَنَّهُ عِيسَى وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى قَوْلِهِ أَنَا صَاحِبُكُمْ ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الْآخَرَ فَإِطْلَاقُ الْمَكْرِ عَلَى الْمُجَازَاةِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ) نَحْوُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ فَإِطْلَاقُ الْمَسْئُولِ عَلَيْهَا الْمَأْخُوذُ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهَا الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ وَإِنَّمَا الْمَسْئُولُ أَهْلُهَا (وَالْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ فِي نَوْعِ الْمَجَازِ) فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَجَوَّزَ فِي نَوْعٍ مِنْهُ كَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ إلَّا إذَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ صُورَةٌ مِنْهُ مَثَلًا وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يُكْتَفَى بِالْعَلَاقَةِ الَّتِي نَظَرُوا إلَيْهَا فَيَكْفِي السَّمَاعُ فِي نَوْعٍ لِصِحَّةِ التَّجَوُّزِ فِي عَكْسِهِ مَثَلًا (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) فِي الِاشْتِرَاطِ وَعَدَمِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِي شَخْصِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا بِأَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيهَا.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (المَجَازُ: اللَّفْظُ المُسْتَعْمَلُ بِوَضْعٍ ثَانٍ لِعَلاَقَةٍ).
ش: خَرَجَ بِالوَضعِ الثَّانِي، الحَقيقةُ، وَبِالقَيدِ الثَّالثِ، العَلَمُ المنقولَُ، كَبَكرٍ وكَلْبٍ، فإنَّهُ لَيسَ بِمَجَازٍ؛ لأنَّهُ لَم يُنقَلْ لِعَلاقةٍ، ومثلُ استِعمالِ لفظِ الأَرضِ فِي السَّمَاءِ، ويَشمَلُ هذا الحدُّ أنواعَ المجازِ الثَلاثَةِ منَ اللغَويِّ والشَّرعِيِّ والعُرفِيِّ، فاللفظُ الوَاحدُ بِالنِّسبَةِ إلى المَعنَى الوَاحِدِ، قَدْ يكونُ حقيقةً باصطِلاحٍ، مَجَازاً باصطِلاحٍ آخَرَ، كَلفظِ الصلاةِ مَثلاً، بِالنسبةِ إلى الدُّعاءِ، فِإنَّه حَقيقةً بِاصطِلاحِ أهلِ اللغةِ، مَجازاً باصطِلاحِ أهلِ الشَّرعِ، وبِالنسبةِ إلى الأفْعَالِ المَخصُوصةِ بِالعَكسِ، وَعِبَارَةُ ابنِ الحَاجِبِ: في غيرِ وضعٍ أوَّلٍ، وهُوَ يَقتضي أنَّ المَجَازَ غَيرُ مَوضوعٍ، ولذلكَ عَدَلَ المُصَنِّفُ إلى قَولِهِ: (بِوَضِعٍ ثَانٍ) وَعِبَارَتُه أيضاًً على وَجهٍ يَصِحُّ، وعَدَلَ عَنه المُصَنِّفُ إلى قولِه: (لِعَلاقَةٍ) واسْتَحسَنَ العَضَدُ تَعبيرَ ابنِ الحَاجِبِ على هذه العِبارَةِ لانْطِبَاقَهِ على مَذهَبَي وجوبِ النَّقلِ فيه والاكتِفَاءِ بِالعَلاقَةِ، فكانَ أحْسَنَ مِمَّا يَختَصُّ بِمَذهَبٍ.
ص: (فَعُلِمَ وُجُوبُ سبقِ الوضعِ ـ وهُوَ اتِّفاقٌ ـ لا الاسْتِعمَالُ، وهُو المُختَارُ، قيلَ: مُطْلَقاً، والأصَحُّ: لِمَا عَدَا المَصدَرُ).
ش: عُلِمَ مِن قَولِه: بِوَضعٍ (ثانٍ) أنَّ المَجَازَ يَستلزِمُ وَضعاً سابِقاً عَل يه، ومِن ثَمَّ كانَ الْلَفظُ في أولِ الوضعِ قَبلَ استِعمَالِه فيما وُضِعَ لَه ـ ليسَ بِحقيقةٍ ولا مَجَازٍ، وهذا لا خِلافَ فيه، لَكنَّه لا يَستَلزِمُ سَبقَ الحَقيقةِ، وهوَ مُرَادُ المُصَنِّفِ بِالاستِعمَالِ، وَهِيَ مَسأَلةٌ: الخِلافُ في أنَّ المَجَازَ هَلْ يَستَلْزِمُ الحَقيقةَ؟ بِمَعنَى أنَّ استِعمالَ اللفظِ فِي غَيرِ وَضعٍ أَوَّلٍ، هَلْ يَكُونُ مَشرُوطاً بِاستعمالِه في وضْعٍ أوَّلٍ قبلَ هذا الاستعمالِ أمْ لا، بل يَجُوزُ أنْ يُسْتَعْمَلَ في الوضْعِ الثاني، ولا يُسْتَعْمَلَ فيما وُضِعَ له أصْلاً؟
والمُختارُ عندَ الآمِدِيِّ والمُصَنِّفِ عدَمِ الاسْتِلْزامِ، عَزَاهُ في (البديعِ) إلى المُحَقِّقينَ، وذَهَبَ أَبُو الحُسَيْنِ البَصْرِيُّ وابنُ السَّمْعَانِيِّ والإمامُ الرَّازِيُّ إلى الاستلزامِ، مُحْتَجِّينَ بأنَّه لو لم يَسْتَلْزمْ لخَلاَ الوضْعُ عن الفائدةِ، وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ الفائدةَ غيرُ مُنْحصرَةٌ في استعمالِ اللفظِ فيما وُضِعَ له، بل هي حاصِلَةٌ بالتجوُّزِ.
تنبيهٌ: تفريقُ المُصَنِّفِ هنا بينَ الوضْعِ والاستعمالِ هو الصوابُ، وفي كلامِ القِرافِيِّ ما يُخَالِفُه، فإنَّه لمَّا تَكَلَّمَ على أنَّ الوضْعَ جَعَلَ اللفظَ دليلاً على المعنَى، قالَ: ويُطْلَقُ على غَلَبَةِ الاستعمالِ، وعلى أصلِ الاستعمالِ من غيرِ غَلَبةٍ، قالَ: وهذا هو مُرادُ العلماءِ بقولِهم: هل من شَرْطِ المجازِ الوضعُ أم لا؟ قولانِ:
يُريدُونَ بالوضْعِ ههُنا مُطْلَقُ الاستعمالِ، ولو مَرَّةً يَسْمَعُ من العربِ استعمالَ ذلك النوعِ من المجازِ، فيَحْصُلُ الشرْطُ.
ص: (وهو واقعٌ خلافاً للأستاذِ والفارسيِّ مُطْلَقاً، والظَّاهِرِيَّةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ).
ش: النقلُ عن الأستاذِ أَبِي إِسْحَاقَ مَشهورٌ، لكنْ قالَ الإمامُ والغزاليُّ: الظَّنُّ بالأستاذِ أنَّه لا يَصِحُّ عنه، ولعَلَّهُ أَرَادَ أنَّه ليسَ بثابتٍ ثُبوتُ الحقيقةِ.
وأمَّا الفارسيُّ فالمرادُ أَبُو عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ، وعُمْدَةُ المُصَنِّفِ فيه نَقَلَ ابنُ الصَّلاَحِ في فوائدِ الرحْلةِ، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ تلميذَه أَبَا الفَتْحِ بنَ جِنِّي أَعْرَفُ بمَذْهَبِه، وقد نُقِلَ عنه في كتابِ (الخصائصِ) عَكْسُ هذا المقالَةِ، أنَّ المجازَ غالبٌ على اللغاتِ كما هو مذهبُ ابنُ جِنِّي، والنقلُ عن الظاهريةِ بمَنْعِه في القرآنِ والحديثُ، نَقَلَه الإمامُ عن ابنِ دَوادَ الظَّاهِرِيُّ، وزَعَمَ الأصْفَهَانِيُّ أنَّه تَفَرَّدَ بنَقْلِه في الحديثِ لكنْ في (الإحكامِ) لابنِ حَزْمٍ، أنَّ قَوْماً مَنَعُوهُ في القرآنِ والسُّنَّةِ.
وقالَ ابنُ الحاجبِ في بابِ الإضافةِ من (شَرْحِ المُفَصَّلِ): ذَهَبَ القاضِي إلى أنَّه لا مجازَ في القرآنِ، وأنَّ مثلَ قولُه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} محمولٌ على أنَّ القريةَ تُطْلَقُ للأهلِ والجدارِ جميعاً على وجْهِ الاشتراكِ، وليسَ بجَيِّدٍ؛ لأنَّه مَعْلومٌ أنَّ القريةَ موضوعةٌ للجُدْرانِ المخصوصَةِ، دونَ الأهلِ، فإذا أُطْلِقَتْ على الأهلِ، لم تُطْلَقْ إلاَّ بقيامِ قرينةٍ تَدُلُّنَا على المحذوفِ، ولو كانتْ مُشْترِكَةً لم تَكُنْ كذلك.
ص: (وإنَّما يَعْدِلُ إليه لثِقَلِ الحقيقةِ، أو بشَاعَتِها، أو جَهْلِها، أو بلاغَتِه، أو شُهْرَتِه أو غيرِ ذلك).
ش: للعدولِ عن استعمالِ الحقيقةِ إلى استعمالِ المجازِ أسبابٌ:
أحدُها: ثِقَلُ لفظِ الحقيقةِ على اللسانِ، كالحنفقيق=؛ اسمٌ للداهيَةِ، فيَعْدِلُ إلى النائِبَةِ أو الحادثَةِ ونحوِه.
الثَانِي: بشاعَةُ لَفظِهَا، كَمَا يُعَبَّرُ بالغائِطِ عن الخَرَاةِ.
الثَالِثُ: أنْ لا يَعْرِفَ المُتكَلِمُ والمُخَاطَبُ لَفظَه الحَقيقي.
الرَّابِعُ: بَلاغَةُ لَفظِ المجازِ لصَلاحِه للسَّجْعِ والتجْنِيسِ وسائرِ أصْنافِ البديعِ دونَ الحقيقةِ.
الخامسُ: شُهْرَتُه لكونِ المجازِ أَعْرَفُ من الحقيقةِ وأَشَارَ بقولِه: (وغيرُ ذلكَ) إلى أنْ لا يكونَ للمعنَى الذي عَبَّرَ بالمجازِ لَفْظٌ حقيقيٌّ، أو يكونَ معلوماً عندَ المُخاطَبِينَ، ويَقْصِدانِ إخفاءَهُ على غيرِهما.
ص: (وليسَ غالباً على اللغاتِ خلافاً لابنِ جِنِّي).
ش: قالَ في (المحصولِ) ادَّعَى ابنُ جِنِّي أنَّ المجازَ غالبٌ على كلِّ لغةٍ، سواءٌ لغةَ العربِ وغيرُها، فإنَّ قولُنا: قَامَ زيدٌ، مفيدُ المَصْدَرِ، وهو جنسٌ يَتَناولُ جميعَ أفرادِ القيامِ، وهو غيرُ مرادٍ بالضرورةِ.
قالَ: وهذا ركيكٌ، فإنَّ المصدرَ لا يَدُلُّ على أفرادِ الماهيَّةِ بل على القدْرِ.
قالَ: وقولُك: ضَرَبْتُ زيداً، مجازاً من جِهَةٍ أُخْرَى، فإنَّك إنَّما ضَرَبْتَ بعضَه لا كلَّه، واعْتَرَضَ عليه تَلْمِيذُه عبدُ اللهِ بنُ متويه= المُتَكَلِّمِ، بأنَّ المُتَأَلِّمَ بالضربِ كلُّه لا بعضَه، وهو ضعيفٌ؛ لأنَّه إنَّما التَزَمَ المجازُ في لفظِ الضربِ لا في لفظِ التأَلُّمَ، والضربُ: إمساسُ جِسْمٍ بعنفٍ، والإمساسُ حكْمٌ يَرْجِعُ إلى الأعضاءِ لا إلى الجُمْلَةِ، والتَّأَلُّمُ أَثَرُ ذلك الإمساسِ.
ص: (ولا مُعْتَمَدٌ حيثُ تَسْتَحيلُ الحقيقةُ خلافاً لأَبِي حَنِيفَةَ).
ش: ومعنَى هذه المسأَلَةِ: أنَّه إذا اسْتَعْمَلَ لفظٌ وأُرِيدَ به المعنَى المَجازِيُّ، هل يُشْتَرَطُ إمكانُ المعنَى الحقيقيُّ بهذا اللفظِ أم لا؟ فعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ، فحيثُ تُمْنَعُ الحقيقةُ لا يُصَحُّ المجازُ، وعندَه: لا، بل يَكْفِي صِحَّةُ اللفظِ إعْمالاً للكلامِ ما أَمْكَنَ، والحاصلُ أنَّ اللفظَ عندَنا إذا كانَ مُحالاً بالنسبةِ إلى الحقيقةِ لَغْوٌ، وعندَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحْمَلُ على المجازِ، وعلى هذا الأصلِ مسائلٌ بينَنا وبينَهم، منها: إذا قالَ لغُلامِه الذي هو أسَنُّ منه: هذا ابْنِي، فلا يَصْلُحُ عندَنا مجازاً عن العتقِ؛ لأنَّ اللفظَ إنَّما يَصْلُحُ مجازاً إذا كانَ له حقيقةٌ، وهذا اللفظُ في هذا المَحَلِّ لا حقيقةَ له، فكانَ لَغْواً وإنْ حَمَلْنَاهُ على الإضمارِ؛ أي: مثلَ ابْنِي؛ أي: في الخيرِ، فعَدَمُ عَتْقِه أَظْهَرُ، ولو قالَ له: أَوْصَيْتُ له بنَصِيبِ ابنِي فوجهانِ؛ أصَحُّهُما عندَ العراقيين= والبَغَوَيِّ: بطلانُ الوصيَّةِ لورُودِها على حقِّ الغَيْرِ، وعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلى أَبِي حَنِيفَةَ، وقد يُسْتَشْكَلُ على أصْلِه هنا.
والثاني: وبه قالَ مالكٌ: إنَّها صحيحةٌ، والمعنَى: بمثلِ نَصِيبِ ابنِي، ومثلُه كثيرٌ في الاستعمالِ، وصَحَّحَهُ الإمامُ والرَّوَيَانِيُّ وغيرُهما، ويَجْرِيانِ فيما لو قالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي بما بَاعَ فُلانٌ فَرَسَه، وهما يَعْلَمَانِ قَدْرَهُ.
ص: (وهو والنَّقْلُ خلافُ الأصلِ).
ش: فيه مسألَتَانِ:
إحدَّاهُما: أنَّ المجازَ خلافُ أصْلِه، والأصْلُ يُطْلَقُ ويُرَادُ به الغالبُ، وتارةً يُرادُ به الدليلُ، فإنْ كانَ الأوَّلُ فالخلافُ فيه معَ ابنِ جِنِّي وقد سَبَقَ، وإنْ كانَ الثاني فالتَّعَرُّضُ به أنَّ الأصْلَ الحقيقةُ والمجازُ، وهي خلافُ الأصلِ، فإذا دَارَ اللفظُ بينَ احتمالِ المجازِ واحتمالِ الحقيقةِ، فاحتمالُ الحقيقةِ أَرْجَحٌ؛ لأنَّ الحقيقةَ لا تَخِلُّ بالفهمِ بخلافِ المجازِ، فيكونُ مَرْجُوحاً.
الثانيةُ: النقلُ خلافَ الأصلِ، بمعنَى إذا دَارَ اللفظُ بينَ أنْ يكونَ مَنْقولاً وبينَ أنْ يكونَ مُبْقَى على الحقيقةِ اللُّغويَّةِ ـ كانَ الثاني أوْلَى، لتَوَقُّفِ الأوَّلِ على الوضْعِ اللغويِّ، ثمَّ نَسَخَه، ثمَّ وَضَعَ جديدٌ، ولأنَّ الأصْلَ بقاءُ ما كانَ على ما كانَ، فإنْ قيلَ: لم يَتَقَدَّمِ المُصَنِّفُ ذِكْرُ النقْلِ حتى يَذْكُرَ تَعارُضُه بخلافِ صاحبِ (المنهاجِ) فإنَّه ذَكَرَه في التقسيمِ السابقِ، قُلْنَا: بل الخلافُ في الحقيقةِ الشرعيَّةِ هو خلافٌ في النَّقْلِ، فإنَّ القاضِيَ يَمْنَعُ نَقْلَ اللفظِ اللغويِّ إلى غيرِ معناهُالبَتَّةَ، والجمهورُ يُجَوِّزُونَه، وهذه المسألةُ لا تَجِيءُ على رَأْي القاضِي لإنْكَارِه النَّقْلُ، وإنَّما تَجِيءُ على رَأْي الأخيرَيْنِ.
ص: (وأوْلَى من الاشْتراكِ).
ش: فيه مسألتان:
إحدَّاهُما: إذا تَعَارَضَ المجازُ والاشتراكُ، فالمجازُ أولى، لكَثْرَتِه ولاستعمالِ اللفظُ دائماً في الحقيقةِ، معَ عَدَمِ القرينةِ، وفي المجازِ معها بخلافِ الاشتراكِ، فإنَّه يَخِلُّ بالفَهْمِ حيثُ لا قَرينةَ.
وقالَ قومٌ: المُشْتَرِكُ أوْلَى، لتَوَقُّفِ المجازِ على وضعَيْنِ وعلاقَةٌ دونَ المُشْتَرِكِ الحَاصِلُ بوَضْعٍ واحدٍ.
الثانيةُ: تعارضُ النقلِ والاشتراكِ، فالجمهورُ على أنَّ النقْلَ أوْلَى؛ لأنَّ معنَى المنقولِ واحدٌ بخلافِ المشتركِ، فإنَّه مُتَعَدِّدُ المعانِي، فيَخِلُّ بالفَهْمِ حتى تَرَّدَ القرينةُ.
وقالَ قومٌ: المشتركُ أوْلَى لتوقُّفِ النقلِ على النسخِ؛ أي: قد يَصِيرُ إلى النسخِ، والمشتركُ أوْلَى منه، والتوقُّفُ على المرجوحِ أوْلَى بأنْ يكونَ مَرْجُوحاً، وأُجِيبَ بأنَّ الشارعَ إذا نَقَلَ اشْتَهَرَ المعنَى المنقولُ إليه.
ص (وقيلَ: من الإضْمارِ).
ش: اخْتَلَفُوا في تَعارُضِ المجازِ والإضمارِ على ثلاثةِ مذاهبَ:
فقالَ الإمامُ في (المَعالِمِ): المجازُ أوْلَى لِكَثْرَتِه، ولأنَّ إلْحَاقَ الفردِ بالأعَمِّ الأغْلَبِ أوْلَى، وقيلَ: الإضمارُ أوْلَى؛ لأنَّ قَرِينَتَه مُتَّصِلَةٌ، وقيلَ: بتَساوِيهِما، لاحتياجِ كلٍّ منهُما إلى ثلاثِ قرائِنَ، وجَزَمَ به في (المحصولِ) وتَابَعَه البَيْضَاوِيُّ، وعلى هذا فيكونُ اللفظُ مُجْمَلاً حتى لا يَتَرَجَّحَ أحدُهما على الآخَرِ إلا بدليلٍ، ومثَّلَ بعضُهم المسألَةَ بقولِه لعَبْدِه الذي أكْبَرُ منه سِنًّا: هذا ابنِي وقد سَبَقْتُ.
واعْلَمْ أنَّ كلامَ المصنِّفِ يَقْتَضِي جَريانَ الخلافِ في تَعارُضِ النقلِ والإضمارِ، والمعروفُ أوْلَوِيَّةٌ: الإضمارُ؛ لأنَّه من بابِ البلاغةِ، بخلافِ النقلِ، ولأنَّ النقلَ يَقْتَضِي النسخَ بخلافِ الإضمارِ، ولأنَّ النقلَ أنْكَرَه كثيرٌ من المُحَقِّقِينَ وأَجْمَعُوا على الإضْمارِ.
ص: (والتخصيصُ أوْلَى منْهُما).
ش: أي: من المجازِ ومن النقلِ، أمَّا كونُه أوْلَى من المجازِ، فلأنَّ دلالةَ العامِّ على أفْرادِهِ بعدَ التخصيصِ يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ حقيقةٌ، ودلالةُ المجازِ على مَعْناهُ المجازيِّ لا تَحْتَمِلُ ذلك لكونِه خلافَ الإجماعِ، والحقيقةُ راجِحَةٌ على المجازِ، والمُحْتَمَلُ للراجِحِ راجِحٌ، فيكونُ التخصيصُ راجحاً، كقولِنَا: العمرةُ فَرْضٌ لقولِه تعالَى: {وَأَتَمِّوُا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ}، والأمرُ للوجوبِ فيقولُ المالكيُّ: تخصيصُ النصِّ بالحجِّ والعمرَةِ المشروعِ فيهما؛ لأنَّ استعمالَ الإتمامِ في الابتداءِ مجازٌ، والتخصيصُ أوْلَى من المجازِ، وأمَّا كونُه أوْلَى من النقلِ، فلأنَّ التخصيصَ خيرٌ من المجازِ والمجازُ خيرٌ من النقلِ كما بَيَّنَّا، والخيرُ من الخيرِ خيرٌ، لقولِ المالكيِّ: يَلْزَمُ الظِهارُ من الأمَةِ، لقولِه تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} فإنْ قالَ الشافعيُّ: هو منقولٌ في العُرْفِ للحرَّةِ، فلا يَتَناولُ مَحَلَّ النزاعِ، ولو لم يكنْ منقولاً لَلَزِمَ أنْ يكونَ مُخَصَّصاً بذواتِ المحارمِ، فإنَّهم من نِسائِهم ولا يَلْزَمُ فيهنَّ ظهارٌ، كانَ للمالكيِّ أنْ يقولَ: إذا تَعَارَضَ النقلُ والتخصيصُ، فالتخصيصُ أوْلَى، وعُلِمَ منه أنَّه أوْلَى من الإضْمارِ؛ لأنَّ التخصيصَ خيرٌ من المجازِ، والمجازُ مساوٍ= للإضمارِ، والأوْلَى، من المساوِي أوْلَى، كقولِ المالكيِّ: الكلبُ طَاهِرٌ، لقولِ اللهِ تعالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. والضميرُ عامٌّ في جميعِ الجوارحِ، فيَجُوزُ أكلُّ أيُّ مَوْضِعٍ فيه، عَمَلاً بالظاهرِ.
فيقولُ الشافعيُّ: يَلْزَمُكُمْ جوازُ ما أَمْسَكَ بعدَ القُدْرَةِ عليه من غيرِ زكاةٍ، وليسَ كذلك فيَلْزَمُ التخصيصُ بل هنا إضمارٌ تقديرُه: كُلُوا من حَلالِ ما أَمْسَكْنَ، وكونُ موضعٍ فيه من الحَلالِ مَحَلَّ النزاعِ.
فللمَالِكِيِّ أنْ يقولَ: ما ذَكَرْنَاهُ يَلْزَمُ منه التخصيصُ وعلى ما ذَكَرْتُمُوهُ يَلْزَمُ الإضمارُ، والتخصيصُ أوْلَى.
تنبيهٌ: إنَّما اقْتَصَرَ المصنِّفُ على هذه الخمسةِ، أعنِي المجازَ، والنقلَ، والاشتراكَ، والإضمارَ، والتخصيصَ؛ لأنَّها أصْلُ ما يُخَلُّ بالتَّفَاهُمِ، ثمَّ يَقَعُ التعارضُ بينَ الاشتراكِ وبينَ الأربعَةِ الباقِينَ، ثمَّ بينَ النقلِ وبينَ الثلاثةِ الباقيةِ، ثمَّ بينَ المجازِ وبينَ الوجْهَيْنِ الباقيَيْنِ، ثمَّ بينَ الإضمارِ والتخصيصِ.
ص: (وقد يكونُ بالشَّكْلِ أو صِفَةً ظاهرةً، أو باعتبارِ ما يكونُ قَطْعاً أو ظَنًّا لا احتمالاً، وبالضِّدِّ والمجاورةِ، والزيادةِ والنقصانِ، والسببِ للمُسَبِّبِ، والكلِّ للبعْضِ، والمُتَعَلِّقِ للمُتَعَلِّقِ بالعكوسِ، وما بالفِعْلِ على ما بالقُوَّةِ).
ش: المجازُ لا بُدَّ فيه من العَلاقَةِ، بينَه وبينَ الحقيقةِ ولا يَكْفِي مُجَرَّدُ الاشتراكِ في أَمْرٍ ما، وإلاَّ لجَازَ إطلاقُ كلِّ شيءٍّ على ما عَدَاهُ، ويُتَصَوَّرُ من وجوهٍ:
أحدُها: الاشْتراكُ في الشكْلِ، كإنسانٍ للصورةِ المَنْقُوشَةِ على الجدارِ.
والثاني: الاشتراكُ في الصفَةِ، ويَجِبُ أنْ تكونَ ظاهرةٌ ليَنْتَقِلَ الذِّهْنُ إليها، كإطلاقِ الأسدِ على الشجاعِ بخلافِ إطْلاقِهِ على الأُبْخَرِ=.
الثالثُ: باعتبارِ ما يكونُ كذا أطْلَقُوا هنا، وهو إنَّما يكونُ فيما إذا تَحَقَّقَ المثالُ إمَّا قَطْعاً، كقولِه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}. أو غالباً كما في تَسْمِيَةِ العَصيرِ خَمْراً في قَوْلِهِ تعالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً}؛ لأنَّه في الغالبِ يَصِيرُ خَمْراً، ولو قالَ المصنِّفُ: أو غالباً بَدَلٌ= أو ظَنًّا لكانَ أَوْلَى.
واعْلَمْ أنَّ الأصْحابَ وإنْ لم يَذْكُرُوا هذا القَيْدَ هنا لكنَّهم ذَكَرُوه في بابِ التأويلِ في كلامِهم معَ الحَنَفِيَّةِ، في ((أَيُّمَا امْرَأَةٌ نَكَحَتْ نَفْسَهَا فَنِكَاحُهَا بِاطِلٌ)). حيثُ قالُوا: آيِلٌ للبُطْلانِ باعتراضِ الوليِّ، قالَ أصْحَابُنَا: المآلُ إلى البطلانِ هنا ليسَ قَطْعاً ولا غالباً الذي هو شَرْطٌ في استعمالِ هذا النوعِ، بل إطْلاقُ البطلانِ باعتبارِ ما يَؤُولُ إليه في المَحَلِّ المذكورِ نادِرٌ.
وحُمِلَ كلامُ الشارعِ الخارجِ مَخْرَجَ التعْمِيمِ عليه لا يَجُوزُ، فلو قالَ المصنِّفُ بَدَلَ قولِه: أو ظَنًّا لا احْتمالاً، غالباً لا نادراً لكانَ أوْلَى، وشَرَطَ الكَيَا الهَرَّاسُ: أنْ يكونَ المآلُ مَقْطُوعاً به، ولا يَكْفِي الظَّنُّ، وإطلاقُ الجمهورِ يَقْتَضِي أنَّه لا فَرْقَ، فلهذا سَوَّى المصنِّفُ بينَهُما، نَعَمْ، لا يَكْفِي الاحتمالُ المرجوحُ بالاتفاقِ، وحَقُّهُ إذا زَادَ هذا الَقيْدُ على المُصَنِّفِينَ أنْ يقولَ بل بنَفْسِه كالحُرِّ ليَخْرُجَ العَبْدُ، فإنَّه لا يُطْلَقُ عليه حُرًّا باعتبارِ ما يُؤَوَّلُ إليه.
الرابعُ: تَسْمِيَةُ الشيءِ باسمِ ضِدِّه كقولِه تعالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}. أطْلَقَ على الجزاءِِ سَيِّئَةً معَ أنَّه ليسَ سَيِّئَةً.
الخامسُ: تَسْمِيَةُ الشيءِ باسمِ ما يُجَاوِرُه كإطْلاقِ لفظِ الراويةِ على القُرْبَةِ التي هي ظرْفُ الماءِ فإنَّ الراويةَ لغَةُ اسمٍ للجَمَلِ الذي يُسْقَى عليه، ثمَّ أَطْلَقَ على القُرْبَةِ لمُجَاوِرَتِها.
السادسُ: الزيادَةُ، ومَثَّلُوه بقولِه تعالَى: {لَيْسَ كَمَثْلِهِ شَيْءٌ} فإنَّ الكافَ زائدةٌ، والتقديرُ ليسَ مثلَ مثْلِه شيءٌ، وإلاَّ لَزِمَ المثلُ وهو مُحالٌ، ويَجُوزُ أنْ تكونَ غيرَ زائدةٍ ولاَ يَلْزَمُ المحذورُ، لوجوهٍ:
أحدُها: أنَّه يَجُوزُ سَلْبُ الشيءِ عن المعْدومِ، كما يَجُوزُ سَلْبُ الكتابَةِ عن زيدٍ وهو معدومٍ.
وثانيها: أنَّ المثْلَ يَأْتِي بمعنَى الشَّبَهِ كالشبهِ، والشبَهُ والمِثْلُ: الصفةُ، قالَ تعالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}؛ أي: صِفَتُها، والتقديرُ ليسَ كصِفَتِه شيءٌ.
ثالثُها: أنْ يكونَ لَفْظُ المِثْلِ كهُوَ، في قَوْلِهِم: مِثْلُك لا يَبْخَلُ؛ أي: أنتَ لا تَبْخَلُ فلا يُرادُ غيرُ ما أُضِيفَ إليه، وإليه، أَشَارَ الشاعرُ بقولِه:
ولم أَقُلْ مِثْلُكَ نَعْنِي بِه غَيْرَكَ يَا فَرْداً بِلاَ مُشَبَّهٍ.=
وهنا ضَرْبٌ من الكنايةِ التي هي أَبْلَغُ من التصريحِ، لتَضَمُّنِها إثباتُ الشيءِ بدَلَيلِه، فيكونُ المعنَى ليسَ كهو شيءٌ.
السابعُ: النقصانُ في اللفظِ، كقولِه تعالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}؛ أي: أهْلَ القريةِ، فإنَّ القريةَ عبارةٌ عن الأبْنِيَةِ وهي لا تُسْأَلُ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: يَخْلُقُ اللهُ تعالى فيها قُدْرَةً على الكلامِ، ويكونُ ذلك مُعْجِزَةً لذلك النبيِّ، ويَبْقَى اللفظُ على حقيقتِهِ، قالَ الشيخُ عِزُّ الدِّينِ في كتابِ (المجازِ): ليسَ حَذْفُ المضافِ من المجازِ؛ لأنَّ المجازَ استعمالُ اللفظِ في غيرِ مَوْضِعِه، والكلمةُ المَحْذُوفَةُ ليسَتْ كذلك، وإنَّما التجوُّزُ في أنْ نُسِبَتْ إلى المُضافِ إليه ما كانَ مَنْسُوباً إلى المُضافِ فجَعَلَهُ من مَجازِ التَّرْكِيبِ العَقْلِي لا من اللُّغويِّ الإفراديِّ.
الثامنُ: إطلاقُ السببُ على المُسَبِّبِ، سواءٌ كانَ السببُ فاعِليًّا كتِسْمِيَةِ المَطَرِ باسمِ السماءِ، أو مَاديًّا كقولِك: سَالَ الوادِي، أو صُورِيًّا، كتِسْمِيَةِ القُدْرَةِ باليدِ، أو غَائِياً كتِسْمِيَةِ العِنَبِ خَمْراً.
التاسعُ: عَكْسُه، كتِسْمِيَةِ المَرْضِ الشديدِ بالمَوْتِ.
العاشرُ: إطلاقُ اسمُ الكلِّ على البعضِ، كقولِه تعالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}؛ أي: أَنَامِلَهُم.
الحادي عَشَرْ: عَكْسُه، كقولِه للزنْجِيِّ أسْوَدٌ، معَ أنَّ فيه بياضٌ أسنَانِه.
الثاني عَشَرَ: تَسْمِي‍َةُ المُتَعَلِّقِ باسمِ المُتَعَلِّقِ، كتِسْمِيَةِ المَخْلُوقِ خَلْقاً قالَ اللهُ تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللهِ}.
الثالثَ عَشَرَ: عَكْسُه كقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا أَوْ سَبْعاً)). والمعنَى: تَحِيضِي ستًّا أو سَبْعاً وهو معلومُ اللهِ تعالى، وقد أَطْلَقَ عليه العِلْمَ، فقولُ المُصَنِّفُ، وبالعكوسِ راجِعٌ للثلاثَةِ الأخيرَةِ وقد بَيَّنَّاهُ.
الرابعَ عَشَرَ: إطْلاقُ ما بالفِعْلِ على ما بالقوَّةِ، كتَسْمِيَةِ الخَمْرِ حالَ كونِه في الدَّنِّ بالمُسْكِرِ، وقد يُقالُ: تَرْجِعُ هذه إلى قولِه أوَّلاً: باعتبارِ ما كانَ، لكنَّ الظاهرَ أنَّ ما صَنَعَه المصنِّفُ في حذْفِها أوْلَى، خلافاً للمُخْتَصِرِينَ؛ لأنَّهم جَزَمُوا بأنَّ إطلاقَ اللفظِ باعتبارِ ما كانَ مَجَازٌ، ثمَّ تَرْجَمُوا مَسْأَلَةَ إطلاقِ اسمِ الفاعل باعتبارِ الماضِي، وحَكُوا فيها الخلافَ، وهي عَيْنُ المسألَةِ المذكورةِ.
ص: (وقد يكونُ في الإسنادِ خلافاً لقومٍ).
ش: المجازُ إمَّا أنْ يكونَ في مُفْرداتِ الألفاظِ، كإطلاقِ الأسدِ على الشجاعِ، والحمارِ على البَلِيدِ ونحوِه، وهو ما سَبَقَ يُسَمَّى اللُّغَوِيُّ، وإمَّا أنْ يكونَ في تَرْكِيبِها، وهو أنْ يُسْنِدَ الفِعْلُ إلى غيرِ مَن يَصْدُرُ عنه بضَرْبٍ من التأويلِ، كقولِه تعالَى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}. {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلَّنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}، فإنَّه اسْتَعْملَ كلُّ واحدَةٍ من ألفاظِه المفردَةِ في موضوعِه، لكنْ أُسْنِدَ الزيادَةُ والإضلالُ إلى الآياتِ والأصنامِ، فجَعَلَ المجازُ في الترْكيبِ، ويُسَمَّى: العَقْلِيُّ؛ لأنَّ التجوُّزَ فيه نسبةُ الفِعْلِ إلى غيرِ مَن صُدِرَ منه، وهو أَمْرٌ عَقْلِيٌّ لا وَضْعِيٌّ، وأَنْكَرَه السَّكَاكِيُّ، ورَدَّه إلى اللُّغَوِيِّ فيكونُ المَجازُ كلَّه لُغَوِيًّا، وتَبِعَهُ ابنُ الحَاجِبِ في أَمَالِيهِ ومُخْتَصَرِه الكبيرِ تَصْريحاً، واسْتَبْعَدَه في (الصغيرِ) لكنِ اخْتَلَفَا فيما هو، ويَتَلَخَّصُ في (أَنْبَتَ الرَّبِيع البقْلُ) أرْبَعَةُ أقْوالٍ:
أحدُها: أنَّ المجازَ في (أَنْبَتَ) وهو المُسَبَّبُ العادِي، وإنْ كانَ وَضَعَه للسَّبَبِ الحقيقيِّ وهو رَأْيُ ابنُ الحَاجِبِ، فالمجازُ عندَه في الأفرادِ.
الثاني: أنَّه في الرَّبِيع فإنَّه تَصَورٌ بصُورَةِ فاعلٍ حقيقيٍّ فأَسْنَدَ إليه ما يُسْنَدُ إلى الفاعلِ الحقيقيِّ وهو رَأْيُ السَّكَاكِيِّ إنَّه من الاستعارةِ بالكِنايةِ.
الثالثُ: إنَّه في الإسنادِ وهو أنَّ كلَّ هيئةٍ تَرْكَيبَيْةٍ وُضِعَتْ بإزاءِ تأليفٍ مَعْنَوِيٍّ، وهذِه وُضِعَتْ لمُلابَسَةِ الفاعلِيَّةِ، فإذا اسْتُعْمِلَتْ لمُلابَسَةِ الظرفيَّةِ أو نحوِها، كانَتْ مَجَازاً وذلك نحوَ: صَامَ نَهارَه وقَامَ لَيْلَهُ، وهو رَأَيُ عبدُ القاهرِ.
والرابعُ: إنَّه تَمْثِيلٌ، فلا مَجازَ فيه في الإسنادِ ولا في الإفرادِ بل هو كلامُ أُورِدَ ليُتَصَوَّرَ معناهُ، فيَنْتَقِلُ الذِّهْنُ منه إلى إثباتِ اللهِ ليُصَدَّقَ فيه، وهو اختيارُ الإمامِ فَخْرِ الدِّينِ في (نِهايةِ الإيجَازِ) قالَ القاضِي عَضَدُ الدِّينِ: والحَقُّ أنَّها تَصَرُّفَاتٌ عَقْلِيَّةٌ ولا حَجْرَ فيها فالكلُّ مُمْكِنٌ، والنَّظَرُ إلى قَصْدِ المُتَكَلِّمِ.
ص: (وفِي الأفعالِ والحروفِ وِفاقاً لابنِ عبدِ السلامِ والنقْشَوَانِيِّ، ومَنَعَ الإمامُ الحَرْفَ مُطْلقاً، والفعلُ والمُشْتَّقُ إلاَّ بالتبَعِ).
ش: قالَ الشيخُ عِزُّ الدِّينِ في كتابِ (المَجازِ) وقد تَجَوَّزَتِ العَرَبُ في الأسماءِ والأفعالِ والحروفِ، فمِن التجَوُّزِ في الأسماءِ: التعبيرُ بالأسدِ عن الشجاعِ، وبالبحْرِ عن الجوادِ وهو كثيرٌ، وأمَّا الحروفُ فقد تَجَوَّزُوا ببَعْضِها، كهَلْ، تَجَوَّزُوا بها عن الأمْرِ نحوَ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}؛ أي: فَأَسْلَمُوا، أو النفْيِ نحوَ: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}؛ أي: مَا تَرَى، أو التقْدِيرُ، نحوَ: {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ} وَعَدَّ حُرُوفاً كَثِيرَةَ، وأمَّا الأفعالُ فقد تَجَوَّزُوا بالمَاضِي عن المستقبلِ تَشْبِيهاً له في التحقيقيِّ، كقولِه تعالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، {ونَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ}، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ}، وعَكْسَه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتّْلُوا الشَّيَاطِينِ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانِ}؛ أي: تَلَتْه، وبِلَفْظِ الخَبَرِ عن الأمَرِ نحوَ: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أَوْلاَدَهُنَّ} وعكسُه، نحوَ: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فلَيُمْدِدْ لَهُ الرَّحْمَنِ مَدَّا}. وأَكْثَرُ من ذلك. وكذلك قالَ النَّقْشَوَانِيُّ في رَدِّه على الإمامِ في مَنْعِه الدخولُ في الحروفِ؛ لأنَّ للحَرْفِ مُسَمًّى في الجُمْلَةِ، وقد اسْتُعْمِلَ في مَوْضوعِه، فيكونُ حقيقةٌ، فإذا اسْتُعْمِلَ في غيرِه لعلاقَةٍ كانَ مجازاً، ومثَّلَ بقولِه تعالَى: {لأُصْلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} فإنَّ حقيقةَ (في) الظرفيَّةِ، وهنا اسْتُعْمِلَتْ لغيرِها، وقالَ الإمامُ في (المحصولِ) لا يَدْخُلُ في الحرْفِ، أي: بالأصالَةِ؛ لأنَّ مَفْهُومَه غيرُ مُسْتَقِلٌّ بنفسِه، فإنَّ ضُمَّ إلى ما يَنْبَغِي ضَمَّه، كانَ حقيقةً، وإلاَّ فهو مجازٌ في التركيبِ عَقْلِيٌّ لا لُغَوِيٌّ.
وأمَّا الأفعالُ والمُشْتَقَّاتُ فقالَ الإمامُ: لا يَدْخُلُها المجازُ بالذاتِ؛ لأنَّهما: يَتْبَعَانِ أُصُولَهُما، وأصْلُ كلٍّ منهما المصْدرُ، لكونِ الأفعالُ مُشْتَقَّةً من المصادرِ على الصحيحِ، والأفعالُ أصْلٌ للصِّفَاتِ المُشْتَقَّةِ منها، فتكونُ المصادرُ أصْلاً لها أيضاًً، وإذا كانَ كذلك فيَمْتَنِعُ دُخولُ المَجازِ فيها إلا بعدَ دُخُولِه في المصادرِ التي في ضِمْنِها فإنْ كانَ المَصْدَرُ حقيقةً كانَا كذلك وإلاَّ فلا، والحاصلُ إنَّه لا يَدْخُلُ فيهما المَجازُ إلاَّ بواسطَةِ دُخُولِه في المصْدرِ، ومثلُه قُوْلُ البَيانِيِّينَ في الاستعارةِ التَّبِعِيَّةِ، تكونُ في الأفعالِ والصفاتِ المشتقَّةِ والحروفِ، وأنَّها لا تَحْتَمِلُ الاستعارةُ بأنْفُسِها، وإنَّما المُحْتَمَلُ للاستعارةِ في الأفعالِ والصفاتِ مصادِرُها.
وفي الحروفِ: مُتَعَلِّقاتُ مَعانِيهَا فتَقَعُ الاسْتِعَارَةُ في المصْدرِ، ثمَّ يَسْرِي إلى الحروفِ، فلا يُسْتَعارُ الفعلُ إلاَّ بعدَ استعارَةٍ مَقْصُودَةٍ فلا تقولُ نَطَقْتَ الحالَ بكذا بَدَلَ دَلَّتْ، إلاَّ بعدَ تقديرِ استعارَةِ نُطْقِ الناطِقِ لدَلالَةِ الحالِ، وإذا أُرِيدَ استعارَةُ (لَعَلَّ) لغيرِ معناها، قُدِّرَتْ الاستعارةُ في معنَى الترَجِيِّ، اسْتُعْمِلَتْ هناك (لَعَلَّ)، وإذا أُرِيدَ اسْتِعارَة (لامَ العَرَضِ) قًُدِّرَتْ الاستعارَةُ في معنَى العرْضِ، ثمَّ اسْتُعْمِلَتْ لامَ العَرْضِ هناك، وقد ضَعَّفَ شُرَّاحُ (المحصولِ) كلامَ الإمامِ في الفِعْلِ، فإنَّه كثيراً ما يُسْتَعْمَلُ في المستقبلِ مجازاً، وكذا صيغَةُ المُسْتَقْبَلِ في الماضِي معَ عَدَمِ دُخُولِ المجازِ في المَصْدَرِ، الذي هو في ضِمْنِ الفعْلِ الماضِي أو المُسْتَقْبَلِ.
وأمَّا في المُشْتَقِّ، فلأنَّ اسمَ الفاعلِ قد يُسْتَعْمَلُ في المفعولِ مَجازاً، وعَكْسِه معَ عَدَمِ دُخُولِ المَجازِ في المصْدَرِ، وأيضاًً فقد يُطْلَقُ الضارِبُ على مَن صَدَرَ منه الضرْبُ، وعلى مَن سَيَصْدُرُ منه في المستقبلِ بطريقِ المجازِ معَ عَدَمِ دُخُولِ المجازِ في الضرْبِ الذي هو مَصْدَرُه إذا عَلِمْتَ هذا فقولُ المُصَنِّفُ، (ومَنَعَ الإمِامُ الحَرْفَ مُطْلَقاً) مَرادُه بالنسبَةِ إلى مجازِ الأفرادِ، وإلاَّ فقد سَبَقَ أنَّه يَجُوزُ دُخولُ المجازِ فيه بالانْضمامِ، لكنَّه جَعَلَه من بابِ مجازِ التَّرْكِيبِ لا الإفرادِ الذي هو بَحْثُ الأُصُولِيِّ.
ص: (ولا يكونُ في الأعْلامِ خِلافاً للغزالِيِّ في مُتَلَّمَّحِ الصفَةِ).
ش: لا يَدْخُلُ المجازُ في الأعلامِ لا بالذاتِ ولا بالواسطةِ؛ لأنَّها وَضَعَتْ للفَرْقِ بينَ ذاتٍ وذاتٍ، فلو دَخَلَها المجازُ لبَطُلَ هذا الغَرَضُ، ولأنَّها لا تُنْقَلُ لعَلاقَةٍ، وشَرْطُ المَجَازِ العَلاقَةُ، فإنَّ استعمالَ العِلْمِ في مُسَمَّاهُ إنَّما هو وَضْعٌ مُسْتَقِلٌّ له لا بالنقلِ للعَلاقَةِ، وسواءٌ سَبَقَ بَوَضْعِه لمُسَمًّى آخَرَ، وهو الذي يُسَمِّيه النحْوِيونَ، عَلَماً مَنْقولاً، أو لم يُسْبَقْ، وهو الذي يُسَمُّونَه: مُرْتَجِلاً، كغطفانَ.
كذا قالَه الإمامُ والبَيْضَاوِيُّ، وفَصَّلَ الغزالِيُّ، فقالَ: يَدْخُلُ في الأعلامِ المَوْضُوعَةِ للصفَةِ كالأَسْوَدِ والحَارِثِ، دونَ الأعلامِ التي لم تُوضَعْ إلاَّ للفَرْقِ بينَ الذواتِ كزَيْدٍ وعَمْرٍو، وهو حَسَنٌ. وقالَ بعضُ شَارِحِي (المحصولِ) إنَّما قالَ الغزالِيُّ ذلك بناءٌ على رَأْيه في عَدَمِ اعتبارِ العَلاقَةِ في المَجازِ، فإنَّ المَجازَ عندَه: ما اسْتَعْمَلَتْه العَرَبُ في غيرِ موضوعِه وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه لو قالَ ذلك بناءً على عَدَمِ اعتبارِ العَلاقَةِ لم يَفْصِلْ بينَ زيدٍ والحارثِ، بل جَعَلَ الكلَّ مَجازاً، إذا يُصَدِّقَ على كلِّ منهُما أنَّه اسْتَعْمَلَتْه العَرَبُ في غيرِ موضوعِه.
واعْلَمْ أنَّ المصنِّفَ لم يَحْكِ قولاً بالتَّجَوُّزِ في الأعلامِ مُطْلَقاً، وقد حَكَاهُ الأَبْيَارِيُّ، فتَجْتَمِعُ ثلاثةُ مذاهبَ، ووجْهَهُ بأنَّك تقولُ: قَرَأْتُ سِيبَوَيْه، وأنت تُرِيدُ (الكتابُ)، فقد تَجُوزُ بإطلاقِ اسمِ صاحِبِ الكتابِ عليه ثمَّ ضَعَّفَه، فإنَّ سِيبَوَيْه باقٍ على الدلالةِ على الرجُلِ، وإنَّما جَاءَ التَّجَوُّزُ من جِهَةِ= حَذْفِ الكتابِ لا من جِهَةِ إطلاقِ لفظِ صاحبِ الكتابِ عليه.
وقالَ ابنُ يَعِيشَ في شرحِ (المفصَّلِ) قالَ النحْوِيُّونَ: العَلَمُ ما يَجُوزُ تَبْدِيلُه وتَغْييرُه ولا يَلْزَمُ من ذلك تَغْييرِ اللُّغَةِ، فإنَّ لك أنْ تَنْقُلَ اسمَ وَلَدِك من خَالدٍ إلى جَعْفَرٍ، ومن بَكْرٍ إلى مُحَمَّدٍ، وليسَ كذلك اسمُ الجنسِ، فإنَّك لو سَمَّيْتَ الرجُلَ فَرَساً أو الفَرَسُ رجُلاً كانَ ذلك، تَغَيُّراً للُّغَةِ، إنَّما أَتَى بالأعْلامِ للاخْتصارِ، وتَرَكَ التَّطْويلُ بتَعْدَادِ الصفاتِ.
ص: (ويُعْرَفُ بتَبَادُرِ غيرُه، لولا القَرينَةُ وصِحَّةِ النَّفْيِ وعَدَمِ وُجُوبِ الاطْرادِ، وجَمْعُه على خلافِ جَمْعِ الحقيقةِ، وبالْتِزامِ تَقْييدِه وتَوَّقُفِهِ على المُسَمَّى الآخَرِ والإطْلاقُ على المستحيلِ.
ش: يُعْرَفُ المجازُ بوجوهٍ: أوَّلُها: وهو الأقْوَى، ولهذا صَدَرَ به أنْ يَتَبَادَرَ غيرُه إلى الفِهْمِ، لولا القرينةِ، والحقيقةُ بالعكسِ، وأَوْرَدَ عليه المجازُ الراجحُ، وأُجِيبَ بأنَّه نادرٌ، فلا يَقْدَحُ، إذ الغالبُ أنَّ المُتبادَرَ إنَّما هو الحقيقةُ.
ثانيها: صِحَّةُ النَّفْيِ، كقولِك للبَلِيدِ: ليسَ بحُمَارٍ، وللجَدِّ: ليسَ بأَبٍ، وصِحَّةُ النَّفْيُ دَلِيلٌ على أنَّه مَجازٌ فيه، وعَكْسُه الحقيقَةُ، وزَادَ بَعْضُهم: في نَفْسِ الأمْرِ، ليَحْتَرِزَ عن نفْسِ الظَّانِّ، فإنَّه لا يَدُلُّ عليه واخْتارَ صاحبُ (البديعِ) أنَّ صِحَّةَ النَّفْيِ حُكْمٌ من أحكامِ المجازِ، لا يُعْرَفُ له معنًى، إنَّه حُكْمٌ ثابتٌ في الواقعِ، إذا عُلِمَ أنَّه مَجازٌ بطريقَةٍ، عُلِمَ صِحَّةَ نَفْيهِ؛ لأنَّ كونَه مُعَرَّفاً مُسْتَلْزِمٌ للدورِ.
ثالثُها: أنَّه لا يَجِبُ فيه الاطْرَادُ، فإنَّه يُسْتَعْمَلُ لوجودِ معنًى في مَحَلٍّ، ولا يَجُوزُ اسْتَعْمَالُه في مَحَلٍّ آخَرَ معَ وجودِ ذلك المعنَى فيه كما تقولُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}؛ لأنَّه سؤالٌ لأهْلِها، فلا تقولُ: اسْأَلِ البِساطَ وإنْ وُجِدَ فيه ذلك.
قالَ ابنُ الحَاجِبِ: وهو لا يَنْعَكِسُ؛ أي: ليسَ الاطْرَادُ دليلُ الحقيقةِ، فإنَّ المَجازَ قد يَطَّرِدُ، كالأسدِ للشجاعِ، وجوابُه: إنَّه وإنْ اطَّرَدَ لكنَّه لا يَجِبُ، ومن هنا حَسُنَ زِيادَةُ المُصَنِّفِ الوجوبَ عليه.
رابِعُها: جَمْعُه على صِيغَةٍ مُخالِفَةٍ كمُسَمًّى آخَرَ هو فيه حقيقةٌ، كالأمْرِ، فإنَّه بمَعْنَى القولِ، يُجْمَعُ على أوامِرَ، وبمعنَى الفعْلِ، على أمورٍ، ونُوَزِّعُ في هذا المثالِ.
خامسُها: التزامُ تَقْييدِه، فلا يُسْتَعْمَلُ في ذلك المعنَى عندَ الإطلاقِ كجُناحِ الذُّلِّ ونارُ الحرْبِ، فإنَّ الجُناحَ والنارَ قد تُسْتَعْمَلُ في معانيهِما الحقيقةُ بدونِ قَيْدٍ، ومتى اسْتَعْمَلُوها في الذُّلِّ والحرْبِ، قَيَّدُوهُما: فَدَلَّ على كونِه مَجازاً فيه، وإنَّما قالَ: بالتزامِ تَقْييدِه، ولم يَقُلْ: بتَقْييدِه، احْتِرازاً عن الحقيقةِ في اللفْظِ المُشْتَرَكِ، فإنَّه قد يُقَيَّدُ أيضاًً، كما يُقالُ في العَيْنِ: رَأَيْتُ عَيْناً جَارِيَةً، لكنْ لا على طريقِ الالتزامِ.
سادسُها: توقَّفَ اسْتِعْمَالُها على المُسْمَّى الآخَرِ، سواءٌ كانَ ذلك ملفوظاً به، كقولِه تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} فلا يُقالُ: مَكْرُ اللهِ ابتداءً أو مُقَدَّراً كقولِه تعالَى: {قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً}. ولم يَتَقَدَّمْ لمَكْرِهم ذِكْرٌ في اللفْظِ، لكنَّه مَذْكورٌ معنَى، الإطلاقُ على المُسْتَحيلِ، فإنَّ الاستحالةَ تَقْتَضِي أنَّه غَيرَ موضوعٍ له فيكونُ مجازاً، كقولِه تعالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةِ} وأَورَدَ بأنَّ المجازَ العَقْلِيُّ كذلك معَ أنَّه حقيقةٌ لُغَوِيَّةٌ، وأُجِيبَ بأنَّ المُرادَ ما يَقَعُ تَعْلِيقُه به بالبَدِيهَةِ، والذي في المجازِ العَقْلِيِّ امْتِناعُه نظراً.
ص: والمختارُ اشْتِراطُ السمْعِ في نوعِ المجازِ وتوقَّفَ الآمِدِيُّ.
ش: يُشْتَرَطُ أنْ يَكُونَ بينَ المفهومِ الحقيقيُّ والمَجَازِيُّ عَلاقَةٌ مُعْتَبِرَةٌ، وإلاَّ جَازَ اسْتِعمالُ كلُّ لفْظٍ في كلِّ معنًى، وهو باطلٌ، ضرورةٌ. إذا عَلِمْتَ هذا، فجِنْسُ العَلاقَةُ يُشْتَرَطُ بالإجْماعِ لمَا ذَكَرْنَا، وشَخَّصَها غيرُ مُشْتَرَطٍ بالإجماعِ، فلا يُقالُ: لا يُطْلَقُ الأسدُ على الشجاعِ إلاَّ بنَقْلٍ عن العربِ، ومَحَلِّ الخلافُ إنَّما هو في النوعِ، هل يَكْفِي بالعَلاقَةِ إلى نَظَرِ العربِ إليها، كإطْلاقِهم السببُ على المُسَبَّبِ، ويزيدُ عليه كالمُسَبَّبِ على السببِ أو لا يَتَعَدَّى عَلاقَةُ السببِ إلى عَلاقةٍ أُخْرَى، وإنْ سَاوَتْها، ما لم تَفْعَلِ العربُ ذلك، فاختارَ المصنِّفُ الثاني تَبَعاً للرَّازيِّ والبَيْضَاوِيِّ، وإلاَّ لجَازَ التَّجَوُّزُ بالأسدِ عن الأَبْخَرِ لوجودِ شَبَهٌ، إمَّا= واختارَ ابنُ الحَاجِبِ الأوْلَى، وتَوَقَّفَ الآمِدَيُّ للتَّعارُضِ.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: والمجاز اللفظ المستعمل بوضع ثان لعلاقة، فعلم وجوب سبق الوضع وهو اتفاق لا الاستعمال وهو المختار، قيل: مطلقاً، والأصح لما عدا المصدر، وهو واقع خلافاً للأستاذ والفارسي مطلقاً، وللظاهرية في الكتاب والسنة.
ش: (اللفظ) جنس.
وخرج بقوله (المستعمل) المهمل، واللفظ قبل الاستعمال، ولو عبر بالقول لكان أولى، كما تقدم.
وخرج بقوله: (بوضع ثان) الحقيقة، وهو أحسن من قول ابن الحاجب: (في غير وضع أول).
وخرج بالعلاقة العلم المنقول: كبكر، وكلب فليس بمجاز، لأنه لم ينقل لعلاقة.
وعلم من هذا التعريف أمران.
أحدهما: أن المجاز يستلزم وضعاً سابقاً عليه، ولا خلاف فيه.
وثانيهما: أنه لا يستلزم سبق استعمال، فقد يستعمل المجاز من غير استعمال الحقيقة، وهي مسألة أن المجاز هل يستلزم الحقيقة؟ ونقل فيه المصنف ثلاثة مذاهب.
أحدها: منع ذلك، بل لا بد لصحة المجاز من سبق استعمال اللفظ في حقيقته، وهذا مقابل المختار في كلام المصنف، وبه قال أبو الحسين البصري وابن السمعاني والإمام.
الثاني: جوازه، أي جواز استعمال المجاز بدون استعمال الحقيقة مطلقاً.
الثالث: وهو مختار المصنف تبعاً للآمدي: جوازه في غير المصدر.
ثم حكي الخلاف في أن المجاز واقع أم لا؟
والمشهور وقوعه مطلقاً أي في اللغة والشرع والعرف، وذهب الأستاد أبو إسحاق، وأبو علي الفارسي إلى منع وقوعه مطلقاً وتوقف الإمام والغزالي في صحته عن الأستاذ، وقالا: لعله أراد أنه ليس بثابت ثبوت الحقيقة، ونقل ذلك عن الفارسي هو في فوائد الرحلة لابن الصلاح، عن ابن كج عنه، لكن نقل عنه تلميذه أبو الفتح أن المجاز غالب على اللغات.
ومنع الظاهرية وقوع المجاز في الكتاب والسنة، كذا نقله في (المحصول) عن ابن داود، لكن قال الأصفهاني في شرحه: إن المنع في السنة لا يعرف إلا في (المحصول)
قال الشارح: لكن في (الإحكام) لابن حزم عن قوم منعه في القرآن والسنة.
وقال ابن الحاجب في الإضافة في (شرح المفصل): ذهب القاضي إلى أنه لا مجاز في القرآن.
قلت: وفي (طبقات العبادي) عن أبي العباس بن القاص من أصحابنا منعه في القرآن والحديث، وذلك يرد على الأصفهاني، والله أعلم.
ص: وإنما يعدل إليه لثقل الحقيقة أو بشاعتها أو جهلها أو بلاغته أو شهرته أو غير ذلك.
ش: إنما يعدل المتكلم في خطابه عن الحقيقة إلى المجاز، لأسباب: أحدها: ثقل لفظ الحقيقة على اللسان، كالخنفقيق بفتح الخاء المعجمة، وإسكان النون وفتح الفاء، وكسر القاف وإسكان الياء المثناة، من تحت وآخره قاف، اسم للداهية، فيعدل عنه إلى النائبة أو الحادثة، أو نحوهما.
ثانيهما: بشاعة لفظها كالتعبير بالغائط عن الخراء.
ثالثها: جهل المتكلم أو المخاطب لفظه الحقيقي.
رابعها: بلاغة لفظ المجاز لصلاحيته للسجع والتجنيس وسائر أصناف البديع دون الحقيقة، قاله الشارح تبعاً لغيره، وفيه نظر، فمعنى البلاغة معروف، في علم المعاني والبيان، وهذه الأمور ليست من البلاغة، وإنما هي وجوه تحسينات للكلام زائدة عليها.
نعم، ما ذكره يصلح لأن يكون من الأسباب التي يعدل لأجلها عن الحقيقة.
خامسها: أن يكون المجاز أشهر من الحقيقة.
وقوله: (أو غير ذلك) أي كأن يكون معلوماً عند المتخاطبين، و يقصدان إخفاءه عن غيرهما، أو لعظم معناه كقولهم: سلام الله على المجلس العالي، فهو أرفع في المعنى من قوله، سلام عليك، أو لكونه أدخل في التحقير.
ص: وليس غالباً على اللغات، خلافاً لابن جني، ولا معتمداً حيث تستحيل الحقيقة خلافاً لأبي حنيفة.
الأولى: قال في (المحصول) ادعى ابن جني أن المجاز غالب على كل لغة، سواء لغة العرب وغيرها، فإن قولنا: قام زيد، يفيد المصدر، وهو جنس يتناول جميع أفراد القيام، وهو غير مراد بالضرورة، قال: وهذا ركيك، فإن المصدر لا يدل على أفراد الماهية، بل على القدر المشترك.
قلت: وكيف يتناول جميع أفراد القيام، والأفعال في معنى النكرات والنكرة في سياق الإثبات لا تعم؟!.
الثانية: إذا أريد باللفظ معناه المجازي و كان المعنى الحقيقي هناك مستحيلاً فالمجاز عندنا لاغ غير معتمد، وعند أبي حنيفة معمول به، مثاله: إذا قال لعبده الذي هو أسن منه: هذا ابني، وأراد به العتق، لم يعتق عندنا، لأن اللفظ إنما يصلح مجازاً، إذا كان له حقيقة، وهذا اللفظ في هذا المحل لا حقيقة له، فلغى، وقال أبو حنيفة: يعتق.
ص: وهو والنقل خلاف الأصل وأولى من الاشتراك، قيل: ومن الإضمار، والتخصيص أولى منهما.
ش: فيه مسائل:
الأولى: أن المجاز خلاف الأصل، فإن أريد بالأصل الغالب، فالمخالف فيه ابن جني كما تقدم، وإن أريد به الدليل فالمراد أن المجاز على خلاف الدليل، فإذا دار اللفظ بين احتمال الحقيقة والمجاز فاحتمال الحقيقة أرجح.
الثانية: أن النقل خلاف الأصل، فإذا دار اللفظ بين كونه منقولاً وكونه باقياً على حقيقته اللغوية فالثاني أولى، ولا يقال: لم يتقدم للمصنف ذكر النقل حتى يذكر معارضه، لأن الخلاف في وجود الحقيقة الشرعية هو الخلاف في النقل، فالقاضي يمنعه، والجمهور يجوزونه.
الثالثة: إذا تعارض المجاز والاشتراك فالمجاز أولى على الصحيح.
الرابعة: إذا تعارض النقل والاشتراك فالجمهور على ترجيح النقل أيضاً.
الخامسة: إذا تعارض المجاز والإضمار ففيه مذاهب.
أحدها: تقديم المجاز لكثرته، قاله الإمام في (المعالم) والصفي الهندي والقرافي.
ثانيها: تقديم الإضمار لأن قرينته متصلة.
ثالثها: تساويهما، قاله في (المحصول) وتبعه البيضاوي، وضعف المصنف الأول، فمختاره إما الثاني أو الثالث وهو الظاهر.
السادسة: إذا تعارض النقل والإضمار فمقتضى كلام المصنف جريان الخلاف فيه، والمعروف تقديم الإضمار.
السابعة والثامنة: التخصيص أولى منهما، أي من المجاز ومن النقل.
تنبيه: ذكر المصنف هنا مما يخل بالفهم أي اليقيني دون الظني: التخصيص، والمجاز، والإضمار، والنقل، والاشتراك، فهذه خمسة، وأهمل خمسة أخرى وهي: النسخ، والتقديم، والتأخير، والمعارض العقلي، وتغير الإعراب، والتصريف، لقوة الظن مع انتفاء الخمسة الأولى، فانتقاء الاشتراك والنقل يفيد أنه ليس للفظ سوى معنى واحد، وانتفاء المجاز والإضمار يفيد أن المراد باللفظ ما وضع له، وانتفاء التخصيص يفيد أن المراد جميع ما وضع له، ويقع التعارض بينهما على عشرة أوجه، وضابطه أن تأخذ كل واحد مع ما قبله، فالاشتراك يعارضه الأربعة قبله، والنقل يعارضه الثلاثة قبله، والإضمار يعارضه الاثنان قبله، والمجاز يعارضه التخصيص قبله، فهذه عشرة، ولبعضهم في ذلك وضم إليها النسخ:
تجوز ثم إضمار وبعدهما نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه
وأرجح الكل تخصيص وآخرها نسخ فما بعده قسم يخلفه.
ص: وقد يكون بالشكل أو صفة ظاهرة أو باعتبار ما يكون قطعاً أو ظناً لا احتمالا وبالضد والمجاورة والزيادة والنقصان والسبب للمسبب والكل للبعض والمتعلق للمتعلق وبالعكوس، وما بالفعل على ما بالقوة.
ش: يشترط لصحة المجاز علاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وإلا لجاز إطلاق كل لفظ على كل معنى، وهل يشترط اعتبار العرب لنوعها؟ يأتي الكلام فيه، وذكر لها المصنف أربعة عشر نوعاً.
الأول: علاقة المشابهة في الشكل كتسمية صورة الأسد المنقوشة على جدار أسداً.
الثاني: علاقة المشابهة في الصفة، وقيدها المصنف بأن تكون ظاهرة لينتقل الذهن إليها، كإطلاق الأسد على الشجاع، بخلاف إطلاقه على الأبخر.
الثالث: علاقة الاستعداد، وهي تسمية الشيء باعتبار ما يكون، وعبارة ابن الحاجب: (باسم ما يؤول إليه)، وعبر الإمام بتسمية إمكان الشيء باسم وجوده، واشتهر التعبير عنها بتسمية الشيء باسم ما هو مستعد له، وزاد المصنف على المختصرات قوله: (قطعاً أو ظناً لا احتمالاً) فمثال القطع قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} ومثال الظن تسمية العصير خمراً، في قوله تعالى: {إني أراني أعصر خمراً} وأخذ ذلك من قول أصحابنا في الرد على الحنفية في قولهم في قوله عليه الصلاة والسلام: ((أيما امرأة نكحت نفسها فنكاحها باطل) سماه باطلاً لأنه يؤول إلى البطلان باعتراض الولي ـ المآل إلى البطلان هنا ليس قطعاً ولا غالباً.
وقال الشارح: لو عبر المصنف بدل قوله: (أو ظناً لا احتمالاً)، (أو غالباً لا نادراً) لكان أولى، قال: وحقه إذا زاد هذا القيد أن يقول: (بنفسه) ليخرج العبد فإنه لا يطلق عليه حر، باعتبار ما يؤول إليه.
الرابع: علاقة المضادة، وهي تسمية الشيء باسم ضده، كقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} سمى القصاص سيئة باسم ضده.
الخامس: علاقة المجاورة، وهي تسمية الشيء باسم ما جاوره، كتسمية القربة رواية، والراوية في اللغة اسم الدابة التي يستقى عليها، فأطلق على القربة لمجاورتها.
السادس: علاقة الزيادة، ومثل بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} فالكاف زائدة، والتقدير (ليس مثله شيء) إذ لو كانت الكاف أصلية لكان التقدير: ليس مثل مثله شيء، فيلزم إثبات مثل لله تعالى، وهو محال.
السابع: علاقة النقصان، ومثل بقوله تعالى: {واسأل القرية} فإن تقديره أهل القرية، لأن القرية هي الأبنية المجتمعة، ولا تسأل.
الثامن: علاقة السببية وهي إطلاق اسم السبب على المسبب، سواء كان السبب مادياً كقولهم: سال الوادي، أو صورياً كقوله تعالى: {الله يد الله فوق أيديهم} أي قدرته فوق قدرتهم، أو فاعلياً كقوله:
(إذا نزل السماء بأرض قوم)........
أي: المطر.
أو غائياً كتسمية العنب خمراً.
التاسع: علاقة المسببية أي إطلاق اسم المسبب على السبب، كإطلاق الموت على المرض الشديد.
العاشر: علاقة الكلية وهي إطلاق اسم الكل على البعض كقوله تعالى {يجعلون أصابعهم في آذانهم} أي أناملهم.
الحادي عشر: علاقة الجزئية وهي إطلاق اسم البعض على الكل، كقولهم للزنجي: أسود، مع بياض أسنانه، وبعض عينيه، ونوزع في هذا المثال بأنه ليس مفهوم الأسود من قام السواد بجميع أجزائه، بل من قام بظاهر جلده، فإطلاق الأسود على الزنجي حقيقة، فالأولى تمثيله بتسمية جميع الذات رقبة.
الثاني عشر: علاقة التعلق، أي تسمية المتعلق باسم المتعلق، والمراد التعلق الحاصل بين المصدر واسم الفاعل، واسم المفعول، فيشمل ستة أقسام، إطلاق المصدر على اسم المفعول كقوله تعالى: {هذا خلق الله} أي مخلوقة وعكسه كقوله تعالى: {بأييكم المفتون} أي: الفتنة، وإطلاق اسم الفاعل على المفعول كقوله تعالى: {ماء دافق} أي مدفوق وعكسه كقوله تعالى: {حجابا ًمستوراً} أي: ساتراً، وإطلاق المصدر على اسم الفاعل كقولهم: رجل عدل، أي عادل، وعكسه قولهم: قم قائماً أي قياماً.
الثالث عشر: عكسه، أي تسمية المتعلق بفتح اللام باسم المتعلق بكسرها، ومثل بقوله عليه الصلاة والسلام: ((تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً)) فإن التقدير تحيضي ستاً أو سبعاً، وهو معلوم الله تعالى، فقول المصنف: و(بالعكوس) راجع للثلاثة الأخيرة، وقد بيناه كذا قرره المصنف وتبعه الشارح.
والحق أن هذه الثالثة عشر ليست علاقة مستقلة، بل هي داخلة في التي قبلها، لأن لكل من هذه الثلاثة المذكورة ـ وهي المصدر واسم الفاعل واسم المفعول ـ تعلقاً بالأخرى، وكل منها متعلق باعتبار، ومتعلق باعتبار.
والمذكور في الثالثة عشر مندرج في الرابعة عشر.
والعجب تمثيل الشارح للثالثة عشر بمثال موافق لمثال الثانية عشرة، فإن كلا منهما أطلق المصدر على اسم المفعول، الخلق مصدر، والمخلوق مفعول، والعلم مصدر، والمعلوم مفعول، وكان ينبغي له إذ أفرد هذا القسم تمثيله بقوله تعالى {بأييكم المفتون} أي الفتنة كما مثلته فهو عكسه، لكن لو فتحنا هذا التغاير لكثرت الأقسام لاستدعاء ذلك ذكر الأقسام الأربعة التي قدمتها، والله أعلم.
الرابع عشر: إطلاق ما بالفعل على ما بالقوة كتسمية الخمر في الدن بالمسكر.
قال الشارح: وقد يقال برجوع هذه إلى قوله أولاً: (باعتبار ما يكون)، ولهذا اقتصر الصفي الهندي على هذه ولم يذكر تلك، بل ذكر بدلها باعتبار ما كان، لكن الظاهر أن ما صنعه المصنف في حذفها أولى، خلافاً للمختصرين، لأنهم جزموا بأن إطلاق اللفظ باعتبار ما كان مجاز، ثم ترجموا مسألة إطلاق اسم الفاعل باعتبار الماضي، وحكوا فيها الخلاف، وهي عين المسألة المذكورة هنا.
قلت: الصواب ذكرها، وجزمهم هنا لا ينافي حكايتهم الخلاف في موضع آخر، لأنهم إنما أرادوا هنا بيان العلاقة عند من يجعله مجازاً، وليسوا هنا بصدد بيان أنه حقيقة أو مجاز، فالخلاف في ذلك معروف في موضعه، وإنما أريد هنا بيان أنواع العلاقة، فذكرت هذه منها على قول من يجعل إطلاق اسم الفاعل باعتبار ما مضى مجازاً.
ثم إن الشارح لم يحقق أن هذه العلاقة وهي تسمية ما بالفعل على ما بالقوة، هل هي العلاقة المتقدمة، وهي تسميته باعتبار ما يكون؟ وظاهر كلام المصنفين ترادفها لأنهم لم يجمعوا بينهما بل اقتصروا على تلك العبارة أو على هذه، والظاهر أنها أخص منها، فإنه لا يلزم من إطلاقه باعتبار ما يكون أن ذلك الذي يكون موجوداً بالقوة قبل كونه بالفعل، فإن الموت ليس موجوداً في الحي بالقوة، وكذا الخمرية في العصير، بخلاف الإسكار في الخمر، فإنه حاصل فيها قبل شربها بالقوة فالعلاقة الأولى تغني عن الثانية، والثانية لا تغني عن الأولى، والله أعلم.
ص: وقد يكون في الإسناد خلافاً لقوم، وفي الأفعال والحروف وفاقاً لابن عبد السلام والنقشواني، ومنع الإمام الحرف مطلقاً والفعل والمشتق إلا بالتبع ولا يكون في الأعلام خلافاً للغزالي في متلمح الصفة.
ش: فيه مسائل:
الأولى: قد لا يقع المجاز في المفردات، بل في التركيب، وهو الإسناد كقوله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} فالمجاز في نسبة الإخراج للأرض وهو بالحقيقة لله تعالى، ويسمى المجاز العقلي، لأن التجوز فيه في نسبة الفعل إلى غير من صدر عنه، وخالف في ذلك قوم منهم السكاكي وابن الحاجب، لكن اختلفا فيما هو، فقال السكاكي: هو استعارة بالكناية، وقال ابن الحاجب بل حقيقة لإسناد الفعل إلى فاعله عرفاً.
الثانية: ذكر الإمام فخر الدين الرازي أن الفعل والمشتق كاسم الفعل واسم المفعول لا يدخلهما المجاز بالذات وإنما يدخلهما بالتبع للمصدر الذي هو المشتق منه، فإن تجوز في المصدر تجوز فيهما، وإن كان المصدر حقيقة فهما كذلك، وخالفه في ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والنقشواني فقالا: إنه قد يقع في الفعل وغيره من المشتق، بدون وقوعه في المصدر، واختاره المصنف، ومثل ابن عبد السلام ذلك بقوله {ونادى أصحاب الجنة} {ونادى أصحاب الأعراف} {ونادى أصحاب النار} فأطلق الماضي على المستقبل لتحققه وعكسه مثل قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} أي تلته، واستعمل لفظ الخبر في الأمر في قوله {والوالدات يرضعن} وعكسه نحو: {من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا} أي: مد.
الثالثة: اختلف في دخول المجاز في الحروف، فمنعه الإمام مطلقاً، ومراده بالأصالة لأن معناه غير مستقل بنفسه، فإن ضم إلى ما ينبغي ضمه إليه كان حقيقة وإلا فهو مجاز في التركيب لا في المفرد، والكلام إنما هو في المفرد ومراده أنه مجاز عقلي لقوله بعد ذلك: إن المجاز في التركيب عقلي لا لغوي.
وقال النقشواني راداً على الإمام: إذا استعمل الحرف في موضعه كان حقيقة، وإذا استعمل في غيره لعلاقة كان مجازاً، ومثله بقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} فإن حقيقة (في) الظرفية، وهنا استعملت لغيرها.
وقال ابن عبد السلام في كتاب المجاز و قد تجوزت العرب في الحروف كـ (هل) تجوزوا بها عن الأمر، نحو: {فهل أنتم مسلمون} أي فأسلموا، أو النفي {فهل ترى لهم من باقية} أي ما ترى، والتقرير {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم}.
الرابعة: منع الجمهور وقوع المجاز في الأعلام بالأصالة وبالتبعية، إذ لا بد في المجاز من علاقة، ولا علاقة في الأعلام، فإن وجدت كمن سمى ولده مباركاً لما اعتقده من اقتران البركة بولادته فليس مجازاً، إذ لو كان كذلك لامتنع إطلاقه بعد زوال العلاقة، واعترضه النقشواني بأنك تقول: جاءني تميم أو قيس وأنت تريد طائفة منهم وهذا مجاز، وتميم علم، فقد تطرق المجاز إلى العلم، لما بين هؤلاء وبين المسمى بذلك العلم من التعلق انتهى.
وقال الغزالي: يدخل المجاز في الأعلام الموضوعة للصفة كالأسود، والحارث، دون الأعلام التي لم توضع إلا للفرق بين الذوات كزيد وعمرو.
ص: ويعرف بتبادر غيره لولا القرينة وصحة النفي وعدم وجوب الاطراد وجمعه على خلاف جمع الحقيقة وبالتزام تقييده، وتوقفه على المسمى الآخر والإطلاق على المستحيل.
ش: للمجاز علامات يعرف بها:
أحدها: إن يتبادر غيره إلى الفهم، لولا القرينة، وأورد المجاز الراجح، وأجيب بأنه نادر، فلا يقدح لأن الغالب أن المتبادر الحقيقة.
ثانيها: صحة النفي كقولك للبليد ليس بحمار.
ثالثها: عدم وجوب الاطراد فقد يستعمل لوجود معنى في محل ولا يستعمل في محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه كما تقول: اسأل القرية، أي أهلها، ولا تقول: اسأل البساط، قال ابن الحاجب: ولا عكس، أي ليس الاطراد دليل الحقيقة، فإن المجاز قد يطرد كالأسد للشجاع، وجوابه: أنه وإن اطرد لكنه لا يجب، ولهذا عدل المصنف عن قول ابن الحاجب: (وبعدم اطراده) إلى قوله: (وعدم وجوب الاطراد).
رابعها: جمعه على خلاف جمع الحقيقة، كالأمر يجمع إذا كان بمعنى القول الذي هو حقيقته على أوامر، وإذا كان بمعنى الفعل على أمور.
خامسها: التزام تقييده كجناح الذل، ونار الحرب، فإن الجناح والذل يستعملان في مدلولهما الحقيقي من غير قيد، وخرج بـ (الالتزام) المشترك، فقد يقيد كقولك: عين جارية، لكنه ليس قيداً لازماً.
سادسها: توقف استعماله على المسمى الآخر الحقيقي، سواء أكان ملفوظاً به كقوله تعالى: {ومكروا ومكر الله} فلا يقال: مكر الله ابتداء، أو مقدراً كقوله تعالى: {قل الله أسرع مكراً} ولم يتقدم لمكرهم ذكر في اللفظ، لكنه تضمنه المعنى.
سابعها: الإطلاق على المستحيل، فإن الاستحالة تقتضي أنه غير موضوع له، فيكون مجازاً كقوله: {واسأل القرية}.
وأورد أن المجاز العقلي كذلك مع أنه حقيقة لغوية.
وأجيب بأن المراد أن معرفة استحالة ذلك بديهة، والامتناع في المجاز العقلي نظري.
ص: والمختار اشتراط السمع في نوع المجاز وتوقف الآمدي.
ش: هل يشترط أن يكون بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي علاقة اعتبرتها العرب وهو مراد المصنف (بالسمع) أي سماع ذلك من العرب؟
أجمعوا على أنه لا يعتبر شخص العلاقة، وأنه لا بد من جنسها، واختلفوا في النوع، فاختار المصنف اشتراطه، وهو الذي صححه الإمام وأتباعه، وصحح ابن الحاجب مقابله وتوقف فيه الآمدي، فعلى الأول لا يحتاج إلى استعمال العرب قولنا: سال الوادي، بل يكفي في ذلك إطلاقهم اسم السبب على المسبب في صورة ما، ولو قدم المصنف هذا على ذكر أنواع العلاقة لكان أولى.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجاز

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir