دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم 16 جمادى الآخرة 1441هـ/10-02-2020م, 02:57 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء : 17].
· المعنى الجملي للآية:
-إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ، ثم يتوب قبل معاينة المَلَك الموت لقبض روحه قَبْلَ الغَرْغَرَة ." ذكره ابن كثير
· دلالة "إنما " على الحصر
إنما: " إنَّ " حرفٌ مكفوفٌ ب " ما " الزائدة عن العمل ؛ وهي تفيد الحصر؛ وهو مقصد المتكلم بها أبدا
والحصر بها قد يكون حقيقي كقوله تعالى :" { إنما الله إله واحد }
وقد يكون الحصر إضافي كقولنا : إنما الشجاع عنترة .
· معنى التوبة لغة
التوبة من تاب يتوب توبة وهو الرجوع يقال تاب وأناب إذا رجع .
· معنى التوبة " شرعا"
التوبة في عرف الشرع :الرجوع من شر إلى خير . وحدها :الندم على فارط فعل
ويجب تقييد ذلك الندم من حيث هو معصية لله عزوجل؛أما إن كان ندم العبد لأجل أنه لحقه ضر في بدنه أو ماله فلا يسمى ذلك الندم توبة
· وجوب التوبة على جميع المؤمنين
والتوبة فرض على المؤمنين بإجماع الأمة . .ذكره ابن عطية
· شروط التوبة
شروط ذكرها ابن عطية ملخصها :
-الندم على أنه عصى الله عزوجل وخالف أمره
-العزم على عدم العودة إلى ذلك الفعل ؛إن كان ذلك الفعل مما يمكن هذا النادم فعله في المستأنف
وإن لم يعزم على ترك الذنب في المستقبل يكون مصرا عليه ولا تصح توبته وإن ندم على فعله.
لأن الندم المجرد عن العزم لا يكفي في تحقق التوبة
وأما إن كان ذلك الفعل مما لا يمكن هذا النادم فعله في المستأنف فهذا لا يحتاج إلى شرط العزم على الترك .
· تجزئة التوبة
هل يشترط في التوبة الإقلاع من جميع الذنوب ؛أم لا يشترط ذلك فتصح التوبة من ذنب مع الإقامة على ذنب آخر من نوعه
ذهب المعتزلة إلى أنهلا يكون تائباً من أقام على ذنب ، ورجح ابن عطية أن التوبة تصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه ، خلافاً للمعتزلة.
· معاودة الذنب بعد التوبة
-إذا تاب العبد توبة صادقة تاب الله عليه، ثم ابتلي بالذنب مرة أخرى هل تكون توبته الأولى صحيح أم لا ؟
قال ابن عطية : وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب ، فإن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت ، وهو محتاج بعد موافقة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة ، والإيمان للكافر ليس نفس توبته ، وإنما توبته ندمه على سالف كفره ." اهـ
· "دلالة "على الله" على الوجوب.
قوله تعالى" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ" هل يقتضى الوجوب على الله عزوجل؟أي هل يجب على الله قبول توبة التائبين؟
ذهبت المعتزلة بأنه يجب على الله أن قبول توبة التائبين؛ بل أاوجبوا على الله جملة من الواجبات كأن يثيب الطائعين ويعاقب العاصين وأن يفعل الأصلح لعباده؛ لأنهم يرون أن الله إذا لم يفعل ذلك قد أخل بما هو واجب عليه وإخلاله تعالى بما هو واجب علي ظلم منه كما يزعمون –تعالى الله عما يقولون علوا كبير-
وقولهم هذا مبني على أصل من أصولهم وهو مسألة التحسين والتقبيح العقليين ؛ فقد قرروا أن ما ثبت حسنه بالعقل يجب على الله فعله ؛وما ثبت قبحه بالعقل فإنه يجب على الله عدم فعله..
فآل الأمر أن العقل هو مقتضى التحسين والتقبيح عندهم؛ فما يجب على الله وما يمتنع راجعة الى دلالة العقل عند المعتزلة ..فقبول التوبة واجبة عقلا عند المعتزلة
وذهب الأشاعرةأنه لا يجب على الله قبول توبه التائبين ؛لأن الله لا يجب عليه شيء فهو المالك على الإطلاق، وله التصرف في ملكه كيف يشاء ولا يسأل عما يفعل؛ بل هو فعال لما يريد؛ ولا واجب إلا بموجب و ليس فوقه سبحانه موجب .... وقولهم هذا مبناه على نفي التحسين والتقبيح العقليين؛ونفي الحكمة والتعليل في أفعال الله ..
وأجابوا عن الآيات القاطعة الدالة على أن الله يقبل التوبة عن عبده إذا تاب توبة نصوحا قالوا أنه ذلك حكم بالظاهر و الأخذ بظاهر النص لا يفيد القطع؛ وغاية ما يفيده غلبة الظن
فقبول التوبة ظني ليس بقطعي.قال أبو المعالي وغيره : فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعاً على الله بقبول التوبة . اهـ
وقد خالف في ذلك بعض الأشاعرة فقالوا: أن من تاب توبة نصوحا يقطع على الله تعالى بقبول توبته ، كما أخبر عن نفسه عز وجل .
و قال ابن عطية : وكان أبي رحمة الله عليه يميل إلى هذا القول ويرجحه ، و به أقول.اهـ
.
وهو القول الثالث:
وهو قول أهل السنة أن الله تعالى عليه واجبات ومحرمات ؛ لكنه هو الذي أوجبها وحرمها على نفسه لكمال حكمته ورحمته فهو يفعل ما هو واجب ولا يفعل ما هو محرم.
-فلا إيجاب على الله سبحانه وتعالى إلا ما أوجبه الله تعالى هو على نفسه إيجاب فضل ورحمه وكرم على عباده و ليس فوقه سبحانه موجب ؛ وهو سبحانه يفعل لكمال حكمته .
ولا حض للعقل في الإيجاب على الله ولا في المنع على الله ؛ ولا حض له في معرفة وإدراك ما الذي يجب على الله وما الذي يمتنع عليه ؛ بل مرجع ذلك كله إلى السماع .فالنص هو المرجع والحاكم في إثبات ما أوجبه الله على نفسه إيجاب رحمة وفضل ؛ فما دل عليه النص أثبتناه وما لم يدل عليه نسكت عنه
ومنه قوله تعالى :" كتب ربكم على نفسه الرحمه" وقوله :" كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" وقوله{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله "{ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ"}
وفي حديث : " ..وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)"
فمن تاب توبة نصوحا لله عزوجل نقطع بقبول توبته لأن الله أخبر بذلك لا لكون العقل يدل عليه
لهذا قدر ابن عطية في قوله تعالى " على الله " محذوفا وهو على فضل الله ورحمته لعباده.ليبين أن هذا الإيجاب هو محض فضل من الله ورحمه على عباده ليس بإيجاب موجب
وقال ابن عطية دفاعا على ما ذهب إليه :" والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله تعالى : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } وقوله { وإني لغفار لمن تاب وآمن }
· المراد بالسوء
و { السوء } في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي ذكره ابن عطية
وفي وجه تسمية المعاصي "السوء" قال رشيد رضا:" فالسوء هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلا سليم الفطرة كريم النفس أو يسوء الناس ويصدق على الصغائر والكبائر ." اهـ
· المراد "بجاهلة"
في المراد "بجهالة " أقوال:
القول الأول:عمل السوء هو الجهالة ؛ فكل ذنب أصابه الإنسان فهو بجهالة؛ وكل عاص عصى فهم بجهالة وهو قول وابن عباس (68) أبي العالية( 93) ومجاهد ( 104) وعطاء ابن أبي رباح ( 114) و وقتادة ( 117) والسدي ( 127) وابن زيد ( 182) وهو قول مقاتل .(150)
قال مقاتل: فكل ذنب يعمله المؤمن فهو جهل منه
وعلى هذا القول يكون معنى الباء في "بجاهلة" المصاحبة ؛ أو الملابسة أي يعملون السوء ملتبسين بالجهالة أو يعلون السوء مصاحبين للجهالة .وعليه يكون قوله "بجهالة" صفة كاشفة وليست قيدا
تخريج الأقوال
قول ابن عباس
أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح عن ابن عباس
قول أبي العالية
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة وأخرجه عبد ابن حميد كما عند السيوطي.
-وأخرجه عبد ابن حميد في تفسيره و ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس
قول مجاهد
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح و عبد بن حميد كما عند السيوطي
-وأخرجه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن الأسود
قول عطاء
أخرجه عبد الله بن وهب في تفسيره من طريق ابن جريج
قول قتادة
أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر
قول السدي
أخرجه ابن جرير من طريق أسباط
قول ابن زيد
أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
وجه هذا القول:
1 : اجتماع كلمه السلف على هذا المعنى وذكر لك قتادة
فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : قال : اجتمع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم فرأوا أن في كل شيء عصي به تعالى فهو جهالة ، عمدا كان وغير ذلك." اهـ
و أسنَدَه الإمامُ ابن المنذر في "تفسيره" من طريق قتادة، عن أبي العالية الرياحي، قال: "اجتمع رأيُ رهطٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ كل ذنب أصابه ابنُ آدم فهي جهالة".
وصرح بالإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ونسبه إلى قتادة .قال القرطبي :" رأيتُه يقول: "قال قتادة: أجمَع أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ كلَّ معصيةٍ فهي بجَهالة، عمدًا كانت أو جهلًا؛ وقاله ابنُ عبَّاس وقتادة، والضحَّاك ومجاهد، والسدِّي".
2- أن الآية موافقة لكثير من نظائرها من آيات القران التى فيها إطلاق الجهالة على فعل المعاصي كقوله تعالى :" {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } وكقوله تعالى :" { قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ؛ وكقوله تعالى :" {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } .
3- أن هذا المعنى موافق لما دل عليه مفهوم قوله تعالى " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" وكقوله تعالى :" { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ "
فكل من خشي الله وأطاعه وترك معصيته فهو عالم فإنه لا يخشاه إلا عالم؛ ولا يعصيه إلا جاهل ؛ فكل عَاصٍ لِلَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَكُلَّ خَائِفٍ خاش مِنْهُ فَهُوَ عَالِمٌ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا لِنَقْصِ خَوْفِهِ مِنْ اللَّهِ إذْ لَوْ تَمَّ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَعْصِ ؛ كما قال ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ:" عَنْهُ كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا"
قال شيخ الإسلام" فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وِتْرِك السَّيِّئَاتِ. وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ. يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ. ...)اهـ
4- أن الجاهلة يطلق ويراد بها السفه؛ لأن أساء المعاملة وأقدم على العمل دون روية ؛ فارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة ، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. فمن آثار اللذة الفانية عن الحياة الآخرة فهو جاهل وما ذلك إلا لسفهه وقلة حكمته ورجاحة عقله وسماه الزجاج جهل في الاختيار ؛ و قال ابن عاشور :" وهي ما قابل الحِلم"
قال رشيد رضا :" والجهالة الجهل وتغلب في السفاهة التي تلابس النفس عند ثورة الشهوة أو سورة الغضب فتذهب بالحلم وتنسي الحق"
5- أن كل عمل يعصى به الله فصاحبه جاهل فإن كان العاصي متعمدا ، فهو جاهِلٌ بعظَمَة اللهِ سبحانه، وما قدَرَه حقَّ قدره حالَ معصيته. . وإن كان العاصي جاهلا بكون هذا الفعل معصية ، فهو جاهِلٌ بأمر اللهِ ودينه فيما عصاه.
وفي وجه تسمية عمل السوء جهالة يقول ابن عاشور : وذكر هذا القيد هنا لمجرّد تشويه عمل السوء ، فالباء للملابسة ، إذ لا يكون عمل السوء إلاّ كذلك."
6- ولا يصح حمل الجهالة بمعنى الجهل الذي هو ضد العلم لأن يلزم منه كون العامد للمعصية لا توبة له وهذا مخالف للإجماع ولما هو معلوم من الدين بالضرورة.
القول الثاني:الجهالة هو العمد هو قول مجاهد( 104) والضحاك ( 105) .
تخريج الأقوال
قول مجاهد
-وأخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق جابر
قول الضحاك
أخرجه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك قال الجهالة العمد وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ.
وجه هذا القول أن من أقدم على المعصية جاهلا بها كان كمن لم يواقع سوءا فليس عليه توبة بل كل ما يجب عليه تعلم الحكم والالتزام به في مستقبل أمره
القول الثالث: الجهالة الدنيا وهو قول عكرمة (105)
وعلى هذا القول يكون الباء في "بجهالة" معناها الظرفية أي يعملون السوء في الدنيا
التخرج
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال" الدنيا كلها جهالة" و في رواية زيادة "الدنيا كلها قريب كلها جهالة"
وقد علق ابن عطية على قول عكرمة بقوله :" يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله ، وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } وقد تأول قوم قولَ عكرمة "بأنه للذين يعملون السوء في الدنيا ".
فكأن «الجهالة » اسم للحياة الدنيا ، وهذا عندي ضعيف.."
نقاش
وبالنظر إلى نصوص الكتاب والسنة يظهر أن الجهل يطلق ويراد به أحد أمرين ما يضاد ويناقض العلم؛ أو ما يناقض العمل؛ جهلة علم و جهالة عمل
قال ابن القيم :" الْجَهْلُ نَوْعَانِ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ النَّافِعِ، وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، فَكِلَاهُمَا جَهْلٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا وَحَقِيقَةً " مدارج السالكين

وقد حمل الزجاج -كما في زاد المسير - الآية على المعنيين قال رحمه الله :وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهُ سُوءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَتَى مَا يَجْهَلُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُوَاقِعْ سُوءًا؛ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ وَهُمْ يَجْهَلُونَ الْمَكْرُوهَ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَآثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ؛ فَسُمُّوا جُهَّالًا لِإِيثَارِهِمْ الْقَلِيلَ عَلَى الرَّاحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ. اهـ
وجهالة علم نوعان: جهل بسيط وهو عدم العلم وجهل مركب وهو علم بما هو مخالف للحقيقة الأمر ؛ وبهذا يصير إطلاقات الجهل ثلاثة أنواع جهل بسيط ؛جهل مركب وجهل العمل ؛ قال الراغب في المفردات :"الجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: هو خلوُّ النَّفس من العلم؛ وهذا هو الأصلُ، وقد جعَل ذلك بعضُ المتكلِّمين معنى مقتضيًا للأفعال الخارِجةِ عن النِّظام، كما جعل العلمَ معنًى مقتضيًا للأفعال الجارية على النِّظام.
والثاني: اعتقاد الشَّيء بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعلُ الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعَل، سواء اعتقَد فيه اعتقادًا صحيحًا أم فاسدًا؛ كمن يَترك الصلاةَ عمدًا..
وفي وجه تسمية ترك العمل جهلا مع العلم به يقول ابن جرير : "فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الاَخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : أتاه بجهالة ، بمعنى : أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلاً ."
ويقول ابن تيمية :" وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول، أو فعل فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب عنه، أو ضعفه في القلب بمقاومة ما يعارضه وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم فيصير جهلا بهذا الاعتبار.اهـ اقتضاء الصراط المستقيم
و يقول ابن القيم في ذلك أيضا :" وَسُمِّيَ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الْعِلْمِ جَهْلًا، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجَهْلِ، وَإِمَّا لِجَهْلِهِ بِسُوءِ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ فِعْلِهِ." المدارج

فكل من عصى الله فهو جاهل ..جهالة علم أو جهالة عمل والأول راجع لفساد القوة العلمية والثاني راجع لفساد القوة العملية . عدم العمل و عدم الإرادة..و الكمال الْمُطْلَقُ لِلْإِنْسَانِ هُوَ تَكْمِيلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عِلْمًا وَقَصْدًا
وشجرة الإيمان ركائزها العلم والعمل ؛ فالخلل الحاصل في أحدهما ينسحب إلى الإيمان ؛ فما عصى الله عبد مؤمن إلا لضعف إيمانه وقلة بصيرته ..
· المراد " ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ"
في ذلك أقوال:
القول الأول : يتوبون قبل معاينة ملك الموت وهو قول ابن عباس(68) ؛عبد الله ابن عمر(74) ؛ الحسن البصري(110) الضحاك ( 105) ؛محمد بن قيس وأبي مجلز

قال أبو موسى الأشعري : هو أن يتوب قبل موته بفواق ناقة
- عن عبد الله قال: لو غرغر بها يعنى المشرك بالإسلام لرجوت له خيرا كثيرا


تخريج الأقوال
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي حاتم
قول عبد الله بن عمر أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن رجل عن عبد الله .

قول الحسن البصري أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حوشب

قول الضحاك : أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق النضر بن طهمان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
وأخرجه ابن المنذر مختصرا من طريق أبي ليلى
قول أبي مجلز أخرجه ابن جرير من طريق عمران بن حُدَيـــْر
قول محمد بن قيس أخرجه ابن جرير من طريق أبي معشر
التوجيه
والحجة في ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وفي رواية: مَنْ تَابَ إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ، قَبِلَ اللهُ مِنْهُ " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم

القول الثاني: يتوبون قبل الموت وهو قول مجاهد (104) ؛عكرمة (105) ؛ ابن زيد ( 182)وأبي قلابة ...وهو قول مقاتل
قال مقاتل: { ثم يتوبون من قريب } ، يعني قبل الموت .اهـ

تخريج الأقوال
قول مجاهد: أخرجه ابن المنذر من طريق عثمان بن الأسود
قول عكرمة أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الحكم ابن أبان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول ابن زيد أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
قول أبي قلابة : أخرجه ابن أبي شيبة و ابن جرير من طريق قتادة

القول الثالث: يتوبون في صحتهم قبل موتهم وقبل مرضه وهو قول ابن عباس(68) والسدي(127). .
تخريج الأقوال
-قول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح
-قول السدي أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط




· النقاش
لا تعارض بين ما ذكر من أقوال المفسرين في المراد ب"ثم يتوبون من قريب" فنظر أصحاب القول الثاني والثالث إلى أحسن الأوقات للتوبة وهو ما كان العبد حيا صحيحا لم يهجم عليه المرض بعد ..و نظر أصحاب القول الأول إلى تحديد آخر وقت التوبة ؛ فباب التوبة مفتوح ما لم يغرر العبد ..ما لم يرى ملك الموت بعد
ومما يقوي ذلك النصوص الكثيرة الدالة على ذلك

-عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». رواه الترمذي وغيره
-أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا وكان مريضا فعرض عليه الإسلام فأجابه .فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ "
رواه أحمد وغيره
- ولما حضرت أبا الطالب الوفاه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ)
وقد علل بعض أهل العلم سبب عدم قبول التوبة عند الغرغرة لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار .
قال ابن القيم ::" وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي السِّيَاقِ فَقَالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَوْبَةُ اضْطِرَارٍ لَا اخْتِيَارٍ، فَهِيَ كَالتَّوْبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعِنْدَ مُعَايَنَةِ بَأْسِ اللَّهِ." المدارج
وعلل ابن عطية أن وقت الغرغرة يتعذر فيه تحقيق شروط التوبة وهي الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب قال رحمه الله بعدما ذكر أن التوبة مقبولة قبل وقت الغرغرة فعلل بقوله :" لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل في المستأنف ، فإذا غلب تعذرت التوبة لعدم الندم والعزم على الترك
· معنى حرف ا لجر "من" في "من قريب"
قيل "من" لابتداء الغاية ؛ "قريب" أي قريب إلى وقت الذنب .والمراد التعجيل بالتوبة بحيث تكون عقب الذنب ..قال الرازي :" يجعل مبتدأ توبته زمانا قريبا من المعصية لئلا يقع في زمرة المصرين" اهـ
وقيل "من" للتبعيض
والمراد يتوبون في بعض الأزمنة القريبة ؛ والحياة كلها زمن قريب ما دام لم يُعان الموت ؛ أما ما دخل في غم الحشرجة فقد فاته الزمن القريب ؛ ، كأن الآية سمت ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا؛ ففي أي جزء من أجزاء هذا الزمان أتى بالتوبة فهو تائب من قريب ، وإلا فهو تائب من بعيد.
وقال ابن عطية " ومدة الحياة كلها قريب ، والمبادر في الصحة أفضل ، والحق لأمله من العمل الصالح ."اهـ
· مناسبة ختم الآية ب "وكان الله عليما حكيما"
وختمت الآية بقوله "وكان الله عليما حكيما" لتناسب ما سبق ذكره في الآية
فالله عليم بمن أتى بتلك المعصية لاستيلاء الجهالة عليه ، عليم من يسارع بالتوبة وعليم بمن يؤخر التوبة ؛ عليم بمن توبته نصوح من غيره .. وهو سبحانه حكيم ؛ فعله صادر عن حكمة ؛ فعن حكمة قبل توبة الواحد ولو يوفق الآخر حتى هلك
قال الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )
· نزول الآية:
وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية في قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } قال هذه في أهل النفاق
أخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع : { إنّمَا التّوْبَةُ على اللّهِ للّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوء بِجَهالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين ، يعني : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } والأخرى في الكفار ، يعني : { وَلا الّذِينَ يَموتونَ وَهمْ كفّارٌ } .
· المعنى الجملي للآية:
من كان قائما على المعاصي و كبائر الذنوب ثم حضره الموت بحيث آيس من الحياة الدنيا ؛ وعاين ملك الموت وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الحلقوم وغرغرت النفس فهذا ليس له توبة وإن قال إني تبت الآن وكذالك الحال من مات وهو كافر بالله فهذا لا توبة له بل مصيره إلى عذاب أليم .
ونظائر هذه الآية في القران كثير كما هو الحال مع فرون فإنه لما صار في غمرة الماء والغرق أظهر الإيمان
فقال الله عزوجل:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} .
كما قال تعالى:{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ]
وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } .
· المراد بالذين يعملون السيئات
لأهل العلم في ذلك أقوال :

أولا: أن المراد بهم المشركين وهو قول ابن عباس (68) ؛ وسفيان الثوري (161) وهو قول مقاتل (150)
التخريج:
قول ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس
قول سفيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن محمد بن جُحادة
ثانيا: أن المراد بهم المنافقين وهو قول أبي العالية (95) والربيع بن أنس( 139) وسعيد ابن جبير
التخريج:
قول أبي العالية أخرجه عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية .
قول الربيع بن أنس وأخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع ..
الثالث :أن المراد بهم عصاة المسلمين وهو قول سفيان الثوري(161)
التخريج:
قول سفيان الثوري
-الرابع :أن المراد بهم أهل الإيمان ثم نسخت وهو قول ابن عباس(68)
التخريج: قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس
النقاش
رجح ابن جرير أن المراد ب"وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" أهل الإسلام وحجته في ذلك ظاهر الآية وسياقها وسباقها وكذا الدلالة العقلية
قال رحمه الله :" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام ، وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ } معنى مفهوم ، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد من أن جميعهم كفار ، فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة . وفي تفرقة الله جلّ ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الأخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا ما دلّ على افتراق معانيهم ، وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا ، وفساد ما خالفه ."
والذي يظهر -والعلم عند الله- أن الآية باقية على عمومها ؛ فذكر الله عزوجل حكم عام لكل من عاين الموت وهو مصر على معصيته لم يتب منها ؛ سواء كان تلك المعصية شركا أو نفاقا أو كبيرة من كبائر الذنوب وهذا خاص بأهل الإسلام ؛ فجميعهم إذا تاب حال قبض الروح وقال إني تبت الآن فلا تقبل توبتهم ؛لا توبة لهم عند الله .لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار
وهذا الذي يظهر من صنيع المفسرين أجروا الآية على عمومها ولم يخصوها بصنف دون صنف
ثم قال الله تعالى :" وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ" بيان لحال الكفار أن عدم قبول توبتهم مستمر إلى ما بعد الموت ومعاينة العذاب فحينها لا ينفعهم ندمهم ولا استغاثتهم كما قال تعالى :" {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}
وكقوله :" {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } .
وكقوله :" {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
وفي تخصيص الكفار بعدم قبول توبتهم بعد الموت ؛والسكوت على أهل الإيمان في ذلك ؛ في إشارة إلى أن أمرهم راجع إلى مشيئة الله عزوجل إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم وهو سبحانه الحكيم
مناقشة القول بنسخ الآية:
ذهب ابن عباس أن الآية منسوخة قال رضي الله عنه ، قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ } فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : { إنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .
وأورد ابن عطية قولا للربيع مشابها لقول ابن عباس لكن لم أجد تخريجه
رد دعوى النسخ
ذهب طائفة من أهل العلم أن دعوى نسخ الآية غير صحيحة بحجة أن الآية خبر من جملة الأخبار و الأخبار لا تنسخ.
وتعقب ابن عطية هذه الحجة أن الآية و إن كانت من الأخبار إلا أن المراد منها الطلب ؛ مفادها تقرير حكم شرعي ؛وإنما يمتنع النسخ عن الخبر المحض الذي لا يفيد شريعا حكم ؛ وهذا كثير في القران
قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } ؛ ونحو قوله تعالى . { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }
-ورد ابن عطية دعوى النسخ ولم يقبلها ؛بحجة النسخ لا يصار إليه إلا حالة تعذر الجمع بين النصوص وحيث أمكن الجمع بين الآيتين فلا نسخ
وحاول الجمع بين الآيتين فذكر رحمه الله أن قوله تعالى :" "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" ليس فيها نفي مغفرة الله للعاصي الذي لم يتب من قريب ؛بل فيها نفي التوبة عن الذي تاب لما حضرته الوفاة ؛ وفرق بينهما ؛ فكل من تاب وقت قبول التوبة "من قريب" فتوبته مقبولة قطعا أو ظنا على ما سبق بيانه من مذاهب أهل العقيدة؛وهذا حكم عام لكل الناس مسلمهم وكافرهم ؛ و أما العاصي الذي لم يتب ومات مصرا على معصيته فهو داخل تحت المشيئة وأما الكافر إن مات على كفره فلا توبة له البتة
قال رحمه الله :" فالعقيدة عندي في هذه الآيات : أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب ، هذا مذهب أبي المعالي وغيره ، وقال غيرهم : بل هو مغفور له قطعاً ، لإخبار الله تعالى بذلك ، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ، ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين ، فإن كان كافراً فهو يخلد ، وإن كان مؤمناً فهو عاص في المشيئة ، لكن يغلب الخوف عليه ، ويقوى الظن في تعذيبه ، ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله له تعالى تفضلاً منه ولا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضاً أن { الذين يموتون وهم كفار } فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة " اهـ
مرجع اسم الإشارة{ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً }
ذكر ابن عطية في ذلك قولين
قيل أنه يرجع إلى الذين يموتون وهو كفار فقط ؛ والحجة في ذلك أن العذاب عذاب خلود ولا يكون للعاصي من أهل الإسلام
-وقيل بل يرجع إلى جميع من سبق ذكره في الآية إلى من مات وهو كفار و من لم يتب إلا مع حضور الموت من العصاة..؛ وعليه يكون المراد بالعذاب عذاب ولا خلود معه
معنى "أعدتنا "
قال ابن عطية و { أعتدنا } معناه : يسرناه وأحضرناه
· دلالة قوله "أعتدنا " على خلق النار
دل التعبير بالفعل الماضي " أعدتنا " على أن جهنم مخلوقة الآن
وهو مثل قوله تعالى :" فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ"
قال ابن كثيروقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله : { أُعِدَّتْ }.

*

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir