سورة الفرقان (مكية)
قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}:
أكثر الناس على أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال والقتل، وكان هذا بمكة قبل أن يؤمروا بالقتال. وليس قولهم: سلامًا، من السلام الذي هو التحية، إنما هو من السلام الذي هو التّبرّأ، فالمعنى أنهم كانوا إذا خاطبهم الكفار قالوا: سلامًا منكم، أي: براءةً منكم.
فإن قيل: إن لفظ هذا خبر فكيف أجزت فيه النسخ؟
فالجواب: أن هذا ليس من الخبر الذي لا يجوز نسخه، لأنه ليس فيه خبرٌ من الله لنا عن شيء يكون أو شيء كان فنسخ بأنه لا يكون، أو بأنه لم يكن - هذا الذي لا يجوز فيه النسخ - وإنما هذا خبرٌ من الله لنا أن هذا الأمر
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 371]
كان من فعل هؤلاء الذين هم عباد الرّحمن قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضعٍ آخر نزل بعد فعلهم ذلك، أنه أمر بقتالهم وقتلهم فنسخ الله ما كانوا عليه، ولو أعلمنا الله في موضع آخر عن عباد الله أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين سلامًا، لكان ذلك نسخًا للخبر الأول، وهذا لا يجوز وهو نسخ الخبر بعينه، والله يتعالى عن ذلك. فإذا كان الخبر بعينه حكايةً عن فعل قومٍ جاز نسخ ذلك الفعل الذي أخبرنا الله تعالى به عنهم بأن يأمرنا أن لا نفعله، ولا يجوز نسخ الخبر والحكاية بعينها، بأنها لم تكن أو كانت على خلاف ما أخبرنا به أولاً، فاعرف الفرق في ذلك.
قال أبو محمد: وقد تقدّم القول في ذلك في قوله تعالى: {إلاّ من تاب وآمن}، وذكرنا قول من قال: إنه منسوخٌ بقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} الآية وقول من قال: إنه محكم، وبيّنا ذلك كلّه في سورة النساء، عند قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا}. الآية -.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 372]