رسالة تفسيرية بيانية في قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
في الآية سبع مسائل بيانية:
1- لماذا قُدم المعمول{إيّاك} على العامل {نُعبد} في الآية/
2- لماذا قدمت العبادة على الاستعانة/
3- السبب في تخصيص ذكر الاستعانة رغم دخولها في العبادة/
4- لماذا عُدِل عن الإفراد في كلمة {أعبد} إلى الجمع/
5- لماذا أطلقت الاستعانة ولم تقيد بأمر كقولنا نستعين بك على أمر كذا وكذا/
6- لماذا كرر ضمير إياك في الآية/
7- لماذا انتقل الأسلوب في السورة من الغيبة إلى الخطاب في هذه الآية/
- التقديم والتأخير /
1- لماذا قُدم المعمول{إيّاك} على العامل {نُعبد} في الآية/
تقدم الضمير في الآية يفيد الحصر والاهتمام، فيثبت الحكم المراد وينفي ما عداه فيكون المعنى أي: نخصُّكَ وحدكَ بالعبادةِ؛ فإنا نعبدكَ، ولا نعبدُ غَيركَ، ونخصك بالاستعانة فنستعينُ بكَ، ولا نستعينُ بغيركَفي أمورنا كلها وهذا المعنى جاء عن ابن عباس،والمعنى الآخر قوله يأمركم الله أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم وجاء عن قتاد رحمه الله.
2- لماذا قدمت العبادة على الاستعانة/
تقديم العبادةِ على الاستعانةِمنْ بابِ تقديمِ العامِّ على الخاصِّ، ومن باب تقديم المطلب الأساسي وهي الغاية من الخلق، والاستعانة وسيلة للقيام بها، فكانت العبادة أولى بالتقديم لأن الغاية مقدمة على الوسيلة، والعبادة قسم الله وحقه فيقدم حقّ الله تعالى على حقِّ عبدِهِ وهذا فيه التأدب مع الله وتقديم حقه على حظ العبد، فإذا قدم العبد ما يستوجب رضا الله كان مظنة استجابة طلب الاستعانة، وتقديم العبادة من باب تقديم الأولى فالعبادة حظ الألوهية والاستعانة حظ الربوبية، والألوهية مقدمة على الربوبية، والعبادة أكثر مناسبة للجزاء{مالك يوم الدين} وتأخير الاستعانة عن العبادة لمناسبة الدعاء الواقع بعدها {اهدنا الصراط المستقيم} وآخر فائدة في تأخير الاستعانة هي مناسبتها لفواصل السورة.
- التخصيص والعموم/
3- السبب في تخصيص ذكر الاستعانة رغم دخولها في العبادة/
ذكر (الاستعانة)بعدَ(العبادةِ)معَ دخولِهَا فيهَا، لاحتياجِ العبدِ في جميعِ عباداتهِ إلى الاستعانةِ باللهِ تعالى، فإنَّهُ إنْ لم يعنهُ اللهُ لم يحصلْ لهُ ما يريدهُ منْ فعلِ الأوامرِ واجتنابِ النواهي فلا ينهض بالعبادة إلا بالتوكل على الله وبعونه وتوفيقه، والاستعانة علاج لغرور الإنسان وكبرياءه فهما داءين قتالين، ففي الأول البراءة من الشرك وفي الثاني البراءة من الحول والقوة.
- الجمع والإفراد/
4- لماذا عُدِل عن الإفراد في كلمة {أعبد} إلى الجمع/
الفائدة من زيادة النون في قوله نعبد هي لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، وفيه دليل على أهمية الجماعة في الإسلاموكثير من مظاهر الجماعية واضح وهذه أولها لأنها هي سورة الصلاة، وفيه تنبيه على أن الأولى بالإنسان أن يؤدي الصلاة جماعة، وأنه يسعى في إصلاح مهمات المسلمين فالمؤمنون إخوة، ففي زيادة النون إخبار الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد.
- الذكر والحذف/
5- لماذا أطلقت الاستعانة ولم تقيد بأمر كقولنا نستعين بك على أمر كذا وكذا/
حُذف إضافة أمر إلى الاستعانة حتى تكون الاستعانة أشمل وأعم وتتناول كل أمر، فهو خص الاستعانة به وعمها على كل أمر، فلو خصها في جانب لبقي حكم الجوانب الأخرى مجهول حكم الاستعانة فيها.
- التكرير/
6- لماذا كرر ضمير إياك في الآية/
تكرير إياك مع فعل الاستعانة أقوى وأدعى للاهتمام، وهي تفيد تخصيص الاستعانة بالله وحده عز وجلّ، وتعين الذات التي يستعين بها أيضا، وبالتكرير يتبين أننا نستطيع أن نأتي بالأول وبالثاني من غير إلزام بالجمع، فيُتقرب إلى الله بأحد الأمرين دون الإلزام بالجمع بينهما حال الإتيان بأحدهما.
- الالتفات/
7- لماذا انتقل الأسلوب في السورة من الغيبة إلى الخطاب في هذه الآية/
انتقلت هذه الآية من الغيبة إلى الخطاب لتقع الفائدة المعهودة من هذا الأسلوب وهي التجديد ولفت انتباه السامع وقطع الملل، فالكلام من أول السورة إلى هنا ثناء والثناء في الغيبة أولى، ومن هنا إلى الآخر دعاء وهو في الحضور أولى فتحول الأسلوب من الغيبة إلى الخطاب تمهيدًا للإقبال إلى الدعاء،غير أنه ذكر صفاته أولا فحقق حضوره سبحانه وتعالى وإحاطته بالأمور فتحول الأمر من الغيبة إلى الخطاب، والأمر الآخر أنّ الثناء على الغائب أفضل، والدعاء والطلب لا تكون إلا من حاضر، فتعين الالتفات في الأسلوب، وفي هذا الخطاب من التلطف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ إياه.
والله أعلم
المرجع/
1. التحرير والتنوير لابن عاشور
2. تيسير الكريم المنان السعدي
3. زبدة التفسير الأشقر
4. د. مساعد الطيار
5. لمسات بيانية د. فاضل السامرائي
6. تفسير الألوسي.