جواب اعتراض بعض النفاة على طريقة إثبات بعض الصفات بالعقل

[عبد العزيز الداخل]

وَقَدِ اعْتَرَضَ طَائِفَةٌ مِنَ النُّفاةِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِاعْتِرَاضٍ مَشْهُورٍ لَبَّسُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ يَظُنُّ صِحَّتَهُ وَيُضَعِّفُ الْإِثْبَاتَ بِهِ، مِثْلَ مَا فَعَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنَ النُّظَّارِ حَتَّى الْآمِدِيُّ وَأَمْثَالُه، مَعَ أَنَّهُ أَصْلُ قَوْلِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَمْثَالِهمْ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ.
فَقَالُوا: الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلاَمِ، مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا لَكَانَ مُتَّصِفًا بِمَا يُقَابِلُهَا - فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَبَيَانِ أَقْسَامِهِمَا.
فَنَقُولُ: أَمَّا الْمُتَقَابِلاَنِ فَمَا لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ لاَ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهَا فِي الصِّدْقِ وَلاَ فِي الْكَذِبِ، أَوْ يَصِحَّ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ.
فَالْأَوَّلُ هُمَا الْمُتَقَابِلاَنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، وَهُوَ تَقَابُلُ التَّنَاقُضِ، وَالتَّنَاقُضُ هُوَ اخْتِلاَفُ الْقَضِيَّتَيْنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي الصِّدْقِ وَلاَ فِي الْكَذِبِ لِذَاتَيْهِمَا كَقَوْلِنَا: زَيدٌ حَيَوَانٌ، زَيدٌ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ، وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِ طَرَفَيْنِ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَأَنَّهُ لاَ واسِطَةَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلاَ اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إِلَى الْآخَرِ.
....... مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يَصِحُّ اجْتِمَاعُهمَا فِي الصِّدْقِ وَلاَ فِي الْكَذِبِ، إِذْ كَوْنُ الْمَوْجُودِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ وَمُمْكِنًا بِنَفْسِهِ لاَ يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ.
فَإِذَا جَعَلْتُُمْ هَذَا التَّقْسِيَمَ، وَهُمَا النَّقِيضَانِ مَا لاَ يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ، فَهَذَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ، وَلَيْسَ هُمَا السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ، فَلاَ يَصِحُّ حَصْرُ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ.
وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ ثَبَتَ وَصْفَانِ: شَيْئَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ جَعَلَ الْمَوْتَ مَعْنًى وُجُودِيًّا فَقَدْ يَقُولُ: إِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لاَ يَخْلُو مِنَ الحَيَاةِ وَالْمَوْتِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ، وَالصَّمَمُ، وَالْبُكْمُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّقْسِيمُ يَتَدَاخَلُ، فَإِنَّ الْعَدَمَ وَالْمَلَكَةَ يَدْخُلُ فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، وَغَايَتُه أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَالْمُتَضَايِفَانِ يَدْخُلاَنِ فِي الْمُتَضَادَّيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ.
فَإِنْ قَالَ: أَعْنِي بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ مَا لاَ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَدَمُ وَالْمَلَكَةُ، وَهُوَ أَنْ يُسْلَبَ عَنِ الشَّيْءِ مَا لَيْسَ بِقَابِلٍ لَهُ، وَلِهَذَا جُعِلَ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ لاَ اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ طَرَفَيْهِ إِلَى الْآخَرِ.
قِيلَ لَهُ: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ غَايَةَ هَذَا أَنَّ السَّلْبَ يَنْقَسِمُ إِلَى نَوْعَيْنِ، أَحَدُهمَا: سَلْبُ مَا يُمْكِنُ اتَصَافُ الشَّيْءِ بِهِ.
وَالثَّانِي: سَلْبُ مَا لاَ يُمْكِنُ اتِّصَافه بِهِ.
وَيُقَابِلُ الْأَوَّلَ إِثْبَاتُ مَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ وَلاَ يَجِبُ، وَالثَّانِي إِثْبَاتُ مَا يَجِبُ اتِّصَافُه بِهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ سَلْبَ الْمُمْتَنِعِ وَإِثْبَاتَ الْوَاجِبِ، كَقَوْلِنَا: زَيدٌ حَيَوَانٌ، فَإِنَّ هَذَا إِثْبَاتٌ وَاجِبٌ، وَزَيْدٌ لَيْسَ بِحَجَرٍ، فَإِنَّ هَذَا سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَالْمُمْكِنَاتُ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، كَقَوْلِنَا: الْمُثَلَّثُ إِمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْقِسْمَ يَخْلُو فِيهِ الْمَوْصُوفُ الْوَاحِدُ عَنِ المُتَقَابِلَيْنِ جَمِيعًا، وَلاَ يَخْلُو شَيْءٌ مِنَ المُمْكِنَاتِ عَنِ الوُجُودِ وَالْعَدَمِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَصِفَاتُ الرَّبِّ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لَهُ، فَإِذَا قِيلَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا أَوْ عَلِيمًا أَوْ سَمِيعًا أَوْ بصيرًا أَوْ مُتَكَلِّمًا، أَوْ لاَ يَكُونَ - كَانَ مِثْلَ قَوْلِنَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ، وَهَذَا مُتَقَابِلٌ تَقَابُلَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، فَيَكُونُ الْآخَرُ مِثْلَه، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لاَ يَصِحُّ حَتَّى يُعْلَمَ إِمْكَانُ قَبُولِهِ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا إِنَّمَا اشْتُرِطَ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَيَزُولَ كَالْحَيَوَانِ، فَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَهُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهَا وَبِعَدَمِهَا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلاَءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ تَارَةً حَيًّا وَتَارَةً مَيِّتًا، وَتَارَةً أَصَمَّ وَتَارَةً سَمِيعًا، وَهَذَا يُوجِبُ اتِّصَافَهُ بِالنَّقَائِصِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ قَطْعًا.
بِخِلاَفِ مَنْ نَفَاهَا، وَقَالَ: إِنَّ نَفْيَهَا لَيْسَ بِنَقْصٍ، لِظَنِّهِ أَنَّهُ لاَ يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَا، فَإِنَّ مَنْ قَالَ هَذَا لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ مَعَ إِمْكَانِ الِاتِّصَافِ بِهَا لاَ يَكُونُ نَفْيُهَا نَقْصًا. فَإِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ.
وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا: أَنْتَ فِي تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، إِنِ اشْتَرَطْتَ الْعِلْمَ بِإِمْكَانِ الطَّرَفَيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَقُولَ: وَاجِبُ الْوُجُودِ إِمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وَالْمُمْتَنِعُ الْوُجُودِ إِمَّا مَوْجُودٌ وإِمَّا مَعْدُومٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ هُنَا مَعْلُومُ الْوُجُوبِ، والْآخَرُ مَعْلُومُ الِامْتِنَاعِ.
وَإِنِ اشْتَرَطْتَ الْعِلْمَ بِإِمْكَانِ أَحَدِهِمَا صَحَّ أَنْ تَقُولَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ إِنْ كَانَ مُمْكِنًا صَحَّ التَّقْسِيمُ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا كَانَ الْإِثْبَاتُ وَاجِبًا، وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يُقَابِلُ السَّلْبَ وَالْإِيجَابَ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ ذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ فِي الِاعْتِرَاضِ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ إِمَّا سَمِيعٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِسَمِيعٍ، وَإِمَّا بَصِيرٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِبَصِيرٍ، وَالْمُنَازِعُ يَخْتَارُ النَّفْيَ.
فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمُثْبِتُ وَاجِبٌ، وَالْمَسْلُوبُ مُمْتَنِعٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَاجِبَةً لَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِالِامْتِنَاعِ لاَ وَجْهَ لَهُ إِذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ.
بَلْ قَدْ يُقَالُ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ بُطْلاَنَ الِامْتِنَاعِ، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِبْطَالِ أَصْلِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ فَسَادُ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ طَرِيقَةً مُسْتَقِلَّةً فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ، فَإِنَّهَا إِمَّا وَاجِبَةٌ لَهُ، وَإِمَّا مُمْتَنِعَةٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَتَعيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ قَابِلًا لَهَا خَالِيًا عَنْهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِمَنْ سَلَكَهَا مِنَ النُّظَّارِ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ يُقَالَ فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا: زَيْدٌ إِمَّا عَاقِلٌ وَإِمَّا غَيْرُ عَاقِلٍ، وَإِمَّا عَالِمٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَإِمَّا حَيٌّ وَإِمَّا غَيْرُ حَيٍّ، وَإِمَّا نَاطِقٌ وَإِمَّا غَيْرُ نَاطِقٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ سَلْبُ الصِّفَةِ عَنْ مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا دَاخِلًا فِي قِسْمِ تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خِلاَفُ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ، وَخِلاَفُ اتِّفَاقِ الْعُقَلاَءِ، وَخِلاَفُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَنْطِقِ وَغَيْرِه. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْقَضَايَا تَتَنَاقَضُ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ عَلَى وَجْهٍ يُلْزِمُ مَنْ صَدَّقَ إِحْدَاهُمَا كَذَّبَ الْأَُخْرَى، فَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَهَذِهِ شُرُوطُ التَّنَاقُضِ مَوْجُودَةٌ فِيهَا.
وَغَايَةُ فَرْقِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: إِذَا قُلْنَا: هُوَ إِمَّا بَصِيرٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِبَصِيرٍ، كَانَ إِيجَابًا وَسَلْبًا، وَإِذَا قُلْنَا: إِمَّا بَصِيرٌ وَإِمَّا أَعْمَى، كَانَ مَلَكَةً وَعَدَمًا.
وَهَذَا مُنَازَعَةٌ لَفْظِيَّةٌ، وَإِلاَّ فَالْمَعْنَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ فِي حَدِّ ذَلِكَ التَّقَابُلِ: إِنَّهُ لاَ اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، فَإِنَّ الِاسْتِحَالَةَ هُنَا مُمْكِنَةٌ كَإِمْكَانِهَا إِذَا عُبِّرَ بِلَفْظِ "الْعَمَى".
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ الْحَاصِرُ أَنْ يُقَالَ: الْمُتَقَابِلاَنِ إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يَخْتَلِفَا بِذَلِكَ، بَلْ يَكُونَانِ إيجَابَيْنِ أَوْ سَلْبَيْنِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ النَّقِيضَانِ، وَالثَّانِي: إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا، وَإِمَّا أَنْ لاَ يُمْكِنَ، وَالْأَوَّلُ هُمَا الضِّدَّانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالثَّانِي هُمَا فِي مَعْنَى النَّقِيضَيْنِ وَإِنْ كَانَا ثُبُوتَيْنِ كَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَالْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ، وَالْقِيَاسِ بِالنَّفْسِ وَالْقِيَامِ بِالْغَيْرِ، وَالْمُبَايَنَةِ وَالْمُجَانَبَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالصَّمَمَ وَالْبُكْمَ وَالسَّمْعَ، لَيْسَ مِمَّا إِذَا خَلاَ الْمَوْصُوفُ عَنْهُمَا وُصِفَ بِوَصْفٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا كَالْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ لاَ يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِذَا انْتَفَى تَعَيَّنَ الْآخَرُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْمَحَلُّ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلاَمِ وَنَحْوِهَا، أَنْقَصُ مِنَ المَحَلِّ الَّذِي يَقْبَلُ ذَلِكَ وَيَخْلُو عَنْهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ أَنْقَصَ مِنَ الحَيِّ الْأَعْمَى.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْبَارِي مُنَزَّهًا عَنْ نَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ - مَعَ قَبُولِهِ لَهَا - فَتَنْزِيهُه عَن امْتِنَاعِ قَبُولِهِ لَهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، إِذْ بِتَقْدِيرِ قَبُولِهِ لَهَا يَمْتَنِعُ مَنْعُ الْمُتَقَابِلَيْنِ، وَاتِّصَافُه بِالنَّقَائِصِ مُمْتَنِعٌ، فَيَجِبُ اتِّصَافُه بِصفاتِ الكمَالِ وبِتَقديرِ عدمِ قبولِهِ لا يُمكنُ اتِّصافُه لاَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَلاَ بِصِفَاتِ النَّقصِ وهذا أشدُّ امْتِناعًا فَثَبَتَ أنَّ اتِّصافَه بِذَلِكَ مُمْكِنٌ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمْ جَعَلْتُمْ تُقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ فِيمَا يُمْكِنُ اتصافُهُ بِثُبُوتٍ، فَإِنْ عَنَيْتُمْ بِالْإِمْكَانِ الْإِمْكَانَ الْخَارِجِيَّ، وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَكُونَ الْجَامِدَاتُ لاَ تُوصَفُ بِأَنَّهَا لاَ حَيَّةٌ وَلاَ مَيِّتَةٌ، وَلاَ نَاطِقَةٌ وَلاَ صَامِتَةٌ، وَهُوَ قَوْلُكُمْ، لَكِنَّ هَذَا اصْطِلاَحٌ مَحْضٌ، وَإِلاَّ فَالْعَرَبُ يَصِفُونَ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ بِالْمَوْتِ وَالصَّمْتِ.
وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، فَهَذَا فِي الْأَصْنَامِ وَهِيَ مِنَ الجَمَادَاتِ، وَقَدْ وُصِفَتْ بِالْمَوْتِ.
وَالْعَرَبُ تُقَسِّمُ الْأَرْضَ إِلَى الْحَيَوَانِ وَالْمَوَتَانِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَوَتَانُ، بِالتَّحْرِيكِ: خِلاَفُ الْحَيَوَانِ، يُقَالُ: اشْتَرِ الْمَوَتَانَ وَلاَ تَشْتَرِ الْحَيَوَانَ، أَيْ: اشْتَرِ الْأَرَضِينَ وَالدُّورَ، وَلاَ تَشْتَرِ الرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ، وَقَالُوا أَيْضًا: الْمَوَاتُ: مَا لاَ رُوحَ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا إِنَّمَا سُمِّيَ مَوَاتًا بِاعْتِبَارِ قَبُولِهِ لِلْحَيَاةِ، الَّتِي هِيَ إِحْيَاءُ الْأَرْضِ.
قِيلَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَاةَ أَعَمُّ مِنْ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَأَنَّ الْجَمَادَ يُوصَفُ بِالْحَيَاةِ إِذَا كَانَ قَابِلًا لِلزَّرْعِ وَالْعِمَارَةِ.
وَالْخَرَسُ ضِدُّ النُّطْقِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَبَنٌ أَخْرَسُ، أَيْ: خَاثِرٌ لاَ صَوْتَ لَهُ فِي الْإِنَاءِ، وَسَحَابَةٌ خَرْسَاءُ، لَيْسَ فِيهَا رَعْدٌ وَلاَ بَرْقٌ، وَعَلَمٌ أَخْرَسُ، إِذَا لَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِي الْجَبَلِ صَوْتُ صَدًى، وَيُقَالُ: كَتِيبَةٌ خَرْسَاءُ، قَالَ أَبُو عُبِيدٍ: هِيَ الَّتِي صَمَتَتْ مِنْ كَثْرَةِ الدُّرُوعِ لَيْسَ لَهَا قَعَاقِعُ.
وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ الصَّمْتُ وَالسُّكُوتُ، فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ إِذَا تَرَكَهُ، بِخِلاَفِ الْخَرَسِ، فَإِنَّهُ عَجْزٌ عَنِ النُّطْقِ، وَمَعَ هَذَا فَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ صَامِتٌ وَلاَ نَاطِقٌ، فَالصَّامِتُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالنَّاطِقُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ، وَالصَّامِتُ مِنَ اللَّبَنِ: الْخَاثِرُ، وَالصَّمُوتُ: الدِّرْعُ الَّتِي إِذَا صُبَّتْ لَمْ يُسْمَعْ لَهَا صَوْتٌ.
وَيَقُولُونَ: دَابَّةٌ عَجْمَاءُ، وَخَرْسَاءُ، لِمَا لاَ يَنْطِقُ وَلاَ يُمْكِنُ مِنْهُ النُّطْقُ فِي الْعَادَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ).
وَكَذَلِكَ فِي الْعَمَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَمَى الْمَوْجُ يَعْمِي عَمْيًا إِذَا رَمَى الْقَذَى وَالزُّبَدَ، وَالْأَعْمَيَانِ: السَّيْلُ وَالْجَمَلُ الْهَائِجُ، وَعَمِيَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ إِذَا الْتَبَسَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ).
وَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ قَدْ يُقَالُ فِي بَعْضِهَا: إِنَّهُ عَدَمُ مَا يَقْبَلُ الْمَحَلُّ الِاتِّصَافَ بِهِ كَالصَّوْتِ، وَلَكِنَّ فِيهَا مَا لاَ يَقْبَلُ كَمَوْتِ الْأَصْنَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْجَامِدَاتِ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ فِي الْجَمَادَاتِ حَيَاةً، كَمَا جَعَلَ عَصَا مُوسَى حَيَّةً تَبْلَعُ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ. وَإِذَا فِي إِمْكَانِ الْعَادَاتِ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَأَنْتُمْ أَيْضًا قَائِلُونَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَإِذَا كَانَ الْجَمَادَاتُ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَوَابِعِ الْحَيَاةِ ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِذَلِكَ، فَيَكُونُ الْخَالِقُ أَوْلَى بِهَذَا الْإِمْكَانِ.
وَإِنْ عَنَيْتُمُ الْإِمْكَانَ الذِّهْنِيَّ، وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ فَهَذَا حَاصِلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ امْتِنَاعُ اتِّصَافِه بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلاَمِ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ العِلْمِ بِالْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ، فَإِمْكَانُ الْوَصْفِ لِلشَّيْءِ يُعْلَمُ تَارَةً بِوُجُودِهِ لَهُ، أَوْ بِوُجُودِهِ لِنَظِيرِهِ، أَوْ بِوُجُودِهِ لِمَا هُوَ الشَّيْءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلاَمَ ثَابِتَةٌ لِلْمَوْجُودَاتِ الْمَخْلُوقَةِ، وَمُمْكِنَةٌ لَهَا، فَإِمْكَانُهَا لِلْخَالِقِ تَعَالَى أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاتِّصَافِ بِالصِّفَاتِ، وَإِذَا كَانَتْ مُمْكِنَةً فِي حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا لاَتَّصَفَ بِأَضْدَادِهَا.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مُجَرَّدُ سَلْبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ نَقْصٌ لِذَاتِه، سَوَاءٌ سُمِّيَتْ عَمًى وَصَمَمًا وَبُكْمًا، أَوْ لَمْ تُسَمَّ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، فَإِنَّا إِذَا قَدَّرْنَا مَوْجُودَيْنِ، أَحَدُهمَا يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَتَكَلَّمُ، وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ - كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنَ الثَّانِي.
وَلِهَذَا عَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنْ عَبَدَ مَا تَنْتَفِي فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ، فَقَالَ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ: ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)، وَقَالَ أَيْضًا فِي قِصَّتِهِ: (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ: ( هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
وَكَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى فِي الْعِجْلِ: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فَقَابَلَ بَيْنَ الْأَبْكَمِ الْعَاجِزِ وَبَيْنَ الْآمِرِ بِالْعَدْلِ الَّذِي هُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

[محمد أبو زيد]

(34) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(وقِيلَ لَهُ أَيْضًا: أَنْتَ فِي تَقَابُلِ السلبِ والإيجابِ)

الشرحُ:
أَقُولُ: لقدْ سَبَقَ أنْ شَرَحْنَا أنواعَ التقابُلِ كَمَا هي في كُتُبِ المَنْطِقِ: وأُعِيدُهَا هنا للإيضاحِ: فأَقُولُ: التقابُلُ أنواعٌ:

أ- نوعٌ يُسَمَّى تقابلَ الإيجابِ والسلبِ أو تقابلَ النَّقِيضَيْنِ، وهذا التقابلُ لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بينَ الشَّيْئَيْنِ اللذَيْنِ لا يَجُوزُ رَفْعُهُمَا ولا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا, ويَكُونُ أَحَدُهُمَا وُجُودِيًّا والآخرُ عَدَمِيًّا،أي: يَكُونُ أحدُهُمَا إِيجَابِيًّا والآخَرُ سلبيًّا نحوَ: الإِنَّسانِ
واللا إِنَّسانِ.
والداخلِ واللا داخلِ، والخارجِ واللا خارجِ.

ب – ونوعٌ يُسَمَّى تقابُلَ التَّضَادِّ.
وهذا التقابلُ يَكُونُ في شَيْئَيْنِ وُجُودِيَّيْنِ بِحَيْثُ لا يَجُوزُ الجَمْعُ بينَهُمَا، ولكن يَجُوزُ رَفْعُهُمَا، نحوَ: الحجرِ والشجرِ، والإِنسانِ والحمارِ، والسماءِ والأرضِ، وَيُسَمَّى المُتَضَادَّيْنِ أَيْضًا.

ج- تَقَابُلَ التَّضَائِفِ: وهو لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ في شَيْئَيْنِ وُجُودِيَّيْنِ، ولكنْ أَحَدُهُمَا لا يُتَصَوَّرُ بدونِ الآخَرِ.
نحوَ: الأبِ والابنِ، فالأبُ لا يَكُونُ أبًا إِلاَّ إذا كانَ لَهُ ابنٌ، وكذا الابنُ لا يَكُونُ ابنًا إِلاَّ إذا كانَ لَهُ أبٌ.

د- تقابلَ العدمِ والمَلَكَةِ:
وهذا التقابلُ لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ في شَيْئَيْنِ؛ أحدُهُمَا وُجُودِيٌّ وهو المَلَكَةُ، أي: أمرٌ محبوبٌ وصِفَةُ كمالٍ، والثاني عَدَمِيٌّ، أي: أمرٌ غَيْرُ محبوبٍ وصِفَةُ نَقْصٍ، نحو: البصرِ والعَمَى.
ويَكُونُ مَحَلُّ الوجوديِّ صالحًا للعَدَمِيِّ وبالعكسِ أَيْضًا.

فالبصرُ مَلَكَةٌ وصِفَةُ كمالٍ، وهو شيءٌ وجوديٌّ، والعمى صِفَةُ نقصٍ، وهو شيءٌ عَدَمِيٌّ، ومَحَلُّ الوجوديِّ – وهو الرجلُ البصيرُ – صالحٌ للعَمَى؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَصِيرَ الرجلُ البصيرُ أَعْمَى، وكذلكَ بالعكسِ؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَصِيرَ الرجلُ الأَعْمَى بَصِيرًا.

(35) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(الوجهُ الثالثُ.... إلخ)




الشرحُ:
أَقُولُ: حاصلُ هذا الكلامِ: أنَّ المُتَقَابِلَيْنِ إِنْ كانَا وُجُودِيَّيْنِ أو كانَا سَلْبِيَّيْنِ (عَدَمِيَّيْنِ) أو كانَ أحدُهُما وُجُودِيًّا والآخرُ سَلْبِيًّا (عَدَمِيًّا)، فإِنْ كانَا وُجُودِيَّيْنِ فَإِمَّا أنْ يُمْكِنَ خُلُوُّ المَحَلِّ منهما أمْ لا.

فالأَوَّلاَنِ ضِدَّانِ، نحوَ: البياضِ والسوادِ، والحجرِ والشجرِ؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هذا اللونُ لا أبيضَ ولا أسودَ، بلْ يَكُونُ أَحْمَرَ ويَكُونُ هذا الشيءُ لا حَجَرًا ولا شَجَرًا، بلْ يَكُونُ إِنَّسانًا.

والآخرانِ نَقِيضَانِ عندَ أهلِ اللغةِ وأهلِ السُّنَّةِ، كالوجودِ والإمكانِ، والحدوثِ والقِدَمِ، والدخولِ والخروجِ، و الاتصالِ والانفصالِ، والمُبَايَنَةِ والمُجَانَبَةِ، فهذهِ الأمورُ وإِنْ كانتْ وجوديَّةً إيجابيَّةً ثبوتيَّةً، ولكنْ لا يُمْكِنُ رَفْعُهَا مَعًا ولا إِثْبَاتُهُمَا معًا كالنَّقِيضَيْنِ عندَ المناطقةِ والمتكلمِينَ والجَهْمِيَّةِ.

وإِنْ كانَا وُجُودِيَّيْنِ أَيْضًا، ولكنْ كانَ تَصَوُّرُ أَحَدِهِمَا مَوْقُوفًا بِتَصَوُّرِ الآخَرِ.

فهما مُتَضَائِفَانِ، نحوَ: الابنِ والأبِ وإِنْ كانَا سَلْبِيَّيْنِ:
نحوَ: اللاإِنسانِ واللاحجرِ وهذا النوعُ لا تُسَمِّيهِ بهِ ولكنْ قد يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَصَادُقًا.
نحوَ: الكتابِ، فالكتابُ لا إِنسانٌ ولا حَجَرٌ، وقد لا يَكُونُ ذلكَ، نحوَ: الإِنسانِ، فإِنَّهُ لا يُقَالُ لَهُ: هذا لا إِنسانٌ, ولا حَجَرٌ. بلْ يُقَالُ: إِنسانٌ ولا حجرٌ، والحجرُ لا يُقَالُ لَهُ: هذا لا إِنسانٌ ولا حجرٌ. بلْ يُقَالُ: حجرٌ ولا إِنسانٌ. وإمَّا أنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا وُجُودِيًّا والآخَرُ سَلْبِيًّا، بحيثُ لا يَجْتَمِعَانِ ولا يَرْتَفِعَانِ، فهما نَقِيضَانِ، نحوَ: الإِنسانِ واللاإِنسانِ.

(36) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(الوجهُ السادسُ... إلخ)

الشرحُ:
قَصَدَ شَيْخُ الْإِسْلاَمِ: أَنَّهُ لا بُدَّ في بابِ اتصافِ اللَّهِ تَعَالَى أنْ نَعْلَمَ أنَّ ثُبُوتَ الصفاتِ لَهُ تَعَالَى مُمْكِنٌ بالإمكانِ الخارجيِّ، أي: ليس ذلكَ مُجَرَّدَ الإمكانِ الذِّهْنِيِّ فَقَطْ، بلْ يَكُونُ من الأمورِ المُمْكِنَةِ الواقعةِ في الخارجِ؛ لأَنَّ إمكانَ الوصفِ لأيِّ شيءٍ لا يُعْلَمُ إِلاَّ بثلاثِ طُرُقٍ:
إِمَّا أنْ يُوجَدَ ذلكَ الوصفُ لِهَذَا الشيءِ.
أو أنْ يُوجَدَ ذلكَ الوصفُ لِنَظِيرِ ذلكَ الشيءِ.
أو أنْ يَجِيءَ ذلكَ الوصفُ لِمَا هو أَوْلَى، والأخيرُ مِثَالُهُ.
الكتابةُ لزيدٍ، ووصفُ زيدٍ بالكتابةِ، فَهَهُنَا ثلاثُ مراتبَ:
أنَّ وَصْفَ زيدٍ بالكتابةِ ثابتٌ في الواقعِ؛ لأَنَّ زيدًا موصوفٌ بالكتابةِ في الخارجِ.
والمَرْتَبَةُ الثانيةُ: ثُبُوتُ ذلكَ الوصفِ لِعُمَرَ، فإِنَّ عُمَرَ مِن جنسِ زيدٍ، فإذا ثَبَتَت الكتابةُ لزيدٍ, فعمرُ يَجُوزُ اتِّصَافُهُ بالكتابةِ أَيْضًا.
أنْ يُوصَفَ بذلكَ الوصفِ شَيْءٌ آخَرُ, ولكِنَّهُ أَوْلَى بذلكَ الوصفِ.
مثالُ ذلكَ: صِفَةُ الكلامِ في الإِنسانِ صِفَةُ كمالٍ، فإذا ثَبَتَ ذلكَ الوصفُ لِمَنْ هو أَدْنَى، فإثباتُهَا لمَن هوَ فوقُ أَوْلَى وذلكَ بالأدِلَّةِ العقليَّةِ.

الحاصلُ: أنَّ شَيْخَ الْإِسْلاَمِ يقولُ: إِنَّ صِفَةَ الكلامِ صِفَةٌ خارجيَّةٌ توجدُ في الخارجِ عندَ الموصوفِينَ بها. وذلكَ أنَّ زيدًا مَوْصُوفٌ بهذهِ الصِفَةِ فَعَلِمْنَا اتِّصَافَهُ بها لأجلِ المشاهدةِ، وكذا نَرَى أنَّ عُمَرَ أو بَكْرًا أو خالدًا مَوْصُوفُونَ بذلكَ، فزيدٌ أَيْضًا يَتَّصِفُ بذلكَ؛ لأَنَّهُ مُمْكِنٌ؛ لأَنَّ زيدًا من جِنْسِ عُمَرَ، وكذا إذا نَظَرْنَا أنَّ الطفلَ يَتَّصِفُ بهذا الوصفِ، ويَتَكَلَّمُ، فالكبيرُ يَتَّصِفُ بهذهِ الصِفَةِ بالطريقِ الأَوْلَى، فالإِنَّسانُ إذا اتَّصَفَ بصِفَةِ كمالٍ فاللَّهُ أَوْلَى أنْ يَتَّصِفَ بِهَا.

[محمد أبو زيد]

أوَّلاً : الشُّبْهَةُ أو الاعتراضُ على طريقةِ إثباتِ الكمالِ بنفيِ ضِدِّه.
قولُه : ( وقد اعْتَرَضَ طائفةٌ من النُّفَاةِ على هذه الطريقةِ باعتراضٍ مشهورٍ لَبَّسُوا به على الناسِ حتى صَارَ كثيرٌ من أَهْلِ الإثباتِ يَظُنُّ صِحَّتَه ويُضَعِّفُ الإثباتَ به, مِثْلَ ما فَعَلَ مَنْ فَعَلَ ذلك من النُّظَّارِ حتى الآمِدِيِّ وأمثالِه مع أنه أصْلُ قولِ القَرَامِطَةِ الباطنيَّةِ وأمثالِهِم من الجَهْمِيَّةِ . فقالوا : " القولُ بأنه لو لم يكنْ مُتَّصِفًا بهذه الصِّفاتِ كالسمْعِ والبصَرِ والكلامِ مع كونِه حَيًّا لكان مُتَّصِفًا بما يُقَابِلُها " فالتحقيقُ فيه مُتَوَقِّفٌ على بيانِ حقيقةِ المتقابِلَيْنَ وبيانِ أقسامِهما, فنقولُ : أمَّا المتقابلانِ فما لا يَجتمعانِ في شيءٍ واحدٍ من جِهةٍ واحدةٍ, وهو إمَّا أن لا يَصِحَّ اجتماعُهما في الصدْقِ ولا في الكذِبِ ، أو يَصِحَّ ذلك في أحدِ الطرفينِ، فالأوَّلُ هما المتقابلانِ بالسَّلْبِ والإيجابِ, وهو تَقَابُلُ التَّناقُضِ ، والتَّناقُضُ هو اختلافُ القضيَّتَيْنِ بالسلْبِ والإيجابِ على وجهٍ لا يَجتمعانِ في الصِّدْقِ ولا في الكَذِبِ لذاتَيْهِما كقولِنا : زيدٌ حيوانٌ، زيدٌ ليس بحيوانٍ ، ومِن خاصِّيَّتِه استحالةُ اجتماعِ طَرَفَيْهِ في الصِّدْقِ والكَذِبِ ، وأنه لا وَاسطَةَ بينَ الطرفينِ ولا استحالةَ لأحدِ الطَّرَفَيْنِ إلى الآخَرِ ، والثاني ثلاثةُ أقسامٍ : ( الأوَّلُ ) المتقابلانِ بالتضايُفِ ، وهما اللذان لا تَعَقُّلَ لكلِّ واحدٍ منهما إلا مع تَعَقُّلِ الآخَرِ، كقولِنا: زيدٌ أبٌ، زيدٌ ابنٌ، وخاصِّيَّتُه تَوَقُّفُ كلِّ واحدٍ من طَرَفَيْه على الآخَرِ في الفَهْمِ، ( الثاني) المتقابلانِ بالتضادِّ، والمتضادَّان كلُّ أَمْرَيْن يُتَصَوَّرُ اجتماعُهما في الكذِبِ دونَ الصدْقِ كالسَّوَادِ والبَيَاضِ ، ومن خَوَاصِّه جوازُ استحالةِ كلِّ واحدٍ من طَرَفَيْهِ إلى الآخَرِ في بعضِ صُوَرِه، وجوازُ وُجودِه واسطةً بينَ الطرفينِ تَمُرُّ عليه الاستحالةُ من أَحَدِ الطرفينِ إلى الآخَرِ كالصُّفْرَةِ والْحُمْرَةِ بينَ السوادِ والبَيَاضِ (الثالثُ) تقابُلُ العدَمِ والْمَلَكَةِ ، والمرادُ بالْمَلَكَةِ هنا كلُّ معنًى وُجوديٍّ أَمْكَنَ أنْ يكونَ ثابتًا للشيءِ إمَّا بِحَقِّ جِنْسِه كالبصَرِ عندَ الإنسانِ ، أو بحقِّ نوعِه ككتابةِ زيدٍ ، أو بحقِّ شَخْصِه كاللِّحْيَةِ للرجلُ ، وأمَّا الْعَدَمُ المقابِلُ لها فهو ارتفاعُ هذه الْمَلَكَةِ . ولما لم يكنْ مَلَكَةُ البصَرِ بالتفسيرِ المذكورِ ثابتةً للحَجَرِ لا يقالُ له : أعْمَى ولا بَصيرٌ، ومن خَوَاصِّ هذا التقابُلِ جَوازُ انقلابِ الْمَلَكَةِ إلى العَدَمِ, ولا عكسٌ.

فإن أُريدَ بالتقابُلِ ههنا، وتَقابُلِ التَّناقُضِ بالسلْبِ والإيجابِ وهو أنه لا يَخْلُو من كونِه سميعًا وبصيرًا ومُتَكَلِّمًا أو ليس، فهو ما يقولُه الْخَصْمُ ولا يُقْبَلُ نفيُه من غيرِ دليلٍ ، وإن أُريدَ بالتقابُلِ تَقَابُلُ المتضايِفَيْنِ فهو غيرُ مُتَحَقِّقٍ ههنا ومع كونِه غيرَ مُتَحَقِّقٍ فلا يَلْزَمُ من نَفْيِ أحدِ المتضايِفَيْنِ ثبوتُ الآخَرِ، بل ربما انْتَفَيَا معًا ولهذا يُقالُ : زيدٌ ليس بأبٍ لعمرٍو ولا بابنٍ له أيضًا، وإن أُريدَ بالتقابُلِ، وتقابُلُ الضدَّيْنِ فإنما يَلْزَمُ أن لو كان واجبُ الوُجودِ قابلاً لتوارُدِ الأضدادِ عليه, وهو غيرُ مُسَلَّمٍ ، وإن كان قابلاً فلا يَلْزَمُ من نَفْيِ أحدِ الضِّدَّيْنِ وُجودُ الآخَرِ لجوازِ اجتماعِهما في العَدَمِ ووُجودِ واسِطَةٍ بينَهما، ولهذا يَصِحُّ أن يُقالَ : الباري تعالى ليس بأَسْوَدَ ولا أبيضَ, وإن أُرِيدَ بالتقابُلِ: تقابُلُ العدَمِ والْمَلَكَةِ فلا يَلْزَمُ أيضًا من نَفْيِ الْمَلَكَةِ تَحَقُّقُ العدَمِ ولا بالعكسِ ، إلا في مَحَلٍّ يكونُ قابلاً لهما ، ولهذا يَصِحُّ أن يُقالَ : الْحَجَرُ لا أعمى ولا بصيرٌ، والقولُ بكونِ الباري تعالى قابلاً للبَصَرِ والعَمَى دَعْوَى مَحَلَّ النزاعِ والمصادَرَةِ على المطلوبِ. وعلى هذا فقد امْتَنَعَ لزومُ الْعَمَى والخَرَسِ والطَّرَشِ في حقِّ الله تعالى من ضرورةِ نَفْيِ البصَرِ والسمْعِ والكلامِ عنه) .

التوضيحُ

نَقَلْتُ هنا نصَّ الاعتراضِ بأكْمَلِه لعَدَمِ وُجودِه في أُصولِ النُّسَخِ ، وإنما إضافةُ الدكتور السعوي في حاشيةِ تحقيقِه، وأَبْدَأُ الآنَ بتوضيحِه وذلك بتقسيمِه إلى فِقْرَاتٍ كما يَلِي:

أوَّلاً / التمهيدُ لذِكْرِ الاعتراضِ عندَ قولِه : " وقد اعْتُرِضَ .. فقالوا " أي: أنه اعْتُرِضَ على طريقةِ إثباتِ الكمالِ بنَفْيِ ما يُنَاقِضُها باعتراضِ التقابُلِ المشهورِ الذي وَضَعَهُ الباطنيَّةُ وأمثالُهم من الجَهْمِيَّةِ حتى اغْتَرَّ به كثيرٌ من المُتَكَلِّمِينَ, ومنهم الآمِدِيُّ وغيرُه.

ثانيًا / مُقَدِّمَاتٌ في بيانِ مُصْطَلَحَاتٍ لا بُدَّ منها عندَ قولِه : " فقالوا .. انقلابُ الْمَلَكَةِ إلى العدَمِ ولا عَكْسٌ .
أقولُ هذه الْمُصْطَلَحَاتُ سَبَقَ بيانُها باختصارٍ ، ولا مانِعَ من ذِكْرِها هنا مع توضيحِ بعضِ خواصِّها .
الْمُتقابلانِ هما : ما لا يَجتمعانِ في شيءٍ واحدٍ من جِهةٍ واحدةٍ, وهو قِسمان :

القسمُ الأوَّلُ : ما لا يَجتمعانِ في الصِّدْقِ ولا في الكَذِبِ ، أي: لا يَجتمعان في الإثباتِ ولا في النفيِ ، وهو معنى قولِنا لا يُمْكِنُ اجتماعُهما ولا ارتفاعُهما ، وهو تقابُلُ السلْبِ والإيجابِ, ويُسَمَّى ( التَّناقُضَ) .

خَوَاصُّه :
لا يُمْكِنُ اجتماعُهما ولا ارتفاعُهما.
لا وَاسِطَةَ بينَ طَرَفَيْهِ مثلَ معدومٍ ومَوْجودٍ فإنه لا وَاسِطَةَ بينَهما.
لا استحالةَ لأحَدِ الطرفينِ إلى الآخَرِ ، أي لا يَتَغَيَّرُ أحدُ الطرَفينِ إلى الآخَرِ فلا بُدَّ من وُجودِ أحدِهما دونَ الآخَرِ.

القِسمُ الثاني : قَسَّمَه إلى ثلاثةِ أقسامٍ, والجامِعُ بينَهما هو جَوازُ ارتفاعِهما وعَدَمُ جوازِ اجتماعِهما ، وقد سَبَقَ أن أَفْرَدْنا كلَّ نوعٍ فكان المجموعُ أربعةَ أقسامٍ ، ولكنه هنا جَعَلَها في قِسمينِ ثم فَصَّلَ القِسمَ الثانِيَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ ، وأَسِيرُ على ترتيبِه كما يَلِي:
- القِسمُ الثاني يَنقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :

الأوَّلُ / المُتَضايفانِ : ما لا يُعْقَلُ أحدُهما إلا بِتَعَقُّلِ الآخَرِ، كالأبوَّةِ والبُنُوَّةِ والقَبْلِ والبَعْدِ.
خاصِّيَّتُه: تَوَقُّفُ كلِّ واحدٍ من طرَفَيْهِ على الآخَرِ ، فلا يُفْهَمُ الأبُ إلا بفَهْمِ الابنِ, ولا يُفْهَمُ الابنُ إلا بفَهْمِ الأبِ.

الثاني / الْمُتَضَادَّانِ : ما يَجْتَمِعانِ في الكَذِبِ دونَ الصدْقِ, يعنى: يَجْتَمِعانِ في النفِي ، أي: يَجُوزُ رَفْعُهُما دونَ اجتماعِهما كالسَّوادِ والبَيَاضِ يَجُوزُ رفْعُهما دونَ اجتماعِهما.

خواصُّه
جوازُ استحالةِ أحدِ الطرفين إلى الآخرِ في بعضِ صُوَرِه, يعنى: قد يَتَغَيَّرُ أحدُ طَرَفَيْهِ إلى الآخَرِ, فَيَتغَيَّرُ الأبيضُ إلى أسودَ, وهكذا
وُجودُ واسِطَةٍ بينَهما كالصُّفْرَةِ والحمْرَةِ واسطةً بينَ السَّوَادِ والبَيَاضِ عندَ التَّغَيُّرِ من أحدِهما إلى الآخَرِ.

الثالثُ / الْمَلَكَةُ والعَدَمُ :- الْمَلَكَةُ أَمْرٌ مَوْجُودٌ يَثْبُتُ للشيءِ ، إمَّا لِجِنْسِه كالبصَرِ للإنسانِ فإنه يَثْبُتُ لِجِنْسِ الحيوانِ، أو لنوعِه كالكتابةِ لزَيْدٍ فإنَّ نوعَ الإنسانِ الذي منه زيدٌ يَقْبَلُ الكتابةَ، أو لشَخْصِه كاللِّحْيَةِ للرجُلِ؛ لأنها تَثْبُتُ لشخْصِ الرجالِ دونَ نوعِ الإنسانِ ، والعَدَمُ هو عَدَمُ تلك الْمَلَكَةِ كالْعَمَى فإنه عَدَمُ البَصَرِ. وقد سَبَقَ تعريفُ هذا التقابُلِ بأنه تقابُلُ ما لا يَجْتَمِعانِ ، ولا يَرْتَفِعَانِ فيما يَصْلُحُ لهما ويَرتفعان فيما لا يَصْلُحُ لهما, كالجدارِ فإنه لا يَقْبَلُ البصَرَ ولا الْعَمَى.
ثالثًا / نصُّ الاعتراضِ عندَ قولِه: " فإن أُريدَ بالتقابُلِ.. إلى آخِرِ الفِقْرَةِ " .
أقولُ بَدَأَ هنا بالاعتراضِ وحاصِلُه في أرْبَعِ نقاطٍ:
إنْ أَرَدْتُمْ بالتقابُلِ تَقَابُلَ النقيضينِ في قاعدةِ الكمالِ : إنَّ اللهَ لا يَخْلُو من كونِه سميعًا وبصيرًا أو نقيضِهما فهذا لا دَليلَ عليه.
وإن أَرَدْتُم تقابُلَ المتضايفَيْنِ فمَردودٌ من وَجهينِ :
ثانيًا / إنْ تَحَقَّقَ هنا فلا يَصِحُّ في القاعدةِ ، لأنه يَجُوزُ نَفْيُ المتضايفَيْنِ معًا فنقولُ : زيدٌ ليس بأبٍ لعمرٍو ولا ابنٍ له، فكذلك الصِّفاتُ وما يُقابِلُها.
وإنْ أَرَدْتُم تقابُلَ الضِّدَّيْنِ فمردودٌ من وَجهينِ أيضًا:
أوَّلاً / لا يَسْلَمُ أن يكونَ اللهُ تعالى قابلاً للأضْدَادِ.
ثانيًا / إنْ سَلَّمْنَا بذلك فإنه يَجُوزُ رَفْعُ الضِّدَّيْنِ فلا يَصِحُّ دليلاً على القاعدةِ.
وإن أَرَدْتُم تقابُلَ الْمَلَكَةِ والعَدَمِ فلا يَحْصُلُ هذا التقابُلُ إلا في مَحَلٍّ يَقْبَلُهما ، والقولُ بأنَّ اللهَ تعالى قابِلٌ لها دَعْوَى في مَحَلِّ النزاعِ؛ لأنَّ النزاعَ في قَبولِ اللهِ تعالى لهذه الصِّفاتِ فإذا قِيلَ لا يَقْبَلُهما جازَ رَفْعُهما كما يقالُ: الْحَجَرُ لا أَعْمَى ولا بصيرٌ ، وبهذا تَبْطُلُ قاعدتُهم, وبهذا يَكْتَمِلُ الاعتراضُ .
قولُه في الاعتراضِ : ( والْمُصَادَرَةُ على المطلوبِ): هي مقارَبَةٌ للدَّعْوَى في مَحَلِّ النزاعِ ، والمقصودُ أن تكونَ النتيجةُ جُزْءَ القِياسِ ، ويكونُ المطلوبُ والْمُقَدِّمَاتُ شيئًا واحدًا، فتكونُ الأَدِلَّةُ هي عينَ المتنازَعِ فيه.

الجوابُ عن الاعتراضِ من سبعةِ أَوْجُهٍ
الوجهُ الأوَّلُ
قولُه : ( إنَّ هذا التقسيمَ غيرُ حاصِرٍ ، فإنه يقالُ للمَوْجودِ إمَّا أن يكونَ واجبًا بنفسِه وإمَّا أنْ يكونَ مُمْكِنًا بنفسِه, وهذان – الوُجودُ الإمكانُ – لا يَجْتَمِعان في شيءٍ واحدٍ من جِهةٍ واحدةٍ ، ولا يَصِحُّ اجتماعُهما في الصدْقِ ولا في الكَذِبِ؛ إذ كونُ المَوْجودِ واجبًا بنفسِه ومُمْكِنًا بنفسِه لا يَجتمعانِ ولا يَرْتَفِعانِ ، فإذا جَعَلْتُم هذا القِسْمَ, وهما النقيضان, ما لا يَجتمعان ولا يَرتفعانِ ، فهذان لا يجتمعان ولا يرتفعان وليسا هما السلْبَ والإيجابَ فلا يَصِحُّ حَصْرُ النقيضينِ اللذين لا يَجتمعانِ ولا يَرتفعانِ في السلْبِ والإيجابِ ، وحينئذٍ فقد ثَبَتَ وَصفان : شيئان لا يَجتمعانِ ولا يَرتفعانِ ، وهو خارِجٌ عن الأقسامِ الأربعةِ ، وعلى هذا فمَن جَعَلَ الموتَ معنًى وُجودِيًّا فقد يقولُ: إنَّ كونَ الشيءِ لا يَخْلُو من الحياةِ والموتِ هو من هذا البابِ ، وكذلك العلْمُ والجهْلُ) .



التوضيحُ

أوَّلاً : أنه لا يَتَحَقَّقُ في هذه الصِّفاتِ؛ لأنها ليست من قَبيلِ المتضايِفَيْنِ

(1) الوجهُ الأوَّلُ : التقسيمُ إلى أربعةِ أقسامٍ, وجَعْلُ النقيضينِ هما السلْبَ والإيجابَ–أي: النفيَ والإثباتَ- مَنْقُوضٌ بالوجوبِ والإمكانِ فإنهما لا يَجْتَمعانِ ولا يَرتفعانِ ، بل لا بُدَّ أن يكونَ المَوْجودُ إمَّا واجبًا, وهو اللهُ تعالى, وإمَّا مُمْكِنًا وهو المخلوقُ ، ومع ذلك ليسا من السلْبِ والإثباتِ بل كِلاهما إثباتٌ- وكذلك مَن جَعَلَ الموتَ وُجوديًّا –أي: شيئًا مَوْجودًا- ليس مُجَرَّدَ نفيِ الحياةِ، فإنه يقولُ: لا يَخْلُو الشيءُ من الحياةِ أو الموتِ فيكونان نقيضينِ مع أنهما وُجُودِيَّانِ ، وهكذا القولُ في العلْمِ والجهْلِ والسمْعِ والصَّمَمِ والبصَرِ والعَمَى.

الوجهُ الثاني

قولُه : ( الوجهُ الثاني : أن يُقالَ : هذا التقسيمُ يَتَدَاخَلُ فإنَّ العَدَمَ والْمَلَكَةَ يَدْخُلُ في السلْبِ والإيجابِ, وغايتُه أنه نوعٌ منه والمتضايِفانِ يَدْخُلان في المتضادَّيْنِ, وإنما هو نوعٌ منه) .

التوضيحُ

(2) الوجهُ الثاني :- إنَّ هذه الأقسامَ تَتَداخَلُ فإنَّ تَقَابُلَ الْمَلَكَةِ والعَدَمِ داخِلٌ في النقيضينِ ؛ لأنَّ كِلَيْهما أَمْرانِ أحدُهما وُجوديٌّ والآخَرُ عَدَمِيٌّ ، وإنما الْمَلَكَةُ والعَدَمُ أَخَصُّ فهي نوعٌ من النقيضينِ؛ إذ يُشْتَرَطُ في الْمَحَلِّ أن يكونَ صالحًا لهما .
وكذلك المتضايِفانِ يَدْخُلانِ في الضِّدَّيْنِ؛ لأنَّ كِلَيْهما أَمرانِ وُجوديَّان لا يَجتمعانِ, ولكن قد يَرتفعانِ ، وإنما المتضايِفان نوعٌ من الضِّدَّيْنِ فإن المتضايِفَيْنِ يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ أحدِهما على الآخَرِ ، ويَتَّضِحُ ذلك بتأمُّلِ التعريفاتِ .

اعتراضٌ أوَّلُ
قولُه : ( فإن قالَ : أَعْنِي بالسلْبِ والإيجابِ: لا يَدْخُلُ فيه العدَمُ والْمَلَكَةُ ، وهو أن يَسْلُبَ عن الشيءِ ما ليس بقابِلٍ له, ولهذا جُعِلَ من خواصِّه أنه لا استحالَةَ لأحَدِ طَرَفَيْهِ إلى الآخَرِ ) .

التوضيحُ

فإن اعتَرَضَ على التداخُلِ بأنه يَقصِدُ بالسلْبِ والإثباتِ – أي النقيضينِ – ما لا يَدْخُلُ فيه الْمَلَكَةُ والْعَدَمُ فإنَّ الْمَلَكَةَ والعَدَمَ تَقَابُلٌ في مَحَلٍّ قابِلٍ لهما والنقيضينِ سلْبٌ عما ليس بقابِلٍ له ؛ لهذا قُلْنَا إنَّ من خواصِّ النقيضينِ عَدَمَ استحالةِ أحدِهما إلى الآخَرِ بخِلافِ الْمَلَكَةِ والعَدَمِ.

الجوابُ الأوَّلُ
قولُه : ( قيلَ عن هذا جوابانِ : أحدُهما أنَّ غايةَ هذا أنَّ السلْبَ يَنقسِمُ إلى نوعينِ، أحدُهما: سلْبُ ما يُمْكِنُ اتِّصافُ الشيءِ به، والثاني : سلْبُ ما لا يُمْكِنُ اتِّصافُه به، ويقابِلُ الأوَّلَ إثباتُ ما يُمْكِنُ اتِّصافُه به, ولا يَجِبُ, والثانِيَ: إثباتُ ما يَجِبُ اتِّصَافُه به . فيكونُ المرادُ به سلْبَ المُمْتَنِعِ وإثباتَ الواجبِ، كقولِنا: زيدٌ حيوانٌ ، فإنَّ هذا إثباتُ واجِبٍ ، وزيدٌ ليس بِحَجَرٍ ، فإنَّ هذا سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ . وعلى هذا التقديرِ فالْمُمْكِنَاتُ التي تَقْبَلُ الوُجودَ والعدَمَ كقولِنا : الْمُثَلَّثُ إمَّا مَوْجودٌ أو معدومٌ يكونُ من قِسْمِ العَدَمِ والْمَلَكَةِ، وليس كذلك فإنَّ ذلك القِسمَ يَخْلُو فيه الموصوفُ الواحدُ عن المتقابِلَيْنِ جميعًا ولا يَخلُو شيءٌ من الْمُمْكِنَاتِ عن الوُجودِ والعَدَمِ ، وأيضًا فإنه على هذا التقديرِ فصِفاتُ الربِّ كلُّها واجبةٌ له, فإذا قيلَ: إما أن يكونَ حيًّا أو عليمًا أو سميعًا أو بصيرًا أو مُتَكَلِّمًا أو لا يكونُ. كان مِثْلَ قولِنا: إمَّا أن يكونَ مَوْجودًا وإمَّا أن لا يكونَ ، وهذا مُتَقَابِلٌ تَقابُلَ السلْبِ والإيجابِ فيكونُ الآخَرُ مثلَه, وبهذا يَحْصُلُ المقصودُ) .

التوضيحُ
ذَكَرَ هنا الجوابَ الأوَّلَ عن الاعتراضِ, ثم سيأتي بالجوابِ الثاني بعدَ اعتراضينِ وجوابِهما.
وخُلاصَةُ الجوابِ الأوَّلِ : أنَّ غايةَ ما في الأمْرِ أنَّ السلْبَ قِسمانِ :- أحدُهما سلْبُ ما يُمْكِنُ اتِّصافُ الشيءِ به وهو السلْبُ في الْمَلَكَةِ والعَدَمِ, وضِدُّه إثباتُ ما يُمْكِنُ اتِّصافُ الشيءِ به ، - والثاني سلْبُ ما لا يُمْكِنُ اتِّصافُه به, وهو السَّلْبُ في النقيضين, ويُقابلُه إثباتُ ما يَجِبُ اتِّصافُه به فيكونُ المرادُ سَلْبَ المُمْتَنِعِ وإثباتَ الواجبِ؛

لأنَّ مَعْنَى ما لا يُمْكِنُ, أي: يَمْتَنِعُ اتِّصافُه به ، وضِدُّ المُمْتَنِعِ الواجبُ, ويَلْزَمُ من ذلك أمران:
أن تكونَ الْمُمكناتُ داخلةً في قِسْمِ العَدَمِ والْمَلَكَةِ ، فإذا قيلَ: الْمُثَلَّثُ إمَّا مَوْجودٌ أو معدومٌ كان ذلك من تَقَابُلِ الْمَلَكَةِ والعدَمِ وهذا خطأٌ ؛ لأن الْمَلَكَةَ والعدَمَ قد يَرْتَفِعُ فيهما الْمُتقابلانِ، والوُجودُ والعدَمُ لا يَخْلُو منهما الْمُمْكِناتُ أبدًا ، فالْمُمْكِنُ إمَّا مَوْجودٌ وإمَّا معدومٌ.

وأيضًا فصِفاتُ اللهِ تعالى واجبةٌ فإذا قُلْنَا إمَّا أن يكونَ حيًّا عليمًا سميعًا... أو لا يكونَ كذلك، كان هذا مِثْلَ قولِنا إمَّا أن يكونَ مَوْجودًا أو لا يكونَ مَوْجودًا, وهذا داخلٌ في تقابُلِ النقيضينِ؛ لأننا قُلْنَا بأنه إثباتُ الواجبِ وسلْبُ المُمْتَنِعِ. وصِفاتُ اللهِ واجبةٌ له, وبهذا يَحْصُلُ المقصودُ.




اعتراضٌ ثانٍ
قولُه: ( فإن قيلَ: هذا لا يَصِحُّ حتى يُعْلَمَ إمكانُ قَبولِه لهذه الصِّفاتِ )

التوضيحُ

هنا اعتراضٌ على الجوابِ السابقِ،ومضمونُه: أنَّ قولَكم: صفاتُ اللهِ واجبةٌ له، فإذا قُلْنَا: إمَّا أن يكونَ حيًّا عليمًا أو لا يكونَ كان مِثلَ قولِنا: إمَّا أن يكونَ موجودًا أو لا يكونَ، قولُكم هذا يَتَوَقَّفُ على العلْمِ بإمكانِ قَبولِه لهذه الصفاتِ، فإذا لم يكنْ قابلاً لهذه الصفاتِ جازَ رفْعُها مع أضدادِها بخِلافِ الوجودِ فإنه ثابتٌ له.

الجوابُ
قولُه: ( قيلَ له: هذا إنما اشْتُرِطَ فيما أَمْكَنَ أن يَثْبُتَ له ويزولَ كالحيوانِ. فأمَّا الربُّ تعالى فإنه بتقديرِ ثبوتِها له فهي واجبةٌ، ضرورةَ أنه لا يُمْكِنُ اتِّصافُه بها وبِعَدَمِها باتِّفاقِ العُقلاءِ، فإن ذلك يُوجِبُ أن يكونَ تارةً حيًّا وتارةً ميِّتًا، وتارةً أَصَمَّ وتارةً سَمِيعًا، وهذا يُوجِبُ اتِّصافَه بالنقائصِ، وذلك مُنْتَفٍ قَطْعًا.
بخِلافِ مَن نَفَاهَا، وقال: إنَّ نَفْيَها ليس بنقْصٍ، لظَنِّه أنه لا يَقْبَلُ الاتِّصافَ بها فإنَّ مَن قالَ هذا لا يُمْكِنُه أن يقولَ: إنه مع إمكانِ الاتِّصافِ بها لا يكونُ نفيُها نَقْصًا؛فإنَّ فسادَ هذا معلومٌ بالضرورةِ.
، وقيلَ له أيضًا: أنت في تَقَابُلِ السلْبِ والإيجابِ، إن اشْتَرَطْتَ العلْمَ بإمكانِ الطرَفين لم يَصِحَّ أن تقولَ: واجبُ الوجودِ إمَّا موجودٌ وإمَّا معدومٌ، والمُمْتَنِعُ الوجودِ إمَّا موجودٌ وإمَّا معدومٌ؛لأنَّ أحدَ الطرَفين هنا معلومُ الوجوبِ، والآخَرَ معلومُ الامتناعِ.

وإن اشْتَرَطْتَ العلْمَ بإمكانِ أحدِهما صَحَّ أن تقولَ: إِمَّا أن يكونَ حيًّا وإمَّا أن لا يكونَ، وإمَّا أن يكونَ سميعًا بصيرًا، وإمَّا أن لا يكونَ، لأنَّ النفيَ إن كان مُمْكِنًا صَحَّ التقسيمُ، وإن كان مُمْتَنِعًا كان الإثباتُ واجبًا، وحَصَلَ المقصودُ ).

التوضيحُ

- يُجابُ عنه من وَجْهَيْنِ:
قولُكم إنه لا يَصِحُّ حتى يُعْلَمَ إمكانُ قَبُولِه للصفاتِ باطلٌ؛ لأن اللهَ تعالى إذا قُدِّرَ ثبوتُ الصفاتِ له فتكونُ واجبةً في حقِّه؛ لأنه تعالى ليس كالمخلوقِ الذي تَثْبُتُ وتزولُ له الصِّفاتُ، فإمَّا أن تَثْبُتَ له، وإمَّا أن تُنْفَى عنه، ولا يُمْكِن أن يكونَ موصوفًا بها وبِعَدَمِها باتِّفاقِ العُقلاءِ؛ لأن لازِمَ ذلك أن يكونَ حيًّا تارةً وميِّتًا تارةً،وأصمَّ تارةً وسميعًا تارةً أخرى، وذلك مُنْتَفٍ عن اللهِ،وأمَّا مَن نَفَى صفاتِ الكمالِ وقالَ بأنَّ نَفْيَها ليس بنقْصٍ فإنه لا يقولُ بأنه يُمْكِن اتِّصافُه بها بل يقولُ: لا يُمْكِنُ اتِّصافُه بها؛لأنه لو قالَ: يُمْكِن اتِّصافُه بها،ونَفْيُها عنه ليس بنَقْصٍ لكان قولُه معلومَ الفسادِ بالضرورةِ؛ لأنه إذا جازَ على اللهِ تعالى شيءٌ،فيكونُ كَمَالاً في حقِّه ونَفْيُهُ عنه نَقْصٌ.
اشتراطُ العلْمِ بإمكانِ قَبُولِ الطرَفين يَلْزَمُ منه أحدُ أَمْرَين:

الأوَّلُ/ اشتراطُه في الطرَفين، وعندَها لا يَصِحُّ أن تقولَ: واجبُ الوجودِ إمَّا موجودٌ وإمَّا معدومٌ؛ لأنَّ الطرَفَ الأوَّلَ وهو الوجودُ معلومٌ والوجوبُ الآخَرُ معلومُ الامتناعِ، وأنت تَشْتَرِطُ الإمكانَ فلا يَصِحُّ قولُك هنا، وكذلك لا يَصِحُّ أن تقولَ المُمْتَنِعُ إمَّا موجودٌ وإمَّا معدومٌ؛ لأنَّ الطرَفَ الأوَّلَ، وهو الوجودُ، مُمْتَنِعٌ. والطرَفَ الثاني، وهو المعدومُ،واجبٌ،فإنَّ المُمْتَنِعَ يَجِبُ أن يكونَ معدومًا.

الثاني/ اشتراطُه في أحَدِ الطرَفينِ، وعندَها يَصِحُّ أن تقولَ: إمَّا أن يكونَ حيًّا، وإمَّا أن لا يكونَ، وإمَّا أن يكونَ سميعًا بصيرًا،وإمَّا أن لا يكونَ؛لأنه لا يَخْلُو من حالَيْنِ:
أن يكونَ النفيُ مُمْكِنًا،وعندَها يَصِحُّ هذا القولُ.
أن يكونَ النفيُ مُمْتَنِعًا فتكونَ الصفاتُ واجبةً فيَحْصُلُ المقصودُ.

اعتراضٌ ثالثٌ
(فإن قيلَ: هذا يُفيدُ أنَّ هذا التأويلَ يُقابِلُ السلْبَ والإيجابَ، ونحن نُسَلِّمُ ذلك كما ذُكِرَ في الاعتراضِ،لكنَّ غايتَه أنه إمَّا سميعٌ،وإمَّا ليس بسميعٍ، وإمَّا بصيرٌ،وإمَّا ليس ببصيرٍ، والمنازِعُ يَختارُ النفيَ ).

التوضيحُ

أي إن ما ذَكَرْتُمُوهُ مُسَلَّمٌ،ولكنَّ الْمُنازِعَ يَختارُ النفيَ فيقولُ ليس بسميعٍ ولا بصيرٍ.

الجوابُ
( فيقالُ له: على هذا التقديرِ فالْمُثْبَتُ واجبٌ، والمسلُوبٌ مُمْتَنِعٌ، فإمَّا أن تكونَ هذه الصفاتُ واجبةً له، وإمَّا أن تكونَ مُمْتَنِعةً عليه، والقولُ بالامتناعِ لا وجهَ له؛إذ لا دليلَ عليه بوجهٍ.
بل قد يُقالُ: نحن نَعْلَمُ بالاضطرارِ بُطلانَ الامتناعِ، فإنه لا يُمْكِنُ أن يُسْتَدَلَّ على امتناعِ ذلك إلا بما يُسْتَدَلَّ به على إبطالِ أَصْلِ الصفاتِ، وقد عُلِمَ فسادُ ذلك، وحنيئذٍ فيَجِبُ القولُ بوجوبِ هذه الصفاتِ له.
واعلَمْ أنَّ هذا يُمْكِن أن يُجعلَ طريقةً مستَقِلَّةً في إثباتِ صفاتِ الكمالِ له، فإنها إمَّا واجبةٌ له، وإمَّا مُمْتَنِعةٌ عليه، والثاني باطلٌ فَتَعَيَّنَ الأوَّلُ؛لأنَّ كونَه قابلاً لها خاليًا عنها يَقْتَضِي أن يكونَ مُمْكِنًا، وذلك مُمْتَنِعٌ في حقِّه، وهذه طريقةٌ معروفةٌ لِمَن سَلَكَها من النُّظَّارِ ).



التوضيحُ

فيُجابُ عنه: بأنَّ الْمُثْبَتَ واجبٌ والمَنْفِيَّ مُمْتَنِعٌ، فإمَّا أن تكونَ الصفاتُ واجبةً أو مُمْتَنِعةً، ولا دليلَ على الامتناعِ بل بُطلانُ الامتناعِ يُعْلَمُ ضرورةً، وهو نظيرُ القولِ بإبطالِ أَصْلِ الصفاتِ فالقولُ بالوجوبِ هو الْمُتَعَيِّنُ حينئذٍ.
فهذه قد تكونُ طريقةً مستَقِلَّةً لإثباتِ صفاتِ الكمالِ،فيُقالُ: إمَّا أن تكونَ واجبةً له أو مُمْتَنِعةً عليه،والثاني باطلٌ،فيَتَعَيَّنُ الأوَّلُ، وتعليلُ ذلك أنه لو كان قابلاً لها وغيرَ مُتَّصِفٍ بها لكان مُمْكِنًا، وهذا باطلٌ فاللهُ سبحانَه واجبٌ،وصفاتُه واجبةٌ، وقد سَبَقَ ذلك.

الجوابُ الثاني عن الاعتراضِ الأوَّلِ
( أن يقالَ فَعَلَى هذا إذا قُلْنَا: زيدٌ إمَّا عاقلٌ، وإمَّا غيرُ عاقلٍ، وإمَّا عالِمٌ،وإمَّا ليس بعالِمٍ، وإمَّا حيٌّ،وإمَّا غيرُ حيٍّ، وإمَّا ناطقٌ، وإمَّا غيرُ ناطقٍ، وأمثالُ ذلك مِمَّا فيه سلْبُ الصفةِ عن مَحَلٍّ قابِلٍ لها، لم يكنْ هذا داخلاً في قِسمِ تقابُلِ السلْبِ والإيجابِ، ومعلومٌ أنَّ هذا خِلافُ المعلومِ بالضرورةِ، وخِلافُ اتِّفاقِ العُقلاءِ، وخِلافُ ما ذَكَرُوه في الْمَنْطِقِ وغيرِه.
ومعلومٌ أن مِثلَ هذه القضايا تَتَنَاقَضُ بالسلْبِ والإيجابِ على وجهٍ يَلْزَمُ من صِدْقِ إحداهما كَذِبُ الأخرى، فلا يَجتمعان في الصِّدْقِ والكَذِبِ، فهذه شروطُ التناقُضِ موجودةٌ فيها.
وغايةُ فَرْقِهم أن يقولوا: إذا قلنا: هو إمَّا بصيرٌ وإمَّا ليس ببصيرٍ، كان إيجابًا وسَلْبًا، وإذا قلنا: إمَّا بصيرٌ وإمَّا أعمى، كان مَلَكَةً وعَدَمًا.

وهذا مُنازَعَةٌ لفظيَّةٌ، وإلا فالمعنى في الْمَوْضِعَيْنِ سواءٌ، فعُلِمَ أنَّ ذلك نوعٌ من تقابُلِ السلْبِ والإيجابِ، وهذا يُبْطِلُ قولَهم في حدِّ ذلك التقابُلِ: إنه لا استحالةَ لأحدِ الطرَفَيْنِ إلى الآخَرِ؛فإنَّ الاستحالةَ هنا مُمْكِنَةٌ كإمكانِها إذا عُبِّرَ بلفظِ " العَمَى " ).



التوضيحُ

إن قُلْتُم:إنَّ شرْطَ الْمَلَكَةِ والعَدَمِ سلْبُ ما يَقْبَلُ اتِّصافَه به، لَزِمَ من ذلك أن يكونَ قولُنا: زيدٌ إمَّا عاقلٌ وإمَّا غيرُ عاقلٍ، وإمَّا عالِمٌ وإمَّا ليس بعالِمٍ... وأمثالُ ذلك داخلةٌ في المَلَكَةِ والعَدَمِ، وهذا خِلافُ ما عليه العُقلاءُ،وخِلافُ ما ذَكَرُوه في الْمَنْطِقِ من أنَّ السلْبَ والإثباتَ من قبيلِ النقيضينِ؛لأنه يَلْزَمُ من ثبوتِ أحدِهما انتفاءُ الآخَرِ، فإن قالوا: إذا قلنا:هو إمَّا بصيرٌ وإمَّا ليس ببصيرٍ كان سلبًا وإيجابًا، وإذا قلنا: إمَّا بصيرٌ وإمَّا أعمى كان مَلَكَةً وعَدَمًا كان هذا التفريقُ لفظيًّا، فالمعنى واحدٌ بينَ الأمرينِ، وبهذا يَبْطُلُ قولُهم: إنَّ من خواصِّ النقيضينِ عَدَمَ استحالةِ أحدِ الطرَفينِ إلى الآخَرِ؛لأنه لا فرْقَ بينَ السلْبِ والإثباتِ في قولِنا: إمَّا بصيرٌ وإمَّا ليس ببصيرٍ، وبينَ قولِنا: إمَّا بصيرٌ وإمَّا أعمى فالاستحالةُ مُمْكِنةٌ في كِلاَ الْمَوْضِعِيْنِ.

الوجهُ الثالثُ في الرَّدِّ على الاعتراضِ الأَصْلِيِّ

( الوجهُ الثالثُ: أن يقالَ: التقسيمُ الحاصِرُ أن يُقالَ: المتقابلان إمَّا أن يَخْتَلِفا بالسلْبِ والإيجابِ، وإمَّا أن لا يَخْتَلِفَا بذلك، بل يكونان إيجابِيَّيْنِ أو سلبيَّيْنِ، فالأوَّلُ هو النقيضانِ، والثاني: إمَّا أن يُمْكِنَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عنهما، وإمَّا أن لا يُمْكِنَ،والأوَّلُ هما الضدانِ كالسَّوَادِ والبياضِ، والثاني هما في معنى النقيضينِ، وإن كان ثبوتيَّيْنِ كالوجوبِ والإمكانِ، والحدوثِ والقِدَمِ، والقيامِ بالنفْسِ والقيامِ بالغيرِ، والمبايَنَةِ والمجانَبَةِ، ونحوَ ذلك.

ومعلومٌ أنَّ الحياةَ والموتَ، والصَّمَمَ والبَكَمَ والسمْعَ، ليس مِمَّا إذا خَلاَ الموصوفُ عنهما وُصِفَ بوصفٍ ثالثٍ بينَهما كالحُمْرَةِ بينَ السوادِ والبَيَاضِ، فعُلِمَ أنَّ الموصوفَ لا يَخْلُو عن أحدِهما فإذا انْتَفَى تَعَيَّنَ الآخَرُ).

التوضيحُ

هذا الوجهُ الثالثُ من الوجوهِ السبعةِ في الردِّ على الاعتراضِ الأصليِّ قد طالَ الفاصِلُ بينَه وبينَ الوجهِ الثاني وحاصلُه: أن يقالَ: التقسيمُ الصحيحُ الذي يَحْصُرُ جميعَ المتقابلاتِ أن يقالَ: المتقابلانِ كما يلي:
إمَّا إن يَخْتَلِفا في السلْبِ والإثباتِ وهما النقيضانِ؛لأنَّ الأوَّلَ نَفْيٌ للثاني والثاني نَفْيٌ للأوَّلِ.
وإمَّا ألا يَخْتَلِفَا في النفيِ والإثباتِ بل يكونان إيجابيَّيْنِ،أو سلبيَّيْنِ،فإذا أَمْكَنَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عنهما فهما الضِّدَّانِ كالسوادِ والبَيَاضِ.

وإذا لم يُمْكِنْ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عنهما فهما في معنى النقيضينِ، وإن كانا وجوديَّيْنِ كالوجوبِ والإمكانِ فهما نقيضانِ كما سَبَقَ مع كونِهما وجوديَّيْنِ، ومِثلَ القِيامِ بالنفسِ والقيامِ بالغيرِ، وكذلك المبايَنَةُ والمجانَبَةُ ومِثلَه داخلَ العالَمِ أو خارجَه،فكلُّها في معنى النقيضَيْنِ لعَدَمِ إمكانِ جمعِهما ولا رَفْعِهما، ومِثلَ ذلك الحياةُ والموتُ والعَمَى والبصَرُ؛ لأنهما لا يَرتفعانِ بثالثٍ لهما ولا يَجتمعانِ فضابِطُ النقيضيْنِ مُتَحَقِّقٌ في الجميعِ.

الوجهُ الرابعُ

( الوجهُ الرابعُ: الْمَحَلُّ الذي لا يَقْبَلُ الاتِّصافَ بالحياةِ والعلْمِ والقُدرةِ والكلامِ ونحوَهما، أنْقَصُ من الْمَحَلِّ الذي يَقْبَلُ ذلك ويَخْلُو عنها، ولهذا كان الْحَجَرُ ونحوَه أَنْقَصَ من الحيِّ الأعمى.
وحينئذٍ، فإذا كان الباري مُنَزَّهًا عن نفيِ هذه الصفاتِ - مع قَبُولِه لها - فتنزيهُه عن امتناعِ قَبُولِه لها أَوْلَى وأَحْرَى، إذ بتقديرِ قَبُولِه لها يَمْتَنِعُ مَنْعُ المتقابِلَيْنِ، واتِّصافُه بالنقائصِ مُمْتَنِعٌ، فيَجِبُ اتِّصافُه بصفاتِ الكمالِ، وبتقديرِ عَدَمِ قَبُولِه لا يُمْكِنُ اتِّصافُه لا بصفاتِ الكمالِ ولا بصفاتِ النقْصِ، وهذا أشدُّ امتناعًا، فثَبَتَ أنَّ اتِّصافَه بذلك مُمْكِنٌ، وأنه واجبٌ له، وهو المطلوبُ، وهذا في غايةِ الْحُسْنِ ).

التوضيحُ

الوجهُ الرابعُ: إذا سلَّمْنَا بأنه تعالى لا يَقْبَلُها فإنَّ الْمَحَلَّ الذي لا يَقْبَلُ الاتِّصافَ بالحياةِ والقُدْرةِ ونحوَها أنْقَصُ من الْمَحَلِّ الذي يَقْبَلُها مع الخلُوِّ عنها،فالجِدارُ الذي لا يَقْبَلُ البصَرَ أنْقَصُ من الحيِّ الأعْمَى، فمَن نَزَّهَ اللهَ عن هذه الصِّفاتِ مع تقديرِ قَبُولِه لها وَجَبَ عليه أن يُنَزِّهَهُ عن امتناعِ قَبُولِه لها؛ لأنه أعْظَمُ نَقْصًا وأَشَدُّ امتناعًا فإنَّ فيه نفيًا لصفاتِ الكمالِ والنقْصِ معًا، فإذا قُدِّرَ قَبُولُه لها امْتَنَعَ رَفْعُ النقيضينِ عنه،بل يَجِبُ إثباتُ أحدِهما ونفيُ الآخَرِ،وهذه الصفاتُ كمالٌ كما سيأتي،ونَفْيُها نقْصٌ فوَجَبَ إثباتُها، وبذلك أَثْبَتْنا وجوبَها في حقِّه،وهو المطلوبُ.

الوجهُ الخامسُ

(الوجهُ الخامِسُ: أن يقالَ: أنتم جَعَلْتُمْ تَقَابُلَ العَدَمِ والمَلَكَةِ فيما يُمْكِنُ اتِّصافُه بثبوتٍ، فإن عَنَيْتُمْ بالإمكانِ الإمكانَ الخارجيَّ، وهو أن يُعْلَمَ ثبوتُ ذلك في الخارجِ، كان هذا باطلاً من وَجْهَيْنِ:

أحدُهما: أنه يَلْزَمُكُم أن تكونَ الجامداتُ لا تُوصَفُ بأنها لا حَيَّةٌ ولا مَيِّتَةٌ، ولا ناطقةٌ، ولا صامتةٌ، وهو قولُكم، لكنَّ هذا اصطلاحٌ مَحْضٌ، وإلا فالعرَبُ يَصِفُون هذه الجماداتِ بالموتِ والصمْتِ.
وقد جاءَ القرآنُ بذلك،قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } فهذا في الأصنامِ،وهي من الجماداتِ،وقد وُصِفَتْ بالموتِ.
والعربُ تُقَسِّمُ الأرضَ إلى الحيوانِ والْمَوَتَانِ، قالَ أهلُ اللغةِ: الْمَوَتَانُ بالتحريكِ، خِلافُ الْحَيَوَانِ، يقالُ: اشْتَرِ الْمَوَتَانَ ولا تَشْتَرِ الْحَيَوَانَ، أي: اشْتَرِ الأَرَضِينَ والدُّورَ ولا تَشْتَرِ الرقيقَ والدوابَّ،وقالوا أيضًا: المَوَاتُ: ما لا رُوحَ فيه.

فإن قيلَ: فهذا إنما سُمِّيَ مَوَاتًا باعتبارِ قَبُولِه للحياةِ التي هي إحياءُ الأرضِ.
قيلَ وهذا يَقتضِي أنَّ الحياةَ أعَمُّ من حياةِ الحيوانِ، وأنَّ الْجَمادَ يُوصَفُ بالحياةِ إذا كان قابلاً للزَّرْعِ والعِمارةِ.
والْخَرَسُ ضِدُّ النُّطْقِ، والعرَبُ تقولُ: لَبَنٌ أَخْرَسُ، أي:خاثِرٌ لا صوتَ له في الإناءِ، وسَحَابةٌ خَرْسَاءُ، ليس فيها رَعْدٌ ولا بَرْقٌ، وعَلَمٌ أَخْرَسُ، إذا لم يُسْمَعْ في الْجَبَلِ صوتُ صَدًى، ويقالُ:كَتِيبةٌ خَرْسَاءُ، قالَ أبو عُبَيْدٍ: هي التي صَمَتَتْ من كثرةِ الدروعِ، ليس لها قَعَاقِعُ.

وأبْلَغُ من ذلك الصمْتُ والسكوتُ، فإنه يُوصَفُ به القادِرُ على النُّطْقِ إذا تَرَكَه بخِلافِ الخَرَسِ فإنه عَجْزٌ عن النُّطْقِ، ومع هذا فالعرَبُ تقولُ: ما له صامِتٌ ولا ناطقٌ، فالصامِتُ الذهَبُ والفِضَّةُ والناطقُ الإبِلُ والغَنَمُ، والصامِتُ من اللَّبَنِ: الخاثِرُ، والصَّمُوتُ: الدِّرْعُ التي إذا صُبَّت لم يُسْمَعْ لها صوتٌ.
ويقولون: دابَّةٌ عَجْمَاءُ، وخَرْسَاءُ لِمَا لا يَنْطِقُ ولا يُمْكِنُ منه النطْقُ في العادَةِ، ومنه قولُ النبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ)).

وكذلك في العَمَى، تقولُ العرَبُ: عَمَى الْمَوْجُ يَعْمِي عَمْيًا إذا رَمَى الْقَذَى والزَّبَدَ،والأَعْمَيانِ: السَّيْلُ والجَمَلُ الهائِجُ، وعَمِيَ عليه الأمْرُ إذا الْتَبَسَ، ومنه قولُه تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ}.
وهذه الأمثلةُ قد يقالُ في بعضِها: إنه عَدَمُ ما يَقْبَلُ الْمَحَلُّ الاتِّصافَ به كالصوتِ، ولكنَّ فيها ما لا يَقْبَلُ كموتِ الأصنامِ.
الثاني: أنَّ الجامِداتِ يُمْكِنُ اتِّصافُها بذلك؛فإنَّ اللهَ سبحانَه قادرٌ أن يَخْلُقَ في الجماداتِ حياةً، كما جَعَلَ عصا موسى حيَّةً تَبْلَعُ الحبالَ والعِصِيَّ.
وإذا نَفَى إمكانَ العاداتِ كان ذلك مِمَّا قد عُلِمَ بالتواتُرِ، وأنتم أيضًا قائلون به في مواضعَ كثيرةٍ.
وإذا كان الْجَماداتُ يُمْكِنُ اتِّصافُها بالحياةِ وتوابِعِ الحياةِ ثَبَتَ أنَّ جميعَ الموجوداتِ يُمْكِنُ اتِّصافُها بذلك، فيكونُ الخالِقُ أَوْلى بهذا الإمكانِ.
وإن عَنَيْتُم الإمكانَ الذِّهْنيَّ، وهو عَدَمُ العلْمِ بالامتناعِ فهذا حاصلٌ في حقِّ اللهِ، فإنه لا يُعْلَمُ امتناعُ اتِّصافِه بالسمْعِ والبصَرِ والكلامِ).

التوضيحُ

حاصلُ هذا الوجهِ مُرَتَّبًا كالتالي:
إن قلتُم:إنَّ المَلَكَةَ والعَدَمَ فيما يُمْكِنُ اتِّصافُه به، فإنَّ للإمكانِ احتمالَيْنِ:
الإمكانُ الذِّهْنِيُّ: وهو عَدَمُ العلْمِ بالامتناعِ، فإننا نقولُ:إنه يُمْكِنُ اتِّصافُ الخالِقِ بالسمْعِ والبصَرِ وغيرِها؛لأننا لا نَعْلَمُ امتناعَ ذلك في حقِّه فالذِّهْنُ لا يَمْنَعُه.
الإمكانُ الخارجيُّ: أي عَدَمُ ثبوتِ هذه الصفاتِ في الخارجِ، فهو باطلٌ لوَجْهَيْنِ:

أحدُهما: أنه يَلْزَمُكم أن تكونَ الْجَماداتُ لا تُوصَفُ بأنها حَيَّةٌ ولا مَيِّتَةٌ ولا ناطقةٌ، وهذا اصطلاحٌ منكم مخالِفٌ للقرآنِ وكلامِ العربِ.

أمَّا القرآنُ: فقد وَصَفَ الأصنامَ،وهي جَماداتٌ،بالموتِ في قولِه تعالى: { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}.

وأمَّا كلامُ العَرَبِ فشواهِدُه كثيرةٌ منها:
أرضٌ حيوانٌ ومَوتَانٌ ومَوَاتٌ فإن قيلَ: يقالُ:لها مَوَتَانٌ.باعتبارِ قَبُولِها للحياةِ،وهي إحياءُ الأرضِ؟ فالجوابُ: إنَّ هذا يَدُلُّ على أنَّ الحياةَ أَعَمُّ من حياةِ الحيوانِ، الجمادُ يُوصَفُ بالحياةِ إذا كان قابلاً للزرْعِ والعِمارةِ، وهذا هو المقصودُ.
لَبَنٌ أَخْرَسُ،أي:خَاثِرٌ، بمعنى:غليظٌ لا صوتَ له.
سَحابةٌ خَرْسَاءُ: أي:لا رَعْدَ فيها ولا بَرْقَ.
علَمٌ أَخْرَسُ: إذا لم يُسْمَعْ له صَدًى.
كتيبةٌ خَرْسَاءُ، قالَ أبو عُبَيْدٍ:هي التي صَمَتَتْ من كثرةِ الدُّروعِ،ليس لها قَعَاقِعُ.
ما له صامتٌ ولا ناطِقٌ، فالصامِتُ الذهَبُ والفِضَّةُ، والناطِقُ الإبلُ والغَنَمُ.
دابَّةٌ عَجْمَاءُ وخَرْسَاءُ: ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ ".
عَمَىَ الموْجُ يَعْمِي عَمْيًا إذا رَمَى الْقَذَى والزَّبَدَ.
الأَعْمَيانِ: السَّيْلُ والْجَمَلُ الهائجُ.
عَمِيَ عليه الأمْرُ إذا الْتَبَسَ، ومنه قولُه تعالى: { فعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ}.
ثانيهما: أنَّ الْجَماداتِ يُمْكِنُ اتِّصافُها بهذه الصفاتِ كما جَعَلَ اللهُ تعالى عصا موسى حَيَّةً تَبْلَعُ الْحِبالَ والْعِصِيَّ، وبهذه يُعْلَمُ اتِّصافُها بهذه الكمالاتِ،فالخالِقُ أَوْلَى بها.

الوجهُ السادسُ

( الوجهُ السادسُ: أن يقالَ: هَبْ أنه لا بُدَّ من العلْمِ بالإمكانِ الخارجيِّ، فإمكانُ الوَصْفِ ( للشيءِ يُعْلَمُ تارةً بوجودِه له، أو بوجودِه لنظيرِه، أو بوجودِه لِمَا هو الشيءُ أَوْلَى بذلك منه.
ومعلومٌ أنَّ الحياةَ والعلْمَ والقُدْرةَ والسمْعَ والبَصَرَ والكلامَ ثابتةٌ للموجوداتِ المخلوقةِ، ومُمْكِنةٌ لها، فإمكانُها للخالِقِ تعالى أَوْلَى وأَحْرَى، فإنها صِفاتُ كمالٍ. وهو قابلٌ للاتِّصافِ بالصفاتِ، وإذا كانت مُمْكِنةً في حقِّه فلو لم يَتَّصِفْ بها لاتَّصَفَ بأضدادِها).

التوضيحُ

لو فَرَضْنَا أنه لا بُدَّ من العلْمِ بالإمكانِ الخارجيِّ فهذا الإمكانُ إمَّا أن يُعْلَمَ بوجودِه أو بوجودِ نظيرِه أو بوجودِه في شيءٍ هو أَوْلَى منه كما سَبَقَ في إمكانِ الْمَعَادِ، ومعلومٌ أنَّ العلْمَ والسمْعَ والبصَرَ مُمْكِنةٌ في حقِّ المخلوقاتِ وهي كمالٌ لهم، فالخالِقُ أَوْلَى بالإمكانِ وإذا كانت كمالاً في حقِّه لو لم يَتَّصِفْ بها لَزِمَ اتِّصافُه بالنقْصِ، فالنتيجةُ أنها تكونُ واجبةً في حقِّ اللهِ تعالى.

الوجهُ السابعُ

(الوجهُ السابعُ: أن يقالَ: مُجَرَّدُ سلْبِ هذه الصفاتِ نقْصٌ لذاتِه، سواءٌ سُمِّيَتْ عَمًى وصَمَمًا وبَكَمًا، أو لم تُسَمَّ، والعلْمُ بذلك ضروريٌّ، فإنَّا إذا قَدَّرْنَا موجودينِ، أحدُهما يَسْمَعُ ويُبْصِرُ ويَتَكَلَّمُ، والآخَرُ ليس كذلك - كان الأوَّلُ أكْمَلَ من الثاني.
ولهذا عابَ اللهُ سبحانَه مَن عَبَدَ ما تَنْتَفِي فيه هذه الصفاتُ، فقالَ تعالى عن إبراهيمَ الخليلِ: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} وقالَ أيضًا في قِصَّتِه: { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} وقالَ تعالى عنه: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ }.

وكذلك في قِصَّةِ موسى في العِجْلِ: { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ } وقالَ تعالى: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فقابَلَ بينَ الأبكَمِ العاجِزِ وبينَ الآمِرِ بالعدْلِ الذي هو على صِراطٍ مستقيمٍ )

التوضيحُ

مُجَرَّدُ نفيِ هذه الصفاتِ نَقْصٌ لذاتِه وهذا معلومٌ ضرورةً، فلو قَدَّرْنَا موجودَيْنِ أحدُهما حيٌّ عليمٌ سميعٌ،والآخَرُ ليس كذلك لكان الأوَّلُ أكْمَلَ، ولهذا عابَ اللهُ مَن عَبَدَ ما لا يَتَّصِفُ بها، والأمْثِلَةُ:
قولُه عن إبراهيمَ: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا}.
{ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ }.
{ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ }.
وقولُه في قِصَّةِ موسى: { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ }.
وقولُه: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فقابَلَ بينَ الأبْكَمِ العاجِزِ وبينَ الآمِرِ بالمعروفِ القادِرِ.
فتَدَبَّرْ ذلك وَفَّقَنَا اللهُ وإيَّاكَ إلى صراطِه المستقيمِ.

خُلاصَةُ الأوْجُهِ السبعةِ من الجوابِ

التقسيمُ إلى أربعةِ أقسامٍ منقوضٌ بالوجوبِ والإمكانِ فهما وُجُودِيَّانِ،ومع ذلك لا يَجتمعانِ ولا يَرتفعانِ،فلم يَنْطَبِقْ عليهما حَدُّ النقيضينِ ولا الضِّدَّيْنِ.
الأقسامُ الأربعةُ تَتَدَاخَلُ فالمَلَكَةُ والعَدَمُ تَدْخُلُ في النقيضينِ،والمتضايفانِ يَدْخُلانِ في الضِّدَّيْنِ.
التقسيمُ الصحيحُ أن يقالَ:
المتقابلان: إمَّا نقيضانِ وهما السلْبُ والإيجابُ،أو ضِدَّانِ، أو ما في معنى النقيضينِ، وهما ما لا يُمْكِنُ خُلُوُّ الشيءِ عنهما مع كونِهما وجوديَّيْنِ كالإمكانِ والوجوبِ.
الْمَحَلُّ الذي لا يَقْبَلُ الصفاتِ أنْقَصُ من الْمَحَلِّ الذي يَقْبَلُها مع عَدَمِها،فالْجِدارُ الذي لا يَقْبَلُ السمْعَ والبَصَرَ أنْقَصُ من الإنسانِ الأعمى وهكذا.
لا يَسْلَمُ أن تكونَ الْجَماداتُ مَثلاً لا يُمْكِنُ قَبُولُها للصفاتِ، فالإمكانُ قسمان: ذِهْنِيٌّ،وهذا لا يَمْتَنِعُ، وخارجيٌ،وهذا منقوضٌ بأمْرَيْنِ:
وُرودُ وَصْفِها بالموتِ والْعُجْمَةِ والْخَرَسِ لغةً وشَرْعًا.
إمكانُ ذلك بقُدْرَةِ اللهِ كعَصَا مُوسَى.
هذه الصفاتُ كمالٌ في حقِّ المخلوقِ، فالخالِقُ أَوْلَى بها فتكونُ واجبةً في حقِّه.
مُجَرَّدُ نفيِ هذه الصفاتِ نقْصٌ لذاتِه،لذلك ذَمَّ اللهُ المشرِكِينَ لعبادتِهم آلِهَةً لا تَسْمَعُ ولا تُبصِرُ ولا تَتَكَلَّمُ.

خُلاصَةُ القاعدةِ السابعةِ.
كثيرٌ مِمَّا أَثْبَتَه السمْعُ يُعْرَفُ بالعقْلِ، كمعرفةِ اللهِ ووحدانيَّتِه والْمَعادِ والنبوَّةِ.
خَطَأُ الأصولِ التي يُسَمِّيهَا المُتَكَلِّمون بالأصولِ العقليَّةِ.
لإثباتِ الكمالِ طريقتان عقليَّتَانِ:
الأُولى: إثباتُ صفاتِ الكمالِ بِنَفْيِ ما يُنَاقِضُها فلو لم يُوصَفْ بالكمالِ لوُصِفَ بالنقْصِ.
الثانيةُ: إثباتُ صفاتِ الكمالِ بأنفسِها،وهو قياسُ الأوْلَى،فكلُّ كمالٍ في حقِّ المخلوقِ فالخالِقُ أَوْلَى به.
اعْتَرَضَ المُبْتَدِعَةُ على الطريقةِ الأُولى باعتراضِ التقابُلِ المشهورِ، وقد تَكَرَّرَ ثلاثَ مَرَّاتٍ،وَرُدَّ عليه هنا بسبعةِ أوْجُهٍ شافيةٍ سَبَقَ تلخيصُها.

المُنَاقَشَةُ

دَلِّلْ على أنَّ كثيرًا مِمَّا أَثْبَتَه السمْعُ يُعْرَفُ بالعَقْلِ؟
اذْكُرْ بعضَ الأصولِ العقليَّةِ عندَ المُتَكَلِّمينَ؟
بَيِّنْ وُجوهَ ضَلالِ المُتَكَلِّمينَ في تلك الأصولِ؟
اذْكُرْ أمْثِلَةً لصفاتٍ تُعْرَفُ بالعقْلِ؟
اذْكُر الطرُقَ العقليَّةَ العامَّةَ في إثباتِ الكمالِ؟
في شُبْهَةِ التقابُلِ المشهورةِ وَضِّحْ ما يَلِي:
نَصَّ الشبْهَةِ والقائلينَ بها.
الْمُصطلحاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بها وهي: 1) النقيضان. 2) الضِّدَّانِ.
3) المتضايِفَان.4) المَلَكَةُ والعَدَمُ.

الأجْوِبَةُ السبْعَةُ باختصارٍ.
الأصْلُ الثاني: الشرْعُ والقَدَرُ
الواجبُ في الشرْعِ اعتقادًا،وفيه مسائلُ وهي:
معنى العِبادةِ.
دِينُ الأنبياءِ واحدٌ.
معنى الإسلامِ.
توحيدُ المُتَكَلِّمينَ.
توحيدُ الصوفيَّةِ.
الكلامُ عن الشهادتينِ.
الواجبُ في القدَرِ اعتقادًا: الإيمانُ بِمَرَاتِبِهِ الأربعِ.
الفِرَقُ التي ضَلَّتْ في القَدَرِ:-) المجوسيَّةُ، الْمُشْرِكيَّةُ، الإبليسِيَّةُ )

الكلامُ في المسائلِ التاليةِ:
الأسبابُ.
الواحدُ لا يَصدُرُ عنه إلا واحدٌ.
التحسينُ والتقبيحُ.
مخالَفَةُ مَن يَنظُرُ إلى القَدَرِ دونَ الشرْعِ:
أوَّلاً: مخالَفَتُه للحِسِّ والذوْقِ.
ثانيًا: مخالَفَتُه للعَقْلِ والقياسِ.

أنواعُ الفَناءِ ثلاثةٌ:
الفَناءُ عن إرادةِ السِّوَى.
الفَناءُ عن شهودِ السِّوَى.
الفَناءُ عن وُجودِ السِّوَى.

الواجبُ في الشرْعِ عَمَلاً:
العِبادةُ.
الاستغفارُ.

الواجبُ في القَدَرِ عَمَلاً:
الاستعانةُ.
الصبْرُ.

خاتِمَةُ الرسالةِ وفيها:
الدِّينُ ما كان عليه الرسولُ وأصحابُه.
وُجوبُ سؤالِ الْهِدايةِ.