دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 26 شوال 1440هـ/29-06-2019م, 02:38 PM
آسية أحمد آسية أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 420
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


التفسير المقاصدي لقوله تعالى ﴿إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ (١)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هذه الآية الأولى من أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر التي تضمنت ثلاث آيات تحوي صفحات من الفوائد والهدايات، وسنقف في هذه الرسالة عند الآية الأولى منها
قال الله تعالى مخاطباً نبيه بقوله : " إنا أعطيناك الكوثر"
وهذا خطاب من رب العالمين جل في علاه أنزله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم في وقت كان المشركون يتطاولون عليه بالأذى والكيد، طمأنة له وتسلية لقلبه وتثبيتاً له، رحمة منه تعالى وعناية بنبيه الكريم وتكريماً له، فأخبره بعطاء واسع لا حد له ولا انقطاع، وأسلوب الخطاب يدل على تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، فاستعمال ضمير العظمة في قوله "إنا" يدل على أن هذا العطاء ليس أي عطاء بل هو عطاء من عظيم هو الله تعالى الذي لا أعظم منه ولا أجل ولا أكرم، فالله هو المعطي، فكأنه يقول :" إنا بما لنا من العظمة"(1) وإذا كان كذلك فما أحسن العطاء ولو كان قليلا، فما بالك إذا كان كثيراً بل كثيراً غاية الكثرة، فهذا مشعر بعطاء عظيم.
فهذا أول إشارة تكريم له أن الله تعالى سيعطيه، فما الذي سيعطيه الله عز وجل ؟
قال: "الكوثر"
والكوثر: هو الخير الكثير، وهَذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة(2)، ومنه نهر الكوثر في الجنة،
والله تعالى لم يقل " كثير" وإنما قال "كوثر" على وزن فوعل، من الكثرة ، مما يفيد شدة ما اشتقت منه
، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى(3)، وفائدة بناء الصيغة على الواو فيه علو وغلبة مبالغة في الكثرة، وأتت الواو على إثر الفتحة لتأكيد تلك العظمة(4)
فالآية كلها بشرى، وتثبيت وطمأنينة وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية من الآيات المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم(5)، مما يزيد من شأنه ومكانته عند ربه،
وفي الآية تأكيد لتلك البشرى، فوقوعها محقق لابد منه، فقد أكد الخبر "بإن"، وعبر عن الفعل بالماضي مع أن القصد منه الخبر عن بشارة مستقبلية ستأتي ، والسبب في ذلك هو التأكيد على وقوعه فكأنه وقع فعلاً(6)،
أما عن ما أعطاه الله تعالى لنبيه من الخيرات فهي خيرات واسعة كثيرة فلفظ الكوثر جمع كل خير، فما أعطاه له في الدنيا فقط هو أعظم من كل ما فيها، يقول البقاعي : (ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره فكيف بالمُلك، فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمة)(7) إضافة إلى أن لفظ (أعطيناك) يتضمن التمليك(8)، فاجتمع له أمران أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم(9)
ومن أنواع الخيرات التي أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم :
  • الكوثر في الجنة، ومنه الحوض الذي ترده أمته يوم القيامة، فهذا تشريف له ولأمته أيضا، كما ورد بذلك الأحاديث الكثيرة المتواترة.
  • كما أعطاه النبوّة والحكمة، والزيادة من العلم بربّه تعالى، قال ابن عطية :(ولا محالة أنّ الذي أعطى اللّه تعالى محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من النبوّة والحكمة والعلم بربّه تعالى، والفوز برضوانه، والشرف على عباده هو أكثر الأشياء وأعظمها، فكأنه يقال في هذه الآية: إنّا أعطيناك الحظّ الأعظم)(10)
  • ومنه وإظْهارَ الدِّينِ الَّذِي أتى بِهِ عَلى كُلِّ دِينٍ، والنَّصْرَ عَلى عَدُوِّهِ، والآية تضمنت وعداً بهذا، أعني النصر على الأعداء، يقول الرازي : ( أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ﴾ وهَذا اللَّفْظُ يَتَناوَلُ خَيْراتِ الدُّنْيا وخَيْراتِ الآخِرَةِ، وأنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا ما كانَتْ واصِلَةً إلَيْهِ حِينَ كانَ بِمَكَّةَ، والخُلْفُ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، فَوَجَبَ في حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى إبْقاؤُهُ في دارِ الدُّنْيا إلى حَيْثُ يَصِلُ إلَيْهِ تِلْكَ الخَيْراتُ، فَكانَ ذَلِكَ كالبِشارَةِ لَهُ والوَعْدِ بِأنَّهم لا يَقْتُلُونَهُ، ولا يَقْهَرُونَهُ، ولا يَصِلُ إلَيْهِ مَكْرُهم بَلْ يَصِيرُ أمْرُهُ كُلَّ يَوْمٍ في الِازْدِيادِ والقُوَّةِ)(11).
  • ومما أعطاه الله تعالى من الكوثر هو رفعة الذكر وعلوه، بعكس ما اتهمه به أهل الكفر، والآية فيها نفي لما قالوه أنه أبتر، قال صاحب الظلال: ( في هذه الآية قرر أنه ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر)(12)
ومنه المقام المحمود والشفاعة والجنة، ومنها ما ثَبَتَ في الصحيحين من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»(13)

وقد ذكر الرازي في تفسيره لطيفة أن الخيرات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم قد أُشير إليها في السور التي سبقت سورة الكوثر، وكأن هذه السورة وعلى رأسها الآية الأولى كالتتمة لما قبلها، وعرض لكل سورة، لما فيها من الآيات التي أشارت الى نعمة الله على نبيه، ومن أبرز تلك السورة سورة الضحى ذَكَرَ لثلاثة أشياء مبشرة:
أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى﴾ [الضحى: ٢] .
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾ [الضحى: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ [الضحى: ٤]
ثم ذكرة في (ألَمْ نَشْرَحْ) أنه شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١] .
وثانِيها: ﴿ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾، [الشرح: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] .
وفي سورة التين شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: أنه أقسم ببلده في قَوْلُهُ: ﴿وهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ [التين: ٣] .
وثانِيها: أنه أخبر عن خلاص أمته من النار، وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التين: ٦] .
وثالِثُها: وصولهم إلى الثواب، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: ٦] .(14)


أخيرا يمكننا أن نخلص الى بعض الفوائد من تلك الآية فيما يلي :
1-عناية الله عز وجل بنبيه، وتشريفه، وتزكيته له ولأمته.
2- أن الله تعالى ينصر أوليائه من رسله وأتباعهم من المؤمنين، ويثبتهم، وهذا من معية الله تعالى لأوليائه وتوليه لهم.
3- ومنه نأخذ الصبر في زمن كثرة الباطل وقوة أهله واليقين بنصر الله لأوليائه وإن كانوا قلة، لأن الله بشر نبيه بالنصر والتمكين في زمن قوة الباطل وجبروته.
4- ومنه أن عطاء الله واسع وكرمه عظيم لأهل طاعته، فهو المعطي، الكريم، فليتوجه المرء الى ربه. بسؤاله الطاعات وزيادة الإيمان وقبولها فيجازيه الله عليها ويسأله حاجاته ومراده.
5- الآية تتضمن البشرى لأمة النبي صلى الله عليه وسلم(15)، فالدين قائم والله ناصر دينه.

وفي الآية من الفوائد أكثر لكن أكتفي بهذا القدر منه والله الموفق.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نظم الدرر للبقاعي.
2- مفاتيح الغيب للرازي.
3- التحرير والتنويرلابن عاشور.
4- نظم الدرر
5-أيسر التفاسري للجزائري، ظلال القرآن لسيد قطب.
6-التحرير والتنوير
7-نظم الدرر
8- مفاتيح الغيب
9- نظم الدرر
10- المحرر الوجيز لابن عطية
11-مفاتيح الغيب
12- في ظلال القرآن
13-متفق عليه، البخاري ومسلم.
14- مفاتيح الغيب.
15- أيسر التفاسير.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
إعراب القرآن وبيانه للزجاج
المحرر الوجيز لابن عطية
مفاتيح الغيب للرازي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير لابن عاشور
أيسر التفاسير للجزائري
في ظلال القرآن لسيد قطب
التفسيرالموضوعي لسور القرآن، مصطفى مسلم.



رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir