دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 شوال 1430هـ/13-10-2009م, 09:45 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الفصل الثامن : الناسخ والمنسوخ

( الفصل الثامن - فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ )

اعلم أن معرفة الناسخ والمنسوخ باب عظيم من علوم القرآن. ومن أراد أن يخوض فى بحر التفسير ففرض عليه الشروع فى طلب معرفته، والاطلاع على أسراره، ليسلم من الأغلاط، والخطإ الفاحش، والتأويلات المكروهة.
والكلام فى ذلك على سبيل الإجمال من عشرة أوجه: الأول فى أصل النسخ ومذاهب الناس فيه. الثانى فى حد النسخ ومعناه. الثالث فى حقيقته من حيث اللغة. الرابع فى حكمته الحق، والسر فى نسخ أمر بأمر. الخامس فى بيان ما يجوز نسخه. السادس فى سبب نزول آية النسخ. السابع فى وجوب معرفة الناسخ والمنسوخ. الثامن فى أنواع ما فى القرآن من المنسوخ التاسع فى ترتيب نسخ أحكام القرآن أولا فأولا. العاشر فى تفصيل سور القرآن الخالية عن الناسخ والمنسوخ.
أما أصل النسخ فالناس على مذهبين: مثبتون ومنكرون. والمنكرون صنفان:
صنف خارج على ملة الإسلام. وهم اليهود فإنهم أجمعوا على أنه لا نسخ فى شريعة موسى، وحكم التوارة باق إلى انقراض العالم. وقالوا: إن النسخ دليل على البداء والندامة، ولا يليق بالحكيم ذلك. هذا مقالهم، وتحريف التوراة فعالهم. يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلبسون الحق بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا: ولهذا قال تعالى فى حقهم: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.
وصنف ثان من أهل الإسلام. وهم الرافضة فإنهم وافقوا اليهود فى هذه العقيدة، وقالوا: ليس فى القرآن ناسخ ولا منسوخ، وقبيح بالحكيم أن يبطل كلامه.
فهم بكلامه يوادون من حاد الله {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود}.
وأما أهل السنة وجماهير طوائف المسلمين فقد أثبتوا النسخ، وأن القرآن مشتمل على الناسخ والمنسوخ، وأن الحكمة الربانية تقتضى ذلك، لأن الله تعالى رب الأرباب، ومالك الملوك، ومتصرف فى الأعيان، متحكم فى الأشخاص، ونعته وصفته: أحكم الحاكمين، وطبائع الخلق مختلفة؛ والأزمنة، والأوقات متفاوتة، وبناء عالم الكون والفساد على التغيير والتحول. وأى حكمة أبلغ وأتم من حكمة عدل على وفق طبائع الناس بناء على رعاية مصالحهم بحسب الوقت، والزمان، كسائر التصرفات الإلهية فى العالم: من تكوير اللبل النهار، وتغيير الفصول والأيام، بالبرد والحر، والاعتدال، وتبديل أحوال العباد بالإغناء، والإفقار، والإصحاح، والإعلال، وغير ذلك: من أنواع التصرفات المختلفة التى فى كل فرد من أفرادها حكمة بالغة، وإذا كان تصرفه تعالى فى ملكه وملكه يقتضى الحكمة، ولا اعتراض لمخلوق، فكذلك الأمر فى الشرائع والفرائض: تارة يأمر، وتارة ينهى، ويكلف قوما بشرع ثقيل، كبنى إسرائيل، وآخرين بشرع خفيف كالأمة المحمدية. وهو فى كل هذه التصرفات مقدس الجناب منزه الحضرة عن لائمة المعترضين، وسؤال المتعرضين. ولما كان محمد خاتم الرسل، والقرآن خاتم الكتب، وشرع القرآن خاتم الشرائع، نسخ فى عهده بعض القرآن ببعض، لما عند الله من الحكمة البالغة فى ذلك، ولما يتضمن من رعاية ما هو أصلح للعباد، وأنفع للمعاد. وأيضا كان النبى صلى الله عليه وسلم ينسخ بعض شرعه ببعض بواسطة الوحى السماوى، والسنة تقضى على القرآن والقرآن لا يقضى على السنة. وأما بعد ما استأثر الله به (صلى الله عليه وسلم) فقد صار القرآن والسنة محروسين من النسخ، والتغيير، بدليل قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
وأما حد النسخ (من حيث المعنى) فهو رفع حكم ثابت من قولهم: نسخت الرياح الأثر إذا درسته. وقيل "النسخ" قصر حكم على لفظ يختص بأهل زمان خاص؛ كما أن التخصيص قصر حكم لفظ على بعض الأشخاص. وقيل "النسخ" التحويل، والأجود أن يقال "النسخ" بيان نهاية تعبد بأمر، أو نهى مجدد، فى حكم خاص، بنقله إلى حكم آخر.
وللناسخ والمنسوخ خمسة شروط: أحدها أن يكون كل منهما شرعيا. الثانى أن يكون الناسخ متأخرا عن المنسوخ. الثالث أن يكون الأمر بالمنسوخ مطلقا غير مقيد بغاية. والرابع أن يكون الناسخ كالمنسوخ فى إيجاب العلم والعمل. الخامس أن يكون الناسخ والمنسوخ منصوصين بدليل خطاب (أو بمفهوم خطاب).
وأما حقيقة النسخ لغة فقد جاء بمعنيين:
أحدهما النقل، كما يقال للكتابة نسخ. قال تعالى: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} وعلى هذا يكون جميع القرآن منسوخا، بمعنى أنه مكتوب نقل من اللوح المحفوظ إلى صحف مرفوعة مطهرة، بأيدى سفرة كرام بررة، ولما نزل من السماء بواسطة الوحى كتبه الصحابة، ونسخوخ فى صحفهم، ثم لما يزل ينسخ، وينقل إلى يوم القيامة.
والقول الثانى أن يكون لغة بمعنى الرفع والإزالة. يقال: نسخت الشمس الظل إذا أبطلته، ونسخت الريح الأثر إذا أذهبته. وعلى هذا قيل لرفع حكم بحكم آخر: نسخ، لأنه إبطال حكم، وإثبات حكم مكانه، كالشمس مكان الظل.
وأما الحكمة فى النسخ فذكروا فيها وجوها.
أولها وأجلها إظهار الربوبية، فإن بالنسخ يتحقق أن التصرف فى الأعيان إنما هو له تعالى: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
الثانى بيان لكمال البعودية، كأنه منتظر لإشارة السيد، كيفما وردت وبأى وجه صدرت. وإنما يظهر طاعة العبيد بكمال الخضوع، والانقياد.
والثالث امتحان الحرية، ليمتاز من المتمرد من المنقاد، وأهل الطاعة من أهل العناد فالدار دار الامتحان، والذهب يجرب بالذوبان، والعبد الصالح بالابتلاء والهوان.

الرابع إظهار آثار كلفة الطاعة، على قدر الطاقة، {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
الخامس التيسير، ورفع المشقة عن العباد، برعاية المصالح {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}.
السادس نقل الضعفاء من درجة العسر إلى درجة اليسر {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
وأما أن النسخ فيماذا يجوز فالصحيح أن النسخ يتعلق بالأمر والنهى فقط. وأما الأخبار فمصونة عن النسخ، لأن المخبر الصادق يصير بنسخ خبره كاذبا. وقيل: النسخ فى الأمر، والنهى، وفى كل خبر يكون بمعنى الأمر والنهى. فالنهى مثل قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية}. والأمر مثل قوله: {تزرعون سبع سنين دأبا} أى ازرعوا. وشذ قوم أجازوا النسخ فى الأخبار مطلقا.

وأما سبب نزول آية النسخ فهو أن كفار مكة ويهود المدينة لما صرحوا بتكذيب النبى صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن هذا الكلام مختلق، لأنه يأمر بأمر، ثم ينهى عنه، ويقرر شرعا، ثم يرجع عنه، فما هو إلا من تلقاء نفسه، فنزلت {وإذا بدلنآ آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنمآ أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون} ووردت الإشارة إلى النسخ فى الآية الأخرى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} أى قادر على إنفاذ قضائه وقدره، فيقدم من أحكامه ما أراد، ويؤخر منها ما أراد، ويثقل الحكم على من شاء، ويخففه عمن شاء، وإليه التيسير والتعسير، وبيده التقدير والتقرير، ولا ينسب فى شىء إلى العجز والتقصير، ولا مجال لأحد فى اعتراض وتغيير، إنه حكيم خبير، وبيده التصريف والتدبير، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
وأما وجوب معرفة الناسخ والمنسوخ فقال ابن عباس: من لم يعرف الناسخ من المنسوخ خلط الحلال بالحرام. وعن النبى صلى الله عليه وسلم إن محرم الحلا الح وقال أيضا "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" ولما رأى على رضى الله عنه عبد الله بن دأب فى مسجد الكوفة وهو يجيب عن المسائل، فقال له: هل تعرف الناسخ من المنسوخ قال: لا؛ قال: فما كنيتك؟ قال أبو يحيى. قال: أنت أبو اعرفونى بالجهل. ثم أخذ بأذنه، وأقامه عن مجلسه. فقال: لا يحل لك رواية الحديث فى هذا المسجد، ولا الجلوس فى مثل هذا المجلس حتى تعلم الناسخ من المنسوخ.
وأما أنواع منسوخات القرآن فثلاثة.

أحدها ما نسخ كتابته وقراءته. قال أنس كانت سورة طويلة تقارب سورة براءة، كنا نقرؤها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسخت بكليتها، لم يبق بين المسلمين منها شئ، سوى هذه الآية: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا، ولو كان ثالثا لابتغى رابعا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وقال ابن مسعود: لقننى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية حفظتها وأثبتها فى المصحف، فأردت فى بعض الليالى أن أقرأها، فلم أذكرها، فرجعت إلى المصحف فوجدت مكانها أبيض، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك، فقال: يا عبد الله، قد نسخت تلك الآية. فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يذكرها، فنزل جبريل بقوله تعالى {سنقرئك فلا تنسى} وقيده بالمشيئة لئلا يأمن بالكلية فنزلت {إلا ما شآء الله} .
الثانى ما نسخ خطه، وكتابته، وحكمه باق؛ مثل (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم).
الثالث ما نسخ حكمه وخطه ثابت.
وذلك فى ثلاثة وستين سورة. وسيأتى ترتيبه إن شاء الله.

وأما ترتيب المنسوخات فأولها الصلوات التى صارت من خمسين إلى خمس، ثم تحويل القبلة من بيت المقدس إى الكعبة {فلنولينك قبلة ترضاها} ثم صوم يوم عاشوراء، ثم صوم ثلاثة أيام من كل شهر، نسخا بفرض صيام رمضان، ثم حكم الزكاة إلى ربع العشر بعد أن كان الفاضل عن قوت العيال، صدقة، وزكاة، ثم الإعراض عن المشركين والصفح عنهم نسخ بآية السيف: {وقاتلوا المشركين كآفة}. ثم الأمر الخاص بقتال أهل الكتاب {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}، ثم نسخ ميراث الولاء بتوريث ذوى الأرحام، ونسخ ميراث ذوى الأرحام بالوصية، ثم نسخ الوصية بآية المواريث وهى قوله {يوصيكم الله في أولادكم} ثم نفى المشركين من الحرم والمسجد الحرام {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} ثم نسخ عهد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين رده عليهم على لسان على يوم عرفة فى أول سورة براءة {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} إلى قوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين}.
فهذا ترتيب المنسوخات الأول فالأول.
وأما تفصيل السور (التى فيها الناسخ والمنسوخ والتى ما فيها [نسخ] فالسور الخالية عن الناسخ والمنسوخ) ثلاثة وأربعون سورة: فاتحة الكتاب، سورة يوسف، يس، الحجرات، الرحمن، الحديد، الصف، الجمعة، التحريم ، الملك، الحاقة، سورة نوح، المرسلات، سورة الجن، النبأ، والنازعات، الانفطار، التطفيف، الانشقاق، البروج، والفجر، البلد، والشمس، والليل، والضحى، ألم نشرح، القلم، القدر، لم يكن، زلزلت، والعاديات، القارعة، التكاثر، الهمزة، الفيل، لإيلاف، أرأيت، الكوثر، النصر، تبت، الإخلاص، الفلق، الناس.
والسور التى فيها الناسخ وليس فيها المنسوخ ست: سورة الفتح، الحشر، المنافقون، التغابن، الطلاق، الأعلى.
والتى فيها المنسوخ وليس فيها ناسخ أربعون سورة: الأنعام، الأعراف، يونس، هود، الرعد، الحجر، النحل، إسرائيل، الكهف، طه، المؤمنون، النمل، القصص، العنكبوت، الروم، لقمان،المضاجع، الملائكة، الصافات، ص، الزمر، المصابيح، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، سورة محمد صلى الله عليه وسلم، (5) ق، والنجم، القمر، الممتحنة، (5) ن، المعارج، القيامة، الإنسان، عبس، الطارق، الغاشية، والتين، الكافرون.
والسور التى اجتمع فيها الناسخ والمنسوخ خمس وعشرون سورة: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، (5) الأنفال، التوبة، إبراهيم، مريم، الأنبياء، الحج، النور، الفرقان، الشعراء، الأحزاب، سبأ، المؤمن، الشورى، والذاريات، والطور، الواقعة، المجادلة، المزمل، المدثر، التكوير، والعصر.
وجملة الآيات مئتا آية وأربع آيات على التفصيل الذى ذكرناه.
وهذه الجملة التى لا بد من معرفتها من أمر الناسخ والمنسوخ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثامن, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir