القِسمُ الثامنُ: الوِجَادَةُ
وصُورَتُهُ أن يَجِدَ حَدِيثًا أو كِتابًا بخَطِّ شَخْصٍ بإِسنادِهِ.
فلَهُ أن يَرْوِيَهُ عنه علَى سَبِيلِ الحِكايَةِ، فيَقُولَ: وجَدْتُ بخَطِّ فُلانٍ، حدَّثَنا فُلانٌ ويُسْنِدُه، ويَقَعُ هذا أَكْثَرَ فِي مُسْنَدِ الإمامِ أَحْمَدَ، يَقُولُ ابنُهُ عَبْدُ اللهِ: (وَجَدْتُ بخَطِّ أَبِي: حَدَّثَنَا فُلانٌ) ويَسُوقُ الحَدِيثَ.
وله أنْ يَقُولَ: (قالَ فُلانٌ) إذا لم يَكُنْ فِيه تَدْلِيسٌ يُوهِمُ اللُّقِيَّ.
قال ابنُ الصَّلاحِ: وجَازَفَ بَعْضُهُم فأَطْلَقَ فِيه: (حَدَّثَنا) أو (أَخْبَرَنا) وانْتُقِدَ ذَلك على فَاعِلِه.
وله أن يقولَ فيما وَجَدَ مِن تَصنيفِه بغَيرِ خَطِّهِ: (ذَكَرَ فُلانٌ) و (قالَ فُلانٌ) أيضًا
ويقولَ: (بَلَغَنِي عَن فُلانٍ) فيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِن تَصنيفِه، أو مُقابَلَةُ كِتابِه. واللهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: والوِجَادَةُ لَيْسَتْ مِن بابِ الرِّوَايَةِ، وإنَّما هِيَ حِكايَةٌ عمَّا وَجَدَهُ في كِتابٍ.
وأما العَمَلُ بها فمَنَعَ مِنه طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ والمُحَدِّثِينَ أو أَكْثَرُهُم فيما حَكَاهُ بَعْضُهم.
ونُقِلَ عنِ الشافِعِيِّ وطَائِفَةٍ مِن أَصحابِهِ جَوَازُ العَمَلِ بها.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وقَطَعَ بعضُ المُحَقِّقِينَ مِن أَصْحابِهِ في الأُصولِ بوُجوبِ العَمَلِ بها عِندَ حُصولِ الثِّقَةِ بِه.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وهذا هو الذي لا يَتَّجِهُ غَيْرُه في الأَعْصَارِ المُتَأَخِّرَةِ؛ لتَعَذُّرِ شُروطِ الرِّوَايَةِ في هذا الزمانِ، يَعْنِي: فلَمْ يَبْقَ إلا مُجَرَّدُ وِجَاداتٍ.
قُلْتُ: وقد وَرَدَ في حَدِيثٍ عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنه قالَ: (أَيُّ الخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُم إِيمانًا؟)
قالوا: الملائكةُ.
قالَ: (وكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وهُمْ عِندَ رَبِّهِم)
وذَكَرُوا الأنبياءَ؛ فقَالَ: (وكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ والوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟!)
قالوا: (فنَحْنُ؟)
قالَ: (وكَيْفَ لا تُؤْمِنُونَ وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ).
قَالُوا: فَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قالَ: (قَوْمٌ يَأْتُونَ مِن بَعْدِكُم يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا).
وقد ذَكَرْنَا الحَدِيثَ بإِسنادِهِ ولَفْظِه بشَرْحِ البُخَارِيِّ وللهِ الحَمْدُ، ويَأْخُذُ مِنْهُ مَن عَمِلَ بالكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ بمُجَرَّدِ الوِجَادَةِ لَها. واللهُ أَعْلَمُ.