الحَديثُ التاسِعُ والأَرْبَعُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
349- وعن أَبِي هُـرَيْرَةَ رضي اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((لَوْ أَنَّ رَجُـلًا - أو قالَ: امْـرَءًا - اطَّلَـعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٍ))(173).
___________________
(173) الغَرِيبُ:
خَذَفْتَهُ : بالحاءِ والخاءِ, وخَطَّأَ القُرْطُبِيُّ رِوَايَةَ الحَاءِ, وجَزَمَ النَّوَوِيُّ أنَّهُ بالخاءِ المُعْجَمَةِ، ومَعْناها : رَمَيْتَهُ.
فَقَأْتَ عَيْنَهُ: أَفْسَدْتَها.
جُنَاحٌ: إثْمٌ.
المَعْنى الإجْمالِيُّ:
للإنْسانِ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، ومَقامٌ كَبِيرٌ، وقَدْ حَظَرَ اللهُ تعالى مالَهُ، وعِرْضَهُ، ودَمَهُ.
ولَكِنَّهُ إذا اعْتَدَى على غَيْرِهِ زالَتْ حُرْمَتُهُ، وصَغُرَ مَقامُهُ؛ إذْ أَهَانَ نَفْسَهُ، وقلَّلَ خَطَرَهُ.
فإذا اطَّلَعَ على أَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِن وَرَاءِ بابِهِ، أوْ مِن فَوْقِ جِدارِهِ أو غَيْرِ ذلكَ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَلَيْسَ على هذا الفَاقِئِ إِثْمٌ, ولا قِصاصٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ، وأَرْخَصَ عُضْوَهُ، بِجِنايَتِها بالاطِّلَاعِ على بُيوتِ الناسِ وعَوْرَاتِهِمْ.
فهذا مِن بابِ القِصاصِ، لا مِن بابِ المُدافَعَةِ، فَتَكونُ بالأَسْهَلِ فالأسْهَلِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحَديثِ:
1- تَحْرِيمُ الاطِّلَاعِ على أَحْوَالِ الناسِ في مَنازِلِهِمْ، والنَّظَرِ إلَيْهِمْ، والاسْتِماعِ إلى كَلَامِهِمْ.
2- سُقُوطُ حُرْمَةِ مَن فَعَلَ ذلكَ، وإهْدارُ العُضْوِ الذي يُطَّلَعُ بِهِ على أَحْوَالِهِمْ.
3- أنَّ لِصاحِبِ البَيْتِ أنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ، ولَيْسَ علَيْهِ إِثْمٌ، ولا قِصاصٌ.
4- ظاهِرُ الحَديثِ أنَّ صاحِبَ الدارِ لا يَحْتاجُ إلى إنْذارِهِ، ويُؤَيِّدُ ذلكَ ما أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ في عِدَّةِ أَبْوابٍ مِن صَحيحِهِ, أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ في حِجْرِ بابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأَخَذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِشْقَصًا، وجاءَ يَخْتِلُ الناظِرَ بالمِشْقَصِ. ((فهذا مِن أَبْوابِ القِصاصِ ))؛ لِأَنَّ بابَ مُدافَعَةِ الصائِلِ هِيَ التي تَكُونُ بالأسْهَلِ، ثُمَّ الأصْعَبِ.