دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي بيان غلط المتكلمين في فهم معنى التوحيد

وَبِهَذَا وَغَيْرِه يُعْرَفُ مَا وَقَعَ مِنَ الغَلَطِ فِي مُسَمَّى "التَّوْحِيدِ " فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يُقَرِّرُونَ التَّوْحِيدَ فِي كُتُبِ الْكَلاَمِ وَالنَّظَرِ - غَايَتُهمْ أَنْ يَجْعَلُوا التَّوْحِيدَ ثَلاَثَةَ أَنْوَاعٍ، فَيَقُولُونَ: هُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لاَ قَسِيمَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لاَ شَبِيهَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي أَفَعَالِهِ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَأشْهَرُ الْأَنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ الثَّالِثُ: وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ دَلاَلِةِ التَّمَانُعِ وَغَيْرِهَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الْمَطْلُوبُ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، حَتَّى قَدْ يَجْعَلُونَ مَعْنَى الْإِلَهِيَّةَ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاخْتِرَاعِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا لَمْ يَكُونُوا يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا، بَلْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ أَيْضًا، وَهُمْ مَعَ هَذَا مُشْرِكُونَ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ مَنْ يُنَازِعُ فِي أَصْلِ هَذَا الشِّرْكِ، وَلَكِنْ غَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ خَلْقًا لِغَيْرِ اللَّهِ، كَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنَّ هَؤُلاَءِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْعِبَادِ وَخَالِقُ قَُدْرَتِهمْ، وَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُمْ خَالِقُوا أَفْعَالِهمْ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْفَلْسَفَةِ وَالطَّبْعِ وَالنُّجُومِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ مُبْدِعَةً لِبَعْضِ الْأُمُورِ، فَهُمْ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ يَجْعَلُونَ هَذِهِ الْفَاعِلاَتِ مَصْنُوعَةً مَخْلُوقَةً، لاَ يَقُولُونَ إِنَّهَا غَنِيَّةٌ عَنِ الخَالِقِ، مُشَارِكَةٌ لَهُ فِي الْخَلْقِ.
فَإِمَّا مَنْ أَنْكَرَ الصَّانِعَ فَذَلِكَ جَاحِدٌ مُعَطِّلٌ لِلصَّانِعِ كَالْقَوْلِ الَّذِي أَظْهَرَهُ فِرْعَوْنُ، وَالْكَلاَمُ الْآنَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْمُقِرِّينَ بِوُجُودِهِ، فَإِذًا هَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي قَرَّرُوهُ لاَ يُنَازِعُهُمْ فِيهِ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ، بَلْ يُقِرُّونَ بِهِ مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، كَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَكَمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلاَمِ.
وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لاَ شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُمَمِ مَنْ أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ فِي ذَاتِهِ سَوَاءً قَالَ: إِنَّهُ مُشَارِكُهُ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ لاَ فِعْلَ لَهُ، بَلْ مَنْ شَبَّهَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّمَا يُشَبِّهُهُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، يُشَارِكُهُ فِيمَا يَجِبُ أَوْ يَجُوزُ أَوْ يَمْتَنِعُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعُلِمَ أَيْضًا بِالْعَقْلِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا فَلاَ بُدَّ بَيْنَهُمَا مِنْ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ، كَاتِّفَاقِهِمَا فِي مُسَمَّى "الْوُجُودِ" وَ "الْقِيَامِ" بِالنَّفْسِ وَ"الذَّاتِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّ نَفْيَ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعْطِيلَ الْمَحْضَ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الجَهْمِيَّةَ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهمْ أَدْرَجُوا نَفْيَ الصِّفَاتِ فِي مُسَمَّى "التَّوْحِيد"ِ، فَصَارَ مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً، أَوْ إِنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، أَوْ إِنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ - يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُشَبِّهٌ لَيْسَ بِمُوَحِّدٍ.
وَزَادَ عَلَيْهِمْ غُلاَةُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْفَلاَسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ فَنَفَوْا أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى، وَقَالُوا: مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَهُوَ مُشَبِّهٌ لَيْسَ بِمُوَحِّدٍ.
وَزَادَ غُلاَةُ الْغُلاَةِ، وَقَالُوا: لاَ يُوصَفُ بِالنَّفْيِ وَلاَ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَشْبِيهًا لَهُ.
وَهَؤُلاَءِ كُلُّهمْ وَقَعُوا مِنْ جِنْسِ التَّشْبِيهِ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُمْتَنِعَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فِرَارًا مِنْ تَشْبِيهِهِمْ - بِزَعْمِهِمْ - لَهُ بِالْأَحْيَاءِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةَ لِلَّهِ لاَ تَثْبُتُ لَهُ عَلَى حَدِّ مَا يَثْبُتُ لِمَخْلُوقٍ أَصْلًا، وَهُوَ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لاَ فِي ذَاتِهِ وَلاَ فِي صِفَاتِهِ وَلاَ فِي أَفْعَالِهِ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إِثْبَاتِ الذَّاتِ وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ إِثْبَاتُ مُمَاثِلَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَصَارَ هَؤُلاَءِ الجهميَّةُ الْمُعَطِّلَةُ يَجْعَلُونَ هَذَا تَوْحِيدًا، وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّشْبِيهَ وَيُسَمُّونَ نُفُوسَهُمْ "الْمُوَحِّدِينَ".
وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: هُوَ وَاحِدٌ لاَ قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لاَ جُزْءَ لَهُ، أَوْ لاَ بَعْضَ لَهُ - لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَفَرَّقَ، أَوْ يَتَجَزَّأَ، أَوْ يَكُونَ قَدْ رُكِّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ لَكِنَّهُمْ يُدْرِجُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَفْيَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَمُبَايَنَتِه لِخَلْقِهِ، وَامْتِيَازِهِ عَنْهُمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ المَعَانِي الْمُسْتَلْزِمَةِ لِنَفْيهِ وَتَعْطِيلِهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنَ التَّوْحِيدِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ "تَوْحِيدًا" فِيهِ مَا هُوَ حَقٌّ وَفِيهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ جَمِيعُه حَقًّا، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ كُلِّه لَمْ يَخْرُجُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَاتَلَهمْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ لاَ بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بـ "الْإِلَهِ "هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، كَمَا ظَنَّهُ مَنْ ظَنَّه مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ الْإِلَهِيَّةَ هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، وَأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ دُونَ غَيْرِهِ فَقَدْ شَهِدَ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُه. بَلِ الْإِلَهُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ فَهُوَ إِلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ، لاَ إِلَهَ بِمَعْنَى آلِهٍ. وَالتَّوْحِيدُ أَنْ يَعْبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْإِشْرَاكُ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بيان, غلط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir