دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 7 ذو القعدة 1435هـ/1-09-2014م, 10:02 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير من آية 54- 57

تفسير سورة البقرة
[من الآية (54) إلى الآية (57) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) }



تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)}


الخطاب في الآية ط
هذا القول من موسى صلى الله عليه وسلم كان بأمر من الله تعالى

أصل الظلم في اللغة ج
وأصل "الظلم" في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، والعرب تقول: (ومن أشبه أباه فما ظلم)، معناه: لم يقع له الشبه غير موقعه،

معنى (ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) ج
يقال لكل من فعل فعلا يعود عليه بمكروه: إنما أسأت إلى نفسك وظلمت نفسك

معنى (اتخاذكم العجل ) ج
أي: اتخذتموه إلها.

المراد ب (فاقتلوا أنفسكم ) ك ط ج
قال ابن عطية:
1- وجعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب على الباقين وعفا عنهم.
2- قال بعض الناس: فاقتلوا في هذه الآية معناه بالتوبة وإماتة عوارض النفوس من شهوة وتعنت وغضب، واحتج بقوله عليه السلام في الثوم والبصل فلتمتهما طبخا،


كيفية قتلهم لأنفسهم ك ج
قال ابن كثير:
1- عن ابن عبّاسٍ،»*قال:«أمر موسى قومه -من أمر ربّه عزّ وجلّ -أن يقتلوا أنفسهم»*قال:*«واحتبى الّذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الّذين لم يعكفوا على العجل، فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلّة شديدةٌ، فجعل يقتل بعضهم بعضًا، فانجلت الظلّة عنهم، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيلٍ، كلّ من قتل منهم كانت له توبةٌ، وكلّ من بقي كانت له توبةٌ».
2- سعيد بن جبيرٍ ومجاهدًا يقولان في قوله تعالى:*{فاقتلوا أنفسكم}*قالا:*« قام بعضهم إلى بعضٍ بالخناجر فقتل بعضهم بعضًا، لا يحنو رجلٌ على قريبٍ ولا بعيدٍ، حتّى ألوى موسى بثوبه، فطرحوا ما بأيديهم، فكشف عن سبعين ألف قتيلٍ. وإنّ اللّه أوحى إلى موسى: أن حسبي، فقد اكتفيت، فذلك حين ألوى موسى بثوبه»، [وروي عن عليٍّ رضي اللّه عنه نحو ذلك].
3-وقال قتادة:*«أمر القوم بشديدٍ من الأمر، فقاموا يتناحرون بالشّفار يقتل بعضهم بعضًا، حتّى بلغ اللّه فيهم نقمته، فسقطت الشّفار من أيديهم، فأمسك عنهم القتل، فجعل لحيّهم توبةً، وللمقتول شهادةً».
4-وقال الحسن البصريّ:*«أصابتهم ظلمة حندس، فقتل بعضهم بعضًا [نقمةً] ثمّ انكشف عنهم، فجعل توبتهم في ذلك».
5- وقال الزّهريّ:*«لمّا أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسّيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافعٌ يديه، حتّى إذا أفنوا بعضهم، قالوا: يا نبيّ اللّه، ادع اللّه لنا. وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتّى إذا قبل اللّه توبتهم قبض أيديهم، بعضهم عن بعضٍ، فألقوا السّلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للّذي كان من القتل فيهم، فأوحى اللّه، جلّ ثناؤه، إلى موسى: ما يحزنك؟ أمّا من قتل منكم فحيٌّ عندي يرزقون، وأمّا من بقي فقد قبلت توبته. فسرّ بذلك موسى، وبنو إسرائيل».
6- *قال الزجاج : إنهم صفوا صفين يقتل بعضهم بعضا، فمن قتل كان شهيدا؛ ومن لم يقتل فتائب مغفور له ما تقدم من ذنبه*ويقال:*إن السبعين الذين اختارهم موسى -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا ممن عبد العجل، وإنهم هم الذين كانوا يقتلون،*والأول أشبه بالآية*لأن قوله عزّ وجلّ*{فاقتلوا أنفسكم}*يدل على أنها توبة عبدة العجل


المراد بالعجل في الآية ط
قال ابن عطية :
1-«العجل» لفظة عربية، اسم لولد البقرة.
2- وقال قوم: سمي عجلا لأنه استعجل قبل مجيء موسى عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس هذا القول بشيء.

هل العجل بقي من ذهب أول من صار من لحم ودم ط
قال ابن عطية: واختلف هل بقي العجل من ذهب؟
1- قال ذلك الجمهور بقي من ذهب
2- وقال الحسن بن أبي الحسن: صار لحما ودما، والأول أصح.

سبب حذف الياء في يا قوم ط ج
ط وحذفت الياء في «يا قومي» لأن النداء موضع حذف وتخفيف

معنى (توبوا) ط
قال ابن عطية : «توبوا»: معناه ارجعوا عن المعصية إلى الطاعة.

معنى بارئكم واشتقاقها ج ط
أي: إلى خالقكم
قال الزجاج : يقال: برأ اللّه الخلق، فالبارئ: الخالق، والبريّة والخلق: المخلوقون،

فائدة ذكر (إلى بارئكم) ك
قال ابن كثير : وفي قوله هاهنا:*{إلى بارئكم}*تنبيهٌ على عظم جرمهم، أي: فتوبوا إلى الّذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره.

مرجع الضمير في عليكم ط
وقوله:*{عليكم}*معناه: على الباقين، وجعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب على الباقين وعفا عنهم.



تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)}


معنى الآية : ك
قال ابن كثير : يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصّعق، إذ سألتم رؤيتي جهرةً عيانًا، ممّا لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم،

معنى جهرة ك ط ج
1- والجهرة العلانية، ومنه الجهر ضد السر، وجهر الرجل الأمر كشفه.
2- وقرأ سهل بن شعيب وحميد بن قيس: «جهرة» بفتح الهاء، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون جهرةً جمع جاهر، أي حتى نرى الله كاشفين هذا الأمر.

المراد بالصاعقة ك
1- الصّاعقة: صيحةٌ من السّماء».
2- وقال السّدّيّ في قوله:*{فأخذتكم الصّاعقة}*« الصّاعقة: نارٌ».

معنى الصاعقة ج
قال الزجاج : ما يصعقون منه أي: يموتون، فأخذتهم الصاعقة: فماتوا.


القراءات في الصاعقة ط
قال ابن عطية : 1- الصاعقة :
2- الصعقة : وقرأ عمر وعلي رضي الله عنهما: «فأخذتكم الصعقة»، والصعقة ما يحدث بالإنسان عند الصاعقة.

المخاطبين في الآية ك ط
السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام


وقت اختيارهم ط
قال ابن عطية :
1- فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل، اختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل.
2- وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد،
والأول أصح، وقصة السبعين أن موسى صلى الله عليه وسلم لما رجع من تكليم الله ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل: نحن لم نكفر ونحن أصحابك، ولكن أسمعنا كلام ربك، فأوحى الله إليه أن اختر منهم سبعين شيخا،

قصة السبعين ط
قال ابن عطية :
وقصة السبعين أن موسى صلى الله عليه وسلم لما رجع من تكليم الله ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل: نحن لم نكفر ونحن أصحابك، ولكن أسمعنا كلام ربك، فأوحى الله إليه أن اختر منهم سبعين شيخا، فلم يجد إلّا ستين، فأوحى الله إليه أن اختر من الشباب عشرة، ففعل، فأصبحوا شيوخا، وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحوا فيمن يتأخر، فأوحى الله إليه أن من تأخر له مثل أجر من مضى، فتأخر يوشع بن نون وطالوت بن يوقنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثا ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون على قومه، ومضى حتى أتى الجبل، فألقي عليهم الغمام.
قال النقاش وغيره: غشيتهم سحابة وحيل بينهم وبين موسى بالنور فوقعوا سجودا.
قال السدي وغيره: وسمعوا كلام الله يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطت أذهانهم، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم، ففعل، فلما فرغ وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى:*{وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه}[البقرة: 75]، واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله بذلك فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرةً ولم يطلبوا من الرؤية محالا، أما إنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع، فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير.

المراد بالصاعقة ك ج
معنى الصاعقة: ما يصعقون منه

معنى (فأخذتكم الصاعقة ) ج
أي: يموتون،

معنى (وانتم تنظرون ) ط ك
وتنظرون معناه
1- إلى حالكم.ذكره ابن عطية
2- قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: حتى أحالهم العذاب وأزال نظرهم)ذكره ابن عطية
3- وقال عروة بن رويمٍ في قوله:«فصعق بعضهم وبعضٌ ينظرون، ثمّ بعث هؤلاء وصعق هؤلاء». ذكره ابن كثير
4- وقال السّدّيّ:*، ثمّ إنّ اللّه أحياهم فقاموا وعاشوا رجلٌ رجلٌ، ينظر بعضهم إلى بعضٍ: كيف يحيون؟ ذكره ابن كثير




تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)}

مناسبة الآية ط:
قال ابن عطية : أجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود أو الموت، ليستوفوا آجالهم، وتاب عليهم،


المراد بالبعث ط ج
قال الزجاج :
في هذه الآية ذكر البعث بعد موت وقع في الدنيا. ج
قال ابن عطية :
1- والبعث هنا الإثارة كما قال الله تعالى:*{من بعثنا من مرقدنا}*[يس: 52].
2- وقال قوم: إنهم لما أحيوا وأنعم عليهم بالتوبة سألوا موسى عليه السلام أن يجعلهم الله أنبياء، فذلك قوله تعالى:*{ثمّ بعثناكم من بعد موتكم}*أي أنبياء*{لعلّكم تشكرون}*أي على هذه النعمة،


معنى (لعلكم تشكرون) ط
أي على هذه النعمة،


وقت نزول الألواح ط
قال ابن عطية :
1- نزلت الألواح بالتوراة على موسى في تلك المدة، وهذا قول جماعة،
2- وقال آخرون: إن الألواح نزلت في ذهابه الأول وحده.

الاحتجاج على مشركي العرب بهذه الآية ج
قال الزجاج : وذلك احتجاج على مشركي العرب الذين لم يكونوا موقنين بالبعث، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأخبار عمن بعث بعد الموت في الدنيا مما توافقه عليه اليهود والنصارى، وأرباب الكتب فاحتج -صلى الله عليه وسلم- بحجة اللّه التي يوافقه عليها جميع من خالفه من أهل الكتب.



تفسير قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}


مناسبة الآية ك
قال ابن كثير : لمّا ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النّقم، شرع يذكّرهم -أيضًا-بما أسبغ عليهم من النّعم،

معنى ظللنا ط
قال ابن عطية : ومعنى ظلّلنا جعلناه ظلل

المراد بالغمام ك ط ج
قال ابن كثير:
1- وهو جمع غمامةٍ،. وهو السّحاب الأبيض، ظلّلوا به في التّيه ليقيهم حرّ الشّمس. ك ط ج
2- عن مجاهدٍ: ليس بالسّحاب، هو الغمام الّذي يأتي اللّه فيه يوم القيامة، ولم يكن إلّا لهم».
3- قال ابن عبّاسٍ:*{وظلّلنا عليكم الغمام}*قال:*«غمامٌ أبرد من هذا وأطيب، وهو الّذي يأتي اللّه فيه في قوله:*{هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة}*[البقرة: 210]*وهو الّذي جاءت فيه الملائكة يوم بدرٍ»*قال ابن عبّاسٍ:*«وكان معهم في التّيه».
ذكر القول الأول ابن عطية والزجاج


سبب تسمية الغمام ك
قال ابن كثير وابن عطية: سمّي بذلك لأنّه يغمّ السّماء، أي: يواريها ويسترها

المراد بالمن ك ط ج
قال ابن عطية :
1- والمنّ صمغة حلوة،*هذا قول فرقة، ط ك
2- *وقيل:*هو عسل،*ط ك
3- وقيل:*شراب حلو، *ط ك
4- وقيل:*الذي ينزل اليوم على الشجر، ط ك
4- *وقيل:*المنّ خبز الرقاق مثل النقي. ط ك
5- *وقيل:*هو الترنجبين وقيل الزنجبيل، وفي بعض هذه الأقوال بعد.*
6- وقيل:*المنّ مصدر يعني به جميع ما من الله به مجملا.

ذكر الأقوال ابن كثير ثم قال : والغرض أنّ عبارات المفسّرين متقاربةٌ في شرح المنّ، فمنهم من فسّره بالطّعام، ومنهم من فسّره بالشّراب، والظّاهر، واللّه أعلم، أنّه كلّ ما امتنّ اللّه به عليهم من طعامٍ وشرابٍ، وغير ذلك، ممّا ليس لهم فيه عملٌ ولا كدٌّ، فالمنّ المشهور إن أكل وحده كان طعامًا وحلاوةً، وإن مزج مع الماء صار شرابًا طيّبًا، وإن ركّب مع غيره صار نوعًا آخر، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده؛


علاقة المن بالكمأة ط ك
قال ابن كثير : قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:«الكمأة من المنّ،
قال ابن عطية : وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب مسلم:*«الكمأة مما من الله به على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين».
فقيل:*أراد عليه السلام أن الكمأة نفسها مما أنزل نوعها على بني إسرائيل.
وقيل: أراد أنه لا تعب في الكمأة ولا جذاذ ولا حصاد، فهي منة دون تكلف من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف.


كيفية نزول المن ك ط ج
قال ابن عطية : وروي أن المنّ كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم، لأن يوم السبت يوم عبادة،

المراد بالسلوى ك ط ج
قال ابن كثير وابن عطية : والسّلوى طير بإجماع من المفسرين، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم.
1- قيل:*هو السمانى بعينه.*
2- وقيل:*طائر يميل إلى الحمرة مثل السمانى،*
3- وقيل:*طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب.



الآمر في (كلوا من طيبات ما رزقناكم) ك
قال ابن كثير : أمر إباحةٍ وإرشادٍ وامتنانٍ.

معنى (كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ج
قال الزجاج : قالوا: إن معناه: من هذه الطيبات، وقالوا -أيضا-: مما هو حلال لكم)

معنى (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ك ط
1- قال ابن كثير : أي أمرناهم بالأكل ممّا رزقناهم وأن يعبدوا، كما قال:*{كلوا من رزق ربّكم واشكروا له}*[سبأٍ:15]*فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البيّنات والمعجزات القاطعات، وخوارق العادات،
2- قال ابن عطية :
وقوله تعالى:*{وما ظلمونا}*يقدر قبله: فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر، والمعنى وما وضعوا فعلهم في موضع مضرة لنا ولكن وضعوه في موضع مضرة لهم حيث لا يجب.
وقال بعض المفسرين: ما ظلمونا ما نقصونا، والمعنى يرجع إلى ما لخصناه)


فضل صحابة رسول الله على سائر أصحاب الأنبياء ك
قال ابن كثير: ومن هاهنا تتبيّن فضيلة أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنّتهم، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته، منها عام تبوك، في ذلك القيظ والحرّ الشّديد والجهد، لم يسألوا خرق عادةٍ، ولا إيجاد أمرٍ، مع أنّ ذلك كان سهلًا على الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن لمّا أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم، فجاء قدر مبرك الشاة، فدعا [الله] فيه، وأمرهم فملؤوا كلّ وعاءٍ معهم، وكذا لمّا احتاجوا إلى الماء سأل اللّه تعالى، فجاءت سحابةٌ فأمطرتهم، فشربوا وسقوا الإبل وملؤوا أسقيتهم. ثمّ نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر. فهذا هو الأكمل في الاتّباع: المشي مع قدر اللّه، مع متابعة الرّسول صلّى الله عليه وسلم)

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 7 ذو القعدة 1435هـ/1-09-2014م, 10:08 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير 58-59

تفسير سورة البقرة
[من الآية (58) إلى الآية (59) ]

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) }





تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) }


معنى القرية وسبب تسميتها ط
والقرية*المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته،

المراد بالقرية ك ط
قال ابن كثير :
1- ولهذا كان أصحّ القولين أنّ هذه البلدة هي بيت المقدس وقال ابن عطة هذا قول الجمهور
2- وقال آخرون: هي أريحا وهذا بعيدٌ؛ لأنّها ليست على طريقهم، وهو قاصدون بيت المقدس لا أريحا [وذكره ابن عطية
3- وأبعد من ذلك قول من ذهب أنّها مصر، حكاه فخر الدّين في تفسيره، والصّحيح هو الأوّل؛ لأنّها بيت المقدس



موسى وهارون عليهما السلام والتيه ط
وروي أن موسى عليه السلام مات في التيه، وكذلك هارون عليه السلام.
وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه لأنه عذاب، والأول أكثر،

معنى الرغد ج
الواسع الذي لا يعنّي.

سبب ذكر (رغدا) ط
وهي أرض مباركة عظيمة الغلة، فلذلك قال رغداً.

وقت الأمر بدخول القرية ك ط
قال ابن عطية وابن كثير : ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها، وأما الشيوخ فماتوا فيه،


المراد بالباب ط
قال ابن عطية : والباب
1- قال مجاهد: هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة
2- وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم.
3- وروي عن مجاهد أيضا: أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة.
4- قال ابن كثير : -باب البلد


المراد بالسجود (وادخلوا الباب سجدا) ك ط
1- قال ابن عباس رضي الله عنه:*«معناه ركوعا».،
2- وقيل متواضعين خضوعا لا على هيئة معينة، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع
3- وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين،
ذكر الأقوال ابن عطية وابن كثير

سبب الأمر بالسجود ك
شكرًا للّه تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنّصر، وردّ بلدهم إليهم وإنقاذهم من التّيه والضّلال.


معنى حطة ط ج ك
قال ابن عطية : وحطّةٌ فعلة من حط يحط،
والأقوال في معناها
1- كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا، ط ج
2- وقال الطبري: التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة،
3- وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ.
4- وقال عكرمة *«أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم».ط ك
5- وقال ابن عباس:*«قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم». ط ك
6- وقال آخرون: قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا. ط ك
7- {وقولوا حطّةٌ}*فكتب إليه: أن أقرّوا بالذّنب». ك
8- وقال الحسن وقتادة:*«أي احطط عنّا خطايانا». ج ك



القراءات في (نغفر لكم خطاياكم) ط
قال ابن عطية :
1- وقرأ نافع: «يغفر» بالياء من تحت مضمومة.
2- وقرأ ابن عامر: «تغفر» بالتاء من فوق مضمومة.
3- وقرأ أبو بكر عن عاصم: «يغفر» بفتح الياء على معنى يغفر الله.
4- وقرأ الباقون: «نغفر» بالنون.
5- وقرأت طائفة «تغفر» كأن الحطة تكون سبب الغفران،


معنى (نغفر لكم خطاياكم وسنزيد لمحسنين) ك ط
قال ابن كثير : أي: إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات.


المراد بالمحسنين ط
وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد بـــــ المحسنين هنا

معنى الآية ك
*أنّهم أمروا أن يخضعوا للّه تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها، والشّكر على النّعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب للّه تعالى

صلاة الفتح ك
كما روي أنّه كان يوم الفتح -فتح مكّة-داخلًا إليها من الثّنيّة العليا، وإنّه الخاضع لربّه حتّى إنّ عثنونه ليمسّ مورك رحله، يشكر اللّه على ذلك. ثمّ لمّا دخل البلد اغتسل وصلّى ثماني ركعاتٍ وذلك ضحى، فقال بعضهم: هذه صلاة الضّحى، وقال آخرون: بل هي صلاة الفتح، فاستحبّوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا أن يصلّي فيه ثماني ركعاتٍ عند أوّل دخوله، كما فعل سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه لمّا دخل إيوان كسرى صلّى فيه ثماني ركعاتٍ، والصّحيح أنّه يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمٍ؛ وقيل: يصلّيها كلّها بتسليمٍ واحدٍ،




تفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}


حال بني إسرائيل لما أمروا بالدخول ك ط
قال ابن كثير : وحاصل ما ذكره المفسّرون وما دلّ عليه السّياق*أنّهم بدّلوا أمر اللّه لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم، وأمروا أن يقولوا: حطّةٌ، أي: احطط عنّا ذنوبنا، فاستهزؤوا فقالوا: حنطةٌ في شعرةٍ. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة

معنى الفسق ك ط ج
قال الزجاج : ومعنى الفسق: الخروج عن القصد والحق، وكل ما خرج عن شيء فقد فسق، إلا أنّه خص من خرج عن أمر اللّه بأن قيل: فاسق، ولم يحتج إلى أن يقال: فسق عن كذا

معنى (بما كانوا يفسقون) ج
قال الزجاج أي: تبديلهم ما أمروا به من أن يقولوا حطة.

معنى الرجز ك ط ج
قال ابن كثير :
1- وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ:*«كلّ شيءٍ في كتاب اللّه من "الرّجز" يعني به العذاب».
2- وقال أبو العالية:*«الرّجز الغضب».
3- وقال الشّعبيّ:*«الرّجز: إمّا*الطّاعون، وإمّا البرد»
4- وقال سعيد بن جبيرٍ:*«هو الطّاعون».
ذكر القول الأول ابن عطية والزجاج

الباء في (بما كانوا يفسقون ) ط
والباء في قوله بما*متعلقة بـــــ فأنزلنا، وهي باء السبب

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 8 ذو القعدة 1435هـ/2-09-2014م, 05:49 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تفسير سورة البقرة [من الآية (60) إلى الآية (61) ]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) }



تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}


معنى الآية ك
يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيّكم موسى، عليه السّلام، حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينًا لكلّ سبطٍ من أسباطكم عينٌ قد عرفوها، فكلوا من المنّ والسّلوى، واشربوا من هذا الماء الّذي أنبعته لكم بلا سعيٍ منكم ولا كدٍّ، واعبدوا الّذي سخّر لكم ذلك.*{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}*ولا تقابلوا النّعم بالعصيان فتسلبوها

إعراب (وإذ ) ج ط
ط وإذ متعلقة بفعل مضمر تقديره اذكر،

معنى (استسقى) ج ط
واستسقى معناه طلب السقيا، وعرف استفعل طلب الشيء،

المراد بالحجر ك ط
قال ابن كثير : وقد بسطه المفسّرون في كلامهم،
1- كما قال ابن عبّاسٍ:*«وجعل بين ظهرانيهم حجرٌ مربّع وأمر موسى، عليه السّلام، فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، في كلّ ناحيةٍ منه ثلاث عيونٍ، وأعلم كلّ سبطٍ عينهم، يشربون منها لا يرتحلون من منقلة إلّا وجدوا ذلك معهم بالمكان الّذي كان منهم بالمنزل الأوّل».
2- وقال عطيّة العوفيّ: وجعل لهم حجرٌ مثل رأس الثّور يحمل على ثورٍ، فإذا نزلوا منزلًا وضعوه فضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فإذا ساروا حملوه على ثور، فاستمسك الماء.
3- وقال عثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبيه:*«كان لبني إسرائيل حجرٌ، فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا».
4- وقال قتادة:*«كان حجرًا طوريًّا، من الطّور، يحملونه معهم حتّى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه».
5- وقيل: كان من رخامٍ وكان ذراعًا في ذراعٍ،
6- وقيل: مثل رأس الإنسان،
7- وقيل: كان من أسس الجنّة طوله عشرة أذرعٍ على طول موسى. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة وكان يحمل على حمارٍ،
8- وقيل: أهبطه آدم من الجنّة فتوارثوه، حتّى وقع إلى شعيبٍ فدفعه إليه مع العصا،
9- وقيل: هو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل، فقال له جبريل: ارفع هذا الحجر فإنّ فيه قدرةً ولك فيه معجزةً، فحمله في مخلاته

معني اضرب بعصاك الحجر ك
. قال الزّمخشريّ: أي اضرب الشّيء الّذي يقال له الحجر، وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجرًا بعينه، قال: وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثمّ يضربه فييبس، فقالوا: إن فقد موسى هذا الحجر عطشنا، فأوحى اللّه إليه أن يكلّم الحجارة فتنفجر ولا يمسّها بالعصا لعلّهم يقرّون].

المراد بالعين ط
منبع الماء

معنى الانفجار ط
والانفجار انصداع شيء عن شيء، ومنه الفجر، والانبجاس في الماء أقل من الانفجار.

المراد ب أناس ط
وأناسٍ اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومعناه هنا كل سبط، لأن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وهم ذرية الاثني عشر أولاد يعقوب عليه السلام.

معنى المشرب ط
والمشرب المفعل موضع الشرب، كالمشرع موضع الشروع في الماء،

معنى (قد علم كل أناس مشربهم) ج ك ط

ك وقال يحيى بن النّضر: قلت لجويبرٍ: كيف علم كلّ أناسٍ مشربهم؟ قال:*«كان موسى يضع الحجر، ويقوم من كلّ سبطٍ رجلٌ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا فينضح من كلّ عينٍ على رجلٍ، فيدعو ذلك الرّجل سبطه إلى تلك العين».
وقال سفيان الثّوريّ، عن ابن عبّاسٍ، قال:*«ذلك في التّيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينًا من ماءٍ، لكلّ سبط منهم عينٌ يشربون منها».
وقال مجاهدٌ نحو قول ابن عبّاسٍ.


معنى (كلوا واشربوا من رزق الله) ط
وفي الكلام محذوف تقديره وقلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المنفجر من الحجر المنفصل

إضافة الرزق لله ط
وكان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها، وفي الكلام محذوف تقديره وقلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المنفجر من الحجر المنفصل، وبهذه الأحوال حسنت إضافة الرزق إلى الله تعالى، وإلا فالجميع رزقه وإن كان فيه تكسب للعبد.

معنى ولا تعثوا في الأرض مفسدين ط ج ك
ط ولا تعثوا معناه ولا تفرطوا في الفساد

معنى العثو ج ط
ج والعثو أشد الفساد
ط وتقول العرب عاث يعيث إذا أفسد، وعث يعث كذلك، ومنه عثة الصوف، وهي السوسة التي تلحسه.
الاختلاف في القصة هنا وفي الأعراف ك
هذه القصّة شبيهةٌ بالقصّة المذكورة في سورة الأعراف، ولكنّ تلك مكّيّةٌ، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب؛ لأنّ اللّه تعالى يقصّ ذلك على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا فعل بهم. وأمّا في هذه السّورة، وهي البقرة فهي مدنيّةٌ؛ فلهذا كان الخطاب فيها متوجّهًا إليهم. وأخبر هناك بقوله:*{فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا}[الأعراف: 160]*وهو أوّل الانفجار، وأخبر هاهنا بما آل إليه الأمر آخرًا وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار هاهنا، وذاك هناك،




تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}


معنى الآية ك
يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المنّ والسّلوى، طعامًا طيّبًا نافعًا هنيئًا سهلًا واذكروا دبركم وضجركم ممّا رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدّنيّة من البقول ونحوها ممّا سألتم

وقت هذا القول من بني إسرائيل ط
كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى، وتذكروا عيشهم الأول بمصر،

المراد ب (يخرج لنا) ج ط
قال الزجاج : 1- قال بعض النحويين:*المعنى: سله وقل له أخرج لنا يخرج لنا هو، وقال في قوله تعالى:*{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، قالوا: المعنى: قل لهم قولوا التي هي أحسن أن يقولوا.
2- وقال قوم: معنى*{يخرج لنا}*معنى الدعاء كأنّه قال: أخرج لنا. وكذلك*{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}*المعنى: قل لعبادي أقيموا، ولكنه صار قبله (ادع) و (قل) فجعل بمنزلة جواب الأمر.
وكلا القولين مذهب، ولكنه على الجواب أجود لأن ما في القرآن من لفظ الأمر الذي، ليس معه جازم مرفوع

اعراب (من بقلها) ط
ومن في قوله:*{من بقلها}*لبيان الجنس، وبقلها بدل بإعادة الحرف،

المراد بالبقل ط
والبقل كل ما تنبته الأرض من النجم،

المراد بالفوم ج ط ك
1- الفوم: الحنطة،
2- الحبوب، التي يمكن أن تختبز كالحنطة والفول والعدس ونحوه».
3- الثوم، وهي قراءة عبد الله بن مسعود بالثاء
4- الخبز
قال الزجاج : وهذا ما لا يعرف أن الفوم الثوم، وههنا ما يقطع هذا. محال أن يطلب القوم طعاما لا برّ فيه، والبرّ أصل الغذاء كله، ويقال: فوّموا لنا، أي: اخبزوا لنا. ولا خلاف عند أهل اللغة أن الفوم الحنطة، وسائر الحبوب التي تخبز يلحقها اسم الفوم.
قال ابن عطية : والأول أصح: أنها الحنطة


معنى الاستبدال ط
قال ابن عطية : والاستبدال طلب وضع الشيء موضع الآخر

المراد ب طعام واحد ط ك
قال ابن عطية :
وكنى عن المن والسلوى بــ طعامٍ واحدٍ، وهما طعامان، لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد، ولتكرارهما سواء أبدا قيل لهما طعامٍ واحدٍ


معنى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ج ط ك

قال ابن كثير : فيه تقريعٌ لهم وتوبيخٌ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدّنيّة مع ما هم فيه من العيش الرّغيد، والطّعام الهنيء الطّيّب النّافع.

تفاضل المن والسلوى على ما طلبوه ط
قال ابن عطية :
1- يحتمل*أن يكون تفاضلها في القيمة، لأن هذه البقول لا خطر لها، وهذا قول الزجاج،
2- ويحتمل*أن يفضل المن والسلوى لأنه الطعام الذي من الله به وأمرهم بأكله، وفي استدامة أمر الله تعالى وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوا عار من هذه الخصال، فكأن أدنى من هذا الوجه،
3- ويحتمل*أن يفضل في الطيب واللذة به، فالبقول لا محالة أدنى من هذا الوجه،
4- ويحتمل*أن يفضل في حسن الغذاء ونفعه، فالمن والسلوى خير لا محالة في هذا الوجه،
5- ويحتمل*أن يفضل من جهة أنه لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوا لا يجيء إلا بالحرث والزراعة والتعب، فهو أدنى في هذا الوجه،
6- ويحتمل*أن يفضل في أنه لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والأرض يتخللها البيوع والغصوب وتدخلها الشبه، فهي أدنى في هذا الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويترتب الفضل للمن والسلوى بهذه الوجوه كلها،



معنى أدنى ج ط
قال ابن عطية :
1- وأدنى مأخوذ عند أبي إسحاق الزجاج من الدنو أي القرب في القيمة.
2- وقال علي بن سليمان:*«هو مهموز من الدنيء البين الدناءة، بمعنى الأخس، إلا أنه خففت همزته».
3- وقال غيره: «هو مأخوذ من الدون أي الأحط، فأصله أدون أفعل، قلب فجاء أفلع، وقلبت الواو ألفا لتطرفها».


المراد بمصر ج ط ك
قال ابن عطية :
1- «أراد مصرا من الأمصار غير معين»، واستدلوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم بدخول القرية، وبما تظاهرت به الرواية أنهم سكنوا الشام بعد التيه.
2- *أراد مصر فرعون بعينها، واستدلوا بما في القرآن من أن الله تعالى أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم
3- قال الأعمش:*«هي مصر التي عليها صالح بن علي».
قال ابن كثير : أمصر فرعون أم مصرٌ من الأمصار؟
والحقّ أنّ المراد مصرٌ من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره، والمعنى على ذلك لأنّ موسى، عليه السّلام يقول لهم: هذا الّذي سألتم ليس بأمرٍ عزيزٍ، بل هو كثيرٌ في أيّ بلدٍ دخلتموه وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل اللّه فيه؛

معنى (فإن لكم ما سألتم ) ط ك
ط وقوله تعالى:*{فإنّ لكم ما سألتم}*يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم.
ك *أي: ما طلبتم، ولمّا كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه، لم يجابوا إليه، واللّه أعلم.

معنى الذلة ج ك ط
ج الصغار،
ط والذّلّة فعلة من الذل كأنها الهيئة والحال

معنى ضربت عليهم الذلة ط ك
قال ابن كثير : أي: وضعت عليهم وألزموا بها شرعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذلّين، من وجدهم استذلّهم وأهانهم، وضرب عليهم الصّغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلّاء متمسكنون.



معنى المسكنة ج ط ك
1- الخضوع، واشتقاقه من السكون، إنما يقال: "مسكين" للذي أسكنه الفقر، أي: قلل حركته
2- وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ:*«المسكنة الفاقة».
3- وقال عطيّة العوفيّ:*«الخراج».*
4- وقال الضّحّاك:*«الجزية».
ذكر الاول ابن كثير والزجاج وابن عطية ، والبقية ذكرها ابن كثير

معنى باءوا ج ط
}*يقال: بؤت بكذا وكذا، أي: احتملته.

معنى( وباءوا بغضب من الله )ك ط
ط {وباؤ بغضبٍ من اللّه}*معناه: مروا متحملين له،
ك فرجعوا منصرفين متحمّلين غضب اللّه، قد صار عليهم من اللّه غضبٌ، ووجب عليهم من اللّه سخطٌ.


معنى (ذلك بأنهم يكفرون بأيات الله ...) ج ك
قال ابن كثير :
*يقول تعالى: هذا الّذي جازيناهم من الذّلّة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتّباع الحقّ، وكفرهم بآيات اللّه، وإهانتهم حملة الشّرع وهم الأنبياء وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، فلا كبر أعظم من هذا،

الباء في بأنهم ط
قال ابن عطية :
1- والباء في بأنّهم باء السبب.
2- وقال المهدوي: «إن الباء بمعنى اللام» والمعنى: لأنهم،

المراد بالأيات ط
قال ابن عطية : والآيات*هنا*
1- تحتمل أن يراد بها*التسع وغيرها مما يخرق العادة، وهو علامة لصدق الآية به،
2- *ويحتمل أن يراد*آيات التوراة التي هي كآيات القرآن.


اشتقاق نبي ومعناها ط ج
قال الزجاج وابن عطية : 1- واشتقاقه من "نبّأ" و"أنبأ"، أي: أخبر.
فيجوز أن يكون "نبي" من "أنبأت" مما ترك همزه لكثرة الاستعمال
2- ، ويجوز أن يكون من "نبأ ينبوء" إذا ارتفع، فيكون "فعيلا" من الرفعة



سبب ورود (بغير الحق ) ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{بغير الحقّ}*تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه، ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق، ولكن من حيث قد يتخيل متخيل لذلك وجها، فصرح قوله:*{بغير الحقّ}*عن شنعة الذنب ووضوحه، ولم يجترم قط نبي ما يوجب قتله، وإنما أتاح الله تعالى من أتاح منهم. وسلط عليه، كرامة لهم، وزيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين، قال ابن عباس وغيره:*«لم يقتل قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر».


معنى (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) ك
قال ابن كثير : وهذه علّةٌ أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به، أنّهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حدّ المأذون فيه أو المأمور به


معنى يعتدون ط
قال ابن عطية :
ويعتدون معناه: يتجاوزون الحدود، والاعتداء تجاوز الحد في كل شيء، وعرفه في الظلم والمعاصي

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 9 ذو القعدة 1435هـ/3-09-2014م, 08:24 AM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير 62- 64 سورة البقرة

تفسير سورة البقرة [من الآية (62) إلى الآية (64) ]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }





تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}


مناسبة الآية ومعناها ك
قال ابن كثير : لمّا بيّن [اللّه] تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره، وتعدّى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النّكال، نبّه تعالى على أنّ من أحسن من الأمم السّالفة وأطاع، فإنّ له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام السّاعة؛ كلّ من اتّبع الرّسول النّبيّ الأمّيّ فله السّعادة الأبديّة، ولا خوفٌ عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه

سبب نزول الآية ط ك
قال ابن كثير
1- عن مجاهدٍ، قال: قال سلمان:*«سألت النّبيّصلّى اللّه عليه وسلّم عن أهل دينٍ كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت:{إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر}*إلى آخر الآية».
2- وقال السّدّيّ:*{إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا}*الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسيّ، بينا هو يحدّث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلّون ويؤمنون بك، ويشهدون أنّك ستبعث نبيًّا، فلّما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:*«يا سلمان، هم من أهل النّار». فاشتدّ ذلك على سلمان، فأنزل اللّه هذه الآية
وذكر ابن عطية الثاني فقط

هل يلزم الإيمان بالنبي محمد من الأمم السابقة ج ك
ج }*لا يجوز أن يكون لأحد منهم إيمان إلا مع إيمانه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ:*{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم * والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وآمنوا بما نزّل على محمّد وهو الحقّ من ربّهم كفّر عنهم سيّئاتهم}،*فتأويله: من آمن باللّه واليوم الآخر وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فلهم أجرهم.
ك

المراد ب (الذين آمنوا ) ط
قال ابن عطية :
اختلف المتأولون في المراد بـــ*{الّذين آمنوا}*في هذه الآية،
1- فقال سفيان الثوري:*«هم المنافقون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم».، كأنه قال: إنّ الّذين آمنوا في ظاهر أمرهم، وقرنهم باليهود والنّصارى والصّابئين، ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم، فمعنى قوله:*{من آمن}في*المؤمنين المذكورين: من حقق وأخلص،وفي*سائر الفرق المذكورة: من دخل في الإيمان.*
2- وقالت فرقة: الّذين آمنوا هم المؤمنون حقا بمحمد صلى الله عليه وقوله*{من آمن باللّه}*يكون فيهم*بمعنى من ثبت ودام، وفي*سائر الفرق*بمعنى من دخل فيه
3- . وقال السدي:*«هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، والّذين هادوا كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، إلا من كفر بعيسى عليه السلام، والنّصارى كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم، والصّابئين كذلك

معنى هادوا ج ط
قال الزجاج : و"هادوا" أصله في اللغة: تابوا، وكذلك قوله عزّ وجلّ:*{إنّا هدنا إليك}*أي: تبنا إليك.
قال ابن عطية : {والّذين هادوا}*هم اليهود،

سبب التسمية باليهود ط ك
1- وسموا بذلك لقولهم*{إنّا هدنا إليك}*ي تبنا، فاسمهم على هذا من هاد يهود، ط ك
2- وقيل: نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب، فلما عرب الاسم لحقه التغيير كما تغير العرب في بعض ما عربت من لغة غيرها، ط ك
3- وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنّهم يتهوّدون، أي: يتحرّكون عند قراءة التّوراة]. ك


المراد بإيمان النصارى واليهود ك
قال ابن كثير: فكان إيمان اليهود: أنّه من تمسّك بالتّوراة وسنّة موسى، عليه السّلام؛ حتّى جاء عيسى. فلمّا جاء عيسى كان من تمسّك بالتّوراة وأخذ بسنّة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكًا. وإيمان النّصارى أنّ من تمسّك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولًا منه حتّى جاء محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن لم يتبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم منهم ويدع ما كان عليه من سنّة عيسى والإنجيل -كان هالكًا.
قلت: وهذا لا ينافي ما روى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ:*«{إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر}الآية فأنزل اللّه بعد ذلك:{ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران: 85]».
فإنّ هذا الّذي قاله [ابن عبّاسٍ] إخبارٌ عن أنّه لا يقبل من أحدٍ طريقةً ولا عملًا إلّا ما كان موافقًا لشريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد أن بعثه [اللّه] بما بعثه به، فأمّا قبل ذلك فكلّ من اتّبع الرّسول في زمانه فهو على هدًى وسبيلٍ ونجاةٍ،

اشتقاق النصارى ط
قال ابن عطية : والنّصارى لفظة مشتقة من النصر.

سبب تسمية النصارى ط ك
*1- إما*لأن قريتهم تسمى ناصرة، ويقال نصريا ويقال نصرتا،
2- *وإما*لأنهم تناصروا،*
3- وإما*لقول عيسى عليه السلام*{من أنصاري إلى اللّه}[آل عمران: 152،
ذكره ابن كثير وابن عطية

مفرد النصارى ج ك
قال الزجاج : وواحد "النصارى"*قيل فيه قولان:
1- قالوا يجوز أن يكون*واحدهم "نصران" كما ترى، فيكون: نصران ونصارى، على وزن: ندمان وندامى،
فـ"نصرانة" تأنيث "نصران".
2- ويجوز أن يكون*النصارى واحدهم "نصرى"، مثل: بعير مهري وإبل مهارى.
ذكر ابن كثير القول الأول

معنى الصابئين ج ط
قال ابن عطية والزجاج : والصابئ*في اللغة من خرج من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبا

سبب تسمية الصابئين واشتقاقها ط
قال ابن عطية:
1- والصابئ*في اللغة من خرج من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبا،*
2- وقيل*إنها سمتهم بذاك لما أنكروا الآلهة تشبيها بالصابئين في الموصل الذين لم يكن لهم بر إلا قولهم لا إله إلا الله،




المراد بالصابئين في الآية ط ك
ط وأما المشار إليهم في قوله تعالى:*{والصّابئين}
1- *فقال السدي:*«هم فرقة من أهل الكتاب»،
2- وقال مجاهد:*«هم قوم لا دين لهم، ليسوا بيهود ولا نصارى»،
3- وقال ابن أبي نجيح:*«هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية، لا تؤكل ذبائحهم»،
4- وقال ابن زيد:*«هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب، كانوا بجزيرة الموصل»،
5- وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة:*«هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويصلون الخمس ويقرؤون الزبور، رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة».
6- وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وأبو الشّعثاء جابر بن زيدٍ، والضّحّاك [وإسحاق بن راهويه]*«الصّابئون فرقةٌ من أهل الكتاب يقرؤون الزّبور».
[ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق: لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم].
7-عن الحسن أنّه كان يقول في الصّابئين:*«إنّهم كالمجوس»، .
8- وقال ابن أبي حاتمٍ: عن ابن أبي الزّناد، عن أبيه، قال:*«الصّابئون قومٌ ممّا يلي العراق، وهم بكوثى، وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم، ويصومون من كلّ سنةٍ ثلاثين يومًا ويصلّون إلى اليمن كلّ يومٍ خمس صلواتٍ».
9- وسئل وهب بن منبّهٍ عن الصّابئين، فقال:*«الّذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعةٌ يعمل بها ولم يحدث كفرًا».
10 -وقال الخليل هم قومٌ يشبه دينهم دين النّصارى، إلّا أنّ قبلتهم نحو مهب الجنوب، يزعمون أنّهم على دين نوحٍ، عليه السّلام.
11- واختار فخر الدّين الرّازيّ أنّ الصّابئين قومٌ يعبدون الكواكب؛ بمعنى أنّ اللّه جعلها قبلةً للعبادة والدّعاء، أو بمعنى أنّ اللّه فوّض تدبير أمر هذا العالم إليها، قال: وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيّين الّذين جاءهم إبراهيم الخليل، عليه السّلام، رادًّا عليهم ومبطلًا لقولهم.

قال ابن كثير : وأظهر الأقوال، واللّه أعلم، قول مجاهدٍ ومتابعيه، ووهب بن منبّهٍ: أنّهم قومٌ ليسوا على دين اليهود ولا النّصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنّما هم قومٌ باقون على فطرتهم ولا دينٌ مقرّرٌ لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصّابئيّ، أي: أنّه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك.
وقال بعض العلماء: الصّابئون الّذين لم تبلغهم دعوة نبيٍّ، واللّه أعلم


اشتمال الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بالكتب والرسل ط
قال ابن عطية : وفي الإيمان باليوم الآخر اندرج الإيمان بالرسل والكتب، ومنه يتفهم، لأن البعث لم يعلم إلا بإخبار رسل الله عنه تبارك وتعالى

علاقة هذه الآية بقوله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) ط
قال ابن عطية : وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في أول الإسلام، وقرر الله بها أن من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن بقي على يهوديته ونصرانيته وصابئيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر فله أجره، ثم نسخ ما قرر من ذلك بقوله تعالى:*{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}[آل عمران: 85]*وردت الشرائع كلها إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.


سبب تسمية أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين ك
قال ابن كثير : وسمّيت أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدّة إيقانهم، ولأنّهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.



تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)}

معنى الآية ك
يقول تعالى مذكّرًا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتّباع رسله، وأخبر تعالى أنّه لمّا أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل على رؤوسهم ليقرّوا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوّةٍ وحزمٍ وهمّةٍ وامتثالٍ

قصة هذه الآية ط ك
قال ابن عطية : وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله تعالى بالألواح فيها التوراة، قال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا إلا أن يكلّمنا الله بها كما كلمك، فصعقوا، ثم أحيوا، فقال لهم: خذوها، فقالوا: لا، فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين، طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم، وأضرم نارا بين أيديهم، فأحاط بهم غضبه، وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، وغرقكم البحر وأحرقتكم النار، فسجدوا توبة لله، وأخذوا التوراة بالميثاق، وقال الطبري رحمه الله عن بعض العلماء: لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق، وكانت سجدتهم على شق، لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا، فلما رحمهم الله قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها، فأمروا سجودهم على شق واحد.
وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين.


معنى واذ في ( واذ أخذنا ميثاقكم) ج
المعنى: اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم.


المراد بالطور ج ط ك
قال ابن كثير :
1- وقال مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم:*«الطّور اسم لكل جبل»،
2- وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ:*«الطّور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطورٍ».
3- والطّور اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه، قاله ابن عباس،

المراد بالميثاق ج
قال الزجاج : ومعنى*{أخذنا ميثاقكم}
1- : يجوز أن يكون ما أخذه اللّه عزّ وجلّ حين أخرج الناس كالذر. ودليل هذا قوله:*{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة}*ثم قال من بعد تمام الآية:*{وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم}*فهذه الآية كالآية التي في البقرة. وهو أحسن المذاهب فيها.
2- وقد قيل: أن أخذ الميثاق هو: ما أخذ الله من الميثاق على الرسل ومن اتبعهم. ودليله قوله عزّ وجلّ:*{وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه}*فالأخذ على النبيين -صلى الله عليهم وسلم- الميثاق يدخل فيه من اتبعهم.

معنى (ورفعنا فوقكم الطور) ج
قال الزجاج : {ورفعنا فوقكم الطّور}*أي: جئناكم بآية عظيمة، وهي أن الطور -وهو الجبل- رفع فوقهم حتى أظلهم وظنوا أنه واقع بهم،

فائدة ذكر الآية بعد ذكر الميثاق ج
قال الزجاج : فأخبر اللّه بعظم الآية التي أروها بعد أخذ الميثاق، وأخبر بالشيء الذي لو عذبهم بعده لكان عدلا في ذلك، ولكنه جعل لهم التوبة بعد ذلك


معنى آتيناكم ط
وآتيناكم معناه أعطيناكم

المراد بقوة في (خذوا ما آتيناكم بقوة ) ك ط
1- وقال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ:*«{بقوّةٍ}أي بطاعةٍ».
2- وقال مجاهدٌ:*«بقوّةٍ: بعملٍ بما فيه»
3- . وقال قتادة:*القوّة: الجدّ وإلّا قذفته عليكم».
4- وقيل: بكثرة درس،
5- وقال ابن زيد:*«معناه بتصديق وتحقيق»،



معنى ما في( خذوا ما آتيناكم ) ج ك
يعني التّوراة».


معنى (واذكروا ما فيه ) ج ط ك
ك }يقول: اقرؤوا ما في التّوراة واعملوا به
ط واذكروا ما فيه أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه وتضيعوه،
ج *معناه: ادرسوا ما فيه

تقدير صلة ما ط
وتقدير صلة ما: واذكروا ما استقر فيه،

معنى (لعلكم تتقون) ط
ولعلّكم تتّقون ترج في حق البشر



تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير :
:*(وقوله تعالى:*{ثمّ تولّيتم من بعد ذلك}*يقول تعالى: ثمّ بعد هذا الميثاق المؤكّد العظيم تولّيتم عنه وانثنيتم ونقضتموه*{فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته}*أي: توبته عليكم وإرساله النّبيّين والمرسلين إليكم*{لكنتم من الخاسرين}بنقضكم ذلك الميثاق في الدّنيا والآخرة)

معنى (من بعد ذلك) ج ك
قال الزجاج : "ذلك" أي: من بعد الآيات العظام.
قال ابن كثير : بعد هذا الميثاق المؤكّد العظيم

معنى التولي والمراد به ط
قال ابن عطية :
تولّى تفعّل، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا،

معنى (ثم توليتم من بعد ذلك ) ط
ط وتوليهم من بعد ذلك:
1- إما بالمعاصي، فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها،
2- وإما أن يكون توليهم بالكفر فكان فضل الله بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن،

إعراب (فضل الله ورحمته ) ط
وفضل اللّه رفع بالابتداء، والخبر مضمر عند سيبويه لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه، تقديره فلولا فضل الله عليكم تدارككم، ورحمته عطف على فضل،

المراد ب (عليكم) ط
وهذا على أن المخاطب بقوله: عليكم لفظا ومعنى من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم، والجمهور على أن المراد بالمعنى من سلف،

معنى الخسران ط
والخسران النقصان

معنى (فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) ج ط ك
قال ابن عطية :
1- فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها،
2- فضل الله بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن،
3- قول قتادة: إن الفضل الإسلام، والرحمة القرآن،
4- ويتجه أيضا أن يراد بالفضل والرحمة إدراكهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال ابن كثير : أي: توبته عليكم وإرساله النّبيّين والمرسلين إليكم

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 9 ذو القعدة 1435هـ/3-09-2014م, 09:46 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تفسير سورة البقرة [من الآية (65) إلى الآية (66) ]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}



تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير: يقول تعالى:*{ولقد علمتم}*يا معشر اليهود، ما حلّ من البأس بأهل القرية الّتي عصت أمر اللّه وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السّبت والقيام بأمره، إذ كان مشروعًا لهم، فتحيّلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت، بما وضعوا لها من الشّصوص والحبائل والبرك قبل يوم السّبت، فلمّا جاءت يوم السّبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلمّا كان اللّيل أخذوها بعد انقضاء السّبت. فلمّا فعلوا ذلك مسخهم اللّه إلى صورة القردة، وهي أشبه شيءٍ بالأناسيّ في الشّكل الظّاهر وليست بإنسانٍ حقيقةً. فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لمّا كانت مشابهةً للحقّ في الظّاهر ومخالفةً له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم.


معنى علمتم ج ط
عرفتم،

المخاطب في الآية ك
معشر اليهود

المراد بالقرية ك ط
«أهل هذه القرية هم أهل "أيلة"».


معنى اعتدوا ج ط
ج ظلموا وجاوزوا ما حدّ لهم،

معنى (في السبت) ط
وفي السّبت*معناه
1- في يوم السبت،
2- ويحتمل أن يريد في حكم السبت،

تسمية السبت ط
قال ابن عطية : والسّبت مأخوذ*إما:
1- *من السبوت الذي هو الراحة والدعة،*
2- وإمامن السبت وهو: القطع، لأن الأشياء فيه سبتت وتمت خلقتها.

قصة الآية ومعناها ج ط ك
قال ابن عطية: وقصة اعتدائهم فيه، أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة، وعرفه فضله، كما أمر به سائر الأنبياء، فذكر موسى عليه السلام ذلك لبني إسرائيل عن الله تعالى وأمرهم بالتشرع فيه، فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم فيه بأن أمرهم بترك العمل وحرم عليهم صيد الحيتان، وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية. قاله الحسن بن أبي الحسن.*وقيل*حتى تخرج خراطيمها من الماء، وذلك إما بالإلهام من الله تعالى، أو بأمر لا يعلل، وإما بأن فهمها معنى الأمنة التي في اليوم مع تكراره حتى فهمت ذلك، ألا ترى أن الله تعالى قد ألهم الدواب معنى الخوف الذي في يوم الجمعة من أمر القيامة، يقضي بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:*«وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة فرقا من الساعة»، وحمام مكة قد فهم الأمنة، إما أنها متصلة بقرب فهمها.
وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر، فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان فلم تظهر إلى السبت الآخر، فبقوا على ذلك زمانا حتى اشتهوا الحوت، فعمد رجل يوم السبت فربط حوتا بخزمة، وضرب له وتدا بالساحل، فلما ذهب السبت جاء وأخذه، فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع،*وقيل*بل حفر رجل في غير السبت حفيرا يخرج إليه البحر، فإذا كان يوم السبت خرج الحوت وحصل في الحفير، فإذا جزر البحر ذهب الماء من طريق الحفير وبقي الحوت، فجاء بعد السبت فأخذه، ففعل قوم مثل فعله، وكثر ذلك حتى صادوه يوم السبت علانية، وباعوه في الأسواق، فكان هذا من أعظم الاعتداء، وكانت من بني إسرائيل فرقة نهت عن ذلك فنجت من العقوبة، وكانت منهم فرقة لم تعص ولم تنه، فقيل نجت مع الناهين، وقيل هلكت مع العاصين.


معنى كونوا ط
قال ابن عطية : وكونوا*لفظة أمر، وهو أمر التكوين، كقوله تعالى لكل شيء:*{كن فيكون}، ولم يؤمروا في المصير إلى حال المسخ بشيء يفعلونه ولا لهم فيه تكسب.


معنى خاسئين ج ط ك
ج *مبعدين، يقال: خسأت الكلب أخسؤه خسئا، أي: باعدته وطردته
ط وخاسئين*معناه مبعدين أذلاء صاغرين

قصة مسخهم قردة ط ك
قال ابن عطية : وروي في قصصهم أن الله تعالى مسخ العاصين قردةً بالليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم، فلم يروا أحدا من الهالكين، فقالوا إن للناس لشأنا، ففتحوا عليهم الأبواب كما كانت مغلقة بالليل، فوجدوهم قردةً يعرفون الرجل والمرأة،*وقيل:*إن الناجين كانوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار، تبريا منهم، فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين، فتسوروا عليهم الجدار فإذا هم قردة، يثب بعضهم على بعض.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام ووقع في كتاب مسلم عنه عليه السلام أن أمة من الأمم فقدت، وأراها الفأر، وظاهر هذا أن الممسوخ ينسل، فإن كان أراد هذا فهو ظن منه عليه السلام في أمر لا مدخل له في التبليغ، ثم أوحي إليه بعد ذلك أن الممسوخ لا ينسل، ونظير ما قلناه نزوله عليه السلام على مياه بدر، وأمره باطراح تذكير النخل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:*«إذا أخبرتكم برأي في أمور الدنيا فإنما أنا بشر».
وروي عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط وردّت أفهامهم كأفهام القردة، والأول أقوى
ذكر ابن كثير روايات كثيرة ثم قال : قلت: والغرض من هذا السّياق عن هؤلاء الأئمّة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهدٌ، رحمه اللّه، من أنّ مسخهم إنّما كان معنويًّا لا صوريًّا بل الصّحيح أنّه معنويٌّ صوريٌّ، واللّه أعلم



تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}


مرجع الضمير في (جعلناها ) ج ط ك
قال ابن عطية : والضمير في «جعلناها»
1- :يحتمل*العود على المسخة والعقوبة،*
2- ويحتمل*على الأمة التي مسخت،*
3- ويحتمل*على القردة،
4- *ويحتمل*على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها
5- ،وقيل*يعود على الحيتان، وفي هذا القول بعد)
قال ابن كثير :
والصّحيح*أنّ الضّمير عائدٌ على القرية، أي: فجعل اللّه هذه القرية، والمراد أهلها

معنى النكال ط ج ك
ك نكالا}*أي: عاقبناهم عقوبةً، فجعلناها. عبرةً
ط والنكال: الزجر بالعقاب، والنكل والأنكال: قيود الحديد، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل،

معنى (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها) ك
وقوله:*{لما بين يديها وما خلفها}*أي من القرى. قال ابن عبّاسٍ:*«يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرةً لما حولها من القرى»


معنى (لما بين يديها وما خلفها ) ج ط ك
قال ابن كثير : ، وحكى فخر الدّين*ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ المراد بما بين يديها وما خلفها: من تقدّمها من القرى، بما عندهم من العلم بخبرها، بالكتب المتقدّمة ومن بعدها.
الثّاني: المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم.
والثّالث: أنّه جعلها تعالى عقوبةً لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده، قال: وهذا قول الحسن.
قلت: وأرجح الأقوال أنّ المراد بما بين يديها وما خلفها: من بحضرتها من القرى الّتي يبلغهم خبرها، وما حلّ بها،


معنى (موعظة ) ج ط ك
قال ابن عطية : وموعظةً*مفعلة من الاتعاظ والازدجار

المراد بالمتقين ط ك
*وللمتّقين*معناه
1- للذين نهوا ونجوا
2- وقالت فرقة: معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم،
3- واللفظ يعم كل متق من كل أمة
ذكرها ابن عطية وابن كثير

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 10 ذو القعدة 1435هـ/4-09-2014م, 07:12 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (67) إلى الآية (74) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (67) إلى الآية (74) ]

تفسير قوله تعالى:*{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}




تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}

معنى الآية ج ك
قال ابن كثير :
يقول تعالى: واذكروا -يا بني إسرائيل-نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء اللّه المقتول، ونصّه على من قتله منهم.

المراد ب ( وإذ ) و إعرابها ط
وإذ قال موسى لقومه}*الآية: إذ عطف على ما تقدم،*والمراد:*تذكيرهم بنقض سلفهم للميثاق

الاحتجاج على المشركين بهذه الآية ج
قال الزجاج : وفي هذه الآية احتجاج على مشركي العرب لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالبعث، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الخبر الذي لا يجوز أن يعلمه إلا من قرأ الكتب أو أوحى إليه، وقد علم المشركون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّيّ وأن أهل الكتاب يعلمون -وهم يخالفونه- أن ما أخبر به من هذه الأقاصيص حق.

انتفاء الهزؤ عن مسى علية السلام ج
فانتفى موسى من الهزؤ، لأن الهازئ جاهل لاعب

قصة هذه الآية ط ك

قال ابن عطية : وسبب هذه الآية* على ما روي، أن رجلا من بني إسرائيل أسنّ وكان له مال، فاستبطأ ابن أخيه موته، وقيل أخوه، وقيل ابنا عمه، وقيل ورثة كثير غير معينين، فقتله ليرثه وألقاه في سبط آخر غير سبطه، ليأخذ ديته ويلطخهم بدمه،*وقيل: كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين، فألقاه إلى باب إحدى المدينتين، وهي التي لم يقتل فيها، ثم جعل يطلبه هو وسبطه حتى وجده قتيلا، فتعلق بالسبط أو بسكان المدينة التي وجد القتيل عندها، فأنكروا قتله، فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء حتى دخلوا في السلاح، فقال أهل النهي منهم: أنقتل ورسول الله معنا؟ فذهبوا إلى موسى عليه السلام فقصوا عليه القصة، وسألوه البيان، فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة فيضرب القتيل ببعضها، فيحيى ويخبر بقاتله فقال لهم: إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً، فكان جوابهم أن قالوا: أتتّخذنا هزواً
و ذكر ابن كثير سياقات كثيرة ثم قال : وهذه السّياقات [كلّها] عن عبيدة وأبي العالية والسّدّيّ وغيرهم، فيها اختلافٌ ما، والظّاهر أنّها مأخوذةٌ من كتب بني إسرائيل وهي ممّا يجوز نقلها ولكن لا نصدّق ولا نكذّب فلهذا لا نعتمد عليها إلّا ما وافق الحقّ عندنا، واللّه أعلم)

حكم قول ( أتتخذنا هزوا) ط
قال ابن عطية :
1- وهذا القول من بني إسرائيل ظاهره فساد اعتقاد ممن قاله، ولا يصح الإيمان ممن يقول لنبي قد ظهرت معجزاته، وقال: إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً، أتتّخذنا هزواً، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره،*
2- وذهب قوم*إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله»، وكما قال له الآخر: «اعدل يا محمد»، وكلّ محتمل، والله أعلم.

معنى (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) ط
قال ابن عطية :
وقول موسى عليه السلام: أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين،*يحتمل معنيين:
1- *أحدهما:*الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا
2- ،والآخر:*من الجهل كما جهلوا في قولهم أتتّخذنا هزواً لمن يخبرهم عن الله تعالى

مسألة ذبح أو نحر البقرة ك
قال ابن كثير : [مسألة الإبل تنحر والغنم تذبح واختلفوا في البقر*
1- فقيل: تذبح،
2- *وقيل: تنحر،
والذّبح أولى لنصّ القرآن ولقرب منحرها من مذبحها. قال ابن المنذر: ولا أعلم خلافًا صحيحًا بين ما ينحر أو نحر ما يذبح، غير أنّ مالكًا كره ذلك. وقد يكره الإنسان ما لا يحرّم،
وقال ابن عطية : في آية (فذبحوها وما كادوا يفعلون ) وهذه الآية تعطي أن الذبح أصل في البقر، وإن نحر أجزأت.


القراءات في (أتتخذنا ) ط
قال ابن عطية : 1- أتتّخذنا هزواً
2- قرأ الجحدري «أيتخذنا» بالياء، على معنى أيتخذنا الله



تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}


معنى فارض ج ط ك
قال ابن عطية : والفارض المسنة الهرمة التي لا تلد، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم، ويقال لكل ما قدم وطال أمده فارض

معنى بكر ج ط ك
قال ابن عطية : والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر، وحكى ابن قتيبة أنها التي ولدت ولدا واحدا، والبكر من النساء التي لم يمسها الرجل، والبكر من الأولاد الأول، ومن الحاجات الأولى،

معنى عوان ج ط ك
1- والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة، قاله مجاهد، وحكاه أهل اللغة، ومنه قول العرب: العوان لا تعلم الخمرة. وحرب عوان: قد قوتل فيها مرتين فما زاد،
ذكره ابن عطية
1- عن ابن عبّاسٍ*{عوانٌ بين ذلك}*[يقول:*«نصفٌ]*بين الكبيرة والصّغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدّوابّ والبقر وأحسن ما تكون». ذكره ابن كثير والزجاج
2- وقال السّدّيّ:*«العوان: النّصف الّتي بين ذلك الّتي ولدت، وولد ولدها».ذكره ابن كثير

معنى (بين ذلك) ج
قال الزجاج : ومعنى*{بين ذلك}*بين البكر والفارض، وبين الصغيرة والكبيرة

تعنت بني إسرائيل ط ك
قال ابن عطية : هذا تعنت منهم وقلة طواعية، ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به، ولكن شددوا فشدد الله عليهم، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما

المراد ب (فافعلوا ما تؤمرون ) ط
*تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت، فما تركوه)



تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}


إعراب ما (ما لونها) ج ط
ج وضع (ما) رفع بالابتداء، لأن تأويله الاستفهام، كقولك: ادع لنا ربك يبين لنا أيّ شيء لونها،
ط وما رفع بالابتداء، ولونها خبره

المراد ب (صفراء ) ط ك
قال ابن عطية :
1- وقال ابن زيد وجمهور الناس في قوله:*{صفراء}،«إنها كانت كلها صفراء»،
2- قال مكي رحمه الله عن بعضهم:*«حتى القرن والظلف»،
3- وقال الحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير:*«كانت صفراء القرن والظلف فقط»
4- ، وقال الحسن أيضا:*«صفراء معناه سوداء»، وهذا شاذ لا يستعمل مجازا إلا في الإبل،
قال ابن كثير : والصّحيح الأوّل، ولهذا أكّد صفرتها بأنّه*{فاقعٌ لونها}

معنى فاقع ج ط ك
قال ابن عطية : والفقوع: نعت مختص بالصفرة، كما خص أحمر بقانئ، وأسود بحالك، وأبيض بناصع، وأخضر بناضر، ولونها فاعل ب فاقعٌ.
قال الزجاج : {فاقع}*نعت للأصفر الشديد الصفرة

المراد ب (فاقع لونها) ك
قال ابن كثير:
1- وقال عطيّة العوفيّ:*«{فاقعٌ لونها}تكاد تسودّ من صفرتها».
2- وقال سعيد بن جبيرٍ:*{فاقعٌ لونها}*قال:*«صافية اللّون».
3- وقال شريكٌ، عن مغراء عن ابن عمر:*{فاقعٌ لونها}*قال:*«صافٍ».
4- وقال العوفيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ:*«{فاقعٌ لونها}*شديدة الصّفرة، تكاد من صفرتها تبيضّ».

معنى (تسر الناظرين) ج ط ك
*فمعناه:*تعجب الناظرين،



تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير :
وقوله:*{إنّ البقر تشابه علينا}أي: لكثرتها، فميّز لنا هذه البقرة وصفها وحلّها لنا*{وإنّا إن شاء اللّه}*إذا بيّنتها لنا*{لمهتدون}*إليها.

فائدة الاستثناء في الآية ط ك
قال ابن عطية : وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير إنابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لولا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبدا»،

تقديم الاستثناء على الاهتداء ط
قال ابن عطية : والاستثناء اعتراض، قدم على ذكر الاهتداء، تهمما به




تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}


معنى ذلول ط
أي:*إنّها ليست مذلّلةً بالحراثة

معنى تثير الأرض ط
{تثير الأرض}،*معناه:*بالحراثة


معنى (لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) ط ك
قال ابن كثير :
1- أي:*إنّها ليست مذلّلةً بالحراثة ولا معدّة للسّقي في السّانية، بل هي مكرّمةٌ حسنةٌ
2- وقد زعم بعضهم أنّ المعنى في ذلك قوله تعالى:*{إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ}*ليست بمذلّلةٍ بالعمل ثمّ استأنف فقال:*{تثير الأرض}*أي:*يعمل عليها بالحراثة لكنّها لا تسقي الحرث،
وهذا ضعيفٌ؛ لأنّه فسّر الذّلول الّتي لم تذلّل بالعمل بأنّها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرّره القرطبيّ وغيره]
وذكره ابن عطية

المراد بالحرث ط
*والحرث*ما حرث وزرع.

معنى مسلمة ط ك
ط {مسلّمةٌ}*بناء مبالغة من السلامة،
1- قال ابن عباس وقتادة وأبو العالية:*«معناه من العيوب»،
2- وقال مجاهد:*«معناه من الشيات والألوان»،
3- وقال قوم:*«معناه من العمل».
وذكرها ابن كثير

معنى لا شية فيها ج ط ك
ج أي: ليس فيها لون يفارق لونها، و"الوشي" في اللغة: خلط لون بلون وكذلك في الكلام
ط ا خلاف في لونها هي صفراء كلها لا بياض فيها ولا حمرة ولا سواد قاله ابن زيد وغيره،*والموشي*المختلط الألوان، ومنه وشي الثوب، تزيينه بالألوان، ومنه الواشي لأنه يزين كذبه بالألوان من القول،
ك أي: ليس فيها لونٌ غير لونها.

سبب ذكر صفة هذه البقرة ط
قال ابن عطية : وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شددوا فشدد الله عليهم، ودين الله يسر، والتعمق في سؤال الأنبياء عليهم السلام مذموم.


فائدة الألف والام في الآن ج ط
قال الزجاج : هذه الألف واللام تنوبان عن معنى الإشارة. المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل

معنى جئت بالحق ط ك
قال ابن عطية : و{جئت بالحقّ}
1- معناه- عند من جعلهم عصاة- بينت لنا غاية البيان، وجئت بالحقّ الذي طلبناه، لا إنه كان يجيء قبل ذلك بغير حق،*
2- ومعناه*عند ابن زيد- الذي حمل محاورتهم على الكفر-: الآن صدقت. وأذعنوا في هذه الحال حين بين لهم أنها سائمة، و
3- قيل إنهم عيّنوها مع هذه الأوصاف، وقالوا: هذه بقرة فلان،
وفال ابن كثير : *قال قتادة:*«الآن بيّنت لنا»،


المراد ب (وما كادوا يفعلون) ط ك
وقال ابن كثير : {فذبحوها وما كادوا يفعلون}*
1--قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ:*«كادوا ألّا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنّهم أرادوا ألّا يذبحوها».
يعني أنّهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة، والأجوبة، والإيضاح ما ذبحوها إلّا بعد الجهد، وفي هذا ذمٌّ لهم، وذلك أنّه لم يكن غرضهم إلّا التّعنّت، فلهذا ما كادوا يذبحونها.
2- وقال محمّد بن كعبٍ، ومحمّد بن قيسٍ:*«{فذبحوها وما كادوا يفعلون}لكثرة ثمنها».
وفي هذا نظرٌ؛ لأنّ كثرة ثمنها لم يثبت إلّا من نقل بني إسرائيل، كم
3- وقال ابن جريرٍ: وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة، إن اطّلع اللّه على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه.
ولم يسنده عن أحدٍ، ثمّ اختار أنّ الصّواب في ذلك أنّهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها، وللفضيحة. وفي هذا نظرٌ،
قال ابن كثير : بل الصّواب -واللّه أعلم-ما تقدّم من رواية الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، على ما وجّهناه. وباللّه التّوفيق.
وذكر ابن عطية الأقوال

الاستدلال بهذه الآية على صحة السلم في الحيوان ك
قال ابن كثير : :
1- *استدلّ بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتّى تعيّنت أو تمّ تقييدها بعد الإطلاق على صحّة السّلم في الحيوان كما هو مذهب مالكٍ والأوزاعيّ واللّيث والشّافعيّ وأحمد وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا بدليل ما ثبت في الصّحيحين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:*«لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنّه ينظر إليها».*وكما وصف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إبل الدّية في قتل الخطأ وشبه العمد بالصّفات المذكورة بالحديث، و
2- قال أبو حنيفة والثّوريّ والكوفيّون: لا يصحّ السّلم في الحيوان لأنّه لا تنضبط أحواله، وحكى مثله عن ابن مسعودٍ وحذيفة بن اليمان وعبد الرّحمن بن سمرة وغيرهم


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}

معنى (واذ قتلتم نفسا) ط
،*والمعنى*قلنا لهم اذكروا إذ قتلتم.


اشتقاق (ادارأتم ) ومعناها ط ج
*«ادارأتم»*أصله: تدارأتم، ثم أدغمت التاء في الدال فتعذر الابتداء بمدغم، فجلبت ألف الوصل
فتقول: "ادارأ القوم" أي: تدافع القوم.

المراد ب ( فادارأتم فيها ) ج ط ك
قال ابن عطية: *ومعناه*تدافعتم أي دفع بعضكم قتل القتيل إلى بعض،
قال ابن كثير :
1- قال البخاريّ:*{فادّارأتم}*اختلفتم. وهكذا قال مجاهدٌ
2- قال عطاءٌ الخراساني، والضّحّاك:*«اختصمتم فيها».
3- وقال ابن جريجٍ*{وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها}*قال:*«قال بعضهم أنتم قتلتموه».وقال آخرون: بل أنتم قتلتموه. وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.



مرجع الضمير (فيها) ط
قال ابن عطية :
والضمير*في قوله:*{فيها}*
1- عائد*على النفس*
2- وقيل*على القتلة

معنى (تكتمون ) ك
قال مجاهدٌ:*«ما تغيبون».

المراد بالمكتوم ط
قال ابن عطية : والمكتوم هو أمر المقتول)



تفسير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}

معنى فاضربوه ببعضها ط ك
ط *آية من الله تعالى على يدي موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيل فيحيى ويخبر بقاتله،*

المراد بالبعض ط ك
قال ابن عطية :
1- وقال السدي:«ضرب باللحمة التي بين الكتفين»،
2- وقال مجاهد وقتادة وعبيدة السلماني:*«ضرب بالفخذ»،
3- *وقيل: ضرب باللسان،
4- *وقيل: بالذنب،
5- وقال أبو العالية:*«بعظم من عظامها».
ذكر الأقوال ابن كثير ثم قال ::
هذا البعض أيّ شيءٍ كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلةٌ به.
وخرق العادة به كائنٌ، وقد كان معيّنًا في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدةٌ تعود علينا في أمر الدّين أو الدّنيا لبيّنه اللّه تعالى لنا، ولكن أبهمه، ولم يجئ من طريقٍ صحيحٍ عن معصومٍ بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه اللّه.


وقت طلب بني إسرائيل للبقرة ط ك
ط لأن ابن عباس ذكر أن أمر القتيل وقع قبل جواز البحر، وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنة، وقال القرظي:*«لقد أمروا بطلبها وما هي في صلب ولا رحم بعد»،

مكان الضرب ط
قال ابن عطية : فقيل: ضربوه،*وقيل: ضربوا قبره،

معنى( كذلك يحي الله الموتى و يريكم آياته ) ط ك
قال ابن عطية : الآية، الإشارة بــــ كذلك إلى الإحياء الذي تضمنه قصص الآية، إذ في الكلام حذف، تقديره: فضربوه فحيي
وذكره ابن كثير

مسألة قول القتيل ط ك

1- واستدل مالك رحمه الله بهذه النازلة على تجويز قول القتيل وأن تقع معه القسامة
2- خالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل في ذلك لوثًا)


آيات إحياء الموتى في سورة البقرة ك
قال ابن كثير:
واللّه تعالى قد ذكر في هذه السّورة ما خلقه في إحياء الموتى، في خمسة مواضع:*{ثمّ بعثناكم من بعد موتكم}[البقرة: 56]. وهذه القصّة، وقصّة الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت، وقصّة الذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها، وقصّة إبراهيم والطّيور الأربعة.

الاستدلال في هذه الآية :ط ك
قال ابن عطية : وفي هذه الآية*حض على العبرة، ودلالة على البعث في الآخرة.
قال ابن كثير : جعل تبارك وتعالى ذلك الصّنع حجّةً لهم على المعاد، وفاصلًا ما كان بينهم من الخصومة والفساد


الخطاب في هذه الآية ط
قال ابن عطية :
1-وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل، حينئذ حكي لمحمد صلى الله عليه وسلم ليعتبر به إلى يوم القيامة،
2- وذهب الطبري إلى أنها خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها مقطوعة من قوله تعالى:{اضربوه ببعضها}،



تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير : يقول تعالى توبيخًا لبني إسرائيل، وتقريعًا لهم على ما شاهدوه من آيات اللّه تعالى، وإحيائه الموتى:*{ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك}*كلّه*{فهي كالحجارة}*التي لا تلين أبدًا. ولهذا نهى اللّه المؤمنين عن مثل حالهم

معنى قست ج ط
قال الزجاج : تأويل{قست}*في اللغة: غلظت ويبست وصلبت، فتأويل القسو في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخضوع والخشوع منه.
قال ابن عطية : {قست}أي*صلبت وجفت، وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى،


المراد بالقلوب ط
قال ابن عطية : وقال ابن عباس:*«المراد قلوب ورثة القتيل، لأنهم حين حيي قال: إنهم قتلوه وعاد إلى حال موته أنكروا قتله»، وقالوا: كذب بعد ما رأوا هذه الآية العظمى، لكن نفذ حكم الله تعالى بقتلهم،

حكم وراثة القاتل ط
قال ابن عطية : قال عبيدة السلماني:*«ولم يرث قاتل من حينئذ».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبمثله جاء شرعنا، وحكى مالك رحمه الله في الموطأ، أن قصة أحيحة بن الجلاح في عمه هي التي كانت سببا أن لا يرث قاتل، ثم ثبت ذلك الإسلام، كما ثبت كثيرا من نوازل الجاهلية،

معنى (من بعد ذلك) ج
قال الزجاج ومعنى{من بعد ذلك}
1- *أي: من بعد إحياء الميت لكم بعضو من أعضاء البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من يشاهدها -فشاهد بمشاهدتها من قدرة عزّ وجلّ ما يزيل كل شك- أن يلين قلبه ويخضع،
2- ويحتمل أن يكون{من بعد ذلك}*من بعد إحياء الميت والآيات التي تقدمت ذلك نحو مسخ القردة والخنازير، ونحو رفع الجبل فوقهم، ونحو انبجاس الماء من حجر يحملونه معهم، وإنما جاز ذلك وهؤلاء الجماعة مخاطبون

معنى ( فهي كالحجارة) ط ك
ك فهي كالحجارة}*التي لا تلين أبدًا.


معنى دخول أو (أو أشد قسوة ) ج ط ك
قال ابن عطية : والعرف في أو أنها للشك، وذلك لا يصح في هذه الآية،
*واختلف في معنى أو هنا،
1- فقالت طائفة: هي بمعنى الواو، كما قال تعالى:*{آثماً أو كفوراً}[الإنسان: 24]*أي وكفورا،
2- وقالت طائفة*هي بمعنى بل، كقوله تعالى:*{إلى مائة ألفٍ أو يزيدون}[الصافات: 147]*المعنى بل يزيدون،*
3- وقالت طائفة: معناها التخيير،*أي: شبهوها بالحجارة تصيبوا، أو بأشد من الحجارة تصيبوا،*
4- وقالت فرقة: هي على بابها في الشك. ومعناه: عندكم أيها المخاطبون وفي نظركم، أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم أهي كالحجارة أو أشد من الحجارة.*
5- وقالت فرقة: هي على جهة الإبهام على المخاطب، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:
أحب محمّدا حبا شديدا*.......*وعباسا وحمزة أو عليّا
ولم يشك أبو الأسود، وإنما قصد الإبهام على السامع، وقد عورض أبو الأسود في هذا، فاحتجّ بقول الله تعالى:*{وإنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبينٍ}*[سبأ: 24]، وهذه الآية مفارقة لبيت أبي الأسود، ولا يتم معنى الآية إلا ب «أو»،
6- *وقالت فرقة: إنما أراد الله تعالى أن فيهم من قلبه كالحجر، وفيهم من قلبه أشد من الحجر، فالمعنى فهي فرقتان كالحجارة أو أشد، و
7- *وقالت فرقة: إنما أراد عز وجل أنها كانت كالحجارة يترجى لها الرجوع والإنابة، كما تتفجر الأنهار ويخرج الماء من الحجارة، ثم زادت قلوبهم بعد ذلك قسوة بأن صارت في حد من لا ترجى إنابته، فصارت أشد من الحجارة، فلم تخل أن كانت كالحجارة طورا أو أشد طورا،
وذكر الأقوال ابن كثير ، والزجاج بعضها


القراءات في أشد وأثرها على المعنى ج
قال الزجاج :
1- فمن قرأ*{أشد قسوة}*رفع أشد بإضمار "هي" كأنّه قال: أو هي أشد قسوة، 2- ومن نصب (أو أشد قسوة) فهو على خفض في الأصل بمعنى الكاف. ولكن "أشد" أفعل لا ينصرف لأنه على لفظ الفعل، وهو نعت ففتح وهو في موضع جر.

تفضيل الحجارة على قلوبهم ط ج
قال الرجاج : }*بين عزّ وجلّ كيف كانت قلوبهم أنها أشد قسوة وأصلب من الحجارة،
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{وإنّ من الحجارة}*الآية، معذرة للحجارة وتفضيل لها على قلوبهم في معنى قلة القسوة، وقال قتادة:*«عذر الله تعالى الحجارة ولم يعذر شقيّ بني آدم»


معنى الأنهار ط
*والأنهار*جمع نهر وهو ما كثر ماؤه جريا من الأخاديد


معنى ( وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) ج ط ك
قال ابن عطية :
1- وهذه عبارة عن العيون التي لم تعظم حتى تكون أنهارا، أو
2- عن الحجارة التي تشقق وإن لم يجر ماء منسفح،

معنى (ومنها ما يهبط من خشية الله )ج ط ك
قال ابن عطية :
1- *وقيل*في هبوط الحجارة تفيؤ ظلالها،*
2- وقيل*المراد: الجبل الذي جعله الله دكا،*
3- وقيل: إن الله تعالى يخلق في بعض الأحجار خشية وحياة يهبطها من علو تواضعا، ونظير هذه الحياة حياة الحجر المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة الجذع الذي أنّ لفقد النبي صلى الله عليه وسلم،*
4- وقيل*لفظة الهبوط مجاز لما كانت الحجارة يعتبر بخلقها ويخشع بعض مناظرها، أضيف تواضع الناظر إليها، كما قالت العرب: ناقة تاجرة أي: تبعث من يراها على شرائها، و
قال مجاهد:*«ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من حجر ولا خرج ماء منه إلا من خشية اللّه، نزل بذلك القرآن»




خشية اوالخشوع في الحجارة ط ك
قال ابن كثير :
وقد زعم بعضهم أنّ هذا من باب المجاز؛ وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله:*{يريد أن ينقضّ}*قال الرّازيّ والقرطبيّ وغيرهما من الأئمّة: ولا حاجة إلى هذا فإنّ اللّه تعالى يخلق فيها هذه الصّفة كما في قوله تعالى:*{إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}*الآية، وقال:*{والنّجم والشّجر يسجدان}*و*{أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله}الآية،*{قالتا أتينا طائعين} {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ}*الآية،*{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا اللّه}*الآية، وفي الصّحيح:*«هذا جبلٌ يحبّنا ونحبّه».، وكحنين الجذع المتواتر خبره، وفي صحيح مسلمٍ:*«إنّي لأعرف حجرًا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إنّي لأعرفه الآن».وفي صفة الحجر الأسود أنّه يشهد لمن استلمه بحقٍّ يوم القيامة، وغير ذلك ممّا في معناه.

الخطاب في هذه الآية
قال ابن كثير :
يقول تعالى توبيخًا لبني إسرائيل، وتقريعًا لهم على ما شاهدوه من آيات اللّه تعالى، وإحيائه الموتى:*{ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 8 ذو الحجة 1435هـ/2-10-2014م, 08:08 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي الفوائد السلوكية من الآيات 2-5 سورة البقرة

الفوائد السلوكية سورة البقرة
[من الآية (2) إلى الآية (5) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}


من الفوائد السلوكية لهذه الآيات :
1- صفات المتقين المذكورة كلما زاد العبد منها زادت هدايته وزاد فلاحه
2- على المسلم الإهتمام بإقامة الصلاة وليس أدائها فقط
3- أن هذا الكتاب فيه سبيل الهداية والرشاد للعباد الموصل للفلاح والنجاة
4- اشتمال صفات المتقين على أعمال الجوارح وأعمال القلوب وعدم الإتكال على بعضها دون بعض
5- الإيمان بالغيبيات درجات ، وما وقر في القلب لا يطلع عليه إلا الله ، فيجب الإجتهاد في إصلاح القلوب


رد مع اقتباس
  #33  
قديم 18 ذو الحجة 1435هـ/12-10-2014م, 08:47 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (75) إلى الآية (77) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (75) إلى الآية (77) ]


تفسير قوله تعالى:*{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}


تفسير قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير:
يقول تعالى:*{أفتطمعون}*أيّها المؤمنون*{أن يؤمنوا لكم}*أي: ينقاد لكم بالطّاعة، هؤلاء الفرقة الضّالّة من اليهود، الّذين شاهد آباؤهم من الآيات البيّنات ما شاهدوه ثمّ قست قلوبهم من بعد ذلك*{وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه}*أي: يتأوّلونه على غير تأويله*{من بعد ما عقلوه}*أي: فهموه على الجليّة ومع هذا يخالفونه على بصيرةٍ*{وهم يعلمون}*أنّهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله؟ وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى:*{فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرّفون الكلم عن مواضعه}[المائدة: 13].

نوع الاستفهام في (أفتطمعون) والمراد به ج
قال الزجاج : *الألف ألف استخبار، وتجري في كثير من المواضع مجرى الإنكار والنهي إذا لم يكن معها نفي، كأنّه أيئسهم من الطمع في إيمان هذه الفرقة من اليهود، فإذا كان في أول الكلام نفي، فإنكار النفي تثبيت، نحو قوله عزّ وجلّ:*{ألم يأتكم نذير * قالوا بلى}،
فجواب*{أفتطمعون}*"لا" كما وصفنا.


المخاطبون بالآية ط
قال ابن عطية : *الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم، ومعنى هذا الخطاب: التقرير على أمر فيه بعد، إذ قد سلفت لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء، وهؤلاء على ذلك السنن،*

المراد بالإيمان في (أن يؤمنوا لكم ) ك
قال ابن كثير : أي: ينقاد لكم بالطّاعة

المراد بكلام الله (يسمعون كلام الله) ك
قال ابن كثير : فيها أقوال :
1- كلام الله لموسى عليه السلام *عن ابن عبّاسٍ أنّه قال:*«ثمّ قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولمن معه من المؤمنين يؤيّسهم منهم:{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه}،*وليس قوله:{يسمعون كلام اللّه}يسمعون التّوراة. كلّهم قد سمعها. ولكن الّذين سألوا موسى رؤية ربّهم فأخذتهم الصّاعقة فيها».
2- التوراة وقال السّدّيّ:*{وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه}*قال:*«هي التّوراة، حرّفوها».
قال ابن كثير :
وهذا الذي ذكره السّدّيّ أعمّ ممّا ذكره ابن عبّاسٍ وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جريرٍ لظاهر السّياق. فإنّه ليس يلزم من سماع كلام اللّه أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران، عليه الصّلاة والسّلام، وقد قال اللّه تعالى:*{وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه}[التّوبة: 6]، أي: مبلّغًا إليه؛


المقصود بالفريق (وقد كان فريق منهم) ط ك ج
قال ابن عطية :
1- وقال مجاهد والسدي:*«عني بالفريق هنا الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم»،*
2 - وقيل: المراد كل من حرف في التوراة شيئا حكما أو غيره كفعلهم في آية الرجم ونحوها،*
3 - وقال ابن إسحاق والربيع:*«عني السبعون الذين سمعوا مع موسى صلى الله عليه وسلم ثم بدلوا بعد ذلك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا القول ضعف، ومن قال إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى عليه السلام واختصاصه بالتكليم،*
وذكر الأقوال ابن كثير

معنى التحريف ط
قال ابن عطية : تحريف الشيء إحالته من حال إلى حال

المراد بالتحريف في الآية ط
قال ابن عطية :
1- ذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باق،*
2- ذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظا من تلقائهم وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه).

معنى قوله تعالى (وهم يعلمون) ك
قال السّدّيّ:*«{وهم يعلمون}أي: أنّهم أذنبوا».


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}

معنى الآية ك ج
عن ابن عبّاسٍ:*«{وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا}أي: بصاحبكم رسول اللّه، ولكنّه إليكم خاصّةً.{وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا}لا تحدّثوا العرب بهذا، فإنّكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم. فأنزل اللّه:{وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم}*أي: تقرّون بأنّه نبيٌّ، وقد علمتم أنّه قد أخذ له الميثاق عليكم باتّباعه، وهو يخبرهم أنّه النّبيّ الذي كنّا ننتظر، ونجد في كتابنا. اجحدوه ولا تقرّوا به.*


سبب نزول الآية ك ط
1- ورد في التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*«لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن»، فقال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما: اذهبوا وتحسسوا أخبار من آمن بمحمد وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم، فنزلت هذه الآية فيهم،*
2- وقال ابن عباس:*«نزلت في منافقين من اليهود»،*
2- وروي عنه أيضا:*«أنها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين: نحن نؤمن أنه نبي ولكن ليس إلينا، وإنما هو إليكم خاصة، فلما خلوا قال بعضهم: لم تقرون بنبوته وقد كنا قبل نستفتح به؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه»،*

اشتقاق خلا ط
قال ابن عطية: أصل خلا «خلو» تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا،*

معنى الفتح في اللغة : ط
قال ابن عطية : الفتح في اللغة ينقسم أقساما تجمعها بالمعنى: التوسعة وإزالة الإبهام، وإلى هذا يرجع الحكم وغيره، والفتاح هو القاضي بلغة اليمن

المراد بالفتح في قوله تعالى (بما فتح الله عليكم) ك ط
قال ابن عطية :
1- قال أبو العالية وقتادة:*«إن بعض اليهود تكلم بما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لهم كفرة الأحبار: أتحدثون بما فتح اللّه عليكم أي: عرفكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم فيحتجون عليكم إذ تقرون به ولا تؤمنون به؟»،*
2- وقال السدي:*«إن بعض اليهود حكى لبعض المسلمين ما عذب به أسلافهم، فقال بعض الأحبار: أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم من العذاب، فيحتجون عليكم ويقولون نحن أكرم على الله حين لم يفعل بنا مثل هذا؟»،*وفتح على هذا التأويل بمعنى حكم،*
3- وقال مجاهد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني قريظة:*«يا إخوة الخنازير والقردة»،*فقال الأحبار لأتباعهم: ما عرف هذا إلا من عندكم، أتحدثونهم؟*
4- وقال ابن زيد:*«كانوا إذا سئلوا عن شيء، قالوا: في التوراة كذا وكذا، فكرهت الأحبار ذلك، ونهوا في الخلوة عنه، ففيه نزلت الآية».


معنى (يحاجوكم ) واشتقاقها ط
قال ابن عطية : يحاجوكم» من الحجة، وأصله من حج إذا قصد، لأن المتحاجّين كل واحد منهما يقصد غلبة الآخر،*

معنى (عند ربكم ) ط
قال ابن عطية :
1- «عند ربّكم» معناه في الآخرة،
2- وقيل: عند بمعنى في ربكم، أي: فيكونون أحق به
3- ، وقيل: المعنى عند ذكر ربكم.

القول (أفلا تعقلون ) ط
قال ابن عطية :وقوله تعالى:*{أفلا تعقلون}*
1- قيل: هو من قول الأحبار للأتباع،
2- وقيل: هو خطاب من الله للمؤمنين، أي: أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال.
والعقل علوم ضرورية


تفسير قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}

القراءات في الآية ط
قال ابن عطية :
1- وقرأ الجمهور «أولا يعلمون» بالياء من أسفل،
2- وقرأ ابن محيصن «أولا تعلمون» بالتاء خطابا للمؤمنين،

المراد بقوله تعالى (ما يسرون وما يعلنون) ط ك
قال ابن عطية :
1- والذي أسروه: كفرهم، والذي أعلنوه: قولهم آمنا، هذا في سائر اليهود،
2- والذي أسره الأحبار: صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به، والذي أعلنوه: الجحد به، ولفظ الآية يعم الجميع)
قال ابن كثير :
1- - قال أبو العالية:*«يعني ما أسرّوا من كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتكذيبهم به، وهو يجدونه مكتوبًا عندهم».*وكذا قال قتادة.
2 - وقال الحسن:*{أنّ اللّه يعلم ما يسرّون}*قال:*«كان ما أسرّوا أنّهم كانوا إذا تولّوا عن أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وخلا بعضهم إلى بعضٍ، تناهوا أن يخبر أحدٌ منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح اللّه عليهم ممّا في كتابهم، خشية أن يحاجّهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بما في كتابهم عند ربّهم.{وما يعلنون}يعني: حين قالوا لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: آمنّا».*وكذا قال أبو العالية، والرّبيع، وقتادة).

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 19 ذو الحجة 1435هـ/13-10-2014م, 09:37 AM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (78) إلى الآية (82) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (78) إلى الآية (82) ]


تفسير قوله تعالى:*{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}


تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}


المراد ب (الأميون) ك ط
قال ابن عطية :
1- (أمّيّون) هنا عبارة عن جهلة بالتوراة،*
قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما:*«المعنى: ومن هؤلاء اليهود المذكورين»،*فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم، أي: إنهم ممن لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال،*
2- وقيل: المراد هنا بالأميين قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها فبقوا أميين،*
3- وقال عكرمة والضحاك:*«هم في الآية نصارى العرب»،
4- وقيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قال:*«هم المجوس».

قال ابن عطية : قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول أبي العالية ومجاهد أوجه هذه الأقوال،*
ورجحة ابن كثير

مرجع الضمير (منهم ) ط
قال ابن عطية : والضمير في (منهم) على الأقوال هو للكفار أجمعين،



معنى (الأميون) ك ط ج
والأمي في اللغة: الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب،*
قال ابن كثير : والأمّيّون جمع أمّيٍّ،«وهو: الرّجل الذي لا يحسن الكتابة»،
- وهو ظاهرٌ في قوله تعالى:{لا يعلمون الكتاب [إلا أمانيّ]}أي: لا يدرون ما فيه.
- ولهذا في صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أمّيٌّ؛ لأنّه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى:*{وما كنت تتلو من قبله من كتابٍ ولا تخطّه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون}[العنكبوت: 48]*،
- وقال عليه الصّلاة والسّلام:*«إنّا أمّةٌ أمّيّةٌ، لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا وهكذا»*الحديث. أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتابٍ ولا حسابٍ، وقال تعالى:*{هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم}[الجمعة: 2].
نحسب ولا نكتب»، الحديث.*
قال ابن كثير :
وقال ابن جريرٍ: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرّجال إلى أمّه في جهله بالكتاب دون أبيه، قال: وقد روي عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قولٌ خلاف هذا، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله:*{ومنهم أمّيّون}*قال:*«الأمّيّون قومٌ لم يصدّقوا رسولًا أرسله اللّه، ولا كتابًا أنزله اللّه، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثمّ قالوا لقومٍ سفلة جهّال:*{هذا من عند اللّه}»،*وقال:«قد أخبر أنّهم يكتبون بأيديهم، ثمّ سمّاهم أمّيّين، لجحودهم كتب اللّه ورسله».*ثمّ قال ابن جريرٍ: وهذا التّأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم. وذلك أنّ الأمّيّ عند العرب: الذي لا يكتب.
قلت:*ثمّ في صحّة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد، نظر. والله أعلم.

إعراب (الأميون) ج
قال الزجاج :
1- وارتفع*{أمّيّون}*بالابتداء و{منهم}الخبر،
2- ومن قول الأخفش يرتفع*{أمّيّون}*بفعل "هم"، كان المعنى: واستقر منهم أمّيّون.

معنى (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) ك
قال ابن كثير :
قوله تعالى:{لا يعلمون الكتاب [إلا أمانيّ]}أي: لا يدرون ما فيه.

فائدة دخول (أل ) على الكتاب ط
الألف واللام في (الكتاب) للعهد، ويعني به التوراة في قول أبي العالية ومجاهد.

سبب تسمية الأمي بذلك ك ط
طقال ابن عطية :
1- نسب إلى الأم:*إما لأنه*بحال أمه من عدم الكتاب لا بحال أبيه، إذ النساء ليس من شغلهن الكتاب، قاله الطبري،*وإما لأنه*بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها،*
2- وقيل: نسب إلى الأمة وهي القامة والخلقة، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك،*
3- وقيل: نسب إلى الأمة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف، فإنها لا تقرأ ولا تكتب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في العرب:*«إنا أمة أميّة لا


معنى (الأماني ) ك ط ج
قال ابن عطية : واختلف في معنى أمانيّ؛
1- قالت طائفة: هي هنا من*تمني*الرجل إذا ترجى، فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئا سمعه، فيتمنى أنه من الكتاب،*
2- وقال آخرون: هي من تمنى إذا تلا، ومنه قوله تعالى:*{إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}[الحج: 52]*
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته،*
3- وقال الطبري: هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب، وذكر أهل اللغة أن العرب تقول تمنى الرجل إذا كذب واختلق الحديث،

قال ابن عطية : فمعنى الآية أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يسمعون من الأحبار أشياء مختلقة يظنونها من الكتاب،
قال ابن كثير بعد أن ذكر الأقوال : والتّمنّي في هذا الموضع هو تخلّق الكذب وتخرّصه
وذكر الزجاج الأقوال الثلاثة


اشتقاق أماني ط ج
قال ابن عطية : والأماني جمع أمنية،
وأصل أمنية: أمنوية على وزن أفعولة،
1- ويجمع هذا الوزن على أفاعل، وعلى هذا يجب تخفيف الياء،
2- ويجمع على أفاعيل فعلى هذا يجيء أمانيي أدغمت الياء في الياء فجاء «أماني».


معنى (إن) ط
قال ابن عطية : و(إن) نافية بمعنى (ما)

معنى قوله تعالى (وإن هم إلا يظنون) ك
قال ابن كثير:
1- عن ابن عبّاسٍ:ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوّتك بالظّنّ».
2- وقال مجاهدٌ:*«{وإن هم إلا يظنّون}*يكذبون».
3- وقال قتادة: وأبو العالية، والرّبيع:*«يظنّون الظّنون بغير الحقّ»).

قال ابن عطية : والظن هنا على بابه في الميل إلى أحد الجائزين



تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}


مناسبة الآية لما قبلها ك ط
قال ابن عطية : وتناسق هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم.
قال ابن كثير : هؤلاء صنفٌ آخر من اليهود، وهم الدّعاة إلى الضّلال بالزّور والكذب على اللّه، وأكل أموال النّاس بالباطل

معنى الويل في اللغة واشتقاقها ج ط ك
قال الزجاج : "الويل" في اللغة: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة، وأصله في العذاب والهلاك والدمار ،
قال ابن عطية : قال الخليل: الويل شدة الشر، وقال الأصمعي: الويل القبوح وهو مصدر لا فعل له، ويجمع على ويلات، وويل وويح وويس وويب تتقارب في المعنى، وقد فرق بينها قوم،*


المراد بالويل في الآية ك ط
خلاصة الأقوال:
1- وادي في جهنم يجري فيه صديد أهل النار يهوي فية الكافر أربعين خريفا
2- السعير من العذاب
3- جبل من جبال النار
4- باب من أبواب جهنم
5- أنه صهريج في جهنم


إعراب (ويل ) ج ط ك
قال الزجاج : وارتفع "ويل" بالابتداء، وخبره*{للّذين}، ولو كان في غير القرآن لجاز (فويلا للذين) على معنى: جعل الله ويلا للذين، والرفع على معنى: ثبوت الويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا.
قال ابن عطية : والأحسن فيه إذا انفصل الرفع، لأنه يقتضي الوقوع، ويصح النصب على معنى الدعاء أي: ألزمه الله ويلا
قال ابن كثير : وقال بعض النّحاة: إنّما جاز الابتداء بها وهي نكرةٌ؛ لأنّ فيها معنى الدّعاء، ومنهم من جوّز نصبها، بمعنى: ألزمهم ويلًا.*قلت:*لكن لم يقرأ بذلك أحدٌ].

مرجع الضمير (الذين) ط ك
قال ابن عطية : (الذين) في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء *


معنى (الذين يكتبون) ط
قال ابن عطية : والذين يكتبون: هم الأحبار الذين بدلوا التوراة.
قال ابن كثير :
1-، عن ابن عبّاسٍ:*{فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}*قال:*«هم أحبار اليهود».
2- و عن قتادة:*«هم اليهود».
3- وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد الرّحمن بن علقمة: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله تعالى:*{فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم}*قال:*«نزلت في المشركين وأهل الكتاب».


قصة الآية أو سبب نزولها ج ط ك
قال الزجاج : يقال: إن هذا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كتبوا صفته على غير ما كانت عليه في التوراة،
ويقال في التفسير: إنهم كتبوا صفته أنه آدم طويل، وكانت صفته فيها أنه آدم ربعة، فبدّلوا فألزمهم الله الويل بما كتبت أيديهم ومن كسبهم على ذلك، لأنهم أخذوا عليه الأموال وقبلوا الهدايا
قال ابن عطية : والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم،*
- وقال ابن إسحاق:*«كانت صفته في التوراة أسمر ربعة، فردوه آدم طويلا»،
- وذكر السدي:*«أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في أتباعهم ويقولون هي من عند الله»،
ك وقال السّدّيّ:«كان ناسٌ من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم، يبيعونه من العرب، ويحدّثونهم أنّه من عند اللّه، ليأخذوا به ثمنًا قليلًا».


فائدة كلمة (بأيديهم )ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{بأيديهم}*بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله، وفرق بين من كتب وبين من أمر، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله، وإن كان رأيا له، وقال ابن السراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم، والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم،*

سبب تكرار الويل ط
قال ابن عطية : وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها، ويكسبون معناه من المعاصي والخطايا، وقيل: من المال الذي تضمنه ذكر الثمن)

معنى قوله تعالى:*{فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون} ك
قال ابن كثير :
وقوله تعالى:*{فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}*أي: فويلٌ لهم ممّا كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان، والافتراء، وويلٌ لهم ممّا أكلوا به من السّحت، كما قال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ:*{فويلٌ لهم}*يقول:*«فالعذاب عليهم، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب»،*{وويلٌ لهم ممّا يكسبون}*يقول:«ممّا يأكلون به النّاس السّفلة وغيرهم»)

المراد بالثمن القليل ط ك
قال ابن عطية : والثمن
1- قيل: عرض الدنيا،
2- وقيل: الرشا والمآكل التي كانت لهم،
ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراما،*
قال ابن كثير : وقال الحسن بن أبي الحسن البصريّ:*«الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها»



تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير :
يقول تعالى إخبارًا عن اليهود فيما نقلوه وادّعوه لأنفسهم، من أنّهم لن تمسّهم النّار إلّا أيّامًا معدودةً، ثمّ ينجون منها، فردّ اللّه عليهم ذلك بقوله:{قل أتّخذتم عند اللّه عهدًا}*أي: بذلك؟ فإن كان قد وقع عهدٌ فهو لا يخلف عهده.
ولكنّ هذا ما جرى ولا كان. ولهذا أتى بـ"أم" التي بمعنى: بل، أي: بل تقولون على اللّه ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه.

سبب نزول الآية ط ك
قال ابن عطية :
1- روى ابن زيد وغيره أن سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود:*«من أهل النار؟»،*فقالوا: نحن ثم تخلفوننا أنتم، فقال لهم:*«كذبتم، لقد علمتم أنا لا نخلفكم»،*فنزلت هذه الآية،*
2- ويقال:*«إن السبب أن اليهود قالت: إن الله تعالى أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل»،*قاله ابن عباس وقتادة وعطاء،*
3- وقالت طائفة: قالت اليهود إن في التوراة أن طول جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم،*
4- وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وابن جريج:*«إنهم قالوا إن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإن الله تعالى يعذبهم بكل ألف سنة يوما».
وذكر الأقوال ابن كثير


إعراب تمسنا ج
قال الزجاج : {تمسنا}*نصب بـ{لن}، وقد اختلف النحويون في علة النصب بـ"لن".
فروي عن الخليل قولان؛
أحدهما: أنها نصبت كما نصبت "أن" وليس ما بعدها بصلة لها، لأن "لن يفعل"، نفي "سيفعل" فقدم ما بعدها عليها، نحو قولك: زيدا لن أضرب، كما تقول: زيدا لم أضرب،
وقد روى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عن الخليل أنه قال: الأصل في "لن": "لا أن"، ولكن الحذف وقع استخفافا، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، لو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب)، وعلى مذهب سيبويه جميع النحويين، وقد حكى هشام عن الكسائي في "لن" مثل هذا القول الشاذ عن الخليل، ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابه.

معنى (أياما معدودة) ج
قال الزجاج : ومعنى*{أيّاما معدودة}*قالوا: إنّما نعذّب لأننا عبدنا العجل أياما، قيل في عددها قولان، قيل: سبعة أيام، وقيل: أربعون يوما

القول في الآية ج
قال الزجاج : وهذه الحكاية عن اليهود، هم الذين قالوا:*{لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.

القراءات في (اتخذتم) ج
قال الزجاج : هي تقرأ على ضربين:*
1- {أتخذتم}*بتبيين الذال،
2- و(اتختم) بإدغام الذال في التاء

اشتقاق (اتخذتم ) ط
قال ابن عطية : و(أتّخذتم) أصله «ايتخذتم»، وزنه افتعلتم من الأخذ، سهلت الهمزة الثانية لامتناع جمع همزتين فجاء «ايتخذتم» فاضطربت الياء في التصريف فجاءت ألفا في ياتخذوا وواوا في «موتخذ» فبدلت بحرف جلد ثابت وهو التاء وأدغمت، فلما دخلت في هذه الآية ألف التقرير استغني عن ألف الوصل، ومذهب أبي علي أن أتّخذتم من «تخذ» لا من «أخذ» وقد تقدم ذكر ذلك.


نوع الهمزة في (اتخذتم) ج
قال الزجاج : والألف قطع لأنها ألف استفهام وتقرير.

المراد بالعهد في الآية ط
قال ابن عطية :
- وقال أهل التفسير: العهد من الله تعالى في هذه الآية الميثاق والوعد،*
- وقال ابن عباس وغيره:*«معناه: هل قلتم لا إله إلا الله وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون أنكم خارجون من النار؟»،
فعلى هذا التأويل الأول*يجيء المعنى: هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون؟*
وعلى التأويل الثاني*يجيء: هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟،

معنى قوله تعالى (عند الله عهدا) ج
قال الزجاج : المعنى: عهد اللّه إليكم في أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار


معنى قوله عزّ وجلّ:*{فلن يخلف اللّه عهده}*ج
قال الزجاج أي: إن كان لكم عهد فلن يخلفه اللّه،*

إعراب قوله تعالى :*{فلن يخلف اللّه عهده}*ط
قال ابن عطية : اعتراض أثناء الكلام

معنى (أم )في قوله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ك
قال ابن كثير : ولهذا أتى بـ"أم" التي بمعنى: بل، أي: بل تقولون على اللّه ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه




تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}

معنى الآية ك
ك يقول تعالى: ليس الأمر كما تمنّيتم، ولا كما تشتهون، بل الأمر: أنّه من عمل سيّئةً وأحاطت به خطيئته، وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنةٌ، بل جميع عمله سيّئاتٌ، فهذا من أهل النّار، والّذين آمنوا باللّه ورسوله وعملوا الصالحات -من العمل الموافق للشّريعة- فهم من أهل الجنّة.*
قال ابن عطية :
1- وقال الربيع بن خيثم والأعمش والسدي وغيرهم:*«معنى الآية: مات بذنوب لم يتب منها»،
2- وقال الربيع أيضا:*«المعنى: مات على كفره»،*
3- وقال الحسن بن أبي الحسن والسدي:*«المعنى: كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة»،

مناسبة الآية ج
قال الزجاج : ثم قال عزّ وجلّ:*{بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}ردا لقولهم:*{لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.

المقصودون بالآية ج
قال الزجاج : وقوله عزّ وجلّ:*{وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}*فألحق في هذه الآية، والإجماع أن هذا لليهود خاصة لأنه عزّ وجلّ في ذكرهم،

معنى بلى واشتقاقها ط
قال ابن عطية : *(و(بلى) رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب،*
- وقال الكوفيون: أصلها بل التي هل للإضراب عن الأول وزيدت عليها الياء ليحسن الوقف عليها وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام بما يأتي بعدها،*
- وقال سيبويه: هي حرف مثل بل وغيره،*
وهي في هذه الآية رد لقول بني إسرائيل لن تمسّنا النّار، فرد الله عليهم وبين الخلود في النار والجنة بحسب الكفر والإيمان،*


إعراب قوله تعالى (من كسب سيئة ) ط
ط و(من) شرط في موضع رفع بالابتداء، و«أولئك» ابتداء ثان، و(أصحاب) خبره، والجملة خبر الأول، والفاء موطئة أن تكون الجملة جواب الشرط.

معنى السيئة والخطيئة : ج ط
قال ابن عطية :
1- وقالت طائفة: السيئة: الشرك، كقوله تعالى:*{ومن جاء بالسّيّئة فكبّت وجوههم في النّار}[النمل: 90]، والخطيئات: كبائر الذنوب، وقال قوم: «خطيئته» بالإفراد،*
2- قال قوم: السيئة هنا: الكبائر، وأفردها وهي بمعنى الجمع لما كانت تدل على الجنس، كقوله تعالى:*{وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها}[إبراهيم: 34]، والخطيئة: الكفر،*
ولفظة الإحاطة تقوي هذا القول*

اشتقاق الإحاطة ط
قال ابن عطية : وهي مأخوذة من الحائط المحدق بالشيء

الحكم بالخلود في الآية
قال ابن عطية :
والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في المشركين، ومستعار بمعنى الطول والدوام في العصاة وإن علم انقطاعه، كما يقال: ملك خالد ويدعى للملك بالخلد.
وقوله تعالى:*{والّذين آمنوا}*الآية. يدل هذا التقسيم على أن قوله:*{من كسب سيّئةً}*الآية في الكفار لا في العصاة،*
- ويدل على ذلك أيضا قوله:*{أحاطت}*لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئته،*
- ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود،



تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير : أي: من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنّة خالدين فيها. يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله، لا انقطاع له أبدًا»)

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 22 ذو الحجة 1435هـ/16-10-2014م, 06:57 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (83) إلى الآية (86) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (83) إلى الآية (86) ]



تفسير قوله تعالى:*{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}




تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}


معنى الآية : ك
قال ابن كثير : يذكّر -تبارك وتعالى- بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر، وأخذ ميثاقهم على ذلك، وأنّهم تولّوا عن ذلك كلّه، وأعرضوا قصدًا وعمدًا، وهم يعرفونه ويذكرونه، فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. وبهذا أمر جميع خلقه، ولذلك خلقهم كما قال تعالى:*{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون}*[الأنبياء: 25]، وقال تعالى:*{ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت}[النّحل: 36]، وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حقّ اللّه تعالى، أن يعبد وحده لا شريك له، ثمّ بعده حقّ المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حقّ الوالدين، ولهذا يقرن اللّه تعالى بين حقّه وحقّ الوالدين


لماذا يقرن الله تعالى الأمر بالعبادة مع بر الوالدين ك
قال ابن كثير :
وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حقّ اللّه تعالى، أن يعبد وحده لا شريك له، ثمّ بعده حقّ المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حقّ الوالدين، ولهذا يقرن اللّه تعالى بين حقّه وحقّ الوالدين،


معنى قوله تعالى (وإذا أخذنا) ط
قال ابن عطية : المعنى: «واذكروا إذ أخذنا»،*

المراد بالميثاق ط
قال ابن عطية :
1- قال مكي رحمه الله:*«هذا هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر»، وهذا ضعيف،
2- وإنما هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم عليهم السلام،


القراءات في (تعبدون) ج ط
قال ابن عطية :
1- وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «لا يعبدون» بالياء من أسفل،
2- وقرأ الباقون بالتاء من فوق، حكاية ما قيل لهم،
3- وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود «لا تعبدوا» على النهي

معنى (لا تعبدون إلا الله) ط ك
قال ابن عطية :
1- قال سيبوية: (لا تعبدون) متعلق لقسم، والمعنى: وإذ استخلفناكم والله لا تعبدون،*
2 - وقالت طائفة: تقدير الكلام بأن لا تعبدوا إلا الله، ثم حذفت الباء ثم حذفت أن فارتفع الفعل لزوالها، فـ(لا تعبدون) على هذا معمول لحرف النصب،*
3 - وحكي عن قطرب أن لا تعبدون إلّا اللّه في موضع الحال أي: أخذنا ميثاقهم موحدين، وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير، ونظام الآية يدفعه مع كل قراءة،*
4 - وقال قوم: لا تعبدون إلّا اللّه نهي في صيغة خبر، ويدل على ذلك أن في قراءة أبي: لا تعبدوا قال ابن كثير : قال الزّمخشريّ: خبرٌ بمعنى الطّلب، وهو آكد وذكر بقية الأوجه


الباء في قوله:*{وبالوالدين}؛* ط
قال ابن عطية :
1- - قيل: هي متعلقة بالميثاق عطفا على الباء المقدرة أولا على قول من قال: التقدير بأن لا تعبدوا،*
2- وقيل: تتعلق بقوله:*{وإحساناً}*والتقدير: قلنا لهم لا تعبدون إلا الله، وأحسنوا إحسانا بالوالدين ويعترض هذا القول بأن المصدر قد تقدم عليه ما هو معمول له،*
3 - وقيل: تتعلق الباء بأحسنوا المقدر، والمعنى: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذا قول حسن،*


إعراب (وبالوالدين إحسانا) ج
قال الزجاج : وقوله عزّ وجلّ:*{وبالوالدين إحسانا}*نصب على معنى: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، بدل من اللفظ (أحسنوا).

سبب تقديم اللفظ بالوالدين ط
قال ابن عطية : وقدم اللفظ بالوالدين تهمما فهو نحو قوله تعالى:*{إيّاك نعبد}*[الفاتحة: 5]*وفي الإحسان تدخل أنواع بر الوالدين كلها،*

معنى القربى واشتقاقه وتضمنه ط
قال ابن عطية : والقربى بمعنى القرابة، وهو مصدر كالرجعى والعقبى، وهذا يتضمن الأمر بصلة الرحم،

معنى اليتامى واشتقاقه وتضمنه ج ط ك
قال ابن عطية: واليتامى: جمع يتيم كنديم وندامى، واليتم في بني آدم فقد الأب، وفي البهائم فقد الأم، وقال عليه السلام:*«لا يتم بعد بلوغ»، وحكى الماوردي أن اليتيم في بني آدم في فقد الأم، وهذا يتضمن الرأفة باليتامى وحيطة أموالهم،*
قال ابن كثير : {واليتامى}*وهم: الصّغار الّذين لا كاسب لهم من الآباء. [وقال أهل اللّغة: اليتيم في بني آدم من الآباء، وفي البهائم من الأمّ، وحكى الماورديّ أنّ اليتيم أطلق في بني آدم من الأمّ أيضًا].

معنى المسكين واشتقاقه وتضمنه ج ك
قال ابن عطية : والمساكين: جمع مسكين وهو الذي لا شيء له، لأنه مشتق من السكون، وقد قيل: إن المسكين هو الذي له بلغة من العيش، وهو على هذا مشتق من السكن، وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمواساة وتفقد أحوال المساكين.
قال ابن كثير : {والمساكين}*الّذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم


إعراب ومعنى قوله تعالى:*{وقولوا للنّاس حسناً} ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{وقولوا للنّاس حسناً}، أمر عطف على ما تضمنه*{لا تعبدون إلّا اللّه}*وما بعده من معنى الأمر والنهي، أو على أحسنوا المقدر في قوله:*{وبالوالدين}،*

القراءات في قوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) ومعناها ج ط
قال ابن عطية :
1- 2 وقرأ حمزة والكسائي «حَسَنا» بفتح الحاء والسين، قال الأخفش: هما بمعنى واحد*كالبخل والبخل، قال الزجاج وغيره: بل المعنى في القراءتين وقولوا قولا حَسَنا بفتح السين أو قولا ذا «حُسْن» بضم الحاء،
3- وقرأ قوم «حسنى» مثل فعلى، ورده سيبويه لأن أفعل وفعلى لا تجيء إلا معرفة إلا أن يزال عنها معنى التفضيل وتبقى مصدرا كالعقبى، فذلك جائز، وهو وجه القراءة بها، وقرأ عيسى بن عمر وعطاء بن أبي رباح «حُسُنا» بضم الحاء والسين،*


المخاطب بقوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) ج
قال الزجاج: مخاطبة لعلماء اليهود، قيل لهم: اصدقوا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

معنى (وقولوا للناس حسنا) ط ك ج
قال ابن عطية:
1- وقال ابن عباس:*«معنى الكلام قولوا لهم: لا إله إلا الله ومروهم بها»،
2- وقال ابن جريج:*«قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم»، ك ط ج
3- وقال سفيان الثوري:*«معناه: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر»،ك ط
4- وقال أبو العالية:*«معناه: قولوا لهم الطيب من القول وحاوروهم بأحسن ما تحبون أن تحاوروا به، وهذا حض على مكارم الأخلاق»،ك ط
5- وحكى المهدوي عن قتادة:*«أن قوله تعالى:{وقولوا للنّاس حسناً}منسوخ بآية السيف».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه،*
قال ابن كثير : وقوله تعالى:*{وقولوا للنّاس حسنًا}*أي: كلّموهم طيّبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بالمعروف
الحسن البصريّ في قوله:*{وقولوا للنّاس حسنًا}:«فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للنّاس حسنًا كما قال اللّه، وهو كلّ خلق حسنٍ رضيه اللّه».

مناسبة الأمر بالقول الحسن لما قبله ك
قال ابن كثير: وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للنّاس حسنًا، بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل، فجمع بين طرفي الإحسان الفعليّ والقوليّ.

فائدة ذكر الصلاة والزكاة في هذا الموضع ك
قال ابن كثير : أكّد الأمر بعبادته والإحسان إلى النّاس بالمعيّن من ذلك، وهو الصّلاة والزّكاة، فقال:*{وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة}

]زكاة بني إسرائيل ط []
قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها وتنزل النار على ما تقبل ولا تنزل على ما لم يتقبل، ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:*«الزكاة التي أمروا بها طاعة الله والإخلاص».

الخطاب في قوله تعالى:*{ثمّ تولّيتم}*ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{ثمّ تولّيتم}*الآية، خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم أسند إليهم تولي أسلافهم، إذ هم كلهم بتلك السبيل، قال نحوه ابن عباس وغيره،*

معنى (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) ك
قال ابن كثير : وأخبر أنّهم تولّوا عن ذلك كلّه، أي: تركوه وراء ظهورهم، وأعرضوا عنه على عمدٍ بعد العلم به، إلّا القليل منهم،*

المراد بقوله تعالى {ثمّ تولّيتم إلّا قليلا منكم}* ج
قال الزجاج : وقوله عزّ وجلّ:*{ثمّ تولّيتم إلّا قليلا منكم}*يعني أوائلهم الذين أخذ عليهم الميثاق،


معنى قوله تعالى {وأنتم معرضون} ج

قال الزجاج :
وقوله*{وأنتم معرضون}*أي: وأنتم -أيضا- كأوائلكم في الإعراض عمّا عهد إليكم فيه،


إعراب (قليلا ) ج ط
قال الزجاج: ونصب*{إلّا قليلا}*على الاستثناء، والمعنى: استثني قليلا منكم
وذكره ابن عطية وقال :
قال سيبويه: المستثنى منصوب على التشبيه بالمفعول به،*
- قال المبرد: هو مفعول حقيقة لأن تقديره: استثنيت كذا،

المراد بالقليل ط
قال ابن عطية : والمراد بالقليل:
1- جميع مؤمنيهم قديما من أسلافهم وحديثا كابن سلام وغيره، والقلة على هذه هي في عدد الأشخاص،*
2- ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان أي: لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا إيمان قليل، إذ لا ينفعهم، والأول أقوى،

إعراب (ثم توليتم) ط
قال ابن عطية : و(ثمّ) مبنية على الفتح ولم تجر مجرى رد وشد لأنها لا تتصرف، وضمت التاء الأخيرة من (تولّيتم) لأن تاء المفرد أخذت الفتح وتاء المؤنث أخذت الكسر فلم يبق للتثنية والجمع إلا الضم

القراءات في (قليل) ط
1- (قليلا) منصوب على الإستثناء
2- قال ابن عطية :وقرأ قوم «إلا قليل» برفع القليل، ورويت عن أبي عمرو، وهذا على بدل قليل من الضمير في (تولّيتم)، وجاز ذلك مع أن الكلام لم يتقدم فيه نفي لأن (تولّيتم) معناه النفي كأنه قال: ثم لم تفوا بالميثاق إلا قليل)

مسألة السلام على أهل الكتاب ك
قال ابن كثير : ومن النّقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتمٍ في تفسيره: عن أسد بن وداعة: أنّه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديًّا ولا نصرانيًّا إلّا سلّم عليه، فقيل له: ما شأنك؟ تسلّم على اليهوديّ والنّصرانيّ. فقال:*«إنّ اللّه يقول:{وقولوا للنّاس حسنًا}وهو: السّلام».*قال: وروي عن عطاءٍ الخراساني، نحوه.
قلت:*وقد ثبت في السّنّة أنّهم لا يبدؤون بالسّلام،*

أمر هذه الأمة بما أمر به بنو إسرائيل وحال كل أمة ك
قال ابن كثير :
أخبر أنّهم تولّوا عن ذلك كلّه، أي: تركوه وراء ظهورهم، وأعرضوا عنه على عمدٍ بعد العلم به، إلّا القليل منهم
*وقد أمر تعالى هذه الأمّة بنظير ذلك في سورة النّساء، بقوله:*{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورًا}[النساء: 36]*، فقامت هذه الأمّة من ذلك بما لم تقم به أمّةٌ من الأمم قبلها، وللّه الحمد والمنّة.


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير: يقول -تبارك وتعالى- منكرًا على اليهود الّذين كانوا في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج، وذلك أنّ الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانوا في الجاهليّة عبّاد أصنامٍ، وكانت بينهم حروبٌ كثيرةٌ، وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل: بنو قينقاع. وبنو النّضير حلفاء الخزرج. وبنو قريظة حلفاء الأوس. فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كلّ فريقٍ مع حلفائه، فيقتل اليهوديّ أعداءه، وقد يقتل اليهوديّ الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرامٌ عليهم في دينه ونصّ كتابه، ويخرجونهم من بيوتهم وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، ثمّ إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب، عملًا بحكم التّوراة؛ ولهذا قال تعالى:*{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}، ولهذا قال تعالى:*{وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}*أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه، كما قال تعالى:*{فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم}[البقرة: 54].
وذلك أنّ أهل الملّة الواحدة بمنزلة النّفس الواحدة،

معنى (تسفكون) واشتقاقه ج ط
قال الزجاج : يقال: سفكت الدم أسفكه سفكا إذا صببته،
قال ابن عطية : والسفك: صب الدم وسرد الكلام

إعراب (لا تسفكون) ج ط
قال الزجاج : ورفع*{لا تسفكون}*على القسم، وعلى حذف "أن" كما وصفنا في قوله:*{لا تعبدون}
قال ابن عطية : وإعراب (لا تسفكون) كما تقدم في (لا تعبدون)،*

القراءات في (تسفكون) ط
قال ابن عطية :
1- تسفِكون
2- وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة «لا تسفكون» بضم الفاء،
3- وقرأ أبو نهيك «تسفّكون» بضم التاء وكسر الفاء وتضعيفها

اشتقاق (الدماء) ج ط
قال ابن عطية : وهو اسم منقوص
1- أصله دمي، وتثنيته دميان،
2- وقيل: أصله دمي بسكون الميم، وحركت في التثنية لتدل الحركة على التغيير الذي في الواحد.

معنى (لا تسفكون دمائكم) ط ك
1- قال ابن كثير وابن عطية :أي: لا يقتل بعضكم بعضًا،
2- قال ابن عطية : وقيل: لا تسفكون دماءكم أي: لا يقتل أحد فيقتل قصاصا، فكأنه سفك دم نفسه لما سبب ذلك ولا يفسد في الأرض فينفى فيكون قد أخرج نفسه من دياره، وهذا تأويل فيه تكلف، وإنما كان الأمر أن الله تعالى قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقا أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه ولا يدعه يسترق، إلى غير ذلك من الطاعات.

إعراب قوله عز وجل:*{ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}*ج
قال الزجاج : وقوله عز وجل:*{ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}*عطف على*{لا تسفكون دماءكم}.

معنى قوله تعالى ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) ط ك
قال ابن عطية وقوله تعالى:*{ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}*معناه: ولا ينفي بعضكم بعضا بالفتنة والبغي،
قال ابن كثير : ولا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه


فائدة كلمة ( أنفسكم) ط ك
قال ابن عطية : ولما كانت ملتهم واحدة وأمرهم واحدا وكانوا في الأمم كالشخص الواحد، جعل قتل بعضهم لبعض ونفي بعضهم بعضا قتلا لأنفسهم ونفيا لها، وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللف في القول،*
قال ابن كثير : وذلك أنّ أهل الملّة الواحدة بمنزلة النّفس الواحدة،

معنى قوله تعالى (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) ج ط ك
قال الزجاج : وقوله:*{ثم أقررتم}*أي: اعترفتم بأن هذا أخذ عليكم في العهد وأخذ على آبائكم، وأنتم أيها الباقون المخاطبون تشهدون أن هذا حق)
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{ثمّ أقررتم}*أي: خلفا بعد سلف أن هذا الميثاق أخذ عليكم والتزمتموه
قال ابن كثير : أي: ثمّ أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحّته وأنتم تشهدون به

المراد ب ( الإقرار ) ط
قال ابن عطية : فيتجه في هذه اللفظة أن تكون من الإقرار الذي هو ضد الجحد وتتعدى بالباء، وأن تكون من الإقرار الذي هو إبقاء الأمر على حاله، أي: أقررتم هذا الميثاق ملتزما.

المخاطب بقوله تعالى ( وأنتم تشهدون) ط
قال ابن عطية :
*1- قيل: الخطاب يراد به من سلف منهم، والمعنى: وأنتم شهود أي: حضور أخذ الميثاق والإقرار،*
2- وقيل: إن المراد من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: وأنتم شهداء أي: بينة أن هذا الميثاق أخذ على أسلافكم فمن بعدهم



تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}



معنى الآية ج ك
قال الزجاج : أعلم الله مناقضتهم في كتابه وأنه قد حرّم عليهم قتلهم وإخراجهم من ديارهم، وأنهم يفادونهم إذا أسروا ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم، فوبّخهم فقال:*{فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا}*يعني: ما نال بني قريظة وبني النضير، لأن بني النضير أجلوا إلى الشام،
و(بني) قريظة أبيدوا -حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذراري- فقال الله عزّ وجلّ:*{ذلك لهم خزي في الدّنيا}، ولغيرهم من سائر الكفار: الخزي في الدنيا: القتل وأخذ الجزية مع الذلة والصغار.
ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك غير مكفر عن ذنوبهم، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى عذاب عظيم، فقال:*{ذلك لهم خزي في الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافل عمّا تعملون}.

حال اليهود مع التوراة وما كتموه منها : ك
قال ابن كثير : والذي أرشدت إليه الآية الكريمة، وهذا السّياق، ذمّ اليهود في قيامهم بأمر التّوراة التي يعتقدون صحّتها، ومخالفة شرعها، مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصّحّة، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها، ولا يصدّقون فيما يكتمونه من صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته، ومبعثه ومخرجه، ومهاجره، وغير ذلك من شؤونه، التي قد أخبرت بها الأنبياء قبله. واليهود -عليهم لعائن اللّه- يتكاتمونه بينهم، ولهذا قال تعالى:*{فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدّنيا}*أي: بسبب مخالفتهم شرع اللّه وأمره*{ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب}*جزاءً على ما كتموه من كتاب اللّه الذي بأيديهم*{وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون})

سبب نزول هذه الآية ك
قال ابن كثير :
1 - ، عن ابن عبّاسٍ:*{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم}الآية، قال:«أنّبهم اللّه من فعلهم، وقد حرّم عليهم في التّوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم، فكانوا فريقين: طائفةٌ منهم بنو قينقاع وإنّهم حلفاء الخزرج، والنّضير وقريظة وإنّهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حربٌ خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النّضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كلّ واحدٍ من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتّى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التّوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شركٍ يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنّةً ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامةً، ولا كتابًا، ولا حلالًا ولا حرامًا، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم، تصديقًا لما في التّوراة، وأخذًا به؛ بعضهم من بعضٍ، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النّضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرةً لأهل الشّرك عليهم. يقول اللّه تعالى ذكره حيث أنّبهم بذلك:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ}أي: يفاديه بحكم التّوراة ويقتله، وفي حكم التّوراة ألّا يفعل، ولا يخرج من داره، ولا يظاهر عليه من يشرك باللّه، ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عرض الدّنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج -فيما بلغني- نزلت هذه القصّة».
- وقال أسباطٌ عن السّدّيّ:*«كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النّضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب سمير، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، ويغلبونهم، فيخرّبون ديارهم، ويخرجونهم منها، فإذا أسر رجلٌ من الفريقين كليهما، جمعوا له حتّى يفدوه. فتعيّرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنّا أمرنا أن نفديهم، وحرّم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنّا نستحيي أن تستذلّ حلفاؤنا. فذلك حين عيّرهم اللّه، فقال:{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم}».
2 - وقال شعبة، عن السّدّيّ:*«نزلت هذه الآية في قيس بن الخطيم:{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}».
3 - وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهليّ بلنجر فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد اللّه بن سلامٍ يهوديّةً بسبعمائةٍ، فلمّا مرّ برأس الجالوت نزل به، فقال له عبد اللّه:«يا رأس الجالوت، هل لك في عجوزٍ هاهنا من أهل دينك، تشتريها منّي؟»،*قال: نعم. قال:*«أخذتها بسبعمائة درهمٍ».*قال: فإنّي أربحك سبعمائةٍ أخرى. قال:*«فإنّي قد حلفت ألّا أنقصها من أربعة آلافٍ». قال: لا حاجة لي فيها، قال:«واللّه لتشترينّها منّي، أو لتكفرنّ بدينك الذي أنت عليه».*قال: ادن منّي، فدنا منه، فقرأ في أذنه التي في التّوراة:«إنّك لا تجد مملوكًا من بني إسرائيل إلّا اشتريته فأعتقته{وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم}»،*قال: أنت عبد اللّه بن سلامٍ؟ قال:*«نعم». قال: فجاء بأربعة آلافٍ، فأخذ عبد اللّه ألفين، وردّ عليه ألفين.
- وقال آدم بن أبي إياسٍ في تفسيره أنّ عبد اللّه بن سلامٍ مرّ على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النّساء من لم يقع عليها العرب، ولا يفادي من وقع عليها العرب، فقال عبد اللّه بن سلامٍ:*«أما إنّه مكتوبٌ عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلّهنّ».


الخطاب في هذة الآية ج ط
قال ابن عطية : هذه الآية خطاب لقريظة والنضير وبني قينقاع، وذلك أن النضير وقريظة حالفت الأوس، وبني قينقاع حالفت الخزرج، فكانوا إذا وقعت الحرب بين بني قيلة ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها فقتل بعضهم بعضا وأخرج بعضهم بعضا من ديارهم، وكانوا مع ذلك يفدي بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة وهم قد خالفوها بالقتال والإخراج،*


المراد ب هؤلاء *{ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} ودلالتها ج ط
قال ابن عطية :
1- قيل: تقدير الكلام: يا هؤلاء، فحذف حرف النداء، ولا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات، لا تقول: هذا أقبل،*
2- وقيل: تقديره: أعني هؤلاء،*
3- وقيل: (هؤلاء) بمعنى الذين، فالتقدير: ثم أنتم الذين تقتلون، فـ(تقتلون) صلة لـ(هؤلاء)،ذكره الزجاج
دلالتها : هؤلاء) دالة على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردا إلى الأسلاف،

إعراب (أنتم هؤلاء) ط
قال ابن عطية : (هؤلاء) رفع بالابتداء و(أنتم) خبر مقدم، و(تقتلون) حال بها تم المعنى، وهي كانت المقصود فهي غير مستغنى عنها، وإنما جاءت بعد أن تم الكلام في المسند والمسند إليه

القراءات في (تقتلون ) ط
قال ابن عطية :
1- تقتلون
2- وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «تقتّلون» بضم التاء الأولى وكسر الثانية وشدّها على المبالغة،

معنى (الديار) ط
قال ابن عطية : والديار مباني الإقامة، وقال الخليل: محلة القوم دارهم،

القراءات في (تظاهرون ) واشتقاقها ج ط
قال ابن عطية :
1- وقرأ حمزة وعاصم والكسائي: «تظاهرون» بتخفيف الظاء وهذا على حذف التاء الثانية من تتظاهرون،
2- وقرأ بقية السبعة «تظّاهرون» بشد الظاء على إدغام التاء في الظاء،
3- وقرأ أبو حيوة «تظهرون» بضم التاء وكسر الهاء،
4- وقرأ مجاهد وقتادة «تظّهرّون» بفتح التاء وشد الظاء والهاء مفتوحة دون ألف، ورويت هذه عن أبي عمرو،

معنى (تظاهرون) واشتقاقها ج ط
قال الزجاج : تفسير*{تظاهرون}: تتعاونون، يقال: قد ظاهر فلان فلانا إذا عاونه،
قال ابن عطية : ومعنى ذلك على كل قراءة: تتعاونون، وهو مأخوذ من الظهر، كأن المتظاهرين يسند كل واحد منهما ظهره إلى صاحبه،

معنى (الإثم) ط
قال ابن عطية : والإثم: العهد الراتبة على العبد من المعاصي، والمعنى: بمكتسبات الإثم

معنى (العدوان) واشتقاقه ج ط
قال الزجاج العدوان: الإفراط في الظلم؛ ويقال: عدا فلان في ظلمه عدوا وعدوا وعدوانا وعداء، هذا كله معناه: المجاوزة في الظلم. وقوله عزّ وجلّ:*{ولا تعدوا في السّبت}*إنما هو من هذا، أي: لا تظلموا فيه.
قال ابن عطية : والعدوان: تجاوز الحدود والظلم، وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج،

القراءات في (أسارى تفادوهم) ج ط
قال ابن عطية :
1- وقرأ حمزة «أسرى تفدوهم»،
2- وقرأ نافع وعاصم والكسائي*«أسارى تفادوهم»،
3- وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير «أسارى تفدوهم»،
4- وقرأ قوم «أسرى تفادوهم».*


معنى الأسير واشتقاقه ط
قال ابن عطية : وأسارى جمع أسير، والأسير مأخوذ من الأسر وهو الشد، سمي بذلك لأنه يؤسر أي: يشد وثاقا، ثم كثر استعماله حتى لزم وإن لم يكن ثم ربط ولا شد، وأسير فعيل بمعنى مفعول،

معنى (تفادوهم) ط
قال ابن عطية : (تفادوهم) معناه في اللغة:
1- تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئا، قاله أبو علي،
2- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفاديت نفسي إذا أطلقتها بعد أن دفعت شيئا، فعلى هذا قد تجيء بمعنى فديت أي: دفعت فيه من مال نفسي، ومنه قول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم:*«أعطني فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلا»،*وهما فعلان يتعديان إلى مفعولين الثاني منهما بحرف جر، تقول: فديت زيدا بمال وفاديته بمال،*
3- وقال قوم: هي في قراءة (تفادوهم) مفاعلة في أسرى بأسرى، قال أبو علي: كل واحد من الفريقين فعل، الأسر دفع الأسير، والمأسور منه دفع أيضا إما أسيرا وإما غيره، والمفعول الثاني محذوف.


الضمير (هو) قوله عزّ وجلّ:*{وهو محرم عليكم إخراجهم} ج ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{وهو محرّمٌ}؛
1- قيل: في (هو) إنه ضمير الأمر، تقديره: والأمر محرم عليكم، وإخراجهم في هذا القول بدل من (هو)،*
2- وقيل: (هو) فاصلة، وهذا مذهب الكوفيين، وليست هنا بالتي هي عماد، و(محرّمٌ) على هذا ابتداء، و(إخراجهم) خبره،*
3- وقيل: (هو) الضمير المقدر في (محرّمٌ) قدم وأظهر،*
4- وقيل: (هو) ضمير الإخراج تقديره: وإخراجهم محرم عليكم.

معنى قوله تعالى( أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض) ط
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{أفتؤمنون ببعض الكتاب}*يعني التوراة، والذي آمنوا به فداء الأسارى، والذي كفروا به قتل بعضهم بعضا وإخراجهم من ديارهم، وهذا توبيخ لهم، وبيان لقبح فعلهم.

المراد بالكتاب ط
قال ابن عطية : التوراة

معنى الخزي ط
قال ابن عطية : والخزي: الفضيحة والعقوبة،

المراد بالخزي في الدنيا ج ط
قال الزجاج : الخزي في الدنيا: القتل وأخذ الجزية مع الذلة والصغار.
قال ابن عطية : واختلف ما المراد بالخزي هاهنا؟
- فقيل: القصاص فيمن قتل،
- وقيل: ضرب الجزية عليهم غابر الدهر،
- وقيل: قتل قريظة، وإجلاء النضير،
- وقيل: الخزي الذي توعد به الأمة وهو غلبة العدو.



العلاقة بين الخزي وسببها ج ط
قال الزجاج : {خزي}*يقال في الشر والسوء: خزي الرجل خزيا، ويقال في الحياء: خزي يخزي خزاية.
قال ابن عطية : يقال: خزي الرجل يخزى خزيا إذا ذل من الفضيحة، وخزي يخزى خزاية إذا ذل واستحيا.*

اشتقاق الدنيا ط
قال ابن عطية : والدنيا مأخوذة من دنا يدنو، وأصل الياء فيها واو ولكن أبدلت فرقا بين الأسماء والصفات.*

معنى قوله تعالى(ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافل عمّا تعملون}. ج
قال الزجاج: ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك غير مكفر عن ذنوبهم، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى عذاب عظيم،

المراد ب أشد العذاب ط
قال ابن عطية : الخلود في جهنم،

الاستدلال على تنوع العذاب ج
قال الزجاج : ومعنى*{يردون إلى أشد العذاب}، و{عذاب عظيم}، و{عذاب أليم}*أن العذاب على ضربين، على قدر المعاصي.

القراءات بقوله تعالى (وما الله بغافل عما يعملون) ومعناها ط
قال ابن عطية :
1- قرأ نافع وابن كثير «يعملون» بياء على ذكر الغائب فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والآية واعظة لهم بالمعنى إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص،*
2- وقرأ الباقون بتاء على الخطاب المحتمل أن يكون في سرد الآية وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«إن بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد»، يريد: وبما يجري مجراه


تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}

معنى({أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة} ك ط
قال ابن كثير : أي: استحبّوها على الآخرة واختاروها
قال ابن عطية : جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا.

معنى {فلا يخفّف عنهم العذاب}*ك
قال ابن كثير: أي: لا يفتّر عنهم ساعةً واحدةً*

معنى {ولا هم ينصرون}*ك
قال ابن كثير: أي: وليس لهم ناصرٌ ينقذهم ممّا هم فيه من العذاب الدّائم السّرمديّ، ولا يجيرهم منه)

فائدة {فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} ط
قال ابن عطية : ولا يخفف عنهم العذاب في الآخرة، ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة)

مسألة في فقه البيوع ط
قال ابن عطية: وهذه النزعة صرفها مالك رحمه الله في فقه البيوع، إذ لا يجوز الشراء على أن يختار المشتري في كل ما تختلف صفة آحاده، ولا يجوز فيه التفاضل كالحجل المذبوحة وغيرها،

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 23 ذو الحجة 1435هـ/17-10-2014م, 05:26 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (87) إلى الآية (88) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (87) إلى الآية (88) ]

تفسير قوله تعالى:*{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}




تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير : ينعت -تبارك وتعالى- بني إسرائيل بالعتوّ والعناد والمخالفة، والاستكبار على الأنبياء، وأنّهم إنّما يتّبعون أهواءهم، فذكر تعالى أنّه آتى موسى الكتاب -وهو التّوراة- فحرّفوها وبدّلوها، وخالفوا أوامرها وأوّلوها. وأرسل الرّسل والنّبيّين من بعده الّذين يحكمون بشريعته،
حتّى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فجاء بمخالفة التّوراة في بعض الأحكام، ولهذا أعطاه اللّه من البيّنات، وهي: المعجزات. قال ابن عبّاسٍ:«من إحياء الموتى، وخلقه من الطّين كهيئة الطّير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن اللّه، وإبرائه الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس -وهو جبريل عليه السّلام - ما يدلّهم على صدقه فيما جاءهم به. فاشتدّ تكذيب بني إسرائيل له وحسدهم وعنادهم لمخالفة التّوراة في البعض، كما قال تعالى إخبارًا عن عيسى:{ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ من ربّكم}*الآية[آل عمران: 50].*فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السّلام أسوأ المعاملة، ففريقًا يكذّبونه. وفريقًا يقتلونه، وما ذاك إلّا لأنّهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التّوراة التي قد تصرّفوا في مخالفتها، فلهذا كان يشقّ ذلك عليهم، فيكذّبونهم، وربّما قتلوا بعضهم؛ ولهذا قال تعالى:{أفكلّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون}».


المراد بالكتاب ج ط
يعني: التوراة.

معنى قفينا ك
قال ابن كثير: - قال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ:*«أتبعنا».*وقال غيره:*«أردفنا».*والكلّ قريبٌ،

معنى قوله تعالى *{وقفّينا من بعده بالرّسل}* ج ط
قال الزجاج : أي: أرسلنا رسولا يقفو رسولا في دعائه إلى توحيد اللّه والقيام بشرائع دينه، يقال من ذلك: "فلان يقفو فلانا" إذا أتبعه.
قال ابن عطية : وكل رسول جاء بعد موسى عليه السلام فإنما جاء بإثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام،


اشتقاق قفينا ط
قال ابن عطية : و(قفّينا) مأخوذ من القفا، تقول: قفيت فلانا بفلان، إذا جئت به من قبل قفاه، ومنه: قفا يقفو إذا اتبع

معنى{آتينا}: ج
أعطينا

ومعنى{البيّنات}: ج ط
قال ابن عطية : والبيّنات:
1- الحجج التي أعطاها الله عيسى،*
2- وقيل: هي آياته من إحياء وإبراء وخلق طير،*
3 - وقيل: هي الإنجيل،*
والآية تعم جميع ذلك،*

معني "أيّدنا" في اللغة ج ط
قال ابن عطية : و(أيّدناه) معناه: قويناه، والأيد: القوة
قال الزجاج : قوينا وشددنا،

القراءات في أيدناه ط
قال ابن عطية:
1- (أيّدناه)
2- وقرأ ابن محيصن والأعرج وحميد «آيدناه».

القراءات في (روح القدس ) ط
قال ابن عطية :
1- قرأ ابن كثير ومجاهد «روح القدس» بسكون الدال
2- وقرأ الجمهور بضم القاف والدال، وفيه لغة فتحهما
3- وقرأ أبو حيوة «بروح القدس» بواو

معنى قوله عزّ وجلّ*{بروح القدس} ج ط ك
قال ابن عطية :
1 - وقال ابن عباس رضي الله عنه:*«روح القدس هو الاسم الذي به كان يحيي الموتى»،*
2- وقال ابن زيد:*«هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا»،*
3 - وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة:*«روح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم»، وهذا أصح الأقوال. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت:*«اهج قريشا وروح القدس معك»،*ومرة قال له:*«وجبريل معك»،*
4 - وقال الربيع ومجاهد:*«القدس: اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس»، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى،
ذكرها ابن كثير وأضاف
5 - وقال ابن أبي نجيح:«الرّوح هو حفظةٌ على الملائكة».
ثمّ قال ابن جريرٍ: وأولى التّأويلات في ذلك بالصّواب قول من قال: الرّوح في هذا الموضع جبريل، لأنّ اللّه -عزّ وجلّ- أخبر أنّه أيّد عيسى به، كما أخبر في قوله:*{إذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلا وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}*الآية*[المائدة: 110]. فذكر أنّه أيّده به، فلو كان الرّوح الذي أيّده به هو الإنجيل، لكان قوله:*{إذ أيّدتك بروح القدس}، {وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}*تكرير قولٍ لا معنى له، واللّه أعزّ أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به.
6 - وقال الزّمخشريّ:*{بروح القدس}*بالرّوح المقدّسة،
7- وتضمّن كلامه (الزمخشري) قولًا آخر وهو: أنّ المراد روح عيسى نفسه المقدّسة المطهّرة.
قال ابن كثير : *ومن الدّليل على أنّه جبريل ما تقدّم في أوّل السّياق؛ وللّه الحمد.

معنى (القدس) ج ط ك
قال ابن عطية :
1- «القدس: اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس»، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى
2- وقيل الطهارة،
3- وقيل البركة
قال ابن كثير : وحكى القرطبيّ عن مجاهدٍ والحسن البصريّ أنّهما قالا:*«القدس: هو اللّه تعالى، وروحه: جبريل»،

معنى{استكبرتم} واشتقاقها ج ط
قال الزجاج : أنفتم وتعظمتم من أن تكونوا أتباعا، لأنهم كانت لهم رياسة، وكانوا متبوعين فآثروا الدنيا على الآخرة)
قال ابن عطية : (استكبرتم) من الكبر

المراد بقوله عزّ وجلّ: {أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} ط
قال ابن عطية : وظاهر الكلام الاستفهام، ومعناه: التوبيخ والتقرير، ويتضمن أيضا الخبر عنهم، والمراد بهذه الآية: بنو إسرائيل.

المراد ب تهوى ط
قال ابن عطية : والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق، وهذه الآية من ذلك، لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات،*
وقد يستعمل في الحق، ومنه قول عمر رضي الله عنه في قصة أسرى بدر:*«فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت»،*

سبب ذكر( تقتلون) بصيغة المضارع ك
قال ابن كثير : وقال الزّمخشريّ في قوله:*{ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون}*إنّما لم يقل: وفريقًا قتلتم؛ لأنّه أراد بذلك وصفهم في المستقبل -أيضًا-لأنّهم حاولوا قتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالسّمّ والسّحر، وقد قال -عليه السّلام- في مرض موته:*«ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري»، وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره)


تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}

القراءات في غلف ج
قال الزجاج : تقرأ على وجهين (غُلْف) و(غُلُف)، وأجود القراءتين (غُلْف) بإسكان اللام، لأن له شاهدا من القرآن،

معنى غلف ج ك
قال الزجاج :
1- ومعنى (غُلْف): ذوات غلف، الواحد منها أَغْلَف وغُلْف قالوا: قلوبنا في أوعية، والدليل على ذلك قوله:*{وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}.
وذكر ابن كثير : معاني متقاربه : في أكنّةٍ- لا تفقه -هي القلوب المطبوع عليها - عليها غشاوةٌ -عليها طابعٌ - عليها غلافٌ، وهو الغطاء -
وقال ابن كثير وهذا هو الذي رجّحه ابن جريرٍ، واستشهد ممّا روي من حديث عمرو بن مرّة الجمليّ، عن أبي البختريّ، عن حذيفة، قال:«القلوب أربعةٌ».*فذكر منها:*«وقلبٌ أغلف مغضوب عليه، وذاك قلب الكافر»
2- ومن قرأ (غُلُف) فهو جمع غلاف وغُلُف، فيكون معنى هذا: إن قلوبنا أوعية للعلم،قال ابن كثير :
- قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ فقال:*«قالوا: قلوبنا مملوءةٌ علمًا لا تحتاج إلى علم محمّدٍ، ولا غيره».
- وقال عطيّة العوفيّ:أي: أوعيةٌ للعلم».
وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيما حكاه ابن جريرٍ: "وقالوا قلوبنا غلف" بضمّ اللّام، أي: جمع غلافٍ، أي: أوعيةٌ، بمعنى أنّهم ادّعوا أنّ قلوبهم مملوءةٌ بعلمٍ لا يحتاجون معه إلى علمٍ آخر. كما كانوا يمنّون بعلم التّوراة.


معنى{لعنهم} في اللغة ج
قال الزجاج : أبعدهم،واللعن الإبعاد،

معنى قاله تعالى :*{بل لعنهم اللّه بكفرهم} ج ك
قال الزجاج : فالتأويل -واللّه أعلم-: بل طبع اللّه على قلوبهم، كما قال:*{ختم اللّه على قلوبهم}،*ثم أخبر عزّ وجلّ أن ذلك مجازاة منه لهم على كفرهم، فقال:*{بل لعنهم اللّه بكفرهم}،
قال ابن كثير : أي: ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونةٌ مطبوعٌ عليها، كما قال في سورة النّساء:*{وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم*


معنى قوله:{فقليلا مّا يؤمنون} ك
قال ابن كثير: وقد اختلفوا في معنى قوله:{فقليلا مّا يؤمنون
1- فقال بعضهم:*فقليلٌ من يؤمن منهم [واختاره فخر الدّين الرّازيّ وحكاه عن قتادة والأصمّ وأبي مسلمٍ الأصبهاني].*
2- وقيل:*فقليلٌ إيمانهم. بمعنى أنّهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثّواب والعقاب، ولكنّه إيمانٌ لا ينفعهم، لأنّه مغمورٌ بما كفروا به من الذي جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
3- وقال بعضهم:*إنّهم كانوا غير مؤمنين بشيءٍ، وإنّما قال:*{فقليلا ما يؤمنون}*وهم بالجميع كافرون، حكاه ابن جريرٍ، واللّه أعلم

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 24 ذو الحجة 1435هـ/18-10-2014م, 08:55 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (89) إلى الآية (91) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (89) إلى الآية (91) ]
تفسير قوله تعالى:*{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}


تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}


مرجع الضمير في جاءهم في قوله تعالى:*{ولمّا جاءهم}*ك
قال ابن كثير: يعني اليهود

المراد ب (الكتاب) ج ط ك
ومعنى*{كتاب اللّه}*ههنا: القرآن،


اشتقاق الكتاب ج
قال الزجاج : واشتقاقه من "الكتب" وهي جمع "كتبة" وهي: الخرزة، وكل ما ضممت بعضه إلى بعض على جهة التقارب والاجتماع فقد كتبته، و"الكتيبة": الفرقة التي تحارب، من هذا اشتقاقها لأن بعضها منضم إلى بعض، وسمى كلام الله -عزّ وجلّ- الذي أنزل على نبيه "كتابا" و"قرآنا" و"فرقانا"

الفرق بين الكتاب والقرآن ج
قال الزجاج : فقد فسرنا معنى "كتاب". ومعنى "قرآن" معنى الجمع، يقال: ما قرأت هذه الناقة سلّى قط، أي: لم يضطمّ رحمها على ولد قط،
وقال قطرب في "قرآن" قولين:*
أحدهما*هذا، وهو المعروف الذي عليه أكثر الناس،*
والقول الآخر*ليس بخارج من الصّحّة، وهو حسن، قال: "لم تقرأ جنينا": لم تلقه مجموعا.
وقال: يجوز أن يكون معنى قرأت: لفظت به مجموعا، كما أن لفظت من اللفظ، اشتقاقه من لفظت كذا وكذا، إذا ألقيته، فكأن قرأت القرآن لفظت به مجموعا

معنى (مصدق لما معهم) ج ط ك
قال الزجاج : أي: يصدق بالتوراة والإنجيل ويخبرهم بما في كتبهم مما لا يعلم إلا بوحي أو قراءة كتب، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميا لا يكتب.
قال ابن عطية وابن كثير: و(مصدّقٌ لما معهم) يعني التوراة

إعراب قبل ج
قال الزجاج : ضم*{قبل}*لأنها غاية، كان يدخلها بحق الإعراب الكسر والفتح، فلما عدلت عن بابها بنيت على الضم، فبنيت على ما لم يكن يدخلها بحق الإعراب، وإنما عدلت عن بابها لأن أصلها الإضافة فجعلت مفردة تنبئ عن الإضافة،
معنى قوله تعالى(وكانوا من قبل ) ج
قال الزجاج : المعنى: وكانوا من قبل هذا.
معنى يستفتحون ط
قال ابن عطية: (يستفتحون) معناه: يستنصرون

معنى:*{يستفتحون على الّذين كفروا} ج ط ك
قال الزجاج : فيه قولان:
قال بعضهم:*كانوا يخبرون بصحة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل:*"وكانوا يستفتحون على الذين كفروا": يستنصرون بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-،
قال ابن عطية: و(يستفتحون) معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته، وظنوا أنه منهم، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم: لو قد خرج النبي الذي قد أظل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به،
وفي الحديث:*«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين»، وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب، وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به، فإنهم كانوا علموا صقع المبعث، وما عرفوا أنه محمد عليه السلام وشرعه، ويظهر من هذه الآيات العناد منهم، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة
قال ابن كثير : أي: وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرّسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنّه سيبعث نبيٌّ في آخر الزّمان نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم

سبب نزول الآية ك
قال ابن كثير :
عن ابن عبّاسٍ:*«أنّ يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل مبعثه. فلمّا بعثه اللّه من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبلٍ، وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتّقوا اللّه وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن أهل شركٍ، وتخبروننا بأنّه مبعوثٌ، وتصفونه لنا بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النّضير: ما جاءنا بشيءٍ نعرفه، وما هو بالذي كنّا نذكر لكم فأنزل اللّه في ذلك من قولهم:*{ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}».



معنى قوله تعالى "فلما جاءهم ما عرفوا" ج ك
قال الزجاج أي: ما كانوا يستنصرون وبصحته يخبرون، "كفروا" وهم يوقنون أنهم معتمدون للشقاق عداوة للّه.
قال ابن كثير: قال اللّه تعالى:{فلمّا جاءهم ما عرفوا}أي: من الحقّ وصفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم{كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}»

جواب الشرط ج ط
قال الزجاج: جواب*{ولمّا جاءهم كتاب}*محذوف؛ لأن معناه معروف دلّ عليه*{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به})
قال ابن عطية: واختلفت النحاة في جواب (لمّا) و(لمّا) الثانية في هذه الآية؛
1- فقال أبو العباس المبرد:*جوابهما في قوله:*{كفروا}، وأعيدت (لما) الثانية لطول الكلام، ويفيد ذلك تقريرا للذنب، وتأكيدا له،*
2- وقال الزجاج:*(لمّا) الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأنه محذوف،*
3- وقال الفراء:*جواب (لمّا) الأولى في الفاء وما بعدها، وجواب (لما) الثانية: (كفروا)*
معنى «لعنة الله» ط
قال ابن عطية: معناه: إبعاده لهم وخزيهم لذلك

تفسير قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}


اشتقاق بئس ومعناها ط
قال ابن عطية : «وبيس» أصله «بئس» سهلت الهمزة ونقلت إلى الباء حركتها، ويقال في «بئس»: «بيس» إتباعا للكسرة، وهي مستوفية للذم كما (نعم) مستوفية للمدح

معنى {بئسما اشتروا به أنفسهم} ج ط
قال الزجاج: بئس شيئا اشتروا به أنفسهم.
قال ابن عطية:
1- - قال مجاهدٌ:*«{بئسما اشتروا به أنفسهم}يهود شروا الحقّ بالباطل، وكتمان ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يبيّنوه».
2- - وقال السّدّيّ:*«{بئسما اشتروا به أنفسهم}يقول: باعوا به أنفسهم»،*يعني: بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته].

معنى (اشتروا) ط
قال ابن عطية: (اشتروا) بمعنى باعوا، يقال: شرى واشترى بمعنى باع، وبمعنى ابتاع،*

المراد بقوله تعالى (بما أنزل اللّه) ط
قال ابن عطية :
1- يعني به القرآن،
2 - ويحتمل أن يراد به التوراة لأنهم إذ كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام فقد كفروا بالتوراة،
3 - ويحتمل أن يراد به الجميع من توراة وإنجيل وقرآن، لأن الكفر بالبعض يلزم الكفر بالكل

إعراب (بغياً) ط
قال ابن عطية : مفعول من أجله، وقيل: نصب على المصدر

إعراب و(أن ينزّل) ط
قال ابن عطية: نصب على المفعول من أجله أو في موضع خفض بتقدير: بأن ينزل.

إعراب قوله تعالى {بئسما اشتروا به أنفسهم} ومعناه ط ج
قال ابن عطية: واختلف النحويون في (بئسما) في هذا الموضع؛
1 - فمذهب سيبوية*أن «ما» فاعلة بـ(بئس)، ودخلت عليها (بيس) كما تدخل على أسماء الأجناس والنكرات لما أشبهتها «ما» في الإبهام، فالتقدير على هذا القول: بيس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا، كقولك: بيس الرجل زيد، و«ما» في هذا القول موصولة،*
2 - وقال الأخفش:*«ما» في موضع نصب على التمييز، كقولك: «بيس رجلا زيد»، فالتقدير: «بيس شيئا أن يكفروا»، و(اشتروا به أنفسهم) في هذا القول صفة «ما»،*
3 - وقال الفراء:*«بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا»، وفي هذا القول اعتراض لأنه فعل يبقى بلا فاعل، و«ما» إنما تكف أبدا حروفا،*
4 - وقال الكسائي:*«ما» و(اشتروا) بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه، فالتقدير: بيس اشتراؤهم أنفسهم أن يكفروا، وهذا أيضا معترض لأن «بيس» لا تدخل على اسم معين متعرف بالإضافة إلى الضمير،*
5- وقال الكسائي أيضا:*إن «ما» في موضع نصب على التفسير وثم «ما» أخرى مضمرة، فالتقدير: بيس شيئا ما اشتروا به أنفسهم، و(أن يكفروا) في هذا القول بدل من «ما» المضمرة،*
-*ويصح في بعض الأقوال المتقدمة أن يكون (أن يكفروا) في موضع خفض بدلا من الضمير في (به)، وأما في القولين الأولين فـ(أن يكفروا) ابتداء وخبره فيما قبله،*
قال الزجاج: وقوله عزّ وجلّ:*{أن يكفروا بما أنزل اللّه}*موضعه رفع: المعنى ذلك الشيء المذموم أن يكفروا بما أنزل اللّه.

معنى قوله عزّ وجلّ:*{أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده}ج ك
قال الزجاج : معناه: أنهم كفروا بغيا وعداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنهم لم يشكّوا في نبوته -صلى الله عليه وسلم- وإنما حسدوه على ما أعطاه الله من الفضل،*
المعنى: كفروا بغيا لأن نزّل اللّه الفضل على النبي -صلى الله عليه وسلم-،*
قال ابن كثير : وإنّما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية*{أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده}*ولا حسد أعظم من هذا.


المراد بقوله تعالى و(من فضله) ط
قال ابن عطية : يعني من النبوة والرسالة.*

المراد بقوله تعالى (من يشاء) ط
قال ابن عطية: يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب. ويدخل في المعنى عيسى عليه السلام لأنهم قد كفروا به بغيا، والله قد تفضل عليه،*

معنى*{باءوا}*في اللغة: ج ط ك
قال الزجاج : احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب، أي: تحملته.
قال ابن كثير : معنى*{باءوا}*استوجبوا، واستحقّوا، واستقرّوا بغضبٍ على غضبٍ.*


ومعنى*{بغضب على غضب} ج ط ك
قال ابن عطية : و(بغضبٍ) معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم،
- قيل: لعبادتهم العجل،
- وقيل: لقولهم عزير ابن الله،
- وقيل: لكفرهم بعيسى عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمعنى: على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها.
- وقال قوم: المراد بقوله:*{بغضبٍ على غضبٍ}*التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين

فائدة وصف العذاب ب (مهين) ط
قال ابن عطية : و(مهينٌ) مأخوذ من الهوان، وهو ما اقتضى الخلود في النار، لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد، لا هوان فيه بل هو تطهير له

مناسبة خاتمة الآية ك
قال ابن كثير: وقوله:*{وللكافرين عذابٌ مهينٌ}*لمّا كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التّكبّر، قوبلوا بالإهانة والصّغار في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى:*{إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}[غافر: 60]، [أي: صاغرين حقيرين ذليلين راغمين].



تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

المقصودين في قوله تعالى (وإذا قيل لهم} ط ك
قال ابن كثير : أي : لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب
قال ابن عطية : اليهود

المراد ب ( بمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) ج ك
قال الزجاج : أي: بالقرآن الذي أنزل اللّه على النبي -صلى الله عليه وسلم-

معنى قوله تعالى {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} ك
قال ابن كثير: أي: يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التّوراة والإنجيل ولا نقرّ إلّا بذلك

معنى قوله تعالى:*{ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ}* ج ط ك
قال الزجاج : معناه: ويكفرون بما بعده، أي: بما بعد الذي أنزل عليهم
قال ابن عطية: وما وراءه.
- قال قتادة:«أي: ما بعده»،
- وقال الفراء: أي: ما سواه ويعني به القرآن، وإذا تكلم رجل أو فعل فعلا فأجاد يقال له: ما وراء ما أتيت به شيء، أي: ليس يأتي بعده.


معنى قوله تعالى (وهو الحقّ مصدّقا لما معهم} ج ك ط
قال ابن كثير: أي: وهم يعلمون أنّ ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الحقّ
قال الزجاج : فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم إذ كفروا بما يصدّق ما معهم،
إعراب مصدقا ومعناها ج ط ك
قال ابن عطية : ووصف الله تعالى القرآن بأنه الحق، و(مصدّقاً) حال مؤكدة عند سيبويه، ولم يبق لها هي إلا معنى التأكيد،*
قال ابن كثير : مصدّقًا}*منصوبٌ على الحال، أي: في حال تصديقه لما معهم من التّوراة والإنجيل، فالحجّة قائمةٌ عليهم بذلك، كما قال تعالى:*{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}

المراد ب (لما معهم) ط
قال ابن عطية : يريد به التوراة.


فائدة الاستفهام في قوله تعالى (فلم تقتلون أنبياء الله) ط ج ك
قال ابن عطية : ذلك رد من الله تعالى عليهم في أنهم آمنوا بما أنزل عليهم، وتكذيب منه لهم في ذلك، واحتجاج عليهم
قال ابن كثير : وذلك من اللّه تكذيبٌ لهم في قولهم:*{نؤمن بما أنزل علينا}*وتعييرٌ لهم


سبب مخاطبتهم بالقتل ، والأتيان بالفعل المضارع ط ج
قال ابن عطية : وخاطب الله من حضر محمدا صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل بأنهم قتلوا الأنبياء لما كان ذلك من فعل أسلافهم.*
وجاء (تقتلون) بلفظ الاستقبال وهو بمعنى المضي لما ارتفع الإشكال بقوله (من قبل)، وإذا لم يشكل فجائز سوق الماضي بمعنى المستقبل، وسوق المستقبل بمعنى الماضي.
وفائدة سوق الماضي في موضع المستقبل، الإشارة إلى أنه في الثبوت كالماضي الذي قد وقع.
ألا ترى أن حاضري محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء،*

قال الزجاج : قال أهل اللغة في هذا قولين:
أحدهما:*إن الخطاب لمن شوهد من أهل مكة ومن غاب خطاب واحد، فإذا قتل أسلافهم الأنبياء وهم مقيمون على ذلك المذهب فقد شركوهم في قتلهم.
وقيل أيضا:*لم رضيتم بذلك الفعل، وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول.
وإنما جاز أن يذكر هنا لفظ الاستقبال والمعنى المضي لقوله*{من قبل}*ودليل ذلك قوله*{قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم}*فقوله*{فلم تقتلون}بمنزلة (فلم قتلتم).



فائدة سوق الماضي في موضع المستقبل والعكس ط
قال ابن عطية : وفائدة سوق الماضي في موضع المستقبل، الإشارة إلى أنه في الثبوت كالماضي الذي قد وقع.
وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر


معنى قوله تعالى : {إن كنتم مؤمنين}
قال الزجاج : فيه قولان:
أحدهما:*ما كنتم مؤمنين
وقيل:*إنّ إيمانكم ليس بإيمان

إعراب قوله تعالى و(إن كنتم) ط
قال ابن عطية :
1- شرط والجواب متقدم،
2- وقالت فرقة: (إن) نافية بمعنى (ما)
المراد بالإيمان ج
قال الزجاج : "الإيمان" ههنا واقع على أصل العقد والدين، فقيل لهم: ليس إيمان إيمانا إذا كان يدعو إلى قتل الأنبياء

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 24 ذو الحجة 1435هـ/18-10-2014م, 09:05 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (92) إلى الآية (96) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (92) إلى الآية (96) ]

تفسير قوله تعالى:*{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}




تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}



معنى قوله تعالى {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات} ك
قال ابن كثير : أي: بالآيات الواضحات والدّلائل القاطعة على أنّه رسول اللّه، وأنّه لا إله إلّا اللّه

المراد ب (البينات) ط ك
قال ابن كثير: البيّنات هي: الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، والعصا، واليد، وفلق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمنّ والسّلوى، والحجر، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها

دلالة ثم في قوله تعالى {ثمّ اتّخذتم} ط
قال ابن عطية : تدل (ثم) على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في دينهم،

معنى قوله تعالى {ثمّ اتّخذتم العجل} ك
قال ابن كثير : أي: معبودًا من دون اللّه في زمان موسى وآياته.*

مرجع الضمير في قوله تعالى {من بعده} ومعناه ط ك
قال ابن عطية :
1- عائد على موسى عليه السلام، أي: من بعده حين غاب عنكم في المناجاة
2- ويحتمل أن يعود الضمير في*{بعده}*على المجيء
قال ابن كثير : وقوله:*{من بعده}*أي: من بعد ما ذهب عنكم إلى الطّور لمناجاة اللّه كما قال تعالى:*{واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدًا له خوارٌ}

معنى قوله تعالى {وأنتم ظالمون} ك
قال ابن كثير : [أي: وأنتم ظالمون] في هذا الصّنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنّه لا إله إلّا اللّ

مناسبة الآية ط
قال ابن عطية: وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير : يعدّد -تبارك وتعالى- عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوّهم وإعراضهم عنه، حتّى رفع الطّور عليهم حتّى قبلوه ثمّ خالفوه؛ ولهذا قال:*{قالوا سمعنا وعصينا}*وقد تقدّم تفسير ذلك.


المراد بقوله تعالى:*{خذوا ما آتيناكم } ط
قال ابن عطية : يعني التوراة والشرع

ومعنى {بقوّةٍ} ط
قال ابن عطية : أي: بعزم ونشاط وجد.

المراد ب {واسمعوا} ط
قال ابن عطية :
1- معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط.
2- وقالت طائفة من المفسرين: إنهم قالوا سمعنا وعصينا. ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية.*
3- وقالت طائفة: ذلك مجاز ولم ينطقوا بـ(سمعنا وعصينا)، ولكن فعلهم اقتضاه،

معنى قوله عزّ وجلّ:*{وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} ج ط ك
قال ابن عطية :
1- التقدير: حب العجل، والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم،*
2- وقال قوم: إن معنى قوله:*{وأشربوا في قلوبهم العجل}:*شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يرده قوله تعالى:*{في قلوبهم}،*
وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن،*

وذكرها ابن كثير والزجاج ذكر القول الأول


الباء في قوله عزّ وجلّ*{بكفرهم} ج ط
قال الزجاج: أي: فعل الله ذلك بهم مجازاة لهم على الكفر
قال ابن عطية : يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع

معنى قوله تعالى {بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} ج ط ك
قال ابن عطية : قوله تعالى:*{قل بئسما}*الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم:*{نؤمن بما أنزل علينا}


إعراب ما في (بئسما) ط
قال ابن عطية :
1- «ما» في موضع رفع، والتقدير: بئس الشيء قتل واتخاذ عجل وقول سمعنا وعصينا،*
2 - ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب

إعراب ومعنى قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) ط
قال ابن عطية :
1- شرط. وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام:{إن كنت قلته فقد علمته}[المائدة: 116]، وقد علم عيسى عليه السلام أنه لم يقله، وكذلك:{إن كنتم مؤمنين}، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين، لكنه إقامة حجة بقياس بيّن،
2 - وقال قوم: (إن) هنا نافية بمنزلة «ما» كالتي تقدمت

مناسبة الآية ط
قال ابن عطية : وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم:*{نؤمن بما أنزل علينا}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}


معنى الآية ط
قال ابن عطية : *تعالى:*{قل إن كانت لكم الدّار الآخرة}*الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنّوا الموت،
قال ابن كثير : إن كنتم تعتقدون أنّكم أولياء اللّه من دون النّاس، وأنّكم أبناء اللّه وأحبّاؤه، وأنّكم من أهل الجنّة ومن عداكم [من] أهل النّار، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أنّ المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة. فلمّا تيقّنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحقّ من صفة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحقّقونه. فعلم كلّ أحدٍ باطلهم، وخزيهم، وضلالهم وعنادهم -عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة.

مناسبة الآية ج
قال الزجاج : وقوله عزّ وجلّ:*{قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصة من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين}*قيل لهم هذا لأنهم قالوا:*{لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى}, وقالوا:*{نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}, فقيل لهم: إن كنتم عند أنفسكم صادقين فيما تدّعون, فتمنوا الموت، فإن من كان لا يشك في أنه صائر إلى الجنة، فالجنة عنده آثر من الدنيا، فإن كنتم صادقين, فتمنوا الأثرة والفضل

الاستدلال بالآية على صحة الرسالة والإسلام ج ط
قال الزجاج : وللنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في هذه الآية أعظم حجة, وأظهر آية, وأدلة على الإسلام، وعلى صحة تثبيت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال لهم: تمنّوا الموت وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبداً, فلم يتمنّه منهم واحد؛ لأنهم لو تمنوه لماتوا من ساعتهم، فالدليل على علمهم بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ أنهم كفوا عن التمني, ولم يقدم واحد منهم عليه, فيكون إقدامه دفعاً لقوله:*{ولن يتمنوه أبداً}, أو يعيش بعد التمني, فيكون قد ردّ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, فالحمد للّه الذي أوضح الحق وبيّنه، وقمع الباطل وأزهقه)
قال ابن عطية : وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، وشبه ذلك من القول، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلم اليهود صدقه، فأحجموا عن تمنيه، فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكذبهم في قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وحرصا منهم على الحياة.
- وقيل: إن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم.


معنى و(من دون النّاس) ط
قال ابن عطية :
1- يحتمل*أن يراد بـ(النّاس): محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه
2- ويحتمل*أن يراد العموم التام وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم

المراد بقوله: «تمنوا» ط ك
قال ابن عطية :
1- أريدوه بقلوبكم واسألوه، هذا قول جماعة من المفسرين،*
2 - وقال ابن عباس:*«المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب»،*
3 - وقال أيضا هو وغيره:*«إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم»،*
قال ابن كثير : - عن ابن عبّاسٍ:*«{فتمنّوا الموت}*فسلوا الموت».
ثمّ هذا الذي فسّر به ابن عبّاسٍ الآية هو المتعيّن، وهو الدّعاء على أيّ الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جريرٍ عن قتادة، وأبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ


هل انتهت الآية بموت النبي صلى الله عليه وسلم ط
قال ابن عطية : وذكر المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته.*
- والصحيح*أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أياما كثيرة عند نزول الآية، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة،*
- وقالت فرقة: إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب أو قطع حجتهم، لا أن علته قولهم نحن أبناء الله
ك فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين}أي: ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب



تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}


معنى قوله تعالى (ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} ك ج
قال ابن كثير : أي: بعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنّوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهوديٌّ إلّا مات».
- قال ابن عبّاسٍ:*«لو تمنّى اليهود الموت لماتوا».
- عن سعيد بن جبيرٍ- عن ابن عباس، قال:*«لو تمنّوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
وهذه أسانيد صحيحةٌ إلى ابن عبّاسٍ.
- وقال ابن جريرٍ في تفسيره: وبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:*«لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا. ولرأوا مقاعدهم من النّار.
ج يعني: ما قدمت من كفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كفروا, وهم يعلمون أنه حق, وأنهم إن تمنوه ماتوا، ودليل ذلك إمساكهم عن تمنيه,


سبب تسمية المباهلة بالتمني ك
قال ابن كثير : [وسمّيت هذه المباهلة تمنّيًا؛ لأنّ كلّ محقٍّ يودّ لو أهلك اللّه المبطل المناظر له ولا سيّما إذا كان في ذلك حجّةً له فيها بيان حقّه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت؛ لأنّ الحياة عندهم عزيزةٌ عظيمةٌ لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت].


إعراب أبدا ومعناها ج
قال الزجاج : نصب{أبداً}*لأنه ظرف من الزمان، المعنى: لن يتمنوه في طول عمرهم إلى موتهم، وكذلك قولك: لا أكلمك أبدا، المعنى: لا أكلمك ما عشت.

معنى*{بما قدمت أيديهم}*ج
قال الزجاج أي: بما تقدمه أيديهم, ويصلح أن يكون: بالذي قدمته أيديهم


سبب إضافة الذنوب إلى الأيدي ط
قال ابن عطية : وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه، فحمل جميع الأشياء على ذلك.


المراد من قوله عزّ وجلّ*{واللّه عليم بالظّالمين}: ج ط
قال ابن عطية : *ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد



تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}


معنى الآية ج
قال الزجاج يقول: فهؤلاء الذين يزعمون أن لهم الجنة، وأنّ نعيم الجنة له الفضل لا يتمنون الموت, وهم أحرص ممّن لا يؤمن بالبعث، وكذلك يجب أن يكون هؤلاء؛ لأنهم كفّار بالنبي صلى الله عليه وسلم, وهو عندهم حق، فيعلمون أنهم صائرون إلى النار لا محالة، فهم أحرص لهذه العلة، ولأنهم يعلمون أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، لأنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, لولا ذلك لما أمسكوا عن التمني، لأن التمني من واحد منهم كان يثبت قولهم.

المقصودين بالآية ج
قال الزجاج *يعني به علماء اليهود هؤلاء


معنى*{لتجدنّهم}:ج
قال الزجاج : لتعلمنّهم.

معنى قوله تعالى (ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياة) ج
قال الزجاج المعنى: أنك تجدهم في حال دعائهم إلى تمنى الموت, أحرص الناس على حياة

معنى قوله تعالى (على حياةٍ) ك
قال ابن كثير : أي]: على طول عمر

سبب حرصهم على الحياه ط ك
قال ابن عطية : وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى
قال ابن كثير : لما يعلمون من مآلهم السّيّئ وعاقبتهم عند اللّه الخاسرة؛ لأنّ الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، فهم يودّون لو تأخّروا عن مقام الآخرة بكلّ ما أمكنهم. وما يحذرون واقعٌ بهم لا محالة، حتّى وهم أحرص*الناس

المراد بالناس ك
قال ابن كثير : [النّاس] من المشركين الّذين لا كتاب لهم

عطف المشركين على الناس ك
قال ابن كثير : . وهذا من باب عطف الخاصّ على العامّ.


معنى*{ومن الّذين أشركوا} ج ط
قال ابن عطية : المعنى وأحرص من الذين أشركوا، لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا

المراد ب"الذين أشركوا" ج
قال الزجاج : هم المجوس، ومن لا يؤمن بالبعث

سبب تحديد ألف سنه ج ك
قال الزجاج : ذكرت الألف؛ لأنها نهاية ما كانت المجوس تدعو به لملوكها، كان الملك يحيّا بأن يقال: عش ألف نيروز وألف مهرجان
قال ابن عطية: وقصد «الألف» بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب.

مرجع الضمير في (أحدهم) ج ط
قال ابن عطية : والضمير في (أحدهم)
1- يعود في هذا القول على اليهود،*
2 - وقيل:*إن الكلام تم في قوله:*{حياةٍ}، ثم استؤنف الإخبار عن طائفة من المشركين أنهم يودّ أحدهم وهي المجوس، لأن تشميتهم للعاطس لفظ بلغتهم معناه «عش ألف سنة» فكأن الكلام: ومن المشركين قوم يودّ أحدهم، وفي هذا القول تشبيه بني إسرائيل بهذه الفرقة من المشركين،

معنى قوله تعالى ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ك
قال ابن كثير أي: ما هو بمنجيه من العذاب. وذلك أنّ المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحبّ طول الحياة وأنّ اليهوديّ قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم».
وقال أبو العالية وابن عمر:*«فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه

مرجع الضمير هو في قوله تعالى (وماهو بمزحزحه ) ط ج
قال ابن عطية : وقوله تعالى:*{وما هو بمزحزحه}اختلف النحاة في (هو)،
1- فقيل:*هو ضمير الأحد المتقدم الذكر، فالتقدير: وما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور، و(أن يعمّر) فاعل بمزحزح،
2- وقالت فرقة:*هو ضمير التعمير، والتقدير: وما التعمير بمزحزحه والخبر في المجرور، و(أن يعمّر) بدل من التعمير في هذا القول،
3- وقالت فرقة:*هو ضمير الأمر والشأن، وقد رد هذا القول بما حفظ عن النحاة من أن الأمر والشأن إنما يفسر بجملة سالمة من حرف جر، وقد جوز أبو علي ذلك في بعض مسائله الحلبيات،*
4-*وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: هو عماد
5- وقيل:*(ما) عاملة حجازية، و(هو) اسمها، والخبر في (بمزحزحه)،*
قال الزجاج : ويصلح أن تكون "هو" كناية عما جرى ذكره من طول العمر، فيكون: وما تعميره بمزحزحه من العذاب، ثم جعل أن يعمر مبنياً عن "هو" كأنّه قال: ذلك الذي ليس بمزحزحه أن يعمر.
وقد قال قوم: إن (هو) لمجهول,
وهذا عند قوم لا يصلح في "ما" إذا جاء في خبرها الباء مع الجملة، لا يجيز البصريون: "ما هو قائماً زيد" يريدون: ما الأمر قائما زيد، و"لا كان هو قائما زيد"، يريدون: ما الأمر قائما زيد؛ و"لا كان هو قائما زيد"، يريدون: كان الأمر قائما زيد، وكذلك لا يجيزون "ما هو بقائم زيد"، يريدون: ما الأمر.

معنى الزحزحة ط
الزحزحة: الإبعاد والتنحية

القراءات في يعملون ومعناها ط
قال ابن عطية :
1- والجمهور على قراءة «يعملون» بالياء من أسفل،
2- وقرأ قتادة والأعرج ويعقوب «تعملون» بالتاء من فوق، وهذا على الرجوع إلى خطاب المتوعدين من بني إسرائيل

معنى قوله تعالى ( واللّه بصيرٌ بما يعملون} ك ط
قال ابن كثير: *أي: خبيرٌ بما يعمل عباده من خيرٍ وشرٍّ، وسيجازي كلّ عاملٍ بعمله)
وقال ابن عطية : وعيد

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 24 ذو الحجة 1435هـ/18-10-2014م, 11:01 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تفسير سورة البقرة [من الآية (97) إلى الآية (100) ]


تفسير قوله تعالى:*{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}


مقصد الآية ط
قال ابن عطية : مقصد هذه الآية: تشريف جبريل صلى الله عليه وسلم وذم معاديه

معنى الآية ك
قال ابن كثير: أي: من عادى جبريل فليعلم أنّه الرّوح الأمين الذي نزل بالذّكر الحكيم على قلبك من اللّه بإذنه له في ذلك، فهو رسولٌ من رسل اللّه ملكي [عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السّلام] ومن عادى رسولًا فقد عادى جميع الرّسل، كما أنّ من آمن برسولٍ فإنّه يلزمه الإيمان بجميع الرّسل، وكما أنّ من كفر برسولٍ فإنّه يلزمه الكفر بجميع الرّسل،*

القراءات في جبريل ج ط
قال ابن عطية: وفي جبريل لغات:
1 - «جبريل» بكسر الجيم والراء من غير همز، وبها قرأ نافع،*
2 - و«جبريل» بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وبها قرأ ابن كثير، وروي عنه أنه قال:*«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك»،*
3 - وجبريل بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام وبها قرأ عاصم،*
4 - و«جبرءيل» بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم،
5 - «وجبرائل» بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة،*
6 - و«جبرائيل» بزيادة ياء بعد الهمزة، و«جبراييل» بياءين وبها قرأ الأعمش،*
7 - و«جبرئل» بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة، وبها قرأ يحيى بن يعمر، و«جبرال» لغة فيه،*
8 - و«جبرين» بكسر الجيم والراء وياء ونون، قال الطبري: «هي لغة بني أسد» ولم يقرأ بها

اشتقاق جبريل ومعناه ط ك
قال ابن عطية: «جبريل» اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات،
وذكر ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن «جبر» و«ميك» و«سراف» هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك، وإيل: اسم الله تعالى، ويقال فيه إلّ،
قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال:«إنّما قوله: "جبريل" كقوله: "عبد اللّه" و "عبد الرّحمن"».*
وقيل: جبر: عبد. وإيل: اللّه.
و عن عليّ بن الحسين، قال:*«أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم؟»،*قلنا: لا. قال:*«اسمه عبد اللّه»، قال:*«فتدرون ما اسم ميكائيل من أسمائكم؟»،*قلنا: لا. قال:«اسمه عبيد اللّه. وكلّ اسمٍ مرجعه إلى "يل" فهو إلى اللّه».
عبد العزيز بن عميرٍ، قال:*«اسم جبريل في الملائكة خادم اللّه».


سبب نزول الآية ج ط
قال ابن عطية : نزل على سبب لم يتقدم له ذكر فيما مضى من الآيات، ولكن أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت: جبريل عدونا،واختلف في كيفية ذلك؛
1 - فقيل:*إن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك، فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه، فقال:*«لحوم الإبل وألبانها»،وسألوه عن الشبه في الولد، فقال:*«أي ماء علا كان الشبه له»،*وسألوه عن نومه، فقال:«تنام عيني ولا ينام قلبي»،*وسألوه عمن يجيئه من الملائكة، فقال:*«جبريل»،*فلما ذكره قالوا: ذاك عدونا، لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب، ولو كان الذي يجيئك ميكائيل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك،*
2 - وقيل:*إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتكرر على بيت المدارس، فاستحلفهم يوما بالذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتعلمون أن محمدا نبي؟، قالوا: نعم، قال:*«فلم تهلكون في تكذيبه؟»،*قالوا: صاحبه جبريل وهو عدونا،*
وذكر أنهم قالوا سبب عداوتهم له أنه حمى بختنصر حين بعثوا إليه قبل أن يملك من يقتله، فنزلت هذه الآية لقولهم.

إعراب مصدقا ج
قال الزجاج وابن عطية : نصب*{مصدقًا}على الحال


مرجع الضمير في قوله تعالى:*{فإنّه نزّله على قلبك} ط
قال ابن عطية :
1- الضمير في*{فإنّه}*عائد على الله عز وجل والضمير في*{نزّله}*عائد على جبريل صلى الله عليه وسلم، والمعنى: بالقرآن وسائر الوحي،*
2 - وقيل: الضمير في*{إنه}*عائد على جبريل، وفي*{نزّله}*على القرآن


سبب تخصيص القلب بالذكر ط
قال ابن عطية: وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف،*


المخاطبة بالكاف في قلبك ط
قال ابن عطية: وجاءت المخاطبة بالكاف في*{قلبك}*اتساعا في العبارة إذ ليس ثم من يخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكاف، وإنما يجيء قوله: فإنه نزله على قلبي، لكن حسن هذا إذ يحسن في كلام العرب أن تحرز اللفظ الذي يقوله المأمور بالقول ويحسن أن تقصد المعنى الذي يقوله فتسرده مخاطبة له

معنى {بإذن اللّه}* ط
قال ابن عطية : معناه: بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة،

معنى «ما بين يديه» ط ك
قال ابن كثير: *لما بين يديه}*أي: من الكتب المتقدّمة

البشرى ط
قال ابن عطية: أكثر استعمالها في الخير، ولا تجيء في الشر إلا مقيدة به


معنى قوله تعالى (وهدًى وبشرى للمؤمنين}*ك
قال ابن كثير: أي: هدًى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنّة، وليس ذلك إلّا للمؤمنين.




تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}

معنى الآية ط
قال ابن عطية: وقوله تعالى:*{من كان عدوًّا للّه}*الآية، وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم، وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ومعاداة أوليائه، وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه،*


سبب ذكر جبريل وميكائيل وقد كان ذكر الملائكة ط ك
قال ابن عطية:
1- وذكر جبريل وميكائيل وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفا لهما،
2- وقيل: خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته
قال بن كثير: وهذا من باب عطف الخاصّ على العامّ، فإنّهما دخلا في الملائكة، ثمّ عموم الرّسل، ثمّ خصّصا بالذّكر؛ لأنّ السّياق في الانتصار لجبريل وهو السّفير بين اللّه وأنبيائه،*
وقرن معه ميكائيل في اللّفظ؛ لأنّ اليهود زعموا أنّ جبريل عدوّهم وميكائيل وليّهم، فأعلمهم أنّه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر وعادى اللّه أيضًا؛

القراءات في ميكائيل ج ط
قال ابن عطية:
1 - وقرأ نافع «ميكائل» بهمزة دون ياء، وقرأ بها ابن كثير فيما روي عنه،*
2- وقرأ ابن عامر وابن كثير أيضا وحمزة والكسائي «ميكائيل» بياء بعد الهمزة،*
3 - وقرأ أبو عمرو وعاصم «ميكال»
4 - وقرأ ابن محيصن «ميكئل» بهمزة دون ألف،*
5 - وقرأ الأعمش «ميكاييل» بياءين،*

سبب ذكر الاسم في قوله تعالى {فإنّ اللّه}*ط ك
قال ابن كثير: وقوله تعالى:*{فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}*فيه إيقاع المظهر مكان المضمر، حيث لم يقل: فإنّه عدوٌّ للكافرين. قال:*{فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين}،
وإنّما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أنّ من عادى أولياء اللّه فقد عادى اللّه، ومن عادى اللّه فإنّ اللّه عدوٌّ له، ومن كان اللّه عدوّه فقد خسر الدّنيا والآخرة
قال ابن عطية: لئلا يشكل عود الضمير

سبب مجيء العبارة بعموم الكافرين ط
قال ابن عطية:
1- لأن عود الضمير على من يشكل سواء أفردته أو جمعته، ولو لم نبال بالاشكال وقلنا المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم،*
2 - ويحتمل أن الله تعالى قد علم أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن تطلق عليه عداوة الله للمآل.


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}

سبب نزول الآية ط ك
قال ابن عطية: ذكر الطبري أن ابن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئت بآية بينة؟ فنزلت هذه الآية.*

معنى الآية ك
قال ابن كثير: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ}*أي: أنزلنا إليك يا محمّد علاماتٍ واضحاتٍ [دلالاتٍ] على نبوّتك، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب اللّه من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنّبأ عمّا تضمّنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلّا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدّلوه من أحكامهم، التي كانت في التّوراة. فأطلع اللّه في كتابه الذي أنزله إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فكان في ذلك من أمره الآيات البيّنات لمن أنصف نفسه، ولم يدعه إلى هلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كلّ ذي فطرةٍ صحيحةٍ تصديق من أتى بمثل ما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الآيات البيّنات التي وصف، من غير تعلّم تعلّمه من بشريٍّ ولا أخذ شيئًا منه عن آدميٍّ. كما قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ:*{ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ}*يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوةً وعشيّةً، وبين ذلك، وأنت عندهم أمّيٌّ لا تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول اللّه: في ذلك لهم عبرةٌ وبيانٌ، وعليهم حجّةٌ لو كانوا يعلمون.

معنى الآية" في اللغة:ج
قال الزجاج العلامة.


معنى {بينات}:ج
قال الزجاج : واضحات

إعراب (لقد) وفائدتها ج
قال الزجاج : "قد" إنما تدخل في الكلام لقوم لا يتوقعون الخبر، واللام في*{لقد}*لام قسم.

معنى الفاسقون}* ج ط
قال الزجاج يعني: الذين قد خرجوا عن القصد،
قال ابن عطية: الفاسقون هنا: الخارجون عن الإيمان، فهو فسق الكفر،


معنى قوله عزّ وجلّ:*{وما يكفر بها إلا الفاسقون}*ط
قال ابن عطية: والتقدير: ما يكفر بها أحد إلّا الفاسقون، لأن الإيجاب لا يأتي إلا بعد تمام جملة النفي


تفسير قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}

سبب نزول الآية ك
قال ابن كثير: وقال مالك بن الصّيف -حين بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكّرهم ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم-: واللّه ما عهد إلينا في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أخذ [له] علينا ميثاقًا. فأنزل اللّه:*{أوكلّما عاهدوا عهدًا نبذه فريقٌ منهم}.


معنى الآية ك
قال ابن كثير: فالقوم ذمّهم اللّه بنبذهم العهود التي تقدّم الله إليهم في التّمسّك بها والقيام بحقّها. ولهذا أعقبهم ذلك التّكذيب بالرّسول المبعوث إليهم وإلى النّاس كافّةً، الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره، وقد أمروا فيها باتّباعه ومؤازرته ومناصرته،

معنى*{نبذه}ج ط
قال ابن عطية: النبذ: الطرح والإلقاء، ومنه النبيذ والمنبوذ
ذكره ابن كثير وقال : وقال قتادة:*«{نبذه فريقٌ منهم}أي: نقضه فريقٌ منهم»
قال ابن عطية: في مصحف ابن مسعود «نقضه فريق»

إعراب{أوكلما عاهدوا}*ج
ج ونصب*{أوكلما عاهدوا}*على الظرف.

الواو في أوكلما ج ط
قال ابن عطية:
1 - قال سيبويه: الواو واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام،*
2- وقال الأخفش: هي زائدة،*
3- وقال الكسائي: هي «أو» وفتحت تسهيلا،*
4- وقرأها قوم «أو» ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل، وكما يقول القائل: لأضربنك فيقول المجيب: أو يكفي الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله متكلف، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم، والصحيح قول سيبويه.*

إعراب عهدا ط
قال ابن عطية: و«عهداً» مصدر، وقيل: مفعول بمعنى أعطوا عهدا

المراد بالعهد ط
قال ابن عطية: العهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم

معنى الفريق: ط
قال ابن عطية: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ويقع على اليسير والكثير من الجمع،

سبب ذكر (أكثرهم ) ط
قال ابن عطية: ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله:*{بل أكثرهم}*لما احتمل الفريق أن يكون الأقل

مرجع الضمير في لا يؤمنون ط
قال ابن عطية:
1- و{لا يؤمنون}في هذا التأويل حال من الضمير في*{أكثرهم}،*
2 - ويحتمل الضمير العود على الفريق،*
3 - ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم لهم،*

معنى قوله:*{بل أكثرهم لا يؤمنون}* ك
قال ابن كثير: وقال الحسن البصريّ في قوله:*{بل أكثرهم لا يؤمنون}*قال:*«نعم، ليس في الأرض عهدٌ يعاهدون عليه إلّا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم، وينقضون غدًا».
وقال السّدّيّ:*«لا يؤمنون بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 5 محرم 1436هـ/28-10-2014م, 06:43 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تفسير سورة البقرة [من الآية (101) إلى الآية (103) ]

سأضع الملخص فيما بعد بإذن الله

رد مع اقتباس
  #41  
قديم 5 محرم 1436هـ/28-10-2014م, 06:44 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تفسير سورة البقرة [من الآية (104) إلى الآية (105) ]

سأضع الملخص فيما بعد بإذن الله

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 7 محرم 1436هـ/30-10-2014م, 07:50 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (106) إلى الآية (110) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (106) إلى الآية (110) ]


تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }



تفسير قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}




مناسبة الآية ط
قال ابن عطية: معنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء ويفعل في أحكامه ما يشاء، هو قدير على ذلك وعلى كل شيء، وهذا لإنكار اليهود النسخ

معنى الآية ط
قال ابن عطية: فمعنى الآية: ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة.


القراءات وأثرها على المعنى وما يترتب عليه : ط
قال ابن عطية: وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى الترك فإن الآية معه تترتب فيها أربعة معان:
1- أحدها: ما ننسخ على وجوه النسخ أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقا بكم خيرا من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله.
2- والمعنى الثاني أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم.
3- والمعنى الثالث أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضا على هذا رفع التلاوة والحكم.
4- والمعنى الرابع أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه، ويجيء الضميران في منها أو مثلها عائدين على المنسوخة فقط، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها.
وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى التأخير فإن الآية معه تترتب فيها المعاني الأربعة التي في الترك،
1- أولها ما ننسخ أو نؤخر إنزاله
2- والثاني ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته،
3- والثالث ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر تلاوته وإن أبقينا حكمه،
4- والرابع ما ننسخ أو نؤخره مثبتا لا ننسخه، ويعود الضميران كما ذكرنا في الترك، وبعض هذه المعاني أقوى من بعض، لكن ذكرنا جميعها لأنها تحتمل، وقد قال «جميعها» العلماء إما نصا وإما إشارة فكملناها.


القراءات في ننسخ ومعناها ط ك

قال ابن عطية :
1- قرأ جمهور الناس «ما ننسخ» بفتح النون، من نسخ
2- ، وقرأت طائفة «ننسخ»، بضم النون من «أنسخ»، وبها قرأ ابن عامر وحده من السبعة، فتتفق القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وقد خرج قرأة هذه القراءة المعنى على وجهين:
1- أحدهما أن يكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله، فيجيء الضميران في منها ومثلها عائدين على الضمير في ننسأها، 2- والمعنى الآخر أن يكون ننسخ من النسخ بمعنى الإزالة ويكون التقدير ما ننسخك أي نبيح لك نسخه، كأنه لما نسخها الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ، فسمى تلك الإباحة إنساخا، وما شرطية وهي مفعولة ب ننسخ، وننسخ جزم بالشرط.
قال ابن كثير: :
1-، عن ابن عبّاسٍ:ما نبدّل من آيةٍ.
2-عن مجاهدٍأي: ما نمح من آيةٍ.
3- ، عن مجاهدٍ:*{ما ننسخ من آيةٍ}*قال: نثبت خطّها ونبدّل حكمها ذلك.
4- قال الضّحّاك ما ننسك.
5- وقال عطاءٌ: أمّا*{ما ننسخ}*فما نترك من القرآن يعني: ترك فلم ينزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم
6- وقال السّدّيّ*نسخها: قبضها.
7- قال ابن جريرٍ:*{ما ننسخ من آيةٍ}*ما ينقل من حكم آيةٍ إلى غيره فنبدّله ونغيّره، وذلك أن يحوّل الحلال حرامًا والحرام حلالًا والمباح محظورًا، والمحظور مباحًا. ولا يكون ذلك إلّا في الأمر والنّهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة. فأمّا الأخبار فلا يكون فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ.

معنى النسخ في اللغة ج ط
قال الزجاج : النسخ في اللغة؛ فإبطال شيء, وإقامة آخر مقامه، العرب تقول: نسخت الشمس الظل، والمعنى: أذهبت الظل, وحلّت محلّه
قال ابن عطية: وهو منقسم في اللغة على ضربين: أحدهما يثبت الناسخ بعد المنسوخ كقولهم نسخت الشمس الظل، والآخر لا يثبت كقولهم «نسخت الريح الأثر»، وورد النسخ في الشرع حسب هذين الضربين

المراد بالنسخ عند العرب ط
قال ابن عطية: النسخ في كلام العرب على وجهين: أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر، والثاني الإزالة، فأما الأول فلا مدخل له في هذه الآية، وورد في كتاب الله تعالى في قوله تعالى: إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية: 29]، وأما الثاني الذي هو الإزالة فهو الذي في هذه الآية

أصل النسخ ك
قال ابن كثير: وأصل النّسخ من نسخ الكتاب، وهو نقله من نسخةٍ أخرى إلى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره، إنّما هو تحويله ونقل عبادة إلى غيرها.

معنى النّسخ الشّرعيّ :ك
قال ابن كثير: أنّه رفع الحكم بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ.

فوائد في النسخ : ط
قال ابن عطية:
1- الناسخ حقيقة هو الله تعالى،
2- ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا إذ به يقع النسخ
3- ، وحد الناسخ عند حذاق أهل السنة: الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت، بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه.
4- والنسخ جائز على الله تعالى عقلا لأنه ليس يلزم عنه محال ولا تغيير صفة من صفاته تعالى، وليست الأوامر متعلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تغيرت، ولا النسخ لطروّ علم، بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول ويعلم نسخه بالثاني. والبداء لا يجوز على الله تعالى لأنه لا يكون إلا لطروّ علم أو لتغير إرادة، وذلك محال في جهة الله تعالى،
5- وجعلت اليهود النسخ والبداء واحدا، ولذلك لم يجوزوه فضلّوا.
6- والمنسوخ عند أئمتنا: الحكم الثابت نفسه، لا ما ذهبت إليه المعتزلة، من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل، والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة، وأن الحسن صفة نفسية للحسن، ومراد الله تعالى حسن،
7- وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة، وعلى أن الحسن والقبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية.
8- والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به، لأن المخصص لم يتناوله العموم قط، ولو ثبت قطعا تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا. و
9- النسخ لا يجوز في الإخبار، وإنما هو مختص بالأوامر والنواهي، وردّ بعض المعترضين الأمر خبرا بأن قال: أليس معناه:
«واجب عليكم أن تفعلوا كذا» ؟ فهذا خبر، والجواب أن يقال: إن في ضمن المعنى إلا أن أنسخه عنكم وأرفعه، فكما تضمن لفظ الأمر ذلك الإخبار كذلك تضمن هذا الاستثناء.
10- وصور النسخ تختلف، فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين، وقد ينسخ الأخف إلى الأثقل كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان، وقد ينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة كالقبلة، وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى،
11- والنسخ التام أن تنسخ التلاوة والحكم وذلك كثير، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر»، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم، وقد ينسخ الحكم دون التلاوة كصدقة النجوى، وكقوله تعالى: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة: 11]، والتلاوة والحكم حكمان، فجائز نسخ أحدهما دون الآخر.
12- وينسخ القرآن بالقرآن، والسنة بالسنة، وهذه العبارة يراد بها الخبر المتواتر القطعي، وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد، وهذا كله متفق عليه، 13- وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة، وذلك موجود في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث»، وهو ظاهر مسائل مالك رحمه الله، وأبى ذلك الشافعي رحمه الله، والحجة عليه من قوله إسقاطه الجلد في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم، فإنه لا مسقط لذلك إلا السنة. فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حذاق الأئمة على أن السنة تنسخ بالقرآن، وذلك موجود في القبلة فإن الصلاة إلى الشام لم تكن قط في كتاب الله، وفي قوله تعالى: فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار [الممتحنة: 10]، فإن رجوعهن إنما كان يصلح النبي صلى الله عليه وسلم لقريش، والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا، واختلفوا هل وقع شرعا، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء في التحول إلى القبلة، وأبى ذلك قوم، و
14- لا يصح نسخ نص بقياس إذ من شروط القياس أن لا يخالف نصا، وهذا كله في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بعد موته واستقرار الشرع فأجمعت الأمة أنه لا نسخ.
15- ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لأنه إنما ينعقد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وجدنا إجماعا يخالف نصا فنعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن.
16- وقال بعض المتكلمين: «النسخ الثابت متقرر في جهة كل أحد علم الناسخ أو لم يعلمه»، والذي عليه الحذاق أنه من لم يبلغه الناسخ فهو متعبد بالحكم الأول، فإذا بلغه الناسخ طرأ عليه حكم النسخ، والحذاق على جواز نسخ الحكم قبل فعله، وهو موجود في كتاب الله تعالى في قصة الذبيح.

القراءات في في*{ننسها} ومعناها : ج ط ك
قال ابن كثير:
وقوله تعالى: {أو ننسها} فقرئ على وجهين: "ننسأها وننسها".
1- فأمّا من قرأها: "ننسأها" -بفتح النّون والهمزة بعد السّين-فمعناه: نؤخّرها.
2- وأمّا على قراءة:*{أو ننسها}* عن قتادة في قوله:*{ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها}*قال: كان اللّه تعالى ينسي نبيّه ما يشاء وينسخ ما يشاء.
وقال ابن جريرٍ: عن الحسن أنّه قال في قوله:*{أو ننسها}*قال: إنّ نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم أقرئ قرآنًا ثمّ نسيه.

قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه القراءات لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسء أو الإنساء بمعنى التأخير، أو تكون من النسيان.
والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر، وقد يجيء بمعنى الترك، فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات، فما كان منها يترتب في لفظة النسيان الذي هو ضد الذكر.

قال الزجاج :
وقال أهل اللغة في معنى*{أو ننسها}*قولين:-
1-*قال بعضهم:*(أو ننسها)*من النسيان، وقالوا: دليلنا على ذلك قوله عزّ وجلّ:*{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه}, فقد أعلم اللّه أنه يشاء أن ينسى، وهذا القول عندي ليس بجائز؛ لأن اللّه عزّ وجل قد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله*{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}*أنّه لا يشاء أن يذهب بالذي أوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله{فلا تنسى * إلا ما شاء اللّه}قولان يبطلان هذا القول الذي حكينا عن بعض أهل اللغة:-
أحدهما:{فلا تنسى}*أي: لست تترك إلا ما شاء اللّه أن تترك،*
ويجوز أن يكون:*إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية، ثم تذكر بعد، ليس أنه على طريق السلب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أوتيه من الحكمة.
2-*وقيل في*{أو ننسها}*قول آخر, وهو خطأ أيضاً, قالوا: أو نتركها, وهذا يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت أي: تركت،
وإنما معنى*{أو ننسها}: أو نتركها, أي: نأمر بتركها

ومن قرأ (أو ننسؤها) أراد: نؤخرها, والنّسء في اللغة التأخير، يقال: نسأ اللّه في أجله, وأنسأ اللّه أجله, أي: أخر أجله.

ونقل ابن عطية عن الزجاج : وقال الزجاج: إن القراءة «أو ننسها» بضم النون وسكون الثانية وكسر السين لا يتوجه فيها معنى الترك لأنه لا يقال أنسأ بمعنى ترك، وقال أبو علي وغيره: ذلك متجه لأنه بمعنى نجعلك تتركها، وكذلك ضعف الزجاج أن تحمل الآية على النسيان الذي هو ضد الذكر، وقال: إن هذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا نسي قرآنا، وقال أبو علي وغيره: ذلك جائز وقد وقع ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بتنسئة، واحتج الزجاج بقوله تعالى: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء: 86]، أي لم نفعل، قال أبو علي معناه لم نذهب بالجميع.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: على معنى إزالة النعمة كما توعد، وقد حكى الطبري القول عن أقدم من الزجاج، ورد عليه، والصحيح في هذا أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله تعالى أن ينساه ولم يرد أن يثبت قرآنا جائز.
فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه، وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه قد بلغ وأدى الأمانة، ومنه الحديث حين أسقط آية، فلما فرغ من الصلاة قال: أفي القوم أبيّ؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: فلم لم تذكرني؟ قال: حسبت أنها رفعت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ترفع ولكني نسيتها.



الفرق بين الترك والنسخ ج
قال الزجاج :
فإن قال قائل:*ما معنى تركها غير النسخ؟ وما الفرق بين الترك والنسخ؟
فالجواب في ذلك:*أن النسخ يأتي في الكتاب في نسخ الآية بآية , فتبطل الثانية العمل بالأولى.
ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل , فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تأتي ناسخة للتي قبلها، نحو:*{إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}, ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة, فهذا معنى الترك، ومعنى النسخ قد بيّنّاه, فهذا هو الحق.



معنى قوله تعالى :*{نأت بخير منها أو مثلها } ج ك
ج وقوله:*{نأت بخير منها}المعنى: بخير منها لكم ،*{أو مثلها}،*فأما ما يؤتى فيه بخير من المنسوخ , فتمام الصيام الذي نسخ الإباحة في الإفطار لمن استطاع الصيام, ودليل ذلك قوله:*{ولتكملوا العدّة}, فهذا هو خير لنا كما قال اللّه عزّ وجلّ.
وأمّا قوله*{أو مثلها}*أي: نأتي بآية ثوابها كثواب التي قبلها، والفائدة في ذلك أن يكون الناسخ أسهل في المأخذ من المنسوخ، والإيمان به أسوغ, والناس إليه أسرع نحو القبلة التي كانت على جهة, ثم أمر اللّه النبي صلى الله عليه وسلم بجعل البيت قبلة المسلمين وعدل بها عن القصد لبيت المقدس، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساوياً في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح، والأدعى للعرب, وغيرهم إلى الإسلام)
ك وقوله:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*أي: في الحكم بالنّسبة إلى مصلحة المكلّفين، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ:*{نأت بخيرٍ منها}*يقول: خيرٌ لكم في المنفعة، وأرفق بكم.
وقال أبو العالية:*{ما ننسخ من آيةٍ}*فلا نعمل بها،*{أو ننسئها}*أي: نرجئها عندنا، نأت بها أو نظيرها.
وقال السّدّيّ:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*يقول: نأت بخيرٍ من الذي نسخناه، أو مثل الذي تركناه.
وقال قتادة:*{نأت بخيرٍ منها أو مثلها}*يقول: آيةٌ فيها تخفيفٌ، فيها رخصةٌ، فيها أمرٌ، فيها نهيٌ)

معنى (خير) وإعرابها ط
قال ابن عطية : ولفظة خير في الآية صفة تفضيل، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف، وفي آجل إن كانت أثقل، وبمثلها إن كانت مستوية، وقال قوم «خير» في الآية مصدر و «من» لابتداء الغاية.


إعراب (ألم تعلم ) والمخاطب بها ط
قال ابن عطية :
1- أنّ ظاهره الاستفهام ومعناه التقرير، والتقرير محتاج إلى معادل كالاستفهام المحض، فالمعادل هنا على قول جماعة أم تريدون [البقرة: 18]،
2- وقال قوم أم هنا منقطعة، فالمعادل على قولهم محذوف تقديره أم علمتم، المخاطب بها :
وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة أمته، وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير، وكلا القولين مروي.


المراد بقوله تعالى (على كلّ شيءٍ ) ط
قال ابن عطية : لفظ عموم معناه الخصوص، إذ لم تدخل فيه الصفات القديمة بدلالة العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء


المراد ب (الشيء) ط
قال ابن عطية : الشيء في كلام العرب الموجود




تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}


معنى الآية ج ك
قال الزجاج: معنى الآية: إن اللّه يملك السّماوات والأرض, ومن فيهن, فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به، من ناسخ , ومنسوخ, ومتروك, وغيره
قال ابن كثير:
قال ابن جرير : وهذا الخبر وإن كان من اللّه تعالى خطابًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجه الخبر عن عظمته، فإنّه منه تكذيبٌ لليهود الّذين أنكروا نسخ أحكام التّوراة، وجحدوا نبوّة عيسى ومحمّدٍ، عليهما الصّلاة والسّلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند اللّه بتغيّر ما غيّر اللّه من حكم التّوراة. فأخبرهم اللّه أنّ له ملك السّماوات والأرض وسلطانهما، وأنّ الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السّمع والطّاعة لأمره ونهيه، وأنّ له أمرهم بما يشاء، ونهيهم عمّا يشاء، ونسخ ما يشاء، وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه.
[وأمر إبراهيم، عليه السّلام، بذبح ولده، ثمّ نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بنى إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثمّ رفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل].

مناسبة الآية ك
قال ابن كثير: وفي هذا المقام ردٌّ عظيمٌ وبيانٌ بليغٌ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم -لعنهم اللّه -في دعوى استحالة النّسخ إمّا عقلًا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، ً وإمّا نقلًا كما تخرّصه آخرون منهم افتراءً وإفكًا


الخطاب في الآية ك
قال ابن كثير: وهذا الخبر وإن كان من اللّه تعالى خطابًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجه الخبر عن عظمته، فإنّه منه تكذيبٌ لليهود الّذين أنكروا نسخ أحكام التّوراة، وجحدوا نبوّة عيسى ومحمّدٍ، عليهما الصّلاة والسّلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند اللّه بتغيّر ما غيّر اللّه من حكم التّوراة

مسألة إنكار اليهود للنسخ والرد عليهم ك
قال ابن كثير:
قال ابن جرير :قلت: الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النّسخ، إنّما هو الكفر والعناد، فإنّه ليس في العقل ما يدلّ على امتناع النّسخ في أحكام اللّه تعالى؛ لأنّه يحكم ما يشاء كما أنّه يفعل ما يريد، مع أنّه قد وقع ذلك في كتبه المتقدّمة وشرائعه الماضية، كما أحلّ لآدم تزويج بناته من بنيه، ثمّ حرّم ذلك، وكما أباح لنوحٍ بعد خروجه من السّفينة أكل جميع الحيوانات، ثمّ نسخ حلّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه، وقد حرّم ذلك في شريعة التّوراة وما بعدها. وأشياء كثيرةٌ يطول ذكرها، وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه. وما يجاب به عن هذه الأدلّة بأجوبةٍ لفظيّةٍ، فلا تصرف الدّلالة في المعنى، إذ هو المقصود، وكما في كتبهم مشهورًا من البشارة بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والأمر باتّباعه، فإنّه يفيد وجوب متابعته، عليه والسلام، وأنّه لا يقبل عملٌ إلّا على شريعته. وسواءٌ قيل إنّ الشّرائع المتقدّمة مغيّاة إلى بعثته، عليه السّلام، فلا يسمّى ذلك نسخًا كقوله:*{ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل}[البقرة: 187]، وقيل: إنّها مطلقةٌ، وإنّ شريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نسختها، فعلى كلّ تقديرٍ فوجوب اتّباعه معيّنٌ لأنّه جاء بكتابٍ هو آخر الكتب عهدًا باللّه تبارك وتعالى.
ففي هذا المقام بيّن تعالى جواز النّسخ، ردًّا على اليهود، عليهم لعائن اللّه، حيث قال تعالى:*{ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ* ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ}*الآية، فكما أنّ له الملك بلا منازعٍ، فكذلك له الحكم بما يشاء،*{ألا له الخلق والأمر}[الأعراف: 54]*وقرئ في سورة آل عمران، التي نزل صدرها خطابًا مع أهل الكتاب، وقوع النسخ عند اليهود في وقوله تعالى:*{كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه}*الآية*[آل عمران: 93]*كما سيأتي تفسيرها، والمسلمون كلّهم متّفقون على جواز النّسخ في أحكام اللّه تعالى، لما له في ذلك من الحكم البالغة، وكلّهم قال بوقوعه. وقال أبو مسلمٍ الأصبهانيّ المفسّر: لم يقع شيءٌ من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيفٌ مردودٌ مرذولٌ. وقد تعسّف في الأجوبة عمّا وقع من النّسخ، فمن ذلك قضيّة العدّة بأربعة أشهرٍ وعشرًا بعد الحول لم يجب على ذلك بكلامٍ مقبولٍ، وقضيّة تحويل القبلة إلى الكعبة، عن بيت المقدس لم يجب بشيءٍ، ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرةٍ من الكفرة إلى مصابرة الاثنين، ومن ذلك نسخ وجوب الصّدقة قبل مناجاة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وغير ذلك،

إعراب ألم ومعناها ج
قال الزجاج :
لفظ*{ألم}*ههنا لفظ استفهام, ومعناه: التوقيف، وجزم*{ألم}*ههنا كجزم "لم"؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله


معنى الملك في اللغة واشتقاقه ج ط
قال الزجاج : ومعنى الملك في اللغة: تمام القدرة واستحكامها, فما كان مما يقال فيه ملك سمي: الملك، وما نالته القدرة مما يقال فيه مالك, فهو ملك، تقول: ملكت الشيء أملكه ملكا.
وكقوله تعالى*{على ملك سليمان}*أي: في سلطانه وقدرته.
وأصل هذا من قولهم: ملكت العجين أملكه إذا بالغت في عجنه، ومن هذا قيل في التزويج شهدنا "إملاك" فلان، أي: شهدنا عقد أمر نكاحه, وتشديده.
قال ابن عطية: الملك السلطان ونفوذ الأمر والإرادة

الخطاب في (ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ) ومعناه ج ط
قال الزجاج : هذا خطاب للمسلمين يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم، وأن اللّه جلّ وعزّ ناصرهم، والفائدة فيه: أنه بنصره إياهم, يغلبون من سواهم)
قال ابن عطية: وجمع الضمير في لكم دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب أمته

معنى (الولي ) ط
قال ابن عطية: فعيل من ولي إذا جاور ولحق، فالناصر والمعين والقائم بالأمر والحافظ كلهم مجاور بوجه ما


معنى (النصير) ط
قال ابن عطية: فعيل من النصر، وهو أشد مبالغة من ناصر




تفسير قوله تعالى:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}



معنى الآية ج ك
قال الزجاج: فمعنى الآية: أنهم نهوا أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا خير لهم في السؤال عنه , وما يكفّرهم، وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم , وإقامتها على مخالفتهم , , فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر،
قال ابن كثير: نهى اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة، عن كثرة سؤال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأشياء قبل كونها،

سبب نزول الآية ط ك
ذكر ابن عطية وابن كثير
1- إن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل بتعجيل العقوبة في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل. وتلا: ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً. [النساء: 110].
2- وقال ابن عباس رضي الله عنه: إن رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلى الله عليه وسلم تفجير عيون وغير ذلك،
3- وقيل: إن كفار قريش سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله جهرة،
4- وقيل: سألوه أن يأتي بالله والملائكة قبيلا،
5- وقال مجاهد: سألوه أن يرد الصفا ذهبا، فقال لهم: خذوا ذلك كالمائدة لبني إسرائيل، فأبوا ونكصوا.


القراءات في سئل ج ط
قال ابن عطية:
1- وقرأ الحسن بن أبي الحسن وغيره «سيل» بكسر السين وياء وهي لغة، يقال: سلت أسال،
2- ويحتمل أن يكون من همز أبدل الهمزة ياء على غير قياس ثم كسر السين من أجل الياء،
3- وقرأ بعض القراء بتسهيل الهمزة بين الهمزة والياء مع ضم السين،
وذكره الزجاج

معنى الاستفهام (أم تريدون) والمراد به ج ط ك
قال ابن عطية:
وقوله تعالى: أم تريدون:
1- قالت فرقة: أم رد على الاستفهام الأول، فهي معادلته.
2- وقالت فرقة أم استفهام مقطوع من الأول، كأنه قال: أتريدون، وهذا موجود في كلام العرب. ك ج
3- وقالت فرقة: أم هنا بمعنى بل وألف الاستفهام (بل أتريدون) ك ج


مرجع الضمير في رسولكم ط ك
قال ابن كثير: وهو يعمّ المؤمنين والكافرين، فإنّه، عليه السّلام، رسول اللّه إلى الجميع، كما قال

معنى (كما سئل موسى من قبل) ط
قال ابن عطية: وكما سئل موسى عليه السلام هو أن يرى الله جهرة

معنى قوله تعالى (ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) ط ك
قال ابن عطية: وكني عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبدل،
قال ابن كثير: *أي: من يشتر الكفر بالإيمان
وقال أبو العالية: يتبدّل الشّدّة بالرّخاء
ورده ابن عطية فقال : قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، إلا أن يريدهما مستعارتين، أي الشدة على نفسه والرخاء لها عبارة عن العذاب والتنعيم، وأما المتعارف من شدة أمور الدنيا ورخائها فلا تفسر الآية به



معنى قوله تعالى (فقد ضل سواء السبيل) ج ط ك
قال الزجاج : *أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وضوح الحق , فقد ضل سواء السبيل,*ي: قصد السبيل).*
قال ابن كثير: أي: فقد خرج عن الطّريق المستقيم إلى الجهل والضّلال وهكذا حال الّذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتّباعهم والانقياد لهم، إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها، على وجه التّعنّت والكفر

معنى ضل ط
قال ابن عطية: وضلّ أخطأ الطريق

معنى (سواء) ط
قال ابن عطية: و «السواء» من كل شيء الوسط والمعظم، ومنه قوله تعالى في سواء الجحيم [الصافات: 55].

المراد ب (السبيل) وسبب التسمية ط
قال ابن عطية: والسّبيل عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله لعباده، لما كانت كالسبب إلى نيل رحمته كانت كالسبيل إليها


حكم كثرة السؤال والتفصيل فيه ك
قال ابن كثير:
1- نهى اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة، عن كثرة سؤال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأشياء قبل كونها فلعلّه أن يحرّم من أجل تلك المسألة. ولهذا جاء في الصّحيح: "إنّ أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرّم، فحرّم من أجل مسألته".
2- ثبت في الصّحيحين من حديث المغيرة بن شعبة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال وفي صحيح مسلمٍ: "ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه"
3- والمراد أنّ اللّه ذمّ من سأل الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيء، على وجه التعنّت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى، عليه السّلام، تعنّتًا وتكذيبًا وعنادًا،





تفسير قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير: يحذّر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفّار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظّاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيّهم. ويأمر عباده المؤمنين بالصّفح والعفو والاحتمال، حتّى يأتي أمر اللّه من النّصر والفتح.

سبب نزول هذه الآية ط ك
قال ابن عطية: واختلف في سبب هذه الآية
1- فقيل: إن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدارس، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم، فثبتا عليه ونزلت الآية
2- وقيل: إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في راعنا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل خير، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا.
والحقّ: المراد به في هذه الآية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة ما المسلمون عليه،
قال ابن كثير:
1- عن ابن عباس، قال: كان حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ يهود للعرب حسدًا، إذ خصهم اللّه برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وكانا جاهدين في ردّ النّاس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما:*{ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم}الآية.
2- وقال الزّهريّ : هو كعب بن الأشرف.
3- وقال ابن أبي حاتمٍ: عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه: أنّ كعب بن الأشرف اليهوديّ كان شاعرًا، وكان يهجو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وفيه أنزل اللّه:*{ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم}*إلى قوله:*{فاعفوا واصفحوا}

إعراب (ود كثير من أهل الكتاب ) ط
قال ابن عطية: ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب، كثيرٌ مرتفع ب ودّ، وهو نعت لنكرة، وحذف الموصوف النكرة قلق، ولكن جاز هنا لأنها صفة متمكنة ترفع الإشكال بمنزلة فريق

المراد بقوله تعالى (كثير من أهل الكتاب) ج ط ك
قال الزجاج يعني به: علماء اليهود.
قال ابن عطية: ،قال الزهري عنى ب كثيرٌ واحد، وهو كعب بن الأشرف، وهذا تحامل، وقوله تعالى يردّونكم يرد عليه، وقال ابن عباس: المراد ابنا أخطب، حيي وأبو ياسر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي الضمن الاتباع، فتجيء العبارة متمكنة،

المراد بالكتاب : ط
قال ابن عطية: والكتاب هنا التوراة


معنى لو في قوله تعالى (لو يردونكم) ط
قال ابن عطية: وقوله تعالى: ولو هنا
1- بمنزلة «إن» لا تحتاج إلى جواب،
2- وقيل يتقدر جوابها في ودّ، التقدير لو يردونكم لودوا ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ف «ود» دالة على الجواب، لأن من شرطه أن يكون متأخرا عن لو،

إعراب كفارا ط
قال ابن عطية:
1- كفّاراً مفعول ثان
2- ويحتمل أن يكون حالا، وحسداً مفعول له
3- وقيل: هو مصدر في موضع الحال


تعلق قوله تعالى ( من عند أنفسهم) ج ط
قال ابن عطية : واختلف في تعلق قوله من عند أنفسهم:
1- فقيل يتعلق ب ودّ لأنه بمعنى ودوا
2- ، وقيل: يتعلق بقوله حسداً فالوقف على قوله كفّاراً، والمعنى على هذين القولين أنهم لم يجدوا ذلك في كتاب ولا أمروا به فهو من تلقائهم، ولفظة الحسد تعطي هذا، فجاء من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما، كما قال تعالى: يقولون بأفواههم [آل عمران: 167]، ويكتبون الكتاب بأيديهم [البقرة: 79]، ولا طائرٍ يطير بجناحيه [الأنعام: 38]،
3- وقيل يتعلق بقوله يردّونكم، فالمعنى أنهم ودوا الرد بزيادة أن يكون من تلقائهم أي بإغوائهم وتزيينهم.
ورجح الزجاج القول الأول : وقوله:*{حسداً من عند أنفسهم}*موصول بـ{ود الذين كفروا}، لا بقوله*{حسداً}؛ لأن حسد الإنسان لا يكون من عند نفسه،
ولكن المعنى: مودتهم بكفركم من عند أنفسهم، لا أنهم عندهم الحق الكفر، ولا أن كتابهم أمرهم بما هم عليه من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم الدليل على ذلك قوله:*{من بعد ما تبيّن لهم الحق}.

معنى قوله تعالى (من عند أنفسهم) ك
قال ابن كثير: من قبل أنفسهم.

معنى قوله تعالى (من بعد ما تبين لهم الحق) ك
قال ابن كثير: قال أبو العالية:*{من بعد ما تبيّن لهم الحقّ}*من بعد ما تبيّن [لهم] أنّ محمّدًا رسول اللّه يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل، فكفروا به حسدًا وبغيًا؛ إذ كان من غيرهم.
*{كفّارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ}*يقول: من بعد ما أضاء لهم الحقّ لم يجهلوا منه شيئًا، ولكنّ الحسد حملهم على الجحود، فعيرّهم ووبّخهم ولامهم أشدّ الملامة،

مسألة حكم الكفر عنادا ط
قال ابن عطية: وهذه الآية من الظواهر في صحة الكفر عنادا، واختلف أهل السنة في جواز ذلك، والصحيح عندي جوازه غفلا وبعده وقوعا، ويترتب في كل آية تقتضيه أن المعرفة تسلب في ثاني حال من العناد،

معنى العفو ط
قال ابن عطية: والعفو ترك العقوبة وهو من «عفت الآثار»

معنى الصفح ط
قال ابن عطية: والصفح الإعراض عن المذنب كأنه يولي صفحة العنق.

وقت الأمر بالصفح في هذه الآية والأقوال في نسخها ج ط ك
قال الزجاج : هذا في وقت لم يكن المسلمون أمروا فيه بحرب المشركين، وإنما كانوا يدعون بالحجج البينة وغاية الرفق حتى بين الله أنهم إنما يعاندون بعد وضوح الحق عندهم , فأمر المسلمون بعد ذلك بالحرب.
قال ابن عطية:
1- وقال ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: قاتلوا الّذين لا يؤمنون [التوبة: 29] إلى قوله صاغرون [التوبة: 29]، وقيل: بقوله «اقتلوا المشركين»، 2- وقال قوم: ليس هذا حد المنسوخ، لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته.
وقال أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة،
قال ابن كثير: ذكر قول ابن عباس السابق وقال : إنّها منسوخةٌ بآية السّيف، ويرشد إلى ذلك أيضًا قوله:*{حتّى يأتي اللّه بأمره}
و عن عروة بن الزّبير: أنّ أسامة بن زيدٍ أخبره، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم اللّه، ويصبرون على الأذى، قال اللّه:*{فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}*وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتأوّل من العفو ما أمره اللّه به، حتّى أذن اللّه فيهم بقتلٍ، فقتل اللّه به من قتل من صناديد قريشٍ.
وهذا إسناده صحيحٌ، ولم أره في شيءٍ من الكتب السّتّة [ولكن له أصلٌ في الصّحيحين عن أسامة بن زيدٍ رضي اللّه عنهما]


معنى قوله تعالى (حتى يأتي الله بأمره) ط
قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على من يجعل الأمر المنتظر أوامر الشرع أو قتل قريظة وإجلاء النضير، وأمر من يجعله آجال بني آدم فيترتب النسخ في هذه الآية بعينها، لأنه لا يختلف أن آيات الموادعة المطلقة قد نسخت كلها، والنسخ هو مجيء الأمر في هذه المقيدة، وقيل: مجيء الأمر هو فرض القتال، وقيل: قتل قريظة وإجلاء النضير، وقال أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة.


معنى قوله تعالى(إن الله على كل شيء قدير) ج ط
قال الزجاج : أي: قدير على أن يدعو إلى دينه بما أحب مما هو عنده الأحكم والأبلغ
قال ابن عطية: وقوله تعالى: إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ مقتضاه في هذا الموضوع وعد للمؤمنين



تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير: يحثّ تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة، من إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، حتّى يمكّن لهم اللّه النّصر في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد*{يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار}[غافر: 52]؛ ولهذا قال تعالى:*{إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}*يعني: أنّه تعالى لا يغفل عن عمل عاملٍ، ولا يضيع لديه، سواءٌ كان خيرًا أو شرًّا، فإنّه سيجازي كلّ عاملٍ بعمله.

المراد بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ط
قال ابن عطية: قالت فرقة من الفقهاء: إن قوله تعالى: وأقيموا الصّلاة عموم، وقالت فرقة: هو من مجمل القرآن، والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه، فعموم من حيث الصلاة الدعاء، فحمله على مقتضاه ممكن، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال، ومجمل من حيث الأوقات، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير، وهذا كله في أقيموا الصّلاة، وأما الزكاة فمجملة لا غير.

سبب الأمر بالصلاة والزكاة ط
قال ابن عطية: قال الطبري: إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة لتحط ما تقدم من ميلهم إلى أقوال اليهود راعنا [البقرة: 104]، لأن ذلك نهي عن نوعه، ثم أمر المؤمنين بما يحطه،

معنى تجدوه ط
قال ابن عطية: فمعنى تجدوه تجدوا ثوابه وجزاءه، وذلك بمنزلة وجوده.

معنى قوله تعالى (إن الله بما تعملون بصير) ط ك
قال ابن كثير : قال ابن جرير وهذا الخبر من اللّه للّذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنّهم مهما فعلوا من خيرٍ أو شرٍّ، سرًّا أو علانيةً، فهو به بصيرٌ لا يخفى عليه منه شيءٌ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا، وبالإساءة مثلها.
- وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإنّ فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا. وذلك أنّه أعلم القوم أنّه بصيرٌ بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان ذلك مدّخرًا لهم عنده، حتّى يثيبهم عليه، كما قال:*{وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه}*وليحذروا معصيته


معنى (بصير )
ك
قال ابن كثير وأمّا قوله:*{بصيرٌ}*فإنّه مبصرٌ صرف إلى "بصيرٍ" كما صرف مبدعٌ إلى "بديعٍ"، ومؤلمٌ إلى "أليمٍ

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 7 محرم 1436هـ/30-10-2014م, 10:35 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]

*تفسير سورة البقرة [من الآية (111) إلى الآية (113) ]


تفسير قوله تعالى:*{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) }



تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}


المقصودين في الآية ج
قال الزجاج : الإخبار في هذا عن أهل الكتاب، وعقد النصارى معهم في قوله:*{وقالوا}؛ لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، فلذلك قال اللّه عزّ وجلّ:{وقالوا}*فأجملوا.

معنى قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) ج ط
قال الزجاج: فالمعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وجاز أن يلفظ بلفظ جمع؛ لأن معنى*{من}*معنى جماعة, فحمل الخبر على المعنى.
والمعنى: إلا الذين كانوا هوداً, وكانوا نصارى
قال ابن عطية: وقالوا لن يدخل الجنّة معناه قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقال النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فجمع قولهم، ودل تفريق نوعيهم على تفرق قوليهم، وهذا هو الإيجاز واللف
قال ابن كثير: يبيّن تعالى اغترار اليهود والنّصارى بما هم فيه، حيث ادّعت كلّ طائفةٍ من اليهود والنّصارى أنّه لن يدخل الجنّة إلّا من كان على ملّتها، كما أخبر اللّه عنهم في سورة المائدة أنّهم قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} [المائدة: 18]. فأكذبهم اللّه تعالى بما أخبرهم أنّه معذّبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادّعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدّم من دعواهم أنّه لن تمسّهم النّار إلّا أيّامًا معدودةً، ثمّ ينتقلون إلى الجنّة. وردّ عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدّعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بيّنةٍ

معنى هوداً واشتقاقها ج ط
قال ابن عطية:
1- وهود جمع هائد، مثل عائد وعود، ومعناه التائب الراجع، ومثله في الجمع بازل وبزل وحائل وحول وبائر وبور،
2- وقيل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع كفطر وعدل ورضا،
3- وقال الفراء: أصله يهودي حذفت ياءاه على غير قياس.
وقرأ أبي بن كعب «إلا من كان يهوديا»،

المخاطب ب(قل) ك
قال ابن كثير: {قل} أي: يا محمّد،

المراد بقوله تعالى (تلك أمانيهم) ج ط ك
قال الزجاج: هذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن حقيقته: إنما أنت متمن.
قال ابن عطية: وكذبهم الله تعالى وجعل قولهم أمنية،
قال ابن كثير: قال أبو العالية: أمانيّ تمنّوها على اللّه بغير حقٍّ. وكذا قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ.

معنى قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ج ط ك
قال الزجاج: أي: إن كنتم عند أنفسكم صادقين, فبينوا ما الذي دلكم على ثبوت الجنة لكم)

اشتقاق (هاتوا ) ط
قال ابن عطية:
1- وقيل: إن الهاء في هاتوا أصلية من هاتا يهاتي، وأميت تصريف هذه اللفظة كله إلا الأمر منه
2- وقيل: هي عوض من همزة آتى، وقيل: ها تنبيه، وألزمت همزة آتى الحذف،

معنى البرهان ط ك
قال ابن عطية: والبرهان الدليل الذي يوقع اليقين، قال الطبري: طلب الدليل هنا يقضي بإثبات النظر ويرد على من ينفيه،
قال ابن كثير: حجّتكم. وقال قتادة: بيّنتكم على ذلك




تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}


برهان من أسلم وجهه لله ج
قال الزجاج: ،فإن قال قائل:*فما برهان من آمن في قولكم؟
قيل:*ما بيناه من الاحتجاج للنبي صلى الله عليه وسلم , ومن إظهار البراهين بأنبائهم ما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي، وبما قيل لهم في تمني الموت، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على تثبيت الرسالة، فهذا برهان من أسلم وجهه للّه)


جواب النفي في (لن يدخل ) ط
قال ابن عطية: وقول اليهود لن نفي حسنت بعده بلى، إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي، حرف مرتجل لذلك، وقيل: هي «بل» زيدت عليها الياء لتزيلها على حد النسق الذي في «بل»)

معنى قوله تعالى (من أسلم وجهه) ك ط
قال ابن عطية: وأسلم معناه استسلم
قال ابن كثير: أي: من أخلص العمل للّه وحده لا شريك له


المراد بالوجه ط ك
قال ابن عطية: يقال وجه الأمر أي معظمه وأشرفه،وقد يكون الوجه في هذه الآية المقصد
قال ابن كثير: {وجهه} قال: دينه،


سبب تخصيص الوجه في الآية ط
قال ابن عطية: وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان وموضع الحواس وفيه يظهر العز والذل، ولذلك يقال وجه الأمر أي معظمه وأشرفه


إعراب (وهو محسن) ط
قال ابن عطية: ويصح أن وهو محسنٌ جملة في موضع الحال

معنى (وهو محسن) ك
قال ابن كثير: وهو محسنٌ} أي: متّبعٌ فيه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم

شروط صحة العمل ك
قال ابن كثير: فإنّ للعمل المتقبّل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا للّه وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقًا للشّريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبّل؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ". رواه مسلمٌ من حديث عائشة، عنه، عليه السّلام.


مرجع الضمير في (له) (أجره) (يحزنون) ط
قال ابن عطية: وعاد الضمير في «له» على لفظ من، وكذلك في قوله أجره، وعاد في عليهم على المعنى، وكذلك في يحزنون،


معنى قوله تعالى (فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ك
قال ابن كثير: ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم ممّا يخافونه من المحذور فـ {لا خوفٌ عليهم} فيما يستقبلونه،
{ولا هم يحزنون} على ما مضى ممّا يتركونه،
كما قال سعيد بن جبيرٍ: فـ {لا خوفٌ عليهم} يعني: في الآخرة {ولا هم يحزنون} [يعني: لا يحزنون] للموت)


القراءات في (خوف) ومعناها ط
قال ابن عطية: وقرأ ابن محيصن «فلا خوف» دون تنوين في الفاء المرفوعة،
1- فقيل: ذلك تخفيف،
2- وقيل: المراد فلا الخوف فحذفت الألف واللام،

الفرق بين الخوف والحزن ط
قال ابن عطية: والخوف هو لما يتوقع، والحزن هو لما قد وقع

الأجر المقصود في الآية ج
قال الزجاج : أي: فهذا يدخل الجنة


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}

مناسبة الآية ج

قال الزجاج: المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.

سبب الآية ط ك
قال ابن عطية: وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبي صلى الله عليه وسلم فتسابوا، وكفر اليهود بعيسى وبملته وبالإنجيل، وكفر النصارى بموسى وبالتوراة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها، لأن الإنجيل يتضمن صدق موسى وتقرير التوراة، والتوراة تتضمن التبشير بعيسى وصحة نبوته، وكلاهما تضمن صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فعنفهم الله تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلاف ما قالوا.
قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال: لما قدم أهل نجران من النّصارى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيءٍ، وكفر بعيسى وبالإنجيل. ولهذا قال تعالى: {وهم يتلون الكتاب} أي: وهم يعلمون شريعة التّوراة والإنجيل، كلٌّ منهما قد كانت مشروعةً في وقتٍ، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عنادًا وكفرًا ومقابلةً للفاسد بالفاسد، كما تقدّم عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وقتادة في الرّواية الأولى عنه في تفسيرها، واللّه أعلم.


مسألة : هل الطائفتان صدقتا فيما رمت على الأخرى ك
قال ابن كثير:
1- وقال مجاهدٌ في تفسير هذه الآية: قد كانت أوائل اليهود والنّصارى على شيءٍ.
وقال قتادة: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ} قال: بلى، قد كانت أوائل النّصارى على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا. {وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} قال: بلى قد كانت أوائل اليهود على شيءٍ، ولكنّهم ابتدعوا وتفرّقوا.
2--كقول أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ في تفسير هذه الآية: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} هؤلاء أهل الكتاب الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا القول يقتضي أنّ كلًّا من الطّائفتين صدقت فيما رمت به الطّائفة الأخرى. ولكنّ ظاهر سياق الآية يقتضي ذمّهم فيما قالوه، مع علمهم بخلاف ذلك


معنى قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) ج ط ك
قال الزجاج : يعني به: أن الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهم هذا الاختلاف, وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر, فتفهموا هذا المكان, فإن فيه حجة عظيمة, وعظة في القرآن.
قال ابن عطية: معناه ادعى كل فريق أنه أحق برحمة الله من الآخر.
قال ابن كثير: يبيّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم

المراد بقوله تعالى (وهم يتلون الكتاب) ج ط ك
قال ابن عطية: وفي قوله تعالى: وهم يتلون الكتاب تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده، كما قال الحر بن قيس في عمر بن الخطاب، وكان وقافا عند كتاب الله
وذكره الزجاج
قال ابن كثير: يبيّن بهذا جهل اليهود والنّصارى فيما تقابلوا من القول، وهذا من باب الإيماء والإشارة

المراد ب (الذين لا يعلمون) ج ط ك
قال ابن عطية: اختلف من المراد بقوله لا يعلمون،
1- فقال الجمهور: عنى بذلك كفار العرب، لأنهم لا كتاب لهم،
2- وقال عطاء: المراد أمم كانت قبل اليهود والنصارى،
3- وقال قوم: المراد اليهود، وكأنه أعيد قولهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف
ذكر ابن كثير الأقوال ثم قال :
واختار أبو جعفر بن جريرٍ أنّها عامّةٌ تصلح للجميع، وليس ثمّ دليلٌ قاطعٌ يعيّن واحدًا من هذه الأقوال، فالحمل على الجميع أولى، واللّه أعلم


المراد بقوله تعالى (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ج.
قال الزجاج: المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.

المراد بالكتاب ط ك
قال ابن عطية: والكتاب الذي يتلونه
1- قيل: التوراة والإنجيل، فالألف واللام للجنس،
2- وقيل: التوراة لأن النصارى تمتثلها، فالألف واللام للعهد.


معنى قوله تعالى ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة) ج ط ك
قال ابن عطية: والمعنى بأن يثيب من كان على شيء، أي شيء حق، ويعاقب من كان على غير شيء،
وقال الزجاج: المعنى يريهم عيانا من يدخل الجنة ومن يدخل النار
قال ابن كثير: أنّه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرّةٍ.

سبب تسمية يوم القيامة بذلك ط
قال ابن عطية: ويوم القيامة سمي بقيام الناس من القبور، إذ ذلك مبد لجميع مبدأ في اليوم وفي الاستمرار بعده،

فائدة (كانوا) ط
قال ابن عطية: وقوله كانوا بصيغة الماضي حسن على مراعاة الحكم، وليس هذا من وضع الماضي موضع المستقبل لأن اختلافهم ليس في ذلك اليوم، بل في الدنيا

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 8 محرم 1436هـ/31-10-2014م, 09:00 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (114) إلى الآية (119) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (114) إلى الآية (119) ]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}



مناسبة الآية ك
قال ابن كثير :
وأيضًا فإنّه تعالى لمّا وجّه الذّمّ في حقّ اليهود والنّصارى، شرع في ذمّ المشركين الّذين أخرجوا الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من مكّة، ومنعوهم من الصّلاة في المسجد الحرام،

إعراب (من أظلم ) ومعناها ج ط
قال ابن عطية: من رفع بالابتداء، وأظلم خبره، والمعنى لا أحد أظلم.

إعراب أن في (أن يذكر) ج ط
قال ابن عطية:
– وأن يذكر في موضع نصب:
1- إما على تقدير حذف «من» وتسلط الفعل
2- وإما على البدل من المساجد، وهو بدل الاشتمال الذي شأن البدل فيه أن يتعلق بالمبدل منه ويختص به أو تقوم به صفة
3- ويجوز أن يكون مفعولا من أجله
– ويجوز أن تكون أن في موضع خفض على إسقاط حرف الجر، ذكره سيبويه


المعنيين في الآية ومعنى المساجد ج ط ك
قال ابن عطية: واختلف في المشار إليه من هذا الصنف الظالم،
1- فقال ابن عباس وغيره: المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس ويطرحون فيه الأقذار، ك ط ورجحه ابن جرير
2- وقال قتادة والسدي: المراد الروم الذين أعانوا بختنصر على تخريب بيت المقدس حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء عليه السلام، ج ك ط
3- وقيل: المعنّي بخت نصر، ط ك
4- وقال ابن زيد: المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، رجحه ابن كثير ج ط ك
5- وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة أو خرب مدينة إسلام، لأنها مساجد، وإن لم تكن موقوفة، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة رجحه ابن عطية


معنى (وسعى في خرابها) ط ك
قال ابن عطية:
1- ومن قال من المفسرين إن الآية بسبب بيت المقدس جعل الخراب الحقيقي الموجود،
2- ومن قال هي بسبب المسجد الحرام جعل منع عمارته خرابا

المراد بقوله تعالى (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) ج ك
قال ابن كثير:
1- هذا خبرٌ معناه الطّلب، أي لا تمكّنوا هؤلاء -إذا قدرتم عليهم-من دخولها إلّا تحت الهدنة والجزية. ،
2- وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلّا خائفين على حال التّهيّب، وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلًا أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها. والمعنى: ما كان الحقّ والواجب إلّا ذلك، لولا ظلم الكفرة وغيرهم.
3- وقيل: إنّ هذا بشارةٌ من اللّه للمسلمين أنّه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنّه يذلّ المشركين لهم حتّى لا يدخل المسجد الحرام أحدٌ منهم إلّا خائفًا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم. وقد أنجز اللّه هذا الوعد كما تقدّم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام
رجح الأخير ابن عطية وابن كثير



معنى قوله تعالى (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) ج ك ط
قال ابن كثير:
1- منع المشركين من دخول المسجد الحرام،. وهذا هو الخزي لهم في الدّنيا؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل. فكما صدّوا المؤمنين عن المسجد الحرام، صدوا عنه، وكما أجلوهم من مكّة أجلوا منها {ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ} على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، والدّعاء إلى غير اللّه عنده والطّواف به عريًا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها اللّه ورسوله.
2- وأمّا من فسّر بيت المقدس، فقال كعب الأحبار: إنّ النّصارى لمّا ظهروا على بيت المقدس خرّبوه فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم
وقال السّدّيّ: فليس في الأرض روميٌّ يدخله اليوم إلّا وهو خائفٌ أن يضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها.
3- والصّحيح أنّ الخزي في الدّنيا أعمّ من ذلك كلّه،
ذكر القولان الأولان ابن عطية والزجاج ذكر القول الأول



تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}



سبب الآية ومعناها والنسخ في القبلة ج ط ك
قال ابن عطية:
واختلف المفسرون في سبب هذه الآية،
1- فقال قتادة: أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يصلي المسلمون حيث شاؤوا، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حينئذ، ثم نسخ ذلك كله بالتحول إلى الكعبة،
2- وقال مجاهد والضحاك: معناه إشارة إلى الكعبة، أي حيث كنتم من المشرق والمغرب فأنتم قادرون على التوجه إلى الكعبة التي هي وجه الله الذي وجهكم إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا فهي ناسخة لبيت المقدس، و
3- قال ابن زيد: كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس، وقالوا: ما اهتدى إلا بنا، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم؟ فنزلت وللّه المشرق والمغرب الآية،
4- وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته،
5- وقال النخعي: الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم فثمّ وجه اللّه، أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة، و
6- قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ، وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤوها، فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزلت هذه الآية»، وذكر قوم هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مع القوم في السفر، وذلك خطأ، و
7- قال قتادة أيضا: نزلت هذه الآية في النجاشي، وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الصلاة عليه، فقال قوم كيف نصلي على من لم يصلّ إلى القبلة قط؟، فنزلت هذه الآية، أي إن النجاشي كان يقصد وجه الله وإن لم يبلغه التوجه إلى القبلة،
8- وقال ابن جبير: نزلت الآية في الدعاء لما نزلت ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]، قال المسلمون: إلى أين ندعو، فنزلت فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه،
9- قال المهدوي: وقيل هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها، أي لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب فثمّ وجه اللّه موجود حيث توليتم.
10- وقال أيضا: وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت


المراد بقوله تعالى (ولله المشرق والمغرب) ج ط
قال الزجاج : ومعنى{للّه}أي: هو خالقهما.
قال ابن عطية : والمشرق موضع الشروق، والمغرب موضع الغروب، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات،

سبب تخصيص المشرق والمغرب ط
قال ابن عطية : وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك لأن سبب الآية اقتضى ذلك

المراد ب (تولوا) ط
قال ابن عطية : المعنى فأينما تولوا نحوه وإلي لأن ولّى وإن كان غالب استعمالها أدبر فإنها تقتضي أنه يقبل إلى ناحية، تقول وليت عن كذا وإلى كذا،

المراد ب(وجه الله) ط
قال ابن عطية: ووجه اللّه معناه الذي وجهنا إليه، كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا.
واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافا إلى الله تعالى في مواضع من القرآن،
1- فقال الحذاق: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا، و
2- قال بعض الأئمة: تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى، وضعف أبو المعالي هذا القول، ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه، كما تقول تصدقت لوجه الله تعالى،
3- ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة حسبما يأتي في أحد الأقوال،
4- وقال أبو منصور في المقنع: يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه، كما تقول فلان وجه القوم أي موضع شرفهم، فالتقدير فثم جلال الله وعظمته.

معنى (ثم) وإعرابها ج
قال الزجاج: "ثم" في المكان أشارة بمنزلة: هنا زيد؛ فإذا أردت المكان القريب قلت: هنا زيد، وإذا أردت المكان المتراخي عنك قلت: ثمّ زيد، وهناك زيد، فإنما منعت (ثمّ) الإعراب لإبهامها, ولا أعلم أحدا شرح هذا الشرح؛ لأن هذا غير موجود في كتبهم.

معنى واسع ج ط ك
قال ابن عطية:
1- وواسعٌ معناه متسع الرحمة عليهم أين يضعها،
2- وقيل واسعٌ معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر،
قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: يسع خلقه كلّهم بالكفاية، والإفضال والجود.

معنى عليم ط ك
قال ابن عطية: عليمٌ بالنيات التي هي ملاك العمل، وإن اختلفت ظواهره في قبلة وما أشبهها
قال ابن كثير: يعني: عليمٌ بأعمالهم، ما يغيب عنه منها شيءٌ، ولا يعزب عن علمه، بل هو بجميعها عليمٌ)


مسألة استقبال القبلة في السفر ك
قال ابن كثير: ولم يفرّق الشّافعيّ في المشهور عنه، بين سفر المسافة وسفر العدوى، فالجميع عنه يجوز التّطوّع فيه على الرّاحلة، وهو قول أبي حنيفة خلافًا لمالكٍ وجماعته، واختار أبو يوسف وأبو سعيدٍ الإصطخريّ، التّطوّع على الدّابّة في المصر، وحكاه أبو يوسف عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، واختاره أبو جعفرٍ الطّبريّ، حتّى للماشي أيضًا.
تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}


معنى الآية ج ط ك
قال ابن كثير : اشتملت هذه الآية الكريمة، والتي تليها على الرّدّ على النّصارى - عليهم لعائن اللّه-وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب، ممّن جعل الملائكة بنات اللّه، فأكذب اللّه جميعهم في دعواهم وقولهم: إنّ للّه ولدًا. فقال تعالى: {سبحانه} أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك علوًّا كبيرًا {بل له ما في السّماوات والأرض} أي: ليس الأمر كما افتروا، وإنّما له ملك السّماوات والأرض، وهو المتصرّف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم، ومقدّرهم ومسخّرهم، ومسيّرهم ومصرّفهم، كما يشاء، والجميع عبيدٌ له وملكٌ له، فكيف يكون له ولدٌ منهم،فقرّر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنّه السّيّد العظيم، الذي لا نظير له ولا شبيه له، وأنّ جميع الأشياء غيره مخلوقةٌ له مربوبةٌ، فكيف يكون له منها ولدٌ

القراءات في (قالوا) ط ومعناها
قال ابن عطية :
1- قرأ هذه الآية عامة القراء «وقالوا» بواو تربط الجملة بالجملة، أو تعطف على سعى [البقرة: 114]،
2- وقرأ ابن عامر وغيره «قالوا» بغير واو، وقال أبو علي: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وحذف منه الواو يتجه من وجهين، أحدهما أن هذه الجملة مرتبطة في المعنى بالتي قبلها فذلك يغني عن الواو، والآخر أن تستأنف هذه الجملة ولا يراعى ارتباطها بما تقدم،

مرجع الضمير في (قالوا) ج ط ك
قال الزجاج وابن عطية وابن كثير : النصارى, ومشركي العرب واليهود ؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن اللّه، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات اللّه ،وقال اليهود عزير ابن الله


مسألة نفي الولد عن الله ط ك
قال ابن عطية: ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد لا من المخلوقات المملوكات.
قال ابن كثير: وإنّما له ملك السّماوات والأرض، وهو المتصرّف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم، ومقدّرهم ومسخّرهم، ومسيّرهم ومصرّفهم، كما يشاء، والجميع عبيدٌ له وملكٌ له، فكيف يكون له ولدٌ منهم، والولد إنّما يكون متولّدًا من شيئين متناسبين، وهو تبارك وتعالى ليس له نظيرٌ، ولا مشاركٌ في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له، فكيف يكون له ولدٌ

معنى (سبحانه ) ط ك
قال ابن عطية: وسبحانه مصدر معناه تنزيها له وتبرئة مما قالوا،
قال ابن كثير: أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك علوًّا كبيرًا


إعراب (له ما السموات) ط
قال ابن عطية: وما رفع بالابتداء، والخبر في المجرور، أو في الاستقرار المقدر، أي كل ذلك له ملك، والذي قالوا اتّخذ اللّه ولداً داخل في جملة ما في السّماوات والأرض


معنى القنوت في اللغة و الاصطلاح ج ط ك
قال ابن عطية: والقنوت في اللغة الطاعة، والقنوت طول القيام في عبادة، ومنه القنوت في الصلاة، فمعنى الآية أن المخلوقات كلها تقنت لله أي تخضع وتطيع، والكفار والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظله وهو كاره)


معنى قوله تعالى (كل له قانتون) ج ك
قال ابن كثير: عن مجاهدٍ: {كلٌّ له قانتون} مطيعون، يقول: طاعة الكافر في سجود ظلّه وهو كارهٌ.
وهذا القول عن مجاهدٍ -وهو اختيار ابن جريرٍ-يجمع الأقوال كلّها، وهو أنّ القنوت: هو الطّاعة والاستكانة إلى اللّه، وذلك شرعيٌّ وقدري، كما قال تعالى: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال} [الرّعد: 15].



تفسير قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}

مناسبة الآية لما قبلها ك
قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: فمعنى الكلام: فسبحان اللّه أنّى يكون للّه ولدٌ، وهو مالكٌ ما في السّماوات والأرض، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانيّة، وتقرّ له بالطّاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصلٍ ولا مثالٍ احتذاها عليه. وهذا إعلامٌ من اللّه عباده أنّ ممّن يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى اللّه بنوّته، وإخبارٌ منه لهم أنّ الذي ابتدع السّماوات والأرض من غير أصلٍ وعلى غير مثالٍ، هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والدٍ بقدرته.
وهذا من ابن جريرٍ، رحمه اللّه، كلامٌ جيّدٌ وعبارةٌ صحيحةٌ.

معنى بديع واشتقاقها وعلاقتها بالبدعة ط ج ك
قال الزجاج: وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه؛ قيل له: أبدعت، يعني:ولهذا قيل لكل من خالف السّنّة والإجماع مبتدع؛ لأنه يأتي في دين الإسلام بما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون.

أنواع البدعة وحكمها ك
قال ابن كثير : والبدعة على قسمين: تارةً تكون بدعةً شرعيّةً، كقوله: فإنّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ. وتارةً تكون بدعةً لغويّةً، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن جمعه إيّاهم على صلاة التّراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه.


معنى قوله تعالى ( بديع السموات والأرض) ج ك
قال ابن كثير: أي: خالقهما على غير مثالٍ سبق

سبب تخصيص السموات والأرض ط
قال ابن عطية : وخص السّماوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا،

معنى قضى ط
قال ابن عطية:
1- معناه قدر
2- وقد يجيء بمعنى أمضى
ويتجه في هذه الآية المعنيان، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه،
3- وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد.

اشتقاق (الأمر) ط
قال ابن عطية: والأمر واحد الأمور، وليس هنا بمصدر أمر يأمر

معنى قوله تعالى (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ج ط ك
قال ابن كثير : } يبيّن بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنّه إذا قدّر أمرًا وأراد كونه، فإنّما يقول له: كن. أي: مرّةً واحدةً، فيكون، أي: فيوجد على وفق ما أراد،

ونبّه تعالى بذلك أيضًا على أنّ خلق عيسى بكلمة: كن، فكان كما أمره اللّه،


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}


سبب نزول الآية ك
قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رافع بن حريملة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، إن كنت رسولًا من اللّه كما تقول، فقل للّه فليكلمنا حتّى نسمع كلامه. فأنزل اللّه في ذلك

معنى الآية ج
قال الزجاج: فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن كفرهم في التعنّت بطلب الآيات على اقتراحهم كقول الذين من قبلهم لموسى:*{أرنا اللّه جهرة}*وما أشبه هذا، فأعلم الله أن كفرهم متشابه، وأن قلوبهم قد تشابهت في الكفر.


المقصودين بالآية (الذين لا يعلمون) ط ك
قال ابن عطية:
1- قال الربيع والسدي: هم كفار العرب.
2- وقال مجاهد: هم النصارى لأنهم المذكورون في الآية أولا، ورجحه الطبري
3- وقال ابن عباس: المراد من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، لأن رافع بن حريملة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله،
4- وقيل: الإشارة بقوله لا يعلمون إلى جميع هذه الوظائف، لأن كلهم قال هذه المقالة أو نحوها، ويكون الّذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم،

وذكرها ابن كثير

معنى لولا ج ط
قال الزجاج : {لولا}: معنى هلا، المعنى: هلا يكلمنا اللّه
قال ابن عطية: ولولا تحضيض بمعنى هلا

معنى (لولا يكلمنا الله) ك
قال ابن كثير:
1- حكى القرطبيّ {لولا يكلّمنا اللّه} أي: لو يخاطبنا بنبوّتك يا محمّد،
2- قلت: وظاهر السّياق أعمّ،


المراد بالآية ط
قال ابن عطية: والآية هنا العلامة الدالة،

المراد ب (الذين من قبلهم) ط
قال ابن عطية: والّذين من قبلهم اليهود والنصارى في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب، وهم الأمم السالفة في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب والنصارى واليهود، وهم اليهود في قول من جعل الّذين لا يعلمون النصارى،

معنى (تشابهت قلوبهم) ج ط ك
قال ابن كثير: أي: أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدّمهم في الكفر والعناد والعتوّ،

معنى قوله تعالى (قد بينا الآيات لقوم يوقنون) ج ط ك
قال ابن كثير: وقوله: {قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون} أي: قد وضّحنا الدّلالات على صدق الرّسل بما لا يحتاج معها إلى سؤالٍ آخر وزيادةٍ أخرى، لمن أيقن وصدّق واتّبع الرّسل، وفهم ما جاؤوا به عن اللّه تبارك وتعالى. وأمّا من ختم اللّه على قلبه وجعل على بصره غشاوةً فأولئك الّذين قال اللّه تعالى فيهم: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون* ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم}

سبب تخصيص الموقنين بالبيان ط
قال ابن عطية: لما تقدم ذكر الذين أضلهم الله حتى كفروا بالأنبياء وطلبوا ما لا يجوز لهم أتبع ذلك بذكر الذين بين لهم ما ينفع وتقوم به الحجة، لكن البيان وقع وتحصل للموقنين، فلذلك خصهم بالذكر، ويحتمل أن يكون المعنى قد بينا البيان الذي هو خلق الهدى، فكأن الكلام قد هدينا من هدينا،

الفرق بين العلم واليقين ط
قال ابن عطية:
- واليقين إذا اتصف به العلم خصصه وبلغ به نهاية الوثاقة، وقوله تعالى بيّنّا قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم، وقرينة أخرى، وهي أن الكلام مدح لهم،
- وأما اليقين في استعمال الفقهاء إذا لم يتصف به العلم فإنه أحط من العلم، لأن العلم عندهم معرفة المعلوم على ما هو به واليقين معتقد يقع للموقن في حقه والشيء على خلاف معتقده، ومثال ذلك تيقن المقادة ثبوت الصانع، ومنه قول مالك- رحمه الله- في «الموطأ» في مسألة الحالف على الشيء يتيقنه والشيء في نفسه على غير ذلك.
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأما حقيقة الأمر فاليقين هو الأخص وهو ما علم على الوجه الذي لا يمكن أن يكون إلا عليه



تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}

إعراب بشيرا ونذيرا ومعناها ج ط ك
قال الزجاج: نصب*{بشيراً ونذيراً}*على الحال، ومعنى*{بشيراً}*أي: مبشراً المؤمنين بما لهم من الثواب، وينذر المخالفين بما أعد لهم من العقاب.


القراءات في (ولا تسأل) وإعرابها ومعناها ج ط ك
قال ابن عطية:
1- وقرأ نافع وحده «ولا تسأل» بالجزم على النهي، وفي ذلك معنيان: أحدهما لا تسأل على جهة التعظيم لحالهم من العذاب، كما تقول: فلان لا تسأل عنه، تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر، والمعنى الثاني روي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري ما فعل أبواي» فنزلت ولا تسئل.
وحكى المهدوي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري أي أبوي أحدث موتا»، فنزلت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ ممن رواه أو ظنه فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم،
2- وقرأ باقي السبعة «ولا تسأل» بضم التاء واللام،
3- وقرأ قوم «ولا تسأل» بفتح التاء وضم اللام، ويتجه في هاتين القراءتين معنيان: أحدهما الخبر أنه لا يسأل عنهم، أو لا يسأل هو عنهم، والآخر أن يراد معنى الحال كأنه قال: وغير مسؤول أو غير سائل عنهم، عطفا على قوله بشيراً ونذيراً،
4- وقرأ أبي بن كعب «وما تسأل»،
5- وقرأ ابن مسعود «ولن تسأل»، وهاتان القراءتان تؤيدان معنى القطع والاستئناف في غيرهما

ذكر القراءات ومعناها الزجاج وابن كثير ثم قال ابن كثير: وقد ردّ ابن جريرٍ هذا القول المرويّ عن محمّد بن كعبٍ [القرظيّ] وغيره في ذلك، لاستحالة الشّكّ من الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر أبويه. واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظرٌ، لاحتمال أنّ هذا كان في حال استغفاره لأبويه قبل أن يعلم أمرهما، فلمّا علم ذلك تبرّأ منهما، وأخبر عنهما أنّهما من أهل النّار [كما ثبت ذلك في الصّحيح] ولهذا أشباهٌ كثيرةٌ ونظائر، ولا يلزم ما ذكر ابن جريرٍ. واللّه أعلم.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 8 محرم 1436هـ/31-10-2014م, 10:31 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (120) إلى الآية (123) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (120) إلى الآية (123) ]


تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}


تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}


سبب الآية ط ج
قال ابن عطية: وروي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم، وأطلعه على سر خداعهم.
ج ومعنى الآية: أن الكفار كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة , ويرون إنّه إن هادنهم وأمهلهم أسلموا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللّه , ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه، ثم أعلمه اللّه عزّ وجل وسائر الناس أن من كان منهم غير متعنت , ولا حاسد, ولا طالب لرياسة , تلا التوراة كما أنزلت , فذكر فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, فآمن به , فقال تعالى:*{الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}

معنى قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ك
قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: وليست اليهود -يا محمّد -ولا النّصارى براضيةٍ عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا اللّه في دعائهم إلى ما بعثك اللّه به من الحقّ.


معنى ملتهم في اللغة ج ط
قال الزجاج : ومعنى*{ملتهم}*في اللغة: سنتهم وطريقتهم، ومن هذا الملة أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها كما يؤثّر في الطريق.
وكلام العرب إذا اتفق لفظه, فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض.
قال ابن عطية: والملة الطريقة، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه.

سبب إفراد الملة ط ك
قال ابن عطية: وقال: ملّتهم وهما مختلفتان بمعنى لن ترضى اليهود حتى تتبع ملتهم ولن ترضى النصارى حتى تتبع ملتهم، فجمعهم إيجازا، لأن ذلك مفهوم،
قال ابن كثير: وقد استدلّ كثيرٌ من الفقهاء بقوله: {حتّى تتّبع ملّتهم} حيث أفرد الملّة على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}


معنى قوله تعالى (إن هدى الله هو الهدى ) ج ط ك
قال الزجاج: قوله عزّ وجلّ:*{إنّ هدى اللّه هو الهدى}*أي: الصراط الذي دعا إليه , وهدى إليه هو الطريق , أي: طريق الحق.
قال ابن عطية: وقوله تعالى: قل إنّ هدى اللّه هو الهدى أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي، لا ما يدعيه هؤلاء.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: قل يا محمّد: إنّ هدى اللّه الذي بعثني به هو الهدى، يعني: هو الدّين المستقيم الصّحيح الكامل الشّامل.
قال قتادة في قوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} قال: خصومةٌ علّمها اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، يخاصمون بها أهل الضّلالة. قال قتادة: وبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "لا تزال طائفةٌ من أمّتي يقتتلون على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم، حتّى يأتي أمر اللّه".
قلت: هذا الحديث مخرّج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو.

الخطاب في (ولئن اتبعت أهوائهم ) ط ك
قال ابن عطية: ثم قال تعالى لنبيه ولئن اتّبعت أهواءهم الآية، فهذا شرط خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلة فيه،
قال ابن كثير: فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ للأمّة عن اتّباع طرائق اليهود والنّصارى، بعد ما علموا من القرآن والسّنّة، عياذًا باللّه من ذلك، فإنّ الخطاب مع الرّسول، والأمر لأمّته.

معنى أهوائهم وسبب جمعها ط ج
قال ابن عطية: «أهواء» جمع هوى، ولما كانت مختلفة جمعت، ولو حمل على إفراد الملة لقيل هواهم،
ج وقوله عزّ وجلّ:*{ولئن اتّبعت أهواءهم}*إنما جمع ولم يقل هواهم؛ لأن جميع الفرق ممن خالف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم, وجمع هوى على أهواء، كما يقال: جمل وأجمال، وقتب وأقتاب.


معنى الولي ط
قال ابن عطية: والولي الذي يتولى الإصلاح والحياطة والنصر والمعونة

اشتقاق نصير ط
قال ابن عطية: ونصيرٍ بناء مبالغة في اسم الفاعل من نصر

مسألة حكم التوراث بين ملل مختلفة ك
قال ابن كثير: فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفّار، وكلٌّ منهم يرث قرينه سواءٌ كان من أهل دينه أم لا؛ لأنّهم كلّهم ملّةٌ واحدةٌ، وهذا مذهب الشّافعيّ وأبي حنيفة وأحمد في روايةٍ عنه. وقال في الرّواية الأخرى كقول مالكٍ: إنّه لا يتوارث أهل ملّتين شتّى، كما جاء في الحديث،



تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}


معنى الآية ج
قال الزجاج: *يعني: أن الذين تلوا التوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل: أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم.
قال ابن كثير: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزّلة على الأنبياء المتقدّمين حقّ إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمّد،

معنى آتيناهم ط
قال ابن عطية: وآتيناهم معناه أعطيناهم،

المقصود ب (الذين آتيناهم الكتاب ) ط ك
قال ابن عطية:
1- وقال قتادة: المراد ب الّذين في هذا الموضع من أسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب على هذا التأويل القرآن،
2- وقال ابن زيد: المراد من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، والكتاب على هذا التأويل التوراة،
3- وقال قوم: هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة، فأثنى الله عليهم،
4- ويحتمل أن يراد ب الّذين العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب، ويكون الكتاب اسم الجنس،
5- وقال ابن كثير: عن قتادة: هم اليهود والنّصارى. وهو قول عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جريرٍ.
وذكر ابن كثير قول قتادة الأول

معنى( يتلونه حق تلاوته ) ط ك
قال ابن عطية:
1- ويتلونه معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي،
2- وقيل يتلونه يقرؤونه حق قراءته، وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال،
قال ابن كثير:
1- عن عمر بن الخطّاب قال: إذا مرّ بذكر الجنّة سأل اللّه الجنّة، وإذا مرّ بذكر النّار تعوّذ باللّه من النّار.
2- وقال أبو العالية: قال ابن مسعودٍ: والذي نفسي بيده، إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله اللّه، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئًا على غير تأويله.
3- وقال الحسن البصريّ: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه.
4- عن ابن عبّاسٍ، وغيره قال: يتّبعونه حقّ اتّباعه،


معنى حق وإعرابها ط
قال ابن عطية: وحقّ مصدر، والعامل فيه فعل مضمر، وهو بمعنى أفعل، ولا يجوز إضافته إلى واحد معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم رجل واحد أمة، ونسيج وحده،


مرجع الضمير في ( به ) ط
قال ابن عطية:
1- والضمير في به عائد على الكتاب،
2- وقيل: يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به.
3- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل عندي أن يعود الضمير على الهدى الذي تقدم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في أول الآية وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هدى اللّه هو الهدى الذي أعطاه وبعثه به،


معنى الخسران ط
قال ابن عطية: والخسران نقصان الحظ)



تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}


نعمة الله على بني إسرائيل وتفضيلهم ج
قال الزجاج : وتأويل تفضيلهم في هذه الآية: ما أوتوا من الملك , وأن فيهم أنبياء , وأنهم أعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به،

مناسبة الآية لما بعدها ج
قال الزجاج : فذكرهم اللّه عزّ وجلّ ما هم عارفون، ووعظهم فقال:*{واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون

المراد بالعالمين ط
قال ابن عطية:
1- وإن قدرنا فضيلة بني إسرائيل مخصوصة في كثرة الأنبياء وغير ذلك فالعالمون عموم مطلق،
2- وإن قدرنا تفضيلهم على الإطلاق فالعالمون عالمو زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بالنص،

سبب تكرار الآية ك
قال ابن كثير: قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}

معنى العدل ج
قال الزجاج: العدل: الفدية

سبب ذكر عدم منفعه الشفاعة ج
قال الزجاج: وقيل لهم:*{ولا تنفعها شفاعة}؛ لأنهم كانوا يعتمدون على أنهم أبناء أنبياء اللّه، وأنهم يشفعون لهم، فأيئسهم اللّه عزّ وجلّ من ذلك, وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فليس ينجيه من عذاب اللّه شيء , وهو كاف

المراد الشفاعة ط
قال ابن عطية: ومعنى لا تنفعها شفاعةٌ أي ليست ثم، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد، وإنما نفى أن تكون ثم شفاعة على حد ما هي في الدنيا، وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة في خاصتهم، وأما الأخيرة التي هي بإذن من الله تعالى في أهل المعاصي من المؤمنين فهي بعد أن أخذ العقاب حقه، وليس لهؤلاء المتوعدين من الكفار منها شيء)

سبب تكرار الآية ك
قال ابن كثير: قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 9 محرم 1436هـ/1-11-2014م, 03:28 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (124) إلى الآية (126) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (124) إلى الآية (126) ]

تفسير قوله تعالى:*{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير: يقول تعالى منبّهًا على شرف إبراهيم خليله، عليه السّلام وأنّ اللّه تعالى جعله إمامًا للنّاس يقتدى به في التّوحيد، حتّى قام بما كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنّواهي؛ ولهذا قال:*{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ}*أي: واذكر -يا محمّد -لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الّذين ينتحلون ملّة إبراهيم وليسوا عليها، وإنّما الذي هو عليها مستقيمٌ فأنت والّذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء اللّه إبراهيم، أي: اختباره له بما كلّفه به من الأوامر والنّواهي*{فأتمّهنّ}*أي: قام بهنّ كلّهنّ، كما قال تعالى:*{وإبراهيم الّذي وفّى}*[النّجم: 37]، أي: وفّى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات اللّه عليه، {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ}*أي: قام بهنّ. قال:*{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا}*أي: جزاءً على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزّواجر، جعله اللّه للنّاس قدوةً وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.
وقال ابن جرير رحمه اللّه: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك. ثمّ أورد سؤالًا فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيءٌ من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين: أحدهما: أنّه أمرهما بتطهيره ممّا كان يعبد عنده زمان قوم نوحٍ من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنّة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما قال عبد الرّحمن بن زيدٍ:*{أن طهّرا بيتي}*قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظّمونها.
قلت: وهذا الجواب مفرّع على أنّه كان يعبد عنده أصنامٌ قبل إبراهيم عليه السّلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليلٍ عن المعصوم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.
الجواب الثّاني: أنّه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهّرًا من الشّرك والرّيب
العامل في (وإذ) ج ط ك
والعامل في إذ فعل، تقديره: واذكر إذ


معنى ابتلى ج ط ك
معنى*{ابتلى}: اختبر.


معنى إبراهيم ط
قال ابن عطية: وإبراهيم يقال إن تفسيره بالعربية أب رحيم،


فائدة تقديم (إبراهيم) ط
قال ابن عطية : وقدم على الفاعل للاهتمام، إذ كون الرب مبتليا معلوم، فإنما يهتم السامع بمن ابتلى، وكون ضمير المفعول متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام.


معنى فأتمهن ج ط
قال الزجاج: معنى*{فأتمهن}: وفّى بما أمر به فيهن،
قال ابن عطية: وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار، فذلك قوله تعالى: وإبراهيم الّذي وفّى

المراد بالكلمات ج ط ك
قال ابن عطية: واختلف أهل التأويل في الكلمات،
1- فقال ابن عباس: هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلوات الله عليه، عشرة منها في براءة التّائبون العابدون [التوبة: 112]، وعشرة في الأحزاب إنّ المسلمين والمسلمات [الأحزاب: 35]، وعشرة في سأل سائلٌ [المعارج: 1]
2- ، وقال ابن عباس أيضا وقتادة: الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وفرق الرأس، وقيل بدل فرق الراس: إعفاء اللحية، وخمس في الجسد تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان،
3- وقال ابن عباس أيضا: هي عشرة خصال، ست في البدن وأربع في الحج: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغسل يوم الجمعة، والطواف بالبيت، والسعي، ورمي الجمار، والإفاضة
4-، وقال الحسن بن أبي الحسن: هي الخلال الست التي امتحن بها، الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، وقيل بدل الهجرة: الذبح،
5- وقالت طائفة: هي مناسك الحج خاصة،
6- وروي أن الله عز وجل أوحى إليه أن تطهر، فتمضمض، ثم أن تطهر فاستنشق، ثم أن تطهر فاستاك، ثم أن تطهر فأخذ من شاربه، ثم أن تطهر ففرق شعره، ثم أن تطهر فاستنجى، ثم أن تطهر فحلق عانته، ثم أن تطهر فنتف إبطه، ثم أن تطهر فقلم أظفاره، ثم أن تطهر فأقبل على جسده ينظر ما يصنع فاختتن بعد عشرين ومائة سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي البخاري أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
وقال الراوي: فأوحى الله إليه إنّي جاعلك للنّاس إماماً يأتمون بك في هذه الخصال، ويقتدي بك الصالحون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أقوى الأقوال في تفسير هذه الآية، وعلى هذه الأقوال كلها فإبراهيم عليه السلام هو الذي أتم.
7- وقال مجاهد وغيره: إن الكلمات هي أن الله عز وجل قال لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل البيت مثابة، قال الله: نعم، قال إبراهيم وأمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترينا مناسكنا وتتوب علينا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل هذا البلد آمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترزق أهله من الثمرات، قال الله: نعم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم، وقد طول المفسرون في هذا، وذكروا أشياء فيها بعد فاختصرتها

قال ابن كثير: وقوله تعالى:*{بكلماتٍ}*أي: بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإنّ الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدريّة، كقوله تعالى عن مريم، عليها السّلام،:*{وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين}[التّحريم: 12]. وتطلق ويراد بها الشّرعيّة، كقوله تعالى:*{وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا لا مبدّل لكلماته}*[الأنعام: 115]*أي: كلماته الشّرعيّة. وهي إمّا خبر صدقٍ، وإمّا طلب عدلٍ إن كان أمرًا أو نهيًا،
وذكر أقوالا مثل أقوال ابن عطية
ثم قال : قال بن جريرٍ ما حاصله: أنّه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجائزٌ أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيءٍ منها أنّه المراد على التّعيين إلّا بحديثٍ أو إجماعٍ. قال: ولم يصحّ في ذلك خبرٌ بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التّسليم له.
قلت: والذي قاله أوّلًا من أنّ الكلمات تشمل جميع ما ذكر، أقوى من هذا الذي جوّزه من قول مجاهدٍ ومن قال مثله؛ لأنّ السّياق يعطي غير ما قالوه واللّه أعلم


سبب تسمية الخصال بالكلمات ط
قال ابن عطية: وإنما سميت هذه الخصال كلمات، لأنها اقترنت بها أوامر هي كلمات،

معنى الإمام واشتقاقه ج ط
قال الزجاج : ؛الأم: في اللغة القصد، تقول: أممت كذا وكذا، إذا قصدته, وكذلك قوله:*{فتيمّموا صعيداً طيّباً}, أي: فاقصدوا, والإمام: الذي يؤتم به, فيفعل أهله وأمته كما فعل، أي: يقصدون لما يقصد.
قال ابن عطية: والإمام القدوة، ومنه قيل لخيط البناء: إمام، وهو هنا اسم مفرد، وقيل في غير هذا الموضع: هو جمع آم وزنه فاعل أصله آمم،

معنى قوله تعالى ( إني جاعلك للناس إماما) ط
قال ابن عطية: وجعل الله تعالى إبراهيم إماما لأهل طاعته، فلذلك أجمعت الأمم على الدعوى فيه، وأعلم الله تعالى أنه كان حنيفا،


معنى قوله تعالى (ومن ذريتي ) ك ج
قال ابن كثير: *لمّا جعل اللّه إبراهيم إمامًا، سأل اللّه أن تكون الأئمة من بعده من ذرّيّته، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنّه سيكون من ذرّيّته ظالمون، وأنّه لا ينالهم عهد اللّه، ولا يكونون أئمّةً فلا يقتدى بهم، والدّليل على أنّه أجيب إلى طلبته قول اللّه تعالى في سورة العنكبوت:*{وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب}[العنكبوت: 27]*فكلّ نبيٍّ أرسله اللّه وكلّ كتابٍ أنزله اللّه بعد إبراهيم ففي ذرّيّته صلوات اللّه وسلامه عليه.


معنى قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) ج ط ك
قال ابن كثير:
1- عن مجاهدٍ قال: إنّه سيكون في ذرّيّتك ظالمون.
2- وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ،* وفي روايةٍ: لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به. .


المراد بالعهد ط ك
قال ابن عطية: وقوله تعالى: قال لا ينال عهدي، أي قال الله، والعهد فيما قال مجاهد: الإمامة، وقال السدي: النبوءة، وقال قتادة: الأمان من عذاب الله، وقال الربيع والضحاك: العهد الدين: دين الله تعالى.


المراد بالظلم في الآية ط
قال ابن عطية:
1- وإذا أولنا العهد الدين أو الأمان أو أن لا طاعة لظالم فالظلم في الآية ظلم الكفر، لأن العاصي المؤمن ينال الدين والأمان من عذاب الله وتلزم طاعته إذا كان ذا أمر
2- وإذا أولنا العهد النبوءة أو الإمامة في الدين فالظلم ظلم المعاصي فما زاد





تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}

معنى الآية ك
قال ابن كثير: أنّ اللّه تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا من كونه مثابةً للنّاس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولو ترددت إليه كلّ عامٍ، استجابةً من اللّه تعالى لدعاء خليله إبراهيم، عليه السّلام، ويصفه تعالى بأنّه جعله أمنًا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثمّ دخله كان آمنًا.
وفي هذه الآية الكريمة نبّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصّلاة عنده.


سبب نزول الآية ج ك
قال ابن كثير: حديث أن جابرًا يحدّث عن حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا طاف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فأنزل اللّه، عزّ وجلّ:*{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}.


معنى (وإذ جعلنا) ط
قال ابن عطية: قوله وإذ عطف على إذ المتقدمة


المراد بالبيت ط
قال ابن عطية: والبيت الكعبة


معنى قوله تعالى ( وإذ جعلنا البيت مثابة وأمنا) ط ك
قال ابن كثير: عن ابن عبّاسٍ: قوله تعالى:*{وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}*يقول: لا يقضون منه وطرًا، يأتونه، ثمّ يرجعون إلى أهليهم، ثمّ يعودون إليه.
قال ابن زيدٍ:*{وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}*قال: يثوبون إليه من البلدان كلّها ويأتونه.


معنى مثابة واشتقاقها ج ط ك
قال الزجاج: {مثابة}: يثوبون إليه، والمثاب والمثابة واحد، وكذلك المقام والمقامة.
و الأصل في مثابة "مثوبة", ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع مثابة باب "ثاب" وأصل ثاب "ثوب"، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها, وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك.
قال ابن عطية:
1- ومثابةً يحتمل أن تكون من ثاب إذا رجع لأن الناس يثوبون إليها أي ينصرفون،
2- ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك،
قال ابن كثير: {مثابةً للنّاس}*أي: مجمعًا


سبب دخول الهاء على مثابة ط
قال ابن عطية:
1- قال الأخفش: دخلت الهاء فيها للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع، لأنه قل ما يفارق أحد البيت إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا، فهي كنسابة وعلامة
2- وقال غيره: هي هاء تأنيث المصدر، فهي مفعلة أصلها مثوبة نقلت حركة الواو إلى الثاء فانقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها
3- وقيل: هو على تأنيث البقعة، كما يقال: مقام ومقامة


معنى أمنا ج ط ك
قال ابن عطية: وأمناً معناه أن الناس يغيرون ويقتتلون حول مكة وهي آمنة من ذلك، يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه، لأن الله تعالى جعل لها في النفوس حرمة وجعلها أمنا للناس والطير والوحوش، وخصص الشرع من ذلك الخمس الفواسق، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم


القراءات في (اتخذوا) ومعناها ج ط

قال ابن عطية:
1- وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «واتخذوا» بكسر الخاء على جهة الأمر.
2- وقرأ نافع وابن عامر «واتخذوا» بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم، وذلك معطوف على قوله وإذ جعلنا، كأنه قال: وإذ اتخذوا، وقيل هو معطوف على جعلنا دون تقدير إذ، فهي جملة واحدة، وعلى تقدير إذ فهي جملتان.


المخاطبين بالآية ط
قال ابن عطية:
1- فهذا أمر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
2- ، وقال المهدوي: وقيل ذلك عطف على قوله اذكروا فهذا أمر لبني إسرائيل،
3- وقال الربيع بن أنس: ذلك أمر لإبراهيم ومتبعيه، فهي من الكلمات، كأنه قال: إنّي جاعلك للنّاس إماماً [البقرة: 124] واتّخذوا،
4- وذكر المهدوي رحمه الله أن ذلك عطف على الأمر الذي يتضمنه قوله: جعلنا البيت مثابةً، لأن المعنى: توبوا،


المراد ب (مقام إبراهيم ) ط ك
قال ابن عطية: واختلف في مقام إبراهيم
1- فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما، وخرجه البخاري: إنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه.
2- وقال الربيع بن أنس: هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه،
3- وقال فريق من العلماء: المقام المسجد الحرام،
4- وقال عطاء بن أبي رباح: المقام عرفة والمزدلفة والجمار،
5- وقال ابن عباس: مقامه مواقف الحج كلها، وقال مجاهد: مقامه الحرم كله.
ذكر ابن كثير الأقوال السابقة وقال :
وروى البخاريّ بسنده، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر يقول: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين.
فهذا كلّه ممّا يدلّ على أنّ المراد بالمقام إنّما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام، يقوم عليه لبناء الكعبة، لمّا ارتفع الجدار أتاه إسماعيل، عليه السّلام، به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، كلّما كمّل ناحيةً انتقل إلى النّاحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقفٌ عليه، كلّما فرغ من جدارٍ نقله إلى النّاحية التي تليها هكذا، حتّى تمّ جدارات الكعبة، كما سيأتي بيانه في قصّة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت، من رواية ابن عبّاسٍ عند البخاريّ. وكانت آثار قدميه ظاهرةٌ فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليّتها؛ ولهذا قال أبو طالبٍ في قصيدته المعروفة اللّاميّة:

وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبةٌ.......على قدميه حافيًا غير ناعل

وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضًا. وقال عبد اللّه بن وهبٍ: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ: أنّ أنس بن مالكٍ حدّثهم، قال: رأيت المقام فيه أثر أصابعه عليه السّلام، وإخمص قدميه، غير أنّه أذهبه مسح النّاس بأيديهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة:*{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}*إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئًا ما تكلّفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت هذه الأمّة يمسحونه حتّى اخلولق وانمحى.
قلت: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروفٌ اليوم إلى جانب الباب ممّا يلي الحجر يمنة الدّاخل من الباب في البقعة المستقلّة هناك، وكان الخليل، عليه السّلام لمّا فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنّه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا -واللّه أعلم-أمر بالصّلاة هناك عند فراغ الطّواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنّما أخّره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وهو أحد الأئمّة المهديّين والخلفاء الرّاشدين، الّذين أمرنا باتّباعهم، وهو أحد الرّجلين اللّذين قال فيهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:*«اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكرٍ وعمر». وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصّلاة عنده؛ ولهذا لم ينكر ذلك أحدٌ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم أجمعين.


معنى (مصلى) ط
قال ابن عطية: ومصلًّى موضع صلاة، هذا على قول من قال: المقام الحجر، ومن قال بغيره قال مصلًّى مدعى، على أصل الصلاة.

معنى (وعهدنا إلى إبراهيم ) ط ك
قال ابن عطية: وقوله تعالى: وعهدنا العهد في اللغة على أقسام، هذا منها الوصية بمعنى الأمر، وأن في موضع نصب على تقدير بأن وحذف الخافض، قال سيبويه: إنها بمعنى أي مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب
قال ابن كثير: قال الحسن البصريّ: قوله:*{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل}*قال: أمرهما اللّه أن يطهّراه من الأذى والنّجس ولا يصيبه من ذلك شيءٌ.
وقال ابن جريجٍ: قلت لعطاءٍ: ما عهده؟ قال: أمره.


فائدة في تعديه الفعل عهدنا ب (إلى) ك
قال ابن كثير: . والظّاهر أنّ هذا الحرف إنّما عدّي بإلى، لأنّه في معنى تقدّمنا وأوحينا.

معنى ( وطهرا ) ج ط ك
قال ابن عطية: وطهّرا قيل معناه
1- ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة، فيجيء مثل قوله: أسّس على التّقوى [التوبة: 108]
2- وقال مجاهد: هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان،
3- وقيل: من الفرث والدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لا تعضده الأخبار،
4- وقيل: من الشرك،
وذكر ابن كثير الأقوال ثم قال :
وقال ابن جرير رحمه اللّه: فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك.


هل كان عند البيت شيء يحتاج للتطهير منه ك
قال ابن كثير:
قال ابن جرير : فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيءٌ من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين:
1- أحدهما: أنّه أمرهما بتطهيره ممّا كان يعبد عنده زمان قوم نوحٍ من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنّة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما قال عبد الرّحمن بن زيدٍ:*{أن طهّرا بيتي}*قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظّمونها.
قلت: وهذا الجواب مفرّع على أنّه كان يعبد عنده أصنامٌ قبل إبراهيم عليه السّلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليلٍ عن المعصوم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.
2- الجواب الثّاني: أنّه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهّرًا من الشّرك والرّيب، كما قال جلّ ثناؤه:*{أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ}[التّوبة: 109]*قال: فكذلك قوله:*{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي}*أي: ابنيا بيتي على طهرٍ من الشّرك بي والرّيب، كما قال السّدّيّ:*{أن طهّرا بيتي}*ابنيا بيتي للطّائفين.
وملخّص هذا الجواب: أنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطّائفين به والعاكفين عنده، والمصلّين إليه من الرّكّع السّجود


فائدة في أضافه الياء إلى البيت ط
قال ابن عطية: وأضاف الله البيت إلى نفسه تشريفا للبيت، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك

معنى (الطائفين) ج ط ك
قال ابن عطية وابن كثير:
1- ظاهره أهل الطواف، وقاله عطاء وغيره
2- وقال ابن جبير: معناه للغرباء الطارئين على مكة



معنى (العاكفين) ج ط ك
قال ابن عطية: والعاكفين
1- قال ابن جبير: هم أهل البلد المقيمون
2- وقال عطاء: هم المجاورون بمكة
3- وقال ابن عباس: المصلون
4- وقال غيره: المعتكفون.


معنى العكوف في اللغة ج ط ك
قال الزجاج: ويقال: قد عكف يعكف , ويعكف على الشيء عكوفاً, أي: أقام عليه، ومن هذا قول الناس: فلان معتكف على الحرام، أي: مقيم عليه.
قال ابن عطية: والعكوف في اللغة اللزوم للشيء والإقامة عليه
فمعناه لملازمي البيت إرادة وجه الله العظيم


معنى (الركع السجود) ج ط ك
قال الزجاج : {والرّكع السجود}: سائر من يصلي فيه من المسلمين.و"الرّكع": جمع راكع، مثل: غاز وغزى، و"السجود" جمع ساجد، كقولك: ساجد وسجود، وشاهد وشهود


سبب تخصيص الركوع والسجود ط ك
قال ابن عطية: وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى
قال ابن كثير: وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطّائفين والعاكفين، واجتزأ بذكر الرّكوع والسّجود عن القيام؛ لأنّه قد علم أنّه لا يكون ركوعٌ ولا سجودٌ إلّا بعد قيامٍ.


فائدة في المذكورين بالآية ط
قال ابن عطية: وكل مقيم عند بيت الله إرادة ذات الله فلا يخلو من إحدى هذه الرتب الثلاث، إما أن يكون في صلاة أو في طواف فإن كان في شغل من دنياه فحال العكوف على مجاورة البيت لا يفارقه

مسألة أيهما افضل الصلاة عند البيت أو الطواف ؟ ك
قال ابن كثير: وقد اختلف الفقهاء: أيّما أفضل، الصّلاة عند البيت أو الطّواف؟ فقال مالكٌ: الطّواف به لأهل الأمصار أفضل من الصّلاة عنده، وقال الجمهور: الصّلاة أفضل مطلقًا، وتوجيه كلٍّ منهما يذكر في كتاب الأحكام.

أول من بنى الكعبة ك
قال ابن كثير: وقد اختلف النّاس في أوّل من بنى الكعبة
1- فقيل: الملائكة قبل آدم، وروي هذا عن أبي جعفرٍ الباقر ذكره القرطبيّ وحكى لفظه، وفيه غرابةٌ
2- وقيل: آدم عليه السّلام عن عطاءٍ وسعيد بن المسيّب وغيرهم: أنّ آدم بناه من خمسة أجبلٍ: من حراءٍ وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجوديّ، وهذا غريبٌ أيضًا
3- . وروي نحوه عن ابن عبّاسٍ وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبّهٍ: أنّ أوّل من بناه شيث، عليه السّلام
وغالب من يذكر هذا إنّما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي ممّا لا يصدّق ولا يكذّب ولا يعتمد عليها بمجرّدها، وأمّا إذا صحّ حديث في ذلك فعلى الرأس والعين



تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}


وقت دعاء إبراهيم ك
قال ابن كثير: وقال في هذه السّورة:*{ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}*أي: اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا، وناسب هذا؛ لأنّه قبل بناء الكعبة. وقال تعالى في سورة إبراهيم:*{وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}[إبراهيم: 35]*وناسب هذا هناك لأنّه، واللّه أعلم، كأنّه وقع دعاءً ثانيًا بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنةٍ؛ ولهذا قال في آخر الدّعاء:*{الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربّي لسميع الدّعاء}[إبراهيم: 39]


معنى ( وإذ قال إبراهيم ) ج
قال الزجاج: المعنى: واذكروا إذ قال إبراهيم.*

معنى أمنا ج ك
قال الزجاج: {وأمنا}: ذا أمن
قال ابن كثير: وقوله: تعالى إخبارًا عن الخليل أنّه قال:*{ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}*أي: من الخوف، لا يرعب أهله، وقد فعل اللّه ذلك شرعًا وقدرًا. وقد تقدّمت الأحاديث في تحريم القتال فيها. وفي صحيح مسلمٍ عن جابرٍ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لا يحلّ لأحدٍ أن يحمل بمكّة السّلاح".


معنى قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات ) ط
قال ابن عطية: دعا إبراهيم عليه السلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد
العيش، واجعل لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء، وآمناً معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد.
وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، ونبتت فيها أنواع الثمرات.
وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل صلوات الله عليه فاقتلع فلسطين، وقيل قطعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوجّ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف.


إعراب (من آمن منهم) ومعناها ج ط
قال الزجاج: وقوله عزّ وجل:*{وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم...} {من}*نصب بدل من*{أهله}، المعنى:*أرزق*من آمن من أهله دون غيرهم؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أن في ذريته غير مؤمن، لقوله: عزّ وجل:*{لا ينال عهدي الظّالمين}.
قال ابن عطية: ومن بدل من قوله أهله، وخص إبراهيم المؤمنين بدعائه.

معنى أمتعه ط
قال ابن عطية: وأمتعه معناه أخوله الدنيا وأبقيه فيها بقاء قليلا، لأنه فان منقض، وأصل المتاع الزاد، ثم استعمل فيما يكون آخر أمر الإنسان أو عطائه أو أفعاله،ومنه تمتيع الزوجات،

القراءات في (فأمتعه قليلا) ومعناها ج ط
قال الزجاج:
1- أكثر القراءة على:*{فأمتّعه قليلاً ثم أضطره}*على الإخبار
2- وقد قرئ أيضاً: (فأمتعه ثم اضطرّه) على الدعاء


مسألة وقت تحريم مكة ط ك
قال ابن عطية: واختلف في تحريم مكة متى كان؟
1- فقالت فرقة: جعلها الله حراما يوم خلق السموات والأرض
2- ، وقالت فرقة: حرمها إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأول قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ثاني يوم الفتح، والثاني قاله أيضا النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عنه: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها حرام»، ولا تعارض بين الحديثين، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور، وكل مقال من هذين الإخبارين حسن في مقامه، عظم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى، وذكر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالا لنفسه، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه،
قال ابن كثير بعد أن ذكر القولان :
فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدّالّة على أنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدّالّة على أنّ إبراهيم، عليه السّلام، حرّمها؛ لأنّ إبراهيم بلّغ عن اللّه حكمه فيها وتحريمه إيّاها، وأنّها لم تزل بلدًا حرامًا عند اللّه قبل بناء إبراهيم، عليه السّلام، لها، كما أنّه قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا عند اللّه خاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته، ومع هذا قال إبراهيم، عليه السّلام:*{ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم}*وقد أجاب اللّه دعاءه بما سبق في علمه وقدره.

الفاعل في (قال ومن كفر ) ط ك
قال ابن كثير:
1- وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هذا القول هو من إبراهيم صلى الله عليه وسلم،
ذكره ابن عطية و قال : فكأن إبراهيم عليه السلام دعا للمؤمنين وعلى الكافرين.


المراد ب(قليلا) وإعرابها ط
قال ابن عطية: وقليلًا معناه مدة العمر، لأن متاع الدنيا قليل،
وهو نعت:
1- إما لمصدر كأنه قال: متاعا قليلا
2- وإما لزمان، كأنه قال: وقتا قليلا أو زمنا قليلا

معنى (ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) ك


قال ابن كثير: أي: ثمّ ألجئه بعد متاعه في الدّنيا وبسطنا عليه من ظلّها إلى عذاب النّار وبئس المصير. ومعناه: أنّ اللّه تعالى ينظرهم ويمهلهم ثمّ يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 9 محرم 1436هـ/1-11-2014م, 11:44 PM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (127) إلى الآية (129) ]

تفسير سورة البقرة [من الآية (127) إلى الآية (129) ]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير:
يقول تعالى: واذكر -يا محمّد -لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل، عليهما السّلام، البيت، ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فهما في عملٍ صالحٍ، وهما يسألان اللّه تعالى أن يتقبّل منهما،


معنى (واذ قال إبراهيم )ج ك
قال الزجاج: المعنى: واذكر إذ

المراد بالقواعد ج ك
قال ابن عطية:
1- والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس
2- وقال الفراء: «هي الجدر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا تجوز،

معنى قوله تعالى (ربنا تقبل منا) ج ط
قال الزجاج : وقوله:{ربّنا تقبّل منّا}،والمعنى يقولان :{ربّنا تقبّل منّا}
قال ابن عطية:
1- وتقدير الكلام: يقولان ربنا تقبل وهي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود كذلك بثبوت «يقولان»
2- وقالت فرقة: التقدير وإسماعيل يقول ربنا، وحذف لدلالة الظاهر عليه، وكل هذا يدل على أن إسماعيل لم يكن طفلا في ذلك الوقت

إعراب إسماعيل ج ط
قال ابن عطية :
1- وإسماعيل عطف على إبراهيم
2- وقيل هو مقطوع على الابتداء وخبره فيما بعد، قال الماوردي: إسماعيل أصله اسمع يا إيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف،



من بنى البيت ك
قال ابن عطية: واختلف بعض رواة القصص:
1- فقيل إن آدم أمر ببنائه، فبناه، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده،
2- وقيل: إن آدم هبط به من الجنة، وقيل: إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة، وقيل: كالياقوتة،
3- وقيل: إن البيت كان ربوة حمراء، وقيل بيضاء، ومن تحته دحيت الأرض، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده.
والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر،


هل شارك إسماعيل أبيه في رفع البيت ك
قال ابن عطية:
1- وقال عبيد بن عمير: رفعها إبراهيم وإسماعيل معا،
2- وقال ابن عباس: رفعها إبراهيم، وإسماعيل يناوله الحجارة،
3- وقال علي بن أبي طالب: رفعها إبراهيم، وإسماعيل طفل صغير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه، لأن الآية والآثار ترده،
قال ابن كثير: وقال بعض المفسّرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والدّاعي إسماعيل. والصّحيح أنّهما كانا يرفعان ويقولان



قصة بناء الكعبة ك
ك وقد روى البخاريّ هاهنا حديثًا سنورده ثمّ نتبعه بآثارٍ متعلّقةٍ بذلك. قال البخاريّ، رحمه اللّه:
عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل، عليهما السّلام اتّخذت منطقًا ليعفّي أثرها على سارّة. ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، عليهما السّلام، وهي ترضعه، حتّى وضعهما عند البيت عند دوحةٍ فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكّة يومئذٍ أحدٌ، وليس بها ماءٌ فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاء فيه ماءٌ، ثمّ قفّى إبراهيم، عليه السّلام، منطلقًا. فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثمّ دعا بهؤلاء الدّعوات، ورفع يديه، قال: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون} [إبراهيم: 37]، وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل، عليهما السّلام، وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ماء السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبّط -فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. فهبطت من الصّفا حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي. ثمّ أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا. ففعلت ذلك سبع مرّاتٍ، قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فلذلك سعى النّاس بينهما".
فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صهٍ، تريد نفسها، ثمّ تسمّعت فسمعت أيضًا. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه -حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوّضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عبّاسٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يرحم اللّه أمّ إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء -لكانت زمزم عينًا معينًا".
قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضّيعة؛ فإنّ هاهنا بيتًا للّه، عزّ وجلّ، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ اللّه، عزّ وجلّ، لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرّابية تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقةٌ من جرهم -أو أهل بيتٍ من جرهم -مقبلين من طريق كداء. فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرًا عائفًا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على الماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماءٌ. فأرسلوا جريًّا أو جريّين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأمّ إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عبّاسٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس. فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم. حتّى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم وشبّ الغلام، وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأةً منهم. وماتت أمّ إسماعيل، عليهما السّلام، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل ليطالع تركته. فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيقٍ وشدّةٍ. وشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، كأنّه أنس شيئًا. فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسأل عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك. فطلّقها وتزوّج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللّه، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده. فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخيرٍ وسعةٍ. وأثنت على اللّه، عزّ وجلّ. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللّهمّ بارك لهم في اللّحم والماء". قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ولم يكن لهم يومئذٍ حب، ولو كان لهم، لدعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكّة إلّا لم يوافقاه". قال: "فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل، عليه السّلام، قال: هل أتاكم من أحدٍ؟ قالت: نعم، أتانا شيخٌ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخيرٍ. قال: فأوصاك بشيءٍ؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد. ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ اللّه أمرني بأمرٍ. قال: فاصنع ما أمرك ربّك، عزّ وجلّ. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ اللّه أمرني أن أبني هاهنا بيتًا -وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها -قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} " قال: "فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}.
وقال السّدّيّ: إنّ اللّه، عزّ وجلّ، أمر إبراهيم أن يبني [البيت] هو وإسماعيل: ابنيا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، فانطلق إبراهيم، عليه السّلام، حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل، وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت؟ فبعث اللّه ريحًا، يقال لها: ريح الخجوج، لها جناحان ورأسٌ في صورة حيّةٍ، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتّبعاها بالمعاول يحفران حتّى وضعا الأساس. فذلك حين يقول [اللّه] تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحجّ: 26] فلمّا بنيا القواعد فبلغا مكان الرّكن. قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ، اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه هاهنا. قال: يا أبت، إني كسلان لغب.
قال: عليّ بذلك فانطلق فطلب له حجرًا، فجاءه بحجرٍ فلم يرضه، فقال ائتني بحجرٍ أحسن من هذا، فانطلق يطلب له حجرًا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتةً بيضاء مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءه إسماعيل بحجرٍ فوجده عند الرّكن، فقال: يا أبه، من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى [بهنّ] إبراهيم ربّه، فقال: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}
وفي هذا السّياق ما يدلّ على أنّ قواعد البيت كانت مبنيّةً قبل إبراهيم. وإنّما هدي إبراهيم إليها وبوّئ لها.


هل بيت الله مبني على أساس إبراهيم عليه السلام ك
قال ابن كثير:
1- عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تري أنّ قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ " فقلت: يا رسول اللّه، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حدثان قومك بالكفر". فقال عبد اللّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللذين يليان الحجر إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم، عليه السّلام.
2- ورواه مسلمٌ أيضًا من حديث نافعٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدّث عبد اللّه بن عمر، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهليّةٍ -أو قال: بكفرٍ -لأنفقت كنز الكعبة في سبيل اللّه، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر".
وقال البخاريّ: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، قال: قال لي ابن الزّبير: كانت عائشة تسر إليك حديثًا كثيرًا، فما حدّثتك في الكعبة؟ قال قلت: قالت لي: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم -فقال ابن الزّبير: بكفرٍ -لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: بابًا يدخل منه النّاس، وبابًا يخرجون". ففعله ابن الزّبير.


قصة بناء قريش للكعبة ك
قال ابن كثير:
قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، في السّيرة:
ولمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسًا وثلاثين سنةً، اجتمعت قريشٌ لبنيان الكعبة، وكانوا يهمّون بذلك ليسقفوها، ويهابون هدمها، وإنّما كانت رضما فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أنّ نفرًا سرقوا كنز الكعبة، وإنّما كان يكون في بئرٍ في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكٌ، مولى بني مليح بن عمرٍو من خزاعة، فقطعت قريشٌ يده. ويزعم النّاس أنّ الّذين سرقوه وضعوه عند دويكٍ. وكان البحر قد رمى بسفينةٍ إلى جدّة، لرجلٍ من تجّار الرّوم، فتحطّمت، فأخذوا خشبها فأعدّوه لتسقيفها. وكان بمكّة رجلٌ قبطيٌّ نجّارٌ، فهيّأ لهم، في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حيّةٌ تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح، فيها ما يهدى0 لها كلّ يومٍ، فتتشرق على جدار الكعبة، وكانت ممّا يهابون. وذلك أنّه كان لا يدنو منها أحدٌ إلّا احزألّت وكشّت وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يومًا تتشرّق على جدار الكعبة، كما كانت تصنع، بعث اللّه إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها. فقالت قريشٌ: إنّا لنرجو أن يكون اللّه قد رضي ما أردنا، عندنا عاملٌ رفيقٌ، وعندنا خشبٌ، وقد كفانا اللّه الحيّة.
فلمّا أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزومٍ، فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده حتّى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريشٍ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلّا طيّبًا، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحدٍ من النّاس.
قال ابن إسحاق: والنّاس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم.
قال: ثمّ إنّ قريشًا تجزأت الكعبة، فكان شقّ الباب لبني عبد منافٍ وزهرة، وكان ما بين الرّكن الأسود والرّكن اليمانيّ لبني مخزومٍ وقبائل من قريشٍ انضمّوا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهمٍ، وكان شقّ الحجر لبني عبد الدّار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزّى بن قصي، ولبني عديّ بن كعب بن لؤيٍّ، وهو الحطيم.
ثمّ إن النّاس هابوا هدمها وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها: فأخذ المعول ثمّ قام عليها وهو يقول: اللّهمّ لم ترع، اللّهمّ إنّا لا نريد إلّا الخير. ثمّ هدم من ناحية الرّكنين، فتربّص النّاس تلك اللّيلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيءٌ فقد رضي اللّه ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديًا على عمله، فهدم وهدم النّاس معه، حتّى إذا انتهى الهدم [بهم] إلى الأساس، أساس إبراهيم، عليه السّلام، أفضوا إلى حجارةٍ خضرٍ كالأسنّة آخذٌ بعضها بعضًا.
قال [محمّد بن إسحاق] فحدّثني بعض من يروي الحديث: أنّ رجلًا من قريشٍ، ممّن كان يهدمها، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما، فلمّا تحرّك الحجر تنقّضت مكّة بأسرها، فانتهوا عن ذلك الأساس.
قال ابن إسحاق: ثمّ إنّ القبائل من قريشٍ جمعت الحجارة لبنائها، كلّ قبيلةٍ تجمع على حدةٍ، ثمّ بنوها، حتّى بلغ البنيان موضع الرّكن -يعني الحجر الأسود -فاختصموا فيه، كلّ قبيلةٍ تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتّى تحاوروا وتخالفوا، وأعدّوا للقتال. فقرّبت بنو عبد الدّار جفنةً مملوءةً دمًا، ثمّ تعاقدوا هم وبنو عديّ بن كعب بن لؤيٍّ على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدّم في تلك الجفنة، فسمّوا: لعقة الدّم. فمكثت قريشٌ على ذلك أربع ليالٍ أو خمسًا. ثمّ إنّهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا.
فزعم بعض أهل الرّواية: أنّ أبا أمّيّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزومٍ -وكان عامئذ أسن قريشٍ كلّهم -قال: يا معشر قريشٍ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم، فيه. ففعلوا، فكان أوّل داخلٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمّدٌ، فلمّا انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال [رسول اللّه] صلّى اللّه عليه وسلّم: "هلمّ إليّ ثوبًا" فأتي به، فأخذ الرّكن -يعني الحجر الأسود-فوضعه فيه بيده، ثمّ قال: "لتأخذ كلّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثّوب"، ثمّ [قال]: "ارفعوه جميعًا". ففعلوا، حتّى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بنى عليه.
وكانت قريشٌ تسمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه الوحي: الأمين.


تجديد بناء الكعبة بعد قريش ك
قال ابن كثير:
قال ابن إسحاق: وكانت الكعبة على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمانية عشر ذراعًا، وكانت تكسى القباطيّ، ثمّ كسيت بعد البرود، وأوّل من كساها الدّيباج الحجّاج بن يوسف.
قلت: ولم تزل على بناء قريشٍ حتّى أحرقت في أوّل إمارة عبد اللّه بن الزّبير بعد سنة ستّين. وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية، لمّا حاصروا ابن الزّبير، فحينئذٍ نقضها ابن الزّبير إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم، عليه السّلام، وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ملصقين بالأرض، كما سمع ذلك من خالته عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولم تزل كذلك مدّة إمارته حتّى قتله الحجّاج، فردّها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك، كما قال مسلم بن الحجّاج في صحيحه:
حدّثنا هنّاد بن السّري، حدّثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا ابن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: لمّا احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشّام، وكان من أمره ما كان، تركه ابن الزّبير حتّى قدم النّاس الموسم يريد أن يجرّئهم -أو يحزبهم -على أهل الشّام، فلمّا صدر النّاس قال: يا أيّها النّاس، أشيروا عليّ في الكعبة، أنقضها ثمّ أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عبّاسٍ: فإنّي قد فرق لي رأيٌ فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتًا أسلم النّاس عليه وأحجارًا أسلم النّاس عليها، وبعث عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال ابن الزّبير: لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتّى يجدّده، فكيف بيت ربّكم، عزّ وجلّ؛ إنّي مستخيرٌ ربّي ثلاثًا ثمّ عازمٌ على أمري. فلمّا مضت ثلاثٌ أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماها الناس أن ينزل بأوّل النّاس يصعد فيه أمر من السّماء، حتّى صعده رجلٌ، فألقى منه حجارةً، فلمّا لم يره النّاس أصابه شيءٌ تتابعوا، فنقضوه حتّى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزّبير أعمدةً يستر عليها السّتور، حتّى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزّبير: إنّي سمعت عائشة، رضي اللّه عنها، تقول: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: "لولا أنّ النّاس حديثٌ عهدهم بكفرٍ، وليس عندي من النّفقة ما يقوّيني على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرعٍ، ولجعلت له بابًا يدخل النّاس منه، وبابًا يخرجون منه. قال: فأنا أجد ما أنفق، ولست أخاف النّاس. قال: فزاد فيه خمسة أذرعٍ من الحجر، حتّى أبدى له أسًّا نظر النّاس إليه فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعًا، فلمّا زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرعٍ، وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك يخبره بذلك، ويخبره أنّ ابن الزّبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكّة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزّبير في شيءٍ، أمّا ما زاده في طوله فأقرّه. وأمّا ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه، وسدّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه.
وقد رواه النّسائيّ في سننه، عن هنّادٍ، عن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن ابن الزّبير، عن عائشة بالمرفوع منه. ولم يذكر القصّة، وقد كانت السّنّة إقرار ما فعله عبد اللّه بن الزّبير، رضي اللّه عنه؛ لأنّه هو الذي ودّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض النّاس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم من الكفر. ولكن خفيت هذه السّنة على عبد الملك؛ ولهذا لمّا تحقّق ذلك عن عائشة أنّها روت ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وددنا أنّا تركناه وما تولّى. كما قال مسلمٌ:
حدّثني محمّد بن حاتمٍ حدّثنا محمّد بن بكرٍ أخبرنا ابن جريج، سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ والوليد بن عطاءٍ، يحدّثان عن الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، قال عبد اللّه بن عبيدٍ: وفد الحارث بن عبد اللّه على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظنّ أبا خبيبٍ -يعني ابن الزّبير -سمع من عائشة ما كان يزعم أنّه سمعه منها. قال الحارث: بلى، أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشّرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمّي لأريك ما تركوا منه". فأراها قريبًا من سبعة أذرعٍ.
هذا حديث عبد اللّه بن عبيد [بن عميرٍ]. وزاد عليه الوليد بن عطاءٍ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيًّا وغربيًّا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ " قالت: قلت: لا. قال: "تعزّزًا ألّا يدخلها إلّا من أرادوا. فكان الرّجل إذا هو أراد أن يدخلها، يدعونه حتّى يرتقي، حتّى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط" قال عبد الملك: فقلت للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعةً بعصاه، ثمّ قال: وددت أنّي تركت وما تحمّل.
قال مسلمٌ: وحدّثناه محمّد بن عمرو بن جبلة، حدّثنا أبو عاصمٍ (ح) وحدّثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرّزّاق، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد، مثل حديث ابن بكرٍ.
قال: وحدّثني محمّد بن حاتمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي قزعة أنّ عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل اللّه ابن الزّبير حيث يكذب على أمّ المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتّى أزيد فيها من الحجر، فإنّ قومك قصّروا في البناء". فقال الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أمّ المؤمنين تحدّث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة أمّ المؤمنين، لأنّه قد روي عنها من طرقٍ صحيحةٍ متعدّدةٍ عن الأسود بن يزيد، والحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، وعبد اللّه بن الزّبير، وعبد اللّه بن محمّد بن أبي بكرٍ الصّدّيق، وعروة بن الزّبير. فدلّ هذا على صواب ما فعله ابن الزّبير. فلو ترك لكان جيّدًا.
ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغيّر عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرّشيد -أو أبيه المهديّ -أنّه سأل الإمام مالكًا عن هدم الكعبة وردّها إلى ما فعله ابن الزّبير. فقال له مالكٌ: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة اللّه ملعبة للملوك، لا يشاء أحدٌ أن يهدمها إلّا هدمها. فترك ذلك الرّشيد.

فائدة في ختم الآية ب (السميع العليم) ط
قال ابن عطية: وخصّا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما، أي السّميع لدعائنا والعليم بنياتنا



تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}


معنى الآية ك
قال ابن كثير: قال ابن جريرٍ: يعنيان بذلك، واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطّاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك.

معنى (اجعلنا مسلمين لك ) ط ك
قال ابن عطية : وقولهما اجعلنا بمعنى صيرنا تتعدى إلى مفعولين، ومسلمين هو المفعول الثاني، وكذلك كانا، فإنما أرادا التثبيت والدوام،
قال ابن كثير: {واجعلنا مسلمين لك} قال: مخلصين لك، وقال أيضًا: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا المقدّميّ، حدّثنا سعيد بن عامرٍ، عن سلّام بن أبي مطيعٍ في هذه الآية {واجعلنا مسلمين} قال: كانا مسلمين، ولكنّهما سألاه الثّبات.


معنى (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) ط ك
قال ابن عطية: ومن في قوله ومن ذرّيّتنا للتبعيض، وخص من الذرية بعضا لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين، والأمة الجماعة،
قال ابن كثير: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} قال: مخلصةً.


معنى الأمة والمراد بها ط ك
قال ابن كثير:
1- وقال السّدّيّ: {ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك} يعنيان العرب.
2- قال ابن جريرٍ: والصّواب أنّه يعمّ العرب وغيرهم؛ لأنّ من ذرّيّة إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال اللّه تعالى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} [الأعراف: 159]
قلت: وهذا الذي قاله ابن جريرٍ لا ينفيه السّدّيّ؛ فإنّ تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم، والسّياق إنّما هو في العرب؛ ولهذا قال بعده: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} الآية، والمراد بذلك محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد بعث فيهم ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود، لقوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، وغير ذلك من الأدلّة القاطعة.


المراد ب ( المسلم ) ج ط
قال الزجا:ج تفسير المسلم في اللغة الذي قد استسلم لأمر اللّه كله ، وخضع له، فالمسلم المحقق هو الذي أظهر القبول لأمر اللّه كله ، وأضمر مثل ذلك، وكذلك قوله:*{قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}
المعنى:*قولوا جميعاً: خضعنا، وأظهرنا الإسلام، وباطنهم غير ظاهرهم ؛ لأن هؤلاء منافقون، فأظهر اللّه عزّ وجلّ النبي على أسرارهم، فالمسلم على ضربين مظهر القبول ، ومبطن مثل ما يظهر، فهذا يقال له : مؤمن، ومسلم إنما يظهر غير ما يبطن فهذا غير مؤمن؛ لأن التصديق والإيمان هو بالإظهار مع القبول، ألا ترى أنهم إنما قيل لهم*{ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}،*أي:*أظهرتم الإيمان خشية.
قال ابن عطية: والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا، وقرأ ابن عباس وعوف: «مسلمين» على الجمع،


معنى (وأرنا مناسكنا) ج ط ك
قال الزجاج: معناه:*عزفنا متعبداتنا، وكل متعبّد ،
قال ابن عطية:
1- وقالت طائفة: أرنا من رؤية البصر،
2- وقالت طائفة: من رؤية القلب، وهو الأصح،
قال ابن كثير: " وأرنا مناسكنا "
1- عن عطاءٍ {وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا، علّمناها.
2- وقال مجاهدٌ {وأرنا مناسكنا} مذابحنا. وروى عن عطاءٍ أيضًا، وقتادة نحو ذلك.
3- وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ، قال: قال إبراهيم: "أرنا مناسكنا" فأتاه جبرائيل، فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتمّ البنيان، ثمّ أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصّفا، قال: هذا من شعائر اللّه. ثمّ انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر اللّه؟. ثمّ انطلق به نحو منًى، فلمّا كان من العقبة إذا إبليس قائمٌ عند الشّجرة، فقال: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. ثمّ انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلمّا جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبّر وارمه. فكبّر ورماه. فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحجّ شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام. فأخذ بيد إبراهيم حتّى أتى به عرفاتٍ. قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها: ثلاث مرارٍ. قال: نعم.

اشتقاق (مناسكنا) ومعناها ج ط
قال الزجاج: فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك، وقيل للذبيحة المتقرب بها إلى الله تعالى: النسيكة؛كأنّ الأصل في النسك : إنما هو من الذبيحة للّه جلّ وعزّ، وتقرأ أيضاً
قال ابن عطية: وقال قتادة: المناسك معالم الحج، وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ودعا بهذه الدعوة بعث الله إليه جبريل فحج به، وقال ابن جريج: المناسك المذابح أي مواضع الذبح، وقال فريق من العلماء: المناسك العبادات كلها، ومنه الناسك أي العابد، وفي قراءة ابن مسعود «وأرهم مناسكهم» كأنه يريد الذرية،

معنى (وتب علينا) والمراد بها ط
قال ابن عطية: والتوبة الرجوع، وعرفه شرعا من الشر إلى الخير وتوبة الله على العبد رجوعه به وهدايته له.
- واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون
1- ، فقالت طائفة: طلبا التثبيت والدوام،
2- وقيل: أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول برني فلان وأكرمني وأنت تريد في ولدك وذريتك،
3- وقيل وهو الأحسن عندي: إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا أرادا أن يسنا للناس أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. وقال الطبري: إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معان يحب أن تكون أحسن مما هي.
وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة» إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية


تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}



معنى (ربنا وابعث فيهم رسولا) ط ك
قال ابن عطية: هذا هو الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى»
قال ابن كثير: يقول تعالى إخبارًا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم -أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم، أي من ذرّيّة إبراهيم. وقد وافقت هذه الدّعوة المستجابة قدر اللّه السّابق في تعيين محمّدٍ -صلوات اللّه وسلامه عليه -رسولًا في الأمّيّين إليهم، إلى سائر الأعجمين، من الإنس والجنّ،

أول من نوه بذكره وأول من أفصح عن اسمه ك
قال ابن كثير:
والمراد أنّ أوّل من نوّه بذكره وشهره في النّاس، إبراهيم عليه السّلام. ولم يزل ذكره في النّاس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتّى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم، عليه السّلام، حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال: {إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصّفّ: 6]؛ ولهذا قال في هذا الحديث: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم"

المراد ب (منهم) ط
قال ابن عطية: ومعنى منهم أن يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص

معنى يتلو و إعرابها ط
قال ابن عطية: ويتلوا في موضع نصب نعت لرسول أي تاليا عليهم، ويصح أن يكون في موضع الحال

المراد بالآيات ط
قال ابن عطية: والآيات آيات القرآن، والكتاب القرآن،

معنى (ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ط ك
قال ابن عطية:
- ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ويعلم طرق النظر بما يلقيه الله إليه ويوحيه،
- وقال قتادة: الحكمة السنة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع،
- وروى ابن وهب عن مالك: أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى

قال ابن كثير: {ويعلّمهم الكتاب} يعني: القرآن {والحكمة} يعني: السّنّة، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، وأبو مالكٍ وغيرهم. وقيل: الفهم في الدّين. ولا منافاة.
وقال محمّد بن إسحاق {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} قال: يعلّمهم الخير فيفعلوه، والشّرّ فيتّقوه، ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه واستكثروا من طاعته، وتجنّبوا ما سخط من معصيته.

معنى (يزكيهم) ط ك
قال ابن عطية: ويزكّيهم معناه يطهرهم وينميهم بالخير، ومعنى الزكاة لا يخرج عن التطهير أو التنمية،
قال ابن كثير: {ويزكّيهم} عن ابن عبّاسٍ: يعني طاعة اللّه، والإخلاص

معنى(العزيز) ط ك
قال ابن عطية: والعزيز الذي يغلب ويتم مراده ولا يرد
قال ابن كثير: أي: العزيز الذي لا يعجزه شيءٌ، وهو قادرٌ على كلّ شيءٍ،


معنى (الحكيم) ط ك
قال ابن عطية: والحكيم المصيب مواقع الفعل المحكم لها
قال ابن كثير: الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالّها؛ وحكمته وعدله

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 26 محرم 1436هـ/18-11-2014م, 09:26 AM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 130 -134

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 26 محرم 1436هـ/18-11-2014م, 09:27 AM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 135 -138

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 26 محرم 1436هـ/18-11-2014م, 09:27 AM
عبير ماجد عبير ماجد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 233
افتراضي

تلخيص التفسير سورة البقرة من آية 139 -141

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التفسير, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir