دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو القعدة 1429هـ/31-10-2008م, 11:56 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي منهج السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات


وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَأئِمَّةُ الخَلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الإِقْرَارِ والإِمْرَارِ وَالإِثْبَاتِ لِمَا وَرَدَ مِن الصِّفَاتِ في كِتَابِ اللهِ عزّ وجل وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ.
وقد أُمِرْنَا باقتِفاءِ آثَارِهِمْ والاهْتِدَاءِ بِمَنَارِهِمْ وَحُذِّرْنَا المُحدَثَاتِ، وَأُخْبِرْنَا أَنَّهَا مِنَ الضَّلاَلاَتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنّةِ الخُلفاءِ الرّاشِدين المَهْديين من بَعْدي، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدَثاتِ الأُمورِ، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ)).


  #2  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 04:00 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

طريقُ السَّلَفِ الذي دَرَجُوا عليهِ في الصفاتِ:
الذي دَرَجَ عليهِ السَّلَفُ في الصفاتِ هوَ الإقرارُ والإِثباتُ لِمَا وَرَدَ منْ صفاتِ اللهِ تعالَى في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، مِنْ غيرِ تَعَرُّضٍ لتأويلِهِ بما لا يَتَّفِقُ معَ مرادِ اللهِ ورسولِهِ .
(4) والاقتداءُ بهم في ذلكَ واجِبٌ ؛ لقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) ، رواهُ أحمدُ ، وأبو داودَ ، والتِّرْمِذيُّ وقالَ: (حَسَنٌ صحيحٌ ) وصحَّحَهُ الألبانيُّ وجماعةٌ.
السُّنَّةُ والبدعةُ ، وحكمُ كلٍّ منهما :
السُّنَّةُ لُغَةً: الطريقَةُ.
واصْطِلاحًا(1): ما كانَ عليهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ(2) مِنْ عقيدةٍ أوْ عَمَلٍ.
واتِّباعُ السنَّةِ واجِبٌ ؛ لقولِهِ تعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ والْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحْزَاب:21] ، وقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)) .
والبدْعَةُ لُغَةً: الشيءُ المُسْتَحْدَثُ.
واصْطِلاحًا: ما أُحْدِثَ في الدِّينِ على خلافِ ما كانَ عليهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ مِنْ عقيدةٍ أوْ عَمَلٍ.
وهيَ حرامٌ لقولِهِ تعالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115] ، وقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وَإيَّاكُمْ ومُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ)) .



حاشية الشيخ صالح العصيمي حفظه الله :
(1) إنما يقال الاصطلاح فيما ينتج من مواضعة يجتمع فيها أهل فنٍّ على نقل لفظ من معناه إلى معنى آخر اصطلحوا عليه كما في النحو والتجويد .
أما الحقائق الشرعية كالتوحيد ، والصلاة ، والحج ، فيقال فيها : شرعاً .
(2) ذكر الأصحاب رضوان الله عليهم لبيان أنهم كانوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتفق وقوعهم جميعاً على خلاف السنة ، لا أن ما يأتي عن واحد منهم هو من السنة أيضاً .


  #3  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 04:04 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله

دَرَجُوا عليهِ : يَعْنِي : سَارُوا على هذا.
والمرادُ أنَّهُم على طريقةِ السَّلفِ الَّتي هيَ تَقَبُّلُ النُّصوصِ ، والعملُ بها ، واعتقادُهَا ، والإقرارُ بها ، وَإِمْرَارُهَا كما جَاءَتْ ؛ بِقَوْلِهِم : (أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ) ، وإثباتُ دَلالتِهَا ، وإثباتُ مَعَانِيهَا دونَ أنْ يَصْرِفُوا شَيْئًا منْ مدلولِهَا عنْ ظاهرِهِ ، ودُونَ أنْ يُحَرِّفُوا شَيْئًا منها ، أوْ يَشْتَغِلُوا بِتَحْرِيفِهِ أوْ بِتَأْوِيلِهِ، أوْ يَرُدُّوهُ (هكذا طَرِيقَتُهُم) .
وَمُرَادُهُ بِسَلَفِ الأمَّةِ: أهلُ القرونِ الثَّلاثةِ المُفَضَّلَةِ : الصَّحابةُ ، والتَّابعونَ ، وتابعُوهُم ، هؤلاءِ هُمْ سَلَفُ الأمَّةِ دَرَجُوا على ذلكَ ، والآثارُ عنهم في ذلكَ كثيرةٌ .
وقدْ نَقَلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (الْحَمَوِيَّةِ ) كَثِيرًا من الآثارِ عنهم ، ولكنَّها قليلةٌ بالنِّسبةِ إلى ما نَقَلَهُ غيرُهُ.
ومَنْ أَرَادَ أنْ يَعْرِفَ أقوالَهُمْ فَلْيَقْرَأْ كُتُبَ أهلِ السُّنَّةِ ، كَكِتَابِ (الشَّريعةِ) لِلآجُرِّيِّ ، وكتابِ (السُّنَّةِ) لِلْخَلاَّلِ ، وكتابِ (السُّنَّةِ) لابنِ أبي عَاصِمٍ ، و(شَرْحِ أُصُولِ أهلِ السُّنَّةِ) لِلاَّلْكَائِيِّ ، وكذلكَ كُتُبُ المتقدِّمينَ كَـ (السُّنَّة) لعبدِ اللهِ ابنِ الإمامِ أحمدَ، فَفِيهَا كثيرٌ منْ أقوالِ هؤلاءِ الَّذينَ أَجْمَلَهُم ابنُ قُدَامَةَ.
يَقُولُ: (دَرَجُوا) ، يَعْنِي: سَارُوا وَنَهَجُوا على طريقةِ هَذَيْنِ الإمامَيْنِ: الإمامِ أحمدَ والإمامِ الشافعيِّ.
وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا ، لكنَّ الإمامَ مَالِكًا أَيْضًا مَشْهُورٌ أنَّهُ سُئِلَ عنْ آيَةِ الاستواءِ فقالَ: (الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ …) إلى آخِرِهِ.
والإمامُ أبو حَنِيفَةَ مَشْهُورٌ ما ذَكَرَهُ في كتابِهِ الَّذي هوَ ( الْفِقْهُ الأَكْبَرُ) الَّذي جُمِعَ منْ كلامِهِ.
وقدْ نَقَلَ عنهُ شيخُ الإسلامِ في (الحمويَّةِ) ، وَمَعَ أنَّهُ مَوْجُودٌ ، لكنْ معَ الأسفِ فالَّذينَ تَوَلَّوْا شَرْحَهُ أَضَافُوا إليهِ إِضَافَةً أَفْسَدُوا بها مَقْصِدَهُ.
فهؤلاءِ هم الأئمَّةُ الأربعةُ المُقْتَدَى بهم ، وَغَيْرُهُم من الأئِمَّةِ الَّذينَ في زَمَانِهِم هُمْ أيضًا على طريقتِهِم.
فطريقةُ أهلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقَةٌ معَ أَئِمَّتِهِم ، وليسَ للأئِمَّةِ قَوْلٌ يَخْرُجُونَ بهِ عنْ قولِ أهلِ السُّنَّةِ .
ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ في المُنَاظَرَةِ الَّتي حَصَلَتْ بَيْنَهُ وبينَ أهلِ بَلَدِهِ في دِمَشْقَ لَمَّا نَاظَرُوهُ على عَقِيدَتِهِ ، أنَّ السلطانَ في ذلكَ الوقتِ كانَ هوَ الَّذي عَقَدَ هذهِ المناظرةَ ، ولمَّا كانَ لِشَيْخِ الإسلامِ مكانتُهُ وَشُهْرتُهُ عندَ النَّاسِ وَشَعْبِيَّتُهُ ، أَرَادَ السلطانُ أنْ يُهَدِّئَ الوضعَ فقالَ لهم : إنَّ هذا على مذهبِ الإمامِ أحمدَ ، وَمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ مُعْتَبَرٌ وَمُعْتَرَفٌ بهِ ، فَاتْرُكُوهُ على مَذْهَبِهِ ، اتْرُكُوهُ يقولُ ما يقولُ في الأسماءِ والصِّفاتِ ما دَامَ أنَّهُ مَذْهَبٌ مُعْتَرَفٌ بهِ من المذاهبِ الأربعةِ .
ماذا قَالَ شيخُ الإسلامِ ؟ قالَ: لاَ ، وَاللهِ ليسَ للإمامِ أحمدَ اخْتِصَاصٌ بهذا القولِ ، بلْ إنَّهُ مَذْهَبُ الأئمَّةِ كلِّهِم ؛ وذلكَ لأنَّ الأصولَ والعقائدَ لا يَجُوزُ الخلافُ فيها ، أمَّا الخلافُ الَّذي بَيْنَ الأئمَّةِ الأربعةِ فإنَّما هوَ في الفروعِ ؛ في مسائلِ العباداتِ ، ومسائلِ الحلالِ والحرامِ ، ومسائلِ الأحكامِ ، هذا الَّذي اخْتَلَفُوا فيهِ ، فأمَّا الأصولُ الَّتي هيَ العقائدُ والأسماءُ والصِّفاتُ فالأئمَّةُ الأربعةُ والأئمَّةُ الَّذين في زَمَانِهِم كَاللَّيْثِ في مِصْرَ ، وَالأَوْزَاعِيِّ في الشَّامِ ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ في العراقِ ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ في مَكَّةَ ، وابنِ أبي ذِئْبٍ في المدينةِ ، وعبدِ الرزَّاقِ في اليمنِ ، وأشباهِهِم ، كلُّهُم على المذهبِ الحقِّ الَّذي هوَ العقيدةُ السَّلفيَّةُ ؛ عقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في الأسماءِ والصِّفاتِ ، لا خلافَ بينَهُم في ذلكَ .
(6) الضَّمائرُ في (آثَارِهِم) وَ (مَنَارِهِم) للأئمَّةِ المُهْتَدِينَ أَئِمَّةِ الأُمَّةِ ، واحدُهُم: إمامٌ ، يَعْنِي : قُدْوَةٌ في الدِّينِ ، كما حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفُرْقَان:74]، أيْ : قُدْوَةً وَأُسْوَةً ، وقدْ أَجَابَ اللهُ دَعْوَتَهُم - يَعْنِي: صَالِحِي الأمَّةِ - فَصَارُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِم .
(وَآثَارِهِم ) ، ليسَ المُرَادُ مَوَاطِئَ الأقدامِ ، وإنَّما المرادُ ما نُقِلَ عنهم ، أيْ : ما أُثِرَ عَنْهُم .
الآثارُ في الأصلِ هيَ بَقَايَا الأقدامِ ، أوْ مَوَاطِئُ الأقدامِ ، وَتُطْلَقُ على بَقَايَا العِلْمِ كما في قولِهِ تَعَالَى : {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأَحْقَاف:4] ، يَعْنِي: بَقِيَّةٍ، وَيَقُولُ الشاعرُ:

تِلْكَ آثَارُنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا = فَانْظُرُوا بَعْدَنَا إِلَى الآثَارِ
يُرِيدُ بالآثارِ المعلوماتِ الَّتي حُفِظَتْ عَنْهُم ، وَنُقِلَتْ عَنْهُم ، فَأَمَرَنَا بِتَقَفِّي آثَارِهِم ، يَعْنِي : بِاتِّبَاعِهَا ؛ لأنَّهُم اقْتَفَوْا أَثَرَ نَبِيِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَرَنَا بأنْ نَسْتَنِيرَ بِمَنَارِهِم ، وَأَصْلُ الْمَنَارِ : الْعَلَمُ الكَبِيرُ، أو النُّورُ الظاهرُ ، ولكنْ هنا يُطْلَقُ على عُلُومِهِم الَّتي هيَ نَيِّرَةٌ مُضِيئَةٌ سَاطِعَةٌ ، يَظْهَرُ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وُضُوحُهَا .
أَمَرَنَا بأنْ نَسِيرَ على ذلكَ المنارِ ، وأنْ نَنْهَجَ ذلكَ المَنْهَجَ ؛ حتَّى نَكُونَ بذلكَ مَعَهُم ؛ نَسِيرُ كما يَسِيرُونَ ، وَنَقِفُ كَمَا يَقِفُونَ .
الأمرُ من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ الَّذي مَرَّ بِنَا ، وهُوَ الحديثُ المشهورُ الَّذي رَوَاهُ الْعِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ ، وفيهِ : (وَعَظَنَا رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَأَوْصِنَا ، فَقَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) .
وقدْ شَرَحَ هذا الحديثَ ابنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ في (جامعِ العلومِ والحِكَمِ في شرحِ خَمْسِينَ حَدِيثًا منْ جوامعِ الكَلِمِ) ، وذَكَرَ جُمْلَةً من المواعظِ الَّتي نُقِلَتْ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقدْ أَجْمَلَ الصَّحابيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في هذا الحديثِ تلكَ المَوْعِظَةَ ، فَكَأنَّهُم اسْتَشْعَرُوا أنَّها تَوْصِيَةٌ ، أوْ أنَّها تَوْدِيعٌ ؛ فَلِذَلِكَ قَالُوا : (مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ) : كأنَّكَ تُوَدِّعُنَا ، وَيَكُونُ ذلكَ في آخرِ حياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا نُطِيلُ فيما يَتَعَلَّقُ بالحديثِ.
ولكنْ يَهُمُّنَا قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي)) ، هذا حَثٌّ على التَّمسُّكِ بها؛ فإنَّ كلمةَ (عَلَيْكُمْ) أَمْرٌ، كقولِهِ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة:105] ، فَمَعْنَاهُ: الْزَمُوا سُنَّتِي ، وَسِيرُوا عليها ، وَتَمَسَّكُوا بها ، وَانْهَجُوا نَهْجَهَا ، وَاعْمَلُوا بها حَسْبَ اسْتِطَاعَتِكُمْ ، هكذا ذَكَرُوا أنَّ هذهِ اللفظةَ : ( عَلَيْكُمْ بِكَذَا ) تَقْتَضِي الأمرَ ، أو الإلزامَ ، أو التأكيدَ ، فأنتَ إِذَا قُلْتَ مثلاً : عليكَ بقراءةِ القرآنِ ، فإنَّكَ تَحُثُّ عليها ، أوْ تَنْهَى عنْ شيءٍ ، تَقُولُ مَثَلاً : عليكَ بالبُعْدِ عن الفواحشِ ، فكلمةُ ( عَلَيْكَ بكذا ) تَقْتَضِي الأمرَ ، وكلمةُ (إِيَّاكَ وكذا) تَقْتَضِي الزَّجْرَ .
واقْتَصَرَ على : ((إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ))، دُونَ أنْ يَنْهَى عنها، فَلَمْ يَقُل: اتْرُكُوهَا، ابْتَعِدُوا عنها ؛ لأنَّ كلمةَ : ((إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ)) أَبْلَغُ من : اتْرُكُوهَا.
وإذا قُلْتَ مَثلاً : إيَّاكَ وَصَاحِبَ السُّوءِ ، إيَّاكَ وَقَرِينَ السُّوءِ ، إِيَّاكَ وَجُلَسَاءَ السُّوءِ ، مَعْنَاهُ : احْذَرْهُم وَابْتَعِدْ عَنْهُم ، فَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، أي: ابَتْعِدُوا عنها.
وهنا أيضًا من التَّأكيدِ على السُّنَّةِ قولُهُ : ((عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)) بعدَ قَوْلِهِ: ((تَمَسَّكُوا بِهَا)) ، وهذا كُلُّهُ حَثٌّ على العملِ بها ؛ فإنَّ التَّمسُّكَ في الأصلِ : الإِمْسَاكُ بِالْيَدَيْنِ، وقدْ يَنْفَلِتُ منكَ الشَّيءُ الَّذي أَمْسَكْتَهُ بِيَدَيْكَ ، فَتَحْتَاجُ إلى زيادةِ تَوَثُّقٍ ، وليسَ عِنْدَكَ إلاَّ أَسْنَانُكَ بلْ أَقَاصِي أَسْنَانِكَ ، وهيَ النواجذُ.
((عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)) ، أيْ: معَ تَمَسُّكِكُم بها بِالْيَدَيْنِ زِيدُوا على ذلكَ العضَّ عليها بِأَقَاصِي الأسنانِ ؛ ليكونَ ذلكَ أَقْرَبَ إلى الثباتِ عليها ، وكأنَّهُ اسْتَشْعَرَ أنَّ هناكَ مَنْ يُزَعْزِعُكَ عنْ هذهِ السُّنَّةِ ، وَيَسْعَى في تَفَلُّتِكَ منها ، وَيَخْذُلُكَ لكيْ تَتْرُكَهَا وَتَتَخَلَّى عنها مِنْ دُعَاةِ السُّوءِ والباطلِ ، وأهلِ الشُّبهاتِ والتَّشْكِيكَاتِ وَنَحْوِهِم ، فَكَأنَّهُ لَمَّا عَلِمَ كثرةَ الفِتَنِ الَّتي تُوهِنُ التَّمَسُّكَ بالسُّنَّةِ أَمَرَ بِشَدِّهَا بِقُوَّةٍ ، وَأَمَرَ بِإِمْسَاكِهَا إِمْسَاكًا قَوِيًّا .
والسُّنَّةُ في الأصلِ : هيَ الطَّريقةُ الَّتي يُسَارُ عليها .
وسُنَّةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هيَ الشَّريعةُ الَّتي بَلَّغَهَا ، وَتُطْلَقُ على أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ ، وَتُطْلَقُ على الشَّريعةِ الَّتي جاءَ بها على أنَّها منْ دِينِهِ الَّذي أُرْسِلَ بهِ ، وَتُطْلَقُ على الأحاديثِ الَّتي هيَ مُوَضِّحَةٌ للقرآنِ ، فَيُقَالُ : القرآنُ هوَ كتابُ اللهِ ، والسُّنَّةُ هيَ أحاديثُ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولكنَّ الأصلَ أنَّ السُّنَّةَ هنا هيَ الشَّريعةُ الَّتي كانَ عليها: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي)) ، يَعْنِي: ما أَنَا عليهِ ، وما أَعْمَلُهُ ، وما أَقُولُهُ ، وما بَلَّغْتُكُم بهِ منْ هذهِ الشَّريعةِ - سَوَاءٌ في الاعتقاداتِ أوْ في الأعمالِ - كلُّ ذلكَ من السُّنَّةِ ؛ فَسِيرُوا على نَهْجِهِ ، وَاعْمَلُوا بما يَعْمَلُ بهِ، وبذلكَ تَصِلُونَ إلى سَبِيلِ النَّجاةِ .
والخلفاءُ الرَّاشدونَ مَعْرُوفُونَ ، وَسُمُّوا بذلكَ لأنَّهم خَلَفُوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خَلَفُوهُ في الولايَةِ ، وفي التَّبْلِيغِ ، وفي الأعمالِ ، فَبَلَّغُوا ما بَلَّغَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ، وَسَارُوا على نَهْجِهِ ، وَأَلْزَمُوا أَنْفُسَهُم أنْ لا يَتْرُكُوا شَيْئًا مِمَّا كانَ يَعْمَلُ بهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ عَمِلُوهُ .
الْتَزَمَ بذلكَ أَوَّلُهُم الَّذي أُطْلِقَ عليهِ خليفةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاتَّفَقَ الصَّحابةُ على تَلْقِيبِهِ بهذا (خَلِيفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وقدْ وَافَقُوا على ذلكَ ، ولمْ يُخَالِفْ في زَمَنِهِ أَحَدٌ يَقُولُ : إنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ هذا الاسمَ ، بل المسلمونَ على وَجْهِ الأرضِ اتَّفَقُوا على تَلْقِيبِهِ بهذا ؛ لأنَّ المُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا على أنْ يَخْلُفَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أوْ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ ؛ إمَّا بالصَّراحةِ وإمَّا بالإشارةِ .
والخلفاءُ الرَّاشدونَ خِلاَفَتُهُم ثَلاَثُونَ سَنَةً ، وَرَدَ في حديثِ سَفِينَةَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : ((الْخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا)) ، وفي حديثٍ آخَرَ: ((تَدُورُ رَحَى الإِسْلاَمِ لِخَمْسٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً)) ، وَلَعَلَّهُ إِشَارَةٌ إلى مَقْتَلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وما حَصَلَ بَعْدَهُ مِن الفِتَنِ .
فَنَعْرِفُ منْ هذا الحديثِ أنَّ الخلفاءَ الرَّاشدينَ سَمَّاهُم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلَفَاءَ ، وَوَصَفَهُم بثلاثِ صفاتٍ :
الصِّفةُ الأُولَى: (الخلافةُ) ، أيْ أنَّهُم خَلَفٌ عنهُ.
الصِّفةُ الثَّانيَةُ: (الرُّشْدُ) .
الصِّفةُ الثَّالثةُ: (الهِدَايَةُ) .
وكَفَى بها تَزْكِيَةً لهم ، وَحَثًّا على السَّيرِ على نَهْجِهِم ، وشهادةً بأنَّهُم أهلُ حقٍّ وصوابٍ ، وأنَّ الَّذينَ يَطْعَنُونَ فيهم قدْ خَالَفُوا العقلَ والنَّقلَ ، وَعَانَدُوا في تَرْكِ ما هوَ أَشْهَرُ مِنْ نَارٍ على عَلَمٍ ، مِن السُّنَّةِ الَّتي جَاءَتْ في مَدْحِهِم وَتَزْكِيَتِهِم ، معَ هذهِ التَّزكيَةِ من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَسْمِيَتِهِم خُلَفَاءَ .
فَتَجِدُونَ الرَّافضةَ يَسُبُّونَهُم وَيُقْذِعُونَ في سَبِّهِم ، وبالأخصِّ الثَّلاثةَ : أَبَا بَكْرٍ ، وعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَيَشْتُمُونَهُم وَيَلْعَنُونَهُم ، وَيَدَّعُونَ أنَّهم مُغْتَصِبونَ للخلافةِ.
وعلى هذا لا يَكُونُ لهذا الحديثِ عِنْدَهُم فائدةٌ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ.
وهذا الحديثُ أيضًا إِخْبَارٌ من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ هناكَ مُحْدَثَاتٍ.
والمحدثاتُ : هيَ المُبْتَدَعَاتُ ، فَحَذَّرَ منها ، وَأَخْبَرَ بأنَّ كلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَيُرَادُ بها: ما يُضَافُ إلى الشَّريعةِ من الأقوالِ والأفعالِ والعقائدِ ، وأنَّهُ حَادِثٌ بعدَ أنْ لمْ يَكُنْ ، وأنَّهُ ضلالٌ ، ((كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) والضَّلالُ : هوَ الضَّيَاعُ ، الضَّالُّ هوَ التَّائِهُ الضَّائعُ الَّذي لَيْسَ على هُدًى ، وليسَ على بيانٍ .
وتِلْكَ البِدَعُ والمُحْدَثَاتُ كَثِيرَةٌ ، ولكنَّ المُهِمَّ منها ما يَتَعَلَّقُ بالعقيدةِ ، فإنَّ مِنْ عَقِيدَةِ المُسْلِمِينَ مَثَلاً أنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى موصوفٌ بما وَصَفَ بهِ نفسَهُ ، وَبِمَا وَصَفَهُ بهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثمَّ حَدَثَتْ بِدْعَةٌ منْ فِئَةٍ تُنْكِرُ ذلكَ ، وَسُمُّوا مُعَطِّلَةً ، فهذهِ بِدْعَةٌ ضَالَّةٌ .
ومِنْ عقيدةِ المسلمينَ أنَّ الإنسانَ يُنْسَبُ إليهِ عَمَلُهُ ، وَلَيْسَ بِمَجْبُورٍ ، ثمَّ حَدَثَتْ بِدْعَةٌ فيها ؛ أنَّ اللهَ لا يَقْدِرُ على أفعالِ العِبَادِ ، وهذهِ بدعةُ ضَلالٍ .
ومِنْ عقيدةِ المسلمينَ أنَّ الإنسانَ يُنْسَبُ إليهِ عَمَلُهُ ، ثمَّ حَدَثَتْ بدعةٌ فيها : أنَّ الإنسانَ ليسَ لهُ اختيارٌ ، وأنَّهُ مَجْبُورٌ على فِعْلِهِ ، وهذهِ بدعةُ ضلالٍ .
وهكذا بَقِيَّةُ البِدَعِ ؛ كَبِدْعَةِ الخوارجِ ، وَبِدْعَةِ المعتزِلَةِ ، وَبِدْعَةِ التَّكْفِيرِ والتَّفْسِيقِ ، وما أَشْبَهَ ذلكَ ، كُلُّها من البِدَعِ الَّتي أَخْبَرَ بها في هذا الحديثِ: ((إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ)) ، وليسَ المقامُ مقامَ الكلامِ على تَفْنِيدِ البِدَعِ ، فهيَ مشهورةٌ في كُتُبِ العلماءِ رَحِمَهُم اللهُ .


  #4  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 04:06 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى

ثمَّ ذكر أنَّ التَّأويلاتِ هذه محدثةٌ ، وهذا ظاهرٌ بين ، فإنَّ الصَّحابةَ - رضيَ اللهُ عنهم - في زمنِ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - تلقَّوا النّصوصَ من الكتابِ والسّنَّةِ تلقوها بالتَّسليمِ .
بل إنَّ هذا الأمرَ وهو حالُ الصَّحابةِ - رضوانُ اللهُ عنهم - مع نصوصِ الكتابِ والسّنَّةِ هو الَّذي هدى اللهُ - جلَّ وعلا - به بعضَ كبارِ الأشاعرةِ ، مثلَ الجويني ، له رسالتهُ المشهورةُ ، وكان ممَّا قال فيها : (وجدْتُ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- يأتيه الأعرابيُّ وغيرُ الأعرابيِّ ، والذَّكيُّ والبليدُ ، والفطنُ وغيرُ الفطنِ ، فيسمعون منه الآياتِ المشتملةَ على الصِّفاتِ الَّتي يقتضي ظاهرُهَا التَّشبيهَ والتَّمثيلَ ، يعني : عند المؤوِّلةِ ، ويسمعُ الآياتِ الَّتي تشتمل على الأمورِ الغيبيَّةِ ، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- لا يُتبعُ ذلك ببيانٍ يقولُ فيه ولو مرَّةً واحدةً : لا تعتقدوا ظواهرَ هذه النُّصوصِ ، فإنَّ لها معانيَ تخفى ، فيأتيه الأعرابيُّ من الباديةِ فيسمعُ القرآنَ ، ويأمره النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- أن يؤمنَ بالكتابِ وبما سمع من كلامِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- بما يفهمُهُ من معنى لغةِ العربِ .
قال: وفيهم الذكيُّ والبليدُ ، والمتعلِّمُ والجاهلُ ، إلى آخرِهِ من أصنافِ النَّاسِ .
قال: وهذا يدلُّ دلالةً واضحةً بيِّنةً على أنَّ ظواهرَ هذه النُّصوصِ مرادٌ وأنَّه لا يجوز تأويلُها بحالٍ ؛ لأنَّه لو جاز تأويلُهَا حيث إنَّ ظاهرَهَا يوهمُ المشابهةَ والمماثلةَ لوجبَ على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- أن يبيِّنَ ذلك للأعرابِ الَّذينَ يأتونه من بقاعٍ شتَّى ، وهم على جهلٍ وعلى عدمِ علمٍ ، وربَّما توهَّمَتْ أنفسُهُم في تلك المعاني ظاهرَ ما يدلُّ عليه اللفظُ ، فقال : لمَّا لم يتبعْ ذلك ببيانٍ دلَّ على أنَّ ظواهرَ النّصوصِ مراد ، وأنَّ الإيمانَ بتلك النُّصوصِ واجبٌ على ما ظهر من معناها على قاعدةِ قطعِ المماثلةِ الَّتي ذكرَ الله -جلَّ وعلا- في قوله: {ليسَ كمثلِهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ}.
إذاً : في عهدِ الصَّحابةِ لم يحدثْ تأويلٌ ولم يحدثْ خلافٌ في الاعتقادِ ، وكذلك في عهدِ التَّابعين حتَّى بدت في أواخرِ عهدِ التَّابعين ، بدت الضَّلالاتُ تظهرُ مع طوائفَ من الخوارجِ ثمَّ المعتزلةِ ، ثمَّ انتشرَ ذلك في الأمَّةِ.
وهذا يدلُّكَ على أنَّ التَّأويلَ والمخالفةَ في التَّسليمِ للنُّصوصِ من البدعِ والمحدَثاتِ ، والبدعُ والمحدثاتُ مردودةٌ : ((من أحدثَ في أمرِنَا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ)) .
من أحدَثَ في أمرِنَا هذا في الأمورِ العلميَّةِ ما ليس منه فهو رَدٌّ -يعني : مردودٌ على صاحبِه - ومن أحدث في أمرِنا هذا في الأمورِ العمليَّةِ ما ليس منه فهو رد مردودٌ على صاحبِهِ ، وهذا يدخلُ فيه الأمورُ العلميَّةُ والعمليَّةُ ، وهذا كما سيأتي من كلامِ ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه- حيثُ قال : (اتّبعُوا ولا تبتدِعُوا ، فقد كُفِيتم) .


  #5  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 04:09 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المتن: (وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله)
الشرح: لما ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ ما يجب اعتقاده في أسماء الله وصفاته؛ وهو إثباتها كما جاءت بألفاظها ومعانيها من غير تعرض لمعرفة كيفيتها، أو سؤال عن كيفيتها، أو تفسير لها بغير معناها الذي يدل عليه لفظها، هذا مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة؛ أنهم يتبعون الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته، فيثبتون لفظها ومعناها، ويمرونها كما جاءت من غير أن يتعرضوا لطلب كيفيتها، أو تفسير لها بغير ما دلت عليه ألفاظها، فمن أراد النجاة والسلامة فليأخذ بمنهج السلف في هذا، ولا يتكلف معرفة شيء لم يفهمه السلف، ولم يتعرضوا له، فإنهم أفضل الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، فهؤلاء هم السلف الذي يقتدى بهم؛ لغزارة علمهم، ودقة فهمهم، وشدة ورعهم وخوفهم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتأدبهم مع كلام الله وكلام رسوله، فهم القدوة.

: وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات
الشرح: الإقرار بما دلت عليه، والإمرار لألفاظها من غير تحريف ولمعانيها من غير تأويل، إقرارها وإمرارها وإثباتها كما جاءت.
المتن:(كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله)
الشرح: من غير تعرض لتأويل هذه الأدلة، تأويلها عن معانيها الصحيحة إلى معانٍ أخرى، هذا هو التأويل المذموم؛ وهو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنىً آخر، كتأويل اليد بالنعمة، أو القدرة، وتأويل الرحمة بإرادة الإنعام، إلى غير ذلك، فهذا صرف للفظ عن ظاهره، تأويل الوجه بالذات، إلى غير ذلك من تأويلات أهل الضلال.
المتن: (وقد أمرنا بالإقتفاء لآثارهم)
الشرح: أمرنا بإقتفاء آثارهم، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين) وبقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه).
أمرنا بالإقتداء بهم، والسير على منهجهم من غير أن نحدث شيئاً لم يقولوه.
المتن: (وقد أمرنا بالإقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدث وأخبرنا أنها من الضلالات)
الشرح: وحذرنا من المحدثات، ولذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار) هكذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم.
المتن: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلافاء الراشدين المهديين من بعدي")
الشرح: والمراد بسنته صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي،كل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فإنه سنة، يجب الأخذ به، لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)، ولقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ولقوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) إلى غير ذلك من الأدلة التي تأمر باتباع الرسول، وطاعته، والأخذ بما ورد عنه، وكذلك سنة خلفائه الراشدين، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ، هؤلاء هم الخلفاء الراشدون الذين أمرنا صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم؛ لأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يحققون الإتباع للرسول صلى الله عليه وسلم.
المتن: (وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)
الشرح: الخلفاء: جمع خليفة، وهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم خلفاء الرسول، ووصفهم بالراشدين، والرشد ضد الغي، الرشد هو الهدى واتباع الحق، والغي هو الضلال والانحراف عن الحق، فهم راشدون ـ رضي الله عنهم ـ ثم وصفهم بوصف آخر، فقال: (المهديين) هذه أوصاف عظيمة لهؤلاء الخلفاء.
المتن: (عضوا عليها بالنواجذ.)
الشرح:عضو عليها يعني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، هذا يراد به شدة التمسك بالشيء، يقال: عضَّ عليه بالنواجذ إذا اشتد تمسكه به، كالغريق إذا وقع في ماء ومعه حبل؛ فإنه يتمسك بهذا الحبل لئلا يغرق، فإذا خشي أن ينفلت من يديه عضَّ عليه بنواجذه، يعني بأضراسه، من الحرص على الإمساك بهذا الحبل؛ لأنه سبيل النجاة، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحبل الذي بيد الغريق، لو أطلقه لهلك.
المتن: (وإياكم ومحدثات الأمور)
الشرح: لما حث على التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم نهى عن المحدثات، جمع محدثة، وهي كل بدعة أحدثها المبتدعة، والبدعة ومحدثات الأمور هي إحداث شيء في الدين لم يكن منه، البدع المنهي عنها ما أحدث في الدين مما ليس منه، هذه هي البدع كما قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي رواية (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فأمور الدين لا تقبل الإحداث والزيادة، بل يجب التمسك بها نصاً وروحاً من غير زيادة ولا نقصان، وكلمة (إياكم) هذه كلمة تحذير.
المتن: (فإن كل محدثة بدعة)
الشرح: هذه قاعدة كلية عامة، كل محدثة في الدين فهي بدعة وليس هناك محدثة في الدين حسنة أو بدعة حسنة كما يقول أهل الضلالة، أو المنخدعون بما يقال: أنه هناك بدعة حسنة، الدين ليس فيه بدعة حسنة أبداً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). فالذي يقول: هناك بدعة حسنة، هذا يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول يقول: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وهذا يقول: لا، هناك بدع حسنة، ما هي بضلالة،هذا من المحادَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هناك في الدين بدعة حسنة أبداً، كل البدع ضلال.
المتن: (فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)
الشرح:هذا الحديث أصل عظيم، يرد على كل مبتدع يحسّن البدع للناس، ويقول: إنها خير، وإن فيها أجر، وفيها تنشيط على العبادة، وفيها وفيها، نقول له: البدع ليس فيها خير، وليس فيها أجر، وليس فيها شيء صحيح، كلها ضلالة، وكلها شر، وكلها مردودة على أصحابها، كفانا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه الخير والكفاية، الله ـ جل وعلا ـ يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم) ما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله به الدين، فمن جاء يريد أن يحدث زيادة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يتهم ربه بالكذب، الله يقول:{ أكملت لكم دينكم}، وهذا يقول: لا، بقي شيء، فيضيف إلى الدين شيئاً من عنده،هذا مكذب لله عز وجل أو متهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالكتمان، أن الله أنزل عليه هذه الأمور التي يراها هذا المبتدع والرسول كتمها ولم يبينها لأمته، كما يأتيكم في مناظرة العالم الذي ناظر ابن أبي دؤاد عند الخليفة الواثق بالله العباسي.


  #6  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 04:11 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ: عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله (مفرغ)

ثم قال الشيخ : (( وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم )).
الخلف : له معنى لغوي , وله معنى إصطلاحي , كما أن السلف له معنى لغوي وله معنى اصطلاحي .
فالمعنى اللغوي للسلف والخلف , هو أن السلف من سبق , والخلف من لَحِق . فيقال : أولئك سلف , وهؤلاء خلف لهم. فمن تقدم سلف , ومن جاء بعدهم فهو لهم خلف , وهذا هو المعنى اللغوي .
لكن بعد الخوض والتفرق الذي وقع في الأمة الأسلامية , صار لكل من السلف والخلف معنى خاصّ به. هذا المعنى له دلالة اصطلاحية معينة , فصار السلف يدل على من سار على منهج الرسول r وأصحابه , سواء كان في عهد الصحابة , أوفي عهد التابعين أو من بعدهم وإلى عصرنا الحاضر , وصار لفظ الخلف يطلق على من حرَّف وغيرَّ وبدل . فيقال : هذا من الخلف أي أنه مغير لايسير على منهج السلف . فصارت [السلف] و [الخلف] كلمتين متقابلتين . فالخلف هم كل من ابتدع وتأول النصوص وأغرق عن منهج الرسولr وأصحابه , سواء كان في الزمن الأول أي في عصر الابعين مثلاً , أو من بعدهم , أو في العصر الحديث , كل من ابتدع وتأول النصوص يقال عنه هو على منهج الخلف , وضدهم السلف .
فعبارة الشيخ حين قال هنا (( وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم )) , نقول : السلف سواء قصد بها المعنى اللغوي أو الاصطلاحي لي فيها إشكال .
أما المقصود بالخلف هنا فهو المعى اللغوي , أي الذين جاءوا بعد السلف .
وأئمة الخلف : أي الأئمة الذين جاءوا بعد السلف , وساروا على منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى , ولم يقصد أن أئمة الخلف من أهل البدع هذا منهجهم. وإنما قصده أئمة الخلف الذين جاءوا بعد أولئك السلف الصالح وصاروا أئمة يقتدى بهم .
ثم قال الشيخ رحمه الله : (( كلهم متفقون عل الإقرار والإمرار )) على الإقرار: أي الإقرار واليقين والإيمان والإثبات لتلك الصفات الواردة في كتاب الله , وفي سنة رسولهr . والإمار : أي أنهم يمرونها , ولايتعرضون لتأويلها أو لتحريفها , قال : (( والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وفي سنة رسول اللهr من غير تعرضٍ لتأويله )) . هذا واضح المعنى وقد سبق بيانه . ولكن نقف عند قوله: (( والإمرار)) لأنه ورد عن جمهرة من السلف ؛ أنهم
سُئلوا عن الصفات فقالوا(( أمروها كما جاءت )) فهل هذا تفويض ؟ وهل معنى أمرّوها كما جاءت , أي أمروا لفظها دون التعرض لها ودون إأثبات ما دلت عليه من المعاني ؟
نقول : بعض المفوضة ظن أن مثل هذه العبارة دليل لهم على التفويض . لكن الصحيح أن السلف رحمهم الله تعالى أثبتوا الصفات , كما أشار الشيخ هنا , أثبتوا ما دلّت عليه , ثم إذا سئلو عن الصفات قالوا :(( أمروها كما جاءت )) أي لا تتعرضوا لتأويلها , كما تعرض لها أهل التأويل , والدليل على ذلك أنه ورد عن السلف مثل هذه العبارة في غير الصفات .
فسئل الإمام أحمد عن أحاديث الوعيد كقولهr : (( ثنتان في أمتي هما بهم كفـرٌ ))(1) وقوله : (( ولله لا يؤمن ))(2) , وقوله )) لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))(3) . فقال رحمه الله تعالى: تمر كما جاءت .
وسئل في بعض المرات عن أحاديث الفضائل , التي فيها الفضل العظيم
فقال (( تمر كما جاءت )) أي لا نتعرض لتأويلها , وتحريفها , والخوض فيها على غير المنهج الحق . فدل ذلك على أن كلمة (تمر كما جاءت ) ليست خاصة بصفات الله , حتى ياتي قائل ويقول : إن المقصود بإمرار صفات الله : التفويض , وإنما المقصود إمرارها بعدم العرض لها , بتحريف , أو تأويل , أو تعطيل أو نحو ذلك .
ثم قال الشيخ : (( وقد أمرنا باقتفاء آثارهم والاهتداء بمنارهم)) أي أمرنا بأن نقتدي بهؤلاء السلف رحمهم الله تعالى , وأن نهتدي بمناراتهم العالية المضيئة , التي أبرزوا من خلاله المنهج الحق والوسط , منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى ولذا قال : (( وحذَّرنا المحدثات , وأخبرنا بأنها من الضلالات . فقال النبي r)): عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديينَ من بعدي , عضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة ))(1) .
وهذا استشهاد من الشيخ رحمه الله تعالى بهذا الحديث الثابت عن النبي r , فإن الرسول عليه والصلاة والاسلام أمر أمته باتباع السنة ، وحذرهم من البدع . ولهذا لما أمرهم أمرهم باتباع سنته , وباتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده .
ولو تأملت ما ورد عن الخلفاء الراشدين , لو جدته تطبيقًا عمليًا لما في كتاب الله وما في سنة رسولهr . لم يقع منهم تحريف , أو تأويل , أو تغيير أو تبديل .
وما وقع من خلاف بين الصحابة إنما هو في باب الأحكام , وهذا واقع حتى والرسولr بين الصحابة , كما في قصة بني قريظة , لما أمرهم بألا يصلوا العصر غلا في بني قريظة فاختلف الصحابة .
لكن في باب إثبات الأسماء والصفات وفي باب العقائد . لم يقع في هذه العهود المفضلة بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أي اختلاف (1) ، ولهذا أمرنا باتباع هدي الخلفاء الراشدين ، وسنة الخلفاء الراشدين ، وذلك في باب العقيدة وفي باب المنهج .
ثم قالr)) : وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محجثة بدعة ، وكل بدعة ضلالـة )) . فحذر رسول الله r من الأمور المحدثة التي هي بدعٌ وضلالات .
والبدعة : هي أمر محدث في الدين , فيه مضاهاة لما ورد في الشريعة, وإنما قلنا هذا حتى يخرج عن ذلك الأمور الحادثة التي هي من باب العادات , فلا تدخل في البدع المذمومة , كأن يأتي إنسان ويقول : كانوا يركبون الإبل في الزمن القديم , ونحن الآن نركب السيارت , فالسيارات بدعة , هذا ليس بصحيح ؛ لأن هذه الأمور هي من باب العادات , والأصل فيها الإباحة وإنما تضبط بقواعد الشرع العامة فقط , من خلال المقاصد ونحو ذلك .
لكن المقصود بالبدعة أن يبتدع الإنسان أمراً في الدين , سواء كان هذا في أمر عقدي , أو في أمر يتعلق بالعبادة والشرع , فهو بدعة وضلالة , فأولئلك الذين ابتدعوا في دين الله تعالى كأهل الأهواء مثلاً , تجد كل واحد منهم ابتدع بدعاً كثيرة مخالفة لنص كتاب الله وسنة رسولهr, مثل بدع الجهمية في باب الصفات وفي باب القدر وفي باب الإيمان وبدع المعتزلة في باب
الصفات وفي باب القدر وفي باب الإيمان , وبدع الروافض في باب الإمامة وفضائل أصحاب الرسول r وغيرها وبدع القدربة وبدع المرجئة وغيرها .
هذه كلها بدع محدثة في باب العقائد والمقالات , مخالفة لما كان عليه الرسول r وصحبه الكرام , ومثله أيضاً البدع العملية , مثل أولئك الذين يبتدعون أوراداً , أوأذكاراً , أو موالد أو غير ذلك . فهذه بدع عملية لأن صاحبها يريد أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذا العمل , فاخترع هذا الذكر بهذا الشكل, وبهذه الكيفية وفي هذا الوقت , فهذه الأمور كلها تحول هذا الأمر إلى أمر بدعي . وقد حذر رسول اللهr من هذه البدع جميعاً حيث قال : (( وكل بدعة ضلالة )) , وهذا شامل للبدع الحقيقية التي اخترعها مبتدعها وأضافها إلى الدين والبدع الإضافية التي لها أصل في الشرع لكن أضاف إليها المبتدع وقتاً محدوداً أو كيفية ونحوها وجعلها كلها عبادة .
والمنهج الصحيح هو السير على منهاج الرسول r ومنهاج أصحابه, وأن ذلك لا يتعارض أبداً مع مستجدات العصر, بمعنى أنه لا يمكن أن يأتي زمان - مهما بلغ تطوره - نحتاج فيه إلى تغيير في شرع الله تعالى ؛ لأن الشرع كامل صالح لك زمان ومكان .
تتغير أمور الناس ويتغير شكل حياتهم, وتتغير الوسائل, لكن تبقى الأصول التي أمر الله بها , وأمر الله بها وأمر بها رسولهr, وشرعها الله ، وشرعها رسولهr لا تتغير ولاتتبدل أبداً.
وهذه هي الثوابت في دين الله تعالى التي لا تقبل التغيير أبداً . وأي تغيير فيها هو اتهام لهذه الشريعة بالنقص؛ سواء كان في باب العقائد والتصورات ونحو ذلك , أو في باب الشريعة وتطبيقها , أو في باب العبادات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم سبحانه وتعالى , كل هذه الأمور مما جاءت به الشريعة كاملة , ولاتتغير أبداً , مهما اختلف الزمان, ومهما تغير المكان وهذا واضح جداً والحمد لله تعالى .

(1) أخرجه مسلم رقم (67) كتاب الإيمان

(2) أخرجه البخاري رقم (6016) كتاب الأدب . ومسلم رقم (46) كتاب الإيمان

(3) أخرجه البخاري رقم (2475) كتاب المظالم . زمسلم رقم(57) كتاب الإيمان

(1) أخرجه الترمذي رقم (2607) كتاب العلم . وابو داود رقم (4607) كتاب السنة وابن ماجه رقم (42) في المقدمة , وأحمد في المسند (4/126,127) وقال الترمذي : حسن صحيح .

(1) سوى مسائل يسيرة مثل : هل راى الرسول r ربه ليلة المعراج ؟ ونحوها .



  #7  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:37 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح فضيلة الشيخ: يوسف بن محمد الغفيص

شرح:

وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَأئِمَّةُ الخَلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الإِقْرَارِ والإِمْرَارِ وَالإِثْبَاتِ لِمَا وَرَدَ مِن الصِّفَاتِ في كِتَابِ اللهِ عزّ وجل وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ.



____________________________________________________________________________________


وقد أُمِرْنَا باقتِفاءِ آثَارِهِمْ والاهْتِدَاءِ بِمَنَارِهِمْ وَحُذِّرْنَا المُحدَثَاتِ، وَأُخْبِرْنَا أَنَّهَا مِنَ الضَّلاَلاَتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنّةِ الخُلفاءِ الرّاشِدين المَهْديين من بَعْدي، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدَثاتِ الأُمورِ، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ)).







?منهج السلف وأئمة الخلف عدم تأويل آيات الصفات
قال الموفق رحمه الله: [وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم ، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات، لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله، من غير تعرّض لتأويله] . قوله: [من غير تعرض لتأويله] أي: التأويل الذي أحدثه المتكلمون، وهو: صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز، أو صرف اللفظ عن الظاهر إلى المؤول، فهذا هو التأويل البدعي الذي أحدثه المتكلمون من المعتزلة وغيرهم في باب الأسماء والصفات.

شرح لمعة الاعتقاد [4]



?من أصول أهل السنة والجماعة: اتباع الكتاب والسنة وما أثر عن سلف الأمة، قولاً وعملاً واعتقاداً، وعدم مخالفة شيء من ذلك ببدعة أو محدثة في الدين، والتزام الوسطية وعدم التكلف والتنطع، مقتدين في ذلك بقول ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم.
?التسليم المطلق لا يكون إلا لله ورسوله
قال الموفق رحمه الله: [وقد أُمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنازلهم، وحُذرنا المحدثات، وأُخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)] . مقام السنة والاتباع يعتبر بأصلين: الأصل الأول: العلم. والأصل الثاني: التسليم. وهما المذكوران في قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فالتسليم الذي لا يبنى على العلم فإنه غير مقصود في الشريعة، ولهذا كان التسليم المطلق للأعيان بدعة حدثت في الإسلام، وأول من أحدثها الشيعة ثم الصوفية، فصاروا يسلِّمون لأئمتهم تسليماً مطلقاً، حتى اعتقد بعض طوائفهم عصمة الأئمة. إن التسليم المطلق بلا علم لأعيان أهل العلم فضلاً عمن دونهم ليس مقصوداً في الشرع؛ بل لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى ، ولحكم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يراجع في قوله، حتى يكون على وفق مقاصد الشريعة. فهنا قوله تعالى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] فلا بد من مقام العلم ومقام التسليم، وهذان الأصلان هما مبنى السنة، فلابد أن يكون صاحب السنة والمقتدي بآثار السلف على علم وتسليم، ولا يمكن أن تقوم الحقائق في القلوب ويعظم شأنه سبحانه وتعالى إلا بالعلم الذي يصاحبه التسليم. وكذلك مقام



العلم وحده الذي ينقطع عن التسليم، بل يقوم على الجدل ليس مقصوداً في الشريعة؛ ولهذا لم يعظم الله سبحانه وتعالى مقام الجدل ولا جعله منهجاً للمؤمنين، بل لم يذكر هذا المقام إلا في حق المجادلة للكفار، كقول الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ [النحل:125]أي: جادل الكفار، وقوله: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]فمقام المناظرة والجدل لم يذكر في سياق المؤمنين، إنما ذكر في سياق قوم كفار. فلا بد من اعتبار هذين المقامين: مقام العلم وهو التحكيم، ومقام التسليم. ......

?شرح بعض ألفاظ حديث العرباض بن سارية



أما حديث العرباض بن سارية الذي أورده المصنف فهو ثابت صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره، وفيه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء) والخلفاء هم الأربعة الراشدون، وإن كان من بعدهم سموا في الإسلام: خلفاء، كخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس... إلى غير ذلك، وهو مما يسوغ، لكن فرق بين تسمية أبي بكر و عمر و عثمان و علي خليفة، وبين تسمية من بعدهم، فهؤلاء الأربعة هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، ومعنى أن أبا بكر خليفة، أي: أنه خليفة عن رسول الله، وكذلك عمر من بعده وعثمان و علي ، فكل واحد من هؤلاء عند خلافته هو خليفة عن رسول الله في الأمة. وأما من بعدهم فإذا سمي خليفة، فهو مستخلف على المسلمين كراع لهم، أو أمير، أو سلطان، فهذا هو الفرق بين الخلافتين، بين الخلافة النبوية، وهي التي لها سُنة، وبين ما جاء بعدها. وذهب بعض أهل العلم -كما في بعض كتب السير- وهو قول لبعض أهل العراق: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعتبر خليفةً خامساً.. وهذا غلط، وقد أنكره جملة من الأئمة الكبار: كالإمام أحمد رحمه الله ، وغيره، وذلك من جهتين: الجهة الأولى: أن عمر بن عبد العزيز بويع الخلافة المقصودة بعد زمن بعيد، والإمام أحمد رحمه الله لما بلغه قول بعض أهل العراق: إن عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس، تعجب من ذلك! وقال: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)؟ ومقصوده رحمه الله: أن من جعل عمر بن عبد العزيز خليفةً خامساً فقد زاد عن الثلاثين؛ لأن الثلاثين سنة بقي منها أشهر بعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهذه الأشهر هي إمارة الحسن ، إن كان له إمارة، على خلاف بين أهل العلم. وعمر بن عبد العزيز صاحب سنة، وأمير عدل، وإمام في العلم والورع... إلخ، لكن لا يجوز أن يسمى خليفة خامساً، بل الخلفاء أربعة، وأما من بعدهم فهم سلاطين وملوك وأمراء. الجهة الثانية: أن معاوية بن أبي سفيان أفضل من عمر بن

عبد العزيز بإجماع السلف؛ لأن معاوية صحابي؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هو أفضل ملوك الإسلام بالاتفاق". فمعاوية ملك وهو أول ملوك الإسلام وأفضلهم، وإن كان يسمى: خليفة، وهو أفضل من عمر بن عبد العزيز بلا شك، مع أن شيخ الإسلام استدرك وقال: "وإن كان بعض مقامات العدل، استقرت في خلافة عمر بن عبد العزيز ، أكثر من استقرارها في خلافة معاوية ؛ لكن هذا أوجبه حال السلطان إذ ذاك"، بمعنى: أن معاوية أدرك فتناً وحروباً، فكان لزمنه اختصاص، بخلاف عمر بن عبد العزيز فإن الأمور كانت مستقرة له في الجملة. ولكن الاعتبار بكليات الأمور واجتماعها وليس بجزء من آحادها. ......
حكم زيادة: (وكل ضلالة في النار)
ورد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كل محدثة بدعة)أي: كل إحداث في الدين فإنه بدعة، سواء كانت بدعةً قولية، أو بدعةً عقدية، أو بدعة فعلية. وفي بعض أوجه الحديث الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبته به، وهو في الصحيح عن جابر بن عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وفي السنن وغيرها زيادة: (وكل ضلالة في النار)وهذه الزيادة من جهة الإسناد فيها تردد، والإمام ابن تيمية يقول: "إنها شاذة". ويرى أن شذوذها من جهة متنها، قال: لأن الضلالة لا يلزم أن تكون في النار؛ فإن الإنسان قد يضل ويكون ضلاله مغفوراً له، بدليل قول الرسول عليه الصلاة والسلام -كما في حديث عمرو بن العاص في الصحيحين: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر). فزيادة: (وكل ضلالة في النار)هذا عموم، والحق أن الضلالة قد يكون صاحبها في النار؛ لكونه متعدياً بعدما تبين له الهدى، وقد لا يكون في النار، لكونه في محل اجتهاد، فيكون خطؤه مغفوراً واجتهاده مأجوراً.


  #8  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:39 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

العناصر

- شرح حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه .
- تعريف السنة ، وبيان وجوب اتباعها .
- تعريف البدعة ، وبيان حكمها .
- ذكر الخلفاء الراشدين ، وسبب تسميتهم بذلك .
- تأويل النصوص من البدع والمحدثات .


  #9  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:44 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post الأسئلة

الأسئلة

س1: عرف السنة واذكر الدليل على وجوب اتباعها .
س2: عرف البدعة وبين حكمها .
س3: اشرح بإيجاز حديث العرباض بن سارية ، مع بيان أهميته في باب الأسماء والصفات .
س4: من هم الخلفاء الراشدون ؟ ولم سموا بذلك ؟
س5: اشرح بإيجاز مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الحدَّ و البينونة ؟
س6: اشرح قول الإمام أحمد : ( ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ) .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, السلف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir