الأصول هي الدور والأراضي والأشجار، وما يتبع تلك الأصول إذا بيعت مما يتعلق بها؛ فيكون للمشتري، وما لا يتبعها؛ فيبقى على ملك البائع، ومعرفة ذلك ينحسم بها النزاع بين الطرفين، ويعرف كل ماله وما عليه؛ لأن ديننا لم يترك شيئا لنا فيه مصلحة أو علينا فيه مضرة إلا بينه، فإذا طبق هذا الدين ونفذت أحكامه؛ لم يبق مجال للنزاع والخصومات، ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه؛ فقد يبيع الإنسان شيئا من ماله، وهذا الشيء يتعلق به توابع ومكملات ومرافق، أو يكون له نماء متصل أو منفصل، فيقع اختلاف بين المتبايعين: أيهما يستحق هذه التوابع؟، ولأجل الحكم بينهما في هذا الاختلاف؛ عقد الفقهاء رحمهم الله بابا في الفقه الإسلامي سموه: "باب بيع الأصول الثمار"، بينوا فيه ذلك.
فإذا باع دارًا؛ شمل البيع بناءها وسقفها؛ لأن ذلك كله داخل في مسمى الدار، وشمل أيضا ما يتصل بها مما هو من مصلحتها؛ كالأبواب المنصوبة، والسلالم، والرفوف المسمرة بها، والآليات المركبة فيها، كالرافعات، والأدوات الكهربائية، والقناديل المعلقة للإضاءة، وخزانات
المياه المدفونة في الأرض، أو المثبتة فوق السطوح، والأنابيب الممدة لتوزيع الماء، وأدوات التكييف المثبتة في أماكنها لتكييف الهواء أو لتسخين الماء، ويشمل البيع أيضا ما في الدار من أشجار وزراعة، وما أقيم فيها من مظلات، ويشمل البيع أيضا ما في باطن أرض الدار من معدن جامد.
أما ما كان مودعا في الدار وما هو منفصل عنها؛ فلا يشمله البيع؛ كالأخشاب، والحبال، والأواني، والفرش المنفصلة، وما دفن في أرضها للحفظ؛ كالحجارة، والكنوز، وغيرها؛ فكل هذه الأشياء لا يشملها البيع؛ لأنها منفصلة عن الدار، فلا تدخل في مسماها؛ إلا ما كان يتعلق بمصلحتها؛ كالمفاتيح؛ فإنه يتبعها، ولو كان منفصلاً عنها.
وإذا باع أرضا؛ شمل البيع كل ما هو متصل بها مما يستمر بقاؤه فيها؛ كالغراس، والبناء.
وكذا لو باع بستانا؛ شمل البيع أرضه، وشجره وحيطانه، وما فيه من منازل، ولو باع أرضا فيها زرع لا يحصد إلا مرة؛ كالبر والشعير؛ فهو للبائع، ولا يشمله العقد، وإن كان في الأرض المبيعة زرع يجز مرارًا؛ كالقت، أو يلقط مرارًا؛ كالقثاء، والباذنجان؛ فإن أصوله تكون لمشتري الأرض؛ تبعا للأرض، وأما الجزة واللقطة الظاهرتان عند البيع؛ فإنهما تكونان للبائع.
وكل ما ذكر من هذا التفصيل فيما يتبع للبائع وما يتبع للمشتري عند بيع الأصول إذا لم يوجد شرط بينهما،
أما إذا وجد شرط يلحق هذه الأشياء بأحدهما دون الآخر وجب العمل به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم)).
ومن باع نخلاً قد أبِّر طلعه؛ فثمره للبائع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر؛ فثمرتها للذي باعها؛ إلا أن يشترطه المبتاع))، متفق عليه، والتأبير هو التلقيح، ومثل النخل في هذا الحكم شجر العنب والتوت والرمان، إذا بيع بعد ظهور ثمره؛ كان ثمره للبائع، وما قبل التأبير في النخل والظهور في العنب ونحوه يكون للمشتري؛ لمفهوم الحديث الشريف في النخل، وقياس غيره عليه.
ومن هذا تفهم كمال هذه الشريعة الإسلامية، وحلها لمشاكل الناس، وأنها تعطي كل ذي حق حقه؛ من غير ظلم ولا إضرار بالآخرين؛ فما من مشكلة لا وضعت لها حلا كافيا، مشتملاً على المصلحة والحكمة، تشريع من حكيم حميد، يعلم ما يصلح عباده وما يضرهم في كل زمان ومكان.
وصدق الله العظيم حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}؛ فلا يحسم النزاع بين الناس ويحقق المصالح ويقنع النفوس المؤمنة؛ إلا حكم الله ورسوله،
أما أنظمة الشر؛ فهي قاصرة قصور البشر، وتدخلها الأهواء والنزعات؛ كما قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}؛ فتبا وبعدًا وسحقا لعقول تستبدل حكم الله ورسوله بقوانين البشر، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويحمي المسلمين من كيد أعدائهم؛ إنه سميع مجيب
[الملخص الفقهي: 2/45-48]