بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الوَقْفُ
881- (تَنْوِينًا اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا = وقَفْاً وتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا)
الوَقْفُ: قَطْعُ النطقِ عِنْدَ آخِرِ الكلمةِ, والمُرَادُ هُنَا الاخْتِيَاَرِيُّ, وهُو غيرُ الذِي يكونُ اسْتِثْبَاتًا، وإِنْكَارًا وتَذَكُّرًا وتَرَنُّمًا, وغَالِبُهُ يَلْزَمُهُ تَغْيِيرَاتٌ, وتَرْجِعُ إِلَى سَبْعَةِ أَشْيَاءٍ: السكونُ, والرَّوْمُ, والإِشْمَامُ, والإِبْدَالُ, والزيادةُ, والحَذْفُ, والنقلُ, وهذِهِ الأَوْجُهُ مُخْتَلفِةٌ فِي الحُسْنِ والمَحَلِّ, وسَتَأْتِي مُفَصَّلَةً.
واعْلَمْ أَنَّ فِي الوَقْفِ عَلَى المُنَوَّنِ ثلاثَ لُغَاتٍ:
الأُولَى – وهِي الفُصْحَى – أَنْ يُوقَفَ عليهِ بِإِبْدَالِ تَنْوِينِهِ أَلِفًا؛ إِنْ كَانَ بَعْدَ فَتْحَةٍ، وبِحَذْفِهِ إِنْ كانَ بَعْدَ ضَمَّةٍ أو كَسْرَةٍ بِلَا بَدَلٍ، تقولُ: "رَأَيْتُ زَيْدًا"، و"هَذَا زَيْدٌ"، و"مَرَرْتُ بِزَيْدٍ".
والثانيةُ: أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بحذفِ التنوينِ وسكونِ الآخِرِ مُطْلَقًا، ونَسَبَهَا المُصَنِّفُ إِلَى رَبِيعَةَ.
والثالثةُ: أَنْ يُوقَفَ عليهِ بِإِبْدَالِ التنوينِ أَلِفًا بَعْدَ الفَتْحَةِ، وواوًا بَعْدَ الضَّمَّةِ،وياءً بَعْدَ الكسرة،ِ ونَسَبَهَا المُصنفُ إِلَى الأَزْدِ.
تنبيهاتٌ: الأولُ: شَمِلَ قولُهُ "اثْرَ فَتْحٍ" فَتْحَةِ الإِعْرَاَبِ، نحوُ: "رَأَيْتُ زَيْدًا"، وفَتْحَةِ البِنَاءِ نحوُ: "أَيُّهَا" و"ويْهَا" فَكِلَا النوعينِ يُبْدَلُ تَنْوِينُهُ أَلِفًا عَلَى المشهورِ.
الثانِي: يُسْتَثْنَى مِنَ المُنَوَّنِ المنصوبِ مَا كانَ مُؤَنَّثًا بالتاءِ، نحوُ: قَائِمَةٍ، فَإِنَّ تنوينَهُ لَا يُبْدَلُ، بَلْ يُحْذَفُ، وهَذَا فِي لُغَةِ مَنْ يَقِفُ بالهاءِ، وهِي الشهيرةُ، وأَمَّا مَنْ يَقِفُ بالتاءِ، فَبَعْضُهُم يُجْرِيهَا مَجْرَى المَحْذُوفِ، فَيُبْدِلُ التنوينَ أَلِفًا، فيقولُ: "رَأَيْتُ قَائِمَتَا"، وأَكْثَرُ أَهْلِ هَذِهِ اللغةِ يُسَكِّنُهَا لا غَيْرَ.
الثالثُ: المقصورُ المُنَوَّنُ يُوقَفُ عَلَيْهِ بالألفِ، نحوُ: "رَأَيْتُ فَتًى"، وفِي هَذِهِ الألفِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ، الأولُ: أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ التنوينِ فِي الأَحْوَالِ الثلاثِ، واسْتَحْصَبَ حَذْفُ الألفِ المُنْقَلِبَةِ وَصْلًا وَوَقْفًا، وهُو مَذْهَبُ أبِي الحَسَنِ والفَرَّاء والمَازِنِيِّ، وهُو المَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الناظمِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تنوينٌ بَعْدَ فَتْحَةٍ، والثانِي: أَنَّهَا الأَلِفُ المُنْقَلِبَةُ فِي الأحوالِ الثلاثِ، وأَنَّ التنوينَ حُذِفَ، فَلَمَّا حُذِفَ عَادَتِ الألفُ، وهُو مَرْوُيٌّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو والكِسَائِيِّ والكُوفِيِّينَ، وإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ كَيْسَانَ والسِّيرَافِيُّ، ونَقَلَهُ ابْنُ البَاذَشِ عَنْ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ، وإليهِ ذَهَبَ المُصَنفُ فِي (الكَافِيَةِ)، فَقَالَ فِي شَرْحِهَا: ويُقَوِّي هَذَا المَذْهَبَ ثُبُوتُ الروايةِ بإِمَالَةِ الألفِ وَقْفًا، والاعتدادُ بِهَا رَوَيًّا، وبدلُ التنوينِ غَيْرُ صَالِحٍ لذلكَ، ثُمَّ قَالَ: ولَا خِلَافَ فِي المقصورِ غَيْرِ المُنَوَّنِ أَنَّ لَفْظَهُ فِي الوَقْفِ كَلَفْظِهِ فِي الوَصْلِ، وأَنَّ أَلِفَهُ لَا تُحْذَفُ إِلَّا فِي ضرورةٍ، كقولِ الشَّاعِرِ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1196 - وقَبِيلٌ مِنْ لُكَيْزٍ شَاهِدٌ = رَهْطُ مَرْجُومٍ ورَهْطُ ابْنِ المُعَلّ
أَرَادَ ابْنَ المُعَلَّى، انْتَهَى.
ومِثَالُ الاعْتِدَادِ بِهَا رَوِيًّا قولُ الرَّاجِزِ:
1197 - إِنَّكَ يَا بْنَ جَعْفَرٍ نِعْمَ الفَتَى = ونِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إِذَا أَتَى
إلَى قَولِهِ:
ورُبَّ طَيْفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرى = صَادَفَ زَادًا وحَدِيثًا مَا اشْتَهَى
والثالثُ: اعْتِبَارُهُ بالصحيحِ، فالألفُ فِي النَّصْبِ بدلٌ مِنَ التنوينِ، وفِي الرفعِ والجَرِّ بَدَلٌ مِنْ لامِ الكلمةِ، وهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فِيمَا نَقَلَهُ أَكْثَرُهُمْ، قِيلَ: وهُو مَذْهَبُ مُعْظَمِ النَّحْوِيِّينَ، وإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَلِيٍّ فِي غَيْرِ (التَّذْكِرَةِ)، وذَهَبَ فِي (التَّذْكِرَةِ) إِلَى مُوَافَقَةِ المَازِنِيِّ.
882 - (واحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ = صِلَةَ غَيْرِ الفْتِحِ فِي الإِضْمَارِ)
يَعْنِي إِذَا وُقِفَ عَلَى هاءِ الضميرِ، فَإِنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً أو مَكْسُورَةً حُذِفَتْ صِلَتُهَا، وَوُقِفَ عَلَى الهَاءِ ساَكِنَةً، تقولُ: لَهْ بِهْ، بِحَذْفِ الواوِ والياءِ، وإِنْ كانتْ مَفْتُوحَةً، نحوُ: رَأَيْتُهَا، وُقِفَ عَلَى الأَلِفِ، ولَمْ تُحْذَفْ، واحْتُرِزَ بقولِهِ: "فِي سِوَى اضْطِرَارِ" مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ، وإِنَّمَا يكونُ ذلكَ آخِرَ الأبياتِ، وذَكَرَ فِي (التَّسْهِيلِ) أَنَّهُ قَدْ يُحْذَفُ أَلِفُ ضميرِ الغَائِبَةِ مَنْقُولًا فَتْحُهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ، اختيارًا كقولِ بعضِ طَيِّئٍ:+ والكرامةُ ذاتِ أَكْرَمَكُمُ اللهِ بَهْ، يُرِيدُ بِهَا، واسْتُشْكِلَ قولُهُ: اختيارًا، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ القِيَاسِ عَلَيْهِ، وهُو قليلٌ.
883 - (وأَشْبَهَتْ إِذَا مُنَوَّنًا نُصِبْ = فَأَلِفًا فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ)
اخْتُلِفَ فِي الوَقْفِ عَلَى "إِذَا"، فذهَبَ الجمهورُ إِلَى أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهَا بالألفِ؛ لِشِبْهِهَا بالمُنَوَّنِ المنصوبِ، وذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهَا بالنونِ؛ لِأَنَّهَا بمنزلةِ "أَنْ"، ونُقِلَ عَنِ المَازِنِيِّ والمُبَرِّد، واخْتُلِفَ فِي رَسْمِهَا عَلَى ثلاثةِ مَذَاهِبَ، أحدُهَا: أَنَّها تُكْتَبُ بالألفِ، قِيلَ: وهُو الأكثرُ، وكذلكَ رُسِمَتْ فِي المُصْحَفِ، والثانِي: أَنَّهَا تُكْتَبُ بالنونِ، قِيلَ: وإِلَيْهِ ذَهَبَ المُبَرِّدُ والأَكْثَرُونَ، وصَحَّحَهُ ابْنُ عُصْفُور، وعَنِ المُبَرِّد: أَشْتَهِي أَنْ أَكْوِي يَدَ مَنْ يَكْتُبُ إِذَنْ بِالْأَلِفِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُ "أَنْ" و"لَنْ"، ولَا يَدْخُلُ التنوينُ فِي الحروفِ.
والثالثُ: التفصيلُ، فَإِنْ أُلْغِيَتْ كُتِبَتْ بالألفِ لِضَعْفِهَا، وإِنْ أُعْلِمَتْ كُتِبَتْ بالنونِ؛ لِقُوَّتِهَا قَالَهُ الفَرَّاءُ، ويَنْبَغِي أَنْ يكونَ هَذَا الخِلَافُ مَفْرُعًا عَلَى قولِ مَنْ يَقِفُ بالألفِ، وأَمَّا مَنْ يَقِفُ بالنونِ فَلَا وَجْهَ لِكِتَابَتِهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ النونِ.
884 - (وحَذْفُ يَا المَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ – مَا = لَمْ يُنْصَبَ – اوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا)
885 - وغَيْرُ ذِي التَّنْوِينِ بالعَكْسِ، وفِي = نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفِي
أيْ: إِذَا وَقَفْتَ عَلَى المَنْقُوصِ المُنَوَّنِ، فَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا أُبْدِلَ مِنْ تنوينِهِ أَلِفٌ، نحوُ: رَأَيْتُ قَاضِيًا. وإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوبٍ، فالمُخْتَارُ الوَقْفُ عَلَيْهِ بالحَذْفِ، فَيُقَالُ: "هَذَا قَاضٍ" و"مَرَرْتُ بِقَاضٍ"، وَيجوزُ الوقفُ عَلَيْهِ بِرَدِّ الياءِ، كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ {ولُكِلِّ قَوْمٍ هَادِي} و{مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي} و{مَا عِنْدَ اللهِ بَاقِي}، ومَحَلُّ مَا ذُكِرَ إِذَا لَمْ يَكُنِ المنقوصُ مَحْذُوفَ العَيْنِ، فَإِنْ كانَ تَعَيَّنَ الرَّدُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي قولِهِ: "وفِي * نَحوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفِي".
وأَمَّا غيرُ المُنَوَّنِ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بقولِهِ: (وغَيْرُ ذِي التنوينِ بالعَكْسِ) أَيْ: المنقوصُ غَيْرُ المُنَوَّنِ بالعَكْسِ مِنَ المُنَوَّنِ، فَإِثْبَاتُ الياءِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَذْفِهَا، ولَيْسَ الحَذْفُ مَخْصُوصًا بالضرورةِ، خِلَافًا لِبَعْضِهِم، وقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَولِهِ: "غَيْرُ ذِي التنوينِ" أربَعَةُ أَشْيَاءٍ:
الأولُ: المَقْرُونُ بِـ "أَلْ"، وهُو إِنْ كَانَ مَنْصُوبًا، فَهُوَ كالصَّحِيحِ، نحوُ: "رَأَيْتُ القَاضِي". فَيُوقَفُ عَلَيهِ بإثباتِ الياءِ وَجْهًا وَاحِدًا، وإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا أو مَجْرُورًا، فَكَمَا ذَكَرَ؛ فَالمُخْتَارُ "جَاءَ القَاضِي" و"مَرَرْتُ بِالْقَاضِي" بالإثباتِ، ويجوزُ "القَاضْ" بالحَذْفِ.
والثانِي: مَا سَقَطَ تَنْوِينُهُ للنداءِ، نحوُ: "يَا قَاضٍ" فالخَلِيل يختار فيه الإثبات ويُونُسُ يَخْتَارُ فِيهِ الحَذْفَ، ورَجَّحَ سِيبَوَيْهِ مَذْهَبَ يُونُسَ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ مَحَلُّ حَذْفٍ، ولِذَلكَ دَخَلَ فِيهِ التَّرْخِيمُ، ورجَّحَ غَيْرُهُ مَذْهَبَ الخَلِيلِ؛ لِأَنَّ الحَذْفَ مُجَازٌ، ولَمْ يَكْثُرْ؛ فَيُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ.
والثالثُ: مَا سَقَطَ تَنْوِينُهُ لِمَنْعِ الصرفِ، نحوُ: "رَأَيْتُ جَوَارِيَ" نَصْبًا، فَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِ الياءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي المَنْصُوبِ.
والرابعُ: مَا سَقَطَ تنوينُهُ للإِضَافَةِ، نحوُ: "قَاضِي مَكَّةَ" فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ جَازَ فِيهِ الوَجْهَانِ الجَائِزَانِ فِي المُنَوَّنِ، قالوُا: لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتِ الإِضَافَةُ بالوقفِ عَلَيْهِ عَادَ إِلَيْهِ مَا ذَهَبَ بِسَبَبِهَا، وهو التنوينُ، فَجَازَ فِيهِ مَا جَازَ فِي المُنَوَّنِ.
فَقَدْ بَانَ لَكَ أَنَّ كلامَ الناظمِ مُعْتَرَضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ عِبَارَتَهُ شَامِلَةٌ لِهَذِهِ الأَنْوَاعِ الأربَعَةِ، ولَيْسَ حُكْمُهَا واحدًا، والآخَرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ المنصوبَ، وهُو مُتَعَيَّنُ الإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي (الكَافِيَةِ).
(وفِي * نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفِي) يَعْنِي إِذَا كَانَ المَنْقُوصُ مَحْذُوفَ العَيْنِ، نحوُ: "مُرٍ" اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ "أَرَأَى" يَرْئِي، أَصْلُهُ مَرْئِيٌّ علَى وَزْنِ مُفْعِلٍ، فَأُعِلَّ إِعْلَالَ "قَاضٍ" وحُذِفَتْ عَيْنُهُ، وهِي الهَمْزَةُ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا، فَإِنَّهُ إِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَزِمَ رَدُّ الياءِ، وإِلَّا لَزِمَ بَقَاءُ الاسْمِ عَلَى أَصْلٍ واحِدٍ، وهُو الرَّاءُ: وذلكَ إِجْحافٌ بالكلمةِ، ومِثْلُهُ فِي ذَلكَ مَحْذوفُ الفاءِ، كَيَفِ عَلَمًا فتقولُ: هَذَا مُرِي ويَفِي ومررتُ بِمُرَي ويَفِي.
886 - (وغَيْرُهَا التأنيثُ مِنْ مُحَرَّكِ = سَكِّنْهُ أوقِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ)
887 - أو اشْمِمِ الضَّمَّةَ، أو قِفْ مُضْعِفَا = مَا لَيْسَ هَمْزًا أو عَلِيلًا إِنْ قَفَا
888 - مُحَرِّكًا، وحَرَكَاتٍ انْقُلَا = لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا
فيِ الوَقْفِ عَلَى المُتَحَرِّكِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: الإِسْكَانُ، والرَّوْمُ، والإِشْمَامُ، والتَّضْعِيفُ والنقلُ، ولكلٍ مِنْهَا حَدٌّ وعَلَامَةٌ.
فالإِسْكَانُ: عَدَمُ الحَرَكَةِ، وعَلَامَتُهُ "خ" فَوْقَ الحَرْفِ وهِي الخاءُ مِنْ "خَفَّ" أو "خَفِيفٍ".
والإشْمَامُ: ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ بَعْدَ الإِسْكَانِ فِي المَرْفُوعِ والمضمومِ، للإِشَارَةِ للحَرَكَةِ مِنْ غَيِر صَوتٍ، والغَرَضُ بِهِ الفَرْقُ بَيْنَ الساكِنِ والمُسَكَّنِ فِي الوَقْفِ، وعَلامَتُهُ نُقْطةٌ قُدَّامَ الحَرْفِ هَكَذَا (.).
والرَّوْمُ: وهُو أَنْ تَأْتِي بالحَرَكَةِ مَعَ إِضْعَافِ صَوْتِهَا، والغَرَضُ بِهِ هُو الغَرَضُ بالإِشْمَامِ إِلَّا أَنَّهُ أَتَمُّ فِي البَيَانِ مِنَ الإشْمَامِ، فَإِنَّهُ يُدْرِكُهُ الأَعْمَى والبَصِيرُ، والإشْمَامُ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا البَصِيرُ؛ ولذلكَ جُعِلَتْ عَلَامَتُهُ فِي الخَطِّ أَتَمَّ، وهُو خَطٌّ قُدَّامَ الحَرْفِ هَكَذَا (ـ).
والتَّضْعِيفُ: تَشْدِيدُ الحَرْفِ الذِي يُوقَفُ عَلَيْهِ، والغَرَضُ بِهِ الإِعْلَامُ بِأَنَّ هَذَا الحَرْفَ مُتَحَرِّكٌ فِي الأَصْلِ، والحَرْفُ المَزِيدُ للوَقْفِ هُو الساكِنُ الذِي قَبْلَهُ، وهُو المُدْغَمُ، وعَلَامَتُهُ شِينٌ فَوْقَ الحَرْفِ، وهُو الشِّينُ مِنْ "شَدِيدٍ".
والنَّقْلُ: تحويلُ الحركةِ إِلَى الساكِنِ قَبْلَهَا، والغَرَضُ إِمَّا بَيَانُ حَرَكَةِ الإِعْرَابِ أَو الفَرَارُ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وعَلَامَتُهُ عَدَمُ العَلَامَةِ، وسَيَأْتِيِ تَفْصِيلُ ذَلكَ.
فَإِنْ كَانَ المُتَحَرِّكُ هاءَ التأنيثِ لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهَا، إِلَّا بالإِسْكَانِ، ولَيْسَ لَهَا نَصِيبٌ ٌفِي غَيْرِهِ، ولِذَلكَ قَدَّمَ اسْتِثْنَاءَهَا، وإِنْ كَانَ غَيْرُهَا جَازَ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بالإِسْكَانِ، وهُو الأَصْلُ، وبِالرَّوْمِ مُطْلَقًا، أَعْنِي فِي الحَرَكَاتِ الثلاثِ، ويُحْتَاجُ فِي الفَتْحَةِ إِلَى رِيَاضَةٍ؛ لِخَفَّةِ الفَتْحَةِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ أَكْثَرُ القُرَّاءِ فِي المَفْتُوحِ، ووافَقَهُمْ أَبُو حَاتِمٍ، ويَجُوزُ الإِشْمَامُ والتَّضْعِيفُ والنقلُ، لَكِنْ بالشروطِ الآتِيَةِ، وقَدْ أَشَارَ إِلَى الإِشْمَامِ بِقَولِهِ (أَو اشْمِمِ الضَّمَّةَ) أَيْ: إِعْرَابِيَّةً كانَتْ أو بِنَائِيَّةً، وأَمَّا غَيْرُ الضَّمَّةِ، وهُو الفَتْحَةُ والكَسْرَةُ فَلَا إِشْمَامَ فِيهِمَا، وأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ الإِشْمَامِ فِي الجَرِّ عَنْ بعضِ القُرَّاءِ، فمَحْمُولٌ عَلَى الرَّوْمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الكُوفِيِّينَ يُسَمِّي الرَّوْمَ إِشْمَامًا، ولَا مُشَاحَّةَ فِي الاصْطِلَاحِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى التَّضْعِيفِ بقولِهِ: (أوقِفْ مُضْعِفَا * مَا لَيْسَ هَمْزًا أو عَلِيلًا إِنْ قَفَا) أَيْ: تَبِعَ (مُحَرَّكًا) كَقَولِكَ فِي "جَعْفَرٍ": "جَعْفَرّ"، وفِي "وَعِلٍ": "وَعِلّ" وفِي "ضَارِبٍ" "ضَارِبّ".
واحْتَرَزَ بالشرطِ الأولِ مِنْ نَحوِ: "بِنَاءٍ" و"خِطَاءٍ" فَلَا يجوزُ تضعِيفُهُ؛ لِأَنَّ العربَ اجْتَنَبَتْ إِدْغَامَ الهَمْزَةِ مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنًا، وبالشَّرْطِ الثانِي مِنْ نحوِ "سَرُوَ" و"بَقِيَ" و"القَاضِي" و"الفَتَى"، فَلَا يجوزُ تَضْعِيفُهُ، وبالثالثِ مِنْ نحوِ "بَكْرٍ"، فَلَا يجوزُ تَضْعِيفُهُ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى النقلِ بقولِهِ:
(وحَرَكَاتٍ انْقُلَا = لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا)
أَيْ: يجوزُ نقلُ حركةِ الحرفِ الموقوفِ عليهِ إِلَى مَا قَبْلَهُ بشرطينِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يكونَ سَاكِنًا، والآخرُ أَنْ يكونَ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَ، أَيْ: لَنْ يُمْنَعَ، فتقولُ فِي نحوِ "بَكْرٍ": "هَذَا بَكْرٌ"، و"مَرَرْتُ بِبَكْرٍ"، ومِنْهُ قَوْلُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1198 - عَجِبْتُ والدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ = مِنْ عَنِزِيٍّ سَبَّنِي لَمْ أَضْرِبُهْ
أَرَادَ: لَمْ أَضْرِبْهُ، فنقلَ ضَمَّةَ الهاءِ إِلَى الباءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ المنقولُ إِلَيْهِ سَاكِنًا أو كَانَ، ولَكِنْ غَيْرُ قَابِلٍ للتحريكِ: إِمَّا لكونِ تَحْرِيكِهِ مُتَعَذِّرًا كَمَا فِي نحوِ: "نَابَ" و"بَابَ"، أو مُتَعَسِّرًا كَمَا فِي نحوِ: "قِنْدِيلٍ" و"عُصْفُورٍ" و"زَيْدٍ" و"ثَوْبٍ"؛ لِثَقَلِ الحركةِ عَلَى اليَاءِ والواوِ، أَو مُسْتَلْزِمًا لِفَكِّ إِدْغَامٍ مُمْتَنَعِ الفَكِّ فِي غيرِ الضرورةِ كَمَا فِي نحوِ، "جَدَّ" و"عَمَّ"، امْتَنَعَ النَّقْلُ.
تنبيهانِ: الأَولُ: يجوزُ فِي لُغَةِ لَخْمٍ الوَقْفُ بِنَقْلِ الحركةِ إِلَى المُتَحَرِّكِ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1199 - مَنْ يَأْتَمِرْ للْخَيْرِ فِيمَا قَصَدُهْ = تُحْمَدْ مَسَاعِيهِ ويُعْلَمْ رَشَدُهْ
ومِنْ لُغَتِهِم الوقفُ عَلَى هَاءِ الغَائِبَةِ بِحَذْفِ الألفِ ونَقْلِ فَتْحَةِ الهاءِ إِلَى المُتَحَرِّكِ قَبْلَهَا كقولِهِ: "كُنْتُ فِي لَخْمٍ أَخَافَهْ"، أرادَ أَخَافَهَا، فَفَعَلَ مَا ذُكِرَ.
الثانِي: أَطْلَقَ الحَرَكَاتِ، وهُو شامِلٌ للإِعْرَابِيَّةِ والبِنَائِيَّةِ، والذِي عَلَيْهِ الجماعَةُ اختصاصُهُ بحركةِ الإعرابِ، فَلَا يُقَالُ: مِنْ قَبُلْ ولا مِنْ بَعُدْ ولا مَضَي أَمِسْ؛ لأِنَّ حِرْصَهُمْ عَلَى مَعْرِفَةِ حَرَكَةِ الإعْرَابِ لَيْسَ كَحِرْصِهِم عَلَى مَعْرِفَةِ حَرَكَةِ البِنَاءِ، وقَالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ: بَلِ الحرصُ عَلَى حركةِ البِنَاءِ آكَدُ؛ لِأَنَّ حركةَ الإِعْرَابِ لَهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وهُو العَامِلُ اهـ.
وقَدْ بَقِي للنقلِ شَرْطٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَشَارَ إِلَيْهِ بقولِهِ:
889 - (ونَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى المَهْمُوزِ لَا = يَرَاهُ بَصْرِيٌّ، وكَوَفٍ نَقَلَا)
يَعْنِي أَنَّ البَصْرِيِّينَ مَنَعُوا نَقْلَ الفَتْحَةِ إِذَا كَانَ المَنْقُولُ عَنْهُ غَيْرَ هَمْزَةٍ، فَلَا يجوزُ عِنْدَهُم: "رَأَيْتُ بَكَرْ"، و"لا ضَرَبْتُ الضَّرَبْ"، لِمَا يَلْزَمُ عَلَى النقلِ حينئذٍ فِي المُنَوَّنِ مِنْ حَذْفِ أَلِفِ التنوينِ، وحَمْلِ غَيْرِ المُنَوَّنِ عَلَيْهِ، وأَجَازَ ذَلكَ الكُوفِيُّونَ، ونُقِلَ عَنِ الجَرْمِيِّ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وعَنِ الأَخْفَشِ أَنَّهُ أَجَازَهُ فِي المُنَوَّنِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: "رَأَيْتُ بَكْرْ"، وأَشَارَ بقولِهِ: "مِنْ سِوَى المَهْمُوزِ" إِلَى أَنَّ المهموزَ يجوزُ نَقْلُ حَرَكَتِهِ وإِنْ كَانَ فَتْحَةً، فيُقَالُ: "رَأَيْتُ الخَبَأْ والرَّدَأْ والبُطَأْ"، فِي "رَأَيْتُ الخَبَءَ والرَّدَءَ والبُطَءَ"، وإِنَّمَا اغْتُفِرَ ذلكَ فِي الهَمْزَةِ لِثِقَلِهَا، وإِذَا سَكَنَ مَا قَبْلَ الهَمْزَةِ الساكنةِ كَانَ النطقُ بِهَا أَصْعَبَ.
890 - والنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ = وذَاكَ فِي المَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ
(والنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ) فَلَا تُنْقَلُ ضَمَّةٌ إِلَى مَسْبُوقٍ بِكَسْرَةٍ، ولا كَسْرَةٌ إِلَى مَسْبُوقٍ بِضَمَّةٍ، فَلَا يجوزُ النقلُ فِي نحوِ: "هَذَا بِشْر" بالاتفاقِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيهِ مِنْ بِنَاءِ فِعْلٍ، ولَا فِي نحوِ: "انْتَفَعْتُ بِقُفْل" خِلَافًا لِلْأَخْفَشِ لِمَا يَلْزَمُ عليهِ مِنْ بِنَاءِ فِعْلٍ، وهُو مُهْمَلٌ فِي الأَسْمَاءِ أو نَادِرٌ، هَذَا فِي غَيْرِ المهموزِ، وأَمَّا المهموزُ فيجوزُ فِيهِ ذَلكَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقولِهِ: (وذَاكَ فِي المَهْموزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ) فتقولُ "هَذَا رِدُء" و"مَرَرْتُ بِكُفء" لِمَا مَرَّ التنبيهُ عَلَيْهِ مِنْ ثِقَلِ الهَمْزَةِ، وهَذِهِ لُغَةُ كَثِيرٍ مِنَ العربِ، مِنْهُم تَمِيمٌ وأَسَدٌ، وبعضُ تَمِيمٍ يَفِرُّونَ مِنْ هَذَا النقلِ المُوقَعِ فِي عَدَمِ النظيرِ إِلَى إِتْبَاعِ العَيْنِ للفاءِ، فيقولونَ: "هَذَا رِدِيءْ مَعَ كُفُؤْ"، وبعضُهُم يُتْبِعُ ويُبْدِلُ الهَمْزَةَ بَعْدَ الإِتْبَاعِ فيقولونَ هَذَا رِدِي مَعَ كُفُو.
تنبيهانِ: الأولُ: لجِوَازِ النقلِ شرطٌ رَابِعٌ، وهُو أَنْ يكونَ المنقولُ مِنْهُ صَحِيحًا، فَلَا يُنْقَلُ مِنْ نحوِ ظَبْيٍ ودِلْوٍ.
الثانِي: إِذَا نُقِلَتْ حَرَكَةُ الهمزةِ، حَذَفَهَا الحِجَازِيُّونَ واقِفِينَ عَلَى حَامِلِ حَرَكَتِهَا، كَمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مُسْتَبْدَلًا بِهَا، فيقولونَ: "هَذَا الخَبْ" بالإسكانِ، والرَّوْمِ، والإِشْمَامِ، وغيرِ ذلكَ بشروطِهِ، وأَمَّا غيرُ الحِجَازِيِّينَ فَلَا يَحْذِفُهَا، بَلْ مِنْهُم: مَنْ يُثْبِتُهَا ساكنةً، نحوُ: "هَذَا البُطُؤْ" و"رأيتُ البُطَأْ"، و"مررتُ بالبُطِئْ".، ومِنْهُم مَنْ يُبْدِلُهَا بِمُجَانِسِ الحركةِ المنقولةِ، فيقولُ: "هَذَا البُطُو" و"رأيتُ البُطَا" و"مررتُ بالبِطُي"، وقَدْ تُبْدَلُ الهمزةُ بِمُجَانِسِ حركَتِهَا بَعْدَ سكونٍ باقٍ، نحوُ: "هَذَا البُطُو"، و"مررتُ بالبُطِي" وأمَّا فِي الفتحِ فَيَلْزَمُ فَتْحُ مَا قَبْلَهَا، وقَدْ يُبْدِلُونَهَا كذلكَ بعدَ حركةٍ غيرِ منقولةٍ، فيقولونَ: "هَذَا الكَلَوْ" و"مررتُ بالكَلَيْ" وأهلُ الحِجَازِ يقولونَ: الكَلَا فِي الأحوالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُم لَا يُبْدِلُونَ الهمزةَ بَعْدَ حركةٍ إِلَّا بِمُجَانِسِهَا، ولذلكَ يقولونَ فِي أَكْمُؤ: أَكْمُو، وفِي مُمْتَلئ: مُمْتَلي.